تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179671 / تحميل: 5964
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

والله عزّ وجلّ في تلك السورة أيضا سلّم على أنبيائه بقوله :( سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ) (١) ( سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ) (٢) ( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ) (٣) ولم يسلّم على آل أحد الأنبياء إلاّ آل ياسين ، و «يس» أحد أسماء نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الله تعالى ذكر لنبيّه الكريم في القرآن الحكيم خمسة أسماء وهي : محمّد وأحمد وعبد الله ونون ويس ، فقال :( يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٤) يا : حرف نداء ، و «س» اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو إشارة إلى تساوي ظاهره وباطنه.

النوّاب : ما هو سبب اختيار حرف «س» من بين الحروف؟!

قلت : لأنّ حرف ال «س» في حروف التهجّي هو وحده يكون عدد ظاهره وباطنه متساويين ، فإنّ لكلّ حرف من حروف التهجّي عند المتخصّصين بعلم الحروف والأعداد زبر وبيّنه ، وحين تطبيق عدد : زبر وبيّنه كلّ حرف يكون عددهما مختلفا ، إلاّ حرف «س» فإنّ زبره يساوي بيّنته.

نوّاب : عفوا يا سيّد ، أرجو منك التوضيح بشكل نفهمه نحن العوام ، ونحن لا نعرف معنى : الزبر والبيّنة ، فنرجو توضيحا أكثر.

قلت : أوضّح :

الزبر : هو رسم الحرف الذي يخطّ على القرطاس : «س» وهو

__________________

(١) سورة الصافات ، الآية ٧٩.

(٢) سورة الصافات ، الآية ١٠٩.

(٣) سورة الصافات ، الآية ١٢٠.

(٤) سورة يس ، الآية ١ ـ ٣.

١٢١

حرف واحد ، ولكن عند التلفّظ يكون : ثلاثة حروف : س ي ن ، فكلّ ما زاد على رسم الحرف وخطّه في تلفّظ يكون بيّنته ، وعدد «س» عند العلماء : ستّون ، وعدد «ي» : عشرة ، و «ن» : خمسون ، فيكون جمعهما ستّون أيضا ، فيتساوى عدد : «س» وعدد : «ين» وهذا هو الحرف الوحيد بين حروف التهجّي يتساوى زبره وبيّنته.

ولذلك فإنّ الله تعالى خاطب نبيّه قائلا : يس ، الياء : حرف نداء ، و «س» : إشارة الى اعتدال ظاهره وباطنه.

وكذلك في الآية المباركة قال :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) .

الحافظ : إنّكم تريدون بسحر كلامكم أن تثبتوا شيئا لم يقله أحد من العلماء!

قلت : أرجوك أن لا تتسرّع في نفي ما أقول ، بل فكّر وتدبّر ولا تعجل ، فإنّ في العجلة ندامة ، لأنّي أثبت كلامي استنادا إلى كتبكم وصحاحكم ، وعندها تحرج أمام الحاضرين وتخجل ، وأنا لا احبّ لك ذلك.

وإنّكم إمّا غير مطّلعين على كتبكم ، أو مطّلعين عليها ولكنّكم تكتمون الحقّ!

أمّا نحن ، فمطّلعون على كتبكم وما فيها من الروايات والأحاديث الصحيحة والمدسوسة ، فنأخذ الصحيحة ونترك غيرها.

وفي خصوص هذا الموضوع نعرف روايات وأحاديث معتبرة في كثير من كتبكم ، منها : في كتاب «الصواعق المحرقة» الآية الثالثة ، في فضائل أهل البيت.

١٢٢

قال : إنّ جماعة من المفسّرين رووا عن ابن عبّاس أنّه قال : أنّ المراد ب( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) أي : سلام على آل محمّد ، قال : وكذا قاله الكلبي.

ونقل ابن حجر أيضا عن الإمام الفخر الرازي أنّه قال : إنّ أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

١ ـ في السلام ، قال : السلام عليك أيّها النبيّ ، وقال : سلام على آل ياسين.

٢ ـ وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهّد.

٣ ـ وفي الطهارة ، قال تعالى :( طه ) (١) أي : يا طاهر ، وقال :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) .

٤ ـ وفي تحريم الصدقة.

٥ ـ وفي المحبّة ، قال تعالى :( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٣) وقال :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٤) .

وذكر السيّد أبو بكر بن شهاب الدين في كتابه «رشفة الصادي ..» في الباب الأول ص ٢٤ : عن جماعة من المفسّرين رووا عن ابن عبّاس ، والنقّاش عن الكلبي : سلام على آل ياسين ، أي : آل محمّد.

ورواه أيضا في الباب الثاني : ص ٣٤.

وذكر الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير ج ٧ ص ١٦٣ في

__________________

(١) سورة طه ، الآية ١.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ٣١.

(٤) سورة الشورى ، الآية ٢٣.

١٢٣

تفسير الآية الكريمة :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) وجوها الوجه الثاني : إنّ آل ياسين هم آل محمّد(١) .

فجواز الصلاة والتسليم على آل محمّد ، أمر متّفق عليه بين الفريقين(٢) .

الصلاة والسلام على الآل سنّة

روى البخاري في صحيحه ج ٣.

ومسلم في صححه ج ١.

والعلاّمة القندوزي في ينابيع المودة ص ٢٢٧ نقلا عن البخاري ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : في الباب الحادي عشر ، الفصل الأول ، الآية الثانية.

كلّهم رووا عن كعب بن عجرة ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ، قلنا : يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلي عليك؟

فقال : قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد إلى آخره.

__________________

(١) ونقل الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» الطبعة السابعة ، ص ٦ من مقدّمته ما نصّه : وأخرج أبو نعيم الحافظ وجماعة من المفسّرين ، عن مجاهد وأبي صالح ، هما عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما) ، قال : آل ياسين : آل محمّد ، وياسين :اسم من أسماء محمّد (ص). «المترجم».

(٢) وتطرّق الحافظ سليمان في مقدّمته كتابه «ينابيع المودّة» إلى ذكر كثير من الروايات في الموضوع ، ثمّ قال : فمن هذه الآيات والأحاديث علم أن لا تكون التصلية والتسليمة على الأنبياء والملائكة مختصّة لهم ـ وبعد ذكر أدلته ـ قال : وإنّما نشأ هذا القول ، بأنهما مختصّان للأنبياء والملائكة ، من التعصّب بعد افتراق الامّة ، نسأل الله أن يعصمنا من التعصّب. «المترجم».

١٢٤

قال ابن حجر : وفي رواية الحاكم ، فقلنا : يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟

قال : قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد إلى آخره.

قال ابن حجر : فسؤالهم بعد نزول الآية :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وإجابتهم ب : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد إلى آخره ، دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقيّة آله مراد من هذه الآية ، وإلاّ لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر ، فلمّا اجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به إلى آخر كلامه في «الصواعق» فراجع.

وروى الإمام الفخر الرازي في ج ٦ من تفسيره الكبير ص ٧٩٧ : لمّا سأله الأصحاب : كيف نصلّي عليك؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

وروى ابن حجر في الصواعق ص ٨٧ : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء.

فقالوا : وما الصلاة البتراء؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تقولون : اللهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد(١) .

__________________

(١) رواه العلاّمة القندوزي في مقدّمة ينابيع المودّة : ص ٦ ، عن الصواعق المحرقة ، وعن جواهر العقدين. «المترجم».

١٢٥

قال : وقد أخرج الديلمي أنّه (ص) قال : الدعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد وأهل بيته ، اللهمّ صلّ على محمّد وآله.

ولابن حجر بحث مفصّل ينقل آراء علمائكم وفقهائكم في وجوب التصلية والتسليمة على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهّد في الصلوات اليومية ، ثمّ يقول : وللشافعيرضي‌الله‌عنه :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

وقد بحث الموضوع السيّد أبو بكر بن شهاب الدين في كتابه رشفة الصادي ، الباب الثاني : ص ٢٩ ـ ٣٥. ، ونقل دلائل في وجوب التصلية والتسليمة على آل محمّد في الصلاة اليومية عن النسائي والدارقطني وابن حجر والبيهقي وأبي بكر الطرطوسي وأبي اسحاق المروزي والسمهودي والنووي والشيخ سراج الدين القصيمي.

