تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481
المشاهدات: 149635
تحميل: 5243


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149635 / تحميل: 5243
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-007-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مسألة ٢٩٨ : لا أعرف لأصحابنا نصّاً في كراهة نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البلاد.

وقال بعض الشافعية : يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع ، والبرام يجلب من الحِلّ(١) .

ولا يكره نقل ماء زمزم - وبه قال الشافعية(٢) - لأنّ عائشة كانت تنقله(٣) .

قال بعض الشافعية : لا يجوز قطع شي‌ء من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما تفعله العامّة ، فإنّهم يشترونه من بني شيبة ، وربما وضعوه في أوراق المصاحف ، ومَنْ حَمَل منه شيئاً فعليه ردّه(٤) . وهو الوجه عندي ، وكذا البحث في المشاهد المقدسة.

مسألة ٢٩٩ : حرم المدينة يفارق حرم مكة في اُمور :

أ - أنّه لا كفّارة فيما يفعل فيه من صيد أو قطع شجر على ما اخترناه.

ب - أنّه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للمعلف.

روى العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور ، لا يختلى خلاها ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلّا أن يعلف رجل بعيره »(٥) .

ولأنّ المدينة يقرب منها شجر كثير وزروع ، فلو منع من احتشاشها مع الحاجة ، لزم الضرر ، بخلاف مكة.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٥٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٣.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٥٩ - ٤٦٠.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٢١٦ - ٢١٧ / ٢٠٣٤ و ٢٠٣٥ ، والمغني ٣ : ٣٧٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ وفيها عن عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٨١

ج - لا يجب دخولها بإحرام ، بخلاف حرم مكة.

د - مَنْ أدخل صيداً إلى المدينة لا يجب عليه إرساله ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : ( يا أبا عمير ما فعل النُّغَيْر(١) ؟ ) وهو طائر صغير ، رواه العامّة(٢) ، وظاهره إباحة إمساكه ، وإلّا لأنكر عليه.

البحث الخامس عشر : الاستمتاع بالنساء‌

مسألة ٣٠٠ : يحرم على المـُحْرم الاستمتاع بالنساء‌ بالوطء والتقبيل والنظر بشهوة والعقد له ولغيره والشهادة على العقد وإقامة الشهادة به وإن تحمّلها مُحِلاً ، وكذا الاستمناء.

وقد أجمع علماء الأمصار على تحريم الوطء.

قال الله تعالى :( فَلا رَفَثَ ) (٣) .

وروى العامّة عن ابن عمر(٤) : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحرمان ، فقال : أفسدت حجّك انطلق أنت وأهلك فاقض ما يقضون وحلّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هدياً ، فإن لم تجدا فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم(٥) .

[ وفي حديث ابن عباس ](٦) : ويتفرّقان من حيث يُحرمان حتى يقضيا‌

____________________

(١) النُّغَيْر : تصغير النُّغَر ، وهو : طائر يشبه العصفور ، وجمعه نِغْران. لسان العرب ٥ : ٢٢٣ « نغر ».

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٣٧ و ٥٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٩٢ - ١٦٩٣ / ٢١٥٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٢٦ / ٣٧٢٠ ، مسند أحمد ٣ : ١١٥ ، ١١٩ ، ١٧١ ، ١٨٨ ، المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٤.

(٣) البقرة : ١٩٧.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : ابن عباس. وما أثبتناه من المصدر.

(٥) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٦) أضفناها من المصدر.

٣٨٢

حجّهما(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « والرفث الجماع »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فقوله تعالى( فَلا رَفَثَ ) (٣) نفي يريد به النهي ، أي : لا ترفثوا ، كقوله تعالى :( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ) (٤) .

مسألة ٣٠١ : ولا فرق في التحريم بين الوطء في القُبُل أو الدُّبُر ، ولا بين دُبُر المرأة أو الغلام.

