تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481
المشاهدات: 149729
تحميل: 5243


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149729 / تحميل: 5243
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-007-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والفرق : أنّ زوال يده لمعنى شرعي ، بخلاف الغصب والعارية في حكم يده.

ولو تلف قبل تمكّنه من إرساله ، فلا ضمان ؛ لعدم العدوان.

ولو أرسله إنسان من يده ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّه فَعَل ما يلزمه فِعْله ، فكان كما لو دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب.

وقال أبو حنيفة : يضمن ؛ لأنّه أتلف ملك الغير(١) . ونمنع الملكية.

ولو كان الصيد في منزله نائياً عنه ، لم يزل ملكه عنه ، وله نقله عنه ببيع أو هبة وغيرهما - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قبل الإِحرام مالك له ، فيدوم ملكه ؛ للاستصحاب.

ولأنّ جميلاً سأل الصادقعليه‌السلام : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يُحْرم وهو في منزله ، قال : « وما بأس لا يضرّه »(٣) .

مسألة ٣٥٩ : لا ينتقل الصيد إلى المـُحْرم بابتياع ولا هبة ولا غيرهما ؛ لما رواه العامّة : أنّ الصَّعْب بن جَثّامة أهدى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حماراً وحشياً ، فردّه عليه ، وقال : ( إنّا لم نردّه عليه(٤) إلّا أنّا حُرُمٌ )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار ، قال : سأل الحكم بن عتيبة الباقرعليه‌السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي وهو في‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٤٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦‌

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٢ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٦٠.

(٤) في المصادر : عليك.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٥٠ / ١١٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٨ و ٧١ ، المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥‌

٤٤١

الحرم؟ فقال : « أما إن كان مستوياً خلّيت سبيله »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو أخذه بأحد هذه الأسباب ، ضمنه ، فإن انتقل إليه بالبيع ، لزمه مع الجزاء القيمة لمالكه ؛ لأنّ ملكه لم يزل عنه ، ولو لم يتلف ، لم يكن له ردّه على مالكه ؛ لأنّه زال ملك المالك عنه بدخوله الحرم ، فإن ردّه ، سقطت عنه القيمة.

ولا يسقط الجزاء إلّا بالإِرسال ، وإذا أرسل ، كان كما إذا اشترى عبداً مرتدّاً فقُتِل في يده ، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي(٢) .

وكذا لا يجوز للمُحْرم استرداد الصيد الذي باعه بخيار له وهو حلال ، ولا لوجود عيب في الثمن المعيّن ، ولو ردّه المشتري بعيب أو خيار ، فله ذلك ؛ لأنّ سبب الردّ متحقّق ، ومنعه إضرار بالمشتري ، فإذا ردّه عليه ، لم يدخل في ملكه ، ويجب عليه إرساله.

هذا إذا كان الصيد في الحرم ، ولو كان في الحِلّ ، جاز له ذلك ، لأنّ له استدامة الملك فيه ، فله ابتداؤه.

ولو ورث صيداً ، لم يملكه في الحرم ، ووجب عليه إرساله ، خلافاً لبعض العامّة(٣) .

قال الشيخ -رحمه‌الله - في جميع ذلك : يقوى عندي أنّه إن كان حاضراً معه ، انتقل إليه ، ويزول ملكه عنه(٤) .

قال : ولو باع المـُحِلّ صيداً لمـُحِلٍّ ثم أفلس المشتري بعد إحرام البائع ، لم يكن للبائع أن يختار عين ماله من الصيد ؛ لأنّه لا يملكه(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٧‌

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٠٧ - ٣٠٩ ، المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥.

(٤ و ٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٧ و ٣٤٨.

٤٤٢

مسألة ٣٦٠ : لو أمسك مُحْرمٌ صيداً فذبحه مُحْرمٌ آخر ، كان على كلّ واحد منهما فداء كامل ، لأنّه بالإمساك أعانه حقيقة أكثر من إعانة الدالّ ، ولو كانا في الحرم ، تضاعف الفداء ، ولو كان أحدهما مُحِلاً والآخر مُحْرِماً ، تضاعف الفداء على المـُحْرم خاصّةً.

ولو أمسكه المـُحْرم في الحِلّ فذبحه المـُحِلّ ، ضمنه المـُحْرم خاصّةً ، ولا شي‌ء على المـُحِلّ ، لأنّه لم يهتك حرمه الإِحرام ولا الحرم.

وقال الشافعي : إذا أمسكه مُحْرمٌ وقَتَله مُحْرمٌ آخر ، وجب جزاء واحد ، وعلى مَنْ يجب؟ وجهان ، أحدهما : على الذابح ، والآخر : عليهما(١) .

