نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 299905 / تحميل: 7073
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

جلال الدين المحلّي: «( وَهُوَ كَلٌ ) ثقيل( عَلى مَوْلاهُ ) ولي أمره »(١) .

وقال الواحدي: «( أَنْتَ مَوْلانا ) أي ناصرنا والذي يلي علينا أمورنا »(٢) .

وقال النيسابوري: « قوله:( وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ ) أصله: من الغلظ الذي هو نقيض الحدّة، يقال: كلّ السكين إذا غلظت شفرته، وكلّ اللّسان إذا غلظ فلم يقدر على الكلام، وكلّ فلان عن الكلام إذا ثقل عليه ولم ينبعث فيه، وفلان كلٌّ على مولاه أي ثقيل وعيال على من يلي أمره ويعوله »(٣) .

وقال: «( أَنْتَ مَوْلانا ) وليّنا في رفع وجودنا وناصرنا في نيل مقصودنا »(٤) .

ومن الواضح: أن ( ولى الأمر ) مثل ( متولي الأمر ) كلاهما بمعنى ( الامام، الحاكم، الرئيس ). فلو كان ( المولى ) في حديث الغدير بمعنى ( ولي الأمر ) لتم استدلال الشيعة به على معتقدهم.

إنكار ولي الله الدهلوي

إلّا أن الشّاه ولي الله الدهلوي أنكر(٥) مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ). وذلك من أصدق الشواهد على دلالة حديث الغدير على هذا التقدير أيضاً، ولا ريب في أن هذا الإِنكار مكابرة واضحة وتعصب مقيت، وما أوردنا من كلمات علماء القوم كاف لإِبطاله.

٥ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك )

فهل يا ترى لم يلحظ شاه ولي الله تفسير الجلالين؟! أو لم يقف على تصريح

____________________

(١). إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء.

(٢). تفسير الجلالين: ٣٦٢.

(٣). التفسير الوسيط - مخطوط.

(٤). تفسير النيسابوري ١٤ / ٩٩.

(٥). المصدر ٣ / ١١٣.

١٠١

البخاري بمجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك ) وهو مرادف ( وليّ الأمر )؟!

قال البخاري في كتاب التفسير: « باب:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) وقال معمر: موالي: أولياء ورثة عاقد أيمانكم، هو مولى اليمين وهو الحليف. والمولى أيضاً: ابن العم. والمولى: المنعم المعتق والمولى: المعتق. والمولى: المليك. والمولى: مولى في الدين »(١) .

إنّ مجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك ) أيضاً كاف لثبوت مطلوب الشيعة من حديث الغدير، لأن ( المليك ) و ( ولي الأمر ) في المعنى واحد، وانْ كان لأحدٍ من المكابرين شك من هذا الترادف ننقل له كلمات شراح البخاري في شرح كلامه المذكور:

قال بدر الدين العيني: « إنّ لفظ المولى يأتي لمعان كثيرة، وذكر منها خمسة معان الرابع: يقال للمليك المولى، لأنه يلي أمور الناس »(٢) .

وقال شهاب الدين القسطلاني: « والمولى: المليك، لأنه يلي أمور الناس »(٣) .

إذنْ يقال للمليك المولى لأنه يلي أمور الناس، فالمولى يستعمل بمعنى ( ولي الأمر ) و ( متولي الأمر ) أيضاً قطعاً.

على أن هذا المعنى ثابت بوضوح من كلمات اللغويين، فقد قال الجوهري « والملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، يقال: له ملكوت العراق وملكوت العراق أيضاً، مثال الترقوة. وهو الملك والعز، فهو مليك وملك وملك، مثال فخذ وفخذ. كأن الملك مخفف من ملك والملك مقصور من مالك أو مليك، والجمع: الملوك والأملاك، والاسم: الملك، والموضع: المملكة، وتملّكه أي ملكه قهراً،

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٩٩ بشرح ابن حجر.

(٢). عمدة القاري ١٨ / ١٧٠.

(٣). إرشاد الساري ٧ / ٧٧.

