نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٧

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 424

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 424 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 281009 / تحميل: 7433
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ومن أهمّ علامات الأولياء كما في قوله تعالى :( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) .

ولمّا وصل البحث إلى هذه النقطة ، نظر العلماء إلى الساعة وهي تشير إلى أنّ الوقت قد جاوز منتصف الليل.

فأرادوا الانصراف من المجلس ، ولكنّ النوّاب قال : ما وصلنا إلى نتيجة حول الآية الكريمة :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) إلى آخره والسيد بعد لم يتمّ كلامه في الموضوع.

فقال الحاضرون : لقد تعب السيد فنترك البحث إلى الليلة المقبلة إن شاء تعالى فتوادعنا وانصرفوا.

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٦٣.

٣٦١
٣٦٢

المجلس السادس

ليلة الأربعاء ٢٨ رجب ١٣٤٥ هجرية

قبل غروب الشمس جاءني إلى البيت حضرة الفاضل غلام إمامين ، وكان تاجرا محترما من أهل السنّة ، وهو رجل كيّس ورزين ، كان يحضر مجلس الحوار في كلّ ليلة.

جاءني وقال : أيها السيد الجليل! إنّما جئت في هذا الوقت وقبل مجيء رفاقي ، لأخبرك بأنّك كسبت قلوبنا ونوّرتها بكلامك الحلو وبيانك العذب ، فانجذب أكثر الحاضرين نحوك ، فقد كشفت لنا ما كان مستورا وبيّنت لنا الحقّ الذي كان مجهولا.

واعلم أنّنا حين انصرفنا في الليلة الماضية من المجلس ، وقع اختلاف شديد بيننا وبين علمائنا وعاتبناهم عتابا شديدا على إخفائهم هذه الحقائق عنّا وإغوائنا بالأكاذيب والأباطيل ، وكاد الأمر يؤول من التشاجر إلى التناحر ، ولكنّ بعض العقلاء والكبار توسّطوا في ذات البين وأنهوا القضيّة بسلام.

ولمّا صار وقت المغرب تهيّأت وقمت للصلاة ، واقتدى بي كلّ من

٣٦٣

كان في البيت ، وصلّى غلام إمامين أيضا معنا جماعة.

وبعد إتمامنا الصلاة ، جاء العلماء ومعهم الأصحاب والرفاق ، فأكرمهم صاحب البيت ورحّب بهم ورحبت بهم بدوري ، وبعد ما شربوا الشاي وتناولوا الحلوى ، وجّه الاستاذ نوّاب عبد القيّوم خان نظره إليّ واستاذن للسؤال ، فأذنت له.

فقال : نسألكم أن تتمّوا موضوع الليلة الماضية حول الآية الكريمة :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) .

قلت : إذا أذن لي المشايخ الحاضرون ، فلا مانع لديّ.

الحافظ : ـ وكان في حالة غضب ـ : لا مانع تكلّموا ونحن نستمع.

قلت : لقد بيّنت لكم في الليلة الماضية بعض الإشكالات الأدبية على تأويل الآية وتطبيقها على الخلفاء الراشدين.

وأمّا في هذه الليلة فنبحث فيها من جهات اخرى حتّى ينكشف الحقّ للحاضرين.

إنّ جناب الشيخ عبد السلام سلّمه الله تعالى أوّل كلّ صفة من الصفات الأربعة في الآية الكريمة على أحد الراشدين بالترتيب ، فأقول :

أوّلا : لم يذكر أحد من المفسّرين في شأن نزول الآية ، هذا التأويل.

ثانيا : كلّنا يعرف أنّ الصفات الأربعة المذكورة إذا اجتمعت كلّها في شخص واحد ، فهو المراد من الآية الكريمة.

وأمّا إذا تحقّق بعضها في شخص ، فلا يكون ذلك هو مقصود الآية ومرادها.

