نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٧

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 424

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 424 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267249 / تحميل: 6862
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

كتاب الوصايا

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الوصية وأنها مقصورة على الثلث

في الموطأ والبخاري ومسلم عن الزهري ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه قال : جاءني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتدّ بي ، فقلت : يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي. أفأتصدق بثلثي مالي؟ ورواه مالك ، وسفيان بن عيينة ، وإبراهيم بن سعد عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه بلفظ : أتصدق. ورواه عبد العزيز ابن أبي سلمة ، ومعمر ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، بلفظ : أوصي. وكذلك رواه عروة ، وعائشة ، عن سعد. واللفظان في البخاري ومسلم. ووقع أيضا فيهما : أفأوصي بمالي كله؟ قال : «لا». قال : فالثلثين؟ قال : «لا». قال : فالنصف؟ قال : «لا». قال : فالثلث؟ قال : «الثلث ، والثلث كثير».

رجعنا إلى لفظ الموطأ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا» ، قلت : فالشطر؟ قال : «لا» ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الثلث ، والثلث كثير ، إنك أن تذر ورثتك أغنياء ، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وأنك لن تنفق نفقة تبتغي وجه الله إلا أجرت»(١) .

وفي الموطأ يحيى بن يحيى : «إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك» ، فقلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا».

زاد في مسلم : «تبتغي به وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة ، ولعلك أن تخلف حتى تنتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون. اللهم امضي لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم». لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن مات بمكة(٢) .

ذكر ابن مزين في تفسيره للموطإ : أنه أقام بمكة حتى مات ، ولم يهاجر ، فكره له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، ورثي له ، وهو وهم من ابن مزين لأن سعد بن خولة قد هاجر وشهد بدرا ، وإنما رثى له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجوعه بعد الهجرة إلى مكة ، وموته بها. ذكره البخاري وغيره ، وذكره أيضا مسلم وهو قرشي(٣) .

__________________

(١) رواه البخاري (١٢٩٦ و ٢٧٤٢ و ٣٩٣٦) ، والموطأ (٢ / ٧٦٣) ، ومسلم (١٦٢٨) ، والترمذي (٩٧٥) ، وأبو داود (٢٨٦٤).

(٢) رواه مسلم (١٦٢٨ و ٥).

(٣) انظر شرح الحديث لفؤاد عبد الباقي (١٦٢٨) في فاتحته. فإنه شرحه شرحا وافيا.

١٠١

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الأحباس

في الواضحة عن الواقدي عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : سألنا عن أول حبس حبس في الإسلام فقال قائل : أحباس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قول الأنصار(١) . وقال المهاجرون : حبس عمر بن الخطاب أول حبس كان في الإسلام ، وذلك أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم المدينة وجد أرضا واسعة : لزهرة ، وأهل رايج ، وحسيكة(٢) ، وقد كانوا جلوا عن المدينة قبل مقدم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بيسير ، ومنهم من انجلى عن أرضه بعد مقدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وتركوا أرضا واسعة فيها براح ، ومنها رديء لا تسقى يقال له : الخشاشير. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أعطى عمر بعضها : ثمغ(٣) ، ثم اشترى عمر بن الخطاب ـرضي‌الله‌عنه ـ إلى ما أعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من قوم يهود ، فكان مالا معجبا فقال عمر : يا رسول الله إن مالي مال معجب ، وأنا أحبه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حبّس أصله ، وسبّل ثمرته». ففعل عمر(٤) .

مطرف عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال : ثمغ أول صدقة تصدق بها في الإسلام وأن عمر يوم أراد أن يتصدق بها قال : أشر عليّ يا رسول الله في صدقتي كيف أصنع فيها؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حبّس أصلها ، وسبل ثمرتها»(٥) .

وعن المسور بن رفاعة عن محمد بن كعب القرظي قال : أول صدقة كانت في الإسلام صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأمواله الموقوفة. قال : فقلت : فإن الناس يقولون صدقة عمر. قال : قتل مخيريق بأحد على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يضعها حيث أراه الله ، فتصدق بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صدقة حبس ، وهي : سبعة حوائط. وإنما تصدق عمر بثمغ بعد ما رجع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر سنة سبع من الهجرة ، وكانت خيبر سنة ست(٦) .

وقال الزهري : صدقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحوائط السبعة من أموال بني النضير بعد أن رجع رسول

__________________

(١) الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ـ متروك مع سعة علمه. كما قال الحافظ في التقريب. وحصين ابن عبد الرحمن ضعفه أحمد وذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين فكأن روايته عن الصحابة مرسلة.

(٢) حسيكة : موضع في المدينة كان بها يهود من يهودها.

(٣) ثمغ : مال كان لعمر بن الخطاب فوقفه رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه النسائي (٦ / ٢٣٠) ، وابن ماجه (٢٣٩٧) ، والبيهقي (٦ / ١٦٢) من حديث عمر رضي‌الله‌عنه. وإسناده صحيح.

(٥) رواه أحمد (٢ / ١٥٦ و ١٥٧) من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما . وهو حديث صحيح.

(٦) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) ذكر صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وابن كثير (٣ / ٢٣٧) من كلام محمد بن كعب القرظي موقوفا عليه.

١٠٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أحد ففرق أموال مخيريق(١) . وعن محمد بن سهل بن أبي جثامة قال : كانت صدقات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أموال بني النضير وهي الحوائط السبعة : الأعراف ، والصافية ، والدلال ، والمثبت ، وبرقة ، وحسني ، ومشربة أم إبراهيم ، وإنما سميت : مشربة أم إبراهيم لأنها كانت تسكنها. وكان ذلك المال لسلام بن مشكم النضري(٢) .

وقال الواقدي : لم يختلف أنها سبعة حوائط وأن هذه أسماؤها.

وفي النسائي عن قتيبة بن سعيد ، عن أبي الأخوص ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن الحارث قال : ما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وأرضا جعلها في سبيل اللهعزوجل (٣) .

وقال قتيبة بن سعيد في المسند الكبير للنسائي مرة أخرى : صدقة(٤) . وكذلك ذكر النسائي أن صدقة عمر كانت من الأرض التي أصاب بخيبر. وقال في صدقة لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث ، وهي للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، ويطعم ضيفا نزل به أو صديقا غير متمول فيه(٥) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الصدقة والهبة والثواب عليها والعمرى

في موطأ مالك : أنه بلغه أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج تصدق على أبويه بصدقة ، فهلكا ، فورث ابنهما المال ، وهو : نخل. فسأل عن ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «قد أجرت في صدقتك ، وخذها بميراثك»(٦) .

وفي كتاب أقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مصنف ابن أبي شيبة ، عن جابر قال : قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في امرأة من الأنصار أعطاها ابنها حديقة من نخل فماتت ، فقال ابنها : إنما أعطيتها حياتها وله أخوة ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي لها حياتها وموتها» قال : فإني كنت تصدقت بها عليها. قال : «فذلك أبعد لك»(٧) .

__________________

(١) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) وقال : أخبرنا محمد بن عمر. حدثني الضحاك بن عثمان من الزهري قال : هذه الحوائط السبعة من أموال بني النضير.

(٢) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) وقال : أخبرنا محمد بن عمر حدثني موسى بن عمر الحارثي ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال : كانت صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أموال بني النضير. وهي سبعة. وذكرها.

(٣) رواه النسائي (٦ / ٢٢٩) من حديث عمرو بن الحارث الخزاعيرضي‌الله‌عنه وإسناده صحيح.

(٤) رواه النسائي (٦ / ٢٢٩) و (٣٥٩٤). من كلام قتيبة بن سعيدرحمه‌الله .

(٥) رواه النسائي (٦ / ٢٣٠) و (٣٥٩٩) عن عمررضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٦) رواه مالك (٣٠٠١) باب صدقة الحي عن الميت. بلاغا.

(٧) رواه ابن أبي شيبة (١٠ / ١٨٣) ، وأبو داود (٣٥٥٧) ، والبيهقي (٦ / ١٧٤) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

١٠٣

وفي الموطأ والبخاري ومسلم عن النعمان بن بشير : أن أباه أتى به إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يشهده على عبد وهبه له ، فقال : يا رسول الله إني نحلت ابني غلاما كان لي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكلّ ولدك» وفي حديث يونس ومعمر «أكل بنيك» ـ ذكره مسلم ـ «نحلته مثل هذا؟». قال : لا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فارتجعه»(١) .

وفي كتاب مسلم : «اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم»(٢) . وكانت أم النعمان : عمرة ابنة رواحة قالت لبشير : أشهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على هبتك ، وكان قد لواها سنة ، ثم وهبه لها فقالت : لا أرضى حتى تشهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أشهد على جور»(٣) . وهذا أصل في حيازة الأب لابنه الصغير ، وأما إذا وهب أو تصدق على ابنه الكبير ، أو على أجنبي فلا بد من قبض الموهوب له أو التصدق عليه. والأصل في ذلك قول أبي بكر الصديق لعائشة : لو كنت حزتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث(٤) . وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزلت ألهاكم التكاثر قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت»(٥) ، فقد شرط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصدقة الإمضاء. والإمضاء هو : الإقباض كالعارية والسلف لا يتم ذلك إلا بالقبض وكالوصية لا تتم إلا بموت الموصي.

وفي مصنف عبد الرزاق عن طاوس قال : وهب رجل هبة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأثابه ، فلم يرض فزاده قال : لا أحسبه قال ذلك إلا ثلاث مرات ، فلم يرض فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد هممت ألّا أقبل هبة» وربما قال معمر : «ألّا أقبل إلا من قرشي ، وأنصاري ، أو ثقفي»(٦) . وفي حديث أبي هريرة «أو دوسي»(٧) .

