تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179668 / تحميل: 5964
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

دعا عباده في الكتاب إلى ذلك(١) بصوت رفيع لم ينقطع(٢) ولم يمنع دعاء عباده ، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله ، وكتب على نفسه الرحمة ، فسبقت قبل الغضب ، فتمت(٣) صدقا وعدلا ، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه ، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى.

وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه ، وولاهم عدوهم حين تولوه ، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ، وكان(٤) من نبذهم الكتاب أن(٥) ولوه(٦) الذين لايعلمون ، فأوردوهم الهوى ، وأصدروهم(٧) إلى الردى(٨) ، وغيروا عرى الدين ، ثم ورثوه في السفه والصبا(٩) ، فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله(١٠) تبارك وتعالى ، وعليه(١١) يردون(١٢) ، بئس(١٣) للظالمين بدلا ،

__________________

(١) في «بن» : «إلى ذلك في الكتاب».

(٢) في الوافي : «الصوت الرفيع الغير المنقطع كناية عن شهرة القرآن وتواتره وبلوغه كل أحد إلى يوم القيامة».

(٣) في «بن» : «وتمت».

(٤) في «جت» : «فكان».

(٥) في «ع» : «إذ».

(٦) في الوافي : «أن ولوا».

(٧) الإصدار : الإرجاع ، يقال : أصدرته فصدر ، أي أرجعته فرجع. الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧١٠ (صدر).

(٨) «الردى» : الهلاك ، مصدر ردي يردى ، أي هلك. الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٥٥ (ردي).

(٩) في شرح المازندراني : «في ، للتأكيد ، كما في قوله تعالى :( ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها ) [هود (١١) : ٤١] ، أو متعلق بالتوريث بتضمين معنى الجعل أو الوضع. والسفه محركة : الجهل والخشونة والطيش وخفة العمل وضد الحلم. والصبا بالكسر من الصبوة ، وهي الميل إلى الجهل وفتوة الجهلة ، وفعله من باب نصر ، وبالفتح : اللعب مع الصبيان ، وفعله من باب علم». وراجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٧٦ (سفه) ؛ لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٤٥٠ (صبا).

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : ثم ورثوه ، أي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل ، أو صبي غير عاقل».

(١٠) في مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ١١٦ : «قولهعليه‌السلام : بعد أمر الله ، أي صدوره ، أو الاطلاع عليه ، أو تركه. والورود والصدور كنايتان عن الإتيان للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول».

(١١) في «بف» : «عليه» بدون الواو.

(١٢) في شرح المازندراني : + «أمره».

(١٣) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني. وفي المطبوع والوافي : «فبئس».

١٤١

ولاية(١) الناس بعد ولاية الله ، وثواب الناس بعد ثواب الله ، ورضا الناس بعد رضا الله ، فأصبحت الأمة كذلك(٢) ، وفيهم المجتهدون في العبادة ، على تلك الضلالة معجبون مفتونون(٣) ، فعبادتهم فتنة(٤) لهم ولمن اقتدى بهم.

وقد كان في الرسل ذكرى(٥) للعابدين ، إن نبيا(٦) من الأنبياء كان يستكمل(٧) الطاعة ، ثم يعصي(٨) الله(٩) ـ تبارك وتعالى ـ في الباب الواحد ، فيخرج(١٠) به من الجنة ، وينبذ به(١١) في بطن الحوت ، ثم لاينجيه(١٢) إلا الاعتراف والتوبة ، فاعرف أشباه الأحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه ، فما ربحت تجارتهم ، وما كانوا مهتدين.

ثم اعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده ، فهم مع السادة والكبرة(١٣) ، فإذا تفرقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دنيا ، وذلك

__________________

(١) في «م ، بف ، جد» والوافي : «وولاية».

(٢) في «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بح ، بف ، بن» وشرح المازندراني : «لذلك».

(٣) في «ن ، بح ، جد» وحاشية «د» : «مفتنون».

(٤) الفتنة : المحنة والبلية والضلال والإثم. راجع : لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ٣١٨ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٠٤ (فتن).

(٥) في «د ، ع ، ل ، م ، بن ، جد» : «ذكر».

(٦) في «ل ، ن ، بح ، بف ، بن ، جت ، جد» وحاشية «د» والوافي : «النبي».

(٧) في «بف» والوافي : «مستكمل».

(٨) في «بف» والوافي : «عصى».

(٩) في الوافي : «أشار بالنبي من الأنبياء إلى يونس على نبينا وآله وعليه‌السلام ، ولعل عصيانه غضبه على قومه وهربه منهم بغير إذن ربه وأما إطلاق الجنة على الدنيا فلعل الوجه فيه أنه بالإضافة إلى بطن الحوت جنة».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : ثم يعصي الله ، أي يترك الأولى والأفضل. وإطلاق العصيان عليه مجاز ؛ لكونه في درجة كمالهم بمنزلة العصيان».

(١٠) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي المطبوع : «فخرج».

(١١) في «بح ، بف» وحاشية «م» : «وينبذه» بدل «وينبذ به». وفي «جد» : ـ «به».

(١٢) في «بح» وحاشية «م» : «ولا ينجيه».

(١٣) في «ع ، ل ، بح ، بف ، جد» وحاشية «د ، جت» والوافي : «والكثرة». ويقال : هو كبرهم ، بالضم ، وكبرتهم ،

١٤٢

مبلغهم من العلم ، لايزالون كذلك في طبع(١) وطمع(٢) ، لايزال(٣) يسمع(٤) صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير(٥) ، يصبر(٦) منهم العلماء على الأذى والتعنيف(٧) ، ويعيبون على العلماء بالتكليف ، والعلماء في أنفسهم خانة(٨) إن كتموا النصيحة ، إن رأوا تائها(٩) ضالا لايهدونه أو ميتا لايحيونه ، فبئس(١٠) ما يصنعون ؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما أمروا به ، وأن ينهوا عما نهوا عنه ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان.

فالعلماء من الجهال في جهد(١١) وجهاد ، إن(١٢) وعظت ، قالوا : طغت(١٣) ، وإن

__________________

بالكسر ، وإكبرتهم ، بكسر الهمزة والباء وفتح الراء مشددة وقد تفتح الهمزة ، وكبرهم وكبرتهم بالضمات مشددتين ، أي أكبرهم في السن والرئاسة ، أو أقعدهم بالنسب ، وهو أن ينتسب إلى جده الأكبر بآباء أقل عددا من باقي عشيرته ، يستوي فيه الواحد والكثير والمؤنث والمذكر. راجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٦٥١ ؛ تاج العروس ، ج ٧ ، ص ٤٣٠ (كبر).

(١) قال ابن الأثير : «الطبع ـ بالسكون ـ : الختم ، وبالتحريك : الدنس ، وأصله من الوسخ والدنس يغشيان السيف ثم استعمل في ما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من المقابح. ومنه الحديث : أعوذ بالله من طمع يهدي إلى طبع ، أي يؤدي إلى شين وعيب ، وكانوا يرون أن الطبع هو الرين». النهاية ، ج ٣ ، ص ١١٢ (طبع).

(٢) في «ع ، ن ، ل ، بح ، بف ، بن ، جد» : «في طمع طبع». وفي شرح المازندراني والوافي والبحار : «في طمع وطبع».

(٣) في «ن ، بف» وشرح المازندراني : «فلا يزال». وفي الوافي : «فلا تزال».

(٤) في «بح ، بف ، جد» والوافي : «تسمع».

(٥) في «ع ، ل» : «كبير».

(٦) في «بح ، جد» : «تصبر». وفي «د» : «يصير».

(٧) في شرح المازندراني عن بعض النسخ : «والتعسف». وفي الوافي : «والتصنيف». والتعنيف : التوبيخ والتقريع واللوم ، ويقال : عنفه ، أي لامه بعنف وشدة ؛ من العنف ، وهو الشدة والمشقة. راجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٠٩ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١١١٨ (عنف).

(٨) في حاشية «د ، ع ، م ، بح ، جد» : «خونه».

(٩) التائه : المتحير الضال ، والمتكبر. راجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٢٢٩ ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٢٠٣ (تيه).

(١٠) في «م ، بح ، جد» : «فلبئس».

(١١) الجهد بالفتح : المشقة. النهاية ، ج ١ ، ص ٣٢٠ (جهد).

(١٢) في «د ، بح» : «وإن».

(١٣) في «بف» وحاشية «بح» وشرح المازندراني : «طبعت». وفي حاشية اخرى ل «بح» : «طغيت».

١٤٣

علموا(١) الحق الذي تركوا ، قالوا : خالفت ، وإن اعتزلوهم ، قالوا : فارقت ، وإن قالوا : هاتوا برهانكم على ما تحدثون ، قالوا : نافقت(٢) ، وإن(٣) أطاعوهم ، قالوا(٤) : عصت(٥) اللهعزوجل ؛ فهلك جهال فيما لايعلمون ، أميون فيما يتلون ، يصدقون بالكتاب عند التعريف ، ويكذبون به عند التحريف فلا ينكرون(٦) ، أولئك أشباه الأحبار والرهبان ، قادة في الهوى ، سادة في الردى ، وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى ، لايعرفون إحدى الطائفتين من الأخرى ، يقولون : ما كان الناس يعرفون هذا ولا يدرون ما هو ، وصدقوا(٧) تركهم(٨) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على البيضاء ليلها من نهارها(٩) ، لم يظهر(١٠) فيهم(١١)

__________________

(١) في «ل ، بح ، جد» وحاشية «د ، م» : «عملوا».

(٢) «نافقت» أي فعل فعل المنافق ، وهو الذي يستركفره ويظهر إيمانه. واحتمل العلامة المازندراني كونه من النفوق بمعنى الموت والهلاك. راجع : الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥٦٠ ؛ النهاية ، ج ٥ ، ص ٩٨ (نفق).

(٣) في «ن» : «فإن».

(٤) في «ع ، ل ، ن ، بف ، بن ، جد» : ـ «قالوا».

(٥) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت. وفي حاشية «ن ، بح» والمطبوع وشرح المازندراني والوافي والمرآة : «عصيت». وفي «بف» : «غضب».

(٦) في شرح المازندراني : «فلا ينكرون ، الظاهر أنه معلوم من الإنكار أو النكر والنكور والنكير ، فعله من باب علم وإنما قلنا : الظاهر ذلك لاحتمال أن يكون مجهولا من الإنكار».

وفي المرآة : «فقوله : يصدقون ويكذبون ، من باب التفعيل على البناء للفاعل ، وقوله : ينكرون ، على البناء للمفعول ، أي لا ينكر تكذيبهم عليهم أحد. ويحتمل العكس بأن يكون الأولان على البناء للمفعول ، والثالث على البناء للفاعل ، أي لا يمكنهم إنكار ذلك ؛ لظهور تحريفهم. وعلى الاحتمال الأول يمكن أن يقرأ الفعلان بالتخفيف أيضا. «والأول أظهر».

(٧) في الوافي : «فصدقوا».

(٨) في «بف» : «مقام». وقرأ العلامة المازندراني كلمة «صدقوا» بالتخفيف متصلا بما قبلها ، وكلمة «تركهم» على سبيل الاستيناف بصيغة الفعل. وذكر العلامة المجلسي وجوها في معنى العبارة على بعضها يقرأ «صدقوا» بالتخفيف ، و «تركهم» بصيغة الفعل.

(٩) «ليلها من نهارها» أي ليلها متميزة من نهارها ، أي ظاهرها من باطنها ، أو جاهلها من عالمها ، أو مجهولها من معلومها ، أو باطلها من حقها.

(١٠) في «د ، ل ، بن» وشرح المازندراني : «لم تظهر». وفي «ن» بالتاء والياء معا.