١٠٢

ومليك النحل: يعسوبها »(١) .

وقد ترجم اللّغويون المترجمون للّغات العربية إلى الفارسية لفظة ( الملك ) بـ ( شاه ) و ( پادشاه) كما لا يخفى على من راجع ( صراح اللغة ) و ( منتهى الأرب في لغات العرب ).

ثم إنّ المراد من « معمر » في كلام البخاري هو ( أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي ) وبه صرّح ابن حجر العسقلاني في الشرح حيث قال: « ومعمر هذا بسكون المهملة - وكنت أظنه معمر بن راشد. إلى أن رأيت الكلام المذكور في المجاز لأبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى، ولم أره عن معمر بن راشد، وإنما أخرج عبد الرزاق عنه في قوله:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) قال: الموالي الأولياء الأب والأخ والإِبن وغيرهم من الغصبة، وكذا أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق محمد بن ثور عن معمر. وقال أبو عبيدة:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) أولياء [ و ] ورثة( وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ) فالمولى ابن العم، وساق ما ذكره البخاري وأنشد في المولى ابن العم:

مهلاً بني عمّنا مهلاً موالينا.

وممّا لم يذكره وذكره غيره من أهل اللغة: المولى: المحب. والمولى الجار. والمولى: الناصر. والمولى: الصهر. والمولى: التابع. والمولى: الولي »(٢) .

فظهر أن المراد من ( معمر ) هو ( أبو عبيدة اللغوي معمر بن المثنى ).

وقد نقل ابن حجر عن اللغويين مجيء ( المولى ) بمعنى ( الولي ).

( المولى ) بمعنى ( الأولى ) من حديثٍ في الصحيحين

بل إنّ دلالة ( المولى ) على الأولوية في التصرف ثابتة بوضوح من حديث

____________________

(١). الصحاح - ولي.

(٢). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ١٩٩.

١٠٣

أخرجه الشيخان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا نصه فيهما:

قال البخاري: « حدّثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عامر، ثنا فليح عن هلال ابن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما من مؤمن إلّا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا إنْ شئتم:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه »(١) .

وأخرجه مرّةً أخرى في كتاب التفسير في تفسير سورة الأحزاب(٢) .

وقال مسلم بن الحجاج: « حدثني محمد بن رافع قال: نا شبابة قال: حدثني ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: والذي نفس محمد بيده إنْ على الأرض من مؤمن إلّا وأنا أولى الناس به، فأيّكم ترك ديناً أو ضياعاً فأنا مولاه وأيّكم ترك مالاً فإلى العصبة من كان »(٣) .

فهذا الحديث ظاهر في كون ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرف ) لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال أولاً: « ما من مؤمن إلّا وأنا أولى به » ثمّ فرّع على ذلك قوله: « فأيّما مؤمن » فظهر أنّ المراد من قوله بالتالي: « فأنا مولاه » هو الأولويّة التي نصّ عليها واستدل عليها بالآية الكريمة.

وفي شرح القسطلاني في كتاب التفسير بشرح قوله: « وأنا مولاه » ما نصه « أي: وليّ الميت أتولى عنه أموره »(٤) . وظاهره أن المراد من ( المولى ) في هذا الحديث هو ( متولي الأمر ).

وشرح بعضهم بمعنى ( القائم بالمصالح ) و ( ولي الأمر )، ففي شرح شمس الدين الكرماني: « وقضاء دين المعسر كان من خصائصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

____________________

(١). صحيح البخاري ٣ / ١٥٥ باب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس.

(٢). المصدر ٨ / ٤٢٠ بشرح ابن حجر.

(٣). صحيح مسلم. كتاب الفرائض.

(٤). إرشاد الساري ٧ / ٢٨٠.

١٠٤

وذلك كان من خالص ماله، وقيل: من بيت المال. وفيه: إنه قائم بمصالح الأمة حيّاً وميّتاً وولي أمرهم في الحالين »(١) .