ونظرا لضيق الوقت ورعاية لحال الحاضرين أكتفي بهذا المقدار ، وأترك الموضوع للعلماء الحاضرين حتّى يفكّروا ويراجعوا وجدانهم وضمائرهم ، ثمّ يحكموا فيه وينصفوا. وبعد هذا كلّه ستصدّقونني حتما وتقبلون بأنّ التصلية والتسليم على آل محمّد ليست بدعة ، وإنّما هي عبادة وسنّة أمر بها النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ينكر هذا إلاّ الخوارج والنواصب المعاندون ، خذلهم الله ، حيث دلّسوا على إخواننا العامّة ، وألبسوا عليهم الحقّ والحقيقة.

ومن الواضح أنّ الّذين أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تقرن أسماؤهم مع اسمه الشريف ، ويصلّى ويسلّم عليهم في الصلوات اليومية مقدّمون على غيرهم في الفضل والشرف.

١٢٦

ومن السفاهة والجهل والتعصّب والعناد أن نرجّح الآخرين عليهم.

والآن اشاهد آثار التعب والنعاس تبدو على كثير من الإخوان ، لذلك انهي المجلس وأنتظر قدومكم في الليلة الآتية إن شاء الله تعالى.

فقام القوم وانصرفوا وشيّعتهم إلى باب الدار.

١٢٧
١٢٨

المجلس الثالث

ليلة الأحد ٢٥ / رجب / ١٣٤٥ هجرية

حضر مجلس البحث والحوار الذي انعقد في أوّل الليل فضيلة الحافظ محمد رشيد مع ثلّة من المشايخ والعلماء ، وجمع كبير من أتباعهم ، فلمّا استقرّ بهم المجلس وتناولوا الشاي والحلوى

قال الحافظ : في الليلة البارحة لمّا ذهبت من هنا إلى البيت لمت نفسي كثيرا لعدم تحقيقي ومطالعتي حول المذاهب الاخرى وعقائدهم وأقوالهم ، ولم اكتفيت بكتب مخالفيهم وبتعبيركم : المتعصّبين على غيرهم!

وقد ظهر لنا ـ من جملة كلامكم ـ في الليلة الماضية : أنّ الشيعة يفترقون على مذاهب وطرق شتّى ، فأيّ مذهب من مذاهب الشيعة على حقّ عندكم؟ بيّنوه حتّى نعرف على أيّ مذهب نحاوركم ، ونكون على بيّنه من الأمر في هذا التفاهم الديني والحوار المذهبي!

قلت : إنّي لم أذكر في الليلة الماضية أنّ الشيعة على مذاهب ، وإنّما الشيعة مذهب واحد ، وهم المطيعون لله وللرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٢٩

والائمة الاثني عشرعليهم‌السلام .

ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواع دنيوية وسياسية زعمت أنّها من الشيعة ، وتبعهم كثير من الجهّال فاعتقدوا بأباطيلهم وكفرهم ، وحسبهم الجاهلون الغافلون بأنّهم من الشيعة ، ونشروا كتبا على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.

وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمد لأغراض سياسية ودنيوية، فهي أربع مذاهب أوّليّة، وقد اضمحلّ منها مذهبان وبقي مذهبان، تشعبت منهما مذاهب اُخرى.

والمذاهب الأربعة هي: الزيدية، الكيسانية، القداحية، الغلاة.

مذهب الزيدية

وبعد وفاة علي بن الحسينعليه‌السلام ساق جماعة من الشيعة الإمامة إلى زيد وعرف هؤلاء بالزيدية وهم الذين (ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم) إلاّ إنه جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماما واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين(١) .

ولما كان زيد الشهيدعليه‌السلام كذلك اتخذوه إماما بعد أبيه فقد خرج ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويدفع الظلم عن نفسه وعن المؤمنين وكان سيدا شريفا ، عالما تقيا ، وشجاعا سخيا وقد أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شهادته ، فقد روى الإمام الحسينعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع يده على ظهري وقال : يا حسين سيخرج من صلبك رجل يقال له زيد يقتل شهيدا ، فإذا كان يوم القيامة يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخلون الجنة.

وقال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام للمأمون وهو يحدثه عن زيد بن

__________________

(١) الشهرستاني ـ الملل والنحل ص ٣٠٢.

١٣٠

علي الشهيد أنه كان من علماء آل محمد غضب في الله فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول : رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفّى لله ، ومن ذلك أنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد(١) .

روى الخزاز(٢) في حديث طويل عن محمد بن بكير قال : دخلت على زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعنده صالح بن بشر فسلمت عليه وهو يريد الخروج إلى العراق فقلت له : يا ابن رسول الله هل عهد إليكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متى يقوم قائمكم؟ قال : يا ابن بكير ، إنك لن تلحقه ، وان هذا الأمر تليه ستة من الأوصياء بعد هذا (ويعني الإمام الباقر) ثم يجعل الله خروج قائمنا ، فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

فقلت : يا ابن رسول الله ألست صاحب هذا الأمر؟

فقال : أنا من العترة ، فعدت فعاد إليّ ، فقلت : هذا الذي تقول عنك أو عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فقال : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، لا ولكن عهد عهده إلينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الكيسانية

وهو أصحاب كيسان ، وكان عبدا اشتراه الإمام عليعليه‌السلام فأعتقه ، ويقولون بإمامة محمد بن الحنفية بعد إمامة الحسن المجتبى والحسين سيّد الشهداءعليه‌السلام ، ولكن محمدا لم يدع الإمامة أبدا ، وهو عندنا سيّد التابعين ، ويعرف بالعلم والزهد والورع والطّاعة للإمام السجادعليه‌السلام زين العابدين.

نعم ، نقل بعض المؤرّخين بعض الاختلافات بينهما ، وقد اتّخذ الكيسانية تلك الاختلافات دليلا على ادّعاء محمد بن الحنيفة لمقام الإمامة.

__________________

(١) الوسائل كتاب الجهاد.

(٢) الخزاز ـ كفاية الأثر ـ من كتاب الزيدية في موكب التاريخ للشيخ جعفر السبحاني.

١٣١

ولكنّ الحقيقة أنّه أراد أن يوجّه أصحابه إلى عدم صلاحيّته لذلك المقام الرفيع ، فكان في الملأ العامّ يخالف رأي الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وكان الإمامعليه‌السلام يجيبه جوابا مقنعا فيفحمه ، فكان محمد يسلّم للإمام ويطيعه ، وأخيرا تحاكما عند الحجر الأسود في أمر الإمامة ، وأقرّ الحجر بإمامة عليّ بن الحسين السجّاد زين العابدين عليهما السّلام ، فبايع محمد بن الحنفية ابن أخيه الإمام السجّاد ، وتبعه أصحابه وعلى رأسهم أبو خالد الكابلي ، فبايعوا إلاّ قليل منهم بقوا على عقيدتهم الباطلة بحجّة أنّ اعتراف محمد بإمامة زين العابدينعليه‌السلام حدث لمصلحة لا نعرفها!!

ومن بعد موته ، قالوا بأنّه لم يمت! وإنّما غاب في شعب جبل رضوى ، وهو الغائب المنتظر الذي أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا.

وقد انقسموا على أربع فرق : المختارية ، الكربية ، الإسحاقية ، الحربية ، وكلّهم انقرضوا ولا نعرف اليوم أحدا يعتقد بمذهبهم.

القدّاحية

وهم قوم باطنيّون يتظاهرون بالتمسّك ببعض عقائد الشيعة ويبطنون الكفر والزندقة والإلحاد!!

ومؤسّس هذا المذهب الباطل هو : ميمون بن سالم ، أو ديصان ، وكان يعرف ويلقّب بقدّاح ، وكان ابتداء هذا المذهب في مصر ، وهم فتحوا باب تأويل القرآن والأحاديث حسب رأيهم كيفما شاءوا ، وجعلوا للشريعة المقدّسة ظاهرا وباطنا وقالوا : إنّ الله تعالى علّم باطن

١٣٢

الشريعة لنبيّه ، وهو علّمه عليا ، وعليّعليه‌السلام علم أبناءه وشيعته المخلصين.

