نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183612 / تحميل: 6900
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وقدوةً، صاحب تصانيف سائرة وأجلّ أهل عصرة بغير ارتياب وإماماً فاضلاً، وزاهداً عابداً قانتاً، وخاشعاً لله » *:

« قال ابن حجر: حديث كثير الطرق جداً، استوعبها ابن عقدة في كتابٍ مفرد، منها صحاح ومنها حسان »(١) .

٣ ) ابن حجر العسقلاني أيضا ً

وذكر ابن حجر العسقلاني كتاب ابن عقدة في مواضع من ( الإِصابة في معرفة الصحابة ) فأثبت صحبة عدد منهم، استناداً الى رواية ابن عقدة عنهم في كتاب الموالاة الذي جمع فيه طرق حديث الغدير.

فمن ذلك قوله: « عبد الله بن ياميل - آخره لام، رأيته مجوداً بخط الصريفيني، ذكره أبو العباس ابن عقدة في جمع طرق حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » أخرج بسند له الى إبراهيم بن محمد - أظنه ابن أبي يحيى - عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وأيمن بن نابل - بنون وموحدة - عن عبد الله بن ياميل، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: من كنت مولاه، الحديث، واستدركه أبو موسى »(٢) .

ومن ذلك قوله: « عبد الرحمن بن مدلج، ذكره أبو العباس ابن عقدة في كتاب الموالاة، وأخرج من طريق موسى بن نصر بن الربيع الحمصي: حدثني سعد ابن طالب أبو غيلان، حدثني أبو إسحاق، حدثني من لا أحصي: أنّ عليّاً أنشد الناس في الرّحبة: من سمع قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه؟، فقام نفر - منهم عبد الرحمن بن مدلج - فشهدوا أنهم سمعوا إذ ذاك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وأخرجه ابن شاهين عن ابن عقدة،

___________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٦ / ٢١٨.

(٢). الإصابة في أسماء الصحابة ٢ / ٣٧٤.

٦١

واستدركه أبو موسى » (١) .

ومن ذلك قوله: « أبو قدامة الأنصاري، ذكره أبو العباس ابن عقدة في كتاب الموالاة الذي جمع فيه طرق حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » فأخرج فيه من طريق محمد بن كثير، عن فطر، عن أبي الطفيل، قال: كنا عند علي، فقال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم، فقام سبعة عشر رجلاً - منهم أبو قدامة الأنصاري - فشهدوا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال ذلك. واستدركه أبو موسى، وسيأتي في الذي بعده ما يؤخذ منه اسم أبيه وتمام نسبه »(٢) .

٤ ) الشّريف السمهودي

فقد ذكر كتاب ابن عقدة ونقل عنه في كتابه ( جواهر العقدين ) كما سيأتي إنْ شاء الله تعالى.

٥ ) الشيخاني القادري

وقال الشيخاني القادري * وهو محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري * المدني، ويظهر تعصّبه من مراجعة كتابه الذي ننقل عنه * بعد أن ذكر بعض طرق حديث الغدير: « وقد استوعب طرق الأحاديث المذكورة وغيرها ابن عقدة في كتاب مفرد، وذكر أيضاً بعضها الشيخ نور الدين السيد الجليل علي بن جمال الدين عبد الله بن أحمد الحسيني السمهودي الشافعي في كتابه المسمى: أنجح المساعي في ردّ شبهة الداعي »(٣) .

___________________

(١). الإِصابة ٢ / ٤١٣.

(٢). المصدر نفسه ٤ / ١٥٩.

(٣). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.

٦٢

٦ ) البدخشاني

وقال البدخشاني * وهو المرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني، وهو من كبار العلماء المشهورين في الديار الهندية، وقد أثنى عليه رشيد الدين الدهلوي وحيدر علي الفيض آبادي في كتابيهما واستندا إليه * بعد أن ذكر بعض طرق الحديث: « أقول: هذا حديث صحيح مشهور، نصّ الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي التركماني الفارقي ثم الدمشقي على كثير من طرقه بالصحة، وهو كثير الطّرق جداً، وقد استوعبها الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المعروف بابن عقدة في كتاب مفرد »(١) .

وقال أيضاً: « فإنّ الحديث كثير الطّرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتابٍ مفرد، وقد نصّ الذهبي على كثير من طرقه بالصحة »(٢) .

رواة كتاب الموالاة

لقد أثبت جماعة من الأعلام كتاب ( الموالاة ) لأبي العباس ابن عقدة، وهم ابن تيمية وابن حجر العسقلاني والسمهودي والمناوي والقادري والبدخشاني، وقد تقدّمت نصوص كلماتهم المفيدة لذلك.

وعلمنا من خلال التتبّع لكتب الأسانيد أن كتاب ( الموالاة ) من مرويّات جماعة من أعيان علماء أهل السنّة، فهم يروونه عن مؤلّفه الحافظ ابن عقدة، بسند متصل إليه فيه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وهؤلاء هم:

___________________

(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٢). نزل الابرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار: ٢١.

٦٣

١ ) محمد بن عابد السندي

وهو محدّث المدينة المنورة في وقته، ومن مشاهير علماء أهل السنة في عصره قال عمر رضا كحالة: « حافظ فقيه عالم بالعربية رجع الى الحجاز وولّاه محمد علي رياسة العلماء بالمدينة، وتوفي بها في ١٨ ربيع الأول، ودفن بالبقيع، ثمّ ذكر تصانيفه، وقد أرخ وفاته بسنة ١٢٥٧(١) .

٢ ) محمد حسين الأيوبي

وهو شيخ السندي المذكور، فقد ذكره في ( حصر الشارد ) بقوله: « قد منّ الله تعالى عليّ - وله الحمد - بقراءة القرآن العظيم من فاتحته إلى خاتمته على قراءة الأئمّة السّبعة المشهورين، برواتهم الأربعة عشر المحصورة من طرقهم المشهورة، على شيخنا العلامة الفهّامة زينة دهره، وقدوة عصره، الحاوي لعلم الأديان والأبدان الجامع للفنون العقلية والنقلية، والموضّح لنا بأحسن بيان، عمّي وصنو أبي الشيخ محمد حسين بن محمد مراد الأنصاري الخزرجي الأيوبي نسباً، السندي بلدا، النقشبندي طريقة، والحنفيّ مذهباً ، رحمه‌ الله تعالى وبوّأه دار كرامته »(٢) .

٣ ) محمد مراد الانصاري

وهو والد الأيوبي المذكور وشيخه، قال محمد عابد السندي بعد ما تقدم « قال شيخنا قرأت بها على والدنا وشيخنا الحافظ الامام المحقق ولي الله تعالى العارف الشيخ محمد مراد بن محمد يعقوب بن محمود الأنصاري السندي ».

___________________

(١). معجم المؤلفين ١٠ / ١١٣.

(٢). حصر الشارد من أسانيد محمد عابد: ٣.

٦٤

٤ ) محمد هاشم السندي

وهو شيخ محمد مراد المذكور، قال السندي بعد العبارة المتقدمة: قال - يعني محمد مراد - قرأت بها جميع القرآن العظيم من فاتحته إلى خاتمته على شيخنا الامام الهمام مقتدى الأنام الشيخ محمد هاشم ».

٥ ) عبد القادر الصديقي

وهو مفتي الحنفية بمكة المكرمة في عصره وشيخ محمد هاشم السندي، قال السّندي: « قال - يعني محمد هاشم -: قرأت بها على جماعة أجلّهم علّامة دهره وحجة الله تعالى على عصره، الشيخ عبد القادر بن أبي بكر بن عبد القادر الصديقي نسباً، المكي بلداً، والحنفيّ مذهباً، مفتي الحنفيّة بمكّة المشرفة ».

وقال غلام علي آزاد بترجمة محمد طاهر الكجراتي: « ومن أحفاده الشيخ عبد القادر ابن الشيخ أبي بكر مفتي مكة المعظمة، كان عالماً جيّداً لا سيّما في الفقاهة، فصيحاً بليغاً، ومن تآليفه: الفتاوي، أربع مجلدات، ومجموعة المنشآت، توفي سنة ١١٣٨ »(١) .

وقال عبد الرحمن الكزبري الدمشقي، في ( أسانيده ) في ذكر شيوخه: « ومنهم العلامة المسند الشيخ عبد القادر الصديقي المكيّ المفتي »(٢) .

وترجم له أيضاً: المرادي في أعيان القرن الثاني عشر(٣) .

٦ ) حسن العجيمي

وهو من أعلام علمائهم، قال السندي بعد العبارة المذكورة عنه: « قال

___________________

(١). سبحة المرجان / ٤٤.

(٢). رسالة الأسانيد: ٥.

(٣). سلك الدرر ٣ / ٤٩.

٦٥

عبد القادر: قرأت بها على ولي الله تعالى العارف، عمدة القرّاء قدوة الحفاظ، أبي البقاء الحسن بن علي العجيمي المكيّ ».

والعجيمي - هذا - من مشايخ إجازة شاه وليّ الله، فقد قال: « قد اتصل سندي - والحمد لله - بسبعة من المشايخ الأجلّة الكرام، الأئمّة القادة الأعلام من المشهورين بالحرمين المحترمين، المجمع على فضلهم بين الخافقين، الشيخ محمد ابن العلاء والشيخ حسن بن العجيمي المكي »(١) .

