تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 178908 / تحميل: 5959
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الولي ، لم يلزمه أن يحلله ، ويلزمه أن ينفق عليه إلى أن يفرغ ؛ لأنّه شرع في واجب عليه ، فلزمه الإِتمام.

ولو شرع في حجّ تطوّع ثم حجر الحاكم عليه ، فكذلك ؛ لأُنّه بدخوله فيه وجب عليه الإِكمال.

أمّا لو شرع فيه بعد الحجر ، فإن استوت نفقته سفراً وحضراً ، أو كان يتكسّب في طريقه بقدر حاجته ، لم يكن له أن يحلله ، وإن زادت نفقة السفر ولم يكن له كسب ، كان له إحلاله.

مسألة ١٢ : الحجّ والعمرة إنّما يجبان بشروط خمسة في حجّة الإِسلام وعمرته : التكليف والحرّية والاستطاعة ومؤونة سفره ومؤونة عياله وإمكان المسير.

وشرائط النذر وشبهه من اليمين والعهد أربعة : التكليف والحرّية والإِسلام وإذن الزوج والمولى.

وشرائط حجّ النيابة ثلاثة : الإِسلام ، والتكليف ، وأن لا يكون عليه حجّ واجب بالأصالة أو بالنذر المضيّق أو الاستئجار المضيّق أو الإِفساد.

ولو وجب عليه الحجّ وجوباً مستقرّاً فعجز عن أدائه ولو مشياً صحّ أن يكون نائباً عن غيره.

وشرط المندوب أن لا يكون عليه حجّ واجب ، وإذن الولي - كالزوج والمولى والأب - على من له عليه ولاية ، كالزوجة والعبد والولد ، وسيأتي تفصيل ذلك كلّه إن شاء الله تعالى.

* * *

٢١

٢٢

٢٣

الفصل الثاني

في تفصيل هذه الشرائط‌

وفيه مطلبان :

الأول : في شرائط حجة الإِسلام‌.

وفيه مباحث :

الأول : البلوغ والعقل‌

مسألة ١٣ : لا خلاف بين العلماء كافة في أنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ ؛ لفقد شرط التكليف فيه.

وما رواه العامة عن عليعليه‌السلام ، قال : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى ينبت(١) ، وعن المعتوه حتى يعقل )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لو أنّ غلاماً حجّ عشر سنين ثم احتلم كانت عليه فريضة‌

____________________

(١) في المصدر : حتى يشب.

(٢) سنن الترمذي ٤ : ٣٢ / ١٤٢٣ ، وأوردها عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٦ - ١٦٧.

٢٤

الإِسلام »(١) .

وعن شهاب قال : سألته عن ابن عشر سنين يحجّ ، قال : « عليه حجّة الإِسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت »(٢) فلو كان الصبي من أهل الحج لسقطت الإِعادة عنه بعد بلوغه.

مسألة ١٤ : الصبي إن كان مميّزاً ، صحّ إحرامه وحجّه إذا أذن له الولي.

والأقرب : أنّه ليس للولي أن يُحرم عن المميّز. وللشافعية وجهان(٣) .

وإن كان غير مميّز ، جاز لوليّه أن يُحرم عنه ، ويكون إحرامه شرعياً.

وإن فعل ما يوجب الفدية ، كان الفداء على الولي.

وأكثر الفقهاء على صحة إحرامه وحجّه إن كان مميّزاً ، وإن كان غير مميّز ، أحرم عنه وليّه ، فيصير مُحرماً بذلك ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد ، وهو مروي عن عطاء والنخعي(٤) .

لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه مرّ بامرأة وهي في محفّتها ، فقيل لها : هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذت بعَضُد صبيّ كان معها وقالت : ألهذا حجٌّ؟ قال : ( نعم ولكِ أجر )(٥) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « مرّ رسول الله برويثة(٥) وهو‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦ / ١٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ / ٤٧٧ ، والكافي ٤ : ٢٧٨ / ١٨.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٦ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦ / ١٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ / ٤٧٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩ ، الوجيز ١ : ١٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٣.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٣ - ٢٣٤ ، المجموع ٧ : ٢٢ - ٢٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٩.

(٥) موطّأ مالك ١ : ٤٢٢ / ٢٤٤ ، وأوردها الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٦) رويثة : موضع بين مكة والمدينة على ليلة منها. معجم البلدان ٣ : ١٠٥.

٢٥

حاج ، فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله أيُحجّ عن مثل هذا؟ قال : « نعم ولكِ أجره »(١) .

ولأنّ الحجّ عبادة تجب ابتداءً بالشرع عند وجود مال ، فوجب أن ينوب الولي فيها عن الصغير ، كصدقة الفطر.

وقال أبو حنيفة : إحرام الصبي غير منعقد ، ولا فدية عليه فيما يفعله من المحظورات ، ولا يصير مُحرماً بإحرام وليّه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( رُفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ )(٢) .

ولأنّ كلّ من لا يلزمه الحج بقوله لا يلزمه بفعله ، كالمجنون ، ولأنّها عبادة على البدن ، فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن الصغير ، كالصوم والصلاة ، ولأنّ الإِحرام سبب يلزم به حكم ، فلم يصح من الصبي ، كالنذر(٣) .

والجواب : القول بموجب الحديث ؛ فإنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ ، وهو معنى رفع القلم عنه ، وذلك لا يقتضي نفي صحته منه.

والقياس باطل ، مع أنّا نقول بموجب العلّة ؛ فإنّ الحج لا يلزمه بفعله كما لا يلزمه بقوله ، وإنّما يلزمه بإذن وليّه.

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الجنون مرجوّ الزوال عن المجنون في كلّ وقت ، فلم يجز أن يُحرم عنه وليّه ؛ لجواز أن يفيق فيحرم بنفسه ، وأمّا البلوغ فغير مرجوّ إلّا في وقته ، فجاز أن يُحرم عنه وليّه ؛ إذ لا يرجى بلوغه في هذا الوقت حتى يحرم بنفسه.

