تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179167 / تحميل: 5960
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ذكر عدّة فضائل لأمير المؤمنينعليه‌السلام بترجمته، عن جمعٍ من الصحابة، ومن ذلك قوله:

« وعن ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أنت وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١) .

ترجمته

والصفدي عالم جليل، ومؤرخ معتمد كبير، ترجموا له ووصفوه بأوصافٍ كريمةٍ في أشهر كتب التراجم والتاريخ، فلاحظ منها:

١ - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢ / ٨٧

٢ - النجوم الزاهرة في محاسن مصر والقاهرة ١١ / ١٩

٣ - طبقات الشافعية الكبرى ٦ / ٩٤

٤ - شذرات الذهب ٦ / ٢٠٠

٥ - البدر الطالع ١ / ٢٤٣

٦ - البداية والنهاية ١٤ / ٣٠٣

قال الحافظ ابن حجر بترجمته:

« سمع منه من أشياخه: الذهبي، وابن كثير، والحسيني، وغيرهم.

قال الذهبي في حقّه: الأديب البارع الكاتب، شارك في الفنون وتقدم في الإنشاء وجمع وصنف.

وقال أيضاً: سمع مني وسمعت منه، وله تواليف وكتب وبلاغه.

__________________

(١). الوافي بالوفيات ٢١ / ٢٧٠.

١٠١

وقال في المعجم المختص: الإمام العالم الأديب البليغ الكامل، طلب العلم وشارك في الفضائل، وساد في الرسائل، وقرأ الحديث، وجمع وصنف، وله تواليف وكتب وبلاغة.

وقد ترجم له السبكي في الطبقات.

وقال الحسيني: كان إليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم.

وقال ابن كثير: كتب ما يقارب مئتين من المجلّدات.

وقال ابن سعد: كان من بقايا الرؤساء الأخيار ».

(٧٥)

رواية ابن كثير الدمشقي

وهو: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، المتوفى سنة ٧٧٤.

روى عن أبي يعلي الموصلي بإسناده عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس حديث الفضائل العشر المختصّة بأمير المؤمنينعليه‌السلام وأحدها فيه: « وقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنت وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١) .

ثم روى حديث الولاية عن غير واحدٍ من الأئمة بالأسانيد مع التحريف في ألفاظ الحديث، فتكلّم على سند بعضٍ وسكت عن آخر، ونحن نذكر روايته كلّها بنصّ كلامه:

قال: « حديث آخر: قال الحاكم وغير واحدٍ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن بريدة بن الحصيب قال: غزوت مع علي إلى اليمن، فرأيت منه

__________________

(١). البداية والنهاية ٧ / ٣٣٨.

١٠٢

جفوة، فقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرت علياً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتغيّر، فقال: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلت: بلى يا رسول الله. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير، ثنا الأجلح الكندي، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثتين إلى اليمن، على إحداهما علي بن أبي طالب، وعلى الأخرى خالد بن الوليد، وقال: إذا إلتقيتما فعلي على الناس وإذا افترقتما فكلّ واحدٍ منكما على جنده، قال: فلقينا بني زبيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة، فاصطفى علي امرأةً من السبي لنفسه. قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبره بذلك، فلمـّا أتيت رسول الله دفعت إليه الكتاب، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله. فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أنْ أطيعه، فبلّغت ما اُرسلت به. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي.

هذه لفظة منكرة، والأجلح شيعي، ومثله لا يقبل إذا تفرّد بمثلها، وقد تابعه فيها من هو أضعف منه. والله أعلم.

والمحفوظ في هذا رواية أحمد، عن وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من كنت مولاه فعلي وليّه.

١٠٣

ورواه أحمد أيضاً والحسن بن عرفة، عن الأعمش، به.

ورواه النسائي عن أبي كريب، عن أبي معاوية، به.

وقال أحمد: حدثنا روح، عن علي بن سويد بن منجوف، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس، فأصبح ورأسه يقطر، فقال خالد لبريدة: ألا ترى ما يصنع هذا؟ قال: فلمـّا رجعت إلى رسول الله أخبرته بما صنع علي، قال - وكنت أبغض علياً - فقال: يا بريدة أتبغض علياً؟ فقلت: نعم. قال: لا تبغضه وأحبّه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك.

وقد رواه البخاري في الصحيح عن بندار، عن روح، به، مطوّلاً.

وقال أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبدالجليل قال: انتهيت إلى حلقةٍ فيها أبو مجلز وابنا بريدة، فقال عبدالله بن بريدة: حدّثني أبي بريدة قال: أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً، قال: وأحببت رجلاً من قريش لم اُحبّه إلّاعلى بغضه عليّاً، قال: فبعث ذلك الرجل على خيلٍ قال: فصحبته ما أصحبه إلاّعلى بغضه عليّاً، فأصبنا سبياً، فكتبنا إلى رسول الله أنْ ابعث إلينا من يخمّسه، فبعث إلينا علياً. وقال: وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي، فخمّس وقسّم، فخرج ورأسه يقطر، فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي؟ فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم صارت في آل علي فوقعت بها. قال: وكتب الرجل إلى نبي الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: إبعثني فبعثني مصدّقاً، قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق. قال: فأمسك النبي صلّى الله عليه وسلّم بيدي والكتاب، قال: أتبغض علياً؟ قال: قلت: نعم. قال: فلا تبغضه، وإنْ كنت تحبّه فازدد له حبّاً، فوالذي نفسي

١٠٤

بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة. قال: فما كان في الناس أحد بعد قول رسول الله أحبّ إليَّ من علي.

قال عبدالله فوالذي لا إله غيره، ما بني وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث غير أبي بريدة.

تفرّد به أحمد.

وقد روى غير واحدٍ هذا الحديث عن أبي الجواب، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء بن عازب، نحو رواية بريدة بن الحصيب.

وهذا غريب »(١) .

ترجمته

وقد ترجم لابن كثير في كثير من المصادر المعتبرة مع الإكبار والتقدير، فمن ذلك:

١ - المعجم المختص، للذهبي: ٧٤

٢ - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني ١ / ٣٩٩

٣ - طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة ٢ / ١١٣

٤ - طبقات الحفاظ، للسيوطي: ٥٢٩

٥ - طبقات المفسرين، للداودي المالكي ١ / ١١٠

٦ - النجوم الزاهرة، لابن تغري بردي ١١ / ١٢٣

٧ - شذرات الذهب، لابن العماد ٦ / ٢٣١

٨ - البدر الطالع، للشوكاني ١ / ١٥٣

__________________

(١). البداية والنهاية ٧ / ٣٤٤ - ٣٤٦.

١٠٥

وللإختصار نكتفي بخلاصة ترجمته في ( طبقات المفسرين ):

« إسماعيل بن عمر بن كثير كان قدوة العلماء والحفاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ، ذكره شيخه الذهبي في المعجم المختص فقال: فقيه متفتن ومحدث متقن، ومفسّر نقّاد.