وقالوا : بأنّ الّذين عرفوا باطن الشريعة ، تحرّروا وخلصوا من الطاعة والعبودية الظاهرية!!

وقد بنوا مذهبهم على سبعة اسس ، واعتقدوا بسبعة أنبياء وسبعة أئمة ، فقالوا في الإمام السابع ، وهو موسى بن جعفرعليه‌السلام : بأنّه غاب ولم يمت ، وسيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا!! وهم فرقتان :

١ ـ الناصرية ، أي : أصحاب ناصر خسرو العلوي ، الذي تمكّن بقلمه وشعره أن يدفع كثيرا من الغافلين في هوّة الكفر والإلحاد ، وكان له أتباع في طبرستان.

٢ ـ الصّباحيّة : وهم أصحاب حسن الصبّاح ، وهو من أهل مصر ، ثمّ هاجر إلى إيران ونشر دعوته في نواحي قزوين ، وكانت واقعة قلعة «الموت» بسببه ، والتي قتل فيها كثير من الناس ، والتاريخ يذكرها بالتفصيل ولا مجال لذكرها.

الغلاة

وهم أخسّ الفرق المنسوبة إلى التشيّع ، وهم سبع فرق كلّهم ملحدون : السبأيّة ، المنصورية ، الغرابية ، البزيغية ، اليعقوبية ، الإسماعيلية ، الدرزية.

ولا مجال لشرح أحوالهم وعقائدهم ، وإنّما أشرت إليهم وذكرتهم لأقول : ـ نحن الشيعة الإمامية الاثني عشرية ـ نبرأ من هذه الطوائف والفرق والمذاهب الباطلة ونحكم عليهم بالكفر والنجاسة ،

١٣٣

ووجوب الاجتناب عنهم.

هذا حكم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام الّذين نقتدي بهم ، وقد ذكرت لكم بعض الروايات عن أئمّتناعليهم‌السلام في حقّ اولئك الزنادقة الملحدين ـ في الليلة الماضية ـ.

ومع الأسف أن نرى كثيرا من أصحاب القلم لم يفرّقوا بين الشيعة الإمامية الجعفرية وبين هذه الفرق المنتسبة للشيعة ، مع العلم أنّ عددنا يربو على أتباع هذه المذاهب الباطلة بأضعاف مضاعفة ، وهم نسبة ضئيلة جدا ، وعددنا نحن اليوم أكثر من مائة مليون ، وأصحابنا موجودون في كلّ بلاد العالم ، ونعلن براءتنا من هذه العقائد الفاسدة ، والمذاهب الباطلة التي تنسب إلى الشيعة.

خلاصة عقائدنا

والآن أذكر لكم اصول عقائد الشيعة الإمامية الاثني عشرية باختصار ، وأرجو أن لا تنسبوا إلينا غير ما أبيّنه لكم.

نعتقد : بوجود الله سبحانه وتعالى ، الواجب الوجود ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ليس له شبيه ولا نظير ، ولا جسم ولا صورة ، لا يحلّ في جسم ، ولا يحدّد بمكان ، ليس بعرض ولا جوهر ، بل هو خالق العرض والجوهر وخالق كلّ شيء ، منزّه عن جميع الصفات التي تشبهه بالممكنات ، ليس له شريك في الخلق وهو الغني المطلق ، والكلّ محتاج إليه على الإطلاق.

أرسل رسله إلى الخلق واصطفاهم من الناس واختارهم فبعثهم إليهم بآياته وأحكامه ليعرفوه ويعبدوه ، فجاء كلّ رسول من عند الله

١٣٤

سبحانه بما يقتضيه الحال ويحتاجه الناس ، وعدد الأنبياء كثير جدّا إلاّ أنّ أصحاب الشرائع خمسة ، وهم أولو العزم :

١ ـ نوح ، نجيّ الله ٢ ـ إبراهيم ، خليل الله ٣ ـ موسى ، كليم الله ٤ ـ عيسى ، روح الله ٥ ـ محمّد ، حبيب الله ، صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.

وإنّ سيّدهم وخاتمهم هو : نبيّنا محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي جاء بالإسلام الحنيف وارتضاه الله تعالى لعباده دينا إلى يوم القيامة.

فحلال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

والناس مجزون بأعمالهم يوم الحساب ، فالدنيا مزرعة الآخرة ، فيحيي الله الخلائق بقدرته ، ويردّ الأرواح إلى الأجساد ، ويحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم ،( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (١) .

ونعتقد : بالقرآن الحكيم كتابا ، أنزله الله تبارك وتعالى على رسوله الكريم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الآن بين أيدي المسلمين ، لم يحرّف ولم يغيّر منه حتّى حرف واحد ، فيجب علينا أن نلتزم به ونعمل بما فيه من : الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحجّ والجهاد في سبيل الله.

ونلتزم بكلّ ما أمر به الربّ الجليل ، وبكلّ الواجبات والنوافل التي بلّغها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصلتنا عن طريقه.

ونمتنع عن ارتكاب المعاصي ، صغيرة أو كبيرة ، كشرب الخمر ولعب القمار والزنا واللواط والربا وقتل النفس المحرّمة والظلم

__________________

(١) سورة الزلزلة ، الآية ٧ و ٨.

١٣٥

والسرقة ، وغيرها ممّا نهى الله ورسوله عنها.

ونعتقد : أنّ الله عزّ وجلّ هو وحده يبعث الرسل وينزل عليهم الكتاب والشريعة ، ولا يحقّ لقوم أن يتّخذوا لأنفسهم دينا ونبيّا غير مبعوث من عند الله تعالى ، وكذلك هو وحده الذي ينتخب ويختار خلفاء رسوله بالنصّ ، والرسول يعرّفهم للامّة.

وكما أنّ جميع الأنبياء عرّفوا أوصياءهم وخلفاءهم لاممهم ، كذلك خاتم الأنبياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يترك الامّة من غير هاد وبلا قائد مرشد من بعده ، بل نصب عليّا وليّا مرشدا ، وعلما هاديا ، وإماما لأمّته ، وخليفة من بعده في نشر دينه وحفظ شريعته.

وقد نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما في كتبكم أيضا ـ : أنّ خلفاءه من بعده اثنا عشر ، عرّفهم بأسمائهم وألقابهم ، أوّلهم : سيّد الأوصياء عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وبعده ابنه الحسن المجتبى ، ثمّ الحسين سيّد الشهداء ، ثمّ عليّ بن الحسين زين العابدين ، ثمّ ابنه محمّد باقر العلوم ، ثمّ ابنه جعفر الصادق ، ثمّ ابنه موسى الكاظم ، ثم ابنه عليّ الرضا ، ثمّ ابنه محمد التقي ، ثمّ ابنه علي النقي ، ثمّ ابنه الحسن العسكري ، ثمّ ابنه محمد المهديّ ، وهو الحجّة القائم المنتظر ، الذي غاب عن الأنظار ، وسوف يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، وقد تواترت الأخبار في كتبكم وعن طرقكم أيضا ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر بظهور المهديّ صاحب الزمان ، وهو المصلح العالمي الذي ينتظره جميع أهل العالم ، ليمحو الظلم والجور ويقيم العدل والقسط على وجه البسيطة.

وبكلمة واحدة أقول : نحن نعتقد بجميع الأحكام الخمسة ـ من : الحلال والحرام والمستحبّ والمكروه والمباح ـ التي أشار إليها القرآن

١٣٦

الكريم ، أو جاءت في الروايات والأخبار الصحيحة المعتبرة التي وصلتنا عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

وأنا أشكر الله ربّي إذ وفّقني لاعتقد بكلّ ذلك عن تحقيق ودراسة وعلم واستدلال ، لا عن تقليد الآباء والامّهات ، ولذا فإنّي أفتخر بهذا الدين والمذهب الذي أتمسّك به ، واعلن أنّي مستعد لاناقش على كلّ صغيرة وكبيرة من عقائدي ، وبحول الله وقوّته أثبت حقّانيّتها.

( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ ) (١) .

ارتفع صوت المؤذّن لصلاة العشاء ، وبعد الفراغ من الصلاة شربوا الشاي وتناولوا شيئا من الحلوى ، ثمّ افتتح الحافظ كلامه قائلا : نشكركم على هذا التوضيح عن فرق الشيعة ، ولكن نرى في الأخبار والأدعية المرويّة في كتبكم عبارات ظاهرها يدلّ على الكفر!

قلت : أرجو أن تذكروا عبارة واحدة من تلك العبارات حتّى نعرف.

الحافظ : إنّي طالعت أخبارا كثيرة في كتبكم بهذا المعنى ولكن الذي أذكره الآن ويجول في خاطري ، عبارة ، في «تفسير الصافي»(٢) للفيض الكاشاني الذي هو أحد كبار علمائكم فقد روى : أنّ الحسين شهيد الطفّ وقف يوما بين أصحابه فقال : أيّها الناس! إنّ الله تعالى جلّ ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه.

قال رجل من أصحابه : بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ٤٣.

(٢) مصدر الحديث هو كتاب كنز الفوائد لأبي الفتح الكراجكي في رسالة له في وجوب الإمامة : ص ١٥١ ـ من الطبعة الحجرية.

١٣٧

معرفة الله؟

قالعليه‌السلام : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته.

قلت :

أولا : يجب أن ننظر إلى سند الرواية ، هل كان صحيحا أو موثّقا ، قويّا أو ضعيفا ، معتبرا أو مردودا.

ثمّ على فرض صحّة السند فهو خبر واحد ، فلا يجوز الاستناد عليه والالتزام به ، فمثل هذا الخبر يلغى عندنا لمناقضته للآيات القرآنية والروايات الصريحة المرويّة عن أهل البيتعليهم‌السلام في التوحيد(١) .

ومن أراد أن يعرف نظر الشيعة في التوحيد فليراجع خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في «نهج البلاغة» حول التوحيد ، وليراجع مناظرات أئمّتناعليهم‌السلام ومناقشاتهم مع المادّيين والدهريّين المنكرين لوجود الله عزّ وجلّ ، لتعرفوا كيف ردّوا شبهاتهم ، وأثبتوا وجود الخالق وتوحيده على أحسن وجه.

راجعوا كتاب توحيد المفضّل ، وتوحيد الصدوق ، وكتاب التوحيد من موسوعة «بحار الأنوار» للعلامة المجلسي قدّس الله أسرارهم.

__________________

(١) وللشيخ الكراجكي ـقدس‌سره ـ تعليق دقيق يزيل كل مناقضة عن هذا الحديث الشريف ، قال :

اعلم أنّه لما كانت معرفة الله وطاعته لا ينفعان من لم يعرف الإمام ، ومعرفة الإمام وطاعته لا تقعان إلاّ بعد معرفة الله [لمّا كانت كذلك] صحّ أن يقال : إنّ معرفة الله هي معرفة الإمام وطاعته.

ولمّا كانت أيضا المعارف الدينيّة العقلية والسّمعية تحصل من جهة الإمام ، وكان الإمام آمرا بذلك وداعيا إليه ، صحّ القول بأنّ معرفة الإمام وطاعته هي معرفة الله سبحانه ، كما تقول في المعرفة بالرسول وطاعته : إنّها معرفة بالله سبحانه ، قال الله عز وجل : «من يطع الرسول فقد أطاع الله» ، كنز الفوائد : ص ١٥١ الطبعة الحجرية.

١٣٨

وطالعوا بدقّة كتاب النكت الاعتقادية ، والمقالات في المذاهب والمختارات ، وهما من تصانيف محمد بن محمد بن نعمان ، المعروف بالشيخ المفيد طاب ثراه ، وهو من أكبر علمائنا في القرن الرابع الهجري.

طالعوا بإمعان كتاب «الاحتجاج» للشيخ الجليل أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسيرحمه‌الله .

راجعوا هذه الكتب القيّمة حتّى تعرفوا كلام أئمّة الشيعة وعلمائهم في التوحيد.

ولكنّكم لا تريدون معرفة الحقيقة والواقع! وإنّما تبحثون في كتبنا لتجدوا أخبارا متشابهة فتتحاملون بها علينا ، وتهرّجون بها ضدّنا.

أتبصر في العين منّي القذى

وفي عينك الجذع لا تبصر؟

فكأنّكم لم تطالعوا كتبكم وصحاحكم فتجدوا فيها الأخبار الخرافية والموهومات ، بل الكفريّات التي تضحك الثكلى ويأباها العقل السليم ، فلو تقرأها بإمعان لما رفعت رأسك خجلا ، ولم تنظر في وجوه الحاضرين حياء!!

الحافظ : إنّ المضحك المخجل هو كلامكم في تخطئة الكتب العظيمة التي لم يصنّف ولم يؤلّف مثلها في الإسلام ، خصوصا صحيح البخاري وصحيح مسلم اللذان أجمع علماء الإسلام على صحّتهما ، وأنّ الأحاديث المرويّة فيهما صادرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطعا ، ولو أنّ أحدا أنكر الصحيحين أو خطّأ بعض الأحاديث المرويّة فيهما فإنّه ينكر وينفي مذهب السنّة والجماعة ، لأنّ مدار عقائد أهل السّنّة وفقههم بعد القرآن يكون على هذين الكتابين.

كما كتب ابن حجر المكّي ، وهو من كبار علماء الإسلام وامام الحرمين ، في كتابه «الصواعق المحرقة» : فصلا في بيان كيفيّتها ـ أي :

١٣٩

كيفية خلافة أبي بكر ـ روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصحّ الكتب بعد القرآن ، بإجماع يعتدّ به : فلذلك من البديهي أنّ الأخبار المندرجة في الصحيحين كلّها قطعية الصدور عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الأمّة أجمعت على قبولهما ، وكلّ ما أجمعت الأمّة على قبوله فهو مقطوع به ، فكلّ ما في الصحيحين مقطوع بصحته!!

على هذا ، كيف يتجرّأ أحد أن يقول : توجد في الصحيحين خرافات وكفريّات وموهومات؟!

ردّ الإجماع المزعوم

قلت : نحن نورد إشكالا علميا على الإجماع الذي تدّعونه على صحّة ما في الصحيحين وإسناد ما فيها الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

فقد ناقش كثير من علمائكم روايات الصحيحين ورفضوا كثيرا منها ، أضف على أولئك جميع الشيعة ، وهم أكثر من مائة مليون مسلم في العالم.

فإنّ إجماعكم هذا مثل الإجماع الذي زعمتم في الخلافة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

فإنّ كثيرا من علمائكم الكبار ، مثل : الدارقطني وابن حزم وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في «إرشاد الساري» والعلاّمة أبي الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي في كتاب «الإمتاع في أحكام السماع» والشيخ عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في «الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية» وشيخ الإسلام أبو زكريّا النووي في شرح صحيح مسلم ، وشمس الدين العلقمي في «الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير» وابن القيّم في كتاب «زاد المعاد في هدي خير

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ب - يجوز لُبْس النعل مطلقاً ، ولا يجب قطع شي‌ء منها ، ولا فدية حينئذٍ ؛ لورود الأمر بلُبْسهما مطلقاً ، والأصل عدم التخصيص.

وقال أحمد : يجب قطع القيد في النعل والعقب ، وتجب به الفدية لو لم يقطعهما(١) . وبه قال عطاء(٢) .

ج - لو وجد نعلاً لا يتمكّن من لُبْسه ، لبس الخُفّ ، ولا فدية ؛ لأنّه بتعذّر استعماله أشبه المعدوم ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وفي الثانية : تجب الفدية ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قال : ( مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخُفّين )(٣) وهذا واجد(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المراد الوجدان مع التمكّن من الاستعمال.

د - الجَوْربان(٥) كالخُفّين في المنع من لُبْسهما مع التمكّن من النعلين ، وجوازه مع عدمه ؛ لأنّه بمعناه.