(١١) في «ل» : «منهم».

١٤٤

بدعة ، ولم يبدل(١) فيهم سنة ، لاخلاف عندهم ولا اختلاف ، فلما غشي الناس ظلمة خطاياهم صاروا إمامين : داع إلى الله تبارك وتعالى ، وداع إلى النار ، فعند ذلك نطق الشيطان ، فعلا صوته على لسان أوليائه ، وكثر خيله ورجله(٢) ، وشارك في المال والولد من أشركه ، فعمل بالبدعة ، وترك الكتاب والسنة ، ونطق أولياء الله بالحجة ، وأخذوا بالكتاب والحكمة ، فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق وأهل الباطل ، وتخاذل(٣) وتهادن(٤) أهل الهوى(٥) ، وتعاون(٦) أهل الضلالة حتى كانت(٧) الجماعة مع فلان وأشباهه ، فاعرف هذا الصنف وصنف آخر ، فأبصرهم رأي العين نجباء(٨) ، والزمهم حتى ترد(٩) أهلك ، فإن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين».

إلى هاهنا(١٠) رواية الحسين.

__________________

(١) في «د ، ع ، ل ، بن» وشرح المازندراني : «ولم تبدل».

(٢) الرجل : جمع راجل ، وهو من يمشي على رجله ، والرجل : الراجل. الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٧٠٥ (رجل). وقرأ المازندراني بكسر الجيم ، حيث قال في شرحه : «والرجل ككتف : من لا ظهر له يركبه».

(٣) في «بف» : «تجادل». وفي «ع» : «تخادل». والخذل : ترك الإغاثة والعون والنصرة. وقال العلامة المجلسي : «قولهعليه‌السلام : وتخاذل ، أي تركوا نصرة الحق ، وفي بعض النسخ : تخادن ، من الخدن ، وهو الصديق ، وتهادن ، من المهادنة بمعنى المصالحة ، وفي بعض النسخ : وتهاون ، أي عن نصرة الحق ، وهذا أنسب بالتخاذل ، كما أن التهادن أنسب بالتخادن». راجع : الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٦٨٣ ؛ النهاية ، ج ٢ ، ص ١٦ (خذل) ؛ المصباح المنير ، ص ٦٣٦ (هدن).

(٤) في «م ، ن ، بح ، بف ، بن ، جت ، جد» وحاشية «د» وشرح المازندراني والوافي : «وتهاون».

(٥) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت. وفي «بف» والمطبوع وشرح المازندراني والوافي : «الهدى».

(٦) في «بف» : «وتهاون».

(٧) في «ن ، بف ، جت» والوافي : + «وهي».

(٨) في «ع ، م ، ن ، بح ، جت» والبحار : «تحيا».

(٩) في شرح المازندراني : «ويمكن أن يكون «ترد» بتشديد الدال ، أي حتى ترد أهلك عن صنف أهل الضلالة إلى أهل الحق ، وهذا أنسب بقوله : فإن الخاسرين ...».

(١٠) في «جت» : «هنا».

١٤٥

وفي رواية محمد بن يحيى زيادة : «لهم علم بالطريق ، فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر(١) إليه(٢) ، فإن كان(٣) دونهم عسف(٤) من أهل العسف وخسف(٥) ودونهم بلايا تنقضي(٦) ، ثم تصير إلى رخاء.

ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض ، ولو لا أن تذهب(٧) بك الظنون عني ، لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ، ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها ، ولكني أتقيك وأستبقيك ، وليس الحليم(٨) الذي لايتقي أحدا في مكان التقوى(٩) ، والحلم لباس العالم ، فلا تعرين(١٠) منه ؛ والسلام».(١١)

رسالة أيضا منه إليه(١٢)

١٤٨٣٢ / ١٧. محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن

__________________

(١) في «بف» والوافي : «فلا ينظر».

(٢) هكذا في «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بح ، بن» وحاشية «جت» وشرح المازندراني. وفي سائر النسخ والمطبوع : «إليهم». وفي الوافي : «فلا ينظر إليهم ، في بعض النسخ : إليه ، وهو الصواب ، أي فلا ينظر إلى البلاء ؛ لأنه ينقضي ولا يبقى».

(٣) في «د ، ع ، م ، ن ، بح ، بف ، بن ، جد» : ـ «كان». وفي الوافي : «وإن كان».

(٤) قال ابن الأثير : «العسف في الأصل : أن يأخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم ، وقيل : هو ركوب الأمر من غير روية ، فنقل إلى الظلم والجور». النهاية ، ج ٣ ، ص ٢٣٧ (عسف).

(٥) الخسف : النقصان والهوان. النهاية ، ج ٢ ، ص ٣١ (خسف).

(٦) في الوافي : «ينقضي ، جزاء الشرط».

(٧) في «ع ، بف» : «أن يذهب».

(٨) في الوافي : «الحليم خبر «ليس» تقدم على اسمه». وفي شرح المازندراني : «الموصول خبر «ليس» فدل على أن من لم يتق في مكان التقية ليس بحليم متأن في الامور متثبت فيها».

(٩) في المرآة : «قوله : في مكان التقوى ، أي في محل التقية».

(١٠) في الوافي : «فلا يعرين».

(١١) الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٨٩ ، ح ٢٥٣٧٦ ؛ البحار ، ج ٧٨ ، ص ٣٥٨ ، ح ٢.

(١٢) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت والمرآة. وفي «بح» والمطبوع : «رسالة منهعليه‌السلام إليه أيضا». وفي شرح

١٤٦

بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع ، قال :

كتب أبو جعفرعليه‌السلام إلى سعيد(١) الخير : «بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد ، فقد جاءني كتابك تذكر فيه(٢) معرفة ما لاينبغي تركه ، وطاعة من رضا الله رضاه ، فقبلت(٣) من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة ، لو تركته تعجب(٤) أن رضا الله وطاعته ونصيحته لاتقبل ولا توجد ولا تعرف إلا في عباد غرباء أخلاء(٥) من الناس قد اتخذهم(٦) الناس سخريا لما يرمونهم به من المنكرات ، وكان يقال : لايكون المؤمن مؤمنا حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار.

ولو لا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا ، فتجعل فتنة الناس كعذاب الله ـ وأعيذك بالله وإيانا من ذلك ـ لقربت(٧) على بعد منزلتك.

__________________

المازندراني : «رسالة منه إليه أيضا».

(١) هكذا في «بح». وفي سائر النسخ والمطبوع والوافي والبحار : «سعد». وما أثبتناه هو الصواب ، كما تقدم ذيل ح ١٤٨٣١ ، فلاحظ.

(٢) في الوافي : «المستفاد من قولهعليه‌السلام : تذكر فيه إلى آخره ، أن سعدا ذكر في كتابه أنه عرف كذا ، وأنه قبل منه لنفسه كذا ، وأنه تعجب من كذا بأن يكون إلى قوله : من جيفة الحمار ، من كلام سعد. ويحتمل أن يكون : فعجب ، أو تعجب ، على اختلاف النسختين من كلام الإمامعليه‌السلام ».

(٣) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي المطبوع وشرح المازندراني : «فقلت».

(٤) في «بف» وحاشية «ن ، بح» والوافي والمرآة : «فعجب». وفي حاشية اخرى ل «ن ، بح» والمرآة عن بعض النسخ : «بعجب».

(٥) في المرآة : «الأخلاء : جمع خلو بالكسر ، وهو الخالي عن الشيء ويكون بمعنى المنفرد ، ويقال : أخلى ، إذا انفرد ، أي هم أخلاء من أخلاق الناس وأطوارهم الباطلة ، أو منفردون عن الناس معتزلون عن شرارهم». وراجع : لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٢٣٨ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٨١ (خلا).

(٦) في الوافي : «اتخذتهم».

(٧) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : لقربت ، جزاء الشرط ، وهو إما بتشديد الراء على صيغة المتكلم المعلوم ، أي لجعلتك قريبا من الحق مع غاية بعدك عنه ، أو على صيغة المخاطب المجهول ، أو بتخفيف الراء إما بصيغة المتكلم ، أي لقربت إليك ببيان الحق والتصريح به ، أو بصيغة الخطاب ، أي لصرب قريبا بما القي إليك من الحق».

١٤٧

واعلم رحمك الله أنه(١) لاتنال(٢) محبة الله إلا ببغض كثير من الناس ، ولا ولايته إلا بمعاداتهم ، وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون.

يا أخي(٣) ، إن الله ـعزوجل ـ جعل في كل من الرسل(٤) بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون معهم على الأذى ، يجيبون داعي الله ، ويدعون إلى الله(٥) ، فأبصرهم رحمك الله ، فإنهم في منزلة رفيعة ، وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة(٦) إنهم يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون(٧) بنور الله من العمى ، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من تائه ضال قد هدوه ، يبذلون دماءهم دون هلكة العباد(٨) ، ما(٩) أحسن أثرهم على العباد ، وأقبح آثار العباد عليهم».(١٠)

١٤٨٣٣ / ١٨. عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال(١١) :

بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالسا(١٢) إذ أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال له(١٣)

__________________

(١) في «د ، ع ، ل ، م ، بح ، بن ، جت ، جد» والبحار : «أنا». وفي حاشية «م ، بح» : «أنك». وفي «بف» وحاشية اخرى ل «بح» : «أن».

(٢) في «د ، ع ، ل ، م ، بح ، بن ، جت ، جد» وحاشية «بح» والبحار : «لا ننال».

(٣) في «د ، ع ، ل ، بف ، بن ، جت ، جد» والوافي : «أيا أخي».

(٤) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : في كل من الرسل ، أي في امة كل من الرسل ، أو لكل منهم بأن يكون «في» بمعنى اللام».

(٥) في حاشية «د ، بح» : + «على بصيرة».

(٦) الوضيعة : الخسارة ، والحطيطة ، أي النازلة والهابطة والساقطة. راجع : النهاية ، ج ٥ ، ص ١٩٨ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٠٣٣ (وضع).

(٧) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والوافي. وفي المطبوع : «ويبصرن».

(٨) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : دون هلكة العباد ، أي عند إشرافهم على الهلاك ؛ لئلا يهلكوا».

(٩) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني. وفي «ن» والمطبوع والوافي : «وما».

(١٠) الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٩٥ ، ح ٢٥٣٧٧ ؛ البحار ، ج ٧٨ ، ص ٣٦٢ ، ح ٣.

(١١) في شرح المازندراني : «الظاهر أنه نقله عن المعصوم وأنه الصادقعليه‌السلام ».

(١٢) في حاشية «بح» والوافي : «جالس».

(١٣) في «د ، ع ، جت» : ـ «له».

١٤٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن فيك شبها من عيسى ابن مريم(١) ، ولو لا(٢) أن تقول(٣) فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم ، لقلت فيك قولا لاتمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة».

قال : فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم ، فقالوا : ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى ابن مريم ، فأنزل الله على نبيه(٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :(٥) ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ ) يعني من بني هاشم( مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ) (٦) .

قَالَ : فَغَضِبَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو الْفِهْرِيُّ ، فَقَالَ : اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ(٧) أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ يَتَوَارَثُونَ هِرَقْلاً(٨) بَعْدَ هِرَقْلٍ(٩) ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ مَقَالَةَ الْحَارِثِ ، وَنَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (١٠) .

__________________

(١) في المرآة : «قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن فيك شبها من عيسى بن مريمعليه‌السلام ، لزهده وعبادته وافتراق الناس فيه ثلاث فرق».

(٢) في «جت» والبحار : «لولا» بدون الواو.

(٣) في «م» والوافي : «أن يقول». وفي «جت» بالتاء والياء معا.