وقال تلميذه الحافظ شهاب الدين بن حجي: كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بتخريجها ورجالها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفونن له بذلك، وما أعرف أني اجتمعت به مع كثرة تردّدي إليه إلّاواستفدت منه.

وقال غيره: كانت له خصوصية بالشيخ تقي الدين ابن تيمية ومناضلة عنه واتّباع له في كثيرٍ من آرائه ».

(٧٦)

رواية محمّد بن أبي بكر الأنصاري

روى هذا الحديث باللفظ التالي:

« وروى أبو داود الطيالسي قال: نا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: أنت ولي كلّ مؤمنٍ بعدي »(١) .

__________________

(١). كتاب الجوهرة: ٦٤.

١٠٦

ترجمته

قال في معجم المؤلفين:

« محمّد بن أبي بكر التلمساني الأنصاري - كان حياً حوالي سنة ٦٧٦ - فاضل. من آثاره: وصف مكة والمدينة وبيت المقدس المبارك »(١) .

(٧٧)

رواية نور الدين الهيثمي

وهو: نور الدين علي بن أبي بكر القاهري، المتوفى سنة ٨٠٧.

أخرج حديث الولاية عن عدةٍ من الأئمة بألفاظ وأسانيد مختلفة:

« وعن بريدة قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريةٍ، فاستعمل علينا عليّاً، فلمـّا جئنا، قال: كيف رأيتم صاحبكم؟ فإمّا شكوته وإمّا شكاه غيري، قال: فرفع رأسه - وكنت رجلاً مكباباً - فاذا النبي قد احمرّ وجهه يقول: من كنت وليّه فعليّ وليّه. فقلت: لا أسؤك فيه أبداً.

رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح »(٢) .

« وعن وهب بن حمزة قال: صحبت علياً إلى مكة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لئن رجعت لأشكونّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما قدمت لقيت رسول الله، فقلت: رأيت من علي كذا وكذا. فقال: لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي.

__________________

(١). معجم المؤلفين ٩ / ١٠٧.

(٢). مجمع الزوائد ٩ / ١٠٨.

١٠٧

رواه الطبراني، وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم ولم يضعّفه أحد، وبقية رجاله وُثقوا »(١) .

عن بريدة - يعني ابن الحصيب - قال: أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط، قال: وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلاّعلى بغضه علياًرضي‌الله‌عنه ، قال: فبعث ذلك الرجل على جيش، فصحبته ما صحبته إلاّببغضه علياًرضي‌الله‌عنه ، قال: فأصبنا سبايا، فكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ابعث إلينا من يخمّسه قال: فبعث علياًرضي‌الله‌عنه - وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي - قال: فخمّس وقسّم، فخرج ورأسه يقطر، فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي، فإنّي قسّمت وخمّست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم صارت في آل علي، فوقعت بها. قال: فكتب الرجل إلى نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابعثني مصدقاً.

قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق، قال: فأمسك يدي والكتاب وقال: أتبغض علياً؟ قال: قلت: نعم، قال: فلا تبغضه، وإنْ كنت تحبّه فازدد له حباً. فوالذي نفس محمّد صلّى الله عليه وسلّم بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة قال: فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحب إليّ من علي. قال عبدالله - يعني ابن بريدة - فوالذي لا إله غيره، ما بيني وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث إلاّ أبي بريدة.

قلت: في الصحيح بعضه. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير عبد

__________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩.

١٠٨

الجليل بن عطية وهو ثقة، وقد صرح بالسماع، وفيه لين.

وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده قال: فلقينا بني زبيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبره بذلك، فلما أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي.

قلت: رواه الترمذي باختصار. رواه أحمد والبزار باختصار، وفيه الأجلح الكندي، وثّقه ابن معين وغيره وضعّفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل فقال: إن اجتمعتما فعلي على الناس، فالتقوا، وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: اغتنمها، فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ما صنع.

١٠٩

فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منزله، وناس من أصحابه على بابه.

فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟

فقلت: خيراً، فتح الله على المسلمين.

فقالوا: ما أقدمك؟

قلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لُاخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم.

فقالوا: فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنه يسقط من عين النبي صلّى الله عليه وسلّم.

ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع الكلام، فخرج مغضبا فقال: ما بال أقوامٍ ينتقصون علياً، من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

يا بريدة، أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وإنه وليكم بعدي؟

فقلت: يا رسول الله، بالصحبة إلّابسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً.

قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام.

رواه الطبراني في الأوسط. وفيه جماعة لم أعرفهم، وحسين الأشقر ضعّفه الجمهور ووثّقه ابن حبان.

١١٠

وعن عبدالله بن بريدة عن علي قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد، كل واحد منهما وحده وجمعهما فقال: إذا اجتمعتما فعليكم علي. قال: فأخذا يميناً ويساراًت، فدخل علي وأبعد وأصاب سبياً، وأخذ جارية من السبي، قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاًت لعلي، قال: فأتى رجل خالد بن الوليد فذكر أنه أخذ جارية من الخمس، فقال: ما هذا؟ ثم جاء آخر، ثم جاء آخر، ثم تتابعت الأخبار على ذلك.

فدعاني خالد فقال: يا بريدة، قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكتب إليه، فانطلقت بكتابه، حتى دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ الكتاب بشماله وكان كما قال الله عزّ وجلّ لا يقرأ ولا يكتب، وكنت إذا تكلّمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي، فتكلّمت فوقعت في علي حتى فرغت، ثم رفعت رأسي، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضب غضباً لم أره غضب مثله إلّايوم قريظة والنضير، فنظر إليّ فقال:

يا بريدة: أحبّ علياً، فإنما يفعل ما اُمر به.

فقمت وما من الناس أحد أحب إليّ منه.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ضعفاء وثّقهم ابن حبان.

وعن أبي سعيد الخدري قال: إشتكى علياً الناس، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشى في ذات الله أو في سبيل الله.

رواه أحمد.

١١١

وعن عمرو بن شاش الأسلمي - وكان من أصحاب الحديبية - قال: خرجت مع عليعليه‌السلام إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد، حتى سمع بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في ناس من أصحابه، فلما رآني أمدّ لي عينيه - يقول حدّد إليّ النظر - حتى إذا جلست قال:

يا عمرو، والله لقد آذيتني. قلت: أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله، قال: بلى، من آذى علياً فقد آذاني.

رواه أحمد والطبراني باختصار، والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات.

وعن أبي رافع قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً أميراً على اليمن، وخرج معه رجل من أسلم يقال له عمرو بن شاس، فرجع وهو يذم علياً ويشكوه، فبعث إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:

إخسأ يا عمرو، هل رأيت من علي جوراً في حكمه أو أثرة في قسمه.

قال: اللهم لا.