وكذا يحرم التقبيل للنساء وملاعبتهنّ بشهوة ، والنظر إليهنّ بشهوة ، والملامسة بشهوة من غير جماع ؛ لما روى العامّة : أنّ عمر بن عبد الله(٥) قبّل عائشة بنت طلحة مُحْرماً ، فسأل ، فاُجمع له على أن يهريق دماً(٦) . والظاهر أنّه لم يكن أنزل.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « يا أبا سيّار إنّ حال المـُحْرم ضيّقة ، إن قبَّل امرأته على غير شهوة وهو مُحْرم ، فعليه دم شاة ، ومَنْ قبَّل امرأته على شهوة فأمنى ، فعليه جزور ، ويستغفر الله ، ومَنْ مسّ امرأته وهو مُحرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومَنْ نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى ، فعليه جزور ، وإن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة ، فلا شي‌ء عليه »(٧) .

مسألة ٣٠٢ : يحرم على المـُحْرم أن يتزوّج أو يُزوّج ، فيكون وكيلاً لغيره‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ١٠٠٣.

(٣) البقرة : ١٩٧.

(٤) البقرة : ٢٣٣.

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : عبيد الله. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) المغني ٣ : ٣٣٤.

(٧) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢١ ، الاستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤١.

٣٨٣

فيه أو وليّاً ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت ، ومن التابعين : سعيد ابن المسيّب وسليمان بن يسار والزهري ، وبه قال في الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل(١) - لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( لا يَنْكح المـُحْرم ولا يُنْكح ولا يخطب )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ليس للمُحْرم أن يتزوّج ولا يُزوّج ، فإن تزوّج أو زوّج فتزويجه باطل »(٣) .

وروى العامّة عن ابن عباس جواز ذلك كلّه ، وبه قال أبو حنيفة والحكم ؛ لما رواه ابن عباس : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج ميمونة وهو مُحْرم(٤) .

ولأنّه عقد يملك به الاستمتاع ، فلا يحرّمه الإِحرام ، كشراء الإِماء(٥) .

والرواية ممنوعة ؛ فإنّ أبا رافع قال : تزوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكُنْتُ أنا الرسول بينهما(٦) .

وروى يزيد [ بن ](٧) الأصم عن ميمونة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، المجموع ٧ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٠ ذيل الحديث ٨٤٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٠ / ١٤٠٩ و ١٠٣١ / ٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤١ و ١٨٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٩ ، الموطّأ ١ : ٣٤٨ / ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٦٤ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٧.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٢ / ٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٨٤٢ - ٨٤٤.

(٥) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، المجموع ٧ : ٢٨٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٨.

(٦) سنن الترمذي ٣ : ٢٠٠ / ٨٤١ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٦ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨.

(٧) أضفناها من المصدر.

٣٨٤

تزوّجها حلالاً ، وبنى بها حلالاً ، وماتت بـ « سرف » في الظلّة التي بنى فيها(١) ، وميمونة صاحبة القصة ، وأبو رافع كان السفير.

ولأنّ ابن عباس كان صغيراً لا يعرف حقائق الأشياء ، ولا يقف عليها ، فربما توهّم الإِحرام وليس موجوداً ، بخلاف أبي رافع.

ولأنّ سعيد بن المسيّب قال : وَهِمَ ابن عباس ، ما تزوّجها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا حلالاً(٢) .

وأيضاً يحتمل أنّه أطلق المـُحْرم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمجرّد أنّه تزوّجها في الشهر الحرام في البلد الحرام ، كما قيل :

قتلوا ابن عفّان الخليفةَ مُحرماً

..................(١)

أو أنّه تزوّجها وهو حلال ثم ظهر أمر التزويج وهو مُحْرم.

وشراء الأمة قد يكون للخدمة وهو الغالب ، بخلاف عقد النكاح الذي لا يكون إلّا مقدّمةً للاستمتاع ، فلمـّا كان مقدّمةً للمُحَرَّم كان حراماً.

ولأنّ النكاح يحرم بالعدّة واختلاف الدين والردّة وكون المنكوحة اُختاً من الرضاع ، وتُعتبر له شرائط غير ثابتة في شراء الإِماء ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فلو أفسد إحرامه ، لم يجز له أن يتزوّج فيه أيضاً ؛ لأنّ حكم الفاسد فيما يمنع حكم الصحيح.

مسألة ٣٠٣ : لو تزوّج المـُحْرم أو زوّج غيره وإن كان مُحلاً أو زوّجت المـُحْرمة ، فالنكاح باطل ، ولا فرق بين أن يكون المزوّجان مُحْرمين أو‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٣٠٣ / ٨٤٥ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، وانظر : سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٣‌

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٩.