(٤) في «ن» : «رسوله».

(٥) في «ن» : ـ «فقال».

(٦) الزخرف (٤٣) : ٥٧ ـ ٦٠.

(٧) في شرح المازندراني : «نسبعليه‌السلام هذا القول إلى الحارث وحده ؛ لأنه القائل به حقيقة ، ونسب جل شأنه إليه وإلى شركائه في التهكم والتكذيب والإصرار على الإنكار ، حيث قال : «وإذ قالوا اللهم» باعتبار رضائهم بصدور الفعل عنه ، والراضي بالفعل فاعل مجازا».

(٨) «هرقل» ، كسبحل وزبرج : ملك الروم ، أول من ضرب الدنانير ، وأول من أحدث البيعة. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٤١٣ (هرقل).

(٩) قال العلامة المازندراني : «أي توارث هرقل بعد هرقل ، حذف المفعول المطلق واقيم المضاف إليه مقامه واعرب بإعرابه». وقال العلامة المجلسي : «أي ملكا بعد ملك».

(١٠) الأنفال (٨) : ٣٣.

١٤٩

ثم قال له(١) : «يا ابن(٢) عمرو إما تبت ، وإما رحلت».

فقال : يا محمد ، بل(٣) تجعل لسائر قريش شيئا مما في يديك ، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم.

فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس ذلك(٤) إلي ، ذلك إلى الله تبارك وتعالى».

فقال : يا محمد ، قلبي ما يتابعني على التوبة ، ولكن أرحل عنك ، فدعا براحلته فركبها ، فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة(٥) ، فرضخت(٦) هامته(٧) ، ثم أتى الوحي إلى(٨) النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ (٩) لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ ) (١٠) .

__________________

(١) في البحار : ـ «له».

(٢) في «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بن ، جد» وشرح المازندراني : ـ «ابن». وفي حاشية «ن» : «با».

(٣) في «ع» : ـ «بل».

(٤) في «بف» : «ذاك».

(٥) الجندلة : واحدة الجندل ، وهو الحجارة قدر ما يرمى بالمقذاف ، أو ما يقل الرجل من الحجارة ، أو هو الحجركله. راجع : ترتيب كتاب العين ، ج ١ ، ص ص ٣٢٢ ؛ لسان العرب ، ج ١١ ، ص ١٢٨ (جندل).

(٦) في «د ، م ، بح ، جت» والمرآة والبحار : «فرضت». وفي «بف» : «فوضحت». وفي شرح المازندراني : «فرضحت». والرضخ : الشدخ والكسر والدق والرمي. الصحاح ، ج ١ ، ص ٤٢٢ ؛ النهاية ، ج ٢ ، ص ٢٢٩ (رضخ).

(٧) الهامة : الرأس من كل شيء. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٥٤٢ (هوم).

(٨) في «ع ، بف» والوافي : ـ «إلى».

(٩) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والمرآة. وفي «جت» وحاشية «م ، بح ، بن» والمطبوع والوافي : + «بولاية علي». وفي الشروح أنه سقط بعد قوله تعالى :( لِلْكافِرينَ ) شيء رواه المصنف في «باب نكت من التنزيل» ، وهو قوله : «بولاية عليعليه‌السلام ».

وقال المحقق الشعراني في هامش شرح المازندراني : «احتمال السقط في القرآن رغم باطل عند أكابر العلماء والمحدثين ، ورد رواية أبي بصير التي في طريقها سليمان الديلمي ـ الذي قيل فيه : إنه كان غاليا كذابا ، وكذلك ابنه الراوي عنه ، كما في الخلاصة والنجاشي ـ أولى من احتمال التحريف في القرآن العظيم ، على أن السورة مكية بالاتفاق ، فالقول بأنها نزلت بعد نصب أمير المؤمنين عليه‌السلام للخلافة قول باطل ، كما لا يخفى ، ونسبته إلى الصادق عليه‌السلام فرية محضة نستجير بالله منها». راجع : رجال النجاشي ، ص ١٨٢ ، الرقم ٤٨٢ ؛ خلاصة الأقوال ، ص ٣٥٠.

(١٠) المعارج (٧٠) : ١ ـ ٣.

١٥٠

قال : قلت : جعلت فداك ، إنا لانقرؤها هكذا ، فقال : «هكذا والله نزل(١) بها جبرئيل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمةعليها‌السلام ».

فقال رسول الله(٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن حوله من المنافقين : «انطلقوا إلى صاحبكم ، فقد أتاه ما استفتح به ، قال اللهعزوجل :( وَاسْتَفْتَحُوا (٣) وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) (٤) ».(٥)

١٤٨٣٤ / ١٩. محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن محمد بن مسلم :

عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله(٦) عزوجل :( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) (٧) قال : «ذاك(٨) والله حين قالت الأنصار : منا أمير ، ومنكم أمير».(٩)

١٤٨٣٥ / ٢٠. وعنه ، عن محمد بن علي(١٠) ، عن ابن مسكان ، عن ميسر :

عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : قلت : قول اللهعزوجل :( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) ؟

قال : فقال : «يا ميسر ، إن الأرض كانت فاسدة ، فأصلحها الله ـعزوجل ـ

__________________

(١) في «جت» : «أنزل الله».

(٢) في «م» : «النبي».

(٣) في المرآة : «ظاهر الخبر أن المراد بالاستفتاح استفتاح العذاب».

(٤) إبراهيم (١٤) : ١٥.

(٥) راجع : تفسير فرات الكوفي ، ص ٤٠٥ و ٤٠٦ ، ح ٥٤٣ و ٥٤٤ الوافي ، ج ٣ ، ص ٩٣٢ ، ح ١٦٢١ ؛ وفيه ، ص ٧٣١ ، ح ١٣٤٢ ، إلى قوله : «يلتمسون بذلك البركة» ؛ البحار ، ج ٣٥ ، ص ٣٢٣ ، ح ٢٢.

(٦) في «بح ، جت» وحاشية «د» : «في قول الله».

(٧) الروم (٣٠) : ٤١.

(٨) في «بف» وتفسير القمي : «ذلك».

(٩) تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ١٦٠ ، بسنده عن علي بن النعمان الوافي ، ج ٣ ، ص ٩٣٣ ، ح ١٦٢٢ ؛ البحار ، ج ٢٨ ، ص ٢٥٠ ، ح ٣١.

(١٠) لم نجد رواية محمد بن علي عن ابن مسكان ـ وهو عبد الله ـ مع الفحص الأكيد في موضع. فلا يبعد وقوع التحريف في السند ، بأن يكون الأصل فيه هكذا : «وعنه ، عن محمد ، عن علي ، عن ابن مسكان» ، فيتضح أمر السند.

١٥١

بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) (١) ».(٢)

خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام

١٤٨٣٦ / ٢١. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي(٣) ، قال :

خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم صلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال :

«ألا(٤) إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان(٥) : اتباع الهوى ، وطول الأمل ؛ أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.

ألا إن(٦) الدنيا قد ترحلت(٧) مدبرة ، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة(٨) ، ولكل

__________________

(١) الأعراف (٧) : ٥٦ و ٨٥.

وفي الوافي : «يعني أن الآية كناية عما أحدثوا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من صرف الأمر عن أهله وتوليته غير أهله».

(٢) تفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ١٩ ، ح ٥١ ، عن ميسر الوافي ، ج ٣ ، ص ٩١٠ ، ح ١٥٨٦ ؛ البحار ، ج ٢٨ ، ص ٢٥٠ ، ح ٣٢.

(٣) هكذا في حاشية «بم» والبحار. وفي «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بح ، بف ، بم ، بن ، جت ، جد» والمطبوع والوسائل : «إبراهيم بن عثمان عن سليم بن قيس الهلالي».

وقد وردت قطعة من هذه الخطبة الطويلة في الكافي ، ح ١٤٢١ ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس. وورد هذا الطريق المنتهي إلى سليم في الكافي ، ح ٧٧٥ و ١٣٩١ أيضا. وهذا الطريق طريق سليم لا خدشة فيه ولا اختلال ، كما ظهر ذلك مما قد مناه في الكافي ، ذيل ح ٥٠٤ ، فلا حظ.

(٤) في «ع» : ـ «ألا».

(٥) في حاشية «د ، بح ، جت» : «خصلتان». وفي الكافي ، ح ١٩٠٧ والأمالي للمفيد : «اثنتين». وفي الإرشاد ونهج البلاغة : «اثنان». والخلة : الخصلة. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٣١٥ (خلل).

(٦) في «م ، بح ، بن» وحاشية «ن» : «وإن».

(٧) الترحل : الانتقال. لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٢٧٩ (رحل).

(٨) في نهج البلاغة : «قد ولت حذاء ، فلم يبق منها إلاصبابة كصبابة الإناء اصطبها صابها ، ألا وإن الآخرة قد

١٥٢

واحدة(١) بنون ، فكونوا(٢) من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا(٣) ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وإن غدا حساب ولا عمل ، وإنما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم الله ، يتولى(٤) فيها رجال رجالا.

ألا(٥) إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف ، ولو أن الباطل(٦) خلص لم يخف على ذي حجى(٧) ، لكنه يؤخذ من هذا ضغث(٨) ، ومن هذا ضغث ، فيمزجان ، فيجتمعان(٩) ، فيجللان(١٠) معا ، فهنالك(١١) يستولي(١٢) الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله(١٣) الحسنى.

إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كيف أنتم إذا لبستكم(١٤) فتنة يربو(١٥) فيها

__________________

أقبلت» بدل «قد ترحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة».

(١) في شرح المازندراني ونهج البلاغة : «ولكل منهما». والبحار والإرشاد : + «منهما».

(٢) في الارشاد : + «إن استطعتم».

(٣) في نهج البلاغة : + «فإن كل ولد سيلحق بأبيه يوم القيامة».

(٤) في حاشية «ن» : «يستولي».

(٥) في «د ، ع ، ل ، ن ، بن» وشرح المازندراني : ـ «ألا».

(٦) في «بن» : «وأن الباطل لو» بدل «ولو أن الباطل».

(٧) الحجى : العقل والفطنة ، والجمع : أحجاء. لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ١٦٥ (حجو).

(٨) «الضغث» : قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس. الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٨٥ (ضغث).

(٩) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والوافي والبحار. وفي المطبوع : ـ «فيجتمعان».

(١٠) في «بن» وحاشية «د» والكافي ، ح ١٦١ : «فيجيئان». وفي حاشية «جت» والمرآة والبحار : «فيجليان». وفي شرح المازندراني : «فيخللان». والتجليل : التغطية ، يقال : جللت الشيء ، إذا غطيته. المصباح المنير ، ص ١٠٦ (جلل).

(١١) في البحار : «فهناك».

(١٢) في الكافي ، ح ١٦١ : «استحوذ».

(١٣) في حاشية «ن ، بح» : «منا» بدل «من الله».

(١٤) في حاشية «ن» : «لبستم». وفي حاشية «بح» وشرح المازندراني : «ألبستم».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : ولبستم ، كذا في بعض النسخ ، وهو ظاهر ، وفي بعضها : البستم ، على بناء المجهول من الإفعال ، وهو أظهر ، وفي أكثرها : ألبستكم ، فيحتمل المعلوم والمجهول بتكلف إما لفظا وإما معنى».

(١٥) في شرح المازندراني : «يربو فيها الصغير ، أي ينمو ويرتفع ، وهو كناية عن امتداد زمانها ، أو يموت من فزع ؛ من ربا فلان : إذا انتفخ من فزع». وراجع : القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٨٧ (ربو).