قال: فعلام تقول الذي بلغني؟

قال: بغضه لا أملك.

قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى عرف ذلك في وجهه، ثم قال: من أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله تعالى.

١١٢

رواه البزار، وفيه رجال وثقوا على ضعفهم.

وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوّذت بالله من غضبه، فقال:

ما لكم ومالي، من آذى علياً فقد آذاني.

رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان »(١) .

ترجمته

ابن حجر: « كان خيّراً، ساكناً، ليّناً، سليم الفطرة ».

البرهان الحلبي: « كان من محاسن القاهرة ».

التقي الفاسي: « كان كثير الحفظ للمتون، والآثار، صالحاً خيّراً ».

الأفقهسي: « كان إماماً، عالماً، حافظاً، زاهداً، متواضعاً، متودّداً إلى الناس، ذا عبادةٍ وتقشّف وورع ».

السخاوي: « كان عجباً في الدين والتقوى والزهد والإقبال على العلم والعبادة والأوراد، والثناء على دينه وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جداً، بل هو في ذلك كلمة اتفاق ».

تجد هذه الكلمات ونحوها في:

١ - الضوء اللامع ٥ / ٢٠٠

__________________

(١). مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ٩ / ١٢٧ - ١٢٩.

١١٣

٢ - البدر الطالع ١ / ٤٤

٣ - طبقات الحفاظ: ٥٤١

٤ - حسن المحاضرة ١ / ٣٦٢

٥ - شذرات الذهب ٧ / ٧٠ وغيرها.

(٧٨)

رواية ابن دقماق

وهو: صارم الدين إبراهيم بن محمّد بن دقماق القاهري، المتوفى سنة ٨٠٩.

رواه عن ابن عباس بلفظ: « أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١) .

ترجمته

ترجم له جماعة من الأعلام:

كالسخاوي في الضوء اللامع ١ / ١٤٥

وابن حجر العسقلاني في أنباء الغمر ٦ / ١٦

والسيوطي في حسن المحاضرة ١ / ٥٥٦

وابن العماد في شذرات الذهب ٧ / ٨٠

وابن تغري بردى في المنهل الصافي ١ / ١٢٠.

__________________

(١). الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين: ٥٨.

١١٤

قال السخاوي ما ملخّصه:

« إبراهيم بن محمّد بن دقماق، صارم الدين القاهري الحنفي، مؤرخ الديار المصرية في وقته، قال شيخنا في معجمه: ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، واعتنى بالتاريخ فكتب منه الكثير بخطّه، وعمل تاريخ الإسلام، وتاريخ الأعيان، وطبقات الحنفية، وغير ذلك. وكان جميل العشرة، كثير الفكاهة، حسن الود، قليل الوقيعة في الناس.

وزاد في إنبائه: عامي العبارة، وأنه ولي في آخر الأمر إمرة دمياط، فلم تطل مدّته فيها، ورجع إلى القاهرة فمات بها في ذي الحجة سنة تسع.

قلت: وهو أحد من اعتمده شيخنا في إنبائه.

حبّب إليه التاريخ، وتصانيفه فيه جيدة مفيدة، واطّلاعه كثير، واعتقاده حسن، ولم يكن عنده فحش في كلامه، ولا في خطّه.

وقال المقريزي: إنه أكب عليه حتى كتب فيه نحو مائتي سفر من تأليفه وغير ذلك. وكتب تاريخاً كبيراً على السنين، وآخر على الحروف ».

(٧٩)

رواية الفاسي

وهو: تقي الدين محمّد بن أحمد بن علي الحسيني المكي المالكي المتوفى سنة ٨٣٢.

رواه الشيخ حسن زمان التركماني عن كتابه ( العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين )(١) .

__________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن: ٢١٤.

١١٥

ترجمته

له تراجم حسنة في غير واحدٍ من المصادر، راجع:

١ - الضوء اللامع ٧ / ١٨

٢ - شذرات الذهب ٧ / ١٩٩.

٣ - البدر الطالع ٢ / ١١٤

٤ - إنباء الغمر بأبناء العمر ٨ / ١٨٧.

قال السخاوي: « ولد بمكة ونشأ بها وبالمدينة، ودخل القاهرة ودمشق واليمن، وبلغت عدّة شيوخه بالسماع والإجازة نحو الخمسمائة، وعني بعلم الحديث أتم عناية، وكتب الكثير وأفاد وانتفع الناس به وأخذوا عنه، ودرّس وأفتى وحدّث بالحرمين والقاهرة ودمشق وبلاد اليمن بجملةٍ من مروياته ومؤلفاته. سمع منه الأئمة. وكان ذا يد طولى في الحديث والتاريخ والسير، واسع الحفظ، وكان إماماً علامةً فقيهاً حافظاً للأسماء والكنى، ذا معرفة تامة بالشيوخ والبلدان، ويد طولى في الحديث والتاريخ والفقه وأصوله، مفيد البلاد الحجازية وعمالها ».

(٨٠)

رواية البوصيري

وهو: شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل، المتوفى سنة ٨٤٠.

رواه حيث قال: « وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - إن رسول الله صلّى

١١٦

الله عليه وسلّم قال لعلي: أنت ولي كلّ مؤمن بعدي.

رواه أبو داود الطيالسي بسندٍ صحيح »(١) .

ترجمته

السيوطي: « سمع الكثير وعني بالفن، وألّف وخرّج. مات في المحرم ٨٤٠ »(٢) .

السخاوي: « كان كثير السكون والتلاوة والعبادة والإنجماع عن الناس والإقبال على النسخ والإشتغال »(٣) .

إبن حجر العسقلاني: « لازم شيخنا العراقي على كبر، فسمع منه الكثير، ثم لازمني في حياة شيخنا، فكتب عنّي لسان الميزان والنكت على الكاشف، وسمع عليَّ الكثير من التصانيف وغيرها وعمل زوائد المسانيد العشرة »(٤) .

وترجم له ابن العماد في شذراته بنحو ذلك.

(٨١)

رواية بدر الدين العيني

وهو: بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى الحنفي، المتوفى سنة ٨٥٥.

__________________

(١). إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة. عن نسخته الأصلية، فرغ منها في رجب ٨٣٢.

(٢). حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة: ١ / ٣٦٣.

(٣). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ١ / ٢٥١.

(٤). إنباء الغمر ٨ / ٤٣١.

١١٧

قال بشرح قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: « أنت منّي وأنا منك »:

« وهذا الحديث أخرجه الترمذي، من حديث عمران بن حصين، بلفظ: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي. ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلّامن حديث جعفر بن سليمان.

وأخرجه أبو القاسم إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم البصري، في فضائل الصّحابة، من حديث بريدة مطوّلاً، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لي: لا تقع في علي، فإنّ علياً منّي وأنا منه »(١) .