وترجم له عمر رضا كحالة وأرخّ وفاته بسنة ١١١٣(٢) .

٧ ) أحمد الشناوي

المتوفى سنة ١٠٢٨ ترجم له المحبّي ترجمةً ضافية(٣) .

وهو من أكابر مشايخ إجازة الشاه وليّ الله الدهلوي أيضاً، فقد قال الدهلوي: « وقد استفاد واستوعب الوالد الماجد أخيراً في المدينة المنورة ومكة المعظمة من أجلّاء مشايخ الحرمين بكلّ استيعاب واستقصاء، وقد كان أكثر ذلك عند جناب حضرة الشيخ أبي طاهر المدني - قدس الله سره - الذي كان وحيد عصره في هذا الباب - رحمة الله عليه وعلى أسلافه ومشايخه -. ومن حسن الاتفاق: أنّ للشيخ أبي طاهر -قدس‌سره - سنداً مسلسلاً إلى الصوفيّين والعرفاء حتى الشيخ زين الدين زكريا الأنصاري، وذلك أنه أخذ عن أبيه الشيخ إبراهيم الكردي، وهو عن الشيخ أحمد القشاشي، وهو عن الشيخ أحمد الشناوي، وهو عن والده الشيخ(٤) عبد القدوس الشناوي. وأيضاً عن الشيخ محمد بن أبي الحسن البكري. وأيضاً عن الشيخ محمد بن أحمد الرملي. وأيضاً عن الشيخ عبد الرحمن

___________________

(١). الإِرشاد إلى مهمات الأسناد، وقد أدرج هذه الرسالة ولده الدهلوي في رسالة أصول الحديث له.

(٢). معجم المؤلّفين ٣ / ٢٦٤.

(٣). خلاصة الأثر في اعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٤٣ - ٢٤٦.

(٤). كذا، والصحيح: علي بن عبد القدّوس الشناوي.

٦٦

ابن عبد القادر بن فهد، وهؤلاء كلهم من أجلّة المشايخ العارفين بالله. »(١) .

٨ ) علي بن عبد القدوس الشناوي

وهو والد الشناوي المتّقدم ذكره، ومن شيوخ مشايخ الشاه ولي الله الدهلوي، والشيخ عبد الله بن سالم البصري(٢) ، وكان حيّاً سنة ١١٤٢.

٩ ) عبد الوهاب الشعراني

وهو من أكابر العلماء الثقات وجهابذة العرفاء المشهورين، وكثيراً ما تنتهي سلاسل إجازات الشاه وليّ الله الدهلوي إليه.

١٠ ) جلال الدين السيوطي

وهو أيضاً من شيوخ مشايخ والد الدهلوي، كما أثنى هو عليه في ( أصول الحديث ). وقد لقّبه المقري في ( فتح المتعال ) بمجدّد الدين النبوي في المائة التاسعة.

١١ ) ابن حجر العسقلاني

وهو الحافظ، صاحب التصانيف، شيخ الإِسلام.

١٢ ) أبو العباس المقدسي الحنبلي

وهو أحمد بن أبي بكر شيخ ابن حجر العسقلاني المذكور، ومن مشاهير الفقهاء والمحدثين، ترجم له ابن حجر بقوله: « أحمد بن أبي بكر بن أحمد أبو

___________________

(١). أصول الحديث لعبد العزيز الدهلوي: ٢٥.

(٢). الإِنتباه في سلاسل أولياء الله، الامداد بمعرفة علو الاسناد: ١٤.

٦٧

العباس المقدسي، حدّث بالكثير وكان خاتمة المسندين بدمشق، مات في ربيع الآخر سنة ٧٩٨ وقد أجاز لي غير مرة. »(١) .

١٣ ) اسحاق بن يحيى الحنفي

ترجم له الذهبي في ( معجمه المختص ) بقوله: « إسحاق بن يحيى بن إسحاق المسند، عفيف الدين أبو محمد الآمدي الحنفي، ولد سنة ٧٤٢ بآمد وتفرّد بأشياء، مات في رمضان سنة ٧٢٥ ».

وأورد ابن حجر كلام الذهبي هذا ثم قال: « قلت: ثنا عنه بالسماع غير واحد، منهم أحمد بن أقبرص بن بلعاق، وحدّث بالكثير، وكان يشهد على القضاة، وكان لطيفاً بشوشاً، يتفرد بأشياء من العوالي، وعمل لنفسه معجماً، مات سنة ٧٢٥ »(٢) .

١٤ ) يوسف بن خليل الدمشقي

وهو من كبار الحفاظ، ترجم له الذهبي بقوله: « ويوسف بن خليل الحافظ الرحّال محدّث الشام »(٣) وقال السيوطي: « ابن خليل الحافظ المفيد الرحال الإِمام مسند الشام وكان حافظاً ثقة عالماً بما يقرأ عليه، لا يكاد يفوته اسم رجل، واسع الرواية متقناً »(٤) .

١٥) محمد بن حيدرة

وهو شيخ ابن خليل المتقدّم ذكره، وقد صرح العلماء بأنّ رواية العدل الثقة

___________________

(١). الدرر الكامنة ١ / ١١٧.

(٢). الدرر الكامنة ١ / ٣٨١.

(٣). العبر - حوادث سنة ٦٤٨.

(٤). طبقات الحفاظ / ٤٩٥.

٦٨

عن رجل - هي وحدها - دليل عدالة المرويّ عنه وإنْ لم يصرّح الراوي باسمه، فكيف إذا كان من شيوخ الإِجازة؟

ومن ذلك: جعل ابن حجر المكيّ رواية الصحابة والتابعين عن معاوية بن أبي سفيان دليلاً على اجتهاد معاوية وإمامته!!. كما في كتاب ( تطهير الجنان ).

ومن ذلك: أخذ سيف الله بن أسد الله الملتاني رواية مالك وأبي حنيفة وجماعة دليلاً على وثاقة الإِمام جعفر بن محمد الصادق -عليه‌السلام ! كما في ( تنبيه السفيه ).

ومن ذلك: استناد الذهبي في إثبات وثاقة أحمد بن عمر بن أنس بن دلهان الأندلسي إلى رواية ابن عبد البرّ وابن حزم عنه كما في ( العبر ).

ومن ذلك: اعتزاز المقري برواية ابن عبد البرّ والخطيب عن أبي الوليد الباجي كما في ( نفح الطيب ).

هذا ولقد نصّ ابن القيّم على ما ذكرنا في ( زاد المعاد ) بقوله: « وأحد القولين: إنّ مجرّد رواية عدل عن غيره هو تعديل لذلك الغير وإنْ لم يصرّح الراوي بتعديله، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل ».

ونستنتج من ذلك كله: أن رواية الحافظ ابن خليل عن ابن حيدرة تدلّ علىجلالة ابن حيدرة ووثاقته.

١٦ ) محمد بن علي بن ميمون الكوفي

وهو من الحفاظ المشهورين، قال الذهبي: « أبيّ النرسي أبو الغنائم محمد ابن علي بن ميمون الكوفي الحافظ، روى عن محمد بن عليّ بن عبد الرحمن العلوي وطبقته بالكوفة، وعن أبي إسحاق البرمكي وطبقته ببغداد، وناب في خطابة الكوفة، وكان يقول: ما بالكوفة من أهل السنة والحديث إلّا أنا. وقال ابن ناصر: كان حافظاً متقناً ما رأينا مثله، كان يتهجّد ويقوم الليل، وكان أبو عامر العبدري

٦٩

يثني عليه ويقول: ختم به هذا الشأن »(١) .

١٧ ) دارم بن محمد النهشلي

وهو شيخ أبي الغنائم المذكور.

١٨ ) محمّد بن ابراهيم السري

وهو شيخ دارم المذكور.

هؤلاء رواة كتاب ( الموالاة ) وفيما يلي النص الكامل للسند:

قال الشيخ محمد عابد السندي: « وأما كتاب الموالاة لأبي العباس ابن عقدة، فأرويه عن عمي الشيخ محمد حسين بن محمد مراد الأنصاري السندي عن أبيه، عن الشيخ محمد هاشم بن عبد الغفور السندي، عن مفتي مكة الشيخ عبد القادر الصدّيقي الحنفي، عن الشيخ حسن العجيمي، عن الشيخ أحمد الشناوي، عن أبيه الشيخ علي الشناوي، عن الشيخ عبد الوهاب الشعراني، عن الحافظ السيوطي، عن الحافظ ابن حجر، عن أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد المقدسي، أنا إسحاق بن يحيى بن إسحاق الآمدي، عن يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو المعمر محمد بن حيدرة بن عمر الحسيني، أنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون، أنا دارم بن محمد بن زيد النهشلي، أنا محمد بن إبراهيم بن السري التميمي، أنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عقدة »(٢) .

___________________

(١). العبر حوادث سنة ٥١٠ - ٤ / ٢٢، وأنظر: تذكرة الحافظ ٤ / ١٢٦٠ والنجوم الزاهرة ٥ / ٢١٢، وشذرات الذهب ٤ / ٢٩، وطبقات الحفاظ / ٤٥٨، ومرآة الجنان، وحوادث سنة ٥١٠.