ولأنّ الصبي يقبل منه الإِذن في دخول الدار وقبول الهدية منه إذا كان‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦ - ٧ / ١٦ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ / ٤٧٨.

(٢) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ ، المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٠.

٢٦

رسولاً فيها ، بخلاف المجنون فافترقا.

والفرق : أنّ الصلاة لا تجوز فيها النيابة عن الحي ، بخلاف الحج.

ووافقنا أبو حنيفة على أنّه يُجنّب ما يجتنبه المحُرم(١) ، ومن جُنّب ما يجتنبه المـُحرم كان إحرامه صحيحاً ، والنذر لا يجب به شي‌ء ، بخلاف مسألتنا.

مسألة ١٥ : الصبي المميّز لا يصحّ حجّة إلّا بإذن وليّه ، فإذا كان مراهقاً مطيقاً ، أذن له الولي في الإِحرام ، وإن كان طفلاً غير مميّز ، أحرم عنه الولي.

فإن أحرم الصبي المميّز بغير إذن وليّه ، لم يصحّ إحرامه ؛ لأنّ الصبي ممنوع من التصرّف في المال ، والإِحرام يتضمّن إنفاق المال والتصرّف فيه ؛ لأنّ الإِحرام عقد يؤدّي إلى لزوم مال ، فجرى مجرى سائر أمواله وسائر عقوده التي لا تصحّ إلّا بإذن وليّه ، وهو أصحّ وجهي الشافعية ، والثاني : أنّ إحرامه منعقد ، كإحرامه بالصلاة(٢) .

والفرق : أنّ إحرام الصلاة لا يتضمّن إنفاق المال ، وإحرام الحجّ يتضمّنه ، فعلى الثاني للولي تحليله وليس له الإِحرام عنه ، وعلى الأول للولي أن يُحرم عنه - وهو أحد وجهي الشافعية(٣) - لأنّه مولّى عليه ، والثاني : المنع ، لاستقلاله بعبادته(٤) .

مسألة ١٦ : أولياء الأطفال على ثلاثة أقسام : أنساب واُمناء الحُكّام وأوصياء الآباء ، فالأنساب إمّا آباء وأجداد لهم أو اُمّ أو غيرهم.

والآباء والأجداد للآباء لهم ولاية الإِحرام بإجماع من سوّغ الحجّ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٠.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧ ، الوجيز ١ : ١٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٣.

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢١.

٢٧

للصبيان - وهو قول علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي(١) - لأنّ للأب والجدّ للأب ولاية المال على الطفل ، فكان له ولاية الإِذن في الحجّ.

ولا يشترط في ولاية الجدّ عدم الأب ، وهو أحد وجهي الشافعية تخريجاً ممّا إذا أسلم الجدّ ، والأب كافر ، يتبعه الطفل على رأي(٢) .

وأمّا الاُم فقال الشيخرحمه‌الله : إنّ لها ولايةً بغير تولية ، ويصحّ إحرامها عنه ؛ لحديث المرأة التي سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك(٣) .

وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : المنع ، وهو ظاهر كلام أحمد(٤) .

وأمّا من عدا هؤلاء من الأنساب الذكور والإِناث فلا يصحّ إذنهم ، ولا ولاية لهم في الحجّ والإِحرام ، كما أنّه لا ولاية لهم في المال ، وليس لاُمناء الحكّام الإِذن.

وقال الشيخرحمه‌الله : الأخ وابن الأخ والعمّ وابن العمّ إن كان وصيّاً أو له ولاية عليه وليها ، فهو بمنزلة الأب ، وإن لم يكن وليّاً ولا وصيّاً ، فلا ولاية له عليه ، وهو والأجنبي سواء(٥) .

وهذا القول يعطي أنّ لأمين الحاكم الولاية ، كما في الحاكم ؛ لأنّ قوله : أو له ولاية عليه وليها ، لا مصرف له إلّا ذلك.

والشافعية اتّفقوا على ثبوت الولاية للأب والجدّ للأب ، وعلى انتفائها عمّن لا ولادة فيه ولا تعصيب ، كالإِخوة للاُم والأعمام للاُم والعمّات من الأب والاُم ، والأخوال والخالات من قِبَل الأب والاُم وإن كانت لهم ولاية في‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٤.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢١ ، المجموع ٧ : ٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٤ ، المغني ٣ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٨ - ٣٢٩.

٢٨

الحضانة.

وأمّا من عدا هذين القسمين فقد اختلفوا على ثلاثة مذاهب بناءً على اختلافهم في معنى إذن الأب والجدّ له.

أحدها : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ له : استحقاق الولاية على ماله ، فعلى هذا لا يصحّ إذن الجدّ من الاُم ولا إذن الأخ والعمّ ؛ لأنّهم لا يستحقّون الولاية عليه في ماله.

وأمّا الاُم والجدّة فالصحيح من مذهب الشافعي أنّه لا ولاية لها عليه بنفسها ، فلا يصحّ إذنها له.

وعلى قول بعض الشافعية : إنّها تلي عليه بنفسها ، فعلى هذا يصحّ إذنها له ؛ لقولهعليه‌السلام لاُم الصبي : ( ولكِ أجره ) ومعلومٌ أنّ الأجر ثبت لها لإِذنها له ونيابتها عنه.

الثاني : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ ما فيه من الولادة والعصبة ، فعلى هذا يصحّ إذن سائر الآباء والاُمّهات ؛ لوجود الولادة فيهم.

الثالث : أنّ المعنى في إذن الأب والجدّ وجود التعصيب فيهما ، فعلى هذا يصحّ إذن سائر العصبات من الإِخوة والأعمام وأولادهما ، ولا يصحّ إذن الاُم ولا الجدّ لها ؛ لعدم التعصيب.

وأمّا اُمناء الحكّام فقد اتّفقوا على أنّه لا يصح إذنهم ؛ لاختصاص ولايتهم بماله دون بدنه ، فكانوا فيما سوى المال كالأجانب.