وفي الدلائل للأصيلي أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لقحة ، فأثابه بست بكرات فلم يرض ، وذكر الحديث في البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك قال : لما قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بأيديهم شيء ،

__________________

(١) رواه البخاري (٢٥٨٦) ، ومالك (٢ / ٧٥١ و ٧٥٢) ، ومسلم (١٦٢٣ و ٩) ، والنسائي (٦ / ٢٥٨) من حديث النعمان بن بشيررضي‌الله‌عنه .

(٢) رواه مسلم (١٦٢٣ و ١٣) من حديث النعمانرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري (٢٦٥٠) ، ومسلم (١٦٢٣ و ١٤) من حديث النعمانرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه عبد الرزاق (١٦٥٠٧) ، والبيهقي (٦ / ١٧٠) وإسناده صحيح.

(٥) رواه مسلم (٢٩٥٨) ، والترمذي (٢٣٤٢) ، وابن حبان (٧٠١) من حديث عبد الله بن الشخيررضي‌الله‌عنه .

(٦) رواه عبد الرزاق (١٦٥٢١) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه فذكره مرسلا.

(٧) رواه أحمد (٢ / ٢٩٢) ، والترمذي (٣٩٤٥) ، والبخاري (٥٩٦) ، وأبو داود (٣٥٣٧) من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه . وإسناده حسن.

١٠٤

وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام ويكفوهم العمل والمؤنة ، وكانت أمه أمّ أنس بن مالك أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة ، فكانت أعطت أم أنس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عذاقا فأعطاهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد.

قال ابن شهاب : فأخبرني أنس بن مالك : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر ، وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم ، فردّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمه يعني أم أنس بن مالك عذاقها وأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه رواه مسلم أيضا ، وزاد أنه أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله(١) .

قال ابن شهاب : وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما توفي أبوه ، فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعتقها ، ثم أنكحها زيد بن حارثة ، ثم توفيت بعد ما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة أشهر.

قال الواقدي : واسمها بركة ولم يرو هذا الحديث عن الزهري أحد إلا يونس. وقع هذا في طرة كتاب الأصيلي في الموطأ : عن جابر بن عبد الله أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيما رجل أعمر عمرى(٢) له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث»(٣) .

وفي كتاب مسلم عن جابر من رواية يحيى ، عن مالك ، ولم يذكر أبدا.

وفيه عن يحيى ومحمد وصح عن الليث ، عن ابن سهل ، عن أبي سلمة ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها ، وهي لمن أعمر وعقبه»(٤) .

وفي حديث آخر عن إسحاق بن إبراهيم ، وعبد بن حميد ، واللفظ لعبد قالا : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، قال : إنما العمرى التي أجازها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تقول هي لك ولعقبك ، فأما إذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها(٥) .

__________________

(١) رواه البخاري (٢٦٣٠) ، ومسلم (١٧٧١) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

(٢) عمرى : يقال أعمرته دارا أو أرضا ، إذا أعطيته إياها وقلت له : هي لك عمري أو عمرك : فإذا مات رجعت إليه.

(٣) رواه مالك (٢ / ٧٥٦) و (٢٩٥٣) من حديث جابررضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٤) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢١) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

(٥) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٣) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

١٠٥

قال معمر : وكان الزهري يفتي به ، وروى أبو سلمة عن جابر قال : «قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهى له بتلة(١) لا يجوز للمعطى فيها شرط ولا ثنيا». قال أبو سلمة : لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ، فقطعت المواريث شرطه(٢) .

وفي حديث آخر عن جابر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العمرى لمن وهبت له»(٣) . قال ابن أبي زيد : ومعنى قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ترجع إلى الذي أعطاها» إنما ذلك ما بقي أحد من عقب المعمر ، فإذا انقرضوا رجعت العمرى إلى صاحبها.

وقولهعليه‌السلام : «فإنها للذي يعطاها» يعني : النفع ، لا الأصل ، ودل ذلك أنه ليس كوارث الأصل أن الزوجة لا تدخل فيه ، ولا من ليس من العقب المعروف ، وعمرتك إنما هو مأخوذ من العمر ، ولا فرق بين أجل مضروب وعمر مشترط. وبهذا جرى العمل بالمدينة ، وبه أخذ مالك انتهى قول ابن أبي زيد.

وتأوّل الشافعي وغيره الحديث المذكور أن العمرى إذا كانت للمعمر ولعقبه أنها لا ترجع إلى المعمر وإن انقرض المعمر وعقبه وليس ذلك في الحديث مكتوبا.

وقد روي عن أبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل : أن العمرى كالهبة ، وهي ملك لمن أعمرها كانت معقبة أو لم تكن شرط المعمّر أن ترجع إليه أو لم يشترط ، وشرطه باطل لا ترجع إليه أبدا ويبيعها المعمّر إن شاء كسائر ماله.

فصح في العمرى ثلاثة أقوال : قول أبي حنيفة ، والشافعي ، ومالك ، ومن ذكر معهم. كما قضى طارق بشهادة جابر والثالث من فرق بين المعقبة وحياة المعمر خاصة فقال في المعقبة : لا ترجع أبدا إلى المعمر ، وإذا لم تكن معقبة ترجع إليه إذا مات المعمر ، واللهعزوجل أعلم بما أراد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا أن في كتاب مسلم عن جابر أيضا قال : أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ثم توفّي وتوفيت بعده ، وتركت ولدا ، وله أخوة بنون للمعمرة ، فقال ولد المعمرة : رجع الحائط إلينا ، وقال بنو المعمر : بل كان لأبينا حياته وبعد موته ، فاختصموا إلى طارق ـ مولى عثمان ـ فدعا جابرا فشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حكم بالعمرى لصاحبها ، فقضى بذلك طارق ، ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره ذلك ، وأخبره بشهادة جابر ، فقال عبد الملك : صدق جابر فأمضى ذلك طارق. وإن ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم. وليس في هذا الحديث أنها أعمرت ابنها وعقبه كما وقع في الأحاديث المتقدمة(٤) .

__________________

(١) بتلة : أي عطية ماضية غير راجعة إلى الواهب.

(٢) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٤) ، والنسائي (٦ / ٢٧٦) و (٢٧٤٧) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٥) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٨) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

١٠٦

وقد تقدم عن جابر أنه قال : إذا قال هي لك ما عشت فإنما ترجع إلى صاحبها الذي أعمرها.

وفي رواية مسدد عن يحيى عن سفيان عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن جابر : أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة له حياتها فماتت ، وذكر الحديث كما ذكره مسلم وهذا يقوي مذهب مالك(١) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في المشبهات

في الموطأ والبخاري ومسلم عن عائشة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها قالت : كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص : أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك. قالت : فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال : ابن أخي ـ قد كان عهد إليّ فيه ـ فقام عبد بن زمعة وقال : أخي وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه. فتساوقا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي ، وقد كان عهد إليّ فيه. وقال عبد بن زمعة : أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو لك يا عبد بن زمعة» ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة بنت زمعة : «احتجبي منه» لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص ، قالت : فما رآها حتى لقي اللهعزوجل (٢) . وكانت سودة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يذكر مالك هذا في الموطأ.

في هذا الحديث من الفقه : إنفاذ وصية الكافر لأن عتبة مات كافرا ، وذلك أنه هو الذي. كسر رباعيتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في يوم أحد ، فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا ، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا. ذكره عبد الرزاق في مصنفه ، وكذلك ذكر ابن أبي حثمة : أنه مات كافرا.

وفيه : استلحاق الأخ ، وفي ذلك اختلاف ولا خلاف في استلحاق الابن وفيه حجة المالك في الحكم بقطع الذرايع لأن قطع الذرايع أن يمنع من المباح لئلا يوقع في الحرام ، ومثل قول اللهعزوجل :( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ ) [النّور : الآية ٣١]. ومثل نهيه تعالى المؤمنين أن يقولوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «راعنا» ، وهم لا يريدون الإذاية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنهاهم الله عن ذلك بسبب قول اليهود للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : راعنا يريدون بذلك : يا أرعن.

ومثل هذا نهى الله أهل السبت عن الصيد فيه ، فأخذ بعضهم حيتانا في غير السبت فجعل كصيدهم في السبت وعذبوا على ذلك.

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٥٥٧) من حديث جابررضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٢) رواه البخاري (٢٠٥٣) ، ومسلم (١٤٥٧) ، والموطأ (٢ / ٧٣٩) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

١٠٧

فكذلك حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة : أن ابن زمعة أخوها إذ ولد على فراش أبيها ، وجعله أجنبيا في أن لا يراها فحكم بحكمين : حكم في الظاهر ، وحكم في الباطن ، واتبع الشافعي في ذلك إبطال الحكم بقطع الذرايع ، وأن يكون حكما واحدا حتى قال : إن للرجل أن يمنع زوجته من رؤية أخيها. وأن قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احتجبي عنه» إنما هو على وجه التنزه والاختيار ، وهذا خلاف لما أمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عائشة في أفلج أخي ابن القعيس ، إذ قال لها : «إنه عمّك فليلج عليك»(١) ، وكان عمها من الرضاعة ، فكيف أن يمنع المرأة من رؤية أخيها.

وأدخل البخاري هذا الحديث في باب تفسير المشبهات مع الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(٢) . وهو أيضا يقوي مذهب مالك ، ويخالف قول الشافعي.

وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وللعاهر الحجر» يعني : نفي الولد عن الزاني ، وأنه لا شيء له فيه ، ولا ينسب إليه. كقول العرب : بفمك الحجر. أي : لا شيء لك.

وقال الداودي : للعاهر الحجر : يعني الرجم للزاني المحصن ، ومذهب الشافعي أن الحرام لا يحرّم الحلال ، وكذلك قال : إن أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة بالاحتجاب تنزه واختيار ، ومذهب أبي حنيفة أن الزنا يحرم ـ واختلف في ذلك قول مالك ـ فمرة قال : إن الحرام لا يحرّم الحلال ، ومرة قال : إنه يحرّم ، والأغلب من مذهبه ومذهب أصحابه أنه لا يحرّم.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في العتق والوصية بالقرعة وحكم

ذات الزوج والتدبير وأمهات الأولاد والكتابة

في مصنف عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال : شهدت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقضي بالدين قبل الوصية ، وأنتم تقولون : من بعد وصية يوصي بها أو دين(٣) .