وروى الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « وأيّ مُحْرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخُفّين إن اضطرّ الى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ الى لبسهما »(٦) .

ه - ليس للمُحْرم أن يعقد عليه الرداء ولا غيره إلّا الإِزار والهميان ، وليس له أن يجعل لذلك زرّاً ولا عروة ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يشدّ الهميان وسطه ، فقال : « نعم ، وما خيره بعد نفقته »(٧) .

____________________

(١و٢) المغني ٣ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٤.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٢٩٧ ، الهامش (١)

(٤) المغني ٣ : ٢٨٠ - ٢٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٥) الجَوْرَبُ معرّب ، والجمع : الجواربة ، والهاء للعجمة. الصحاح ١ : ٩٩ « جرب ».

(٦) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٧.

٣٠١

و يجوز له أن يعقد إزاره عليه ؛ لأنّه يحتاج اليه لستر العورة ، فيباح ، كاللباس للمرأة ، ويعقد الهميان.

و - تجب الفدية باللّبس طال الزمان أو قصر‌ - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه باشر محظور الإِحرام ، فلزمه الفداء ، كما لو حلق.

وقال أبو حنيفة : إنّما تلزم الفدية التامّة إذا استدام الُّلبْس يوماً كاملاً ، فإن كان أقلّ ، فعليه صدقة(٢) .

ز - تجب الفدية بلُبْس القباء وإن لم يدخل يديه في كُمّيه ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب لو أخرج يديه من كُمّيه(٤) .

ولو ألقى على نفسه قباءً أو فرجياً وهو مضطجع ، قال بعض الشافعية : إن أخذ من بدنه ما إذا قام عُدّ لابسه ، فعليه الفدية ، وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلّا بمزيد أمر فلا(٥) .

مسألة ٢٢٨ : يجوز للمرأة لُبْس المخيط إجماعاً ، لأنّها عورة ، وليست كالرجال.

وكذا يجوز لها أن تلبس الغلالة(٦) إذا كانت حائضا إجماعاً ، لتقي ثيابها‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٩.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ - ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ و ٢٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٤١ - ٤٤٢ ، المجموع ٧ : ٢٥٤.

(٦) الغِلالة : ثوب رقيق يُلبس على الجسد تحت الثياب ، تتّقي به الحائض عن التلويث. مجمع =

٣٠٢

من الدم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « تلبس المرأة الـمُحْرمة الحائض تحت ثيابها غِلالة »(١) .

ولا يجوز للمرأة لُبْس القُفّازين ، ولا لُبْس شي‌ء من الحُلّي ما لم تجر عادتها بلُبْسه قبل الإِحرام.

ولا يجوز لها لبس البُرْقَع ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام كره للمُحْرمة البُرْقع والقُفّازين(٢) .

والمراد بالقفّازين شي‌ء تتّخذه المرأة لليدين يحشى بقطن ، ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة.

وبه قال عليعليه‌السلام ، وعائشة وابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق(٣) .

وللشافعي قولان : أحدهما : الجواز(٤) ، وبه قال أبو حنيفة والثوري وسعد بن أبي وقّاص ؛ فإنّه أمر بناته أن يلبسن القُفّازين(٥) .

لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « لا تتنقب المرأةُ الحرامُ ولا تلبس القُفّازين »(٦) .

____________________

= البحرين ٥ : ٤٣٧ « غلل ».

(١) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١١ ، التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١٢.

(٣) المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٩ ، المحلّى ٧ : ٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٣ ، المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٩.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ - ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٦ ، وفيها : ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٠٣

ومن طريق الخاصّة : ما تقدم(١) .

ويجوز للمرأة أن تلبس الخلخال والـمَسَك بفتح الميم ؛ وهو سِوار من ذَبْلٍ(٢) أو عاجٍ.

فرع : الخنثى المشكل لا يجب عليه اجتناب المخيط ؛ لأصالة البراءة.

مسألة ٢٢٩ : يحرم لُبْس السلاح لغير ضرورة ؛ لما فيه من منافاته للخضوع والتذلّل.

وقيل : يكره(٣) ؛ للأصل.

البحث الثالث : الطيب‌

مسألة ٢٣٠ : يحرم على الـمُحْرم الرجل والمرأة الطيب أكلاً وشمّاً وإطلاءً بإجماع علماء الأمصار ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال في الـمُحْرم الذي وقصت(٤) به ناقته : ( لا تمسّوه بطيب )(٥) ومنع الحيّ لأجل الإِحرام المتحقّق عيناً أولى من الميّت الـمُحْرم وَهْماً.

وما رواه الخاصّة - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يمسّ الـمُحْرم شيئاً من الطيب ولا من الريحان ولا يتلذّذ به ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدّق بقدر ما صنع بقدر شبعه » يعني من الطعام(٦) .

____________________

(١) من حديث الإِمام الباقرعليه‌السلام .

(٢) الذَّبْل : شي‌ء كالعاج ، وهو ظهر السُّلحفاة البحرية ، يتّخذ منه السوار. الصحاح ٤ : ١٧٠١ « ذبل ».

(٣) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٥١.

(٤) الوَقْص : كسر العنق. النهاية - لابن الأثير - ٥ : ٢١٤ « وقص ».

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩١.

٣٠٤

إذا عرفت هذا ، فالـمُحْرم إذا مات وهو محرم ، لا يجوز تغسيله بالكافور ، ولا يحنّط به ولا بغيره من أنواع الطيب.

مسألة ٢٣١ : الطيب ما تطيب رائحته ، ويتّخذ للشمّ ، كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد ، والأدهان الطيّبة ، كدهن البنفسج والورس ، والمعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيّب ، أو يظهر فيه هذا الغرض.

وقد اختلف علماؤنا في تعميم التحريم وعدمه ، فالمشهور : التعميم ، لما تقدّم.

وللشيخرحمه‌الله قول آخر : إنّ المحرّم إنّما هو المسك والعنبر والعود والكافور والزعفران والوَرْس(١) ، بفتح الواو وسكون الراء ، وهو نبت أحمر قاني يوجد على قشور شجرة يُنحت منها ويُجمع ، وهو يشبه الزعفران المسحوق ، يُجلب من اليمن ، طيّب الريح.

لما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والوَرْس والزعفران غير أنّه يكره للمُحْرم الأدهان الطيّبة الريح »(٢) .

وتُحمل على شدّة التحريم.

إذا عرفت هذا ، فالنبات الطيب أقسامه ثلاثة :

الأول : ما لا ينبت للطيب ولا يُتّخذ منه ، كنبات الصحراء من الشِّيْح والقَيْصُوم والخُزامي والإِذخر والدار صيني والمصطكي والزنجبيل والسعد وحَبَق الماء - بالحاء المفتوحة غير المعجمة ، والباء المنقطعة تحتها نقطة المفتوحة ، والقاف - وهو الحَنْدَقُوقى ، وقيل : الفُوذَنْج(٣) ، والفواكه ، كالتفّاح والسفرجل‌

____________________

(١) النهاية : ٢١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٩ / ١٠١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٧٩ / ٥٩٦.

(٣) الصحاح ٤ : ١٤٥٥ « حبق ».

٣٠٥

والنارنج والاُتْرُج ، وهذا كلّه ليس بمحرَّم ، ولا تتعلّق به كفّارة إجماعاً.

وكذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب ، كالحنّاء والعصفر ، لما روي : أنّ أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كنّ يحرمن في المعصفرات(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تشمّ الإذخر والقيصوم والخزامي والشّيح وأشباهه وأنت محرم »(٢) .

وسأل عمّار الساباطي الصادقعليه‌السلام : عن المحرم أيأكل الأترج؟

قال : « نعم » قلت : فإنّ له رائحة طيبة ، فقال : « إنّ الأترج طعام ليس هو من الطيب»(٣) .

وسأل عبد الله بن سنان الصادقعليه‌السلام : عن الحنّاء ، فقال : « إنّ المحرم ليمسّه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس »(٤) .