ولهم وجه آخر بعيد : الصحة ؛ لأنّهم يتصرّفون في المال.

وأمّا أوصياء الآباء فلهم وجهان في صحة إذنهم :

أحدهما : الصحة كالآباء لنيابتهم عنه.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - أنّ إذنهم لا يصحّ كاُمناء الحكّام(١) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

٢٩

مسألة ١٧ : الصبي إن كان مراهقاً مميّزاً يطيق على الأفعال ، أذن له الولي فيها ، فإذا أذن له ، فَعَل الحجّ بنفسه ، كالبالغ.

وإن كان طفلاً لا يميّز ، فإن صحّ من الطفل من غير نيابة ، كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ، أحضره الولي فيهما ، وإن لم يصحّ من الطفل إلّا بنيابة الولي عنه ، فهو كالإِحرام يفعله الولي عنه.

قال جابر : خرجنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حُجّاجاً ومعنا النساء والصبيان ، فأحرمنا عن الصبيان فلبّينا عن الصبيان ورمينا عنهم(١) .

ويجرّد الصبي من ثيابه إذا قرب من الحرم - وروى علماؤنا من فخ(٢) - وإن صحّ منه بمعونة الولي ، فإذا أحرم الولي عن الطفل ، جاز.

وهل يجوز أن يكون الولي مُحْرماً؟ للشافعية وجهان :

أحدهما : المنع ، فليس للولي أن يُحرم عن الطفل إلّا أن يكون حلالاً ، لأنّ من كان في نسك لا يصحّ أن يفعله عن غيره.

والثاني : يصح إحرام الولي عنه وإن كان مُحْرماً - ولا فرق بين أن يكون عليه حجّة الإِسلام أو قد حجّ عن غيره ، وغيره - لأنّ الولي ليس يتحمّل الإِحرام عنه فيصير به مُحرماً حتى يمتنع من فعله إذا كان مُحْرماً ، وإنّما يعقد الإِحرام عن الصبي ، فيصير الصبي مُحرماً ، فجاز أن يفعل الولي ذلك وإن كان مُحْرماً(٣) .

والأخير أقرب.

فعلى الأول يقول عند الإِحرام : اللّهم إنّي قد أحرمت عن ابني ، وعلى هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإِحرام ولا مشاهد له إذا كان الصبي‌

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٠ / ٣٠٣٨ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٠٩ ، والشرح الكبير ٣ : ١٧٠ - ١٧١ نقلاً عن سنن سعيد بن منصور.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٣ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦٥ / ١٢٩٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ / ١٤٢١.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩.

٣٠

حاضراً في الميقات. وعلى قول آخر : إنّه لا يشترط حضوره.

وعلى الثاني يقول عند الإِحرام : اللّهم إنّي قد أحرمت بابني ، وعلى هذا لا يصحّ أن يكون غير مواجه للصبي بالإِحرام ، فإذا فعل ذلك ، صار الصبي مُحْرماً دون الولي ، فيلبسه ثوبين ، ويُجنّبه ما يجتنبه المـُحْرم ، وعلى وليّه أن يحضره الوقوف بالموقفين ومنى ليشهدها بنفسه.

وأمّا الرمي فإن أمكن من وضع الحصى في كفّه ورميها في الجمرة من يده ، فَعَل ، وإن عجز الصبي عن ذلك ، أحضره الجمار ورمى الولي عنه ، ويستحب للولي أن يضع الحصى في كفّ الصبي وأخذها من يده.

قال ابن المنذر : كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي ، وبه قال عطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق(١) .

وأمّا الطواف والسعي فعلى وليّه أن يحمله ويطوف به ويسعى ، وعليه أن يتوضّأ للطواف ويوضّئه.

فإن كانا غير متوضّئَيْن ، لم يجزئه الطواف.

وإن كان الصبي متطهّراً والولي مُحْدثاً ، لم يجزئه أيضاً ؛ لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ ، والطواف لا يصحّ إلّا بطهارة.

وإن كان الوليّ متطهّراً والصبي مُحْدثاً ، لم يجزئه أيضا ، لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ ، والطواف لا يصحّ إلاّ بطهارة.

وإن كان الوليّ متطهّرا والصبي محدثا ، فللشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجزئ ، لأنّ الطواف بالصبي أخصّ منه بالولي ، فإذا لم يجز أن يكون الولي محدثا فأولى أن لا يكون الصبي محدثا.

والثاني : أنّه يجزئ ؛ لأنّ الصبي إذا لم يكن مميّزاً ففِعْلُ الطهارة لا يصحّ منه ، فتكون طهارة الولي نائبةً عنه ، كما أنّه لمـّا لم يصح منه الإِحرام صحّ إحرام الوليّ عنه(٢) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧١.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٩.

٣١

ويصلّي الوليّ عنه ركعتي الطواف إن لم يكن مميّزاً ، وإن كان مميّزاً صلّاهما بنفسه.

ولو أركبه الولي دابّةً ليطوف به ، وجب أن يكون الوليّ معه سائقاً أو قائداً ؛ لأنّ الصبي غير مميّز ولا قاصد ، والدابّة لا تصحّ منها عبادة.

ويرمل به في موضع الرمل.

وللشافعية في الرمل به وجهان(١) .

مسألة ١٨ : لو كان على الولي طواف ، حَمَل الصبي وطاف به ، ونوى بطوافه ما يختص به ، وينوي بطواف الصبي طوافه.

وقال الشافعي : يجب عليه أن يطوف عن نفسه أوّلاً ثم يطوف بالصبي ثانياً ، فينوي الطواف عن نفسه دون الصبي ثم يطوف بالصبي ناوياً عنه.

فإن نوى الطواف عن الصبي دون نفسه فله قولان :

أحدهما : أن يكون على الولي الحامل دون الصبي المحمول ؛ لأنّ مَنْ وجب عليه ركن من أركان الحجّ فتطوّع به عن نفسه أو عن غيره ، انصرف إلى واجبة ، كالحجّ عن نفسه.