ولا خلاف بين العلماء أن الدين قبل الوصية.

في الموطأ وغيره عن الحسن ، وعن محمد بن سيرين : أن رجلا في زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق عبيدا له ستة عند موته ، فأسهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد(٤) .

__________________

(١) رواه البخاري (٥٢٣٩) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

(٢) رواه أحمد (١ / ٢٠٠) ، والترمذي (٢٥١٨) ، والنسائي (٨ / ٣٢٧) ، وابن حبان (٧٢٢) من حديث الحسن ابن عليرضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٣) رواه عبد الرزاق (١٩٠٣) ، وأحمد (١ / ٧٩) ، والترمذي (٢٠٩٥) ، وأبو يعلى (٣٠٠) وإسناده حسن من حديث عليرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه مالك (٢ / ٧٧٤) و (٢٧٢٠) وهو حديث مرسل. ورجاله ثقات ووصله مسلم (١٦٦٨) ، والترمذي (١٣٦٤) من حديث عمران بن الحصينرضي‌الله‌عنه .

١٠٨

قال مالك : وقد بلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم. وهذا الحديث مسند في غير الموطأ عن الحسن وابن سيرين عن عمران بن حصين ، وقال فيه : فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك وقال : «لقد هممت ألّا أصلي عليه».

وفي مصنف عبد الرزاق فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أدركته ما دفن مع المسلمين» ، فأقرع بينهم فأعتق اثنين ، واسترقّ أربعة(١) .

وفي حديث آخر : أنّ امرأة من الأنصار أعتقت ستة أعبد ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بستة أقداح ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين(٢) .

وفي غير المصنف أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء اعتق اثنين ، وأرقّ أربعة(٣) .

قال إسماعيل : وهذا يدل أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قوّمهم. وقال سليمان بن موسى : لم يبلغني أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قوّمهم فإن صح قول سليمان فمعناه أن قيمتهم كانت سواء وإلا فلا بد من التقويم لئلا يزاد على الثلث. ويسند أيضا الحديث الأول عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب مسلم عن عمران بن حصين.

في هذا الحديث من الفقه : إنفاذ الوصية بالثلث ، وفيه العتق بالقرعة ، وفيه أن من عال على الثلث صرف إلى الثلث. وفيه أن بتل العتق في المرض كالوصية ، وفيه أن الحاكم يقوّم بنفسه ما كان بحضرته ولا يوليه غيره.

وفيه : أن يحكم بين الرجل وعبده فيما يدعو إليه العبد من حقوقه على سيده.

وفيه إجازة الوصية بالثلث لغير القرابة ، بخلاف ما روي عن طاوس وغيره : أن من أوصى لغير قرابته ولم يوص لهم لم تبطل وصيته. وقالت طائفة : من أوصى لغير قرابته أعطي ثلث الوصية لقرابته.

في مصنف عبد الرزاق عن عكرمة : «قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا وصية لوارث ، ولا يجوز لامرأة في مالها شيء إلا بأذن زوجها»(٤) .

__________________

(١) رواه عبد الرزاق (١٦٧٤٩) ، والبيهقي (١٠ / ٢٨٦) من حديث عمران بن الحصينرضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(٢) رواه عبد الرزاق (١٦٧٥١) ، والبيهقي (١٠ / ٢٨٦) عن ابن جريج. قال : أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول : سمعت ابن المسيب يقول : اعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها عند الموت لم يكن لها مال غيرهم فأتي في ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فأقرع بينهم فأعتق اثنين.

(٣) رواه النسائي (٤ / ٦٤) من حديث عمران بن الحصينرضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٤) رواه عبد الرزاق (١٦٦٠٨) من حديث عكرمةرضي‌الله‌عنه . وفيه جهالة الرجل الراوي عن عكرمةرضي‌الله‌عنه . بلفظ : (قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ليس لذات زوج وصية في مالها شيئا إلا بإذن زوجها).

١٠٩

وفي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه باع مدبرا لرجل. وفي حديث آخر لمسلم : لم يكن له مال غيره.

وفي كتاب ابن شعبان عن جابر قال : أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين ، فباعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بثمانمائة درهم ، فأعطاه وقال : «اقض دينك وأنفق على عيالك»(١) .

وتأول مالك وغيره أن الحديث الأول هو أصح. إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه باع المدبر بعد موت الذي دبّره أو في حياته لدين عليه قبل التدبير.

قال ابن أبي زيد : حديث جابر يدل على أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما باع المدبر في دين لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا به ، فقال : «من يشتره؟» فلما بطل أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يبعه لغير معنى لم يبق إلا أنه حكم وأنه لينفذ ما لزم.

وقد روي عن جابر أنه قال : لم يكن له مال غيره ، فمات. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يشتره؟» واختلف فيه. عن جابر فروي أنه أعتق رجل ، وروي أنه دبر.

وفي مختصر ابن أبي زيد : روى الخدري أنهم لما أصابوا سبيا يوم أوطاس قالوا : يا رسول الله ما ترى في العزل فإنا نحب الثمن. دليل أنها إذا ولدت بطل الثمن. وهذا دليل بيّن مع ما روي أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في أم إبراهيم : «أعتقها ولدها»(٢) .

وفي الواضحة عن ابن المسيب : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد وقال : «لا يجعلن في وصية ، ولا دين». قال مسلم : قلت لسعيد بن المسيب : كيف كان رأي عمر في عتق أمهات الأولاد؟ قال : ليس عمر أعتقهن ، وإنما أمر بعتقهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «وأن لا يخرجن في ثلث ، ولا يبعن في دين»(٣) .

وفي كتاب رجال الموطأ للبرقي عن سعيد بن عبد العزيز : أن مارية أم إبراهيم اعتدت ثلاثة أشهر. قال البرقي : وتوفيت سنة ست عشرة. وفي الحديث الثابت : أن بريرة دخلت على عائشة تستعينها شيئا. وفي حديث آخر في البخاري : جاءت تستعينها وعليها خمس أواق نجّمت في خمس سنين(٤) . وجميع الأحاديث عن عروة عن عائشة إلا حديثا واحدا عن عمرة عن عائشة.

__________________

(١) رواه أحمد (٣ / ٣٠٥) ، وأبو داود (٣٩٥٧) ، والنسائي (٧ / ٣٠٤) ، والطحاوي في مشكل الآثار (٤٩٣٢) وانظر طرقه هناك.

(٢) رواه ابن ماجه (٢٥١٦) ، والبيهقي (١٠ / ٣٤٦) من حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما وإسناده ضعيف.

(٣) رواه البيهقي (١٠ / ٣٤٤) وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال الحافظ في التقريب : ضعيف في حفظه. وهو رجل صالح.

(٤) رواه البخاري (٢٥٦٠) في العتق من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

١١٠

وفي الموطأ والبخاري فقالت عائشة : إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم ويكون لي ولاؤك فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت ذلك لهم ، فأبوا عليها ، فجاءت من عند أهلها ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعد فقالت لعائشة : إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا على أن يكون الولاء لهم. فسمع ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أخبرته عائشة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق» ، ففعلت عائشة ، ثم قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أما بعد : فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله! كلّ شرط ليس في كتاب الله ـ وفي حديث آخر في الموطأ : ما كان من شرط ليس في كتاب الله ـ فهو باطل ، وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق»(١) .

معنى قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل شرط ليس في كتاب الله» أي : خالف كتاب الله ، ومعنى قوله لعائشة : «اشترطي لهم الولاء» أي : اشترطي عليهم الولاء. قال اللهعزوجل :( أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) [الرّعد : الآية ٢٥]. أي عليهم.

وقد تقدم ما فيه من السنن في الأمة تعتق تحت زوج في كتاب الطلاق وإنما اشترتها عائشة بعد أن عجزت عن كتابتها. قاله مطرف وغيره.

وفي كتاب ابن شعبان : أول مكاتب في الإسلام كان سلمان الفارسي كاتب أهله على مائة ودية(٢) نجّمها لهم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا غرستها فاذنّي» ، فلما غرسها آذنه ، فدعا له فيها فلم تمت منها ودية واحدة(٣) . وقد قيل إن أول مكاتب في الإسلام كان يكنى : أبا مؤمّل ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعينوا أبا مؤمل» فأعين فقضى كتابته ، وفضلت عنده فضلة فاستفتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أنفقها في سبيل الله».

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في عتق من مثّل به أو لطم وجهه

في المدوّنة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : كان لزنباغ عبد يسمى : سندرا ، أو ابن سندر ، فوجده يقبّل جارية له فأخذه وجدع أذنه وأنفه ، فأتى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأرسل إلى زنباغ فقال : «لا تحملوهم ما لا يطيقون ، وأطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، وما

__________________

(١) رواه البخاري (٢١٦٨) عن ابن المسيب ، ومسلم (١٥٠٤) ، والموطأ (٢ / ٧٨٠) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

(٢) رواه الحاكم (٢ / ١٦) وصححه ووافقه الذهبي من حديث بريدةرضي‌الله‌عنه . ورواه أحمد في المسند (٥ / ٣٥٤) والبزار رقم (٢٦ ٢٧). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ٣٣٧) وقال : رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.

(٣) الودية «غصن» يخرج من النخل ثم يقطع منه فيغرس.

١١١

كرهتم فبيعوا ، وما رضيتم فأمسكوا ، ولا تعذبوا خلق الله». ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مثّل به ، أو أحرق بالنار فهو حر ، وهو مولى لله ورسوله». فأعتقه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فقال : يا رسول الله أوص بي فقال : «أوصي بك كل مسلم»(١) .