ترجمته

وهو عالمٌ كبيرٌ في الفقه والحديث والتاريخ والتفسير وغيرها من العلوم، وقد ترجم له الأكابر وأثنوا عليه، راجع من كتبهم:

١ - الضوء اللامع ١٠ / ١٣١

٢ - البدر الطالع ٢ / ٢٩٤

٣ - حسن المحاضرة ١ / ٤٧٣

٤ - شذرات الذهب ٧ / ٢٨٧

٥ - الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٢ / ١٦٥

وقد ترجم له السخاوي ترجمةً حافلة، فذكر شيوخه والعلوم التي درسها عليهم، وذكر أسفاره ومناصبه الحكوميّة إلى أن قال ما ملخّصه بلفظه:

« وكان إماماً، عالماً علّامةً، عارفاً بالصرف والعربية وغيرها، حافظاً

__________________

(١). عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ١٦ / ٢١٤.

١١٨

للتاريخ واللغة، كثير الإستعمال لها، مشاركاً في الفنون، ذا نظمٍ ونثرٍ مقامه أجل منهما، لا يمل من المطالعة والكتابة، حدّث وأفتى ودرّس، وأخذ عنه الأئمة من كلّ مذهب، طبقةً بعد اُخرى، بل أخذ عنه أهل الطبقة الثالثة، وكنت ممّن قرأ عليه أشياء، ولم يزل ملازماً للجمع والتصنيف حتى مات ».

(٨٢)

رواية الباعوني

وهو: شمس الدين أبو البركات محمّد بن أحمد الدمشقي، المتوفى سنة ٨٧١.

روى هذا الحديث في كتابه، عن ابن عباس، في حديث الفضائل العشر، ولفظه:

« أنت ولي كلّ مؤمن بعدي. ألا وأنت خليفتي »(١) .

وروى حديث بريدة بلفظين فقال: « خرّجهما الإمام أحمد »(٢) .

ترجمته

قال السخاوي بترجمته ما ملخّصه:

« ولد بدمشق في عشر الثمانين وسبعمائة، ونشأ بها، فحفظ القرآن وأخذ الفقه وسمع الحديث وتعانى النظم فأكثر وأتى فيه بالحسن، ونظم السّيرة النبوية

__________________

(١). جواهر المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ١ / ٢١٢.

(٢). جواهر المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ١ / ٨٧.

١١٩

للعلاء مغلطاي وسماه منحة اللبيب في سيرة الحبيب، يزيد على ألف بيت، وعمل تحفة الظرفاء في تاريخ الملوك والخلفاء، وكتب الكثير من كتب الحديث ونحوه بخطّه، وخطب بجامع دمشق، وجمع نفسه على العبادة، وحدّث بشيء من نظمه وغير ذلك. وممن كتب عنه: أبو العباس المجدلي الواعظ، بل نقل ابن خطيب الناصرية في تاريخه من نظمه، ووصفه بالإمام الفاضل العالم. ولقيته بدمشق فكتبت عنه من نظمه أشياء، بل قرأت عليه بعض مروياته وكان مجموعاً حسناً ».

(٨٣)

رواية الصّالحي الدمشقي

وهو: شمس الدين محمّد بن يوسف، المتوفى سنة ٩٤٢.

رواه في ( السّيرة ) حيث قال:

« روى ابو داود الطيالسي، والحسن بن سفيان، وأبو نعيم في فضائل الصحابة، عن عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن بعدي».

وقال: « وروى الديلمي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لبريدة: يا بريدة، إنّ عليّاً وليّكم بعدي، فأحبّ عليّاً، فإنّه يفعل ما يؤمر ».

قال: « وروى الخطيب والرافعي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: سألت الله فيك خمساً، فأعطاني أربعاً

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٢١

الأول

في الإِحرام‌

وفيه مطالب :

الأول : في مقدّماته‌

مقدّمات الإِحرام كلّها مستحبّة ، وأمّا الإِحرام فهو ركن من أركان الحجّ إذا أخلّ به عمداً بطل حجّه.

وتشتمل المقدّمات المستحبّة على مسائل :

مسألة ١٦٥ : يستحب لمن أراد التمتّع أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أوّل ذي القعدة‌ ولا يمسّ منهما شيئاً بحلقٍ أو نَتْفٍ أو جزٍّ ، ويتأكّد عند هلال ذي الحجة ، فإن مسّ منهما شيئاً ، يكون قد ترك الأفضل ، ولا شي‌ء عليه ، وهو اختيار الشيخ في بعض كتبه(١) .

وقال في بعضٍ : التوفير واجب ، فإن مسّ منهما شيئاً ، وجب عليه دم يهريقه(٢) .

أمّا التوفير : فلما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « الحجّ أشهرٌ معلومات : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، فمَنْ أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومَنْ أراد العمرة وفّر‌

____________________

(١) الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٢٧.

(٢) انظر : النهاية : ٢٠٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، والاستبصار ٢ : ١٦١ ذيل الحديث ٥٢٥ ، والتهذيب ٥ : ٤٨ ذيل الحديث ١٤٨.

٢٢٢

شعره شهراً »(١) .

والأصل عدم الوجوب.

احتجّ الشيخ : بما رواه جميل عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن متمتّع حلق رأسه بمكة ، قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي(٢) يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دماً يهريقه »(٣) .

وهو محمول على ما إذا حلق بعد التلبّس بالإِحرام ، ويدلّ عليه أنّ السؤال وقع عن متمتّع حلق بمكة ، وهو إنّما يكون بها بعد الإِحرام.

ولا بأس بحلق الرأس وقصّ اللحية قبل هلال ذي القعدة.

مسألة ١٦٦ : يستحب له إذا بلغ الميقات التنظيف‌ بإزالة الشَعَث وقطع الرائحة ونَتْف الإِبط وقصّ الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ؛ لأنّ الإِحرام يُسنُّ له الاغتسال ، فتُسَنُّ هذه الأشياء له ، كالجمعة.

ولأنّ الإِحرام يمنع حلق الشعر وتقليم الأظفار فاستحب له فعله قبله لئلّا يحتاج إليه في إحرامه ، فلا يتمكّن منه.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانتف إبطك واحلق عانتك وقلّم أظفارك وقصّ شاربك ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت »(٤) .

ولو كان قد أطلى قبل الإِحرام ، اجتزأ به ما لم تمض خمسة عشر يوماً ، فإن مضت ، استحب له الإِطلاء.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٦ / ١٣٩ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ / ٥٢٠.

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : « الذي » بدل « التي » وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٤٨ - ٤٩ / ١٤٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٦١ / ١٩٣ ، والفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٣.

٢٢٣

والإِطلاء أفضل ؛ للرواية(١) .