الثاني : ما ينبته الآدميون للطيب ولا يُتّخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي والمرزجوش والنرجس والبَرَم ، قال الشيخرحمه‌الله : فهذا لا تتعلّق به كفّارة ، ويكره استعماله(٥) . وبه قال ابن عباس وعثمان بن عفان والحسن ومجاهد وإسحاق ومالك وأبو حنيفة ؛ لأنّه لا يُتّخذ للطيب ، فأشبه العُصْفر(٦) .

وقال الشافعي في الجديد : تجب به الفدية ، ويكون محرّماً. وبه قال جابر وابن عمر وأبو ثور - وفي القديم : لا تتعلّق به الفدية ؛ لأنّها لا تبقى لها‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٩١ ، وفي الطبقات الكبرى - لابن سعد - ٨ : ٧٢ : يحججن ، بدل يحرمن.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٥ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ / ١٠٥٧ ، التهذيب ٥ : ٣٠٥ / ١٠٤١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٣ ، الإستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥٦ / ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٤ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ / ٦٠٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٢.

(٦) المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٣.

٣٠٦

رائحة إذا جفّت(١) ، وعن أحمد روايتان(٢) - لأنّه يُتّخذ للطيب ، فأشبه الورد(٣) .

الثالث : ما يُقصد شمّه ويُتّخذ منه الطيب ، كالياسمين والورد والنيلوفر.

والظاهر أنّ هذا يحرم شمّه ، وتجب منه الفدية - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الفدية تجب فيما يُتّخذ منه ، فكذا في أصله.

وقال مالك وأبو حنيفة : لا تجب(٥) .

مسألة ٢٣٢ : ما يُطلب للتطيّب واتّخاذ الطيب منه حرام ، كالزعفران وإن كان يُقصد للصبغ والتداوي ، وكذا الوَرْس.

وما يُطلب للأكل أو التداوي غالباً لا يحرم ، كالقَرَنْفُل والسنبل والدار صيني وسائر الأبازير الطيّبة.

وفي البنفسج للشافعي قولان :

أحدهما : أنّه ليس بطيب ؛ لأنّ الغرض منه التداوي.

والثاني : أنّه طيب(٦) .

وقيل في الجمع : إنّه أراد بالأول الجافّ ، فإنّه حينئذٍ لا يصلح إلّا للتداوي(٧) .

وقيل : أراد بنفسج الشام والعراق ؛ فإنّه لا يتطيّب به(٨) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨.

(٢) المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٧.

(٥) انظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٦ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٩٠.

(٦) الاُم ٢ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠.

(٧ و ٨) فتح العزيز ٧ : ٤٥٧.

٣٠٧

وقيل : أراد المربي بالسكر(١) .

وفي النيلوفر له قولان(٢) .

والريحان طيب عند بعض الشافعية(٣) .

والحِنّاء ليس بطيب ، ولا يجب على المـُحْرم باستعماله فدية ، ولا يحرم استعماله بل يكره للزينة - وبه قال الشافعي(٤) - لما رواه العامّة : أنّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كُنّ يختضبن بالحِنّاء(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّه ليس بطيب ، وإنّ المـُحْرم ليمسّه ويداوي به بعيره »(٦) .

وقال أبو حنيفة : يحرم وتجب به الفدية(٧) ؛ لقول النبيعليه‌السلام لاُمّ سلمة : ( لا تطيبي وأنت مُحْرمة ، ولا تمسّي الحِنّاء فإنّه طيب )(٨) .

ولأنّ له رائحة مستلذّة ، فأشبه الوَرْس.

والرواية ضعيفة رواها ابن لهيعة وهو ضعيف ، وروى غيره : ( لا تمسّي‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠.

(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المغني ٣ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٥) أورده ابن سعد في الطبقات ٨ : ٧٢ ، وأبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢١٦ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٣١٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٦ / ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٤ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ / ٦٠٠ بتفاوت.

(٧) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المجموع ٧ : ٢٨٢.

(٨) المعجم الكبير - للطبراني - ٢٣ : ٤١٨ / ١٠١٢.

٣٠٨

الحِنّاء فإنّه خضاب )(١) .

وينتقض القياس بالفواكه.

والعُصْفر ليس بطيب ، ويجوز للمُحْرم لُبْس المعصفر ، ولا فدية فيه - وبه قال الشافعي وأحمد(٢) - لأنّ النبيعليه‌السلام سوّغ لبس المـُعَصْفر(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته يلبس المـُحْرم الثوب المشبع بالعُصْفر؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به »(٤) .

وقال أبو حنيفة : العُصْفر طيب تجب به الفدية ، قياساً على الوَرْس(٥) .

ونمنع الإِلحاق.

ولا بأس بخَلُوق الكعبة وشمّ رائحته ، سواء كان عالماً أو جاهلاً ، عامداً أو ناسياً ؛ لأصالة البراءة.

ولما رواه حمّاد بن عثمان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سأله عن خَلُوق الكعبة وخَلُوق القبر يكون في ثوب الإِحرام ، فقال : « لا بأس به هُما طهوران »(٦) .

وقال الشافعي : إن جهل أنّه طيب فبان طيباً رطباً ، فإن غسله في الحال ، وإلّا وجبت الفدية، وإن علمه طيباً فوضع يده عليه يعتقده يابساً فبان رطباً ،

____________________

(١) المعجم الكبير - للطبراني - ٢٣ : ٤١٩ / ١٠١٣ وفيه : ( لا تمتشطي بالحِنّاء ).

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٦ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٦٦ / ١٨٢٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٧ و ٥٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٩٩ / ١٠١٦.

٣٠٩

فقولان ؛ لأنّه مسّ طيباً ، فوجبت الفدية(١) .

والملازمة ممنوعة ؛ لأنّ هذا الموضع ممّا تمسّ الحاجة إلى الدخول إليه ، وربما حصل زحام.

مسألة ٢٣٣ : يحرم لُبْس الثوب مسّه طيب ، ذهب اليه علماء الأمصار ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسّه الزعفران ولا الوَرْس )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا تمسّ الريحان وأنت مُحْرم ولا تمسّ شيئاً فيه زعفران ، ولا تأكل طعاماً فيه زعفران ، ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين صبغ الثوب بالطيب وغمسه فيه وتبخيره به.

وكذا لا يجوز افتراشه والنوم عليه والجلوس ، فمتى لبسه أو نام عليه ، وجبت الفدية - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن لُبْس ما مسّه الزعفران(٥) ، ولم يُفرّق بين الرطب واليابس ، ولا بين ما ينفض وما لا ينفض.

وقال أبو حنيفة : إن كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض ، فعليه الفدية ، وإلّا فلا ؛ لأنّه غير مستعمل لجرم الطيب في بدنه ، فلا فدية عليه ، كما لو‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ - ٤٦٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٢.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣٤ / ١١٧٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، الموطّأ ١ : ٣٢٥ / ٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٨.

(٤) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٥) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٢)

٣١٠

جلس عند العطّارين(١) .

والفرق : أنّ الجلوس ليس بتطيّب.

فروع :

أ - لو غسل الثوب حتى ذهب الطيب ، جاز لبُسْه إجماعاً.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن الثوب للمُحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل ، فقال : « لا بأس به إذا ذهب »(٢) .

ب - لو انقطعت رائحة الطيب لطول الزمان عليه ، أو صُبغ بغيره بحيث لا تظهر له رائحة إذا رشّ بالماء ، جاز استعماله - وبه قال سعيد بن المسيّب والحسن البصري والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لزوال الرائحة المقتضية للتحريم.

وكرهه مالك(٤) .

ج - لو فرش فوق الثوب المطيّب ثوباً يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية بالجلوس عليه والنوم‌. ولو كان الحائل ثياب نومه ، فالوجه : المنع ؛ لأنّه كما مُنع من استعمال الطيب في بدنه مُنع من استعماله في ثوبه.

د - لو أصاب ثوبه طيب ، وجب عليه غسله أو نزعه ، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب وطهارته ، غسل به الطيب ؛ لأنّ للوضوء بدلاً.

ه- - لو جعل الطيب في خرقة وشمّها ، وجب عليه الفداء ؛ للعمومات.

وقال الشافعي : لا فدية عليه(٥) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٨٨ ، التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢٠.