ولو نقل بيض صيد ففسد ، ضمنه.

ولو أحضنه فخرج الفرخ سليماً ، لم يضمنه.

ولو نفّر طائراً عن بيضة احتضنها ففسدت ، فعليه القيمة.

ولو أخذ بيضة دجاجة فأحضنها صيداً ففسد بيضة ، أو لم يحضنه ، ضمنه ؛ لأنّ الظاهر أنّ الفساد نشأ من ضمّ بيض الدجاجة إلى بيضه.

ولو أخذ بيض صيد وأحضنها دجاجة ، فهي في ضمانه إلى أن يخرج الفرخ ويصير ممتنعاً ، حتى لو خرج ومات قبل الامتناع ، لزمه مثله من النَّعَم.

ولو حلب لبن صيد ، ضمنه - وبه قال بعض الشافعية(٢) - لأنّه مأكول انفصل من الصيد ، فأشبه البيض.

وقال بعض الشافعية : اللبن غير مضمون ، بخلاف البيض ؛ لأنّه يخلق منه مثله(٣) .

مسألة ٣٦١ : لو أغلق باباً على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فإن هلكت وكان الإِغلاق قبل الإِحرام ، ضمن الحمامة بدرهم ، والفرخ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٣١٣ و ٤٣٧.

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٨٧ ، المجموع ٧ : ٣١٩.

٤٤٣

بنصف درهم ، والبيض بربع درهم ، وإن كان بعد الإِحرام ، ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ؛ لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادقَعليه‌السلام : رجل أغلق بابه على طائر ، فقال : « إن كان أغلق [ الباب بعد ما أحرم فعليه شاة ، وإن كان أغلق الباب ](١) قبل أن يُحرم فعليه ثمنه »(٢) .

وسأل يونس بن يعقوب الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فقال : « إن كان أغلق عليها قبل أن يُحرم ، فإنّ عليه لكلّ طير درهماً ، ولكلّ فرخ نصفَ درهم ، ولكلّ بيضة ربع درهم(٣) ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإنّ عليه لكلّ طائر شاة ، ولكلّ فرخ حملاً ، وإن لم يكن تحرّك ، فدرهم ، وللبيض نصف درهم »(٤) .

ولو أرسلها بعد الإِغلاق سليمةً ، فلا ضمان.

وقال بعض علمائنا : يضمن بنفس الإِغلاق ؛ للرواية(٥) . وليس بجيّد.

ولو كان الإِغلاق من المـُحْرم في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة.

ولو أغلق على غير الحمام من الصيود ، ضمن إذا تلف بالإِغلاق.

مسألة ٣٦٢ : لو نفّر حمام الحرم ، فإن رجع ، كان عليه دم شاة ، وإن لم يرجع ، وجب عليه لكلّ طير شاة.

قال الشيخرحمه‌الله : هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثاً مسنداً(٦) .

وأقول : إنّ التنفير حرام ؛ لأنّه سبب الإِتلاف غالباً ، ولعدم العود ، فكان‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٥.

(٣) في المصدر : نصف درهم.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٦.

(٥) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٩٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٥٠ ذيل الحديث ١٢١٧.

٤٤٤

عليه مع الرجوع دم ؛ لفعل المـُحَرَّم ، ومع عدم الرجوع يكون عليه لكلّ طير شاة ؛ لما تقدّم أنّ مَنْ أخرج طيراً من الحرم وجب عليه أن يعيده ، فإن لم يفعل ، ضمنه.

ولو نفّر صيداً فتعثّر وهلك ، أو أخذه سبع ، أو انصدم بشجر أو جبل ، وجب عليه ضمانه ، سواء قصد بتنفيره أو لم يقصد ، ويكون في عُهْدة المـُنفِّر إلى أن يعود الصيد إلى طبيعة الاستقرار ، ولو هلك بعد ذلك ، فلا شي‌ء عليه.

ولو هلك قبل سكون النفار ولكن بآفة سماوية ، ففي الضمان وجهان :

أحدهما : الوجوب ، لأنّ دوام النفار كاليد الضامنة.

والثاني : العدم ؛ لأنّه لم يهلك بسبب من جهة المـُحْرم ولا تحت يده.

مسألة ٣٦٣ : لو أوقد جماعة ناراً فوقع فيها طائر ، فإن كان قصدهم ذلك ، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل ، وإن لم يكن قصدهم ذلك ، وجب عليهم أجمع فداء واحد ؛ لأنّهم مع القصد يكون كلّ واحد منهم قد فعل جناية استند الموت إليها وإلى مشاركة ، فيكون بمنزلة من اشترك في قتل صيد وأمّا مع عدم القصد فإنّ القتل غير مراد ، فوجب عليهم أجمع فداء واحد ، لأنّ أبا ولّاد الحنّاط قال : خرجنا بستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا ناراً عظيمةً في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحماً نكببه وكُنّا مُحْرمين ، فمرّ بنا طير صافّ مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام بمكة ، فأخبرته وسألته ، فقال : « عليكم فداء واحد دم شاة ، ولو كان ذلك منكم تعمّداً ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة »(١) .