والثاني : أنّه يكون عن الصبي المحمول دونه ؛ لأنّ الحامل كالآلة للمحمول ، فكان ذلك واقعاً عن المحمول دون الحامل.

وإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي المحمول ، أجزأه عن طوافه.

وهل يجزئ عن الصبي؟ وجهان مخرَّجان من القولين.

وإن لم تكن له نية ، انصرف إلى طواف نفسه ؛ لوجوده على الصفة الواجبة عليه ، وعدم القصد المخالف له(٢) .

وقد بيّنّا نحن الصحيح عندنا.

مسألة ١٩ : مؤونة حجّ الصبي ونفقته الزائدة في سفره تلزم الولي ، مثل‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠.

٣٢

آلة سفره واُجرة مركبة وجميع ما يحتاج إليه في سفره ممّا كان مستغنياً عنه في حضره - وهو ظاهر مذهب الشافعي ، وبه قال مالك وأحمد(١) - لأنّ الحجّ غير واجب على الصبي ، فيكون متبرّعاً ، وسببه الولي ، فيكون ضامناً.

وليس للولي صرف مال الطفل في ما لا يحتاج إليه وهو غير محتاج حال صِغَره إلى فعل الحج ؛ لوجوبه عليه حال كِبَره ، وعدم إجزاء ما فَعَله في صِغَره عمّا يجب عليه في كِبَره.

وله قول آخر : إنّه في مال الصبي ؛ لأنّ ذلك من مصلحته كاُجرة مُعلّمه ومؤونة تأديبه ، ولأنّ الحجّ يحصل له ، فكان كما لو قَبِل له النكاح يكون المهر عليه(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ التعلّم الذي إن فاته في صِغَره قد لا يدركه في كِبَره ، ويخالف النكاح ؛ فإنّ المنكوحة قد تفوت ، والحج يمكن تأخيره.

مسألة ٢٠ : يحرم على الصبي كلّ ما يحرم على البالغ من محظورات الإِحرام ؛ لأنّ إحرامه شرعي على ما تقدّم ، فتترتّب عليه أحكامه ، لا بمعنى أنّه مخاطب بالتحريم وأنّ العقاب يترتّب على فعله ، بل بمعنى أنّ الولي يجنّبه جميع ما يجتنبه المـُحْرم.

فإن فعل الصبي شيئاً من المحظورات فإن وجب به الفداء على البالغ في حالتي عمده وخطئه كالصيد ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ عمد الصبي كخطإ البالغ.

ويجب في مال الصبي ؛ لأنّه مال وجب بجنايته ، فوجب أن يجب في‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٩ ، التفريع ١ : ٣٥٣ ، المغني ٣ : ٢١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٢.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٥.

٣٣

ماله ، كما لو استهلك مال غيره.

وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : أنّه يجب في مال الولي - وهو الذي نصّ عليه الشافعي في الإِملاء - لأنّ الولي هو الذي ألزمه الحجّ بإذنه ، فكان ذلك من جهته ومنسوباً إلى فعله(١) وإن اختلف حكم عمده وسهوه في البالغ ، كالطيب واللبس ، فإن فعله الصبي ناسياً ، فلا فدية فيه ؛ لأنّها لا تجب في حق البالغ ففي الصبي أولى.

وإن فعله عمداً ، قال الشيخ : الظاهر أنّه تتعلّق به الكفّارة على وليّه.

وإن قلنا : لا يتعلّق به شي‌ء ؛ لما روي عنهمعليهم‌السلام من أنّ « عمد الصبي وخطأه واحد »(٢) والخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به كفّارة من البالغين ، كان قويّاً(٣) .

وللشافعي قولان مبنيان على اختلاف قوله في عمد الصبي هل يجري مجرى الخطأ أو مجرى العمد من العاقل؟ على قولين :

أحدهما : أنّه يجري مجرى الخطأ ، فلا فدية فيه ، كالبالغ الناسي.

والثاني : أنّه عمد صحيح ، فالفدية واجبة(٤) .

وأين تجب؟ على الوجهين :

أحدهما : أنّه على الصبي ؛ لأنّ الوجوب بسبب ما ارتكبه.

وأصحّهما في مال الولي - وبه قال مالك - لأنّه الذي أوقعه وغرّر بماله(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٠ - ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٥ ، المجموع ٧ : ٣٢.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٠.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٤ ، المجموع ٧ : ٣١.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ ، المجموع ٧ : ٣٢.

٣٤

لكن لو طيّبه الولي كانت الفدية في ماله لا(١) في مال الصبي وجهاً واحداً(٢) .

هذا كلّه إذا أحرم بإذن الولي ، وإن أحرم بغير إذنه ، فلا فدية ، وهو أحد وجهي الشافعية.

ولهم آخر : أنّه يجوز إحرامه ، فالفدية في ماله(٣) .

مسألة ٢١ : إذا وجبت الفدية في مال الصبي ، فإن كانت مترتّبةً ، فحكمها حكم كفّارة القتل ، وإلّا فهل يجزئ أن يفتدي بالصوم في الصِغَر؟

للشافعية وجهان مبنيان على أنّه إذا أفسد الحجّ هل يجزئه قضاؤه في الصغر؟

وليس(٤) للولي والحال هذه أن يُفدي عنه بالمال ؛ لأنّه غير متعيّن.

ولهم وجه آخر : أنّه إذا أحرم به الأب أو الجدّ ، فالفدية في مال الصبي ، فإن أحرم به غيرهما فهي عليه(٥) .

مسألة ٢٢ : لو وطأ الصبي في الفرج ناسياً ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولا يفسد حجّه ، كالبالغ سواء.

وإن كان عمداً ، قال الشيخرحمه‌الله : على ما قلناه من أنّ عمده وخطأه سواء لا يتعلّق به أيضاً فساد الحجّ.

ولو قلنا : إنّ عمده عمد ؛ لعموم الأخبار في من وطأ عامداً في الفرج من أنّه يفسد حجّه ، فقد فسد حجّه ، وعليه الإِتمام ، ولزمه القضاء.