٣٦٤

ونحن إذا نظرنا في تاريخ الإسلام نظر تحقيق وتعمّق ، ودرسنا حياة الصحابة دراسة تحليلية ، ونظرنا في سيرتهم نظرة استقلالية ، بعيدا عن الأغراض النفسية والعوارض القلبية ، لوجدنا أنّ كلّ الصفات المذكورة في الآية الكريمة ما اجتمعت في واحد من الصحابة سوى مولانا علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

الحافظ : إنّكم معشر الشيعة تغالون في حقّ سيّدنا عليّ كرّم لله وجهه ، فكلّما وجدتم آية في وصف المؤمنين والمتّقين والمحسنين والصالحين ، تقولون : نزلت في شأن الإمام عليّ!!

قلت : هذا اتّهام وافتراء آخر منكم ، نحن الشيعة لا نغالي في حقّ مولانا الإمام عليّعليه‌السلام ، وإنّما نواليه ولا نبغضه ، كما أراد الله سبحانه ، فلذلك نقول فيه ما هو حقّه ، وإنّه لظاهر كالشمس في الضحى.

من ينكر فضلك يا حيدر؟!

هل ضوء الشمس ضحى ينكر؟!

وكلّ ما نقوله نحن في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إنّما هو من كتبكم ومصادركم!

الآيات النازلة في شأن عليّعليه‌السلام

وأمّا الآيات المباركة الكثيرة التي نقول بأنّها نزلت في شأن الإمام عليعليه‌السلام وفضله ، إنّما نذكر رواياتها وتفاسيرها من كتبكم المعتبرة ومن تفاسير علمائكم الأعلام.

فإنّ الحافظ أبو نعيم ، صاحب كتاب «ما نزل من القرآن في عليّ»

٣٦٥

والحافظ أبو بكر الشيرازي ، صاحب كتاب «نزول القرآن في علي» والحاكم الحسكاني ، صاحب كتاب «شواهد التنزيل» فهؤلاء من علماء الشيعة أم من علمائكم؟!

والمفسّرون الكبار ، أمثال : الإمام الثعلبي والسيوطي والطبري والفخر الرازي والزمخشري ، والعلماء الأعلام ، أمثال : ابن كثير ومسلم والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود وأحمد بن حنبل وابن حجر والطبراني والكنجي والقندوزي ، وغيرهم ، الّذين ذكروا في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم ، الآيات القرآنية التي نزلت في شأن الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام

هل هم من علماء الشيعة أم من أهل السنّة والجماعة؟!

ولقد روى الحسكاني ، والطبراني ، والخطيب البغدادي في تاريخه ، وابن عساكر في تاريخه ، في ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام ، وابن حجر في الصواعق : ٧٦ ، ونور الأبصار : ٧٣ ، ومحمد بن يوسف الكنجي في «كفاية الطالب» في أوائل الباب الثاني والستّين ، في تخصيص عليعليه‌السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، بإسنادهم عن ابن عبّاس ، قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ثلاثمائة آية.

وروى العلامة الكنجي في الباب الحادي والثلاثين بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنزل الله تعالى آية فيها :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلاّ وعليّ رأسها وأميرها.

ورواه عن طريق آخر : إلاّ وعليّ رأسها وأميرها وشريفها.

وروى في الباب عن ابن عبّاس أيضا أنّه قال : ولقد عاتب الله عزّ وجلّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير آي من القرآن وما ذكر عليّا إلاّ بخير.

٣٦٦

فمع هذه الأخبار المتضافرة والروايات المعتبرة الجمّة التي رواها كبار علمائكم ومحدّثيكم ، نحن لا نحتاج لوضع الأحاديث وجعل الأخبار في شأن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وإثبات فضله وجلالته وخلافته.

فإنّ رفعة مقامه وسموّ شأنه وعلوّ قدره يلوح للمنصفين في سماء العلم والمعرفة ، كشمس الضحى في وسط السماء ، لا ينكرها إلاّ فاقدو البصر أو السفهاء.