مسألة ٣٦٤ : إذا وطأ ببعيره أو دابّته صيداً فقتله ، ضمنه ؛ لأنّه سبب الإِتلاف.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ - ٣٥٣ / ١٢٢٦ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

٤٤٥

ولأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم وطأ بيض نعام فشدخها ، قال : « قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة » قال : وقال الصادقعليه‌السلام : « ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه »(١) .

وإذا كان راكباً على الدابّة سائراً ، ضمن ما تجنيه بيديها وفمها ، ولا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها ؛ لأنّه لا يمكنه حفظ رجليها ، وقالعليه‌السلام : ( الرِّجل جُبار(٢) )(٣) .

أمّا لو كان واقفاً أو سائقاً لها غير راكب ، ضمن جميع جنايتها ؛ لأنّه يمكنه حفظها ويده عليها ويُشاهد رجليها.

ولو شردت الدابّة من يده فأتلفت صيداً ، لم يضمنه إذا لم يفرّط في ضبطه ؛ لأنّه لا يدَ له عليها وقد قال النبيعليه‌السلام : ( جُرْح العَجْماء(٤) جُبار )(٥) .

مسألة ٣٦٥ : لو نصب المحرم شبكةً في الحِلّ أو في الحرم ، أو نصب المـُحِلّ شبكةً في الحرم ، فتعقّل بها صيد وهلك ، ضمن ، لأنّه تلف بسببه ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٢) الجبار : الهدر. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٢٣٦ « جبر ».

(٣) سنن أبي داود ٤ : ١٩٦ / ٤٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٥٢ / ٢٠٨ ، مصنف عبد الرزاق ٩ : ٤٢٣ / ١٧٨٧٣ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٩ : ٢٧٠ / ٧٤١٩.

(٤) العجماء : البهيمة ، سمّيت به ؛ لأنّها لا تتكلّم ، وكلّ ما لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ١٨٧ « عجم ».

(٥) مسند أحمد ٢ : ٤٧٥ ، الموطأ ٢ : ٨٦٨ - ٨٦٩ / ١٢ ، سنن الدارمي ٢ : ١٩٦ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٩ : ١٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٣٤ / ١٧١٠ ، وسنن أبي داود ٤ : ١٩٦ / ٤٥٩٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤ / ٦٤٢ ، وسنن النسائي ٥ : ٤٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٨٩١ / ٢٦٧٣ - ٢٦٧٥.

٤٤٦

فكان عليه ضمانه ، كما يضمن الآدمي.

ولا فرق بين أن ينصب في ملكه أو ملك غيره ؛ لأنّه نصبَ الشبكة يقصد بها الاصطياد ، فهو بمنزلة الأخذ باليد.

ولو نصب شبكةً قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه ، لم يضمنه ، لأنّه لم يوجد منه بعد إحرامه سبب الإِتلاف ، فكان كما لو صاده قبل الإِحرام وتَرَكه في منزله ، فتلف بعد إحرامه ، أو باعه وهو حلال ، فذبحه المشتري.

ولو جرح صيداً فتحامل فوقع في شي‌ء تلف به ، ضمنه ؛ لأنّ الإِتلاف بسببه ، وكذا لو نفّره فتلف في حال نفوره.

ولو سكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف فهل يضمنه؟ قال بعض العامّة : لا يضمنه ، لأنّ التلف ليس منه ولا بسببه(١) .

وقال بعضهم : يضمنه(٢) .

ولو أمسك صيداً له طفل فتلف بإمساكه ، ضمن.

وكذا لو أمسك المـُحِلّ صيداً له طفل في الحرم فهلك الطفل ، ضمن ؛ لأنّه سبب في إتلافه ، ولا ضمان عليه في الاُم لو تلفت.

أمّا لو أمسكها المحلّ في الحرم فتلفت وتلف فرخها في الحلّ ، قال الشيخ : يضمن الجميع(٣) .

مسألة ٣٦٦ : لو أرسل كلباً فأتلف صيداً ، وجب عليه الضمان ؛ لأنّ إرسال الكلب يُسبّب إلى الهلاك.