قال : والأقوى الأول ؛ لأنّ إيجاب القضاء يتوجّه إلى المكلّف وهذا‌

____________________

(١) كلمة « لا » حُرّفت في النسخ الخطية والحجرية إلى « أو » وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٣٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ ، المجموع ٧ : ٣٢.

(٤) كلمة « ليس » صُحّفت في النسخ الخطية والطبعة الحجرية إلى « ان » وما أثبتناه هو الصحيح.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٢٥ - ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٣.

٣٥

ليس بمكلّف(١) .

وقالت الشافعية : إذا جامع ناسياً أو عامداً وقلنا : إنّ عمده خطأ ، ففي فساد حجّه قولان ، كالبالغ إذا جامع ناسياً.

والأظهر أنّه لا يفسد.

وإن قلنا : إنّ عمده عمد ، فسد حجّه.

وإذا فسد فهل عليه القضاء؟ فيه قولان :

أحدهما : لا ، لأنّه ليس أهلاً لوجوب العبادات البدنية.

وأصحّهما : نعم ؛ لأنّه إحرام صحيح ، فيوجب إفساده القضاء ، كحجّ التطوّع(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن أوجبنا القضاء فإنّه لا يجزئه حالة الصبا ، بل يجب عليه بعد بلوغه.

وللشافعي قولان في إجزاء القضاء قبل البلوغ :

أصحّهما : نعم ؛ اعتباراً بالأداء.

والثاني : لا - وبه قال مالك وأحمد - لأنّه فرض والصبي ليس أهلاً لأداء فرض الحج(٣) .

وعلى هذا القول لو لم يقض حتى بلغ ، نظر في ما أفسده ، إن كانت بحيث لو سلمت عن الإِفساد ، أجزأت عن حجة الإِسلام ، فإن بلغ قبل فوات الوقوف ، أجزأ القضاء عن حجة الإِسلام ، وإن كانت لا تجزئ لو سلمت عن الإِفساد ، لم تجزئ عن حجة الإِسلام ، وعليه أن يبدأ بحجة الإِسلام ثم يقضي(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٣٤ - ٣٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٤ - ٢٣٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٥ - ٣٦.

٣٦

فإن نوى القضاء أوّلاً ، قالت الشافعية : انصرف إلى حجة الإِسلام(١) .

وفيه إشكال.

وعلى تقدير تجويز القضاء في الصِّغَر لو شرع فيه وبلغ قبل الوقوف ، انصرف إلى حجة الإِسلام ، وعليه القضاء(٢) .

وإذا فسد حجّه وأوجبنا القضاء ، وجبت الكفّارة أيضاً ، وإن لم نوجب القضاء ، ففي الكفّارة للشافعية وجهان ، والأصحّ عندهم : الوجوب(٣) .

وإذا وجبت الكفّارة فهي على الولي أو في مال الصبي؟ فيه الخلاف(٤) .

مسألة ٢٣ : لو فعل الولي في الصبي ما يحرم على الصبي مباشرته ، كما لو طيّبه أو ألبسه مخيطاً أو حلق رأسه ، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي ، كما لو طيّبه تداوياً ، فالأقرب أنّه كمباشرة الصبي ؛ لأنّه وليّه ، وقد فعل شيئاً لمصلحته ، فيكون ما ترتّب عليه لازماً للصبي.

وهو أصحّ وجهي الشافعية ، والثاني : أنّ الفدية على الولي ؛ لأنّ المباشرة وقعت منه(٥) .

والأقرب الأول‌

مسألة ٢٤ : أجمع علماء الأمصار على أنّ الصبي إذا حجّ في حال صغره ، والعبد إذا حجّ في حال رقّه ، ثم بلغ الصبي وعُتق العبد ، وجب عليهما حجة الإِسلام إذا جمعا الشرائط.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على ذلك إلّا مَنْ شذّ عنهم ممّن لا يُعدّ قوله خلافاً(٦) .

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٦.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٦ - ٣٧.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢٧ ، المجموع ٧ : ٣٧.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، المجموع ٧ : ٣٤.

(٦) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٧.

٣٧

وبه قال ابن عباس وعطاء والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي(١) .

لما رواه العامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّي اُريد أن اُجدّد في صدور المؤمنين عهداً : أيّما صبي حجّ به أهله فمات أجزأت عنه ، فإن أدرك فعليه الحج ، وأيّما مملوك حجّ به فمات أجزأت عنه ، فإن اُعتق فعليه الحجّ )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لو أنّ غلاماً حجّ عشر سنين ثم احتلم ، كانت عليه فريضة الإِسلام ، ولو أنّ مملوكاً حجّ عشر حجج ثم اُعتق ، كانت عليه فريضة الإِسلام إذا استطاع إليه سبيلاً »(٣) .

ولأنّ الحج عبادة بدنية فعلها قبل وقت وجوبها ، فلا تقع مجزئةً ، كما لو صلّى قبل الوقت.

مسألة ٢٥ : لو حجّ الصبي أو العبد فبلغ أو اُعتق في أثناء الحجّ ، فإن كان زوال العذر بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم تجزئهما عن حجّة الإِسلام - وهو قول العلماء - لأنّ معظم العبادة وقع حالة النقصان.

وما رواه معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : مملوك اُعتق يوم عرفة ، قال : « إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج »(٤) دلّ بمفهومه على عدم إدراكه للحج إذا لم يدركهما معتقاً.

ولا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقياً ولم يقف فيه أو قد فات ، وهو‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٤ ، المجموع ٧ : ٥٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٠.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٧ نقلا عن سعيد في سننه.

(٣) الكافي ٤ : ٢٧٨ / ١٨ ، التهذيب ٥ : ٦ / ١٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٦٥ /١٢٩٠ ، التهذيب ٥ : ٥ / ١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٨ /٤٨٥.

٣٨

قول أكثر الشافعية(١) .

وقال ابن سريج : إذا بلغ ووقت الوقوف باقٍ ، يجزئه عن حجة الإِسلام وإن لم يَعُدْ إلى الموقف(٢) .