وكما ينسب إلى الإمام محمّد بن إدريس الشافعي ـ أو غيره من الأعلام ـ أنّه حين سئل عن فضل الإمام عليّعليه‌السلام قال : ما أقول في رجل ، أخفى أعداؤه فضائله بغضا وحسدا ، وأخفى محبّوه فضائله خوفا ورهبا ، وهو بين ذين وذين قد ملأت فضائله الخافقين(١) .

وأمّا حول الآية الكريمة ، فإنّي كلّ ما أقوله فهو من كتبكم وأقوال علمائكم ، كما إنّي إلى الآن ما تمسّكت بأقوال الشيعة في محاوراتي معكم ، ولا أحتاج أن أتمسّك بها في محاوراتي الآتية أيضا إنشاء الله تعالى.

وأمّا تطبيق الآية الكريمة :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) على مولانا وسيّدنا الإمام عليّعليه‌السلام ، فهو ليس قولي فحسب ، بل أذكر جيّدا أنّ العلاّمة محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي ، في

__________________

(١) وفيه يقول الشاعر :

لقد كتموا آثار آل محمّد

محبّوهم خوفا وأعداؤهم بغضا

فأبرز من بين الفريقين نبذة

بها ملأ الله السموات والأرضا

والقول أعلاه لأحمد بن حنبل لا للشافعي! «المترجم»

٣٦٧

كتابه «كفاية الطالب» في الباب الثالث والعشرين ، وبعد روايته للحديث النبويّ الشريف الذي يشبّه فيه الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بالأنبياء والمرسلينعليهم‌السلام فيقول العلاّمة الكنجي في شرحه للحديث : وشبّهه بنوح في حكمته ، وفي رواية في حكمه ، وكأنّه أصحّ لأنّ عليّاعليه‌السلام كان شديدا على الكافرين رءوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله :( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوحعليه‌السلام على الكافرين بقوله :( ... رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) (١) إلى آخر كلام العلاّمة الكنجي.

وأمّا قول الشيخ عبد السّلام : بأنّ( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) إشارة إلى أبي بكر لأنّه كان صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار.

فإنّي أجبت بأنّ صحبته كانت من باب الصدفة ، ولو سلّمنا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذه معه لا عن صدفة ، فهل مرافقة أيّام قلائل وصحبة سفر واحد ، تساوي مرافقة أكثر العمر وصحبة سنين عديدة هي التي قضاها مولانا الإمام عليّعليه‌السلام تحت رعاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعلّم عنده وتأدّب بآدابه وتربّى على يده وتحت إشرافه؟!

فلو أنصفتم لقلتم : إنّ عليّا أخصّ من أبي بكر في هذه الصفة أيضا ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذه من أبي طالب وربّاه في حجره وعلّمه وأدّبه ، فكان أوّل من آمن به وعمره حينذاك عشر سنين ، آمن عليّعليه‌السلام حين كان أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية وغيرهم من المسلمين ، كفّارا مشركين ، يعبدون الأوثان ويسجدون للأصنام ، وعلي

__________________

(١) سورة نوح ، الآية ٢٦.

٣٦٨

ما سجد لصنم قطّ ، كما صرّح كثير من علمائكم.

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مربّي عليعليه‌السلام ومعلّمه

لقد ذكر بعض علمائكم موضوع تربية النبيّ عليّا من الصغر.

منهم ابن الصبّاغ المالكي في كتابه «الفصول المهمّة» فإنه خصّص فصلا في الموضوع.

ومنهم محمّد بن طلحة الشافعي في كتابه «مطالب السئول» في الفصل الأوّل.

والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب السادس والخمسين ، ص ٢٣٨ ط المكتبة الحيدرية ، نقلا عن «ذخائر العقبى» للطبري.

والثعلبي في تفسيره ، عن مجاهد.

وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣ / ١٩٨ ط دار إحياء الكتب العربية ، نقلا عن الطبري في تاريخه(١) ، روى بإسناده عن مجاهد ، قال : كان من نعمة الله عزّ وجلّ على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وما صنع الله له ، وأراده به من الخير ، أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعبّاس ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : يا عبّاس ، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة ، فانطلق بنا فلنخفّف عنه من عياله ، آخذ من بيته

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٢ / ٣١٣ طبعة المعارف.

٣٦٩

واحدا ، وتأخذ واحدا ، فنكفيهما عنه.

فقال العبّاس : نعم.

فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب ، فقالا له : إنا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه.

فقال لهما : إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا فضمّه إليه ، وأخذ العبّاس جعفرارضي‌الله‌عنه فضمّه إليه ، فلم يزل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّى بعثه الله نبيّا ، فاتّبعه عليّعليه‌السلام ، فآمن به وصدّقه ، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه(١) .

__________________

(١) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : ١٣ / ٢٠٠ ط دار إحياء الكتب العربية ، قال : وروى الفضل بن عبّاس ; ، قال : سألت أبي عن ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّهم كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له أشدّ حبّا؟ فقال : علي بن أبي طالب : فقلت : سألتك عن بنيه! فقال : إنّه كان أحب إليه من بنيه جميعا وأرأف ، ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا ، إلا أن يكون في سفر لخديجة ، وما رأينا أبا أبرّ بابن منه لعليّعليه‌السلام ، ولا ابنا أطوع لاب من عليّعليه‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونقل ابن أبي الحديد في ج ١٠ / ٢١ و ٢٢٢ ، عن أبي جعفر النقيب أنّه كان يقول : انظروا إلى أخلاقيهما وخصائصهما ـ أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ـ هذا شجاع ، وهذا شجاع.

وهذا فصيح ، وهذا فصيح.

وهذا سخيّ جواد ، وهذا سخيّ جواد.

وهذا عالم بالشرائع والأمور الإلهيّة وهذا عالم بالفقه والشريعة والأمور الإلهيّة الدقيقة الغامضة.

وهذا زاهد في الدنيا غير نهم ولا مستكثر منها ، وهذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتّع بلذّاتها.

٣٧٠

وقال ابن الصبّاغ المالكي بعد نقله للرواية : فلم يزل عليّعليه‌السلام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى بعث الله عزّ وجلّ محمّدا نبيّا ، فاتّبعه عليّعليه‌السلام وآمن به وصدّقه ، وكان إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره لم يبلغ الحلم ، وإنّه أوّل من أسلم وآمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذكور.

__________________

وهذا مذيب نفسه في الصلاة والعبادة ، وهذا مثله.

وهذا غير محبّب إليه شيء من الأمور العاجلة إلاّ النساء ، وهذا مثله.

وهذا ابن عبد المطّلب بن هاشم وهذا في قعدده ، وأبواهما أخوان لأب وأمّ ، دون غيرهما من بني عبد المطّلب ، وربّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجر والد هذا ، وهذا أبو طالب ، فكان جاريا عنده مجرى أحد أولاده.

ثمّ لمّا شبّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبر استخلصه من بني أبي طالب وهو غلام ، فربّاه في حجره مكافأة لصنيع أبي طالب به.

فامتزج الخلقان ، وتماثلت السجيتان ، وإذا كان القرين مقتديا بالقرين ، فما ظنّك بالتربية والتثقيف الدائر الطويل؟!

فواجب أن تكون أخلاق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأخلاق أبي طالب ، وتكون أخلاق عليّعليه‌السلام كأخلاق أبي طالب أبيه ، ومحمّد عليه‌السلام مربّيه ، وأن يكون الكلّ شيمة واحدة وسوسا ـ أي أصلا ـ واحدا ، وطينة مشتركة ونفسا غير منقسمة ولا متجزّئة ، وألاّ يكون بين بعض هؤلاء وبعض فرق ولا فضل ، لو لا أنّ الله تعالى اختصّ محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برسالته. واصطفاه لوحيه ، لما يعلمه من مصالح البريّة في ذلك ، ومن أنّ اللّطف به أكمل ، والنفع بمكانه أتمّ وأعمّ ، فامتاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك عمّن سواه ، وبقي ما عدا الرسالة على أمر الاتّحاد ، فقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