(٢). حصر الشارد -حرف الميم: ١٦٢ قلت: وفي كفاية الطالب للحافظ الكنجي / ٦٢، ما نصه: « أخبرنا الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي بحلب، قال: أخبرنا الشريف أبو المعمر بن حيدرة الحسيني الكوفي ببغداد، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن ميمون النرسي بالكوفة، أخبرنا أبو المثني دارم ابن محمد بن زيد النهشلي، حدثنا أبو حكيم محمد بن إبراهيم السري التميمي، حدثنا أبو العباس =

٧٠

ويظهر من كلام السندي في خطبة كتابه أنّه لا يذكر فيه إلّا أسانيده في الكتب المعتبرة إذْ قال: « إنَّه طالما لاذ بي بعض طلبة علم الحديث، وسألوني أن ألخّص لهم شيئاً من أسانيدي في الكتب المعتبرة ».

ترجمة ابن عقدة ووثاقته

هذا، ولما رأى المعاندون كثرة طرق حديث الغدير، بحيث جمعها واستوعبها الحافظ ابن عقدة في كتابٍ مجرد، وأنه لا يمكن الطعن في شيء من تلك الطرق عمدوا إلى الطعن في ابن عقدة نفسه، حتى لا يتم للامامية مطلوبهم بالاستناد إلى كتابه.

فهذا أبو نصر الكابلي يذكر: أن ابن عقدة ليس من أهل السنة، وكان جارودياً رافضياً، وإليك نص كلامه في المطلب السادس من ( الصواقع الموبقة ) الذي خصه بذكر المكايد: « التاسع والتسعون: نقل ما يؤيد مذهبهم عن كتاب رجل يتخيّل أنّه من أهل السنة وليس منهم، كابن عقدة كان جارودياً رافضياً، فإنّه ربّما ينخدع منه كل ذي رأي غبين، ويميل إلى مذهبهم أو تلعب به الشكوك »(١) .

وهذا ( الدهلوي ) يقلّد الكابلي في هذا الحكم كغيره، ويضيف إلى ابن عقدة: ابن قتيبة وأخطب خوارزم(٢) .

___________________

= أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ( ابن عقدة ) وحدثنا ابراهيم بن الوليد بن حماد، أخبرنا أبي، أخبرنا يحيى بن يعلى، عن حرب بن صبيح، عن ابن أخت حميد الطويل، عن ابن جدعان، عن سعيد ابن المسيب قال: قلت لسعد بن أبي وقاص: إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أتقيك. قال: سل عما بدا لك فإنما أنا عمك. قال: قلت: مقام رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فيكم يوم غدير؟

قال: نعم قام فينا بالظهيرة فأخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره. قال: فقال أبو بكر وعمر: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ».

(١). الصواقع الموبقة. المطلب السادس في المكايد.

(٢). التحفة الاثنا عشرية، الباب الثاني، المكيدة الحادية والثمانون: ٦٨.

٧١

ومن قبلهما حثالة من الناس

ولكن يكفي دليلاً على جلالة ابن عقدة وكونه من أكابر حفاظ أهل السنة: إعتماد كبار أئمتهم عليه وأخذهم بآرائه وأقواله ألا ترى أن ابن حجر العسقلاني يعتبر الرّجل صحابيّاً إستناداً إلى ( كتاب الموالاة ) المذكور، وأنه يلقّبه بأمير المؤمنين في الحديث، وأنه يصحّح كثيراً من طرق حديث الغدير في كتاب الموالاة!؟

بل إنّ كتبهم في الرجال مشحونة بذكر آراء ابن عقدة من جرحٍ وتعديلٍ ومدحٍ وذمٍ ...، فقد ذكر المزي بترجمة أحمد بن محمد بن نيزك بن حبيب أبي جعفر البغدادي: « قال أبو العباس ابن عقدة: في أمره نظر »(١) .

وقد أورد رأي ابن عقدة في هذا الرجل هكذا كلّ من: الذهبي وابن حجر العسقلاني، فقال الذهبي: « قال ابن عقدة: في أمره نظر »(٢) وقال ابن حجر « قال ابن عقدة: في أمره نظر »(٣) .

وقال الذهبي في العبر: « أبو إسحاق بن حمزة الحافظ قال ابن عقدة: قلّ من رأيت مثله »(٤) وكذا نقل قول ابن عقدة جلال الدين السيوطي بترجمة الرجل من طبقاته(٥) .

بل لابن عقدة آراؤه في علم قواعد الحديث، قال السيوطي في بيان أقسام تحمل الحديث: « السابع: إجازة المجاز كأجزتك مجازاتي، [ أو جميع ما أجيز روايته ] فمنعه بعض من لا يعتدّ به والصحيح الذي عليه العمل: جوازه، وبه قطع الحفاظ: الدارقطني و [ أبو العباس ] ابن عقدة [ الكوفي ] وأبو نعيم وأبو

___________________

(١). تهذيب الكمال ١ / ٤٧٥.

(٢). تذهيب التهذيب - مخطوط.

(٣). تهذيب التهذيب ١ / ٧٨.

(٤). العبر - حوادث سنة ٣٣٢.

(٥). طبقات الحفاظ / ٣٧١.

٧٢

الفتح نصر المقدسي »(١) .

أقول: وفي هذا القدر كفاية لثبوت جلالة ابن عقدة ووثاقته.

كلمات في توثيقه

أضف إلى ذلك: توثيق علماء الرجال وفطاحل أهل السنة أبا العباس ابن عقدة، وثنائهم الصريح عليه، وتنصيصهم على رواية الأكابر عنه، واعتمادهم عليه، ولنذكر نصوص عبارات بعضهم:

١ ) السمعاني

« كان حافظاً متقناً عالماً، جمع التراجم والأبواب والمشيخة، وأكثر الرواية وانتشر حديثه، سمع أحمد بن عبد الحميد الحارثي وعبد الله بن أبي سلمة

روى عنه الأكابر من الحفاظ مثل: أبي بكر محمد بن عمر [ ابن ] الجعابي وأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، وأبي نعيم، وعبد الله بن عدي الجرجاني، وأبي الحسين محمد بن المظفر البغدادي، وأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، وأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين وخلق يطول ذكرهم

وكان الدارقطني يقول: أجمع أهل الكوفة على أنه لم ير من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن أبي العباس ابن عقدة أحفظ منه، وقال أبو الطيب ابن هرثمة: كنا بحضرة ابن عقدة المحدث ونكتب عنه، وفي المجلس رجل هاشمي إلى جانبه، فجرى حديث حفاظ الحديث، فقال أبو العباس: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل بيت هذا سوى غيرهم - وضرب بيده على الهاشمي -

ولد في سنة أربع [ تسع ] وأربعين ومائتين ليلة النصف من المحرم، ومات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة »(٢) .

___________________

(١). تدريب الراوي ٢ / ٤٠.

(٢). الأنساب - العقدي.

٧٣

٢ ) البدخشاني

فانّه أورد كلمات السمعاني هذه، ثم قال: « قلت: ذكره الذهبي وابن ناصر الدين في طبقات الحفاظ »(١) .

٣ ) السيوطي

في ذكر حديث ردّ الشمس ردّاً على قدح ابن الجوزي في ابن عقدة: « وابن عقدة من كبار الحفاظ، والناس مختلفون في مدحه وذمه، قال الدارقطني: كذب من اتّهمه بالوضع، وقال حمزة السهمي: ما يتّهمه بالوضع إلّا طمل، وقال أبو علي الحافظ: أبو العباس إمام حافظ، محله محل من يسأل عن التابعين وأتباعهم »(٢) .

تراجم الموثقين لابن عقدة

أقول: ولنعرف هؤلاء الموثقين لابي العباس ابن عقدة فنقول: أمّا الدارقطني، فقد أوردنا ترجمته بالتفصيل في ( مجلد حديث الطير ) وأمّا السيوطي فستأتي ترجمته في كتاب ان شاء الله تعالى، وأمّا حمزة السهمي:

ترجمة السهمي

فقد قال الذهبي: « وأبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني الحافظ من ذرية أو شام بن العاص، سمع سنة أربع وخمسين من محمد بن أحمد بن إسماعيل الصرّام صاحب محمّد بن الضريس، ورحل الى العراق سنة ثمان وستين فأدرك ابن ماشي، وهو مكثر عن ابن عدي والاسماعيلي وكان من أئمّة

___________________

(١). تراجم الحفاظ. وهو كتاب مستخرج من الأنساب للسمعاني، وهو مخطوط.

(٢). اللئالي المصنوعة ١ / ٣٣٧.

٧٤

الحديث حفظاً ومعرفة وإتقافاً »(١) .

وبمثله قال السيوطي وأضاف: « صنّف وخرّج وعدّل وصحّح وعلّل، مات سنة ٤٢٧ »(٢) .

وقال السمعاني بترجمته: « أحد الحفاظ المكثرين »(٣) .

ترجمة أبي علي الحافظ

وأمّا أبو علي النيسابوري، فقد ترجم له الذهبي بقوله: « أبو علي الحافظ الحسين بن علي بن يزيد النيسابوري، أحد الأعلام قال الحاكم: هو واحد عصره في الحفظ والإِتقان والورع والمذاكرة والتصنيف، سمع ابراهيم ابن أبي طالب وطبقته، وفي الرحلة من النسائي وأبي خليفة وطبقتهما، وكان آية في الحفظ، كان ابن عقدة يخضع لحفظه »(٤) .

وبمثله قال اليافعي(٥) .