وقال النووي: « ومعنى هذا الحديث: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته، وأنا وليّه في الحالين، فإنْ كان عليه دين قضيته من عندي إنْ لم يخلف وفاء، وإنْ كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه شيئاً، وإنْ خلّف عيالاً محتاجين ضائعين فليأتوا إليّ فعليّ نفقتهم ومؤنتهم »(٢) .

فالمولى إذن هو ( وليّ الأمر ) و ( متولي الأمر ) و ( القائم بمصالح المتولى عليه ).

وفي شرح ابن حجر العسقلاني: « فأنا مولاه. أي: وليّه »(٣) . وهو يريد ( ولي الأمر ) قطعاً.

اعتراف الرازي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر )

ولقد بلغ مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ) في الثبوت والشهرة حدّاً بحيث لم يتمكّن الرازي مع كثرة تعصبه من إنكاره وجحده، بل لقد أثبته إذْ قال في ( نهاية العقول ): « وأما قول الأخطل ع: فأصبحت مولاها من الناس بعده. وقوله: ع: لم يأشروا فيه إذا كانوا مواليه. وقوله: موالي حق يطلبون به.

فالمراد بها: الأولياء. و مثله قولهعليه‌السلام : مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله. أي: أولياء الله ورسوله. و قولهعليه‌السلام : أيّما امرأة تزوّجت بغير إذن مولاها. والرواية المشهورة مفسّرة له. وقوله:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي وليّهم وناصرهم( وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) أي لا ناصر لهم. هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين ».

ومن الواضح أن المراد من ( الولي ) في هذا المقام هو ( وليّ الأمر ).

____________________

(١). الكواكب الدراري ٢٣ / ١٥٩ كتاب الفرائض.

(٢). المنهاج في شرح صحيح مسلم هامش - إرشاد الساري. كتاب الفرائض.

(٣). فتح الباري ١٢ / ٧.

١٠٥

فظهر أنّ شاه ولي الله الدهلوي أكثر تعصباً وأشدّ عنادا من الفخر الرازي الشهير بالعناد والتعصّب.

٦ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( الرئيس ).

وقال الفخر الرازي: « أما قوله:( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) فالمولى هو الولي والناصر، والعشير الصاحب والمعاشر. واعلم أن هذا الوصف بالرؤساء أليق، لأنّ ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان، فبيّن تعالى أنّهم يعدلون عن عبادة الله تعالى الذي يجمع خير الدنيا والآخرة إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء. ثمّ ذمّ الرؤساء بقوله: لبئس المولى. المراد به ذم من انتصر بهم والتجأ اليهم »(١) .

فظهر أنّ ( المولى ) يأتي بمعنى ( الرئيس ) وهو و ( ولي الأمر ) و ( متولّي الأمر ) واحد كما لا يخفى.

وممن قال بمجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر )

جماعة من مشاهير العلماء ومحققي اللغويين كالأنباري حيث قال: « والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام أولهنّ: المولى المنعم المعتق، ثم المنعم عليه المعتق، والمولى: الولي، والمولى: الأولى بالشيء »(٢) .

وقد أورد كلام الأنباري هذا ابن البطريق - يحيى بن الحسن الحلي المتوفى سنة ٦٠٠ - قائلاً: « وقال أبوبكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه المعروف بتفسير المشكل في القرآن في ذكر أقسام المولى: إنّ المولى: الولي. والمولى: الأولى بالشيء. واستشهد على ذلك بالآية المقدّم ذكرها، وببيت لبيد أيضاً:

كانوا موالي حق يطلبون به

فأدركوه وما ملّوا ولا تعبوا »(٣)

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٣ / ١٥.

(٢). مشكل القرآن: ولي.

(٣). العمدة لابن بطريق: ٥٥.

١٠٦

وكالسجستاني العزيزي حيث قال:( مَوْلانا ) أي وليّنا. والمولى على ثمانية أوجه: المعتق والمعتق والولي والأولى بالشيء وابن العم والصهر والجار والحليف »(١) .