(٣) صدر بيت للراعي ، وعجزه :

..............

ودعا فلم أر مثله مخذولاً

ديوان الراعي النميري : ٢٣١ ، والصحاح - للجوهري - ٥ : ١٨٩٧ ، والمغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٩.

٣٨٥

أحدهما ، عند علمائنا ؛ لأنّه منهي عنه ، وكان باطلاً ، كنكاح المرضعة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رجلاً من الأنصار تزوّج وهو مُحْرم ، فأبطل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحه »(١) .

وقال أحمد : إن زوّج المـُحْرم لم أفسخ النكاح(٢) .

وهو يدلّ على أنّه إذا كان الوليّ بمفرده أو الوكيل مُحْرماً ، لم يفسد النكاح ، هذا عند بعض أصحابه ، والمشهور عندهم : الأول(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو عقد المـُحْرم لغيره ، فإنّ العقد يكون باطلاً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرم لا يَنْكح ولا يُنْكح ولا يشهد ، فإن نكح فنكاحه باطل »(٤) .

وأمّا الخطبة فإنّه تُكره الخطبة للمُحرم وخطبة المـُحْرمة ، ويكره للمُحْرم أن يخطب للمحلّين ؛ لأنّه تسبّب إلى الحرام ، فكان مكروهاً ، كالصرف ، بخلاف الخطبة في العدّة ، فإنّها مُحرَّمة ؛ لأنّها تكون داعيةً للمرأة إلى أن تُخبر بانقضاء العدّة قبل انقضائها رغبةً في النكاح ، فكان حراماً.

ولا فرق بين الإِمام وغيره في تحريم الوكالة والولاية في النكاح المـُحرَّم.

وقال الشافعي في أحد الوجهين : يجوز للإِمام أن يعقد للمُحْرم في حال إحرامه ؛ لأنّه يجوز له التزويج للمُحْرمين بولايته العامّة ، لأنّه موضع الحاجة(٥) .

ونمنع من الحاجة الزائدة على عقد الولي الولايةَ الخاصّة.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١٠٩٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ - ٣٢٩ / ١١٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٩.

(٢ و ٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٢٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ١ وفيه بزيادة « ولا يخطب » التهذيب ٥ : ٣٣٠ / ١١٣٦.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٨٤.

٣٨٦

مسألة ٣٠٤ : لا يجوز للمُحْرم أن يشهد بالعقد بين المـُحلّين‌ - ولو شهد ، انعقد النكاح عندنا ؛ لأنّ النكاح لا يعتبر فيه الشهادة - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( لا يَنْكح المـُحْرم ولا يُنْكح ولا يشهد )(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن المـُحْرم يشهد على نكاح المـُحلّين ، قال : « لا يشهد»(٢) .

وقال الشافعي : يجوز له أن يشهد ؛ لأنّه لا مدخل للشاهد في العقد ، فأشبه الخطيب(٣) .

والفرق : أنّ الخطبة لإِيقاع العقد في حال الإِحلال وصْلةٌ إلى الحلال ، أمّا الشهادة على عقد المـُحْرم فإنّه معونة على فعل الحرام ، فكان حراماً.

مسألة ٣٠٥ : لو عقد المـُحْرم حال الإِحرام ، فإن كان عالماً بتحريم ذلك عليه ، فُرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً ، وإن لم يكن عالماً ، فُرّق بينهما ، فإذا أحلّا أو أحلّ الزوج إن لم تكن المرأة مُحْرمةً ، جاز له العقد عليها ، ذهب إليه علماؤنا - خلافاً للعامّة - لأنّ الاحتياط يقتضي التحريم المؤبّد.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ المـُحْرم إذا تزوّج وهو مُحْرمٌ فُرّق بينهما ولا يتعاودان أبداً »(٤) .

وأمّا جواز المراجعة مع الجهل وعدم الدخول : فلقول الباقرعليه‌السلام : « قضى أمير المؤمنين عليٌّعليه‌السلام في رجل ملك بُضْع امرأة وهو مُحْرمٌ قبل أن يحلّ ، فقضى أن يخلّي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئاً حتى يحلّ ، فإذا أحلّ خطبها ، إن شاء أهلها زوّجوه ، وإن شاءوا لم يزوّجوه »(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٢٦ ، المجموع ٧ : ٢٨٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٨٨ / ٦٣٠.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٩ / ١١٣٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٠ / ١١٣٤.