ولو كان الكلب مربوطاً ، فحلّ رباطه ، فكذلك ؛ لأنّ السبع شديد الضراوة بالصيد ، فيكفي في قتل الصيد حلّ الرباط وإن كان الاصطياد لا يتمّ إلّا بالإِغراء.

____________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٦.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٧.

٤٤٧

ولو انحلّ الرباط لتقصيره في الربط ، ضمن ، كالحَلّ.

ولو لم يكن هناك صيد فأرسل الكلب أو حلّ رباطه ، فظهر الصيد ، احتمل عدم الضمان ؛ لأنّه لم يوجد منه قصد الصيد ، والضمان ؛ لحصول التلف بسبب فعله ، وجهله لا يقدح فيه.

ولو ضرب صيداً بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، فإنّه يضمنه ؛ لما تقدّم.

وكذا لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف والأرش مع العيب.

وللشافعي قولان : أحدهما : لا جزاء عليه(١) .

ولو دلّ المـُحْرم على صيد فقَتَله المـُحْرم ، ضمن كلٌّ منهما جزاءً كاملاً ، ولو قَتَله المـُحِلّ في الحِلّ ، ضمنه الدالّ.

ولو كان الدالّ محلاً والقاتل مُحْرِماً ، وجب الجزاء على المـُحْرم ، ولا شي‌ء على المـُحِلّ في الحِلّ ، ولو كان في الحرم ، ضمنه أيضاً ، خلافاً للشافعي(٢) .

ولو دلّ المـُحْرم حلالاً على صيد فقَتَله ، فإن كان الصيد في يد المـُحْرم ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ حفظه واجب عليه ، ومَنْ يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ ، كما لو دلّ المستودع السارق على الوديعة.

وإن لم يكن في يده ، فلا جزاء على الدالّ عند الشافعي ، كما لو دلّ رجلاً على قتل إنسان لا كفّارة على الدالّ ولا على القاتل ؛ لأنّه حلال(٣) ، وبه‌

____________________

(١) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، والمجموع ٧ : ٢٩٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ، المجموع ٧ : ٣٠٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ، المجموع ٧ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ - ٢٠٤.

٤٤٨

قال مالك(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كانت الدلالة ظاهرةً ، فلا جزاء عليه ، وإن كانت خفيةً لولاها لما رأى الحلالُ الصيدَ ، يجب الجزاء. وسلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ(٢) .

وعن أحمد : أنّ الجزاء يلزم الدالّ والقاتل بينهما(٣) .

وما صيد للمُحْرم أو بدلالته أو إعانته لو أكل منه ، للشافعي قولان :

القديم - وبه قال مالك وأحمد - أنّه تلزمه القيمة بقدر ما أكل ؛ لأنّ الأكل فعل مُحرَّم في الصيد ، فيتعلّق به الجزاء ، كالقتل ، ويخالف ما لو ذبحه وأكله حيث لا يلزمه بالأكل جزاء عنده؛ لأنّ وجوبه بالذبح أغنى عن جزاء آخر.

والجديد : أنه لا تلزمه ، لأنّه ليس بنامٍ بعد الذبح ، ولا يؤول إلى النماء ، فلا يتعلّق بإتلافه الجزاء ، كما لو أتلف بيضةً مذرةً(٤) .

مسألة ٣٦٧ : لو أمسك مُحْرم صيداً حتى قَتَله غيره ، فإن كان حلالاً ، وجب الجزاء على المـُحْرم ؛ لأنّه متعدٍّ بالإِمساك والتعريض للقتل ، ولا يرجع به على الحلال عندنا ؛ لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد ، وهو قول بعض الشافعية(٥) .

وقال بعضهم بالرجوع ، كما لو غصب شيئاً فأتلفه مُتلفٌ من يده ، يضمن الغاصب ، ويرجع على المـُتلف(٦) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المـُتلف في الغصب ممنوع منه ، بخلاف قتل المـُحِلّ‌

____________________

(١) تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩١ - ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المغني ٣ : ٢٩٤ - ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢.

(٥ و ٦ ) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧.

٤٤٩

الصيدَ.

وإن كان القاتل مُحْرماً ، فعلى كلّ واحد منهما جزاء تام عندنا ؛ لصدور ما يوجب الجزاء كملاً من كلّ واحد منهما.

وللشافعية وجهان :

أحدهما : أنّ الجزاء كلّه على القاتل ؛ لأنّه مباشر ، ولا أثر للإِمساك مع المباشرة.

والثاني : أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلاً في الهلاك ، فيكون الجزاء بينهما نصفين(١) .

وقال بعضهم : إنّ المـُمْسك يضمنه باليد ، والقاتل يضمنه بالإِتلاف ، فإن أخرج المـُمْسك الضمان ، رجع به على المـُتْلف ، وإن أخرج المتلف ، لم يرجع على المـُمْسك(٢) .