وإن بلغ الصبي أو اُعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقاً وفَعَل باقي الأركان ، أجزأ عن حجة الإِسلام ، وكذا لو بلغ أو اُعتق وهو واقف عند علمائنا أجمع - وبه قال ابن عباس ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لما قدّمناه في الحديث عن الصادق(٤) عليه‌السلام .

وقال الحسن البصري في العبد : يجزئ(٥) .

وقال مالك : لا يجزئهما. وهو قول ابن المنذر(٦) .

وقال أصحاب الرأي : لا يجزئ العبد ، فأمّا الصبي فإن جدّد إحراماً بعد احتلامه قبل الوقوف أجزأه ، وإلّا فلا ؛ لأنّ إحرامهما لم ينعقد واجباً ، فلا يجزئ عن الواجب ، كما لو بقيا على حالهما(٧) .

ويعارض : بأنّه أدرك الوقوف حُرّاً بالغاً ، فأجزأه ، كما لو أحرم تلك الساعة ، ولا خلاف في أنّ الصبي لو بلغ أو العبد لو اُعتق بعرفة وهما غير مُحْرمين فأحرما ووقفا بعرفة وقضيا المناسك ، فإنّه يجزئهما عن حجّة الإِسلام.

ونُقل عن ابن عباس أنه إذا اُعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته ، وإن‌

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المجموع ٧ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨.

(٤) تقدّم آنفاً.

(٥) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨.

(٦) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٠.

(٧) المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨.

٣٩

اُعتق بجَمْع ، لم تجزئ عنه(١) .

وقد تلخّص من هذا أنّ مالكاً شرط في الصبي والعبد وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف(٢) ، وأبو حنيفة لا يعتدّ بإحرام الصبي(٣) .

ولا يجب عليه إعادة السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه لا بأس بتقدّم السعي كتقدّم الإِحرام.

وأصحّهما عندهم : وجوب الإِعادة ؛ لوقوعه في حالة النقص ، ويخالف الإِحرام ، فإنّه يستدام بعد البلوغ ، والسعي لا استدامة له(٥) .

والأصل براءة الذمة.

وقد بنى الشافعية الوجهين على أنّه إذا وقع حجّه عن حجّة الإِسلام فكيف تقدير إحرامه؟ هل تبيّن انعقاده في الأصل فرضاً أو نقول بأنّه انعقد نفلاً ثم انقلب فرضاً؟ فإن قلنا بالأول ، فلا حاجة إلى الإِعادة ، وإن قلنا بالثاني فلا بدّ منها(٦) .

مسألة ٢٦ : إذا أجزأ حجّهما عن حجّة الإِسلام بأن يُدركا أحد الموقفين كاملين ، لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدي.

وللشافعية طريقان ، أظهرهما : أنّه على قولين :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ إحرامه من الميقات ناقص ؛ لأنّه ليس بفرض.

وأصحّهما : لا ؛لأنّه أتى بما في وسعه ، ولم تصدر منه إساءة(٧) .

____________________

(١) كما في المغني ٣ : ٢٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٨.

(٢) كما في فتح العزيز ٧ : ٤٢٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، المجموع ٧ : ٥٨ - ٥٩.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٦٠.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٥٩.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

جالسا ذات يوم وعنده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إذ دخل الحسينعليه‌السلام فأخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان للحسينعليه‌السلام ست سنين. فقال عليعليه‌السلام : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتحبّ ولدي الحسين؟.قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال عليعليه‌السلام : أتفاخرني يا حسين؟.قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقالعليه‌السلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ، ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق أمين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسينعليه‌السلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّعليه‌السلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.

١٤٤ ـ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :

روي أنه لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال :ادعوا إليّ الحسن والحسينعليه‌السلام . قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال :فجعل عليعليه‌السلام يرفعهما عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ففتح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة».

١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)

في (كامل الزيارة) ص ٦٧ ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : بينا رسول

١٨١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزل فاطمةعليها‌السلام ، والحسينعليه‌السلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسينعليه‌السلام ؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ، وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين :الجن والإنس.

١٤٦ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)

في (البحار) سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.

أيها الناس ، من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».

ولنعم ما قال القائل :

أخذ النبي يد الحسين وصنوه

يوما ، وقال وصحبه في مجمع

من ودّني يا قوم أو هذين أو

أبويهما ، فالخلد مسكنه معي

وعن أسامة بن زيد ، قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ، فإذا هو الحسن والحسينعليهما‌السلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».

١٨٢

وفي (البحار) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.

وسألت أن يقيهما وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال : يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة.

١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب :(البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : كان الحسين بن عليعليهما‌السلام ذات يوم في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».

١٤٨ ـ خبر فداء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام بابنه إبراهيمعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)

عن تفسير النقاس بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل اقبض إبراهيم فديته بالحسين.

قال : فقبض بعد ثلاث. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته با بني إبراهيم.

١٨٣

* وسوف ترد قصة حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.

١٤٩ ـ مجلس الحسينعليه‌السلام :(ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)

قال أحمد فهمي محمّد يصف مجلس الحسينعليه‌السلام : وكان مجلس الحسينعليه‌السلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.

١٥٠ ـ خطابة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ٤٠)

وقد آتاه الله أعنّة الخطابة ، فكانعليه‌السلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع والقلوب.

١٥١ ـ عبادتهعليه‌السلام :(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١ ص ٢٤)

روى ابن عساكر في (التاريخ الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليه‌السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.

وفي (تذكرة الخواص) قال علماء السير : أقام الحسينعليه‌السلام بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠ كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.

وروى ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسينعليه‌السلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ، ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.

وكانعليه‌السلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.

وحسبهعليه‌السلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ، وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.

١٥٢ ـ كرم الحسينعليه‌السلام وحسن معاملته :

(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)

قال الدكتور علي شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح

١٨٤

منها اللون الأخضر ، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسينعليه‌السلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولهاعليه‌السلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.