(٣) المغني ٣ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٢ ، المغني ٣ : ٢٩٩.

(٥) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٢ - ١١٣.

٣١١

مسألة ٢٣٤ : يكره له الجلوس عند العطّارين ، ويُمسك على أنفه لو جاز في زُقاق العطّارين ، ولا يقبض على أنفه من الرائحة الكريهة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وأمسك على أنفك من الريح الطيّبة ولا تُمسك من الريح النتنة »(١) .

ويجوز الجلوس عند الكعبة وهي تُجمّر ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولا يجوز الجلوس عند رجل متطيّب ولا في سوق العطّارين ؛ لأنّه يشمّ الطيب حينئذٍ.

وقال الشافعي : إن جلس لحاجة أو غرض غير الطيب ، كره ، وإن جلس لشمّ الطيب ، فقولان :

أحدهما : الجواز من غير كراهة ، كالجلوس الى الكعبة.

والثاني : الكراهة(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : لو كان الطيب يابساً مسحوقاً ، فإن علق ببدنه منه شي‌ء ، فعليه الفدية ، وإن لم يعلق بحال ، فلا فدية ، وإن كان يابساً غير مسحوق ، فإن علق ببدنه رائحته ، فعليه الفدية.

وقال الشافعي : إن علق به رائحة ، فقولان(٤) .

قال الشيخرحمه‌الله : لو مسّ طيباً ذاكراً لإِحرامه ، عالماً بالتحريم ، رطباً ، كالمسك والغالية والكافور المبلول بماء ورد وشبهه ، فعليه الفدية في أيّ موضع كان من بدنه ، وكذا لو تسعّطه أو حقن. وبه قال الشافعي.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩٧ - ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ - ٥٩٠.

(٢) مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٤ ، وراجع : الوجيز ١ : ١٢٥ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٧٢.

٣١٢

وقال أبو حنيفة : لو ابتلع الطيب فلا فدية عليه.

وكذا لو حشا جرحه بطيب(١) .

ولو داس بنعله طيباً فعلق بنعله ، فإن تعمّد ذلك ، وجبت الفدية ؛ لأنّه مستعمل للطيب ، كما لو علق بثوبه ، وإن لم يتعمّد ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولو اضطرّ المـُحْرم الى سعوط فيه مسك ، جاز له التسعّط به ؛ للرواية(٢) .

ولو لم تكن ضرورة ، فالوجه : المنع ، ووجوب الفدية ، وبه قال الشافعي(٣) . وكذا لو احتقن به ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

مسألة ٢٣٥ : يحرم على المـُحْرم أكل ما فيه طيب عمداً ، وتجب به الفدية على جميع الأحوال عند علمائنا أجمع ؛ لعموم الأخبار الدالّة على المنع من أكل طعام فيه طيب أو شربه واستعمال الطيب مطلقاً.

وقول الصادقعليه‌السلام : « واتّق الطيب في زادك »(٥) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شي‌ء عليه ويستغفر الله ويتوب اليه »(٦) .

وقال مالك : إن مسّته النار ، فلا فدية - وهو قول أصحاب الرأي(٧) - لأنّه استحال بالطبخ عن كونه طيباً ، فيكون سائغاً ، سواء بقيت أوصافه أو لم تبق(٨) .

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٣ ، وراجع : الأُم ٢ : ١٥٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٥٩ و ٤٦٠ ، والمجموع ٧ : ٢٧٠ - ٢٧١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٤ - ١٠٥٤.

(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٤) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ / ١٠٤٦.

(٧ و ٨) المغني ٣ : ٣٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٠٤ ، المدوّنة =

٣١٣

وليس بجيّد ؛ لأنّ الترفّه والاستمتاع حاصل من حيث المباشرة ، فأشبه ما لو كان نيئاً.

مسألة ٢٣٦ : لو طيّب بعض العضو كان كما لو طيّب كلّه ، ويجب الفداء عند علمائنا ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : إن طيّب جميع العضو كالرأس واليد ، وجبت الفدية التامّة ، وإلّا فلا ، بل يجب صدقة لو طيّب بعض العضو(٢) .

لنا : أنّه مُسْتعمِل للطيب ، فدخل تحت عموم النهي.

وكذا البحث في اللُّبْس لو لبس بعض العضو أو غطّى بعض رأسه كان كما لو ستر الجميع.

ولو اضطرّ الى أكل طعام فيه طيب أو مسّه ، أكل أو لَمَس وقَبَض على أنفه ، للضرورة ، ولا شي‌ء عليه.

ويجوز له شراء الطيب إجماعاً ، لأنّه غير المنهي عنه فيبقى على الإِباحة الأصلية.

وكذا يشتري المخيط والجواري ؛ لأنّه غير الاستمتاع بهما ، بخلاف النكاح الذي لا يقصد به إلّا الاستمتاع ، فلهذا مُنع منه.

وكما يُمنع المـُحْرم من ابتداء الطيب كذا يُمنع من استدامته ، سواء صبغ ثوبه به ، كالمـُمْسَك والمـُزعفَر والمـُعنبَر ، أو غمسه فيه ، كما لو غمسه في ماء الورد وماء الكافور ، أو بجرّه به ، كالندّ(٣) والعود.

____________________

= الكبرى ١ : ٤٥٧ ، الموطأ ١ : ٣٣٠ ذيل الحديث ٢١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٩.

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المجموع ٧ : ٢٧٠ - ٢٧١ ، المغني ٣ : ٥٣٣.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المغني ٣ : ٥٣٣.

(٣) الندّ : ضرب من الطيب يدخّن به. لسان العرب ٣ : ٤٢١ « ندد ».

٣١٤

ولو غمس ثوبه في ماء الفواكه الطيّبة ، كالاُتْرُج والتفّاح وشبهه ، لم يكن به بأس.

قال الشيخرحمه‌الله : يستحب للمُحْرم إذا نسي وتطيّب أن يكلّف مُحلاً غسْله ، ولا يباشره بنفسه ، فإن باشره بنفسه ، فلا شي‌ء عليه(١) . وهو جيّد.

مسألة ٢٣٧ : لو أكل طعاماً فيه زعفران أو طيب آخر ، أو استعمل مخلوطاً بالطيب في غير الأكل ، فإن استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون ، فالأقرب أنّه لا فدية فيه ، وبه قال الشافعي(٢) .

وإن ظهرت هذه الأوصاف فيه ، وجبت الفدية قطعاً.

وإن بقيت الرائحة وحدها ، فكذلك ؛ لأنّها الغرض الأعظم من الطيب.

وإن بقي اللون وحده ، فطريقان للشافعية ، أحدهما : أنّ المسألة على قولين : أظهرهما : أنّه لا تجب فدية ؛ لأنّ اللون ليس بمقصود أصلي.

الطريق الثاني : القطع بعدم وجوب الفدية.

ولو بقي الطعم وحده ، فطريقان : أظهرهما : أنّه كالريح ، والثاني : أنّه كاللون(٣) .

ولو أكل الجلنجبين(٤) ، نُظر في استهلاك الورد فيه وعدمه.

ولو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيّب بمرور الزمان عليه أو بغبار وغيره ، قال الشافعي : إن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الرائحة منه ، لم يجز استعماله ، فان بقي اللون ، فوجهان مبنيّان على الخلاف المذكور في أنّ اللون هل يعتبر؟ والصحيح عندهم : أنّه لا يعتبر(٥) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٢.

(٢) الأُم ٢ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

(٤) في « ف ، ن » : الجكنجبين.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

٣١٥

ولو مزج ماء ورد بماء مطلق فذهبت رائحته ، فقولان :

أحدهما : تجب الفدية باستعماله ؛ للعلم بوصول الطيب اليه.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : لا تجب الفدية ؛ لفوات مقصود الطيب(١) .

مسألة ٢٣٨ : استعمال الطيب عبارة عن شمّه أو إلصاق الطيب بالبدن‌ أو الثوب أو نشبت(٢) الرائحة بإحداهما قصداً للعرف ، فلو تحقّق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطّار أو في بيت يجمّره ساكنوه ، وجبت الفدية إن قصد تعلّق الرائحة به ، وإلّا فلا.