فأبان نفسه منه بالنبوّة وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركا بينهما. «المترجم»

٣٧١

عليّعليه‌السلام أوّل من آمن

ثمّ ينقل ابن الصبّاغ المالكي ، قول الإمام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) (١) ، أنّه روى عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمّد بن المنكدر وربيعة المرائي ، أنّهم قالوا : أوّل من آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خديجة أمّ المؤمنين ، هو علي بن أبي طالب.

وهذا الموضوع الهامّ صرّح به كبار علمائكم الأعلام ، مثل : البخاري ومسلم في الصحيح ، والإمام أحمد في مسنده ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب : ٣ / ٣٢ والإمام النسائي في الخصائص ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ٦٣ والحافظ سليمان الحنفي القندوزي في الينابيع ـ باب ١٢ ـ نقلا عن مسلم والترمذي ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : ١٣ / ٢٢٤ ط إحياء الكتب العربية ، والحمويني في فرائد السمطين ، والمير السيّد علي الهمداني في مودّة القربى ، والترمذي في الجامع : ٢ / ٢١٤ ، وابن حجر في الصواعق ، ومحمد بن طلحة القرشي في مطالب السئول ـ الفصل الأوّل ـ ، وغيرهم من كبار علمائكم ومحدّثيكم ذكروا بأنّ : النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث يوم الاثنين وآمن به عليّ يوم الثلاثاء ـ وفي رواية : وصلّى عليّ يوم الثلاثاء ـ وقالوا : إنّه أوّل من آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذكور.

كما جاء في مطالب السئول : ولمّا انزل الوحي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١٠٠.

٣٧٢

وشرّفه الله سبحانه وتعالى بالنبوّة كان عليّعليه‌السلام يومئذ لم يبلغ الحلم ، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر ، وقيل : أقلّ من ذلك ، وقيل : أكثر منه ، وأكثر الأقوال وأشهرها : أنّه لم يكن بالغا ، فإنّه أوّل من أسلم وآمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذكور ، وقد ذكر ذلك بعض الشعراء على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام وأشاروا إليه في أبيات وهي :

محمد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن أمّي

وبنت محمّد سكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولدي منها

فأيّكم له سهم كسهمي؟!

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

غلاما ما بلغت أوان حلمي

وأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمّ

فويل ثمّ ويل ثمّ ويل

لمن يلقى الإله غدا بظلمي(١)

ونقل الطبري في تاريخه : ٢ / ٢٤١ والترمذي في الجامع : ٢ ص ٢١٥ والإمام أحمد في مسنده : ٤ / ٣٦٨ وابن الأثير في تاريخه الكامل : ٢ / ٢٢ والحاكم في المستدرك : ٤ / ٣٣٦ ومحمد بن يوسف

__________________

(١) قال الحافظ سليمان الحنفي في ينابيع المودّة ، الفصل الرابع : ولمّا وصل إلى عليّعليه‌السلام أنّ معاوية افتخر بملك الشام ، قال لغلامه : أكتب ما املي عليك ، فأنشد :

محمّد النبي أخي وصهري

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

إلى آخره

وبعد ذكره الأبيات قال :

قال البيهقي : إنّ هذا الشعر ممّا يجب على كلّ مؤمن أن يحفظه ليعلم مفاخر عليّ عليه‌السلام في الإسلام. «المترجم»

٣٧٣

القرشي الكنجي في كفاية الطالب : الباب الخامس والعشرون ، وغيرهم من علمائكم الثقات رووا بإسنادهم عن ابن عبّاس : أوّل من صلّى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