عند ذلك تحرك أنس بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة ريحان؟!. فأجاب الحسينعليه‌السلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) [النساء :٨٦] وكان أحسن منها عتقها.

وفي (نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسينعليه‌السلام وبين أخيه الحسنعليه‌السلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب خاطره ، فإنه أكبر منك. فقالعليه‌السلام : سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ، كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله الحسنعليه‌السلام فأتاه وترضّاه.

١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعهعليه‌السلام :

مرّ الحسينعليه‌السلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :

ولقد وجد على ظهر الحسينعليه‌السلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدينعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.

١٥٥ ـ إباء الحسينعليه‌السلام للضيم :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)

أما إباؤهعليه‌السلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.

فأول ذلك ما قاله الحسينعليه‌السلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن الحكم حاضرا ، قال :

«إنا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

١٨٥

فقد أبىعليه‌السلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

وحين دعا مروان الوالي إلى قتل الحسين ، قالعليه‌السلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.

ولما أحاط القوم بالحسينعليه‌السلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.

وقالعليه‌السلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

١٥٦ ـ شجاعتهعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١١٥)

أما شجاعة الحسينعليه‌السلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ، من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.

وما أصدق وصف أحد الرواة للحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.

١٥٧ ـ شجاعة موروثة :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا». وقد ورث الحسينعليه‌السلام الشجاعة من أبيه عليعليه‌السلام وجده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجده أبو طالبعليه‌السلام . وعليعليه‌السلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو

١٨٦

أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.

وقد ظهرت شجاعة الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزواته وجولاته.

وما عسى أن يقول القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.

٦ ـ الذريّة والإمامة

إن من أكبر فضائل الإمام عليعليه‌السلام أن الله جعل ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلبه من فاطمة الزهراءعليها‌السلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل التي حباها الله تعالى للحسينعليه‌السلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم المهديعليه‌السلام .

قال النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ».

١٥٨ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عصبة الحسن والحسينعليهما‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)

أخرج الحاكم عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمةعليهم‌السلام [أي الحسن والحسين] فأنا وليهما وعصبتهما».

وفي رواية الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

ثم يقول الخوارزمي : والأخبار في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي الحسن والحسينعليهما‌السلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.

وأخرج الطبراني عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام قالت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم».

وفي (إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

١٨٧

تعليق : هذه الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمةعليهم‌السلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن ، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام .

١٥٩ ـ الإمامة في الحسينعليه‌السلام وفي صلبه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)

روى الأعرج عن أبي هريرة ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله تعالى :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨]. قال : جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.

* الاحتجاج على الحجّاج :

وقد وردت في الكتب قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهما‌السلام أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.

ولهذه القصة روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم ٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية الثانية بصيغتين.

يقول الخوارزمي في مقدمة مقتله :

ومن خذلان مبغضيهم المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء الله وأحباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن أنكروا أولاد عليعليهم‌السلام من فاطمةعليهم‌السلام أنهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمن أولئك الحجّاج المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.

١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)

قال الخوارزمي : أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث

١٨٨

إليّ الحجّاج ، فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ عليك كتاب اللهعزوجل ، إن الله يقول :( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٣ ـ ٨٥].

وعيسىعليه‌السلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيمعليه‌السلام .

قال الحجاج : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره.

ثم قال الخوارزمي : وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله ، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيتعليهم‌السلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم ، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.

١٦١ ـ رواية أخرى للقصة :

(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)

يروى أن الحجاج أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم.قال : اقرأ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ ) [الأنعام : ٨٣] إلى قوله :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥]. فمن يعدّ عيسىعليه‌السلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسينعليه‌السلام من ذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

فقال الحجاج : والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.

١٨٩

١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة :

(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)

حكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال : بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.

قال الشعبي : فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.

فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل.فقال له : أنت القائل : إن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن والحسينعليه‌السلام ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا حجّاج!.

قال : وكان الحجاج متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.

ثم قال للرجل : يا ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.

قال الشعبي : وكنت حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (١) [الفاتحة : ١] ، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) [آل عمران : ٦١]؟. فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت( وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل

١٩٠

عيسىعليه‌السلام في صلب نوحعليه‌السلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسينعليه‌السلام دخلا في صلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمهما فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال : فبقي الحجاج كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقهما ، لأنه قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أبو أئمة تسعة».

فقال الحجاج : يا علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من عطائك يا حجّاج!.

وقد عمدنا في هذه الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة الحجّاج.

ترجمة الحجّاج

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)

قال الذهبي : أهلك الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه‍ كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.

قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.

وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.

وفي (مروج الذهب) ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :

ومات الحجاج في سنة ٩٥ ه‍ وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان

١٩١

تأمّره على الناس عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.

* ملاحظة عامة : تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا للحسينعليه‌السلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ، وإن كان من أنصار الحسينعليه‌السلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).

* قصيدة حاقدة ومعارضتها :

والآن نستعرض قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام عليعليه‌السلام من فاطمة هم ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وادعى أن العباسيين أقرب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسينعليه‌السلام .