ونقل السيوطي عن تلميذه الحاكم قوله: « وأقام ببغداد وما بها أحفظ منه إلّا أن يكون أبو بكر الجعابي، فإنّي سمعت أبا علي يقول: ما رأيت ببغداد أحفظ منه قال ابن مندة: سمعت أبا علي يقول - وما رأيت أحفظ منه -: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم، وقال ابن منده: ما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي.

وقال القاضي أبو بكر الأبهري: سمعت أبا بكر ابن أبي داود يقول لأبي علي: من إبراهيم عن إبراهيم عن إبراهيم؟ قال: إبراهيم بن طهمان، عن إبراهيم بن

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٤٢٧.

(٢). طبقات الحفاظ / ٤٢٢.

(٣). الأنساب - الحافظ.

(٤). العبر - حوادث سنة ٣٤٩.

(٥). مرآة الجنان، حوادث سنة ٣٤٩.

٧٥

عامر البجلي، عن إبراهيم النخعي. فقال: أحسنت يا أبا علي.

قال الحاكم: كان أبو علي يقول: ما رأيت في أصحابي مثل الجعابي في حفظه، فحكيت هذا للجعابي، فقال: يقول أبو علي هذا وهو أستاذي في الحقيقة »(١) .

٤ ) محمد بن طاهر الفتنى

« حديث أسماء في رد الشمس، فيه فضيل بن مرزوق، ضعيف، وله طريق آخر فيه ابن عقدة: رافضي رمي بالكذب، ورافضي كاذب.

قلت: فضيل صدوق احتج به مسلم والأربعة، وابن عقدة من كبار الحفاظ وثّقه الناس، وما ضعّفه إلّا عصريّ متعصب، والحديث صرح جماعة بتصحيحه منهم القاضي عياض »(٢) .

٥ ) سبط ابن الجوزي

في الكلام على حديث ردّ الشمس: « وكذا قول جدي: « أنا لا أتهم به إلّا ابن عقدة » من باب الظن والشك لا من باب القطع واليقين، وابن عقدة مشهور بالعدالة، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها ولا يتعرض للصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بمدحٍ ولا بذم، فنسبوه إلى الرفض »(٣) .

٦ ) الخوارزمي

« أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن زياد بن عبد الله بن العجلان

___________________

(١). طبقات الحفاظ: ٣٦٨.

(٢). تذكرة الموضوعات: ٩٦. وتوجد ترجمة محمد بن طاهر الفتني في أخبار الأخبار للشيخ عبد الحق الدهلوي، وسبحة المرجان في آثار هندوستان لغلام علي آزاد البلجرامي، وغيرهما، وستأتي خلاصتها عن « النور السافر في أخبار القرن العاشر ».

(٣). تذكرة خواص الأمة: ٥١.

٧٦

أبو العباس الكوفي الهمداني المعروف بابن عقدة، كان ثقة فقيهاً عالماً بالنحو واللغة والقراءة متقناً في الحديث حافظاً لرواته، ومدار هذه المسانيد عليه »(١) .

٧ ) السبكي - في ذكر الطبقات -

« فأين أهل عصرنا من حفاظ هذه الشريعة أبي بكر الصديق

ومن طبقة أخرى من التابعين

طبقة أخرى

أخرى

أخرى

أخرى

أخرى: وأبي بكر بن زياد النيسابوري وأبي حامد أحمد بن محمد بن السرفي وأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي وأبي العباس الدغولي وعبد الرحمن ابن أبي حاتم

وأبي العباس ابن عقدة

فهؤلاء مهرة هذا الفن، وقد أغفلنا كثيراً من الأئمّة، وأهملنا عدداً صالحاً من المحدّثين، وإنّما ذكرنا من ذكرنا لننبّه بهم على من عداهم، ثمّ أفضى الأمر إلى طيّ بساط الأسانيد رأساً، وعدّ الإِكثار منها جهالة ووسواساً »(٢) .

أقول: ومن هذه العبارة التي اختصرناها نستفيد أموراً:

الأول: كون ابن عقدة أعظم من علماء عصر السبكي وما قبله، وبما أنّ مرتبة ( الدهلوي ) وغيره أدنى بكثير من مرتبة علماء عصر السبكي، فإنّ كلامهم غير مسموع في ابن عقدة.

الثاني: كون ابن عقدة من حفاظ الشريعة.

___________________

(١). جامع مسانيد أبي حنيفة، لأبي المؤيد الخوارزمي المتوفى سنة: ٦٥٥ توجد ترجمته في الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية ٢ / ١٣٢ وتاج التراجم: ٤٩.

(٢). طبقات الشافعية الكبرى ١ / ٣١٤ - ٣١٨.

٧٧

الثالث: كون ابن عقدة في طبقة كبار أساطين الأئمّة من أهل السنّة، كالعقيلي وابن أبي حاتم و و و و

الرابع: كون ابن عقدة من مهرة فن الحديث وأئمة هذا العلم.

الخامس: كون ابن عقدة أعظم من الأئمّة الذين أغفل السبكي ذكرهم، وهم كثيرون

السادس: كون ابن عقدة كأبي بكر و و و من حفاظ الشريعة، وبعد هذا، فهل تبقى قيمة لطعن طاعنٍ أو قدح قادح؟

٨ ) السيوطي

« ابن عقدة - حافظ العصر والمحدث البحر أبو العباس كان إليه المنتهى في قوّة الحفظ وكثرة الحديث، ورحلته قليلة، ألّف وجمع، حدّث عنه الدارقطني وقال: أجمع أهل الكوفة على أنه لم يربها من زمن ابن مسعود إلى زمنه أحفظ منه.

وعنه: أحفظ مائة ألف حديث بأسنادها، وأجيب عن ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني هاشم.

وقال أبو علي: ما رأيت أحفظ منه لحديث الكوفيين. وعنده تشيّع. ولد سنة ٢٤٩ ومات في ذي القعدة سنة ٣٣٢ »(١) .

أقول: قوله: « وعنده تشيّع » ليس بقادح عندهم ولا سيّما بعد تلك الفضائل وآيات الثناء عليه - وقد قال ابن حجر الحافظ:

« والتشيع محبّة علي وتقديمه على الصحابة، فمن قدّمه على أبي بكر وعمر فهو غال في التشيع ويطلق عليه رافضي وإلّا فشيعي، وإنْ انصاف الى ذلك السب والتصريح بالبغض فغال في الرفض، وإنْ اعتقد الرجعة الى الدنيا فأشدّ في

___________________

(١). طبقات الحفاظ / ٣٤٨.

٧٨

الغلو »(١) .

فالحمد لله الذي حللنا بعونه عقدة كيد ( الدهلوي ) في جرح ابن عقدة، حيث أثبتنا أنه ثقة معتمد، بأقوال الاساطين الذين بيدهم عقدة الجرح والتعديل، وهم أهل الحل والعقد في هذا الفن الجميل.

___________________

(١). فتح الباري شرح صحيح البخاري - مقدمة الكتاب: ٤٦٠.

٧٩

(٣ )

تصنيف الطبري كتاباً في طرق حديث الغدير

وصنّف أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري مصنّفاً بطرق حديث الغدير قال صاحب العمدة: « وقد ذكر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه في خمسة وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سمّاه كتاب الولاية »(١) .

وقال السيد ابن طاوس -رحمه‌الله -: « من ذلك: ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير، صنّفه وسمّاه كتاب الردّ على الحرقوصية روى [ فيه ] حديث الغدير وما نصّ النبي -عليه‌السلام - على عليّ بالولاية والمقام الكبير، وروى ذلك من خمس وسبعين طريقاً »(٢) .

وقال -رحمه‌الله - أيضاً: « وأما الذي ذكره محمد بن جرير صاحب التاريخ في ذلك فإنّه مجلّد»(٣) .

وقال السيدرحمه‌الله : « وقد روى حديث يوم الغدير محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سمّاه كتاب

___________________

(١). العمدة: ٥٥.

(٢). الاقبال: ٤٥٣.

(٣). المصدر نفسه: ٤٥٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

العمريّة ) أن أخبار كل فرقة لا تصلح للاعتبار والاعتماد في مقام البحث والنقاش مع غيرها من الفرق، لأن رواة أخبار كل فرقة مقدوحون لدى علماء الفرقة الأخرى.

أقول: فحديث أبي نعيم لا يجوز الاحتجاج به في مقابلة الشيعة الامامية، فكيف بدعوى التعارض بينه وبين حديث متواتر لدى الفريقين؟

وعلى ما ذكره رشيد الدين الدهلوي فإنّه يلزم على أهل السنة التسليم والاذعان باستدلال الشيعة بأحاديث فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام المخرجة في كتب أهل السنّة، وبهذا تسقط مكابرات ( الدهلوي ) وأسلافه كابن حجر وابن تيمية وأمثالها، لأن استدلال الشيعة كان مطابقاً للقواعد المقرّرة المتّبعة في مقام المناقشة والمناظرة، فيجب على من خالفهم التسليم والقبول.

٩ - اعتراضهم على تمسك الامامية برواية أبي نعيم

وهل من العدل والانصاف اعتراضهم على الامامية التمسك برواية أبي نعيم لفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهم في نفس الوقت يستندون إلى حديث يرويه أبو نعيم في مقابلة حديث الغدير المتواتر؟!