مسألة ١٦٧ : يستحب له إذا وصل إلى الميقات وأراد الإِحرام أن يغتسل إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تجرّد لإِهلاله واغتسل(٢) ، وأمر أسماء بنت عميس - وهي نفساء - أن تغتسل عند الإِحرام(٣) ، وأمر عائشة أن تغتسل عند الإِهلال بالحج وهي حائض(٤) ، رواه العامّة.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا انتهيت إلى العقيق - إلى أن قال - ثم استك واغتسل »(٥) .

وهذا الغسل ليس واجباً في قول أكثر أهل العلم(٦) .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال ، وأنّه غير واجب(٧) .

وحكي عن الحسن أنّه قال : إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر(٨) .

وليس دالاً على الوجوب.

ويستوي في استحبابه الرجل والمرأة والصبيّ.

ولا فرق بين الحائض والنفساء وغيرهما ؛ لأنّ المقصود بهذا الغسل التنظيف وقطع الرائحة الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم.

ولو كان على الحائض أو النفساء مقام بالميقات حتى تطهر ، فالأولى أن تؤخّر الإِحرام حتى تطهر وتغتسل ، ليقع إحرامها في أكمل أحوالها.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٦٢ - ٦٣ / ١٩٩.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ١٩٣ / ٨٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ / ١٢١٨ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨١ / ١٢١٣ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٤.

(٦ - ٨) المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١ ، المجموع ٧ : ٢١٢.

٢٢٤

ولو تعذّر الماء أو استعماله ، تيمّم بدلاً من غسله ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه غسل مشروع ، فناب عنه التيمّم كالواجب.

وقال أحمد : لا يستحب ؛ قياساً على غسل الجمعة(٣) .

مسألة ١٦٨ : لو خاف عوز الماء في الميقات ، جاز له تقديم الغسل على الميقات ، ويكون على هيئته إلى أن يبلغ الميقات ، ثم يُحْرم ما لم ينم أو يمضي عليه يوم وليلة ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يغتسل بالمدينة لإِحرامه أيجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟ قال : « نعم»(٤) .

وأرسل هشام بن سالم إلى الصادقعليه‌السلام ، قال : نحن جماعة بالمدينة نريد أن نودّعك ، فأرسل إلينا أن « اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فلو قدّم الغسل خوفاً من عوز الماء ثم وجده في الميقات ، استحب له إعادته.

وغسل اليوم يجزئ عن ذلك اليوم ، وغسل الليلة يجزئه عن ليلته ما لم ينم.

قال الصادقعليه‌السلام : « من اغتسل منذ طلوع الفجر [ كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلاً ](٦) كفاه غسله إلى‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٤.

(٢) الاُم ٢ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٢ ، المجموع ٧ : ٢١٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٦٣ / ٢٠٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٦٣ - ٦٤ / ٢٠٢.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

٢٢٥

طلوع الفجر »(١) .

ولو اغتسل ثم نام قبل أن يعقد الإِحرام ، أعاد الغسل ؛ لأنّ النضر بن سويد سأل الكاظمعليه‌السلام عن الرجل يغتسل للإِحرام ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « عليه إعادة الغسل »(٢) .

وكذا لو لبس قميصاً مخيطاً ، أعاد الغسل استحباباً ، لأنّه منافٍ للإِحرام ، لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يُحرم فلبس قميصاً قبل أن يلبّي فعليه الغسل »(٣) .

وكذا لو أكل ما لا يحل للمُحرم أكله بعد الغسل ، فإنّه يعيد الغسل استحباباً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا لبست ثوباً لا ينبغي [ لك ](٤) لبسه أو أكلت طعاماً لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل »(٥) .

ولو قلّم أظفاره بعد الغسل قبل الإِحرام ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّه محلّ ، ولا يعيد الغسل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رجل اغتسل للإِحرام ثم قلّم أظفاره ، قال : « يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل »(٦) .

ولو أحرم بغير غسل ، استحب إعادته ؛ لأنّه تقدمة مندوبة ، فاستحب إعادة الفعل مع الإِخلال بها ، كالأذان.

وكتب الحسن بن سعيد إلى الكاظمعليه‌السلام : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي أن يصنع؟

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٤ / ٢٠٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢١٠.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢٤ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١١ ، وفيها عن الامام الباقرعليه‌السلام .

٢٢٦

فكتب : « يعيده »(١) .

ويجوز الادّهان بعد الغسل قبل الإِحرام ؛ لأنّه محلّ.

ولأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادقعليه‌السلام : ما تقول في دهنة بعد الغسل للإِحرام؟ فقال : «قبل وبعد ومع ليس به بأس »(٢) .

هذا إذا لم يكن الدهن فيه طيب ، ولو كان فيه طيب يبقى إلى بعد الإِحرام ، لم يجز ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « الرجل يدّهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل »(٣) .

مسألة ١٦٩ : يكره أن يتطيّب للإِحرام قبله إذا كانت رائحته لا تبقى إلى بعد الإِحرام ، ولو كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، كان محرّماً ، ووجب عليه إزالته عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر بن الخطاب ومالك ومحمد بن الحسن(٤) - لما رواه العامّة عن يعلى بن اُميّة ، قال : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة ، فأتاه رجل عليه مقطّعة - يعني جبّة - وهو مضمّخ(٥) بالخلوق في بعضها ، وعليه ردعٌ(٦) من زعفران ، فقال : يا رسول الله إنّي أحرمت بالعمرة وهذه عليّ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك؟ ) قال : كنت أنزع هذه المقطّعة وأغسل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٧٨ - ٧٩ / ٢٦٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٤ ، والاستبصار ٢ : ١٨٢ / ٦٠٥ مضمراً.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩٢٠.

(٤) المغني ٣ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٣ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٢٨٧ ، المجموع ٧ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٤.

(٥) التضمّخ : التلطّخ بالطيب وغيره والإِكثار منه. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٩٩.

(٦) في النسخ الخطية والحجرية : درع ، ولعلّها تصحيف. وردع : أي لطخُ لم يعمّه كلّه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٢١٥.

٢٢٧

هذا الخلوق ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك فاصنعه في عمرتك )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظمعليه‌السلام : يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر ، فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به »(٢) .

وسأل إسماعيل بن الفضل الصادقعليه‌السلام : عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب ، قال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه »(٣) .

وقال الشافعي : يستحب له أن يتطيّب قبل الإِحرام للإِحرام ، سواء كان طيباً يبقى عينه ، كالغالية والمسك ، أو تبقى رائحته ، كالبخور والعود والنّدّ(٤) - وبه قال عبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقّاص واُمّ حبيبة وعائشة ومعاوية وأبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد ، ورواه العامّة عن ابن عباس وابن الحنفية وأبي سعيد الخدري وعروة والشعبي(٥) - لأنّ عائشة قالت : كنت أطيّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لإحرامه قبل أن يُحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف(٦) .

ونمنع الرواية ، ونحمله على ما لا تبقى رائحته إلى بعد الإِحرام.