وكأبي زكريا ابن الخطيب التبريزي إذ قال: « المولى عند كثير من الناس هو ابن العم خاصة وليس هو هكذا، ولكنه الولي وكلّ ولي للإنسان فهو مولاه، مثل: الأب والأخ وابن الأخ والعم وابن العم، وما وراء ذلك من العصبة كلهم. ومنه قوله:( إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) وممّا يبيّن ذلك - أي المولى كلّ ولي - حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل. أراد بالمولى الوليّ. وقال عزّ وجلّ:( يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً ) أفتراه إنما عنى ابن العم خاصة دون سائر أهل بيته؟ ويقال للحليف أيضاً مولى »(٢) .

وكالفيروزآبادي: « والمولى: المالك والعبد والمعتق والمعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والابن والعم والنّزيل والشريك وابن الأخت والولي والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر »(٣) .

وكأبي ليث السمرقندي حيث قال:( أَنْتَ مَوْلانا ) يعني وليّنا وحافظنا »(٤) .

وقال أيضاً:( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) يقول: أطيعوا الله تعالى فيما يأمركم. هو مولاكم يعني وليّكم وناصركم »(٥) .

وكالثعلبي حيث قال: «( أَنْتَ مَوْلانا ) أي ناصرنا وحافظنا ووليّنا وأولى

____________________

(١). نزهة القلوب: ٢٠٩.

(٢). غريب الحديث: ولي.

(٣). القاموس: ولي.

(٤). تفسير أبي الليث - مخطوط.

(٥). المصدر.

١٠٧

بنا »(١) .

وكالواحدي: «( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومعينكم. أي فاستغنوا عن موالاة الكفار فلا تستنصروهم، فإنّي وليّكم وناصركم »(٢) .

وكالبغوي: «( أَنْتَ مَوْلانا ) ناصرنا وحافظنا ووليّنا »(٣) .

وكابن الجوزي: «( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) أي وليّكم وناصركم »(٤) .

وكالقمولي: ( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) أي وليّكم وناصركم »(٥) .

وكالنيسابوري: «( بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي وليّهم وناصرهم »(٦) .

فهؤلاء وغيرهم يفسّرون ( المولى ) بـ ( الوليّ )، وحيث أنّهم يفسّرون ( الوليّ ) بـ ( ولي الأمر ) ( ومتولي الأمر ) فإنه يكون معنى ( المولى ) هو ( مولى الأمر ) و ( متولّي الأمر ).

وقد جاء تفسير ( الولي ) بمعنى ( وليّ الأمر ) في تفسير الرازي حيث قال: « قوله تعالى:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) فيه مسألتان. المسألة الأولى: الولي فعيل بمعنى فاعل من قولهم: ولي فلان الشيء يليه ولاية فهو وال وولي. وأصله من الولي الذي هو القرب، قال الهذلي: عدت عواد دون وليك تشغب. ومنه يقال: داري تلي دارها أي تقرب منها، ومنه يقال للمحب المعاون: ولي لأنه يقرب منك بالمحبة والنصرة ولا يفارقك، ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير والأمر والنهي ومنه المولى »(٧) .

____________________

(١). تفسير الثعلبي - مخطوط.

(٢). التفسير الوسيط للواحدي - مخطوط.

(٣). معالم التنزيل ١ / ٢٦٥.

(٤). زاد المسير ٨ / ٣٠٧.

(٥). تكملة تفسير الرازي.

(٦). تفسير النيسابوري ٢٦ / ٢٤.

(٧). تفسير الرازي ٧ / ١٨.

١٠٨

وجاء تفسير ( الولي ) بمعنى ( متولي الأمر ) في تفسير النيسابوري حيث قال:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي متولي أمورهم وكافل مصالحهم. فعيل بمعنى فاعل. والتركيب يدل على القرب. فالمحب وليّ، لأنّه يقرب منك بالمحبّة والنصرة، ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٣ / ٢١.