والشافعي أطلق القول بعدم وجوب الفدية(٣) .

ولو احتوى على مجمرة ، لزمت الفدية عندنا وعنده(٤) أيضاً.

وقال أبو حنيفة : لا تجب الفدية(٥) .

ولو مسّ جرم العود فلم تعبق(٦) به رائحته ، فلا فدية.

وللشافعي قولان(٧) .

ولو حمل مسكاً في فأرة مصمومة الرأس ، فلا فدية إذا لم يشمّها ، وبه قال الشافعي(٨) .

ولو كانت غير مصمومة ، فللشافعية وجهان(٩) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

(٢) نشب الشي‌ء في الشي‌ء : علق فيه. الصحاح ١ : ٢٢٤ « نشب ».

(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٤) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٦) عبق : لزم ، لزق. لسان العرب ١٠ : ٢٣٤ « عبق ».

(٧) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٨) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧٢.

(٩) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١.

٣١٦

وقال بعضهم : إنّ حمل الفأرة تطيّب(١) .

ولو جعل الطيب المسحوق في خرقة وشمّها ، فعليه الفداء.

وقال الشافعي : لا فدية عليه ، ولا يكون محرّماً(٢) .

ولو طيّب فراشه ونام عليه ، حرم ، ولزمه الفداء.

ولا فرق بين أن يتّفق الإِلصاق بظاهر البدن أو داخله ، كما لو أكله أو احتقن به أو تسعّط.

وللشافعية قول آخر : إنّه لا تجب الفدية في الحقنة والسعوط(٣) .

ولو مسّ طيباً فلم يعبق ببدنه شي‌ء من جرمه ولكن عبقت به الرائحة ، لزمه الفداء - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّ المقصود الرائحة وقد حصلت.

والثاني : لا تجب ؛ لأنّ الرائحة قد تحصل بالمجاورة(٥) .

ولو لم تعبق به الرائحة ، فلا شي‌ء عليه.

ولو شدّ المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه ، أو وضعته المرأة في جيبها ، أو لبست الحليّ المحشوّ به ، وجبت الفدية.

ولو شمّ الورد فقد تطيّب به ، وكذا لو شمّ ماء الورد.

وقال الشافعي : لا يجب بشمّ ماء الورد شي‌ء إلاّ أن يصبّه على بدنه أو ثوبه ، لأنّ الطريق فيه الصبّ على الثوب أو البدن(٦) .

ولو داس بنعله طيبا ، لزمته الفدية - وبه قال الشافعي(٧) - لأنّها ملبوسة له بحال.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦١.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١١٢ - ١١٣ ، والْأُم ٢ : ١٥٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١.

(٤ و٥ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧٢.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٣.

٣١٧

ولو نام أو جلس على أرض أو فراش مطيّبين ، فإن فرش فوقهما ثوباً وإن كان رقيقاً ، فلا بأس إذا لم يشمّ طيبهما وإلّا فلا.

مسألة ٢٣٩ : إنّما يحرم استعمال الطيب مع القصد ، فلو تطيّب ناسياً أو جاهلاً بكونه طيباً أو بكون الطيب محرّماً ، فلا فدية - وبه قال الشافعي(١) - كما لو تكلّم في الصلاة ناسياً أو أكل في رمضان.

وقال أبو حنيفة ومالك والمزني : تجب الفدية على الناسي والجاهل(٢) .

وعن أحمد روايتان(٣) .

ولو علم أنّه طيب ولم يعلم أنّه يعبق ، لزمته الفدية.

ولو علم تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية ، وجبت الفدية ، لأنّه إذا علم التحريم ، كان حقّه الامتناع.

ولو علم تحريم الطيب وجهل كون الممسوس طيباً ، لم تجب الفدية - وهو قول أكثر الشافعية(٤) - لأنّه إذا جهل كون الشي‌ء طيباً فقد جهل تحريم استعماله.

وحكى الجويني وجهاً آخر : أنّه تجب الفدية(٥) .

ولو مسّ طيباً رطباً وهو يظنّ أنّه يابس لا يعلق شي‌ء منه به ، فالأقرب عدم الفدية - وهو أحد قولي الشافعي(٦) - لأنّ جهله برطوبته كجهله بكونه طيباً.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، مختصر المزني : ٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٨٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٨٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٣ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ٣٤٠.

(٤ و ٥ ) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٠.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ - ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠١.

٣١٨

والثاني : تجب الفدية ؛ لأنّه قصد الطيب مع العلم بكونه طيباً(١) .

وقال الشيخرحمه‌الله : لو كان الطيب يابساً مسحوقاً ، فإن علق بيده شي‌ء منه ، فعليه الفدية ، وإن لم يعلق بحال ، فلا فدية ، ولو كان يابساً غير مسحوق ، كالعود والعنبر والكافور ، فإن علق بيده رائحته ، فعليه الفدية ؛ للاحتياط وعموم الأخبار(٢) . وهو جيّد.

مسألة ٢٤٠ : لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية‌ بأن كان يابساً أو ألقته الريح ، وجب عليه المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته ، ويأمر غيره بإزالة ذلك عنه.

ولو باشره بنفسه ، فالأقرب أنّه لا يضرّه ؛ لأنّه قصد الإِزالة.

فإن أخّره قادراً ولم يُزله مع الإِمكان ، وجب الفداء.

ولو كان زمناً لا يقدر على إزالته أو مكتوفاً لا يتمكّن ، فلا فدية.

ولو اكره على التطيّب ، فلا فدية.

ولو اُكره على التطيّب ، فلا فدية.

ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم لُبْس ثوب فيه طيب من وَرْس أو زعفران وغيرهما مع رطوبته أو تبخيره به ، فكلّ ما صُبغ بزعفران أو وَرْس ، أو غُمس في ماء ورد أو بُخّر بعود ، فليس للمُحْرم لُبْسه ولا الجلوس عليه ولا النوم عليه ؛ لأنّه استعمال له ، فأشبه لُبْسه ، ومتى لبسه أو استعمله ، فعليه الفداء ، وبه قال الشافعي وأحمد(٣) .

وقال أبو حنيفة : إن كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض ، فعليه الفدية ،

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٠١

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠١.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، المغني ٣ : ٢٩٨ - ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

٣١٩

وإلّا فلا ؛ لأنّه ليس بمتطيّب(١) .

وهو خطأ ؛ لأنّه مُحْرم استعمل ثوباً مطيّباً ، فلزمته الفدية ، كالرطب.

فإن غسله حتى ذهب ما فيه من الطيب ، فلا بأس به بإجماع العلماء.

ولو انقطعت رائحة الثوب لطول الزمن عليه ، أو لكونه صُبغ بغيره فغلب عليه بحيث لا تفوح له رائحة إذا رشّ فيه الماء ، فلا بأس باستعماله ؛ لزوال الطيب منه ، وبه قال سعيد بن المسيّب والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وهو مروي عن عطاء وطاوس(٢) .

وكره ذلك مالك إلّا أن يغسل ويذهب لونه ؛ لأنّ عين الزعفران ونحوه موجودة فيه(٣) .

وليس بجيّد ، لأنّه إنّما نهي عنه لأجل رائحته والتلذّذ به وقد ذهبت بالكلّية.

ولو لم تكن له رائحة في الحال لكن كان بحيث لو رشّ فيه ماء فاح ريحه ، ففيه الفدية ؛ لأنّه متطيّب ؛ لأنّ رائحته تظهر عند رشّ الماء فيه ، والماء لا رائحة له ، وإنّما هي من الصبغ الذي فيه.

ولو فرش فوق الثوب ثوباً صفيقاً يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية عليه بالجلوس والنوم عليه.

ولو كان الحائل بينهما ثياب بدنه ، وجب الفداء ؛ لأنّه ممنوع من استعمال الطيب في الثوب الذي عليه ، كما مُنع من استعماله في بدنه.

ولا بأس بالثوب المـُعَصْفر - وهو المصبوغ بالعُصْفُر - للرواية(٤) ، خلافاً

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٢) المغني ٣ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٩.

(٣) المغني ٣ : ٢٩٩ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481