١٥٣

الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة ، فإذا(١) غير منها شيء قيل : قد غيرت السنة ، وقد أتى الناس منكرا ، ثم تشتد البلية ، وتسبى الذرية ، وتدقهم(٢) الفتنة كما تدق النار الحطب ، وكما تدق الرحى بثفالها(٣) ، ويتفقهون لغير الله ، ويتعلمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة».

ثم أقبل بوجهه ـ وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته ـ فقال : «قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، متعمدين لخلافه(٤) ، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته ، ولو حملت الناس على تركها ، وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسول الله(٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيمعليه‌السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه(٦) فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) ، ورددت فدك(٨) إلى ورثة فاطمةعليه‌السلام (٩) ، ورددت

__________________

(١) في حاشية «بح» : «وإذا».

(٢) الدق : الكسر ، أو أن تضرب الشيء بالشيء حتى تهشمه. راجع : لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ١٠٠ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١١٧٣ (دقق).

(٣) في «بح ، جد» وحاشية «م» : «بثقالها». وفي المرآة : «في أكثر النسخ بالقاف ، ولعله تصحيف. والظاهر : الفاء». وقال ابن الأثير : «في حديث عليرضي‌الله‌عنه : وتدقهم الفتن دق الرحى بثفالها ، الثفال بالكسر : جلدة تبسط تحت رحى اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمى الحجر الأسفل ثفالا بها ، والمعنى : أنها تدقهم دق الرحى للحب إذا كانت مثفلة ، ولا تثفل إلاعند الطحن». النهاية ، ج ١ ، ص ٢١٥ (ثفل).

(٤) في «جد» : «بخلافه».

(٥) في «بن» : «رسوله».

(٦) في «ن» : «يوضعه».

(٧) في شرح المازندراني : «مقامهعليه‌السلام كان متصلا بجدار البيت عند الباب ، ثم نقل في الجاهلية إلى الموضع المعروف الآن ، ثم رده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الموضع الأول ، ثم رده الثاني إلى الموضع الثاني». ونحوه في الوافي.

(٨) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والوافي والبحار. وفي المطبوع : «فدكا».

(٩) في شرح المازندراني : «ورددت فدك إلى ورثة فاطمةعليها‌السلام ، دل على أنهعليه‌السلام لم يرد فدكا في خلافته ؛ لإفضائه إلى الفساد والتفرقة ، فلا ترد ما أورده بعض العامة من أن أخذ فدك لو لم يكن حقا لردهعليه‌السلام في خلافته».

١٥٤

صاع(١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان ، وأمضيت قطائع(٢) أقطعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار جعفرعليه‌السلام إلى ورثته(٣) ، وهدمتها من المسجد ، ورددت قضايا من الجور قضي بها(٤) ، ونزعت نساء(٥) تحت رجال بغير حق ، فرددتهن إلى أزواجهن ، واستقبلت بهن الحكم(٦) في الفروج والأحكام ، وسبيت ذراري بني تغلب(٧) ، ورددت

__________________

(١) في شرح المازندراني : «الصاع الذي يكال به ويدور عليه أحكام المسلمين أربعة أمداد بالاتفاق ، وإن اختلفوافي تفسير المد ، كما هو مذكور في الفروع ، وأما صاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد روى الشيخ بطريقين عن سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسنعليه‌السلام والظاهر أنه الهاديعليه‌السلام ، وبطريق آخر عن سماعة أنه خمسة أمداد ، والأول ضعيف ، والثاني موثق ، ولو ثبت ذلك فالأمر مشكل ؛ لأن الظاهر أن الأحكام الصاعية مترتبة على صاعهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا على صاع حدث بعده ، إلا أن يقال : إن الأئمةعليهم‌السلام جوزوا بناءها عليه ؛ والله أعلم». وراجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ٦٠ (صوع).

(٢) في شرح المازندراني : «القطائع : جمع القطيعة ، وهي أرض أو دار أقطعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبعض الصحابة ليعمروها ويزرعوها ، أو يسكنوها ويستبدوا بها ، والإقطاع يكون تمليكا وغير تمليك ، ولعل هنا المراد الأول». وفي اللغة : القطيعة : طائفة من أرض الخراج ، ويقال : أقطعه قطيعة ، أي أذن له في اقتطاعها ، أي أخذها. راجع : النهاية ، ج ٤ ، ص ٨٢ ؛ لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٢٨٠ (قطع).

(٣) في شرح المازندراني : «كأنها غصبت وادخلت في المسجد» ، ونحوه في الوافي. وقال المحقق الشعراني في هامش الوافي : «قوله : ورددت دار جعفر إلى ورثته ، هذا جعفر بن أبي طالب اخذت داره قهرا على ورثته بغير رضاهم وجعلت في المسجد ، ولكن نقلوا أن عمر بن الخطاب اشترى نصف دارهم بمائة ألف وجعله في المسجد ، ثم أدخل نصفه الباقي عثمان ، ويبعد كونهم غير راضين بتسليم دارهم للمسجد».

(٤) في الوافي : «وذلك كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الإرث ، وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافا لما أمر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك الكف والعقب ، وإنفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة ، ومنعه من بيع امهات الأولاد وإن مات الولد وقال : هذا رأي رأيته فأمضاه على الناس ، إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الآخرين».

(٥) في «جت» : + «قريش».

(٦) في «بف» : «بهذا حكم». وفي الوافي : «بهذا الحكم».

(٧) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : وسبيت ذراري بني تغلب ؛ لأن عمر رفع عنهم الجزية ، فهم ليسوا بأهل ذمة فيحل سبي ذراريهم ، كما روي عن الرضاعليه‌السلام ».

وقال المحقق الشعراني في هامش الوافي : «سبق ما يتعلق ببني تغلب في كتاب الزكاة وذكرنا في حواشيه أن الأمر جار على ما صالح معهم عمر ، ثم إن من الواضح والمعلوم أنه لا يجوز سبي ذراري أهل الذمة بسبب بطلان بعض شروط فاسدة ، ولكن رواية سليم غير حجة ، كما ثبت في محله».

١٥٥

ما قسم من أرض خيبر ، ومحوت دواوين العطايا(١) ، وأعطيت كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي بالسوية ، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء(٢) ، وألقيت المساحة(٣) ، وسويت بين

__________________

(١) في الوافي : «ومحوت دواوين العطايا ، أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر في عهده من وضعه الخراج على أرباب الزراعات والصناعات والتجارات لأهل العلم وأصحاب الولايات والرئاسات والجند ، وجعل ذلك عليهم بمنزلة الزكاة المفروضة ودون دواوين وأثبت فيها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء وأثبت لكل رجل من الأصناف الأربعة ما يعطى من الخراج الذي وضعه على الأصناف الثلاثة وفضل في الإعطاء بعضهم على بعض ووضع الدواوين على يد شخص سماه صاحب الديوان وأثبت له اجرة من ذلك الخراج ، وعلى هذه البدعة جرت سلاطين الجور وحكامهم إلى الآن ولم يكن شيء من ذلك على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا على عهد أبي بكر ، وإنما الخراج للإمام فيما يختص به من الأراضي خاصة يصنع به ما يشاء كما مضى بيانه في كتاب الزكاة». وراجع : شرح المازندراني ، ج ١١ ، ص ٣٧٣ ؛ مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ١٣٤.

وقال المحقق الشعراني في هامش الوافي :

«قوله : الخراج على أرباب الزراعات والصناعات والتجارات ، لا أعرف مقصود المصنف ، ولا من أين أخذه ، ولم يذكر ما ذكره المصنف هنا أحد ممن ألف في أحكام الخراج ووصل إلينا أقوالهم ، ولعله حدس وتخمين دعاه إليه حسن ظنه بكتاب سليم واعتقاده صحة جميع ما فيه ، والحق أن تدوين الدواوين وضبط أهل الخراج والأراضي الخراجية ومقادير الزكوات وسائر الارتفاعات وأهل العطاء وتعيين صاحب الديوان وأخذ الخراج من الأراضي المفتوحة عنوة ومساحة الأراضي لذلك ، لم تكن خلاف المشروع ، ولا يجوز أن تعد في مبدعات عمر وإن كانت له بدع كثيرة ، وليست الأراضي المفتوحة عنوة مختصة بالإمام ، بل هي لعامة المسلمين الحاضرين ومن يأتي إلى يوم القيامة كما سبق ، وكذلك بعض ما ذكره المصنف رحمه‌الله بعد ذلك ليس مأخوذا من أصل صحيح ، ومأخذ ما يعتمد عليه ، بل حدس وتخمين ، ومنها قوله : كأنهم عكسوا الأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنه لم يرد في التواريخ ولم يذكروا أن الخلفاء قبل أمير المؤمنين سدوا باب بيته عليه‌السلام ولا فتحوا أبواب سائر الأصحاب ، والله العالم ، والحق أنه لا يتيسر لنا توجيه كثير من فقر هذه الرواية بوجه صحيح موافق للواقع ، بحيث لا يخالف اصول المذهب ، وواضع الكتاب أعرف بمراده منها وإن كان ظاهرها منا كير».

(٢) الدولة : هو ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم. وفي الوافي : «يعني أن يتداولوه بينهم ويحرموا الفقراء». وراجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ١٤٠ (دول).

(٣) قال الجوهري : «مسح الأرض مساحة ، أي ذرعها». وقال الفيومي : «مسحت الأرض مسحا : ذرعتها ، والاسم : المساحة بالكسر».

وقال العلامة المازندراني : «قوله : وألقيت المساحة ، المقدرة بينهم ، وهي بالكسر : الذرع الذي يقدر به

١٥٦

المناكح(١) ، وأنفذت خمس الرسول(٢) كما أنزل(٣) الله ـعزوجل ـ وفرضه ، ورددت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما كان عليه(٤) ، وسددت ما فتح فيه من الأبواب(٥) ، وفتحت ما سد منه ، وحرمت المسح على الخفين ، وحددت على النبيذ(٦) ، وأمرت بإحلال

__________________

الجريب ، وهو أربعة أقفزة ، والقفيز مائة وأربعة وأربعون ذرعا ، فالجريب عندهم خمسمائة وستة وسبعون ذرعا».

وقال العلامة الفيض : «لعل المراد بالمساحة مساحة الأرض للخراج». وقال العلامة المجلسي : «قوله عليه‌السلام : وألقيت المساحة ، إشارة إلى ما عده الخاصة والعامة من بدع عمر أنه قال : ينبغي مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم نأخذها من أرباب الأملاك ، فبعث إلى البلدان من مسح على أهلها فألزمهم الخراج ، فأخذ من العراق يوما يليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس على كل جريب درهما واحدا وقفيزا من أصناف الحبوب ، وأخذ من مصرو نواحيها دينارا وإردبا عن مساحة جريب ، كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندرية. وقد روى محيي السنة وغيره من علمائهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت المصر إردبها ودينارها. والإردب لأهل مصر أربعة وستون منا ، وفسره أكثرهم بأنه قد محا ذلك شريعة الإسلام ، وكان أول بلد مسحه عمر بلد الكوفة ، وتفصيل الكلام في ذكر هذه البدع موكول إلى الكتب المبسوطة التي دونها أصحابنا لذلك ، كالشافي للسيد المرتضى ، وعسى الله أن يوفقنا لبسط الكلام في بدع أهل الكفر والجور في شرح كتاب الحجة».

وقال المحقق الشعراني في هامش الوافي : «قوله : «وألقبت المساحة ، كأنه إشارة إلى ما فعل عمر من مساحة أرض العراق وأخذ الخراج منها على المساحة ، وليس ذلك ممنوعا في فقهنا ، ولكن الراوي ؛ أعني واضع الكتاب ، وهو أبان بن أبي عياش ظنها عملا غير مشروح فأدرجه في البدع». راجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٤٠٤ ؛ المصباح المنير ، ص ٥٧٢ (مسح).