١٠٩

حديث الغدير بلفظ:

« من كنت وليّه فعليٌّ وليّه »

وقد جاء في كثير من طرق حديث الغدير لفظ « من كنت وليّه فعلي وليّه » بدل « من كنت مولاه فعليّ مولاه » وهذا دليل على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الولي ) ومجيء ( المفعل ) بمعنى ( الفعيل ). وإليك نصوص بعض الأخبار المشتملة على ذلك:

(١)

رواية أحمد بن حنبل

لقد جاء في مسند أحمد ما نصّه: « حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلّى

١١٠

الله عليه وسلّم: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(١) .

وفيه: « حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سرية قال لمـّا قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري. قال: فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد احمرّ وجهه قال وهو يقول: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(٢) .

وفيه: « حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه: أنه مرَّ على مجلس وهم يتناولون من علي، فوقف عليهم فقال: إنه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سريّة عليها علي وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه. فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعلت أحدّثه بما كان. ثم قلت: إن علياً أخذ جارية من الخمس. قال: وكنت رجلاً مكباباً. قال فرفعت رأسي فإذا وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه»(٣) .

(٢)

رواية النسائي

وقال النسائي: « ذكر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليّه فعلي وليّه.

____________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٦١.

(٢). المسند ٥ / ٣٥٠.

(٣). المصدر ٥ / ٣٥٨.

١١١

أنبأنا محمد بن المثنى قال ثنا يحيى بن حماد قال: أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: لمـّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خمٍ أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال:

ان الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنه.

أخبرنا أبو كريب محمد بن العلاء الكوفي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن سعيد بن عمير عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستعمل علينا عليّاً، فلما رجعنا سألنا: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإمّا شكوته أنا أو شكاه غيري، فرفعت رأسي وكنت رجلاً من مكة [ مكباباً ] وإذا وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد احمرّ فقال: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(١) .

« أخبرنا أحمد بن عثمان [ البصري أبو الجوزاء ] قال ثنا ابن عثمة - وهو محمد ابن خالد البصري - عن عائشة بنت سعد عن سعد قال: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم صدقت يا رسول الله. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، وإن الله ليوالي من والاه ويعادي من عاداه.

أخبرنا زكريّا بن يحيى قال حدثنا يعقوب بن جعفر بن أبي كثير عن مهاجر

____________________

(١). الخصائص ٩٣ - ٩٤.

١١٢

ابن مسمار قال أخبرتني عائشة بنت سعد عن سعد قال: كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطريق مكة وهو متوجه إليها، فلمـّا بلغ غدير خم وقف للناس، ثم ردّ من تبعه ولحقه من تخلّف، فلمـّا اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس من وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله - ثلاثاً - ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

« أخبرنا الحسين بن حريث المروزي قال أخبرنا الفضل بن موسى عن الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال علي كرّم الله وجهه في الرحبة: أنشد الله من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول: إن الله وليي وأنا وليّ المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره. قال فقال سعيد: فقام إلى جنبي ستة. وقال زيد بن يثيع من عندي ستة - وقال عمرو ذو مرّ: أحب من أحبه وأبغض من أبغضه. و ساق الحديث »(٢) .

« أنبأنا يوسف بن عيسى أنبأنا الفضل بن موسى قال ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال عليرضي‌الله‌عنه في الرحبة: أنشد بالله من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول: الله وليي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليّه فهذا وليّه »(٣) .

____________________

(١). الخصائص: ١٠١.

(٢). المصدر: ١٠٣.

(٣). المصدر: ١٠٣.

١١٣

(٣)

رواية ابن ماجة

وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني: « ثنا علي بن محمد نا أبو الحسين أخبرني حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال فهذا ولي من أنا مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

(٤)

رواية الطبري

وأخرج محمد بن جرير الطبري أحاديث عديدة متضمنة للفظ ( الولي ) بدلاً عن ( المولى ) وقد روى القاري هذه الأحاديث، وإليك ذلك:

« عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: لمـّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع فنزل غدير خم أمر بدوحات فقممن. ثم قال: فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني

____________________

(١). سنن ابن ماجة ١ / ٤٣.