إذا ثبت هذا ، فلو لبس ثوباً مطيّباً ثم أحرم ، وكانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، وجب عليه نزعه ، أو إزالة الطيب عنه ، فإن لم يفعل وجب الفداء.

ويجي‌ء على مذهب الشافعي : أنّه لا يجب الفداء إلّا إذا نزعه ثم لبسه ؛

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ / ٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٦ بتفاوت ، وأورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ذيل المسألة ٦٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ١٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩ ، التهذيب ٥ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٢٣.

(٤) الندّ : ضرب من الطيب يدخّن به. لسان العرب ٣ : ٤٢١ « ندد ».

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٧ - ٢٤٨ ، المجموع ٧ : ٢١٨ و ٢٢١ - ٢٢٢ ، المغني ٣ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٢ - ٢٣٣.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٤٦ / ٣٣ ، الموطّأ ١ : ٣٢٨ / ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤.

٢٢٨

لأنّه لبس ثوباً مطيّباً بعد إحرامه(١) .

ولو نقل الطيب من موضع من الثوب إليه ، [ لزمته الفدية ](٢) (٣) .

ولو تطيّب فسال الطيب من موضعه إلى موضع آخر ، ففيه للشافعي وجهان :

أحدهما : لا يجب الفداء ؛ لأنّه يجري مجرى الناسي.

والثاني : يجب ؛ لأنّه حصل بسببه. واعتماده على الأول(٤) .

مسألة ١٧٠ : لا يجوز تطيّب إزار الإِحرام وردائه حالة الإِحرام ولا قبله‌ إذا كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام.

وللشافعي قولان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد ينزع الثوب ثم يلبسه ، فيكون كما لو استأنف لبس ثوب مطيّب.

وأصحّهما عندهم : الجواز ، كتطيّب البدن(٥) .

ولو طيّب بدنه فتعطّر ثوبه تبعاً ، فلا بأس به عنده(٦) .

والخلاف من العامّة فيما إذا قصد تطييب الثوب ، فإن جوّزوا تطييب الثوب للإِحرام ، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإِحرام ، كما في البدن(٧) .

لكن لو نزعه ثم لبسه ففي الفدية لهم وجهان :

أحدهما : لا تلزم ؛ لأنّ العادة في الثوب أن ينزع ويعاد.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٥.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ - ٢٥١.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

٢٢٩

وأصحّهما : اللزوم كما لو أخذ القمل(١) من بدنه ثمّ ردّه(٢) .

وللشافعي ثلاثة أوجه :

فقال في وجه باستحباب التطييب للإِحرام.

وفي آخر : إنّه مباح ليس بمسنون.

وفي آخر : إنّه لا يجوز للنساء التطييب.

وله آخر : إنّه لا يستحب لهنّ(٣) :

ولا فرق بين التطييب الذي يبقى له أثر وجرم وبين غيره.

ومنع أبو حنيفة ممّا يبقى جرمه ولا يثبت(٤) .

وعند مالك يكره التطيّب بما تبقى رائحته بعد الإِحرام(٥) .

وإذا تطيّب للإِحرام فلا بأس عند الشافعي باستدامة ما تطيّب به ، ولا يجي‌ء فيه الوجوه المذكورة في أنّ المرأة المتطيّبة إذا لزمتها الفدية يلزمها إزالة الطيب ؛ لأنّ هذا محقّق حقّ لله تعالى ، والمساهلة فيه أكثر(٦) .

والحقّ : أنّ الاستدامة كالابتداء في التحريم ؛ للإِجماع على تحريم الطيب على المحرم ، ولم يفصّلوا بين استئنافه واستدامته.

مسألة ١٧١ : لا يستحب للمرأة الخضاب قبل الإِحرام بل يكره للزينة ، وسيأتي.

وقال الشافعي : يستحب للمرأة أن تخضب بالحنّاء يديها إلى الكوعين قبل الإِحرام ، وتمسح وجهها أيضاً بشي‌ء من الحناء يسيراً ، ولا‌

____________________

(١) في المصدر : أخذ الطيب.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، المجموع ٧ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٤٨ - ٢٤٩ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٤٩.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٧.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨.

٢٣٠

يختص أصل الاستحباب بالإِحرام ، بل هو محبوب لها في جميع الأحوال ، نعم يكره الخضاب للخليّة في سائر الأحوال عنده(١) .

ولا فرق في حالة الإِحرام بين الخليّة وذات الزوج ، وإنّما يستحب عنده تعميم اليد بالخضاب دون التنقّش ، والتطريف ، وهو : خضب أطراف الأصابع ، ووافقنا على كراهية الخضاب بعد الإِحرام(٢) .

مسألة ١٧٢ : أفضل أوقات الإِحرام بعد زوال الشمس عقيب فريضة الظهر ، فيبدأ أوّلاً بعد الزوال بركعتي الإِحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإِحرام عقيب صلاة الظهر ، وإن اتّفق أن يكون الإِحرام في غير هذا الوقت ، كان جائزاً ، لكن الأفضل أن يكون الإِحرام بعد صلاة فريضة ، وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر ، فإن لم يكن وقت صلاة فريضة ، صلّى ست ركعات ، وينوي بها صلاة الإِحرام ، ويُحرم في دبرها ، وإن لم يتمكّن من ذلك ، أجزأه ركعتان.

وينبغي أن يقرأ في الاُولى منهما بعد التوجّه : الحمد والإِخلاص ، وفي الثانية : الحمد والجحد ، فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما ؛ لما روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار ، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس »(٤) .

وسأل الحلبي الصادقعليه‌السلام عن إحرام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّة ساعة؟ قال : « صلاة الظهر »(٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٥٢ - ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ٢١٩.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٥٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤٠ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٥.

٢٣١

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا يكون إحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة »(١) .

وقالعليه‌السلام : « تصلّي للإِحرام ست ركعات تحرم في دبرها »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ صلاة الإِحرام تفعل في جميع الأوقات وإن كان أحد الأوقات المكروهة.

وأصحّ الوجهين عند الشافعية : الكراهة في الأوقات المكروهة(٣) .

وهل تكفي الفريضة عن ركعتي الاحرام؟ يحتمل ذلك ، وهو قول الشافعي(٤) .

لكن المشهور تقديم نافلة الإِحرام على الفريضة ما لم يتضيّق وقت الفريضة ، وذلك يدلّ على عدم الاكتفاء في الاستحباب.

المطلب الثاني : في كيفيته‌

مسألة ١٧٣ : الإِحرام يشتمل على واجب وندب ، ونحن نذكر المندوب في أثناء المسائل.

وواجبات الإِحرام ثلاثة : النيّة والتلبيات الأربع ولُبس ثوبي الإِحرام.

وينبغي للحاج إذا وصل إلى الميقات أن يقلّم أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، وينتف إبطيه أو يطلي بالنورة ، ويحلق عانته أو يطلي ، ويغتسل ، ويدعو عند الاغتسال بالمنقول ، ثم يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشّح‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٩ ، وفي الكافي ٤ : ٣٣١ / ٢ والتهذيب ٥ : ٧٧ / ٢٥٣ ، والاستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٨ بدون « أو نافلة ».