٣٨٧

فروع :

أ - لو وكّل مُحلٌّ مُحلاً في التزويج ، فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكّل ، لم يصح النكاح ، سواء حضره الموكّل أو لا ، وسواء علم الوكيل أو لا ؛ لأنّ الوكيل نائب عن الموكّل ، ففعله مسند إليه في الحقيقة وهو مُحْرم.

ب - لو وكّل مُحْرمٌ مُحلاً في التزويج ، فعقد الوكيل والموكّل مُحْرمٌ ، بطل العقد ، وإن كان بعد إحلاله ، صحّ ، ولا يبطل ببطلان التوكيل ؛ لأنّ الإِذن في النكاح وقع مطلقاً ، لكن ما تناول حالة الإِحرام يكون باطلاً ، وما تناول حالة الإِحلال يكون صحيحاً ، والوكالة إذا اشتملت على شرط فاسد ، بطل ذلك ، وبقي مجرّد الإِذن يوجب صحة التصرف ، وكذا فساده في بعضه لا يمنع نفوذ التصرّف فيما يتناوله الإِذن على وجه الصحة ، بخلاف الصبي إذا وكّل في التزويج ، فأوقعه الوكيل بعد بلوغه ؛ لأنّ الوكالة هنا لا اعتبار بها في تلك الحال ولا في ثانيه ، ولم يوجد منه الإذن في ثاني الحال ولا في أوّله على وجه الصحة ، فافترقا.

ج - لو شهد وهو مُحْرم ، صحَّ العقد وفَعَل حراماً. ولو أقام الشهادة بذلك لم يثبت بشهادته النكاح إذا كان تحمّلها وهو مُحْرم ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله

والأقوى ثبوته إذا أقامها حالة الإِحلال.

ويشكل : باستلزامه إباحةَ البُضْع المـُحرَّم ، كما لو عرف العقد ، فتزوّجت بغيره.

وكما تحرم عليه الشهادة بالعقد حال إحرامه تحرم عليه إقامتها في تلك الحال ولو تحمّلها مُحلاً.

ولو قيل : إنّ التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المـُحْرم ، كان وجهاً.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

٣٨٨

مسألة ٣٠٦ : إذا اتّفق الزوجان على وقوع العقد حالة الإِحرام ، بطل ، وسقط المهر إن كانا عالمين أو جاهلين ولم يدخل بها ؛ لفساد أصل العقد.

ولو دخل وهي جاهلة ، ثبت المهر بما استحلّ من فرجها ، وفرّق بينهما.

ولو اختلفا فادّعى أحدهما وقوعه حالة الإِحلال وادّعى الآخر وقوعه حالة الإِحرام ، فإن كان هناك بيّنة ، حُكم بها.

ولو انتفت البيّنة ، فإن كانت الزوجةُ مُدّعيةً لوقوعه في الإِحرام وأنكر الرجل ، فالقول قوله مع اليمين ؛ عملاً بأصالة الصحّة ، فإذا حلف ، ثبت النكاح ، وليس لها المطالبة بالمهر مع عدم الدخول ، ولو كانت قَبَضَتْه ، لم يكن للزوج استعادته.

ولو كان الزوج هو المدّعي لوقوعه حالة الإِحرام ، فالقول قول المرأة مع اليمين ، ويحُكم بفساد العقد في حقّ الزوج ؛ لأنّه ادّعى فساده ، ويُحكم عليه بأحكام النكاح الصحيح.

ثم إن كان قد دخل بها ، وجب عليه المهر كملاً ؛ للرواية(١) ، وإن لم يكن دخل بها ، قال الشيخ : يجب نصف المهر(٢) .

والوجه : الجميع.

ولو أشكل الأمر فلم يُعلم هل وقع العقد في الإِحرام أو الإِحلال ، صحَ العقد - وبه قال الشافعي(٣) - لأصالة الصحة.

قال الشيخرحمه‌الله : والأحوط تجديده(٤) ؛ لأنّ الأول إن وقع في الإِحلال ، لم يضرّ الثاني ، وإلّا كان مبيحاً.

وإذا وطأ العاقد في الإِحرام ، لزمه المهر : إمّا المسمّى إن كان قد‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١٠٩٩.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٨.