مسألة ٣٦٨ : لو نفّر صيداً فهلك بمصادمة شي‌ء ، أو أخذه جارح ، ضمنه.

وكذا لو ضرب صيداً بسهم فمرق السهم فقُتل آخر ، أو رمى غرضاً فأصاب صيداً ، ضمنه.

ولو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب ، ضمن النفس مع التلف ، والأرش مع العيب.

وللشافعي قولان : أحدهما : لا جزاء عليه ، وقد تقدّم(٣) .

ولو أمر المـُحْرم عبده المـُحِلّ بقتل الصيد فقَتَله ، فعلى السيّد الفداء ؛ لأنّ العبد كالآلة.

ولأنّ الضمان يجب بالدلالة والإِعانة وغيرهما ، فبالأمر أولى.

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧.

(٣) تقدّم في ص ٤٤٧ ، الهامش (١)

٤٥٠

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم معه غلام ليس بمُحْرم أصاب صيداً ولم يأمره سيّده ، قال : « ليس على سيّده شي‌ء »(١) وهو يدلّ بمفهومه على أنّه إذا كان بأمره ، لزمه الفداء.

ولو كان الغلام مُحْرماً بإذن سيّده وقتل صيداً بغير إذن مالكه ، وجب على السيّد الفداء ؛ لأنّ الإِذن في الإِحرام يستلزم تحمّل جناياته.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما أصاب العبد وهو مُحْرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإِحرام »(٢) .

ولو لم يأذن المولى في الإِحرام ولا في الصيد ، لم يكن على السيّد شي‌ء ؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي نجران سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن عبد أصاب صيداً وهو مُحْرم هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال : « لا شي‌ء على مولاه »(٣) .

مسألة ٣٦٩ : قد بيّنّا أنّ إثبات يد المـُحْرم على الصيد يوجب عليه الضمان ، فإن وقع ابتداء الإِثبات في حال الإِحرام فهو حرام غير مفيد للملك ، ويضمنه ، كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده ، بل لو تولّد تلف الصيد ممّا في يده ، لزمه الضمان ، كما لو كان راكباً فأتلفت الدابّة صيداً بعضها ، أو رفسها ، أو بالت في الطريق ، فزلق به صيد وهلك ، كما لو زلق به آدمي أو بهيمة ، أمّا لو انفلت بعير فأصاب صيداً ، فلا ضمان.

ولو تقدّم ابتداء اليد على الإِحرام ، فإن كان حاضراً معه ، وجب عليه إرساله - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّ الصيد لا يراد للدوام ، فتحرم‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٣ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣.

٤٥١

استدامته ، كالطيب واللبس.

والثاني : لا يجب ، كما لا يلزم تسريح زوجته وإن حرم ابتداء النكاح عليه(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ النكاح يقصد به الدوام.

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : يجب رفع اليد المشاهدة عنه ، ولا يجب رفع اليد الحكمية(٢) .

وعلى قول الشافعي بعدم وجوب الإِرسال ، فهو على ملكه له بيعه وهبته ولكن يحرم عليه قتله ، ولو قَتَله ، لزمه الجزاء ، كما لو قتل عبده تلزمه الكفّارة. ولو أرسله غيره ، لزمه قيمته للمالك ، وكذا لو قَتَله وإن كان مُحْرماً ، لزمه الجزاء أيضاً ، ولا شي‌ء على المالك ، كما لو مات(٣) .

وعلى قوله بإيجاب الإِرسال هل يزول ملكه عنه؟ عنده قولان :

أحدهما - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - : لا يزول ، كما لا تبين زوجته.

والثاني : نعم ، كما يزول حلّ الطيب واللباس(٤) .

فعلى القول بزوال الملك لو أرسله غيره أو قَتَله فلا شي‌ء عليه ، ولو أرسله المـُحْرم فأخذه غيره ، ملكه.

ولو لم يرسله حتى تحلّل ، فهل عليه إرساله؟ وجهان :

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣.

(٢) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٩ - ٩٠.

٤٥٢

أحدهما : نعم ؛ لأنّه كان مستحقّاً للإِرسال ، فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدّيه بالإِمساك.

والثاني : لا يجب ، ويعود ملكاً له ، كالعصير إذا تخمّر ثم تخلّل(١) .

وعلى هذا القول وجهان في أنّه يزول بنفس الإِحرام ، أو الإِحرام يوجب عليه الإِرسال؟ فإذا أرسل حينئذٍ يزول ، وعلى القول بعدم زوال الملك عنه ليس لغيره أخذه ، ولو أخذه ، لم يملكه ، ولو قَتَله ، ضمنه بمثابة المنفلت من يده(٢) .