__________________

(١) روى العلاّمة الكنجي في «كفاية الطالب» في الباب الخامس والعشرين بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : «أوّل من صلّى عليّعليه‌السلام » ثمّ نقل اختلاف الأقوال في ذلك وخصم النزاع بقوله : والمختار من الروايات عندي قول ابن عبّاس ، ويدلّ عليه قول عبد الرحمن بن جعل الجمحي حين بويع عليّعليه‌السلام ، قال :

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

علي الدين معروف العفاف موفّقا

عفيفا عن الفحشاء أبيض ماجدا

صدوقا وللجبّار قدما مصدّقا

أبا حسن فارضوا به وتمسّكوا

فليس لمن فيه يرى العيب منطقا

عليا وصيّ المصطفى وابن عمّه

وأوّل من صلّى لذي العرش واتّقى

وقال الفضل بن العبّاس في قصيدة له :

وكان وليّ الأمر بعد محمّد

عليّ وفي كلّ المواطن صاحبه

وصيّ رسول الله حقّا وصهره

وأوّل من صلّى وما ذمّ جانبه

وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :

إذا نحن بايعنا عليّا فحسبنا

أبو حسن ممّا نخاف من الفتن

وأوّل من صلّى من الناس واحدا

سوى خيرة النسوان والله ذو المنن

يعني : خديجة بنت خويلد ، ثمّ يذكر الكنجي روايات في هذا الباب.

ونقل الحافظ سليمان الحنفي في الباب الثاني عشر من «ينابيع المودّة» روايات كثيرة جدّا في أنّ أوّل من آمن وصلّى عليّ بن أبي طالب ، قال : أنشد بعض أهل الكوفة ، أيّام صفّين في مدحه :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان مشتبها

جزاك ربّك منّا فيه إحسانا

نفسي الفداء لأولى الناس كلّهم

بعد النبي عليّ الخير مولانا

أخ النبي ومولى المؤمنين معا

وأوّل الناس تصديقا وإيمانا

«المترجم»

٣٧٤

وروى الحاكم الحسكاني في كتابه «شواهد التنزيل» في ذيل الآية( السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ) بسنده عن عبد الرحمن بن عوف ، أنّ عشرة من قريش آمنوا وكان أوّلهم عليّ بن أبي طالب.

وروى كثير من علمائكم ـ منهم الإمام أحمد في مسنده ، والخطيب الخوارزمي في «المناقب» والحافظ سليمان الحنفي القندوزى في الباب الثاني عشر من «الينابيع» وغيرهم ـ بإسنادهم عن أنس بن مالك ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين ، وذلك أنّه لم ترفع شهادة أن لا إله إلاّ الله إلى السماء ، إلاّ منّي ومن عليّ.

وأمّا ابن أبي الحديد ـ في شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٢٥ ط دار إحياء الكتب العربية ، بعد ما نقل روايات كثيرة في سبق عليّعليه‌السلام إلى الإيمان ، وأخرى مخالفة ، قال : فدلّ مجموع ما ذكرناه أنّ علياعليه‌السلام أوّل الناس إسلاما وأنّ المخالف في ذلك شاذّ ، والشاذّ لا يعتدّ به.

وهذا الإمام الحافظ أحمد بن شعيب النسائي ، صاحب واحد من الصحاح الستّة عندكم ، له كتاب «خصائص الإمام عليّعليه‌السلام ، فإنّه روى أوّل حديث في هذا الكتاب بإسناده عن زيد بن أرقم ، قال : أوّل من صلّى مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) علي رضي الله عنه.

وابن حجر الهيتمي ـ مع شدّة تعصبه ـ يرى أنّ عليّاعليه‌السلام أوّل من آمن ؛ كما في الفصل الثاني من كتابه «الصواعق المحرقة».