(٣) المجموع ٧ : ٢٨٧.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

٣٨٩

سمّاه ، وإلّا مهر المثل ، ويلحق به الولد ، ويفسد حجّه إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، ويلزمها العدّة ، وإن لم يكن دخل ، فلا يلزمه شي‌ء من ذلك.

ولو عقد المـُحْرم لغيره ، كان العقد فاسداً ، ثم يُنظر فإن كان المعقود له مُحْرماً ودخل بها ، لزم العاقد بدنة.

مسألة ٣٠٧ : لا بأس للمُحْرم أن يراجع امرأته عند علمائنا‌ - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقوله تعالى :( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ) (٢) .

وقوله تعالى :( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (٣) والإِمساك هو المراجعة ولم يُفصّل.

ولأنّه ليس باستئناف عقد ، بل إزالة مانع عن الوطء ، فأشبه التكفير عن الظهار.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا يجوز ؛ لأنّه استباحة فرج مقصود بعقد ، فلا يجوز في الإِحرام ، كعقد النكاح(٤) .

والفرق : أنّ عقد النكاح يملك به الاستمتاع ، بخلاف الرجعة ، فإنّ الاستمتاع مملوك له قبلها؛ إذ لا تخرج بالطلاق الرجعي عن حكم الزوجة ، فإنّهما يتوارثان.

على أن المشهور من مذهب أحمد : أنّ الرجعية مباحة(٥) ، فلا يصح‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٦٦ ، حلية العلماء ٢٣ : ٢٩٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٥ و ٢٩٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٩ ، المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

(٤) المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠ ، المجموع ٧ : ٢٩٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٩.

(٥) المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠.

٣٩٠

قوله : الرجعة استباحة.

مسألة ٣٠٨ : يجوز شراء الإِماء في حالة الإِحرام ، لكن لا يقربهنّ إجماعاً ؛ لأنّ الشراء لفائدة الاستخدام غالباً ، فكان سائغاً ، وسواء قصد به التسرّي أو لا ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّه ليس بموضوع للاستباحة في البُضْع ، فأشبه شراء العبيد ، ولذلك اُبيح شراء مَنْ لا يحلّ وطؤها ، ولم يحرم الشراء في حال يحرم فيه الوطء.

ويؤيّده : ما رواه سعد بن سعد عن الرضاعليه‌السلام - في الصحيح - قال : سألته عن المـُحْرم يشتري الجواري ويبيع ، قال : « نعم »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو اشترى حالة الإِحرام أمةً للتسرّي بها حالة الإِحرام ، احتمل فساد العقد ؛ لأنّ الغرض الذي وقع لأجله مُحرَّم ، ويحتمل الصحة ؛ لأنّ الغرض عارض ، فلا يؤثّر في الصحة الأصلية.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له مفارقة النساء حالة الإِحرام بكلّ حال من طلاق أو خُلع أو ظهار أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة إجماعاً.

ورواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المـُحْرم يطلّق ولا يتزوّج »(٢) .

مسألة ٣٠٩ : كلّ موضع حكمنا فيه ببطلان العقد من المـُحْرم يُفرّق بينهما بغير طلاق‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ الطلاق إنّما يقع في صلب نكاح صحيح ، وهذا النكاح باطل.

وقال مالك : يُفرّق بينهما بطلقة. وكذا كلّ نكاح وقع فاسداً عنده يُفرّق بينهما بطلقة(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٣٠٨ / ١٥٢٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣١ / ١١٣٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١١٠٠.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المجموع ٧ : ٢٩٠.

(٤) الكافي في فقه أهل المدينة : ٢٣٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٧٠ - ٧١ ، التفريع ٢ : ٧٧ ، حلية =

٣٩١

مسألة ٣١٠ : لو نظر إلى امرأته بشهوة ، فَعَل حراماً ، ولو أمنى حينئذٍ ، كان عليه جزور إن كان موسراً.

ولو نظر بغير شهوة ، لم يكن عليه شي‌ء وإن أمنى ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام : أنّه سأله عن رجل مُحْرم نظر إلى ساق امرأته(١) فأمنى ، فقال : « إن كان موسراً فعليه بدنة ، وإن كان وسطاً فعليه بقرة ، وإن كان فقيراً فعليه شاة »(٢) .