(١) في الوافي : «وسويت بين المناكح ، أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر من منعه غير قريش أن يتزوج في قريش ، ومنعه العجم من التزويج في العرب».

(٢) في شرح المازندراني : «وأنفذت خمس الرسول ، كان الأول يملكه ويصرفه في أقاربه ، والثاني يصرفه في المسلمين ويمنع منه آل الرسول».

(٣) في «ل ، م ، بح ، بن ، جد» وحاشية «جت» : «أنزله».

(٤) في الوافي : «يعني أخرجت منه مازادوه فيه».

(٥) في الوافي : «وسددت ما فتح إشارة إلى ما نزل جبرئيلعليه‌السلام من الله سبحانه من أمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بسد الأبواب من مسجده إلاباب علي ، وكأنهم قد عكسوا الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٦) في الوافي : «وحرمت المسح على الخفين ، إشارة إلى ما ابتدعه عمر من إجازته المسح على الخفين في الوضوء ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم ، وقد روت عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره. وحددت على النبيذ ، وذلك أنه استحلوه».

١٥٧

المتعتين(١) ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات(٢) ، وألزمت(٣) الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(٤) ، وأخرجت من أدخل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخرجه ، وأدخلت(٥) من أخرج بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أدخله(٦) ، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها(٧) ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها(٨) ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم(٩) ، ورددت سبايا

__________________

(١) في الوافي : «وأمرت بإحلال المتعتين ؛ يعني متعة النساء ومتعة الحج ، قال عمر : متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا احر مهما واعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج».

(٢) في الوافي : «وذلك أنهم جعلوها أربعة».

(٣) في «جت» : «وأمرت».

(٤) في الوافي : «وذلك أنهم يتخافتون بها ، أو يسقطونها في الصلاة». وفي المرآة : «يدل ظاهرا على وجوب الجهر بالبسملة مطلقا ، وإن أمكن حمله على تأكد الاستحباب».

(٥) في «جت» : «فأدخلت».

(٦) في شرح المازندراني : «أدخلوا كثيرا من المنافقين الذين أخرجهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدخل فيه الثالث الحكم بن عاص وأولاده وكانوا طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأعداءه ، فزوج إحدى بنتيه مروان بن الحكم ، واخراهما حارث بن الحكم وأعطاهم خمس غنائم إفريقية ومن بيت مال المسلمين أموالا جزيلة ورجحهم على أعاظم الصحابة ، وأخرج أباذر إلى الشام ، ثم إلى الربذة ؛ لأنه كان يخطئه ويعد قبائحه على رؤوس الأشهاد». وقيل في معنى العبارة احتمالات اخر ، وقال المحقق الشعراني في هامش الوافي : «قوله : وأدخلت من اخرج بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيه إبهام لا يعلم ما أراد وأبان به». راجع : مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ١٣٥ و ١٣٦.

(٧) في الوافي : «وأخذت الصدقات على أصنافها ، وهي الأجناس التسعة ؛ فإنهم أوجبوها في غيرذلك. وحدودها ، أي نصبها ؛ فإنهم خالفوا فيها وفي سائر أحكامها».

(٨) في الوافي : «وذلك أنهم خالفوا في كثير منها ، كإبداعهم في الوضوء ومسح الاذنين وغسل الرجلين والمسح على العمامة والخفين ، وانتقاضه بملامسة النساء ومس الذكر وأكل ما مسته النار ، وغير ذلك مما لا ينقضه ، وكإبداعهم الوضوء مع غسل الجنابة ، وإسقاط الغسل في التقاء الختانين من غير إنزال ، وإسقاطهم من الأذان «حي على خير العمل» وزيادتهم فيه : «الصلاة خير من النوم» ، وتقديمهم التسليم على التشهد الأول في الصلاة مع أن الفرض من وضعه التحليل منها ، وإبداعهم وضع اليمين على الشمال فيها ، وحملهم الناس على الجماعة في النافلة وعلى صلاة الضحى ، وغير ذلك وأكثرها من مبتدعات عمر».

(٩) في شرح المازندراني : «ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ، كأنهم كانوا من أهل الذمة وهم أخرجوها عن

١٥٨

فارس(١) وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لتفرقوا عني(٢) .

والله لقد أمرت الناس أن لايجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الإسلام ، غيرت سنة عمر ، ينهانا(٣) عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ، ولقد خفت أن يثوروا(٤) في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذه الأمة(٥) من الفرقة وطاعة أئمة

__________________

مواضعهم». وقال المحقق الشعراني في هامش الوافي : «قوله : ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ، قال المجلسيرحمه‌الله في مرآة العقول : لم أظفر إلى الآن بكيفية إخراجهم وسببه وبمن أخرجهم ، انتهى. أقول : أشرنا إلى ذلك في كتاب الزكاة وذكرنا أن عمر أجلاهم من اليمن إلى أرض العراق ، وفي كتاب الخراج لأبي يوسف القاضي أن عمر خافهم على المسلمين ، وفيه أنهم جاؤوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام طلبوا أن يردهم إلى بلادهم فأبى عليعليه‌السلام أن يرد هم». وراجع : فتوح البلدان ، ج ١ ، ص ٧٨.

(١) في شرح المازندراني : «في القاموس : فارس : الفرس ، أو بلادهم ، وفيه ـ أي في قولهعليه‌السلام : ورددت سبايا فارس ـ دلالة على أن تلك السبايا لم تقسم على وجه مشروع ، بل على أنها من حقهعليه‌السلام ؛ لدلالة الأخبار على أن ما أخذه السلطان الجائر من الكفار بالحرب بغير إذن الإمام فهولهعليه‌السلام ».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : ورددت سبايا فارس ، لعل المراد الاسترداد ممن اصطفاهم وأخذ زائدا من حظه».

وقال المحقق الشعراني في هامش الوافي : «مراد الراوي غير واضح ، وظني أن أول الخطبة كان من أمير المؤمنين عليه‌السلام ونقلها في نهج البلاغة أيضا ، وأواخر الخطبة مما يزيد فيها في كتاب سليم ، والراجح أن هذا الكتاب موضوع وينسب إلى أبان بن أبي عياش ، والظاهر أنه وضعه لغرض صحيح على لسان سليم بن قيس ؛ لتعليم الحجة ، فهو نظير كتاب الطرائف الذي وضعه السيد ابن طاووس على لسان عبد المحمود النصراني الذي أسلم وتحير في اختيار المذهب ، ولا يبعد أن يتضمن كتاب سليم امورا غير صحيحة اشتبه الأمر فيه على واضع الكتاب ؛ لأنه غير معصوم : وقال العلامة رحمه‌الله : إن الوجه توثيق سليم والتوقف في الفاسد من كتابه». وراجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٧٧١ (فرس).

(٢) في شرح المازندراني : «إذا لتفرقوا عني ، جواب للشرط ، وهو قوله سابقا : أرأيت لو أمرت ، إلى آخره. وفيه دلالة على أن أكثر أصحابه وعساكره كانوا من أهل الخلاف القائلين بخلافة الثلاثة ، ثم أكدعليه‌السلام مضمون الشرط والجزاء فقال : والله لقد أمرت الناس ...».

(٣) في «ع ، ل ، بف ، جد» وحاشية «جت» والوافي : «نهانا».

(٤) في شرح المازندراني : «الثور : الهيجان ، والوثب ، وأثاره وثوره غيره. والناحية : الجانب. وهي على الأول بالإضافة ، وعلى الثاني بالتنوين. و «جانب» مفعول». وراجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٥١٣ (ثور).

(٥) في شرح المازندراني : «مالقيت من هذه الامة ، قال الفاضل الأمين الإسترآبادي : هذا تعليل لـ «خفت»

١٥٩

الضلالة(١) والدعاة إلى النار ؛ وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى(٢) الذي قال اللهعزوجل :( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ) (٣) فنحن والله عنى بذي القربى الذي(٤) قرننا الله بنفسه وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) فينا(٥) خاصة( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ ) في ظلم آل محمد( إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (٦) لمن ظلمهم ، رحمة منه لنا ، وغنى أغنانا الله به ، ووصى به(٧) نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا ، أكرم الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس ، فكذبوا الله وكذبوا رسوله ، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ، ومنعونا فرضا فرضه الله لنا ، ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله المستعان على من ظلمنا ، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم».(٨)

__________________

ولامه محذوفة والتقدير : لما لقيت». وفي الوافي : «ما لقيت من هذه الامة ، تعجب مما لقي من الأذى». وفي المرآة : «قولهعليه‌السلام : ما لقيت من ، كلام مستأنف للتعجب».

(١) في الوافي : «الضلال».

(٢) في شرح المازندراني : «وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى ، الظاهر أنه عطف على «لقيت». وفي الوافي : «وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى ، استئناف وعطفه على «أمرت الناس» لا يخلو من حزازة». وفي المرآة : «قولهعليه‌السلام : وأعطيت ، رجوع إلى الكلام السابق ، ولعل التأخير من الرواة».

(٣) الأنفال (٨) : ٤١.

(٤) في «بن» : «الذين».

(٥) في «بف» والوافي : «منا».

(٦) الحشر (٥٩) : ٧.

(٧) في «د ، ع ، ل ، بف» وحاشية «جت» : «بها».

(٨) كتاب سليم بن قيس ، ص ٧١٨ ، ح ١٨ ، إلى قوله : «وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس» مع زيادة في أوله. وفي الإرشاد ، ج ١ ، ص ٢٣٥ ؛ والأمالي للمفيد ، ص ٢٠٧ ، المجلس ٢٣ ، ح ٤١ ؛ والأمالي للطوسي ، ص ١١٧ ، المجلس ٤ ، ح ٣٧ ؛ وص ٢٣١ ، المجلس ٩ ، ح ١ ، بسند آخر ، إلى قوله : «وإن غدا حساب ولا عمل» مع اختلاف يسير. وفي الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقاييس ، ح ١٦١ ؛ والمحاسن ، ص ٢٠٨ و ٢١٨ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٧٤ و ١١٤ ، بسند آخر عن أبي جعفر ، عن أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، من قوله : «إنما بدء وقوع الفتن» إلى قوله : «ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى» مع اختلاف يسير. وفي نهج البلاغة ، ص ٨٣ ، الخطبة ٤٢ ؛ وخصائص الأئمةعليهم‌السلام ، ص ٩٦ ، مرسلا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إلى قوله : «وإن غدا

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

والفرق : أنّ زوال يده لمعنى شرعي ، بخلاف الغصب والعارية في حكم يده.

ولو تلف قبل تمكّنه من إرساله ، فلا ضمان ؛ لعدم العدوان.

ولو أرسله إنسان من يده ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّه فَعَل ما يلزمه فِعْله ، فكان كما لو دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب.

وقال أبو حنيفة : يضمن ؛ لأنّه أتلف ملك الغير(١) . ونمنع الملكية.

ولو كان الصيد في منزله نائياً عنه ، لم يزل ملكه عنه ، وله نقله عنه ببيع أو هبة وغيرهما - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قبل الإِحرام مالك له ، فيدوم ملكه ؛ للاستصحاب.

ولأنّ جميلاً سأل الصادقعليه‌السلام : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يُحْرم وهو في منزله ، قال : « وما بأس لا يضرّه »(٣) .

مسألة ٣٥٩ : لا ينتقل الصيد إلى المـُحْرم بابتياع ولا هبة ولا غيرهما ؛ لما رواه العامّة : أنّ الصَّعْب بن جَثّامة أهدى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حماراً وحشياً ، فردّه عليه ، وقال : ( إنّا لم نردّه عليه(٤) إلّا أنّا حُرُمٌ )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار ، قال : سأل الحكم بن عتيبة الباقرعليه‌السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي وهو في‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٤٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦‌

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٢ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٦٠.