١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :

قال صاحب (روضات الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيتعليه‌السلام . ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين ، منها :

ألا من لعين وتسكابها

تشكّى القذا وبكاها بها

ترامت بنا حادثات الزمان

ترامي القسيّ بنشّابها

ويا ربّ ألسنة كالسيوف

تقطّع أرقاب أصحابها

ويقول فيها :

ونحن ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته

ولكن بنو العمّ أولى بها

إلى أن يقول :

١٩٢

قتلنا أميّة في دارها

ونحن أحقّ بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقّيتم

زبونا(١) أقرّت بجلّابها

١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ عليها :

فردّ الشاعر الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه‍) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ، يقول :

[القصيدة]

ألا قل لشرّ عبيد الإله

وطاغي قريش وكذّابها

وباغي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

أأنت تفاخر آل النّبيّ

وتجحدها فضل أحسابها؟

بكم باهل المصطفى أم بهم

فردّ العداة بأوصابها؟

أعنكم نفي الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها؟

أما الرجس والخمر من دأبكم

وفرط العبادة من دأبها؟

* * *

وقلت : ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها؟

وعندك لا يورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها؟

فكذّبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشّهد من صابها(٢)

أجدّك(٣) يرضى بما قلته؟

وما كان يوما بمرتابها

وكان بصفين من حزبهم

لحرب الطغاة وأحزابها

وقد شمرّ الموت عن ساقه

وكشّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى «حيدر»

بإرغابها وبإرهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام

من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلا لها

فلم يرتضوه لإيجابها

وصليمع الناس طول الحياة

وحيدر في صدر محرابها

فهلا تقمّصها جدّكم

إذا كان إذ ذاك أحرى بها؟

إذا جعل الأمر شورى لهم

فهل كان من بعض أربابها؟

__________________

(١) الزّبون : الناقة التي تدفع ولدها عن ضرعها.

(٢) الصاب : شجر له عصارة بيضاء بالغة المرارة.

(٣) يقصد بجدهم : عبد الله بن عباس.

١٩٣

أخامسهم كان أم سادسا؟

وقد جلّيت بين خطّابها

وقولك : أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمّه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصل الخلاف

فليست ذلولا لركّابها

وما أنت والفحص عن شأنها

وما قمصّوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة

فما كنت أهلا لأسبابها

وكيف يخصّوك يوما بها؟

ولم تتأدّب بآدابها

* * *

وقلت : بأنكم القاتلون

أسود أميّة في غابها

كذبت وأسرفت فيما ادّعيت

ولم تنه نفسك عن عابها

فكم حاولتها سراة لكم

فردّت على نكص أعقابها

ولو لا سيوف أبي مسلم(١)

لعزّت على جهد طلّابها

وذلك عبد لهم لا لكم

رعى فيكم قرب أنسابها

وكنتم أسارى ببطن الحبوس

وقد شفّكم لثم أعتابها

فأخرجكم وحباكم بها

وألبسكم فضل جلبابها

فجازيتموه بشرّ الجزاء

لطغوى النفوس وإعجابها

* * *

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاؤوا الخلافة من بابها

هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها

هم قطب ملّة دين الإله

ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوك بالغانيات

وخلّ المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار

ونعت العقار(٢) بألقابها

وشعرك في مدح ترك الصلاة

وسعي السّقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم

وجري الجياد بأحسابها

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)

__________________

(١) هو أبو مسلم الخراساني الّذي قاد الثورة ضد الأمويين.

(٢) العقار : الخمر.

١٩٤

الفصل الخامس

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

التوراة ـ الإنجيل ـ كتاب إرميا

ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

ـ تشابه محنة يحيىعليه‌السلام مع محنة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيتهعليه‌السلام من بعده

ـ علم أهل البيتعليه‌السلام بالمغيبات :

ـ علوم الجفر الخاصة بأهل البيتعليه‌السلام

ـ الوصية الإلهية التي نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسينعليه‌السلام

ـ روايات الإمام عليعليه‌السلام

ـ روايات أم سلمة وعائشة

ـ روايات الحسينعليه‌السلام والأئمةعليه‌السلام

ـ روايات ابن عباس

١٩٥

ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام

ـ إخبار الحسنينعليه‌السلام

ـ إخبار سلمان الفارسي

ـ إخبار أبي ذر الغفاري

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

١٩٦

الفصل الخامس :

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

تعريف بالفصل :

قبل وقوع حادثة كربلاء واستشهاد الحسينعليه‌السلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام . منها ما كان على لسان جبرائيلعليه‌السلام أو على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذه الأخبار جاءت بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمةعليه‌السلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان الصحابة (رض).

وكانت متعددة في الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسينعليه‌السلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين وهكذا. وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.

وفي بعض هذه الروايات إخبار مجمل بشهادتهعليه‌السلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين لمكان استشهادهعليه‌السلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.

وثمة روايات معينة صدرت عن الإمام عليعليه‌السلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.

وسوف نبدأ الفصل بأنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد الحسينعليه‌السلام كما استشهد يحيى بن زكرياعليه‌السلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.

١٩٧

ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في الجفر ، الذي توارثه الأئمةعليهم‌السلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه باستشهاد الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار الإمام عليعليه‌السلام وأم سلمة والأئمةعليهم‌السلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهم.

وينتهي الفصل بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسينعليه‌السلام .

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام ومنزلة أصحابه :

(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)

عن سالم بن أبي جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور العين.

فمر بنا الحسنعليه‌السلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فقلنا :هو هذا؟ قال : نعم.

١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسينعليه‌السلام :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)

قال رأس الجالوت (وهو من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.

فلما قتل الحسينعليه‌السلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.

١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)

جاء في كتاب إرميا في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطىء الفرات.

١٩٨

١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)

وقال ابن سيرين : وجد حجر قبل مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

وقال سليمان بن يسار : وجد حجر مكتوب عليه :

لا بد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

وسيرد شبيه هذا في الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.

١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

عن مشايخ بني سليم أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :

أترجوا أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

قالوا : فسألنا منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

وفي رواية أخرى أن الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل العوالم ص ١١٠).

١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)

أخرج الحاكم عن أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :

١٩٩

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

كتب إبراهيم خليل الله.

فجاء باللوح إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.

١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسينعليه‌السلام بالفساد الكبير :

حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.

فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل هابيل ويختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام .

* * *

إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام حين مرّوا بكربلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)

جاء في الأخبار أن جملة من الأنبياءعليهم‌السلام من آدم إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ، فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن عليعليه‌السلام ويأمرهم بلعن قاتليه.

حصل ذلك لآدمعليه‌السلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليه‌السلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسىعليه‌السلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسىعليه‌السلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا كاسرا قابعا هناك.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481