لقد قال ابن تيمية: « فإن أبا نعيم روى كثيراً من الأحاديث التي هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق علماء الحديث وأهل السنة والشيعة ».

وقال أيضاً: « مجرّد رواية صاحب الحلية ونحوه لا يفيد ولا يدل على الصحة، فإنّ صاحب الحلية قد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء وغيرهم أحاديث ضعيفة بل موضوعة باتفاق أهل العلم ».

١٠ - تنصيص الدهلوي على عدم اعتبار تصانيف أبي نعيم

وقال ( الدهلوي ) في رسالته في أصول الحديث في بيان طبقات كتب الحديث نقلاً عن والده ما تعريبه: « الطبقة الرابعة: الأحاديث غير المعروفة في

٢٤١

القرون السابقة والتي رواها المتأخرون، فلا يخلو حالها عن أحد أمرين، فإمّا قد تفحص عنها السلف ولم يقفوا لها على أصل حتى يروونها، وإما وقفوا لها على أصل لكن رأوا فيه علة أوجبت ترك جميع تلك الأحاديث، وعلى كلّ حال فإن هذه الأحاديث لا يجوز الاعتماد عليها والتمسك بها في عقيدة أو عمل. ولنعم ما قال بعض الشيوخ في أمثال هذا:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ولقد قطع هذا القسم من الأحاديث الطريق على كثير من المحدّثين، واغتروا بكثرة طرقها الواردة في هذا القسم من الكتب، فحكموا بتواترها وتمسكوا بها في مقام القطع واليقين، خلافاً لما تدل عليه الأحاديث في الطبقة الأولى والثانية والثالثة.

وقد تضمنّت كتب كثيرة لهذا القسم من الأحاديث وهذه أسامي بعضها: كتاب الضعفاء لابن حبان، تصانيف الحاكم، كتاب الضعفاء للعقيلي، كتاب الكامل لابن عدي، تصانيف الخطيب، تصانيف ابن شاهين، تفسير ابن جرير، الفردوس للديلمي بل جميع تصانيفه، تصانيف أبي نعيم، تصانيف الجوزجاني، تصانيف ابن عساكر، تصانيف أبي الشيخ، تصانيف ابن النجار.

وإن اكثر المساهلة والوضع هو في باب المناقب والمثالب والتفسير وأسباب النزول و ».

أقول على ضوء هذا الكلام: إن الحديث الذي استند إليه ( الدهلوي ) في مقابلة استدلال الامامية بحديث الغدير المتواتر هو من الأحاديث المجهولة في القرون السابقة، ولا يخلو أمره من أحد الأمرين اللذين ذكرهما، وعلى كل حال لا يجوز الاستناد اليه والاعتماد عليه، فالعجب، إن هذا الرجل يعتمد على حديث يراه هو والده حديثاً باطلاً لا يجوز التمسك به فناسب أن نقول له:

فإنْ كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

٢٤٢

بل إنه يدري فالمصيبة أعظم

١١ - طعن ابن الجوزي في أبي نعيم

ولقد بالغ الحافظ ابن الجوزي في ذم أبي نعيم والطعن عليه، وإليك نص عبارته: « وجاء أبو نعيم الاصبهاني فصنّف لهم - أي للصوفية - كتاب الحلية، وذكر في حدود التصوف أشياء قبيحة، ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثماناً وعلي بن أبي طالب وسادات الصّحابة رضي الله عنهم، فذكر عنهم فيه العجب »(١) .

١٢ - ومن رواته « فضيل بن مرزوق »

ومن رواة هذا الخبر هو « فضيل بن مرزوق » كما في ( الاكتفاء ) حيث جاء فيه: « و روي عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن - أي المثنى ابن الحسن السبط - وقال له رجل: ألم يقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنتَ مولاه فعلي مولاه.؟ قال: بلى. أما والله لو يعني بذلك الامارة والسلطان لأفصح لهم بذلك كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فإن رسول الله كان أفصح الناس للمسلمين، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا والي الأمر والقائم عليكم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا »(٢) .

و« فضيل بن مرزق » وإن وثّقه غير واحد فقد تكلّم فيه جماعة من الأعلام، قال الذهبي: « قال النسائي: ضعيف، وكذا ضعفه عثمان بن سعيد »(٣) .

قال: « قال أبو عبد الله الحاكم: فضيل بن مرزوق ليس من شرط

____________________

(١). تلبيس ابليس: ١٥٩.

(٢). الاكتفاء في فضل الاربعة الخلفاء - مخطوط.

(٣). ميزان الاعتْدال في نقد الرجال ٣ / ٣٦٢

٢٤٣

الصحيح، عيب على مسلم إخراجه في الصحيح. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدّاً كان ممن يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات »(١) .

وذكره الذهبي في ( المغني في الضعفاء ) قائلا: « فضيل بن مرزوق الكوفي، عن أبي حازم الأشجعي والكبار. وثّقه غير واحد، وضعّفه النسائي وابن معين أيضاً. قال الحاكم: عيب على مسلم إخراجه في الصحيح »(٢) .

وقال ابن حجر: « قال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين: صالح الحديث صدوق يهمّ كثيراً يكتب حديثه. قلت: يحتج به؟ قال: لا. وقال النسائي: ضعيف قال مسعود عن الحاكم: ليس هو من شرط الصحيح وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه. قال ابن حبان في الثقات: يخطئ، وقال في الضعفاء: يخطئ على الثقات. وروى عن عطية الموضوعات. وقال ابن شاهين في الثقات: اختلف قول ابن معين فيه. وقال في الضعفاء قال أحمد بن صالح: حدّث فضيل عن عطية عن أبي سعيد حديث إن الذي خلقكم من ضعف، ليس له عندي أصل ولا هو بصحيح. وقال ابن رشدين: لا أدري من أراد أحمد ابن صالح بالتضعيف أعطية أم فضيل بن مرزوق »(٣) .

هذه كلمات القوم في « فضيل بن مرزوق ».

١٣ - اشتمال الحديث على فرية قبيحة

لقد ظهر إلى الآن أن هذا الكلام موضوع على الحسن المثنى وأنه لم يقله قطعاً، وقد اشتمل في رواية محب الدين الطبري على فرية أخرى عليه، إذ جاء فيه: « ويحكم، لو كان نافعاً بقرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منّا، أباه وأمّه ».

وهذا نص ما ذكره بتمامه: « ذكر ما روي عن الحسن بن الحسن أخي عبد الله

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٦٢.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ٥١٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٨.

٢٤٤

ابن الحسن أنه قال لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبّونا بالله، فإن أطعنا الله فأحبّونا وإنْ عصينا الله فابغضونا. فقال له رجل: إنكم ذوو قرابة من رسول الله وأهل بيته. قال: ويحكم لو كان نافعاً بقرابة رسول الله بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منّا، أباه وأمّه، والله إني أخاف أن يضاعف الله للمعاصي منّا العذاب ضعفين، والله إني لأرجو أن يؤتي المحسن منّا أجره مرتين.

قال: ثم قال: لقد أساءنا آباؤنا وأمهاتنا، إن كان ما تقولون من دين الله ثم لم يخبرونا به ولم يطلعونا عليه ولم يرغبوا فيه، ونحن كنا أقرب منهم قرابة منكم وأوجب عليهم وأحق أن يرغبونا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تقولون أن الله جلّ وعلا ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختار علياً لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده، فإنّ علياً أعظم الناس خطيئة وجرماً، إذ ترك أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس.

فقال له الرافضي: ألم يقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أما والله لو يعني رسول الله بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس، لأفصح كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ولقال أيها الناس إن هذا الولي بعدي فاسمعوا وأطيعوا.

خرّج جميع الأذكار عن أهل البيت الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسن السّمان الرازي، في كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة رضوان الله أجمعين »(١) .

وإن نفي انتفاع والدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه القرابة من رسول الله من أوضح الأباطيل عند المسلمين قاطبة، كما لا يخفى على من طالع رسائل الحافظ السيوطي في هذا الباب.

فنسبة هذا الكلام إلى الحسن المثنى فرية شنيعة، ووجوده في هذا الحديث قرينة أخرى على وضع الحديث وبطلانه من أصله.

____________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٦٠.

٢٤٥

١٤ - اشتماله على فرية أخرى

وما جاء في هذا الحديث من أنه « لو كان الأمر كما تقولون فإن علياً أعظم الناس خطيئة وجرماً إذ ترك أمر رسول الله » فرية أخرى على الحسن المثنى، فإن هذا الكلام من عجائب الخرافات، لأن أمير المؤمنينعليه‌السلام قد طالب بحقه مراراً، وامتنع عن البيعة مع أبي بكر، فلما لم يعطعليه‌السلام حقه ولم يعنه الناس على قيامه على الظالمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما ذنبه؟!