(٤) في المصادر : عليك.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٥٠ / ١١٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٨ و ٧١ ، المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥‌

٤٤١

الحرم؟ فقال : « أما إن كان مستوياً خلّيت سبيله »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو أخذه بأحد هذه الأسباب ، ضمنه ، فإن انتقل إليه بالبيع ، لزمه مع الجزاء القيمة لمالكه ؛ لأنّ ملكه لم يزل عنه ، ولو لم يتلف ، لم يكن له ردّه على مالكه ؛ لأنّه زال ملك المالك عنه بدخوله الحرم ، فإن ردّه ، سقطت عنه القيمة.

ولا يسقط الجزاء إلّا بالإِرسال ، وإذا أرسل ، كان كما إذا اشترى عبداً مرتدّاً فقُتِل في يده ، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي(٢) .

وكذا لا يجوز للمُحْرم استرداد الصيد الذي باعه بخيار له وهو حلال ، ولا لوجود عيب في الثمن المعيّن ، ولو ردّه المشتري بعيب أو خيار ، فله ذلك ؛ لأنّ سبب الردّ متحقّق ، ومنعه إضرار بالمشتري ، فإذا ردّه عليه ، لم يدخل في ملكه ، ويجب عليه إرساله.

هذا إذا كان الصيد في الحرم ، ولو كان في الحِلّ ، جاز له ذلك ، لأنّ له استدامة الملك فيه ، فله ابتداؤه.

ولو ورث صيداً ، لم يملكه في الحرم ، ووجب عليه إرساله ، خلافاً لبعض العامّة(٣) .

قال الشيخ -رحمه‌الله - في جميع ذلك : يقوى عندي أنّه إن كان حاضراً معه ، انتقل إليه ، ويزول ملكه عنه(٤) .

قال : ولو باع المـُحِلّ صيداً لمـُحِلٍّ ثم أفلس المشتري بعد إحرام البائع ، لم يكن للبائع أن يختار عين ماله من الصيد ؛ لأنّه لا يملكه(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٧‌

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٠٧ - ٣٠٩ ، المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥.

(٤ و ٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٧ و ٣٤٨.

٤٤٢

مسألة ٣٦٠ : لو أمسك مُحْرمٌ صيداً فذبحه مُحْرمٌ آخر ، كان على كلّ واحد منهما فداء كامل ، لأنّه بالإمساك أعانه حقيقة أكثر من إعانة الدالّ ، ولو كانا في الحرم ، تضاعف الفداء ، ولو كان أحدهما مُحِلاً والآخر مُحْرِماً ، تضاعف الفداء على المـُحْرم خاصّةً.

ولو أمسكه المـُحْرم في الحِلّ فذبحه المـُحِلّ ، ضمنه المـُحْرم خاصّةً ، ولا شي‌ء على المـُحِلّ ، لأنّه لم يهتك حرمه الإِحرام ولا الحرم.

وقال الشافعي : إذا أمسكه مُحْرمٌ وقَتَله مُحْرمٌ آخر ، وجب جزاء واحد ، وعلى مَنْ يجب؟ وجهان ، أحدهما : على الذابح ، والآخر : عليهما(١) .

ولو نقل بيض صيد ففسد ، ضمنه.

ولو أحضنه فخرج الفرخ سليماً ، لم يضمنه.

ولو نفّر طائراً عن بيضة احتضنها ففسدت ، فعليه القيمة.

ولو أخذ بيضة دجاجة فأحضنها صيداً ففسد بيضة ، أو لم يحضنه ، ضمنه ؛ لأنّ الظاهر أنّ الفساد نشأ من ضمّ بيض الدجاجة إلى بيضه.

ولو أخذ بيض صيد وأحضنها دجاجة ، فهي في ضمانه إلى أن يخرج الفرخ ويصير ممتنعاً ، حتى لو خرج ومات قبل الامتناع ، لزمه مثله من النَّعَم.

ولو حلب لبن صيد ، ضمنه - وبه قال بعض الشافعية(٢) - لأنّه مأكول انفصل من الصيد ، فأشبه البيض.

وقال بعض الشافعية : اللبن غير مضمون ، بخلاف البيض ؛ لأنّه يخلق منه مثله(٣) .

مسألة ٣٦١ : لو أغلق باباً على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فإن هلكت وكان الإِغلاق قبل الإِحرام ، ضمن الحمامة بدرهم ، والفرخ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٣١٣ و ٤٣٧.

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٨٧ ، المجموع ٧ : ٣١٩.

٤٤٣

بنصف درهم ، والبيض بربع درهم ، وإن كان بعد الإِحرام ، ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ؛ لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادقَعليه‌السلام : رجل أغلق بابه على طائر ، فقال : « إن كان أغلق [ الباب بعد ما أحرم فعليه شاة ، وإن كان أغلق الباب ](١) قبل أن يُحرم فعليه ثمنه »(٢) .

وسأل يونس بن يعقوب الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فقال : « إن كان أغلق عليها قبل أن يُحرم ، فإنّ عليه لكلّ طير درهماً ، ولكلّ فرخ نصفَ درهم ، ولكلّ بيضة ربع درهم(٣) ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإنّ عليه لكلّ طائر شاة ، ولكلّ فرخ حملاً ، وإن لم يكن تحرّك ، فدرهم ، وللبيض نصف درهم »(٤) .

ولو أرسلها بعد الإِغلاق سليمةً ، فلا ضمان.

وقال بعض علمائنا : يضمن بنفس الإِغلاق ؛ للرواية(٥) . وليس بجيّد.

ولو كان الإِغلاق من المـُحْرم في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة.

ولو أغلق على غير الحمام من الصيود ، ضمن إذا تلف بالإِغلاق.

مسألة ٣٦٢ : لو نفّر حمام الحرم ، فإن رجع ، كان عليه دم شاة ، وإن لم يرجع ، وجب عليه لكلّ طير شاة.

قال الشيخرحمه‌الله : هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثاً مسنداً(٦) .

وأقول : إنّ التنفير حرام ؛ لأنّه سبب الإِتلاف غالباً ، ولعدم العود ، فكان‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٥.

(٣) في المصدر : نصف درهم.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٦.

(٥) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٩٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٥٠ ذيل الحديث ١٢١٧.

٤٤٤

عليه مع الرجوع دم ؛ لفعل المـُحَرَّم ، ومع عدم الرجوع يكون عليه لكلّ طير شاة ؛ لما تقدّم أنّ مَنْ أخرج طيراً من الحرم وجب عليه أن يعيده ، فإن لم يفعل ، ضمنه.

ولو نفّر صيداً فتعثّر وهلك ، أو أخذه سبع ، أو انصدم بشجر أو جبل ، وجب عليه ضمانه ، سواء قصد بتنفيره أو لم يقصد ، ويكون في عُهْدة المـُنفِّر إلى أن يعود الصيد إلى طبيعة الاستقرار ، ولو هلك بعد ذلك ، فلا شي‌ء عليه.

ولو هلك قبل سكون النفار ولكن بآفة سماوية ، ففي الضمان وجهان :

أحدهما : الوجوب ، لأنّ دوام النفار كاليد الضامنة.

والثاني : العدم ؛ لأنّه لم يهلك بسبب من جهة المـُحْرم ولا تحت يده.

مسألة ٣٦٣ : لو أوقد جماعة ناراً فوقع فيها طائر ، فإن كان قصدهم ذلك ، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل ، وإن لم يكن قصدهم ذلك ، وجب عليهم أجمع فداء واحد ؛ لأنّهم مع القصد يكون كلّ واحد منهم قد فعل جناية استند الموت إليها وإلى مشاركة ، فيكون بمنزلة من اشترك في قتل صيد وأمّا مع عدم القصد فإنّ القتل غير مراد ، فوجب عليهم أجمع فداء واحد ، لأنّ أبا ولّاد الحنّاط قال : خرجنا بستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا ناراً عظيمةً في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحماً نكببه وكُنّا مُحْرمين ، فمرّ بنا طير صافّ مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام بمكة ، فأخبرته وسألته ، فقال : « عليكم فداء واحد دم شاة ، ولو كان ذلك منكم تعمّداً ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة »(١) .

مسألة ٣٦٤ : إذا وطأ ببعيره أو دابّته صيداً فقتله ، ضمنه ؛ لأنّه سبب الإِتلاف.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ - ٣٥٣ / ١٢٢٦ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

٤٤٥

ولأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم وطأ بيض نعام فشدخها ، قال : « قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة » قال : وقال الصادقعليه‌السلام : « ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه »(١) .

وإذا كان راكباً على الدابّة سائراً ، ضمن ما تجنيه بيديها وفمها ، ولا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها ؛ لأنّه لا يمكنه حفظ رجليها ، وقالعليه‌السلام : ( الرِّجل جُبار(٢) )(٣) .

أمّا لو كان واقفاً أو سائقاً لها غير راكب ، ضمن جميع جنايتها ؛ لأنّه يمكنه حفظها ويده عليها ويُشاهد رجليها.

ولو شردت الدابّة من يده فأتلفت صيداً ، لم يضمنه إذا لم يفرّط في ضبطه ؛ لأنّه لا يدَ له عليها وقد قال النبيعليه‌السلام : ( جُرْح العَجْماء(٤) جُبار )(٥) .

مسألة ٣٦٥ : لو نصب المحرم شبكةً في الحِلّ أو في الحرم ، أو نصب المـُحِلّ شبكةً في الحرم ، فتعقّل بها صيد وهلك ، ضمن ، لأنّه تلف بسببه ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٢) الجبار : الهدر. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٢٣٦ « جبر ».

(٣) سنن أبي داود ٤ : ١٩٦ / ٤٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٥٢ / ٢٠٨ ، مصنف عبد الرزاق ٩ : ٤٢٣ / ١٧٨٧٣ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٩ : ٢٧٠ / ٧٤١٩.

(٤) العجماء : البهيمة ، سمّيت به ؛ لأنّها لا تتكلّم ، وكلّ ما لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ١٨٧ « عجم ».

(٥) مسند أحمد ٢ : ٤٧٥ ، الموطأ ٢ : ٨٦٨ - ٨٦٩ / ١٢ ، سنن الدارمي ٢ : ١٩٦ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٩ : ١٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٣٤ / ١٧١٠ ، وسنن أبي داود ٤ : ١٩٦ / ٤٥٩٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤ / ٦٤٢ ، وسنن النسائي ٥ : ٤٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٨٩١ / ٢٦٧٣ - ٢٦٧٥.

٤٤٦

فكان عليه ضمانه ، كما يضمن الآدمي.

ولا فرق بين أن ينصب في ملكه أو ملك غيره ؛ لأنّه نصبَ الشبكة يقصد بها الاصطياد ، فهو بمنزلة الأخذ باليد.

ولو نصب شبكةً قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه ، لم يضمنه ، لأنّه لم يوجد منه بعد إحرامه سبب الإِتلاف ، فكان كما لو صاده قبل الإِحرام وتَرَكه في منزله ، فتلف بعد إحرامه ، أو باعه وهو حلال ، فذبحه المشتري.

ولو جرح صيداً فتحامل فوقع في شي‌ء تلف به ، ضمنه ؛ لأنّ الإِتلاف بسببه ، وكذا لو نفّره فتلف في حال نفوره.

ولو سكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف فهل يضمنه؟ قال بعض العامّة : لا يضمنه ، لأنّ التلف ليس منه ولا بسببه(١) .