ولو مات الصيد في يده بعد إمكان الإِرسال ، لزمه الجزاء ؛ لأنّ التقدير وجوب الإِرسال ، وهو مقصّر بالإِمساك.

ولو مات الصيد قبل إمكان الإِرسال ، فوجهان ، والمذهب عندهم وجوب الضمان ، ولا خلاف في أنّه لا يجب تقديم الإِرسال على الإِحرام(٣) .

مسألة ٣٧٠ : قد بيّنّا أنه لا يدخل الصيد في ملك المـُحْرم ببيع ولا هبة ولا غير ذلك من الأسباب.

وهل ينتقل بالميراث؟ الأقرب ذلك ، لكن يزول ملكه عنه عقيب ثبوته إن كان الصيد حاضراً معه ، ويجب عليه إرساله.

ولو باعه ، ففي الصحة إشكال.

فإن قلنا بالصحة ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشتري ، وجب الجزاء على البائع ، وإنّما يسقط عنه إذا أرسله المشتري.

ولو قلنا بأنّه لا يرث ، فالملك في الصيد لباقي الورثة وإن كانوا أبعد.

وإحرامه بالإِضافة إلى الصيد مانع من موانع الميراث ، فحينئذٍ ينتقل ما عداه من التركة إليه إذا كان أولى ، وينتقل الصيد إلى الأبعد.

فلو فرضنا أنّه أحلّ قبل قسمة التركة بينه وبين شركائه في الميراث ، أخذ‌

____________________

(١ - ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ - ٤٩٦ ، المجموع ٧ : ٣١١.

٤٥٣

نصيبه ، منه ، وإن أحلّ بعدها ، فلا نصيب له. ولو كان هو أولى من باقي الورثة ، لم يكن له شي‌ء وإن أحلّ قبل القسمة.

ولو استعار المـُحْرم صيداً أو أودع عنده ، كان مضموناً عليه بالجزاء ، وليس له التعرّض له ، فإن أرسله ، سقط عنه الجزاء ، وضمن القيمة للمالك ، وإن ردّ [ ه ] إلى المالك ، لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك.

وإذا صار الصيد مضموناً على المـُحْرم بالجزاء ، فإن قَتَله مُحِلُّ في يده ، فالجزاء على المـُحْرم ، وإن قَتَله مُحْرمٌ آخر ، فالجزاء عليهما أو على القاتل ومَنْ في يده ، طريق للشافعية وجهان(١) .

وعندنا يجب على كلّ واحد منهما فداء كامل.

مسألة ٣٧١ : المـُحْرم يضمن الصيد بإتلافه مطلقاً ، سواء قصد التخليص أو لا ، فلو خلّص صيداً من فم هرّةٍ أو سبُعٍ أو من شقّ جدار ، وأخذه ليداويه ويتعهّده فمات في يده ، فهو كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليردّه إلى المالك فهلك في يده ، احتمل الضمان - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لأنّ المستحق لم يرض بيده ، فتكون يدُه يدَ ضمان ، وعدمه ؛ لأنّه قصد المصلحة ، فتكون يدُه يدَ وديعة.

وللشافعي قولان(٣) ، كالاحتمالين.

ولو صال صيد على مُحْرم أو في الحرم فقتله دفعاً ، فلا ضمان ؛ لأنّه بالصيال التحق بالمؤذيات ، وبه قال الشافعي(٤) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المجموع ٧ : ٣١٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٦ و ٣٣٨ ، المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

٤٥٤

وقال أبو حنيفة : يجب عليه الضمان(١) .

ولو ركب إنسان صيداً وصال على مُحْرم ولم يمكن دفعه إلّا بقتل الصيد فقَتَله ، فالوجه : وجوب فداء كامل على كلّ واحد منهما.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّ الضمان على القاتل ؛ لأنّ الأذى هنا ليس من الصيد ، فحينئذٍ يرجع القاتل على الراكب.

والثاني : أنّ الضمان على الراكب ، ولا يطالب به المـُحْرم(٢) .

ولو ذبح صيداً في مخمصة وأكله ، ضمن ؛ لأنّه أهلكه لمنفعة نفسه من غير إيذاء من الصيد.

ولو اُكره مُحْرمٌ أو مُحِلّ في الحرم على قتل صيد فقَتَله ، ضمنه المـُكِره ؛ لأنّ المباشرة ضعفت بالإِكراه

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّه على المـُكرَه ثم يرجع به على المـُكرِه(٣) .

وعن أبي حنيفة : أنّ الجزاء في صيد الحرم على المكره وفي الإِحرام على المكره(٤) .