ونقل الحافظ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» في الباب الثاني عشر ، نقل واحدا وثلاثين خبرا ورواية عن الترمذي والحمويني وابن ماجة وأحمد بن حنبل والحافظ أبي نعيم والإمام

٣٧٥

الثعلبي وابن المغازلي وأبي المؤيّد الخوارزمي والديلمي وغيرهم ، بعبارات مختلفة والمعنى واحد ، وهو أنّ عياعليه‌السلام أوّل من أسلم وآمن وصلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وينقل رواية شريفة في آخر الباب ، من كتاب المناقب بالإسناد عن أبي زبير المكّي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنقلها لكم إتماما للحجّة وإكمالا للفائدة

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «إنّ الله تبارك وتعالى اصطفاني واختارني وجعلني رسولا ، وأنزل عليّ سيّد الكتب ، فقلت : إلهي وسيّدي ، إنّك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا ، يشدّ به عضده ، ويصدّق به قوله وإنّي أسألك يا سيّدي وإلهي ، أن تجعل لي من أهلي وزيرا ، تشدّ به عضدي ، فاجعل لي عليّا وزيرا وأخا ، واجعل الشجاعة في قلبه ، وألبسه الهيبة على عدوّه ، وهو أول من آمن بي وصدّقني وأوّل من وحّد الله معي.

وإنّي سألت ذلك ربّي عزّ وجلّ ، فأعطانيه ؛ فهو سيّد الأوصياء ، اللحوق به سعادة ، والموت في طاعته شهادة ، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي ، وزوجته الصدّيقة الكبرى ابنتي. وابناه سيّدا شباب أهل الجنة ابناي ، وهو وهما والأئمة من بعدهم حجج الله على خلقه بعد النّبيين ، وهم أبواب العلم في أمّتي ، من تبعهم نجا من النار ، ومن اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم ، لم يهب الله محبّتهم لعبد إلاّ أدخله الجنّة».

فهذا قليل من كثير ممّا نقله حملة الأخبار ، من علمائكم الكبار ، في هذا المضمار ؛ ولو نقلتها كلّها لطال بنا المجلس في موضوع واحد

٣٧٦

إلى النهار ، ولكن أكتفي بهذه النماذج التي ذكرتها لكي يعرف العلماء والحاضرون أنّ الإمام عليّعليه‌السلام كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ صغره وقبل أن يبعث.

وحينما بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة ، آمن به عليّعليه‌السلام ولازمه ولم يفارقه أبدا.

فهو أولى وأجلى لمصداق الآية :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) من الذي صاحب النبيّ وكان معه في سفر واحد.

شبهة على الموضوع وردّها

الحافظ : نحن كلّنا نقول بما تقولون ، ونقرّ بأنّ عليّا كرّم الله وجهه أوّل من آمن ، وأنّ أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة آمنوا بعده بمدة من الزمن ، ولكن إيمان اولئك يفرق عن إيمان عليّ بن أبي طالب ، إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة ، ويحسبون إيمان اولئك المتأخّرين عنه فضيلة!

لأنّ عليا كرم الله وجهه ، آمن وهو صبيّ لم يبلغ الحلم ، واولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك.

ومن الواضح أنّ إيمان شيخ محنّك ومجرّب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم.

وأضف على هذا أنّ إيمان سيّدنا عليّ كان تقليدا وإيمانهم كان تحقيقيا ، وهو أفضل من الإيمان التقليدي.

قلت : إنّي أتعجّب من هذا الكلام ، وأنتم علماء القوم! أنا لا

٣٧٧

أنسبكم إلى اللجاج والعناد والتعصّب ، ولكن أقول : إنّكم تفوّهتم من غير تفكّر ، وتكلّمتم من غير تدبّر ، تبعا لأسلافكم الّذين قلّدوا بني أميّة وتبعوا الناصبين العداء للعترة الهادية!

والآن ، لكي يتّضح لكم الأمر ، أجيبوا على سؤالي :

هل إنّ علياعليه‌السلام حين آمن صبيا ، كان إيمانه بدعوة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم من عند نفسه؟!