وقال بعضهم : يضمنه(٢) .

ولو أمسك صيداً له طفل فتلف بإمساكه ، ضمن.

وكذا لو أمسك المـُحِلّ صيداً له طفل في الحرم فهلك الطفل ، ضمن ؛ لأنّه سبب في إتلافه ، ولا ضمان عليه في الاُم لو تلفت.

أمّا لو أمسكها المحلّ في الحرم فتلفت وتلف فرخها في الحلّ ، قال الشيخ : يضمن الجميع(٣) .

مسألة ٣٦٦ : لو أرسل كلباً فأتلف صيداً ، وجب عليه الضمان ؛ لأنّ إرسال الكلب يُسبّب إلى الهلاك.

ولو كان الكلب مربوطاً ، فحلّ رباطه ، فكذلك ؛ لأنّ السبع شديد الضراوة بالصيد ، فيكفي في قتل الصيد حلّ الرباط وإن كان الاصطياد لا يتمّ إلّا بالإِغراء.

____________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٦.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٧.

٤٤٧

ولو انحلّ الرباط لتقصيره في الربط ، ضمن ، كالحَلّ.

ولو لم يكن هناك صيد فأرسل الكلب أو حلّ رباطه ، فظهر الصيد ، احتمل عدم الضمان ؛ لأنّه لم يوجد منه قصد الصيد ، والضمان ؛ لحصول التلف بسبب فعله ، وجهله لا يقدح فيه.

ولو ضرب صيداً بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، فإنّه يضمنه ؛ لما تقدّم.

وكذا لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف والأرش مع العيب.

وللشافعي قولان : أحدهما : لا جزاء عليه(١) .

ولو دلّ المـُحْرم على صيد فقَتَله المـُحْرم ، ضمن كلٌّ منهما جزاءً كاملاً ، ولو قَتَله المـُحِلّ في الحِلّ ، ضمنه الدالّ.

ولو كان الدالّ محلاً والقاتل مُحْرِماً ، وجب الجزاء على المـُحْرم ، ولا شي‌ء على المـُحِلّ في الحِلّ ، ولو كان في الحرم ، ضمنه أيضاً ، خلافاً للشافعي(٢) .

ولو دلّ المـُحْرم حلالاً على صيد فقَتَله ، فإن كان الصيد في يد المـُحْرم ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ حفظه واجب عليه ، ومَنْ يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ ، كما لو دلّ المستودع السارق على الوديعة.

وإن لم يكن في يده ، فلا جزاء على الدالّ عند الشافعي ، كما لو دلّ رجلاً على قتل إنسان لا كفّارة على الدالّ ولا على القاتل ؛ لأنّه حلال(٣) ، وبه‌

____________________

(١) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، والمجموع ٧ : ٢٩٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ، المجموع ٧ : ٣٠٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ، المجموع ٧ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ - ٢٠٤.

٤٤٨

قال مالك(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كانت الدلالة ظاهرةً ، فلا جزاء عليه ، وإن كانت خفيةً لولاها لما رأى الحلالُ الصيدَ ، يجب الجزاء. وسلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ(٢) .

وعن أحمد : أنّ الجزاء يلزم الدالّ والقاتل بينهما(٣) .

وما صيد للمُحْرم أو بدلالته أو إعانته لو أكل منه ، للشافعي قولان :

القديم - وبه قال مالك وأحمد - أنّه تلزمه القيمة بقدر ما أكل ؛ لأنّ الأكل فعل مُحرَّم في الصيد ، فيتعلّق به الجزاء ، كالقتل ، ويخالف ما لو ذبحه وأكله حيث لا يلزمه بالأكل جزاء عنده؛ لأنّ وجوبه بالذبح أغنى عن جزاء آخر.

والجديد : أنه لا تلزمه ، لأنّه ليس بنامٍ بعد الذبح ، ولا يؤول إلى النماء ، فلا يتعلّق بإتلافه الجزاء ، كما لو أتلف بيضةً مذرةً(٤) .

مسألة ٣٦٧ : لو أمسك مُحْرم صيداً حتى قَتَله غيره ، فإن كان حلالاً ، وجب الجزاء على المـُحْرم ؛ لأنّه متعدٍّ بالإِمساك والتعريض للقتل ، ولا يرجع به على الحلال عندنا ؛ لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد ، وهو قول بعض الشافعية(٥) .

وقال بعضهم بالرجوع ، كما لو غصب شيئاً فأتلفه مُتلفٌ من يده ، يضمن الغاصب ، ويرجع على المـُتلف(٦) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المـُتلف في الغصب ممنوع منه ، بخلاف قتل المـُحِلّ‌

____________________

(١) تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩١ - ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المغني ٣ : ٢٩٤ - ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢.

(٥ و ٦ ) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧.

٤٤٩

الصيدَ.

وإن كان القاتل مُحْرماً ، فعلى كلّ واحد منهما جزاء تام عندنا ؛ لصدور ما يوجب الجزاء كملاً من كلّ واحد منهما.

وللشافعية وجهان :

أحدهما : أنّ الجزاء كلّه على القاتل ؛ لأنّه مباشر ، ولا أثر للإِمساك مع المباشرة.

والثاني : أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلاً في الهلاك ، فيكون الجزاء بينهما نصفين(١) .

وقال بعضهم : إنّ المـُمْسك يضمنه باليد ، والقاتل يضمنه بالإِتلاف ، فإن أخرج المـُمْسك الضمان ، رجع به على المـُتْلف ، وإن أخرج المتلف ، لم يرجع على المـُمْسك(٢) .

مسألة ٣٦٨ : لو نفّر صيداً فهلك بمصادمة شي‌ء ، أو أخذه جارح ، ضمنه.

وكذا لو ضرب صيداً بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، ضمنه.

ولو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف ، والأرش مع العيب.

وللشافعي قولان : أحدهما : لا جزاء عليه ، وقد تقدّم(٣) .

ولو أمر المـُحْرم عبده المـُحِلّ بقتل الصيد فقَتَله ، فعلى السيّد الفداء ؛ لأنّ العبد كالآلة.

ولأنّ الضمان يجب بالدلالة والإِعانة وغيرهما ، فبالأمر أولى.

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧.

(٣) تقدّم في ص ٤٤٧ ، الهامش (١)

٤٥٠

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم معه غلام ليس بمُحْرم أصاب صيداً ولم يأمره سيّده ، قال : « ليس على سيّده شي‌ء »(١) وهو يدلّ بمفهومه على أنّه إذا كان بأمره ، لزمه الفداء.

ولو كان الغلام مُحْرماً بإذن سيّده وقتل صيداً بغير إذن مالكه ، وجب على السيّد الفداء ؛ لأنّ الإِذن في الإِحرام يستلزم تحمّل جناياته.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما أصاب العبد وهو مُحْرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإِحرام »(٢) .

ولو لم يأذن المولى في الإِحرام ولا في الصيد ، لم يكن على السيّد شي‌ء ؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي نجران سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن عبد أصاب صيداً وهو مُحْرم هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال : « لا شي‌ء على مولاه »(٣) .

مسألة ٣٦٩ : قد بيّنّا أنّ إثبات يد المـُحْرم على الصيد يوجب عليه الضمان ، فإن وقع ابتداء الإِثبات في حال الإِحرام فهو حرام غير مفيد للملك ، ويضمنه ، كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده ، بل لو تولّد تلف الصيد ممّا في يده ، لزمه الضمان ، كما لو كان راكباً فأتلفت الدابّة صيداً بعضها ، أو رفسها ، أو بالت في الطريق ، فزلق به صيد وهلك ، كما لو زلق به آدمي أو بهيمة ، أمّا لو انفلت بعير فأصاب صيداً ، فلا ضمان.

ولو تقدّم ابتداء اليد على الإِحرام ، فإن كان حاضراً معه ، وجب عليه إرساله - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّ الصيد لا يراد للدوام ، فتحرم‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٣ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣.

٤٥١

استدامته ، كالطيب واللبس.

والثاني : لا يجب ، كما لا يلزم تسريح زوجته وإن حرم ابتداء النكاح عليه(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ النكاح يقصد به الدوام.

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : يجب رفع اليد المشاهدة عنه ، ولا يجب رفع اليد الحكمية(٢) .

وعلى قول الشافعي بعدم وجوب الإِرسال ، فهو على ملكه له بيعه وهبته ولكن يحرم عليه قتله ، ولو قَتَله ، لزمه الجزاء ، كما لو قتل عبده تلزمه الكفّارة. ولو أرسله غيره ، لزمه قيمته للمالك ، وكذا لو قَتَله وإن كان مُحْرماً ، لزمه الجزاء أيضاً ، ولا شي‌ء على المالك ، كما لو مات(٣) .

وعلى قوله بإيجاب الإِرسال هل يزول ملكه عنه؟ عنده قولان :

أحدهما - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - : لا يزول ، كما لا تبين زوجته.

والثاني : نعم ، كما يزول حلّ الطيب واللباس(٤) .

فعلى القول بزوال الملك لو أرسله غيره أو قَتَله فلا شي‌ء عليه ، ولو أرسله المـُحْرم فأخذه غيره ، ملكه.

ولو لم يرسله حتى تحلّل ، فهل عليه إرساله؟ وجهان :

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣.

(٢) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ - ٩٠.

٤٥٢

أحدهما : نعم ؛ لأنّه كان مستحقّاً للإِرسال ، فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدّيه بالإِمساك.

والثاني : لا يجب ، ويعود ملكاً له ، كالعصير إذا تخمّر ثم تخلّل(١) .

وعلى هذا القول وجهان في أنّه يزول بنفس الإِحرام ، أو الإِحرام يوجب عليه الإِرسال؟ فإذا أرسل حينئذٍ يزول ، وعلى القول بعدم زوال الملك عنه ليس لغيره أخذه ، ولو أخذه ، لم يملكه ، ولو قَتَله ، ضمنه بمثابة المنفلت من يده(٢) .

ولو مات الصيد في يده بعد إمكان الإِرسال ، لزمه الجزاء ؛ لأنّ التقدير وجوب الإِرسال ، وهو مقصّر بالإِمساك.

ولو مات الصيد قبل إمكان الإِرسال ، فوجهان ، والمذهب عندهم وجوب الضمان ، ولا خلاف في أنّه لا يجب تقديم الإِرسال على الإِحرام(٣) .

مسألة ٣٧٠ : قد بيّنّا أنه لا يدخل الصيد في ملك المـُحْرم ببيع ولا هبة ولا غير ذلك من الأسباب.

وهل ينتقل بالميراث؟ الأقرب ذلك ، لكن يزول ملكه عنه عقيب ثبوته إن كان الصيد حاضراً معه ، ويجب عليه إرساله.

ولو باعه ، ففي الصحة إشكال.

فإن قلنا بالصحة ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشتري ، وجب الجزاء على البائع ، وإنّما يسقط عنه إذا أرسله المشتري.

ولو قلنا بأنّه لا يرث ، فالملك في الصيد لباقي الورثة وإن كانوا أبعد.

وإحرامه بالإِضافة إلى الصيد مانع من موانع الميراث ، فحينئذٍ ينتقل ما عداه من التركة إليه إذا كان أولى ، وينتقل الصيد إلى الأبعد.

فلو فرضنا أنّه أحلّ قبل قسمة التركة بينه وبين شركائه في الميراث ، أخذ‌

____________________

(١ - ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ - ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣١١.

٤٥٣

نصيبه ، منه ، وإن أحلّ بعدها ، فلا نصيب له. ولو كان هو أولى من باقي الورثة ، لم يكن له شي‌ء وإن أحلّ قبل القسمة.