ويكون هذا الكلام في البطلان كما لو قال المنكرون لنبوة الأنبياء في حق الأنبياء الذين ظلموا، واستشهدوا على أيدي الأمم السالفة، ولم يتمكنوا من إنفاذ الشرائع السماوية: أنه لو كانوا أنبياء الله حقا فإنهم أعظم الناس خطيئة، لعدم قيامهم بما بعثهم الله عليه

وقال ابن حجر المكي: « تنبيه - استدل أهل السنة بمقاتلة علي لمن خالفوه من أهل الجمل والخوارج وأهل صفين مع كثرتهم، وبإمساكه عن مقاتلة المبايعين لأبي بكر والمستخلفين له، مع عدم إحضارهم لعليرضي‌الله‌عنه وعدم مشاورتهم له في ذلك، مع أنه ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوج بنته رضي الله عنها، والمحبو منها بمزايا ومناقب لا توجد في غيره، ومع كونه الشجاع القرم والعالم الذي يلقي كل منهم إلى علمه السلم، والفائق لهم في ذلك، المحتمل عنهم مشقة القتال في أوعر المسالك، وبإمساكه أيضاً عن مقاتلة عمر المستخلف له أبي بكر ولم يستخلف عليا كرم الله وجهه، وعن مقاتلة أهل الشورى ثم ابن عوف المنحصر أمرها فيه باستخلافه لعثمان، على أنه لم يكن عنده علم ولا ظن بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد له صريحاً ولا إيماء بالخلافة، وإلّا لم يجز له عند أحد من المسلمين السكوت على ذلك، لما يترتب عليه من المفاسد التي لا تتدارك، لأنه إذا كان خليفة بالنص ثم مكّن غيره من الخلافة ذلك الغير باطلة وأحكامها كلها

٢٤٦

كذلك، فيكون إثم ذلك كله على علي كرم الله وجهه، وحاشاه من ذلك.

وزعم أنه إنما سكت لكونه كان مغلوباً على أمره. يبطله أنه كان يمكنه أن يعلمهم باللسان ليبرأ من آثام تبعة ذلك، ولا يتوهم أحد أنه لو قال: عهد إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بالخلافة فإن أعطيتموني حقي وإلّا صبرت أنه يحصل له بسبب هذا الكلام لوم من أحد من الصحابة بوجه وإن كان أضعفهم، فإذا لم يقل ذلك كان سكوته عنه صريحاً في أنه لا عهد عنده ولا وصية إليه بشيء من أمور الخلافة، فيبطل إدعاء كونه مغلوباً »(١) .

أقول: فإذا كان إعلام الصحابة بالنص كافياً لأن يبرأ عليه الصلاة والسلام من الآثام المترتبة على السكوت، فإن الامام قد أعلم المتغلبين بوجود النصوص النبوية بشأن إمامته وخلافته، كما تقدم نموذج ذلك من رواية الواحدي وأسعد الاربلي وسيجيء الباقي فيما بعد ان شاء الله تعالى، وقد برأ عليه الصلاة والسلام - حسب كلام ابن حجر - من تبعات الآثام، وبذلك يظهر بطلان هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى.

١٥ - إفصاح النبي بأمر خلافة علي عليه‌السلام

ثم إن ما جاء في هذا الحديث من قوله: « أما والله لو يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس لأفصح به » تبطله الوجوه العديدة التي أقمناها سابقاً على دلالة حديث الغدير على إمامتهعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقد بلغت دلالة الحديث على ذلك مبلغاً جعلت حسان بن ثابت يفصح عن معنى هذا الحديث عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي حضوره مع تقريره لكلامه فيقول: « رضيتك من بعدي إماماً وهادياً » . ولم نجد أحداً من الصحابة ينكر عليه هذا القول

____________________

(١). تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان - هامش الصواعق ٨٤.

٢٤٧

فالافصاح قد تحقق بأحسن ما يمكن وأتم ما يرام، وبطلت شبهات المنكرين ووساوس الشياطين.

والخلاصة: إنه متى أفاد الكلام - ولو بلحاظ القرائن - المعنى المطلوب فقد تمّت به الحجة وكملت النعمة، وكان نصاً قطعياً ثابتاً لا يعتريه ريب، ولا تمنع عن دلالته الاحتمالات البعيدة التي يبديها المتعصبون، لأنه لو جاز الإِصغاء إلى تلك الاحتمالات البعيدة التي يذكرها بعض أهل السنة حول مفاد حديث الغدير، لم يبق مصداق للنص، ولسقطت جميع النصوص عن الدلالة حتى أمثال «( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) » و« محمد رسول الله ».

قال الغزالي: « ولو شرط في النص انحسام الاحتمالات البعيدة - كما قال بعض أصحابنا - لم يتصوّر لفظ صريح، وما عدّوه من الآيات والأخبار يتطرق إليها احتمالات، فقوله:( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) يعني آله الناس دون الجن، وقوله: محمد رسول الله أي محمد؟ وإلى أي إقليم؟ وفي أي زمان؟ وقوله: يجزي عنك أي يثاب عليه، وقوله: ان اعترفت فارجمها. أي اذا لم تتب. فهذه احتمالات بعيدة تتطرق إليها »(١) .

١٦ - تأييد هذا الحديث للمذهب الحق بوجوه

وبالرغم من أن أهل السنة ينسبون هذا الكلام إلى الحسن المثنى للرد به على المذهب الحق بزعمهم، إلّا أنه يظهر بالتأمل تأييده للحق بوجوه عديدة:

( الأول ): إنه يفيد أن عبارة « يا أيها الناس إن علياً والي أمركم من بعدي والقائم في الناس » نص صريح في الامامة والخلافة، كنصوصه الواردة في الصلاة والزكاة والصيام والحج، فكانت تلك العبارة واضحة الدلالة بالنصوصية على خلافة عليعليه‌السلام ، مثل عباراته الواردة في الصلاة والزكاة وغيرهما من الواجبات الدينية، ولا يكون في دلالتها قصور أو التباس أو إبهام.

____________________

(١). المنخول في علم الاصول: ١٨٤.

٢٤٨

أقول: ولو قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك أيضاً لما خضع المتعصبون المتسولون له، ولما آمنوا وسلّموا، بل يذكرون له الاحتمالات البعيدة، فيقولون مثلاً إن المراد من « الأمر » هو المحبة والنصرة لا الامارة والخلافة، أو أن المراد مقام القطبية والامامة في الباطن، بأن يكن القيام في الناس بمعنى أن يأخذوا منه العلوم الباطنية ويقتدون به في تلك الجهات فحسب وبذلك يخرج هذا الكلام عن كونه نصاً صريحاً في الامامة والخلافة، وحينئذ ينسب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التقصير في إبلاغ الرسالة الإِلهية، والقصور في بياناته الشريفة حول المسائل المهمة الاساسية، وحيث يراد تنزيه مقام النبوة من هذه النقائص تدفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية الحافة بالكلام، ويقال بوجوب حمل « الأمر » في « أمركم » على الامامة والخلافة.

ونحن على ضوء هذه المقدمة نقول: إن حديث الغدير نص في الامامة، ولو أن المتعصبين حاولوا صرفه عن الدلالة على ذلك بذكر الاحتمالات البعيدة فإنا ندفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية.

فعلم أن هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى يؤيد مرام أهل الحق، وأن من احتج به فقد غفل أو تغافل عن ذلك.

( الثاني ): إنه يثبت دلالة « من بعدي » على الاتصال دلالة صريحة لا يعتريها ريب ولا يشوبها شك، وبذلك يبطل حمل بعضهم هذا القيد الموجود في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علي وليكم بعدي» ونحوه على الانفصال، وكفى الله المؤمنين القتال.

( الثالث ): إنه لما كانت هذه العبارة: « يا أيها الناس إنّ علياً والي أمركم من بعدي والقائم عليكم في الناس بأمري » نصاً صريحاً في الامامة والخلافة، وتدل على المطلوب بلا ريب أو شبهة بحيث لا يبقى مجال لأيّ تأويل أو احتمال فإن سائر نصوص إمامة أمير المؤمنين المشتملة على لفظ « الامامة » أو « الخلافة » التي سمعت بعضها تكون دالةً على المطلوب بالقطع واليقين، وبذلك تذهب تأويلات

٢٤٩

المتأولين واحتمالات المتعصبين أدراج الرياح.

١٧ - معارضة ما نسبوه إلى الحسن المثنى بما رووه عن حفيده

ثم إن هذا الحديث الذي نسبوه إلى الحسن المثنى - لو سلّم صدقه وجواز الاستدلال به - يعارضه ما رووه عن حفيده ( محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ). فقد ذكر فخر الدين الرازي بتفسير قوله تعالى:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) ما نصه: « تمسّك محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب فقال: قوله تعالى:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) يدلّ على ثبوت الأولوية، وليس في الآية شيء معيّن في ثبوت هذه الأولوية، فوجب حمله على الكلّ إلاّ ما خصّه الدليل، وحينئذ يندرج فيه الامامة. ولا يجوز أن يقال: إن أبا بكر كان من أولي الأرحام، لما نقل أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه سورة براءة ليبلّغها إلى القوم ثم بعث علياً خلفه، وأمر بأن يكون المبلّغ هو علي و قال: لا يؤدّيها إلّا رجل مني. وذلك يدل على أن أبا بكر ما كان منه. فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية »(١) .

لكنّ ما نسبوه إلى الحسن مكذوب عليه قطعاً، ولا يجوز الاستدلال به ألبتّة

وقال أبو العباس المبرد: « ونحن ذاكرون الرسائل بين أمير المؤمنين المنصور وبين محمد بن عبد الله بن حسن العلوي، كما وعدنا في أول الكتاب. ونختصر ما يجوز ذكره منه ونمسك عن الباقي، فقد قيل الراوية أحد الشاتمين. قال: لمـّا خرج محمد بن عبد الله على المنصور كتب إليه المنصور:

بسم الله الرحمن الرحيم - من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله أما بعد: فـ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ

____________________

(١). تفسير الرازي ١٥ / ٢١٣.