ولو نظر إلى غير أهله فأمنى ، كان عليه بدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل مُحْرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : « عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة »(٣) .

ولو حملها بشهوة فأمنى أو لم يُمنْ ، وجب عليه دم شاة ، ولو لم يكن بشهوة ، لم يكن عليه شي‌ء ولو أمنى ؛ لما رواه الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : المـُحْرم يضع يده على امرأته ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل ويضمّها إليه ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل فلمـّا ضمّها إليه أدركته الشهوة ، قال : « ليس عليه شي‌ء إلّا أن يكون طلب ذلك »(٤) .

وسأل محمّدُ بن مسلم الصادقَعليه‌السلام : عن رجل مُحْرم حمل امرأته وهو مُحْرم فأمنى أو أمذى ، قال : « إن كان حملها ومسّها بشي‌ء من الشهوة وأمنى أو لم يُمْن أمذى أو لم يُمْذ فعليه دم يهريقه ، وإن حملها أو مسّها‌

____________________

= العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المجموع ٧ : ٢٩٠.

(١) في المصدر : امرأة.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١١٨.

٣٩٢

بغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي‌ء »(١) .

ويجوز للمُحْرم أن يُقبّل اُمّه ؛ لأنّه ليس محلّ الشهوة ، ولا داعياً إلى الجماع ، فكان سائغاَ ؛ لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادقَعليه‌السلام : عن المـُحْرم يُقبِّل اُمَّه ، قال : « لا بأس به هذه قُبْلة رحمة ، إنّما تكره قُبْلة الشهوة »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين الاُمّ والاُخت وغيرهما من المـُحرَّمات المؤبَّدة.

البحث السادس عشر : في الفسوق والجدال‌

مسألة ٣١١ : يحرم على المـُحْرم الفسوقُ ، وهو : الكذب ، وهو حرام على غيره إلّا أنّه يتأكّد في حقّه.

قال الله تعالى :( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٣) .

قال الصادقعليه‌السلام : « والفسوق : الكذب والسباب »(٤) .

وروى العامّة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( سباب المسلم فسوق )(٥) فجعلوا الفسوق هو السباب ؛ لهذا الخبر.

وهو غير دالّ ، وسبب الغلط إيهام العكس.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١١٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٧.

(٣) البقرة : ١٩٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ١٠٠٣.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٩ و ٨ : ١٨ ، و ٩ : ٦٣ ، صحيح مسلم ١ : ٨١ / ١١٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧ / ٦٩ ، و ٢ : ١٢٩٩ / ٣٩٣٩ و ٣٩٤٠ و ١٣٠٠ / ٣٩٤١ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٥٣ / ١٩٨٣ ، و ٥ : ٢١ / ٢٦٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ١٢٢ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١ : ١٤٥ / ٣٢٥ ، و ١٠ : ١٢٩ / ١٠١٠٥ ، و ١٩٤ / ١٠٣٠٨ ، و ١٩٧ / ١٠٣١٦ ، المغني ٣ : ٢٧١.

٣٩٣

وقال ابن عباس : الفسوق : المعاصي. وهو قول ابن عمر وعطاء وإبراهيم(١) .

وقال الكاظمعليه‌السلام : « والفسوق : الكذب »(٢) .

مسألة ٣١٢ : ويحرم على المـُحْرم الجدال ، وفسّره الصادقعليه‌السلام بقول الرجل لغيره : لا والله وبلى والله(٣) . وكذا قال الكاظم(٤) عليه‌السلام .

وقال ابن عباس : الجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه(٥) . وهو قريب ممّا فسّره الإِمامانعليهما‌السلام .

وقال مجاهد :( وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٦) أي : لا مجادلة ، ولا شكّ في الحجّ أنّه في ذي الحجّة(٧) . وما قلناه أولى.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب للمُحْرم قلّة الكلام إلّا بخير.

وروى العامة عن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه »(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلّة الكلام إلّا بخير ، فإنّ تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ‌

____________________

(١) تفسير الماوردي ١ : ٢٥٩ ، تفسير الطبري ٢ : ١٥٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٧ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥ - ٣٣٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٥.

(٥) تفسير الطبري ٢ : ١٥٨ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

(٦) البقرة : ١٩٧.