وفي كتاب مسلم عن سويد بن مقرن : أن جارية له لطمها إنسان ، فقال له سويد : أما علمت أن الصورة محرّمة ، لقد رأيتني وإني لسابع أخوة لي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وما لنا غير خادم واحد ، فعمد أحدنا فلطمه فأمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نعتقه. وذكر الحديث(٢) .

وزاد في حديث آخر : أنهم قالوا : يا رسول الله ليس لنا غيره ، قال : «استخدموه فإذا استمتعتم به فخلوا سبيله»(٣) ، وقال عبد الله ابن عمر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ضرب غلاما له حدا لم يأته ، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه»(٤) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في اللقطة

في الموطأ والبخاري ومسلم : أن رجلا جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله عن اللقطة فقال : «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرّفها سنة ، فإن جاء صاحبها ، وإلا فشأنك بها». قال فضالة : والغنم؟ قال : «لك أو لأخيك أو للذئب» ، وفي غير الكتب «فردّ على أخيك ضالته». قال فضالة : الإبل ، قال في البخاري ومسلم : فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى احمرت وجنتاه ، أو احمر وجهه. وفي حديث : فتغير وجهه وقال : «ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ، ترد الماء ، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها»(٥) . ذكر ابن عبد البر هذه الزيادة من غير رواية مالك : «فردّ على أخيك ضالته». قال الطحاوي : ولم يوافق مالكا أحد من العلماء على قوله في الشاة الضالة إن أكلها لم يضمنها إذا وجدها في موضع مخوف. قال : واحتجاجه بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي لك أو لأخيك أو للذئب» لا معنى له ، لأن قوله لك لم يرد به التمليك لأن الذئب يأكلها على ملك صاحبها.

وفي البخاري ومسلم عن سويد بن غفلة قال : لقيت أبيّ بن كعب فقال : وجدت صرّة فيها مائة دينار فأتيت بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال «عرّفها حولا» ، فعرّفتها فلم أجد من يعرفها ، ثم أتيته بها فقال : «احفظ وعاءها وعددها ووكاءها ، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها» ، فاستمتعت بها

__________________

(١) رواه ابن سعد (٧ / ٣٥٠) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدهرضي‌الله‌عنهم . وهو حديث حسن.

(٢) رواه مسلم (١٦٥٨ و ٣٣) من حديث سويد بن مقرّنرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه مسلم (١٦٥٨ و ٣١) من حديث سويد بن مقرّنرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه مسلم (١٦٥٧) في الإيمان من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما .

(٥) رواه البخاري (٩١ و ٢٤٢٧ و ٢٤٢٨) ، ومسلم (١٧٣٢) ، والموطأ (٢ / ٧٥٧) من حديث زيد بن خالد الجهني.

١١٢

فلقيته بعد بمكة فقال : لا أدري بعد ثلاثة أحوال أو حولا واحدا(١) . وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس خطيبا : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «إن الله حبس عن مكة الفيل ـ هكذا في البخاري في رواية الأصيلي ـ وفي رواية القابسي : القتل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يعضد شجرها». وفي حديث آخر : «ولا يعضد عضاهها». وفي آخر : «لا يختلى شوكها ، ولا تحلّ لقطتها». وفي آخر : «لا تحل ساقطتها إلا لمنشد». وفي آخر : «إلا لمعرّف ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقيد» ، فقال العباس : إلا الإذخر فإنه لقبورنا وصاغتنا(٢) .

وفي حديث أبي هريرة لقبورنا وبيوتنا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إلا الإذخر» ، فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال : أكتب لي يا رسول الله. قال : فكتب له هذه الخطبة التي سمعها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

فيمن قال حائطي صدقة في سبيل الله إنه على الأقارب

وتوقيف مال الغائب والتوكيل على القسمة

في الموطأ والبخاري ومسلم عن أنس قال : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله إليه : بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس : فلما نزلت هذه الآية :( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) [آل عمران : الآية ٩٢]. قام أبو طلحة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إن الله يقول في كتابه( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) [آل عمران : الآية ٩٢]. وإن أحب أموالي إلى بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بخ ذلك مال رابح ـ ويروى رابح ـ ذلك مال رائح قد سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه(٤) . وفي حديث آخر للبخاري : «اجعلها لفقراء قرابتك». قال أنس : فجعلها لحسّان بن

__________________

(١) رواه البخاري (٢٤٢٦ و ٢٤٣٧) ، ومسلم (١٧٢٣) ، وأبو داود (١٧١٠) من حديث سويد بن غفلةرضي‌الله‌عنه .

(٢) رواه البخاري (١١٢ و ٢٤٣٤) ، ومسلم (١٣٥٥) ، وأبو داود (٢٠١٧) من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري (٢٤٣٤) ، ومسلم (١٣٥٥ (٤٤٧) ، والترمذي رقم (١٤٠٥).

(٤) رواه البخاري (١٤٦١ و ٢٣١٨) ، ومسلم (٩٩٨) ، والموطأ (٢ / ٩٩٥ و ٩٩٦) ، وأبو داود (١٦٨٩) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

١١٣

ثابت ، وأبيّ بن كعب ، وكانا أقرب إليه مني(١) .

وفيه من الفقه أن من قال داري صدقة ولم يبين : للفقراء أو غيرهم فهو جائز ويضعها في الأقربين أو حيث أراد. وقال بعضهم : لا يجوز حتى يبيّن لمن ، والأول أصح.

وفيه إذا تصدق بأرض ولم يبيّن الحد فهي جائزة إذا كانت مشهورة وهذا كله في البخاري.

في موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن طلحة عن عبيد الله بن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي واسمه زيد بن كعب أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير ، فذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه» ، فجاء البهزي ـ وهو صاحبه ـ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شأنكم بهذا الحمار. فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة بين الرويبة والعرج إذا ظبي واقف في ظل وفيه سهم فزعم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر رجلا يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه(٢) . فيه من الفقه : إباحة أكل الصيد للمحرم إذا لم يصدّ من أجله وهبة المشاع ، بخلاف قول أبي حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وفضل أبي بكر ـرضي‌الله‌عنه ـ على جميع الصحابة ، وحرز مال الغائب والتوكيل على القسمة ، وقبول الإمام الهدية.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الودائع والأمانات

في أحكام ابن زياد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس على أمين غرم»(٣) . وقال أهل العلم : إلا أن يعدي. وفي غير الأحكام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «على كل يد رد ما قبضت»(٤) ، وتأول ذلك بعض العلماء : أن الأمانة تضمن لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم على كل يد قيم ، ولقول اللهعزوجل :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) [النّساء : الآية ٥٨].

وذكر ابن سلام وغيره : أن هذه الآية نزلت في ولاية الكعبة إذ طلب العباس من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) رواه البخاري معلقا باب رقم (١٠) باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ، ومن الأقارب بعد رقم (٢٧٥١) في الوصايا. وقد قال الحافظ في الفتح : وقد أخرجه ابن خزيمة ، والطحاوي جميعا عن أبي مرزوق. وأبو نعيم في (المستخرج) من طريقه والبيهقي من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري بتمامه.

(٢) رواه مالك في الموطأ (١١٣٩) ، والنسائي (٥ / ١٨٢ و ١٨٣) و (٧ / ٢٠٥) وإسناده صحيح. قال الحافظ في الفتح (٤ / ٢٨) : أخرجه مالك وأصحاب السنن. وصححه ابن خزيمة وغيره.

(٣) لم نجده بهذا اللفظ.

(٤) رواه أبو داود (٣٥٦١) ، والترمذي (١٢٦٦). من حديث الحسن عن سمرة. والحسن مختلف في سماعه من سمرة. وقال الترمذي : هذا حديث حسن بلفظ (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).

١١٤

مفتاح الكعبة ، فأنزل اللهعزوجل :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) [النّساء : الآية ٥٨] ، فدفع المفتاح إلى عثمان بن طلحة. وفي حديث آخر : إلى شيبة بن عثمان ، والقول الأول قول مالك وهو أشهر.

وروي أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم نادى : «أين عثمان؟» فتطاول له عثمان بن عفان فقال : «أين عثمان بن طلحة؟» وكان عثمان بن طلحة قصيرا فحمله رجل من بني الحضرمي فدفع إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح ، وكان مغطى فغطاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «دونكموها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا يظلمكموها إلا ظالم»(١) .

وفي رواية أخرى : «إلا كافر». وكان ذلك عام حجة الوداع ، وكان طلحة والد عثمان هذا قتله علي بن أبي طالب يوم أحد مبارزة ، فصار المفتاح عند أم ولده سلافة أم عثمان بن طلحة. واختلف أبو حنيفة والشافعي ومالك في تحليف الأمين إذا ادعى التلف ، فقال أبو حنيفة والشافعي : يحلف وإن كان أمينا ، وقال مالك : لا يحلف إلا أن يكون متهما.

قال ابن المنذر في الأشراف : اليمين أصح وأحسن. وروى ابن نافع عن مالك في (المبسوط) : إذا ادعى المقارض أن المال تلف أو بعضه حلف كان متهما أو غير متهم ، وبه قال ابن المواز.

وفي الواضحة : لا يحلف إلا أن يكون متهما أو غير أمين.

وفي المبسوط في تلف الوديعة كذلك يحلف على كل حال ، وكذلك في المدونة لابن القاسم عن مالك يحلف متهما كان أو غير متهم.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في ضمان العارية التي يغلب عليها

في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلن في أرضهن ، وهن غير مهاجرات ، وأزواجهن حين أسلمن كفار ، منهن : بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية ، فأسلمت يوم الفتح ، وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام ، فبعث إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عمه وهو : وهب بن عمير برداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمانا لصفوان بن أمية ، ودعاه رسول الله إلى الإسلام وأن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله وإلا سيّره شهرين ، فلما

__________________

(١) رواه ابن ابي شيبة (١٤ / ٤٧٨). وابن كثير في التفسير باب قوله تعالى( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (ج / ١ / ٥١٥) وقال ابن كثير. وقال محمد بن اسحاق في غزوة الفتح : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل بمكة واطمأن. وذكره. وصفية بنت شيبة ـ قال الحافظ في التقريب : لها رؤية. حدثت عن عائشة وغيرها. وفي البخاري التصريح بسماعها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم . ومحمد بن جعفر بن الزبير قال الحافظ : ثقة.