الحافظ : أوّلا : لما ذا تنزعجون من طرح الشبهة وتتضجّرون من إيراد الإشكال ، فإذا لم نطرح ما يختلج في صدورنا من الشبهات ، ولا نستشكل على كلامكم ، فلن يصدق على مجلسنا اسم الحوار والمناظرة ؛ فقد اجتمعنا هنا لنعرف الحقّ ، وهذا يقتضي أن نطرح كلّ ما يكون في أذهاننا من الشبهات والإشكالات حول مذهبكم وعقائدكم ؛ فإن دفعتم الشبهات ورفعتم الإشكالات وأوضحتم الحقّ ، يلزم علينا أن نصدّقكم ونعتنق مذهبكم ، وإذا لم تتمكّنوا من ذلك فيلزم عليكم تصديق مذهبنا وترك مذهبكم.

ثانيا : وأما جواب سؤالكم ، أقول : من الواضح أنّ عليّا كرم الله وجهه إنّما آمن بدعوة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا من عند نفسه.

قلت : هل إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين دعا عليّاعليه‌السلام إلى الإيمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا؟!

إذا قلتم : ما كان يعلم! فقد نسبتم الجهل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك لا يجوز ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدينة العلم ، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام.

وإذا قلتم : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا علياعليه‌السلام وهو صبيّ إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته ، فيلزم من

٣٧٨

قولكم إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام بعمل لغو وعبث ، والقول بهذا في حدّ الكفر بالله سبحانه!

لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤيّد بالعصمة ، ومسدّد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث ، وقد قال عزّ وجلّ في شأنه :

( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

فضيلة سبق عليّعليه‌السلام إلى الإيمان

لقد ثبت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليّاعليه‌السلام إلى الإيمان ، فاستجاب وآمن بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد العقلاء والحكماء ، ولا يصدر منه عمل اللغو والعبث ، فلا بدّ أنّه رأى عليّاعليه‌السلام أهلا وكفوا ، فدعاه الى الإيمان صبيّا.

وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على قابلية الإمام عليعليه‌السلام ولياقته وكماله وفضله وتميّزه ووفور عقله.

وصغر السنّ لا ينافي الكمال العقلي ، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف ، فإنّ هناك من بلغ الحلم ولم يكلّف ـ لقصر عقله وسفهه ـ وبالعكس ، نجد من لم يبلغ الحلم ، لكنّ الله كلفه باعظم التكاليف ، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحيىعليه‌السلام :( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (٢) .

وقال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم :( إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

(٢) سورة مريم ، الآية ١٢.

٣٧٩

الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (١) .

قال هذه الجملة ، وهو صبيّ في المهد ، فالحكم المأتيّ ليحيى إنّما كان تكليفا من الله تعالى ليحيىعليه‌السلام ، والنبوّة كذلك تكليف من عند الله عزّ وجلّ لعيسى بن مريمعليه‌السلام ، وهذان التكليفان لهذين الصبيّين ، دليل على عظمة شأنهما وكمالهما وكفايتهما وفضلهما ووفور عقلهما.

وإيمان الإمام عليّعليه‌السلام بدعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما هو تكليف موجّه من هذا القبيل ، وهو على فضله وكماله أكبر دليل!

وقد أشار سيّد الشعراء إسماعيل الحميري ـ المتوفى سنة ١٧٩ هجرية ـ إلى هذه الفضيلة قائلا :

وصيّ محمد وأبو بنيه

ووارثه وفارسه الوفيّا

وقد اوتي الهدى والحكم طفلا

كيحيى يوم اوتيه صبيّا

كما كان الإمام عليّعليه‌السلام يشيد بهذه الفضيلة ويفتخر بها كما مرّ في أشعاره :

سبقتكم إلى الاسلام طفلا

صغيرا ما بلغت أوان حلمي(٢)

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٣٠.

(٢) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤ / ١٢٢ ، ط دار إحياء التراث أو الكتاب العربي : ومن الشعر المروي عنهعليه‌السلام في هذا المعنى الأبيات التي أوّلها :

محمّد النبيّ اخي وصهري

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

ومن جملتها :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

غلاما ما بلغت أوان حلمي

«المترجم»

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424