(٧) تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٧ ، تفسير الطبري ٢ : ١٦٠ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

(٨) المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ١٣٨ / ٢٨٨٦ ، المعجم الصغير - للطبراني - ٢ : ١١١ ، مسند أحمد ١ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

٣٩٤

المرء لسانه إلّا من خير كما قال تعالى ، فإنّ الله يقول :( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (١) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله »(٢) .

ولأنّ ترك الكلام فيما لا ينفع ممّا يقتضي صيانة النفس عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحلّ ، فإنّ مَنْ كثر كلامه كثر سقطه وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )(٣) فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلّق بالذكر والبحث في العلوم مطلقاً ، إلّا أنّه في حال الإِحرام أشدّ استحباباً ؛ لأنّه حال عبادة واستغفار واستشعار بطاعة الله تعالى ، فيشبه الاعتكاف.

ولا يعارض ذلك ما رواه العامّة عن عمر أنّه كان إذا ركب ناقته وهو محْرمٌ يقول :

كأنّ راكبها غصن بمروحة

إذا تدلّت به أو شارب ثمل(٤)

وفِعْلُ عمر لا حجّة فيه ، خصوصاً مع معارضة فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

مسألة ٣١٣ : لو ارتدّ في أثناء الحجّ والعمرة ، لم تُفسدهما ، ولا يعتدّ بما فَعَله في زمان الردّة - وهو قول بعض الشافعية(٥) - لأصالة الصحّة ، وبراءة الذمّة ، والخروج عن العهدة بامتثال الأمر.

وقال بعض الشافعية : إنّها تُفسدهما ، سواء طال زمانها أو قصر(٦) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٧ - ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ / ١٠٠٣.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٦٨ / ٤٧ ، صحيح البخاري ٨ : ٣٩ ، سنن الترمذي ٤ : ٦٥٩ / ٢٥٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٩٢٩ / ٢٢ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ٦٨ ، المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦.

(٥ و ٦ ) فتح العزيز ٧ : ٤٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٧ : ٤٠٠.

٣٩٥

وعلى القول بالفساد لهُمْ وجهان :

أظهرهما : أنّه يبطل النسك بالكلية حتى لا يمضي فيه لا في الردّة ولا إذا عاد إلى الإِسلام ؛ لأنّ الردّة تُحْبط العبادة.

[ والثاني : أنّ سبيل الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع ، فيمضي فيه لو عاد إلى الإِسلام ](١) لكن لا تجب الكفّارة ، كما أنّ إفساد الصوم بالردّة لا يتعلّق به الكفّارة.

وعلى القول بالصحة لهُمْ ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّه ينعقد على الصحة ، فإن رجع في الحال فذاك ، وإلّا فسد نسكه ، وعليه الفدية والقضاء والمضيّ في الفاسد.

والثاني : أنّه ينعقد فاسداً ، وعليه القضاء والمضيّ فيه ، سواء مكث أو رجع في الحال ، وإن مكث ، وجبت الفدية ، وهل هي بدنة أو شاة؟ خلاف.

والثالث : لا ينعقد أصلاً ، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث(٢) .

القسم الثاني : في مكروهات الإِحرام‌

أ : يكره للمُحْرم النوم على الفراش المصبوغة ، وليس بحرام ؛ لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « يكره للمُحْرم أن ينام على الفراش الأصفر أو المرفقة الصفراء »(٣) .

ب : يكره الإِحرام في الثوب المصبوغ بالسواد أو المعصفر ، ويتأكّد في السواد والنوم عليه.

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢١.

٣٩٦

ج : يكره الإِحرام في الثياب الوسخة وإن كانت طاهرةً.

د : لُبْس الثياب المعلمة.

ه - : استعمال الحِنّاء للزينة.

و: النقاب للمرأة على إشكال.

ز : دخول الحمّام وتدليك الجسد فيه.

ح : تلبية المنادي ، بل يقول : يا سعد ؛ لأنّه في مقام التلبية لله تعالى ، فكره لغيره.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس للمُحْرم أن يلبّي مَن دعاه حتى ينقضي إحرامه » قلت : كيف يقول؟ قال : « يقول : يا سعد »(١) .

ط : استعمال الرياحين.

مسألة ٣١٤ : يجوز للمُحْرم أن يلبس الهميان ، وهو قول جمهور العلماء(٢) .