١١٥

قدم صفوان إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بردائه ناداه على رءوس الناس فقال : يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني للقدوم عليك ، فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل لك أن تسير أربعة أشهر» ، ثم إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج قبل هوازن بحنين ، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعير أداة وسلاحا عنده ، فقال صفوان : أطوعا أم كرها؟ قال : «بل طوعا» ، فأعاره الأداة والسلاح الذي عنده.

وفي رواية يحيى : ثم رجع وهو غلط. والصواب ثم خرج ـ وكذلك سائر الرواة ـ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ، ولم يفرق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت امرأته عنده بذلك النكاح ، وكان بين إسلامهما نحوا من شهر(١) .

وفي مصنف عبد الرزاق عن بعض بني صفوان بن أمية قال : استعار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان عاريتين : إحداهما بضمان والأخرى بغير ضمان(٢) .

وفي السير وغيرها ، وذكره ابن شعبان : أن العارية كانت مائة درع بما يكفيها من السلاح ، وزعموا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل. وفي كتاب النسائي : حملها على ثلاثين جملا(٣) ، وفي غير الموطأ : أن صفوان بن أمية قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سأله السلاح : أغصبا يا محمد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل عارية مؤداة»(٤) ، فأصحاب الكلام يرون العارية في ضمان المستعير حتى يؤديها إلى صاحبها وإن تلفت وعرف تلفها لم يسقط الضمان لظاهر الحديث. ومالك ـرحمه‌الله ـ وغيره أيضا يقولون : إذا قامت بينة بهلاك العارية سقط الضمان ، فإن كانت مما لا يغاب عليه : كالحيوان ، فلا ضمان عليه ، وهو مصدّق في ادعاء التلف مع يمينه ما لم يظهر كذبه.

وفي مصنف أبي داود أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا صفوان هل عندك من سلاح؟» قال : أعارية أم غصب؟ قال : «بل عارية» ، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا ، وغزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لصفوان : «إنا فقدنا من دروعك أدراعا فهل نغرم لك» ، فقال : لا يا رسول الله لأن في قلبي اليوم ما لم

__________________

(١) رواه مالك (٢ / ٥٤٣ و ٤٤٤) بلاغا وإسناده منقطع ـ قال ابن عبد البرّ : لا أعلمه يتصل من وجه صحيح.

وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن شهاب إمام أهلها. وشهده هذا الحديث أقوى من إسناده. وقد روى بعضه مسلم.

(٢) رواه عبد الرزاق (١٤٧٨٩) وفيه جهالة الرجل. الراوي عنه معمر رحمه‌الله.

(٣) رواه النسائي (٥٧٧٦) و (٥٧٧٧) ، والدارقطني (٣ / ٣٩) من حديث يعلى بن أمية رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٤) رواه الدارقطني (٣ / ٣٩ و ٤٠) من حديث يعلى بن أمية وهو حديث حسن.

١١٦

يكن يومئذ. وقال أبو داود : وكان أعاره إياها قبل أن يسلم(١) . وفي الدلائل للأصيلي قال مالك : لا ضمان في عارية إلا ما يغاب ويخفى هلاكه فإن علم هلاكه بغير سبب المستعير فلا ضمان عليه. وقال أبو حنيفة : لا ضمان في عارية خفي هلاكها أو لم يخف. وقال الشافعي : تضمن العارية على كل حال ، وإن قيل أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «على اليد رد ما أخذت». قيل : هذا الحديث يروى عن الحسن ، عن سمرة ، والحسن عن سمرة غير حجة أيضا فإن الحسن لا يرى تضمين العارية ، فإن قيل : إن في حديث صفوان بل عارية مضمونة فيقال لهم : لو ثبت هذا اللفظ ما لزم أن تكون العارية بذلك مضمونة كما كان. زعم الشافعي أن استعارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان قبل إسلام صفوان فالتزم له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ضمان العارية لمكان الوفاء منه لصفوان ، ولما أعطاه من ألزمه في نفسه وما لزم به لأهل الكفر لا يستدل به في أحكام الدين.

وروى قاسم بن أصبغ عن ابن وضاح عن سحنون عن ابن قيس عن حمزة بن أبي حمزة الضبي يرفع الحديث إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من بنى في ربع قوم بإذنهم فأرادوا إخراجه فله قيمته ومن بنى في ربع قوم بغير إذنهم فليس له إلا النقض»(٢) . وتكلّم في عمرو بن قيس وحمزة الضبي.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في المواريث

في معاني القرآن للنحاس : روى جابر بن عبد الله الأنصاري : أن امرأة سعد بن الربيع أتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن زوجي قتل معك ، وإنما يتزوج النساء للمال. وخلّفني وخلف ابنتين وأبا وهو الربيع ، فأخذ الأب المال فدعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ادفع إليها الثمن وإلى البنتين : الثلثين ولك ما بقي»(٣) .

وذكر محمد بن سحنون في كتاب الفرائض من تأليفه أنها لما قالت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد علمت أن النساء إنما ينكحن لأموالهن. قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد يرى الله مكانهما وإن يشأ أنزل فيهما» ، فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أياما ، ثم أرسل إلى امرأة سعد أن تعالي فقد أنزل الله فيك وفي ابنتيك ، فتلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ) [النّساء : الآية ١١]. فأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الزوجة : الثمن ،

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٥٦٣) عن أناس من آل عبد الله بن صفوان وإسناده صحيح.

(٢) رواه الدارقطني (٤ / ٢٤٣) ، والبيهقي (٦ / ٩١) ، وابن عدي (٥ / ٨) ترجمة عمر بن قيس المكي. وفي إسناده عمر بن قيس قال الدارقطني : تركه أحمد والنسائي. وقال يحيى : ليس بثقة. وقال البخاري : منكر الحديث.

(٣) ذكره النحاس في معاني القرآن. من حديث جابررضي‌الله‌عنه بدون سند ويشهد له ما بعده.

١١٧

والابنتين : الثلثين ، والأب ما بقي. قال : فهذا أول ميراث قسم في الإسلام ، ميراث : سعد بن الربيع الأنصاري. أخبرنيه سحنون عن ابن وهب ، عن داود بن قيس ، وغيره عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله : أن امرأة سعد(١) .

وفي البخاري : قال هذيل بن شرحبيل : سئل أبو موسى عن رجل توفّي ، وترك ابنة ، وابنة ابن ، وأختا ، فقال : للابنة النصف ، وللأخت النصف ، وائت ابن مسعود فسيتابعني. فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، أقضي بينهم بما قضى به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت ، فأتيا أبا موسى فأخبراه بقول ابن مسعود فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم(٢) .

وفي البخاري ومسلم عن ابن عباس : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأول رجل ذكر»(٣) . وتأول هذا عند أهل العلم في العصبة الذين لا يرثون إلا أن يكونوا رجالا مثل : العمّات والأعمام ، وبني الأخوة ، وبني الأعمام ، وإنما يؤخذ ما بقي من هؤلاء الرجال دون النساء ، وأما لو ترك الميت ابنة وأختا شقيقة كان للابنة النصف ، والنصف بين الأخوين للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك ابنة وأخا وأختا للأب. الجواب فيها سواء ، ولا يقال في هذا : الذكر أولى من أخته. وفي غير البخاري ومسلم عن ابن عباس وابن الزبير في ابنة وأخت قالا : للابنة النصف ، وللعصبة النصف ، ولا شيء للأخت. قيل لابن عباس : إن ابن عمر كان يرى للابنة النصف ، وللأخت النصف. فقال ابن عباس : أنتم أعلم أم الله؟ قال معمر : فلم أدر ما وجه ذلك حتى أتيت ابن طاوس فأخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عباس يقول : قال اللهعزوجل :( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) [النّساء : الآية ١٧٦]. قال ابن عباس : فقلتم أنتم أن لها النصف وإن كان له ولد.

قال ابن طاوس : كان أبي يذكر عن ابن عباس عن رجل عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها شيئا ، وكان طاوس لا يرضى ذلك الرجل ، وكان يشك فيها فلا يقول فيها شيئا(٤) .

__________________

(١) رواه أحمد (١٤٧٩٨) ، والترمذي (٢٠٩٢) ، وأبو داود (٢٨٩١ و ٢٨٩٢) ، والبيهقي (٦ / ٢١٦) و (٢٢٩) ، والدارقطني (٤ / ٧٨ و ٧٩) ، والحاكم (٤ / ٣٣٣) من حديث جابررضي‌الله‌عنه . وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل. قال الحافظ : صدوق في حديثه لين يقال تغير بآخره. أقول : وللحديث شواهد يتقوى بها.

(٢) رواه البخاري (٦٧٣٦ و ٦٧٤٢). من حديث أبي مولىرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري (٦٧٣٥) ، ومسلم (١٦١٥) ، وأبو داود (٢٨٩٨) من حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما .

(٤) ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) وقال : وقد نقل ابن جرير وغيره عن عبد الله بن الزبير وابن عباس أنهما كانا يقولان وذكره. هكذا بدون سند (ج / ١ / ٥٩٣).

١١٨

وفي الموطأ عن ابن شهاب عن عثمان بن أبي إسحاق بن حرشة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال أبو بكر : ما لك في كتاب الله من شيء ، وما علمت لك في سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاها السدس ، فقال أبو بكر : هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة ، فأنفذ لها أبو بكر الصديق ، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها : ما لك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك ، وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ، ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها(١) .

وفي مصنف عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم قال : حدّثت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أطعم ثلاث جدات السدس ، قلت لإبراهيم : وما هنّ؟ قال : جدتا أبيه أم أمه وأم أبيه وجدته أم أمه(٢) .