مسألة ٣٧٢ : الجزاء يجب على المـُحْرم إذا قتل الصيد عمداً وسهواً أو خطأً ، بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٨ ، المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٦ - ٣٣٧.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٠.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٨.

(٥) المائدة : ٩٥.

٤٥٥

ولا نعلم فيه خلافاً إلّا من الحسن البصري ومجاهد ، فإنّهما قالا : إن قتله متعمّداً ذاكراً لإِحرامه لا جزاء عليه ، وإن كان مخطئاً أو ناسياً لإِحرامه ، فعليه الجزاء(١) .

وهو مخالف للقرآن ؛ فإنّه تعالى علّق الكفّارة على القتل عمداً والذاكر لإِحرامه متعمّداً ، ثم قال في سياق الآية :( لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ ) (٢) والساهي والمخطئ لا عقاب عليه ولا ذمّ ، ولا نعرف لهما دليلاً على مخالفتهما لنصّ القرآن والإِجماع ، فلا اعتداد بقولهما.

مسألة ٣٧٣ : لا خلاف في وجوب كفّارة الصيد على القاتل ناسياً ، والعامد قد بيّنّا وجوبها عليه أيضاً.

وأمّا الخاطئ ، فإنّ الكفّارة تجب عليه كذلك أيضاً عند علمائنا أجمع - وبه قال الحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك والثوري وأصحاب الرأي والزهري(٣) - لما رواه العامّة عن جابر ، قال : جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الضبع يصيده المـُحْرم كبشاً(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( في بيض النعام يصيبه المـُحْرم ثمنه )(٥) ولم يفرّقعليه‌السلام بين العامد والخاطئ.

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الحسنعليه‌السلام : « وعليه الكفّارة »(٦) .

ولأنّه إتلاف مال ، فاستوى عمده وخطؤه.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٦ ، المجموع ٧ : ٣٢٠.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ ، المجموع ٧ : ٣٢١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ - ١٠٣٢ / ٣٠٨٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٦ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٣.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٠ / ٦٤.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٠ - ٣٦١ / ١٢٥٣.

٤٥٦

وروي عن ابن عباس أنّه قال : لا كفّارة على الخاطئ في قتل الصيد - وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر. وعن أحمد روايتان - لقوله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) (١) .

ولأصالة البراءة ، ولأنّه محظور الإِحرام لا يفسده ، فيجب التفرقة بين الخطأ والعمد ، كاللبس والطيب ، ولأنّه يدلّ بدليل الخطاب(٢) .

وليس حجّةً ، والأصل تُرك ؛ للدليل ، والقتل إتلاف ، واللبس ترفّه ، فافترقا.

مسألة ٣٧٤ : لو كرّر المحرم الصيد ناسيا ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً. وإن تعمّد فللشيخ قولان:

أحدهما : يجب الجزاء في الأول دون الثاني(٣) ، وبه قال ابن بابويه(٤) ، وهو مروي عن ابن عباس ، وهو قول شريح والحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة وأحمد في إحدى الروايات(٥) .

والثاني : تتكرر الكفّارة بتكرّر السبب(٦) ، وهو قول العلماء ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر(٧) ، وهو المعتمد ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) (٨) وهو يتناول العامد.

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ ، المجموع ٧ : ٣٢١.

(٣) النهاية : ٢٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧٢ ذيل الحديث ١٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ ذيل الحديث ٧٢٠.

(٤) المقنع : ٧٩ ، الفقيه ٢ : ٢٣٤ ذيل الحديث ١١١٨.

(٥) المغني ٣ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ ، المجموع ٧ : ٣٢٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٧٥.

(٦) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٢ ، الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٥٩.

(٧) المغني ٣ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٣٢٣ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٠٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٧٥.

(٨) المائدة : ٩٥.

٤٥٧

ولما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه جَعَل في الضبع يصيده المـُحْرم كبشاً(١) ، ولم يفرّق.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « عليه كلّما عاد كفّارة »(٢) .

ولأنّها كفّارة عن قتل ، فاستوى فيها المبتدئ والعائد ، كقتل الآدمي.

احتجّ الشيخ : بقوله تعالى :( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (٣) جعل جزاء العود الانتقام ، وهو يدلّ على سقوط الكفّارة ، لأنّه لم يوجب جزاءً.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاؤه ، وينتقم الله منه »(٤) والنقمة في الآخرة.

والانتقام لا ينافي وجوب الجزاء ؛ لعدم دلالته على أنّه كلّ الجزاء ، ونفي الجزاء محمول على أنّه ليس عليه جزاؤه خاصّةً ؛ جمعاً بين الأدلّة.