قال ابن عبد البرّ : أجمع فقهاء الأمصار متقدّموهم ومتأخّروهم على جواز ذلك(٣) .

وكرهه ابن عمر ومولاه نافع(٤) .

لما رواه العامّة عن ابن عباس قال : رخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للمُحْرم في الهميان أن يربطه إذا كانت فيه نفقته(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان أبيعليه‌السلام يشدّ على بطنه نفقته يستوثق ، فإنّها تمام حجّه »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٨.

(٢) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٥.

(٣) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٥ - ٢٨٦.

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٦.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٨ ، وانظر : الكافي ٤ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ذيل الحديث ٢.

٣٩٧

ولشدّة الحاجة إلى ذلك.

وقول ابن عمر لا حجّة له فيه.

مسألة ٣١٥ : يجوز للمحرم أن يلبس السلاح عند الحاجة إجماعا ، إلاّ من الحسن البصري ، فإنّه كرهه(١) .

والحقُّ الأول ؛ لما رواه العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صالح أهل الحديبية على أن لا يدخلوها إلّا بجُلْبان السلاح(٢) ، يعني القراب بما فيه.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ المـُحْرم(٣) إذا خاف العدوّ فلبس السلاح ، فلا كفّارة عليه »(٤) .

وللحاجة إليه.

وقد دلّ هذا الحديث من حيث المفهوم على التحريم مع عدم الخوف ، وهو أحد قولي علمائنا(٥) .

مسألة ٣١٦ : يجوز أن يؤدّب الرجل عبده عند الحاجة إليه حالة إحرامه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يؤدّب المـُحْرم عبده ما بينه وبين عشرة أسواط »(٦) .

وإذا قتل المـُحْرم حيواناً وشكّ في أنّه صيد ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأصالة البراءة.

ولو علم أنّه صيد وشكّ في أيّ صيد هو ، لزمه دم شاة ؛ لأنّه أقلّ مراتب‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٢ ، المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : المسلم ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥١.

(٥) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢٢ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢١ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥٣.

٣٩٨

الصيد.

ولقول الصادقعليه‌السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو وهو مُحْرمٌ ، قال : « عليه شاة »(١) .

ويجوز أن يكون مع المـُحْرم لحم الصيد إذا لم يأكله ، وتركه إلى وقت إحلاله ثم يأكله إذا لم يكن صاده هو ؛ لأنّ علي بن مهزيار سأله عن المـُحْرم معه لحم من لحوم الصيد في زاده ، هل يجوز أن يكون معه ولا يأكله ويُدخله مكة وهو مُحْرم فإذا أحلّ أكله؟ فقال : « نعم إذا لم يكن صاده »(٢) .

ويجوز إخراج الفهد من الحرم ؛ لأنّ إسماعيل بن الفضل الهاشمي سأل الصادقعليه‌السلام ، فقال له : فهود تُباع على باب المسجد ينبغي لأحد أن يشتريها ويخرج بها؟ قال : « لا بأس »(٣) .

وفي الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سُئل عن رجل أدخل فهداً إلى الحرم ، له أن يخرجه؟

فقال : « هو سبُع ، وكلّما أدخلت من السباع(٤) الحرم أسيراً فلك أن تخرجه »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٥ / ١٣٤٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٥ / ١٣٤٦.

(٤) في المصدر : « السَّبُع ».

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٨١.

٣٩٩

المطلب الرابع : في كفّارات الإِحرام‌

وفيه بابان :

الأول : في كفّارات(١) الصيد.

وفيه مباحث :

الأوّل : فيما لكفّارته بدل على الخصوص‌

وهو خمسة :

الأوّل : قتل النعامة‌.

مقدّمة : دابّة الصيد تضمن بمثلها من النَّعَم عند أكثر العلماء(٢) ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٣) .

وما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل في الضبع كبشاً(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو الصباح - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ في الصيد( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٥) قال : « في الظبي شاة ، وفي حمار وحش بقرة ، وفي النعامة جزور »(٦) .

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة ؛ لأنّ الصيد ليس بمثلي ، فتجب القيمة ، ويجوز صرفها في المثل(٧) .

____________________

(١) في « ن » كفّارة.

(٢) المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٦ / ٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٣ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : =

٤٠٠