وفي كتاب الفرائض من ديوان محمد بن سحنون قال : حدثني أبو محمد بن عمر عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب أنه قال : قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن الأخ للأب والأم أولى من الأخ للأب ، ثم الأخ للأب أولى من ابن الأخ للأب والأم ، فإذا كان بنو الأب والأم وبنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب والأم أولى من بني الأب ، وإذا كان بنو الأب أرفع من بني الأب والأم بأب فبنو الأب أولى ، وإذا استووا في النسب فبنو الأب والأم أولى من الأب.

قال : وقد قضى أن العم للأب والأم أولى من العم للأب ، وأن العم للأب أولى من بني العم للأب والأم ، فإذا كان بنو الأب والأم وبنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب والأم أولى من بني الأب ، ولا يرث عم ولا ابن عم مع أخ ولا ابن أخ وقضى أنه ما كان له عصبة من المجردين فلهم ميراثه على فرائضهم في كتاب الله تعالى(٣) .

قال محمد بن سحنون : وهذا الحديث مجمع عليه عند العلماء. روى حماد بن سلمة : أن ثابت بن الدحداح مات ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعاصم بن عدي : «هل تعلم له نسبا في العرب؟» فقال : لا إن عبد المنذر تزوج أخته فولدت له أبا لبابة ، وهو ابن أخته(٤) . من كتاب محمد بن النصر

__________________

(١) رواه مالك (٢ / ٥١٣) ، والترمذي (٢١٠١) ، وأبو داود (٢٨٩٤) وإسناده منقطع رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي بكر مرسلة. وحديث الباب يدل على أن فرض الجدة السدس. وكذلك فرض الجدتين والثلاث. وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي. وانظر (الفتح) (١ / ١٢ / ١٥ و ١٦).

(٢) رواه عبد الرزاق (١٩٠٧٩) ، والبيهقي (٦ / ٢٣٦) ، والدارمي (٢ / ٣٥٨) (٢٩٧٧) من طريق منصور عن إبراهيم بن زيد النخعي. وإسناده معضل.

(٣) هذا حديث منقطع. وفي إسناده ابن جريج قال الحافظ. كان يرسل ويدلس.

(٤) رواه البيهقي (٦ / ٢١٥). وإسناده منقطع.

١١٩

المروزي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ولا وارث له إلا خاله كتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له»(١) .

حدثنا وكيع عن أبي خالد عن الشعبي أن مولى لابنة حمزة توفي وترك ابنته وابنة حمزة ، فأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف(٢) .

قال الشعبي. لا أدري أكان هذا قبل الفرائض أم بعدها ، وابنة حمزة إنما أخرجها علي من مكة سنة سبع عام عمرة القضاء ، والفرائض إنما نزلت بعد أحد بقليل.

قال ابن أبي نصر وقال بعضهم : إنما خرجت من مكة وهي غير مدرك فإن كان ذلك فقد أمكن إدراكها وعتقها وموت مولاها في هذه المدة بعد نزول الفرائض. وفي هذا رد على من يورثه بالرد. وقد روي أن المولى كان لحمزة والصحيح كان لابنته. روى وائلة بن الأسقع أبو صافة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ترث المرأة ثلاثة مواريث : عتيقها ولقيطها والولد الذي لاعنت له»(٣) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

بالولد للفراش ومن استلحق بعد موت أبيه

من كتاب ابن نصر(٤) المروزي : اتفق أهل العراق والحجاز والشام ومصر : على أن الزاني لا يلحق به نسب ، وكان إسحاق بن راهواه يذهب إلى أن المولود من الزنا إن لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه فلا يرثه ، إذا ادّعاه الزاني ألحق به ، وتأول قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر»(٥) على ذلك ، واحتج بما روي عن الحسن في رجل زنى بامرأة فولدت ولدا فادعى ولدها قال : يجلد ، ويلزمه الولد.

__________________

(١) رواه البيهقي (٦ / ٢١٤) مطولا ، والترمذي (٢١٠٤) في الفرائض وهو حديث حسن.

(٢) رواه البيهقي (٦ / ٢٤١). وإسناده منقطع.

(٣) رواه البيهقي (٦ / ٢٤٠). وفي إسناده عمر بن روبة وقال : هذا غير ثابت. قال : البخاري عمر بن روبة التغلبي عن عبد الواحد النصري فيه نظر. بلفظ (تحوز المرأة ثلاثة مواريث لقيطها. وعتيقها. وولدها الذي لا عنت له). ورواه الحاكم في المستدرك (٤ / ٣٤١) وقال الذهبي في التلخيص : هو من السنن الأربع من طريق عمر بن روبة عن عبد الواحد بن عبد الله عن واثلةرضي‌الله‌عنه .

(٤) ابن نصر : هو أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه العابد العالم. كان عالما بالحديث والفقه ـ قال أبو محمد الثقفي : سمعت جدي يقول : جالست أبا عبد الله المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم. توفيرحمه‌الله سنة (٢٩٤ ه‍ (

(٥) رواه البخاري (٦٨١٨) ، ومسلم (١٤٥٨) ، والترمذي رقم (١١٥٧) من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه .

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وسلّم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان؟! فقال: أما ترضى. الحديث. وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. رواه الإِمام أحمد »(١) .

(١١٦)

ذكر سعيد الدين الكازروني

حديث الغدير بقوله: « وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٢) .

(١١٧)

رواية ابن كثير

ورواه اسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي الشافعي، في ذكر فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام تحت عنوان « حديث غدير خم »، فأورد حديث مناشدة الإِمام الناس في الرّحبة عن أبي الطفيل، ورواية أبي بكر الشافعي بسنده عن زيد بن أرقم، ورواية أبي يعلى وعبدالله بن أحمد حديث المناشدة أيضاً عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وكذا رواية الطبراني المناشدة عن عميرة بن سعد، وعن ابن عقدة بسنده عن زيد بن يثيع به، وكذا عن عبد الرزاق بسنده عن سعيد بن

____________________

(١). مرآة الجنان وعبرة اليقظان. حوادث سنة: ٤٠ وترجمته في طبقات السبكي ٦ / ١٠٣، الدرر الكامنة ٢ / ٢٤٧.

(٢). المنتقى في سيرة المصطفى - مخطوط. وترجمته في الدرر الكامنة ٤ / ٢٥٥.

١٨١

وهب وعبد خير، وعن أحمد عن سعيد، وعنه عن زياد بن أبي الأسلمي، وعنه عن زاذان.

قال: « ورواه أحمد عن علي نفسه: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، قال: فزاد الناس: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وقد روى هذا عن طرق متعددة عن علي، وله طرق متعددة أيضاً عن زيد ابن أرقم » ثم روى أحاديث أخرى غيرها.

وقد ذكرنا بعض تلك الأحاديث عن ابن كثير، كلاً في محله مما تقدّم في الكتاب.

وقال ابن كثير في ذكر خبر حجة الوداع: « وقال المطلب بن زياد: عن عبدالله بن محمد بن عقيل، سمع جابر بن عبدالله يقول: كنا بالجحفة بغدير خم، فخرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خباء أو فسطاط، فأخذ بيد علي فقال. من كنت مولاه فعلي مولاه. قال شيخنا الذهبي: هذا حديث حسن. وقد رواه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة، وغيره عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بنحوه »(١) .

وقال أيضاً: « وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي، ثنا أبوبكر بن أبي شيبة أنا شريك عن أبي يزيد الأودي عن أبيه قال: دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع الناس إليه، فقام إليه شابّ فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم.

ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن شاذان، عن شريك به. تابعه ادريس الأودي، عن أخيه أبي يزيد واسمه داود بن شريك به.

____________________

(١). تاريخ ابن كثير. حوادث السنة العاشرة.

١٨٢

ورواه ابن جرير أيضاً من حديث إدريس وداود، عن أبيهما عن أبي هريرة فذكره »(١) .

(١١٨)

رواية أبي حفص المراغي

ورواه أبو حفص عمر بن الحسن المراغي، فقد قال شمس الدين ابن الجزري: « أخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن المراغي فيما شافهني به، عن أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياًرضي‌الله‌عنه بالرحبة ينشد الناس: من سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقام اثنا عشر بدريّاً، فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك. هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة »(٢) .

ترجمته

١ - ابن الجزري: « عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة بن جمعة، أبو حفص المراغي الأصل، الحلبي المحتد، الدمشقي المزي المولد، رحلة زمانه في

____________________

(١). نفس المصدر. وتوجد ترجمة ابن كثير في: طبقات ابن قاضي شهبة والبدر الطالع ١ / ١٥٣ والنجوم الزاهرة ١١ / ١٢٣ وأنباء الغمر ١ / ٣٩ والدرر الكامنة ١ / ٣٩٩ وطبقات المفسرين ١ / ١١٠ وشذرات الذهب ٦ / ٢٣١.

(٢). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب:٣ - ٤.

١٨٣

علوّ الإسناد وكان خيراً ديناً ثقة صالحاً، إنفرد بأكثر مسموعاته، وتوفي في يوم الاثنين، ثامن ربيع الآخر سنة ٧٧٨. ودفن بالمزة ظاهر دمشق »(١) .

٢ - ابن روزبهان في ( شرح الشمائل ): « كان الشيخ المذكور ابن أميلة ثقة متقناً رحلة، يرحل إليه الناس في زمانه، وكان يسكن بمزة من الشام، وهو شيخ للشيخ أبي الخير محمد بن الجزري، وإليه ينتهي إسناده وغيره من أكابر المشايخ وأجلة الأصحاب ».

(١١٩)

رواية السيد علي الهمداني

ورواه السيد علي بن شهاب الدين الهمداني: « عن أبي عبدالله الشيبانيرضي‌الله‌عنه قال: بينما أنا جالس عند زيد بن أرقم في مجلس بني الأرقم، إذ جاء رجل فقال: أيّكم زيد بن أرقم؟ فقال القوم: هذا زيد. فقال: أنشدك بالذي لا إله إلّا هو سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم.

و عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه قال: من صام يوم الثامن عشر من ذي الحجة كان له كصيام ستين شهراً، وهو اليوم الذي أخذ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي في غدير خم، فقال عليه الصلاة والسلام: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، واخذل من خذله.

وعن الإِمام الباقر عن آبائهعليهم‌السلام مثل ذلك، بل روي عن كثير من الصحابة في أماكن مختلفة هذا الخبر.

____________________

(١). طبقات القراء ١ / ٥٩٠.

١٨٤

عن عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه قال: نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً علماً. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، واخذل من خذله وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي عليهم. قال: وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح، فقال لي: يا عمر لقد عقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقداً لا يحلّه إلّا منافق، فاحذر أن تحلّه. قال عمر: فقلت يا رسول الله إنّك حيث قلت في علي كان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح قال: كذا وكذا قال: نعم يا عمر، إنه ليس من ولد آدم، لكنه جبرئيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي.

وعن البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال: أقبلت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع وفيه نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية »(١) .

(١٢٠)

رواية ابن المحب

ورواه محمد بن عبدالله ابن المحب المقدسي قال ابن الجزري: « وألطف طريق وقع لهذا الحديث وأغربه: ما حدثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ، أبوبكر محمد بن عبدالله بن المحب المقدسي مشافهة، أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب ابنة أحمد بن عبد الرحيم المقدسية حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرّضا، حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن: حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق، حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي، حدثتني

____________________

(١). المودة في القربى للسيد علي الهمداني. أنظر ينابيع المودة: ٢٤٩.

١٨٥

فاطمة بنت علي بن الحسين، حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي، عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبيعليه‌السلام ، عن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورضي عنها. قالت: أنسيتم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسىعليهما‌السلام ؟

هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء وقال: هذا الحديث مسلسل من وجه، وهو أن كل واحدة من الفواطم تروي عن عمة لها، فهو رواية خمس بنات أخ كل واحدة منهنّ عن عمّتها »(١) .

ترجمته

١ - ابن الجزري: « شيخنا وإمامنا ومبرّزنا، الحافظ الكبير، شمس الدين أبوبكر ابن الحافظ محب الدين أبي محمد الشهير بابن المحب الصامت، ولد يوم الجمعة أول شعبان سنة ٧١٢ وسمع منه الأئمّة والحفّاظ وكان صالحاً قانتاً، قانعاً باليسير، متقشفاً لا مبالياً لأحد غيري، ربما جاءني إلى منزلي فأسمعني وأسمع أهلي وأولادي، وانتهى إليه الحفظ في زمانه، رجالاً ومتناً ومعرفة للأجزاء ورواتها، توفي في ليلة الأحد الخامس من شوال سنة ٧٨٩ »(٢) .

٢ - السيوطي: « ابن المحب الحافظ وكان عالماً متقناً فقهياً »(٣) .

____________________

(١). أسنى المطالب:٣ - ٤.

(٢). طبقات القراء ٢ / ١٧٤.

(٣). طبقات الحفاظ: ٥٣٥.

١٨٦

(١٢١)

رواية خواجة پارسا

ورواه محمد بن محمد الحافظي الشهير بخواجة پارسا بقوله: « وعن عمررضي‌الله‌عنه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليرضي‌الله‌عنه : من كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

(١٢٢)

رواية ابن الحزري

وروى شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري حديث الغدير - كما علمت فيما تقدم عن شيخه المراغي ثم قال ما نصه: « هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه ، وهو متواتر أيضاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم.

فقد ورد مرفوعاً عن: أبي بكر الصدّيق، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف

____________________

(١). ترجمته في الضوء اللامع ١٠ / ٢٠ والشقائق النعمانية ١ / ٢٨٦ وفوائد أبي الحسنات ص ١٩٩، ونفحات الأنس ٣٩٢ وغيرها.

١٨٧

والعباس بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبدالله، وعبدالله بن عباس، وحبشي بن جنادة، وعبدالله بن مسعود، وعمران بن حصين، وعبدالله ابن عمر، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وأسعد بن زرارة، وخزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، وصحّ عن جماعة منهم ممن يحصل القطع بخبرهم.

وثبت أيضاً أن هذا القول كان منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم ». ثم إن الحافظ ابن الجزري روى ما تقدم نقله عنه عن شيخه الحافظ ابن المحب المقدسي(١) ، ولا نعيده

ترجمته

١ - القاضي مجير الدين أبو اليمن عبد الرحمن العليمي: « شيخ الإسلام شمس الدين، أبو الخير محمد بن محمد الجزري، الدمشقي المقري الشافعي. مولده في ليلة السبت سادس عشر رمضان سنة ٧٥١، اعتنى بالقراءات فأتقنها ومهر فيها، وله مصنفات جليلة وتوفي بشيراز نهار عيد الأضحى سنة ٨٣٣رضي‌الله‌عنه ورحمه »(٢) .

٢ - الفضل بن روزبهان في ( شرح الشمائل ): « أبو الخير محمد بن محمد بن محمد الجزري رحمه الله تعالى ، شيخ مشايخ الإسلام، وقاضي القضاة بن الأنام، الجامع لأقسام العلوم الشرعية، والحاوي للمعارف الأصلية والفرعية، كان متوحّداً في زمانه في علوّ الشأن في العلوم سيّما في القراءة، فقد وصف الشيخ الامام

____________________

(١). أسنى المطالب:٣ - ٤.

(٢). الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ٢ / ١٠٩.

١٨٨

الأجل أبوالفضل العسقلاني - شهر بابن حجر - إنه المتفرد الوحيد في القراءة، والمشارك في الحديث، وصاحب الفقه، اشتهر في زمانه بعلو الإِسناد، سافر البلاد ولاقى المشايخ وصحبهم ...»(١) .

(١٢٣)

رواية المقريزي

وقال أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي: « عيد الغدير - إعلم أن عيد الغدير لم يكن عيداً مشروعاً، ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم، وأوّل ما عرف في الإِسلام بالعراق أيام معز الدولة علي بن بويه، فإنه أحدثه في سنة ٣٥٢، فاتّخذه الشيعة من حينئذٍ عيداً.

وأصلهم فيه ما خرجه الامام أحمد في مسنده الكبير من حديث البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال: كنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر لنا، فنزلنا بغدير خم، ونودي الصلاة جامعة، وكسح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين، فصلى الظّهر، وأخذ بيد علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فقال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه فقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة »(٢) .

____________________

(١). شرح الشمائل لابن روزبهان الشيرازي. وله ترجمة في: البدر الطالع ٢ / ٢٥٧ والضوء اللامع ٩ / ٢٥٥ وطبقات الداودي ٢ / ٥٩ وشذرات الذهب ٧ / ٢٠٤.

(٢). المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ١ / ٣٨٨ وتوجد ترجمة المقريزي في الضوء اللامع ٢ / ٢١.

١٨٩

(١٢٤)

رواية الدولت آبادي

ورواه شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي حيث قال: « وفي التشريح قال أبو القاسمرحمه‌الله : من قال: إن علياً أفضل من عثمان فلا شيء عليه، لأنه قال أبو حنيفةرضي‌الله‌عنه : وقال ابن مبارك: من قال إنّ عليّاً أفضل العالمين، أو أفضل الناس وأكبر الكبراء، فلا شيء عليه، لأن المراد منه أفضل الناس في عصره وزمان خلافته، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. أي في زمان خلافته »(١) .

(١٢٥)

رواية ابن حجر العسقلاني

ورواه ابن حجر العسقلاني حيث قال: « وروى هو ( يعني بريدة ) وأبو هريرة، وجابر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه»(٢) .

____________________

(١). هداية السعداء. مخطوط. وتوجد ترجمته في: سبحة المرجان: ٣٩، نزهة الخواطر ٣ / ١٩.

(٢). تهذيب التهذيب ٨ / ٣٣٧.

١٩٠

وقال بعد ذكر طرف من مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام : « قلت: لم يجاوز المؤلف ما ذكر ابن عبد البر وفيه مقنع، ولكنه ذكر حديث الموالاة عن نفر سماهم فقط، وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلف فيه أضعاف من ذكر، وصحّحه واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابيّاً أو أكثر »(١) .

وقد أورد ابن حجر حديث الغدير في ( الإِصابة ٤ / ٨٠ ) و ( فتح الباري ). و ( المطالب العالية ٤ / ٦٠ ) أيضاً.

قال في الثاني: « وأمّا حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي ، وهو كثير الطرق جداً، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان » ٧ / ٧٤.

(١٢٦)

رواية ابن الصبّاغ المالكي

ورواه نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ المالكي المكي عن الترمذي من حديث زيد بن أرقم، وعن أحمد بن حنبل في مسنده عن البراء بن عازب، وعن البيهقي عن البراء أيضاً.

ثم رواه عن العجلي بسنده إلى حذيفة بن أسيد الغفاري، وعامر بن ليلى ابن ضمرة، وقد تقدم نقله سابقاً(٢) .

____________________

(١). نفس المصدر ٧ / ٣٣٩. ومن مصادر ترجمة ابن حجر: الضوء اللامع ٢ / ٣٦ نظم العقيان: ٥، شذرات الذهب ٧ / ٢٧٠، حسن المحاضرة ١ / ١٠٦، طبقات الحفاظ ٥٤٧، البدر الطالع ١ / ٨٧.

(٢). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٤٠ / ٤١. ترجمته في الضوء اللامع ٥ / ٢٨٣.

١٩١

(١٢٧)

رواية الحسين الميبدي

ورواه حسين بن معين الدين الميبدي، حيث أورده عن أحمد من حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم مترجماً إيّاه إلى الفارسية(١) .

(١٢٨)

رواية العيني

ورواه محمود بن أحمد العيني، كما ستعرف ذلك إنْ شاء الله تعالى(٢) .