(٢) التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٥٧ - ٢٥٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٥٨.

٢٣٢

بالآخر ، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ست ركعات الإِحرام أو ركعتيه ، فإذا فرغ من صلاته ، حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدعو بالمنقول ، فإذا فرغ من الدعاء ، لبّى فيقول : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك.

وقال الشيخ في كتبه : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك(١) .

ثم لا يزال مكرّراً للتلبية مستحبّاً إلى أن يدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصّر وقد أحلّ ، ثم ينشئ إحرام الحجّ من مكة كذلك ، ثم يمضي إلى عرفات على ما سبق ذكره.

والنظر في الواجبات‌ يتعلّق بأُمور ثلاثة :

الأول : النية‌

مسألة ١٧٤ : النيّة واجبة في الإِحرام‌ وشرطٌ فيه لو أخلّ بها لم يقع إحرامه ؛ لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٢) والإِخلاص النيّة ، والإِحرام عبادة.

ولقولهعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى )(٣) .

وللشافعي قولان : هذا أحدهما ، والآخر : إنّ الإِحرام ينعقد بالتلبية من غير نيّة ، ويلزمه ما لبّى به(٤) .

وليس بجيّد ؛ لما تقدّم.

____________________

(١) وجدنا هذه العبارة في النهاية ونكتها ١ : ٤٧١ ، وانظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٦.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، المجموع ٧ : ٢٢٤.

٢٣٣

والواجب في النيّة أن يقصد بقلبه إلى اُمور أربعة : ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّباً به إلى الله تعالى ، ويذكر ما يحرم له من تمتّع أو قران أو إفراد ، ويذكر الوجوب أو الندب وما يحرم له من حجّة الاسلام أو غيرها.

ولو نوى الإِحرام مطلقاً ولم يذكر لا حجّاً ولا عمرةً ، انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيّهما شاء إن كان في أشهر الحجّ ؛ لأنّها عبادة منويّة.

ولما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خرج من المدينة لا يسمّي حجّاً ولا عمرةً ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه مَن كان منهم أهلّ ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرةً(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال : لمـّا رجع من اليمن وجد فاطمةعليها‌السلام قد أحلّت ، فجاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مستنبئاً(٢) ومُحرشاً(٣) على فاطمةعليها‌السلام ، فقال : « أنا أمرت الناس فبم أهللت أنت يا علي؟ » فقال : « إهلالاً كإهلال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كُن على إحرامك مثلي ، فأنت شريكي في هديي » وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعليعليه‌السلام منها أربعاً وثلاثين ، ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً(٤) ، ثم طبخها في قدر ، وأكلا منها وتحسّيا(٥) من المرق ، فقال : « قد أكلنا الآن منها جميعاً » ولم يعطيا الجزّارين جلودها ولا‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٦ ، اختلاف الحديث : ٢٢٧ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٢٥١.

(٢) في المصدر : مستفتياً.

(٣) أراد : ما يوجب عتابها. مجمع البحرين ٤ : ١٣٣.

(٤) أي : قطعة.

(٥) أي : شربا منه شيئاً بعد شي‌ء. والحسوة : الجرعة من الشراب مل‌ء الفم. مجمع البحرين ١ : ٩٩.

٢٣٤

جلالها(١) ولا قلائدها ولكن تصدّق(٢) بها ، وكان عليعليه‌السلام يفتخر على الصحابة ويقول : «مَن فيكم مثلي وأنا شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هديي بيده »(٣) .

ولأنّ الإِحرام بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات ؛ لأنّه لا يخرج منه بالفساد.

وإذا عقد عن غيره ، أو تطوّعاً وعليه فرضه ، وقع عن فرضه ، فجاز أن ينعقد مطلقاً.

وإذا ثبت أنّه ينعقد مطلقاً ، فإن صرفه إلى الحجّ ، صار حجّاً ، وإن صرفه إلى العمرة ، صار عمرةً ، وإلى أيّ أنواع الحجّ صرفه من تمتّع أو قران أو إفراد ، انصرف إليه.

ولو صرفه إلى الحجّ والعمرة معاً ، لم يصح عندنا ، خلافاً للعامّة.

فروع :

أ - لو عقده مطلقاً قبل أشهر الحجّ ، انعقد للعمرة ؛ لأنّه إحرام لا يصح لغيرها ، فانصرف إليها.

ب - لو كان عليه حجّ واجب أو عمرة واجبة‌ وأطلق الإِحرام ، فالأقرب انصراف المطلق إلى ما وجب عليه.

ج - يصح إبهام الإِحرام ، وهو : أن يُحرم بما أحرم به فلان ، فإن علم ما أحرم به فلان ، انعقد إحرامه مثله.

____________________

(١) جلال جمع ، مفردها : جلّ ، وجلّ الدابّة : الذي تلبسه لتصان به. لسان العرب ١١ : ١١٩ « جلل ».

(٢) كذا ، وفي المصدر : تصدّقا.

(٣) الفقيه ٢ : ١٥٣ - ١٥٤ / ٦٦٥.

٢٣٥

ولو لم يعلم وتعذّر علمه بموت أو غيبة ، قال الشيخ : يتمتّع احتياطاً للحجّ والعمرة(١) .

ولو بان أنّ فلاناً لم يُحْرم ، انعقد مطلقاً ، وكان له صرفه إلى أيّ نسك شاء ، وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا ؛ لأصالة عدم إحرامه.

د - لو لم يعيّن ثم شرع في الطواف قبل التعيين ، قال بعض العامّة(٢) : ينعقد حجّاً ، وينوي الحجّ ، ويقع هذا الطواف طواف القدوم ، ولا يصير معتمراً ؛ لأنّ الطواف ركن في العمرة ، فلا يقع بغير نيّة ، وطواف القدوم لا يحتاج إلى النيّة ، فيصير حاجّاً.

ويحتمل عدم اعتداده بطوافه ، لأنّه لم يطف في حجّ ولا عمرة.

ه - تعيين الإِحرام أولى من إطلاقه‌ - وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه - لأنّه إذا عيّن علم بما هو متلبّس به ، فيكون أولى من عدم العلم(٣) .

وقال الشافعي في الآخر : الإِطلاق أولى ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أطلق الإِحرام(٤) .

والرواية مرسلة ، والشافعي لا يعمل بالمراسيل المفردة(٥) ، فكيف مع مخالفتها للروايات الدالّة على أنّهعليه‌السلام عيّن ما أحرم به.

مسألة ١٧٥ : لو أحرم بنسك ثم نسيه ، تخيّر بين الحجّ والعمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما ، قاله الشيخ في المبسوط(٦) ؛ لأنّه قبل الإِحرام يجوز ابتداء أيّ النسكين شاء فمع عدم علم التعيين يستمرّ هذا الجواز ؛ عملاً

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) انظر : بلغة السالك ١ : ٢٦٨.