٢٥٠

يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. إِلُّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ذلك عهد الله وذمته وميثاقه وحق نبيه، إنْ تبت من قبل أن أقدر عليك أؤمنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن بايعوك وتابعوك وجميع شيعتك، وأن أعطيك ألف ألف درهم، وأنزلك من البلاد حيث شئت، وأقضى ما شئت من الحاجات، وأطلق من سجني أهل بيتك وشيعتك وأنصارك، ثم لا أتبع أحداً منكم بمكروه. فإن شئت أن تتوثق لنفسك فوجّه إليَّ من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت. والسلام.

فكتب إليه محمد بن عبد الله: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد - أما بعد:( طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَأ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) .

وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني، قد تعلم أن الحق حقنا وأنكم طلبتموه بنا، ونهضتم فيه بشيعتنا وحظيتموه بفضلنا، وإن أبانا عليّاً كان الوصي والامام، فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء؟! ولقد علمتم أنه ليس أحد من بني هاشم يمتُّ بمثل فضلنا ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا وسببنا، وإنا بنو أمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية دونكم، وبنو فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإسلام من بينكم، فإنا أوسط بني هاشم نسباً وخيرهم أماً وأباً، لم تلدني العجم ولم تعرق فيَّ أمهات الأولاد، وإنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل يختار لنا، فولدني من النبيين أفضلهم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الأصحاب أقدمهم إسلاماً وأوسعهم علماً وأكثرهم

٢٥١

جهاداً علي بن أبي طالب، ومن نسائه أفضلهنّ سيدة نساء الجاهلية خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أول من آمن بالله من النساء وصلّى إلى القبلة، ومن بناته أفضلهنّ وسيدة نساء أهل الجنة ».

فقد نص في هذا الكتاب على « ان أبانا علياً كان الوصي والامام ».

وجاء في جواب المنصور قوله: « ولقد طلب بها أبوك بكلّ وجه فأخرجها [ يعني الزهراءعليها‌السلام ] تخاصم، ومرّضها سرّاً، ودفنها ليلاً فأبى الناس إلّا تقديم الشيخين » وهذا نص كتاب المنصور كما روى المبرد:

« فكتب اليه المنصور: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله. أما بعد: فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جلّ فخرك بالنساء لتضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الآباء كالعصبة والأولياء، ولقد جعل العمّ أباً وبدأ به على الوالد الأدنى فقال جل ثناؤه عن نبيه:( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) ولقد علمت أن الله بعث محمداً وعمومته أربعة، فأجابه إثنان وكفر اثنان. وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن، فلو أعطين على قرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كله لآمنة بنت وهب، ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه. فأما ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحداً من ولدها إلى الاسلام، ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكلّ خير في الآخرة والأولى، وأسعدهم بدخول الجنة غداً، ولكن الله أبى ذلك فقال:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وفاطمة أم الحسن والحسين، وأن هاشماً ولد علياً مرتين، وان عبد المطلب ولد الحسن مرتين، فخير الأولين والآخرين رسول الله لم يلده هاشم إلّا مرة واحدة.

وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله فإنّ الله جل وعز أبى ذلك فقال:

( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ولكنّكم بنو بنته وإنها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا تؤم، فكيف تورث الامامة

٢٥٢

من قبلها، ولقد طلب بها أبوك بكلّ وجه فأخرجها تخاصم ومرّضها سرّاً ودفنها ليلاً، فأبى الناس إلّا تقديم الشيخين. ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله فأمر بالصلاة غيره، ثم أخذ الناس رجلاً رجلاً فلم يأخذوا أباك فيهم »(١) .

هذا، وقد روى هذه الكتب ابن الأثير وابن خلدون أيضاً في تاريخيهما.

١٨ - طعن علماء أهل السنة في أئمة أهل البيت

وأهل السنة في مثل هذا المورد الذي يريدون فيه التغلّب على أهل الحق يحترمون الحسن المثنى، ويوجبون متابعته والانقياد له، والحال أن المتعصبين منهم يقدحون في الأئمة الاثني عشر المعصومين أنفسهم، ويسقطون إجماعهم عن الاعتبار، ويطعنون في عدالتهم.

فهذه عقيدة متعصبيهم - كوالد الدهلوي في ( قرّة العينين ) - في الأئمة أنفسهم - وفي سيّدهم أمير المؤمنينعليه‌السلام - الذي تعتقد الامامية العصمة فيهم وتوجب إطاعتهم والانقياد لهم، فهل يجوز لمن يطعن في هؤلاء الائمّة الاطهار أن يلزم شيعتهم بكلام ينسبونه إلى أحد أولادهم؟! وهل يجوز الاصغاء إلى هكذا استدلال من هكذا أناس؟!.

١٩ - طعنهم في أولاد الأئمة

وهكذا شأن اهل السنة مع أولاد الائمة، فإنهم متى أرادوا التغلّب على أهل الحق - بزعمهم - عن طريق التشبث بكلامٍ لواحدٍ من المنتمين إلى أهل البيت قد قاله أو وضع على لسانه، ذكروا ذلك الكلام مع مزيد التكريم والاحترام لقائله، ليتم لهم الإِلزام به كما يريدون.

ولكنّهم يطعنون في كثير من أولاد أئمة أهل البيت، ويجرحونهم في الكتب الرجالية، ويسقطون أخبارهم عن درجة الاعتبار:

____________________

(١). الكامل للمبرد ٢ / ٣٨٢.

٢٥٣

فقال الذهبي في ( محمد بن جعفر بن محمد بن علي ): « تكلم فيه » وهذا نص كلامه: « محمد بن جعفر بن محمد بن علي الهاشمي الحسيني. عن أبيه. تكلّم فيه ذكره ابن عدي في الكامل، وقال البخاري: أخوه اسحاق أوثق منه »(١) .

وقال ابن حجر: « وقول المؤلّف: إنه مات ببغداد غير مستقيم، فقد روى الخطيب في ترجمته: إنه لما ظفر به أصعد المنبر فقال: يا أيها الناس إني قد حدّثتكم بأحاديث زوّرُتها، فشقّ الناس الكتب والسماع الذي كانوا سمعوه منه، ثم خرج إلى المأمون بخراسان فمات عنده، وتولّى المأمون دفنه، وهو أخو موسى الكاظم بن جعفر الصادق »(٢) .

وقال في حديثٍ وقع محمد بن جعفر في طريقه: « ومحمد بن جعفر هذا هو أخو موسى الكاظم، حدّث عن أبيه وغيره، روى عنه إبراهيم بن المنذر وغيره، وكان قد دعا لنفسه بالمدينة ومكّة وحجّ بالناس سنة ٢٠٠ وبايعوه بالخلافة، فحجّ المعتصم فظفر به، فحمله إلى أخيه المأمون بخراسان، فمات بجرجان سنة ٢٠٣. وذكر الخطيب في ترجمته أنه لما ظفر به صعد المنبر فقال: أيّها الناس إني قد كنت حدّثتكم بأحاديث زوّرتها، فشقّ الناس الكتب التي سمعوها منه، وعاش سبعين سنة. قال البخاري: أخوه إسحاق أوثق منه، وأخرج له الحاكم حديثاً. قال الذّهبي: انه ظاهر النكارة في ذكر سليمان بن داودعليهما‌السلام »(٣) .

وقال الذهبي في( علي بن جعفر ): « علي بن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه وأخيه موسى والثوري. وعنه عبد العزيز الاويسي ونصر بن علي الجهضمي وأحمد البري وجماعة، ما هو من شرط كتابي، لأني ما رأيت أحداً ليّنه ولا من وثّقه، لكنّ حديثه منكر جدّاً ما صححه الترمذي ولا حسّنه، رواه نصر بن علي عنه عن موسى عن أبيه عن أجداده. أخبرني ابن قدامة إجازة أنا عمر بن محمد أنا ابن

____________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٥٠٠.

(٢). لسان الميزان ٥ / ١٠٣.

(٣) الاصابة لابن حجر العسقلاني - ترجمة الخضرعليه‌السلام ١ / ٤٢٨.

٢٥٤

ملوك وأبو بكر القاضي، قال أنا أبو الطيب الطبري، أنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا عبد الرحمن بن المغيرة، ثنا نصر بن علي، أنا علي بن جعفر بن محمد، حدثني أخي موسى عن أبيه عن أبيه محمد عن أبيه علي عن جدّه علي رضي‌الله‌عنه : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأبويهما كان معي في درجتي يوم القيامة. قال الترمذي: لا نعرفه إلّا من هذا الوجه»(١) .

وقال الذهبي في ( حسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله ابن الحسين بن زين العابدين علي بن الحسين ): « الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن زين العابدين علي ابن الشهيد الحسين العلوي. ابن أخي أبي طاهر النسابة. عن إسحاق الديري.

روى بقلّة حياء عن الديري عن عبد الرزاق باسناد كالشمس: علي خير البشر.

وعن الديري عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر مرفوعاً قال: علي وذريته يختمون الأوصياء إلى يوم القيامة.

فهذان دالّان على كذبه ورفضه. عفا الله عنه »(٢) .