(١٢٩)

رواية أصيل الدين الواعظ

ورواه عبدالله بن عبد الرحمن الحسيني، المشتهر بأصيل الدين الواعظ، ذاكراً معناه بالفارسية ضمن بيان وقائع حجة الوداع(٣) .

____________________

(١). الفواتح: شرح ديوان أمير المؤمنين.

(٢). وتوجد ترجمة العيني في الضوء اللامع ١٠ / ١٣١ وبغية الوعاة ٣٨٦ وغيرهما.

(٣). درج الدرر ودرج الغرر في ميلاد سيد البشر.

١٩٢

ترجمته

وأصيل الدين الواعظ من مشايخ ( الدهلوي )، كما لا يخفى على ناظر رسالته في أصول الحديث، وقد ترجم له وأثنى عليه غياث الدين خواند أمير، وقد توفي في ١٧ ربيع الآخر سنة ٨٨٣(١) .

(١٣٠)

اثبات ابن روزبهان

حديث الغدير بقوله: « وأما ما روي من أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره يوم غدير خم، حين أخذ بيد علي وقال: ألست أولى. فقد ثبت هذا في الصحاح، وقد ذكرنا سرّ هذا في ترجمة كتاب كشف الغمّة في معرفة الأئمّة »(٢) .

(١٣١)

رواية السمهودي

ورواه نور الدين علي بن عبدالله السمهودي، وقد تقدم بعض ألفاظ

____________________

(١). حبيب السير في أخبار أفراد البشر ٤ / ٣٣٤، وانظر الضوء اللامع ٥ / ١٢.

(٢). إبطال الباطل لا بن روزبهان الشيرازي، ترجمته في الضوء اللامع ٦ / ١٧١.

١٩٣

روايته سابقاً(١) .

وقال في ( وفاء الوفاء ): « وفي مسند أحمد عن البراء بن عازب، قال: كنا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة، وكسح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة، فصلى الظهر، وأخذ بيد علي، وقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: فأخذ بيد علي وقال: أللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

و عن زيد بن أرقم مثله ».

ترجمته

١ - السخاوي: « ولد في صفر سنة ٨٤٤ هو إنسان فاضل، متفنّن متميّز في الفقه والأصلين، مديم للعمل والجمع والتأليف، متوجه للعبادة وللمباحثة والمناظرة، قوي الجلادة على ذلك، طلق العبارة فيه، مغرم به، مع قوة نفس وتكلّف »(٢) .

٢ - ابن العماد: « نزيل المدينة المنورة، وعالمها ومفتيها، ومدرسها ومؤرخها، الشافعي، الامام القدوة الحجة المفنّن »(٣) .

٣ - ابن العيدروس: وذكر مشايخه، وعد تآليفه، وأثنى عليها(٤) .

٤ - الشوكاني كذلك(٥) .

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

(٢). الضوء اللامع ٥ / ٢٤٥.

(٣). شذرات الذهب ٨ / ٥٠.

(٤). النور السافر ٥٨ - ٦٠.

(٥). البدر الطالع ١ / ٤٧٠.

١٩٤

(١٣٢)

رواية السيوطي

لقد تقدم كلامه الصريح في تواتر حديث الغدير.

وقال في ( تاريخ الخلفا ): « وأخرج الترمذي عن سريحة أو زيد بن أرقم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وأخرجه أحمد عن علي وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن أرقم وعمرو ذي مر، وأبو يعلى عن أبي هريرة. والطبراني عن ابن عمر ومالك بن الحويرث وحبشي بن جنادة وجرير وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري وأنس. و البزار عن ابن عباس وعمارة وبريدة. وفي أكثرها زيادة: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

و لأحمد عن أبي الطفيل قال: جمع علي الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما قال لما قام. فقام إليه ثلاثون من الناس فشهدوا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

ترجمته

١ - ابن العماد: « المسند المحقق المدقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة »(٢) .

____________________

(١). تاريخ الخلفاء: ١٦٩.

(٢). شذرات الذهب ٨ / ٥١.

١٩٥

٢ - ابن العيدروس، وقد أثنى عليه الثناء البالغ، وذكر بعض كراماته وتآليفه(١) .

٣ - السيوطي نفسه، فذكر ترجمته بالتفصيل، من ولادته في سنة ٨٤٩ ودروسه ومشايخه، ومؤلفاته، وما قيل في حقه(٢) .

(١٣٣)

رواية جمال الدين المحدّث

ورواه عطاء الله بن فضل الله المعروف بجمال الدين المحدّث الشيرازي عن الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، وذكر نزول قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ ) الآية في حق الحارث، ثم قال:

« أصل هذا الحديث سوى قصة الحارث متواتر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو متواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً، رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة، فرواه ابن عباس ولفظه قال: لـمّا أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقوم بعلي بن أبي طالب الذي قام به، فانطلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر وبجاهلية، ومتى أفعل هذا به يقولون: صنع هذا بابن عمه، ثم مضى حتى قضى حجّة الوداع، ثم رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فقام مناد فنادى الصلاة جامعة، ثم قام وأخذ بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

____________________

(١). النور السافر ٥٨ - ٦٠.

(٢). حسن المحاضرة ١ / ٤٣٥ - ٣٤٤.

١٩٦

ورواه حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لـمّا صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث إليهنّ فقمّ ما تحتهنّ من الشوك، ثم عمد إليهنّ فصلّى تحتهنّ، ثم قام فقال: أيّها الناس قد نبّأني اللّطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلّا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله، وإنّي لأظن أن أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسئول وإنكم مسئولون، فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً، فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ ثم قال:

أيّها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم قال: أيّها الناس إني فرطكم وأنتم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيها، الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض.

ورواه زر بن حبيش فقال: خرج عليعليه‌السلام من القصر، فاستقبله ركبان متقلّدي السيوف، عليهم العمائم، حديثي عهد بسفر فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا، فقال عليعليه‌السلام بعد ما ردّ السلام: من هاهنا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقام اثنا عشر رجلاً، منهم: خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين، وثابت بن قيس بن شماس، وعمار بن ياسر، وابو الهيثم ابن التيهان، وهاشم بن عتبة، وسعد بن أبي وقاص، وحبيب بن بديل بن ورقاء. فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت

١٩٧

مولاه فعلي مولاه. الحديث.

فقال علي لأنس بن مالك والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا، فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال: اللهم إنْ كانا كتماها معاندة فأبلهما، فأمّا البراء فعمي، فكان يسأل عن منزله فيقول: كيف يرشد من أدركته الدعوة، وأمّا أنس فقد برصت قدماه، وقيل: لـمّا استشهده عليعليه‌السلام على قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه، واعتذر بالنسيان فقال: اللهم إنْ كان كاذباً فاضربه ببياض لا تواريه العمامة. فبرص وجهه، فسدل بعد ذلك برقعاً على وجهه »(١) .

ورواه أيضاً في كتابه ( روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب ) وهو الكتاب الذي اعتمد عليه أصحاب السير والمؤرخون، كما لا يخفى على من راجع: ( الخميس ) و ( حبيب السير ) و ( إزالة الخفاء ).

(١٣٤)

ذكر عبد الوهاب البخاري

ابن محمد بن رفيع الدين البخاري، حديث الغدير. وسيأتي نصّ كلامه إنْ شاء الله(٢) .

____________________

(١). الأربعين - مخطوط.

(٢). وهو من علماء الهند، وقد ترجمه الشيخ عبد الحق الدهلوي في أخبار الأخيار: ٢٠٦.

١٩٨

(١٣٥)

رواية ابن حجر المكّي

ورواه أحمد بن محمد بن علي بن حجر المكي، ضمن فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: « وأنّه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. رواه ثلاثون صحابياً »(١) .

وقال في ( الصواعق ) في الجواب عن حديث الغدير: « وجواب هذه الشبهة التي هي أقوى شبههم، يحتاج إلى مقدمة، وهي بيان الحديث ومخرّجيه، وبيانه: إنّه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، فطرقه كثيرة جدّاً، ومن ثم رواه ستة عشر صحابيا، وفي رواية لأحمد إنه سمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثون صحابيا، وشهدوا به لعلي لـمّا نوزع أيام خلافته كما مر، وسيأتي، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته، ولا لمن ردّه بأن علياً كان باليمن، لثبوت رجوعه منها، وإدراكه الحج مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقول بعضهم: إن زيادة: اللهم وال من والاه إلى آخر موضوعة. مردود، فقد ورد ذلك من طرق صحّح الذهبي كثيراً منها »(٢) .

وقال أيضاً: « قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وقد مر في حادي عشر الشّبه أنه رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثون صحابياً، وأن كثيراً من طرقه صحيح أو

____________________

(١). المنح المكية - شرح القصيدة الهمزية.

(٢). الصواعق المحرقة: ٢٥.

١٩٩

حسن، ومرّ الكلام ثم على معناه مستوفى »(١) .

ترجمته

وتوجد ترجمة ابن حجر المكي في: ريحانة الألباء ١ / ٤٣٥ والنور السافر ٢٨٧، والبدر الطالع ١ / ١٠٩ وغيرها.

قالالعيدروس: « الشيخ الامام، شيخ الإسلام، خاتمة أهل الفتيا والتدريس، كان بحراً في علم الفقه وتحقيقه لا تدركه الدّلاء، إمام الحرمين كما أجمع على ذلك العارفون، وانعقدت عليه خناصر الملأ، إمام اقتدت به الأئمّة وهمام صار في إقليم الحجاز أمة، مصنفاته في العصر آية، يعجز عن الإتيان بمثلها المعاصرون، فهم عنها قاصرون ».

(١٣٦)

رواية المتقي

ورواه علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي في ( كنز العمال )، وقد علمت ذلك من مواضع متعددة من الكتاب.

ترجمته

وتوجد ترجمة المتقي في: أخبار الأخيار ٢٤٥، وسبحة المرجان ٤٣، والنور السافر ٣١٥.

وقد وصفهابن العيدروس: بقوله: « كان من العلماء العاملين، وعباد الله

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٨٤.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424