مسألة ٣٧٥ : ويجب الجزاء على القاتل للضرورة ، كالمضطرّ إلى أكله ؛ لعموم قوله :( وَمَنْ قَتَلَهُ ) (٥) وهو يتناول المضطرّ وغيره.

ولأنّه قَتَله من غير معنى يحدث فيه من الصيد يقتضي قتله ، فيضمنه ، كغيره.

ولأنّه أتلفه لنفعه ودفع الأذى عنه ، فكان عليه الكفّارة ، كحلق الرأس.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن المـُحْرم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل؟ قال : « يأكل من الصيد ، أما يحبّ أن يأكل من ماله؟ » قلت : بلى ، قال : « إنّما عليه الفداء ، فليأكل وليفده »(٦) .

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٠ - ٢١١ / ٧١٩.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١١ / ٧٢٠.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٩ / ٧١٤.

٤٥٨

وقال الأوزاعي : لا يضمنه ؛ لأنّه مباح له ، فأشبه صيد البحر(١) .

والإِباحة لا تستلزم عدم الكفّارة ، كما في حلق الرأس.

والفرق : أنّ صيد البحر لا يتناوله حرم الإِحرام ولا الحرم ، فلا تجب الكفّارة به ، بخلاف الصيد.

ويجب الضمان على مَنْ أتلف الصيد بتخليصه من سبُع أو شبكة ، أو بتخليصه من خيط في رجله ونحوه - وبه قال قتادة(٢) - لعموم الأدلّة.

ولأنّ غاية ذلك عدم القصد إلى قتله ، وهو لا يُسقط الضمان ، كقتل الخطأ.

وقال عطاء : لا ضمان عليه - وللشافعي قولان(٣) - لأنّه فعل اُبيح لحاجة الحيوان ، فلا يضمن ما يتلف به ، كما لو داوى وليُّ الصبيِّ الصبيَّ ، فمات به(٤) .

والجواب : أنّه مشروط بالسلامة.

والجزاء يجب على المـُحْرم ، سواء كان إحرامه للحجّ أو للعمرة ، وسواء كان الحجّ تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وسواء كانا واجبين أو مندوبين ، صحيحين أو عرض لهما الفساد ؛ للعمومات ، ولا نعرف فيه خلافاً.

وإذا قتل المـُحْرم صيداً مملوكاً لغيره ، لزمه الجزاء لله تعالى ، والقيمة لمالكه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٥) - للعموم.

وقال مالك : لا يجب الجزاء بقتل المملوك(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٧.

(٢) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٩٧ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٨.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ و ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥١.

(٦) حلية العلماء ٣ : ٢٩٧ ، المجموع ٧ : ٣٣٠.

٤٥٩

وإذا كان الصيد في الحرم وتجرّد عن الإِحرام ، ضمن ، ولو كان مُحْرماً ، تضاعف الجزاء.

وقال الشافعي : صيد الحرم مِثْلُ صيد الإِحرام يتخيّر فيه بين ثلاثة أشياء : المثل والإِطعام والصوم ، وفيما لا مِثْلَ له يتخيّر بين الصيام والطعام(١) .

وقال أبو حنيفة : لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم(٢) .

مسألة ٣٧٦ : الصيد إذا كان مثليّاً ، تخيّر القاتل بين أن يخرج مثله من النَّعَم‌ وبين أن يقوّم المثل دراهم ويشتري به طعاماً ويتصدّق به على المساكين ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً ، ولو لم يكن له مِثْلٌ ، تخيَّر بين أن يقوّم الصيد ويشتري بثمنه طعاماً ويتصدّق به ، أو يصوم عن كلّ مُدَّيْن يوماً.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا يجوز إخراج القيمة بحال ، ووافقنا الشافعي في ذلك كلّه ومالك ، إلّا أنّ مالكاً قال : يقوّم الصيد ، وعندنا يقوّم المثل.

وقال بعض أصحابنا : إنّها على الترتيب.

وقال أبو حنيفة : الصيد مضمون بالقيمة ، سواء كان له مثل من النَّعَم أو لا ، إلّا أنّه إذا قوّمه تخيّر بين أن يشتري بالقيمة من النَّعَم ويخرجه ، وبين أن يشتري بالقيمة طعاماً ويتصدّق به ، وبين أن يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً ، إلّا أنّه إذا اشترى النَّعَم لم يجزئه إلّا ما يجوز في الضحايا ، وهو : الجذع من الضأن ، والثني من كلّ شي‌ء.

وقال أبو يوسف : يجوز أن يشتري بالقيمة شيئاً(٣) من النَّعَم ما لا يجوز‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤٩١.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٧ - ٩٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩١.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شي‌ء. وما أثبتناه من المصدر.

٤٦٠