و« حسن بن زيد » قال ابن المديني: « فيه ضعف »(٣) .

(٦) ليس في الحديث تقييد بلفظ « بعدي »

قوله: « وأيضاً: ففي الحديث ما يدل بصراحة على اجتماع الولايتين في زمان واحد، إذ لم يقع فيه التقييد بلفظ بعدي ».

أقول: لقد علمت سابقاً أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ١١٧.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٥٢١.

(٣). المصدر ١ / ٤٩٢.

٢٥٥

قوله عز وجل:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في واقعة غدير خم قال: « الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرّب برسالتي والولاية لعلي من بعدي » وتقييده الولاية هنا بلفظ « من بعدي » دليلُ صريح على أنّ مراده منقوله: « من كنت مولاه » هو هذا المعنى أيضاً.

وأيضاً: شعر حسان بن ثابت صريح في أن المراد من حديث الغدير هو الامامة والولاية لأمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه قد جاء في شعره: « رضيتك من بعدي إماماً وهادياً».

وأيضاً: رواية عبد الرزاق الحديث الغدير - الواردة في تاريخ ابن كثير - هي بلفظ: « من كنت مولاه فإن علياً بعدي مولاه ».

ومتى ورد هذا القيد حمل عليه سائر ألفاظ الحديث التي لم يرد فيها القيد، لأن الحديث يفسّر بعضه بعضاً كما في ( فتح الباري ) وغيره.

هذا، وفي بعض طرق حديث الغدير قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هذا وليّكم بعدي » ففي كتاب ( فضائل أمير المؤمنين للسمعاني ): « عن البراء أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل بغدير خم، وأمر فكسح بين شجرتين وصيح بالناس فاجتمعوا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فدعا علياً فأخذ بعضده ثم قال: هذا وليّكم من بعدي، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام عمر الى علي فقال: ليهنئك يا ابن أبي طالب أصبحت - أو قال أمسيت - مولى كلّ مؤمن».

حديث تسمية علي بأمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد

ومع ذلك كله: فإنه لا يلزم محذور من اجتماع الولايتين في الزمان الواحد، ولا يلزم من ذلك أمر محال أبداً، كيف؟ والأحاديث الدالة على ثبوت إمامة عليعليه‌السلام في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرة، وأهل السنة وإنْ حاولوا إخفاء تلك الأحاديث وإنكارها، لكن الحقّ يعلو ولا يعلى عليه:

فقد روى الحافظ شيرويه الديلمي عن حذيفة بن اليمان حديثاً هذا نصه:

٢٥٦

« حذيفة: لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ألست بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى فقال: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم»(١) .

وروى السيد علي الهمداني: « عن حذيفةرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد »(٢) .

وروى عنه أيضاً: « قال قالعليه‌السلام : لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد قال الله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ألست بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى. فقال الله تبارك وتعالى: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم(٣) .

وروى الحاج عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين بن أحمد في تفسيره: « عن حذيفةرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو يعلم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي بذلك وآدم بين الروح والجسد، حين قال تعالى( ألست بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) فقال الله تعالى: انا ربكم ومحمد نبيّكم وعلي أميركم. رواه صاحب الفردوس »(٤) .

وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني أيضاً: « عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال: قبل أن يخلق الله آدم وينفخ الروح فيه وقال:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى

____________________

(١). فردوس الاخبار ٣ / ٢٨٦.

(٢). المودة في القربى، انظر ينابيع المودة ٢٤٨.

(٣). روضة الفردوس الباب الرابع عشر - مخطوط.

(٤). تفسير الحاج عبد الوهاب - بتفسير آية المودة.

٢٥٧

أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى. فقال: أنا ربكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(١) .

وقال أبو علي أحمد بن محمد المرزوقي: « روى لنا أبو الحسن البديهي قال سمعت أبا عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي يقول: وأخبر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تولّى دفن فاطمة بنت أسد وكان أشعرها قميصاً له، فسمعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول: ابنك ابنك، فسئلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنها سئلت عن ربّها فأجابت وعن نبيّها فأجابت، وعن إمامها فلجلجت فقلت: ابنك ابنك »(٢) .

وقال عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني: « أبو عبد الله الرازي - حدّث بقزوين عن محمد بن أيوب. قال ميسرة في المشيخة: ثنا أبو عبد الله الرازي الشيخ الصّالح في الجامع بقزوين، ثنا محمد بن أيوب، ثنا علي بن المؤمن، ثنا إسماعيل ابن أبان عن ناصح أبي عبد الله عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان عليرضي‌الله‌عنه يقول: أرأيتم لو أن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض من كان أمير المؤمنين إلّا أنا. قال: وربما قيل له: يا أمير المؤمنين والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينظر إليه ويتبسّم. ويمكن أن يكون هذا أبا عبد الله الأرنبوي الذي روى عنه أبو الحسن القطان. وذكر حديثه عن يحيى بن درست وأبي مصعب وغيرهما »(٣) .

وروى جمال الدّين المحدّث الشيرازي - من مشايخ والد ( الدهلوي ) - في روضة الأحباب عن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قوله: « علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني »

وروى عن أم سلمة أنها قالت سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). المودة في القربى. انظر ينابيع المودة: ٢٤٨.

(٢). كتاب الازمنة والامكنة. الباب الحادي والخمسون.

(٣). التدوين في ذكر علماء قزوين ٤ / ١٨٨.

٢٥٨

« علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي، فمن عصاه فقد عصاني » ثم قالت لعائشة: وهل تشهدين بذلك يا عائشة؟ قالت: نعم ».

ولا يخفى، أن المراد من إمامة علي في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو وجوب إطاعته وامتثال أوامره ونواهيه على جميع المسلمين، كما هو الأمر بالنسبة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد من إمامتهعليه‌السلام بعد رسول الله هو كون تنفيذ الأحكام الشرعية والقيام بأمور الرعية والتصرف في شئونهم منصباً خاصّاً به، فإنّ هذا للنبي في حياته، ولو أنهعليه‌السلام قام بأمرٍ من أمور المسلمين نيابةً عن النبي في حال حياته وجب عليهم امتثاله.

بل إنّ طريق إثبات إمامة عليعليه‌السلام في حال حياته النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل في الزمان السابق عليها - كما يدل عليه خبر الفردوس - هو نفس طريق إثبات النبوّة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الوجود الظاهري، قال محمد بن يوسف الشامي في ( سبل الهدى والرشاد ): « ويستدل بخبر الشعبي وغيره مما تقدم في الباب السابق على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد نبياً، فإن نبوّته وجبت له حين أخذ الميثاق، حيث استخرج من صلب آدم، فكان نبياً من حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبياً، كمن يولّى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته، وان كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت، والأحاديث السابقة في باب تقدّم نبوته صريحة في ذلك ».

وحديث الشّعبي الذي أشار إليه هو ما رواه ابن سعد « عن الشعبي مرسلاً قال رجل: يا رسول الله متى استنبئت؟ قال: وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق ».

قوله:

« بل سوق الكلام هو للتسوية بين الولايتين في جميع الأوقات ومن جميع الوجوه ».

أقول: إنه وإنْ قصد ( الدهلوي ) من هذا الكلام إبطال الحق، لكنه كلام

٢٥٩

يفيد مطلوب أهل الحق بأدنى تأمل، لأنه إذا كانت محبة أمير المؤمنين مساوية لمحبة النبيعليهما‌السلام من جميع الوجوه، فقد ثبتت أفضلية الأميرعليه‌السلام ، لأن هذه المرتبة غير حاصلة لغيره.

وأيضاً: لا ريب في كون محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقة، بمعنى وجوبها على كل الأحوال ومن جميع الوجوه وفي كل الأزمنة، وهذه المحبوبية بهذه الكيفية غير واجبة إلّا بالنسبة إلى المعصوم، وإذا ثبتت هذه المرتبة للأميرعليه‌السلام فقد ثبتت عصمته من هذا الطريق أيضاً، وفيه المطلوب.

ثم هل يخرج ( الدهلوي ) الصحابة الذين عادوا أمير المؤمنينعليه‌السلام وقاتلوه وشهروا سيوفهم في وجهه من زمرة المسلمين، من جهة كون عداوته كعداوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستلزمة للخروج من الدين، أو أن ( الدهلوي ) يقلّد أسلافه فيرفع اليد عما ذكره هنا واعترف به، حمايةً لأولئك الأصحاب، وتجنّباً عن أن يلتزم فيهم بلازم كلامه؟!

قوله:

« لوضوح امتناع كون علي شريكاً للنبي في كلّ ما يستحق النبي التصرّف فيه في حال حياته».

أقول: لا خفاء في عدم امتناع شركة أمير المؤمنينعليه‌السلام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التصرف في حال حياته، لأن المراد من هذه المشاركة هي المشاركة من حيث النيابة والخلافة لا من حيث الاستقلال والأصالة.

وإذا ثبت له التصرّف في شئون الرعية من هذه الحيث في حال حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يلزم أيّ محذور، وليس لمن يدعي امتناع ذلك دليل يصغى إليه.

قوله:

« فهذا أدل دليل على أن المراد وجوب المحبة، إذ لا مانع من اجتماع المحبتين ».

أقول: هذا أدل دليل على أن غرض ( الدهلوي ) هو تلبيس الأمر على

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423