(٣ و ٤) المغني ٣ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٧ ، المجموع ٧ : ٢٢٧.

(٥) كما في المغني ٣ : ٢٥٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣٦.

(٦) المبسوط ١ : ٣١٧.

٢٣٦

باستصحاب الحال.

ولأنّه لو أحرم بالحجّ ، جاز له فسخه إلى العمرة على ما تقدّم.

وقال الشيخ في الخلاف : يجعله عمرةً - وبه قال أحمد(١) - لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون إحرامه بالحجّ أو بالعمرة ، فإن كان بالحجّ ، فقد بيّنّا أنّه يجوز فسخه إلى عمرته يتمتّع بها ، وإن كان بالعمرة ، صحّ لها ، فقد صحّت للعمرة على الوجهين ، وإذا أحرم بالعمرة ، لم يمكنه جعلها حجّةً مع القدرة على إتيان أفعال العمرة ، فلهذا قلنا : يجعلها عمرة(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجب عليه أن ينوي القران - وهو أحد قولي الشافعي - لأنّ الشكّ لحق به في فعله بعد التلبّس بالعبادة ، فلم يكن له الاجتهاد ، وإنّما يرجع إلى اليقين ، كما لو(٣) شكّ في عدد الركعات ، بخلاف الإِناءين والقبلة ؛ لأنّ عليهما أمارات يرجع إليها عند الاشتباه ، وأمّا هنا فإنّه شكّ في فعل نفسه ولا أمارة على ذلك إلّا ذكره ، فلم يرجع إلّا إليه(٤) .

وهو معارض ببراءة الذمّة من المعيّن.

أمّا لو تعيّن أحدهما عليه ، فالوجه : انصرافه إليه.

وقال الشافعي في القديم : يتحرّى ويبني على ما يغلب على ظنّه ؛ لأنّه اشتباه في شرط من شرائط العبادة ، وكان له الاجتهاد فيه ، كالإِناءين والقبلة(٥) .

ونمنع حكم الأصل.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٠ - ٢٩١ ، المسألة ٦٨.

(٣) في « ط ، ف » : « كمن » ، بدل « كما لو »

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٢ ، المجموع ٧ : ٢٣٣ ، فتح العزيز ٧ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٨.

٢٣٧

إذا ثبت هذا ، فلو أحرم بهما معاً ، لم يصح ، قال الشيخ : ويتخيّر(١) .

وكذا لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما ، فعل أيّهما شاء.

ولو تجدّد الشك بعد الطواف ، جعلها عمرةً متمتّعاً بها إلى الحجّ.

مسألة ١٧٦ : لو نوى الإِحرام بنسك ولبّى بغيره ، انعقد ما نواه دون ما تلفّظ به ؛ لأنّ الاعتبار بالنيّة ، والتلفّظ ليس واجباً ، فلا اعتبار به.

ولأنّ أحمد بن محمد سأل الرضاعليه‌السلام : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال : « لبّ بالحجّ وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصلّيت الركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة [ وقصرت ](٢) وفسختها وجعلتها متعة »(٣) .

ولا بدّ من تعيين النوع من تمتّع أو قران أو إفراد.

وقال الشافعي في أحد وجهيه : لا يفتقر المتمتّع إلى النيّة(٤) .

وليس بجيّد ؛ لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٥) والتمتّع عبادة.

ولأنّها أفعال مختلفة ، فلا بدّ من النيّة ، ليتميّز بعضها عن الآخر.

ويستحب أن يذكر في لفظه ما يقصده من أنواع الحجّ - وبه قال أحمد(٦) - لما رواه العامّة عن أنس ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً )(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٢ / ٥٦١.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) البيّنة : ٥.

(٦) المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٠٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، و ٩١٥ / ٢١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠.

٢٣٨

وقال أبو سعيد : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصرخ بالحجّ(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام رفع صوته بالتلبية بحجّ وعمرة »(٢) .

ولو اتّقى ، كان الأفضل الإِضمار.

النظر الثاني : في لُبس الثوبين‌

مسألة ١٧٧ : إذا أراد الإِحرام ، وجب عليه نزع ثيابه ، ولُبس ثوبي الإِحرام يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( وتلبس إزاراً ومُلاءة )(٣) (٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « والبس ثوبيك »(٥) .

ويجب أن يكون الثوبان ممّا تصح فيهما الصلاة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تُحرم فيه »(٦) .

فلا يجوز الإِحرام في الابريسم المحض للرجال ؛ لأنّ لُبسه محرّم ، فلا يكون عبادةً.

والأقرب : جواز لُبس النساء الحرير المحض حالة الإِحرام ، اختاره‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩١٤ / ١٢٤٧ ، مسند أحمد ٣ : ٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨٢ ، الاستبصار ٢ : ١٧١ / ٥٦٤.

(٣) الملاءة ، بالضم ممدود : الرَّيطة ، وهي : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفِقَين. الصحاح ١ : ٧٣ « ملأ » و ٣ : ١١٢٨ « ريط ».

(٤) لم نجده في المصادر الحديثية.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، و ٤٥٤ / ١ و ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٨ / ٥٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥١ / ٨٨١.

(٦) الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦.

٢٣٩

المفيد(١) - خلافاً للشيخ(٢) - لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - قال : قلت للصادقعليه‌السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الخزّ والحرير والديباج فقال : « نعم لا بأس به »(٣) .

احتجّ الشيخ -رحمه‌الله - بما رواه عيص - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المرأة المـُحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين(٤) »(٥) .

وهو محمول على الكراهة.

مسألة ١٧٨ : يستحب الإِحرام في الثياب القطن ، وأفضلها البيض ؛ لما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( خير ثيابكم البيض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفّنوا بها موتاكم )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان ثوبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللذان أحرم فيهما يمانيّين عَبْريّ وأظفار(٧) ، وفيهما كفّن »(٨) .

ولا بأس بالثوب الأخضر والمعصفر وغيرهما ؛ لأنّ أبا العلاء الخفاف رأى الباقرعليه‌السلام وعليه بُرد أخضر وهو مُحرم(٩) .

____________________

(١) أحكام النساء ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ) ٩ : ٣٥.

(٢) انظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٤ / ٢٤٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٩ / ١١٠٠.

(٤) القفّاز ، بالضم والتشديد : شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ، ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها ، وهما قفّازان. الصحاح ٣ : ٨٩٣ « قفز ».

(٥) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٩.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٣٤ ، وبتفاوت في سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨١ / ٣٥٦٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٣٣ ، والمستدرك - للحاكم - ٤ : ١٨٥.

(٧) كذا في النسخ الخطية والحجرية والفقيه ، وفي الكافي : « ظفار ».

(٨) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٥.

(٩) الكافي ٤ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٨.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481