ولو استعار المـُحْرم صيداً أو أودع عنده ، كان مضموناً عليه بالجزاء ، وليس له التعرّض له ، فإن أرسله ، سقط عنه الجزاء ، وضمن القيمة للمالك ، وإن ردّ [ ه ] إلى المالك ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك.

وإذا صار الصيد مضموناً على المـُحْرم بالجزاء ، فإن قَتَله مُحِلُّ في يده ، فالجزاء على المـُحْرم ، وإن قَتَله مُحْرمٌ آخر ، فالجزاء عليهما أو على القاتل ومَنْ في يده ، طريق للشافعية وجهان(١) .

وعندنا يجب على كلّ واحد منهما فداء كامل.

مسألة ٣٧١ : المـُحْرم يضمن الصيد بإتلافه مطلقاً ، سواء قصد التخليص أو لا ، فلو خلّص صيداً من فم هرّةٍ أو سبُعٍ أو من شقّ جدار ، وأخذه ليداويه ويتعهّده فمات في يده ، فهو كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليردّه إلى المالك فهلك في يده ، احتمل الضمان - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لأنّ المستحق لم يرض بيده ، فتكون يدُه يدَ ضمان ، وعدمه ؛ لأنّه قصد المصلحة ، فتكون يدُه يدَ وديعة.

وللشافعي قولان(٣) ، كالاحتمالين.

ولو صال صيد على مُحْرم أو في الحرم فقتله دفعاً ، فلا ضمان ؛ لأنّه بالصيال التحق بالمؤذيات ، وبه قال الشافعي(٤) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المجموع ٧ : ٣١٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٦ و ٣٣٨ ، المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

٤٥٤

وقال أبو حنيفة : يجب عليه الضمان(١) .

ولو ركب إنسان صيداً وصال على مُحْرم ولم يمكن دفعه إلّا بقتل الصيد فقَتَله ، فالوجه : وجوب فداء كامل على كلّ واحد منهما.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّ الضمان على القاتل ؛ لأنّ الأذى هنا ليس من الصيد ، فحينئذٍ يرجع القاتل على الراكب.

والثاني : أنّ الضمان على الراكب ، ولا يطالب به المـُحْرم(٢) .

ولو ذبح صيداً في مخمصة وأكله ، ضمن ؛ لأنّه أهلكه لمنفعة نفسه من غير إيذاء من الصيد.

ولو اُكره مُحْرمٌ أو مُحِلّ في الحرم على قتل صيد فقَتَله ، ضمنه المـُكِره ؛ لأنّ المباشرة ضعفت بالإِكراه

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّه على المـُكرَه ثم يرجع به على المـُكرِه(٣) .

وعن أبي حنيفة : أنّ الجزاء في صيد الحرم على المكره وفي الإِحرام على المكره(٤) .

مسألة ٣٧٢ : الجزاء يجب على المـُحْرم إذا قتل الصيد عمداً وسهواً أو خطأً ، بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٨ ، المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٦ - ٣٣٧.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٠.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨.

(٥) المائدة : ٩٥.

٤٥٥

ولا نعلم فيه خلافاً إلّا من الحسن البصري ومجاهد ، فإنّهما قالا : إن قتله متعمّداً ذاكراً لإِحرامه لا جزاء عليه ، وإن كان مخطئاً أو ناسياً لإِحرامه ، فعليه الجزاء(١) .

وهو مخالف للقرآن ؛ فإنّه تعالى علّق الكفّارة على القتل عمداً والذاكر لإِحرامه متعمّداً ، ثم قال في سياق الآية :( لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ ) (٢) والساهي والمخطئ لا عقاب عليه ولا ذمّ ، ولا نعرف لهما دليلاً على مخالفتهما لنصّ القرآن والإِجماع ، فلا اعتداد بقولهما.

مسألة ٣٧٣ : لا خلاف في وجوب كفّارة الصيد على القاتل ناسياً ، والعامد قد بيّنّا وجوبها عليه أيضاً.

وأمّا الخاطئ ، فإنّ الكفّارة تجب عليه كذلك أيضاً عند علمائنا أجمع - وبه قال الحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك والثوري وأصحاب الرأي والزهري(٣) - لما رواه العامّة عن جابر ، قال : جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الضبع يصيده المـُحْرم كبشاً(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( في بيض النعام يصيبه المـُحْرم ثمنه )(٥) ولم يفرّقعليه‌السلام بين العامد والخاطئ.

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الحسنعليه‌السلام : « وعليه الكفّارة »(٦) .

ولأنّه إتلاف مال ، فاستوى عمده وخطؤه.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٢٠.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ ، المجموع ٧ : ٣٢١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ - ١٠٣٢ / ٣٠٨٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٦ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٣.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٠ / ٦٤.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٠ - ٣٦١ / ١٢٥٣.

٤٥٦

وروي عن ابن عباس أنّه قال : لا كفّارة على الخاطئ في قتل الصيد - وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر. وعن أحمد روايتان - لقوله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) (١) .

ولأصالة البراءة ، ولأنّه محظور الإِحرام لا يفسده ، فيجب التفرقة بين الخطأ والعمد ، كاللبس والطيب ، ولأنّه يدلّ بدليل الخطاب(٢) .

وليس حجّةً ، والأصل تُرك ؛ للدليل ، والقتل إتلاف ، واللبس ترفّه ، فافترقا.

مسألة ٣٧٤ : لو كرّر المحرم الصيد ناسيا ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً. وإن تعمّد فللشيخ قولان:

أحدهما : يجب الجزاء في الأول دون الثاني(٣) ، وبه قال ابن بابويه(٤) ، وهو مروي عن ابن عباس ، وهو قول شريح والحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة وأحمد في إحدى الروايات(٥) .

والثاني : تتكرر الكفّارة بتكرّر السبب(٦) ، وهو قول العلماء ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر(٧) ، وهو المعتمد ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) (٨) وهو يتناول العامد.

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ ، المجموع ٧ : ٣٢١.

(٣) النهاية : ٢٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧٢ ذيل الحديث ١٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ذيل الحديث ٧٢٠.

(٤) المقنع : ٧٩ ، الفقيه ٢ : ٢٣٤ ذيل الحديث ١١١٨.

(٥) المغني ٣ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ ، المجموع ٧ : ٣٢٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٧٥.

(٦) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٢ ، الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٥٩.

(٧) المغني ٣ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٣٢٣ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٠٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٧٥.

(٨) المائدة : ٩٥.

٤٥٧

ولما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه جَعَل في الضبع يصيده المـُحْرم كبشاً(١) ، ولم يفرّق.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « عليه كلّما عاد كفّارة »(٢) .

ولأنّها كفّارة عن قتل ، فاستوى فيها المبتدئ والعائد ، كقتل الآدمي.

احتجّ الشيخ : بقوله تعالى :( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (٣) جعل جزاء العود الانتقام ، وهو يدلّ على سقوط الكفّارة ، لأنّه لم يوجب جزاءً.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاؤه ، وينتقم الله منه »(٤) والنقمة في الآخرة.

والانتقام لا ينافي وجوب الجزاء ؛ لعدم دلالته على أنّه كلّ الجزاء ، ونفي الجزاء محمول على أنّه ليس عليه جزاؤه خاصّةً ؛ جمعاً بين الأدلّة.

مسألة ٣٧٥ : ويجب الجزاء على القاتل للضرورة ، كالمضطرّ إلى أكله ؛ لعموم قوله :( وَمَنْ قَتَلَهُ ) (٥) وهو يتناول المضطرّ وغيره.

ولأنّه قَتَله من غير معنى يحدث فيه من الصيد يقتضي قتله ، فيضمنه ، كغيره.

ولأنّه أتلفه لنفعه ودفع الأذى عنه ، فكان عليه الكفّارة ، كحلق الرأس.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن المـُحْرم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل؟ قال : « يأكل من الصيد ، أما يحبّ أن يأكل من ماله؟ » قلت : بلى ، قال : « إنّما عليه الفداء ، فليأكل وليفده »(٦) .

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٠ - ٢١١ / ٧١٩.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ / ٧٢٠.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٩ / ٧١٤.

٤٥٨

وقال الأوزاعي : لا يضمنه ؛ لأنّه مباح له ، فأشبه صيد البحر(١) .

والإِباحة لا تستلزم عدم الكفّارة ، كما في حلق الرأس.

والفرق : أنّ صيد البحر لا يتناوله حرم الإِحرام ولا الحرم ، فلا تجب الكفّارة به ، بخلاف الصيد.

ويجب الضمان على مَنْ أتلف الصيد بتخليصه من سبُع أو شبكة ، أو بتخليصه من خيط في رجله ونحوه - وبه قال قتادة(٢) - لعموم الأدلّة.

ولأنّ غاية ذلك عدم القصد إلى قتله ، وهو لا يُسقط الضمان ، كقتل الخطأ.

وقال عطاء : لا ضمان عليه - وللشافعي قولان(٣) - لأنّه فعل اُبيح لحاجة الحيوان ، فلا يضمن ما يتلف به ، كما لو داوى وليُّ الصبيِّ الصبيَّ ، فمات به(٤) .

والجواب : أنّه مشروط بالسلامة.

والجزاء يجب على المـُحْرم ، سواء كان إحرامه للحجّ أو للعمرة ، وسواء كان الحجّ تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وسواء كانا واجبين أو مندوبين ، صحيحين أو عرض لهما الفساد ؛ للعمومات ، ولا نعرف فيه خلافاً.

وإذا قتل المـُحْرم صيداً مملوكاً لغيره ، لزمه الجزاء لله تعالى ، والقيمة لمالكه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٥) - للعموم.

وقال مالك : لا يجب الجزاء بقتل المملوك(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٧.

(٢) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ و ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥١.

(٦) حلية العلماء ٣ : ٢٩٧ ، المجموع ٧ : ٣٣٠.

٤٥٩

وإذا كان الصيد في الحرم وتجرّد عن الإِحرام ، ضمن ، ولو كان مُحْرماً ، تضاعف الجزاء.

وقال الشافعي : صيد الحرم مِثْلُ صيد الإِحرام يتخيّر فيه بين ثلاثة أشياء : المثل والإِطعام والصوم ، وفيما لا مِثْلَ له يتخيّر بين الصيام والطعام(١) .

وقال أبو حنيفة : لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم(٢) .

مسألة ٣٧٦ : الصيد إذا كان مثليّاً ، تخيّر القاتل بين أن يخرج مثله من النَّعَم‌ وبين أن يقوّم المثل دراهم ويشتري به طعاماً ويتصدّق به على المساكين ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً ، ولو لم يكن له مِثْلٌ ، تخيَّر بين أن يقوّم الصيد ويشتري بثمنه طعاماً ويتصدّق به ، أو يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا يجوز إخراج القيمة بحال ، ووافقنا الشافعي في ذلك كلّه ومالك ، إلّا أنّ مالكاً قال : يقوّم الصيد ، وعندنا يقوّم المثل.

وقال بعض أصحابنا : إنّها على الترتيب.

وقال أبو حنيفة : الصيد مضمون بالقيمة ، سواء كان له مثل من النَّعَم أو لا ، إلّا أنّه إذا قوّمه تخيّر بين أن يشتري بالقيمة من النَّعَم ويخرجه ، وبين أن يشتري بالقيمة طعاماً ويتصدّق به ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً ، إلّا أنّه إذا اشترى النَّعَم لم يجزئه إلّا ما يجوز في الضحايا ، وهو : الجذع من الضأن ، والثني من كلّ شي‌ء.

وقال أبو يوسف : يجوز أن يشتري بالقيمة شيئاً(٣) من النَّعَم ما لا يجوز‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤٩١.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٧ - ٩٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩١.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شي‌ء. وما أثبتناه من المصدر.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481