١١٤

فيهما فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: أنت سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا قد رآه بعينيه وسمعه بأذنيه.ابن جرير.

أيضاً عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك. ابن جرير »(١) . « عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت وليه فعلي وليه. ابن جرير »(٢) .

« عن بريدة قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سرية واستعمل علينا علياً، فلما جئنا سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإمّا شكوته أنا وإمّا شكاه غيري، فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً إذا حدّثت الحديث أكببت، فإذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد احمرَّ وجهه فقال: من كنت وليّه فإنّ عليّاً وليّه، فذهب الذي في نفسي عليه فقلت: لا أذكره بسوء - ابن جرير »(٣) .

(٥)

رواية الحاكم النيسابوري

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: « حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن تميم الحنظلي ببغداد، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا يحيى بن حماد، وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز قالا:

____________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٠٤.

(٢). كنز العمال ١٣ / ١٠٥.

(٣). المصدر ١٣ / ١٣٥.

١١٥

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد. وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا خلف ابن سالم المخرمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال:

لمـّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال: الله عزّ وجلّ مولاي وأنا وليّ كل مؤمن، ثم أخذ بيد عليرضي‌الله‌عنه فقال: من كنت وليه فهذا وليّه. اللهم وال من والاه. وذكر الحديث بطوله.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما »(١) .

(٦)

رواية الخطيب الخوارزمي

وروى الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خوارزم حديث الغدير بسنده عن الحاكم النيسابوري كما تقدم مضيفاً اليه: « فقلت: أنت سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنه »(٢) .

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٠٩.

(٢). مناقب الخوارزمي: ٩٣.

١١٦

(٧)

رواية ابن المغازلي

ورواه علي بن محمد الجلّابي المعروف بابن المغازلي حيث قال: « أخبرنا أبو يعلى علي بن عبد الله بن العلاف البزار إذناً قال: أخبرنا عبد السلام بن عبد الملك ابن حبيب البزار قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال: حدثنا محمد بن بكر ابن عبد الرزاق، حدثنا أبو حاتم مغيرة بن محمد المهلّبي قال: حدثني مسلم بن إبراهيم حدثنا نوح بن قيس الحدّاني حدثنا الوليد بن صالح عن ابن امرأة زيد بن أرقم قالت: أقبل نبي الله من مكة في حجة الوداع حتى نزلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بالدّوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثم نادى: الصلاة جامعة. فخرجنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم شديد الحرّ، وإنّ منّا لمن يضع رداءه على رأسه وبعضه على قدميه من شدة الرّمضاء، حتى انتهينا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله.

أمّا بعد أيّها الناس، فإنه لم يكن لنبيّ من العمر إلّا نصف من عمر من قبله، وإنّ عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإني قد أسرعت في العشرين، ألا وإني يوشك أن أفارقكم، ألا وإني مسئول وأنتم مسئولون فهل بلّغتكم؟ فما ذا أنتم قائلون؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبد الله ورسوله، قد بلّغت رسالته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره،

١١٧

وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله عنّا خير ما جزى نبيّاً عن أمته.

فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حق وأنّ النار حق وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى. قال: فإنّي أشهد أن قد صدقتكم وصدقتموني، ألا وإنّي فرطكم وإنكم تبعي توشكون أن تردوا عليَّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما. قال: فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان، حتى قام رجل من المهاجرين وقال: بأبي وأمي أنت يا نبيّ الله ما الثقلان؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأكبر منهما كتاب الله تعالى، سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي وليّ وعدوّهما لي عدوّ.

ألا وإنّها لم تهلك أمة قبلكم حتى تتديّن بأهوائها وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ثم قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قالها ثلاثاً. هذا آخر الخطبة »(١) .

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي ١٦ / ١٨.

١١٨

(٨)

رواية الحمويني

ورواه إبراهيم بن محمد بن حمويه بسنده عن مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد عن سعد كما تقدّم سابقاً(١) .

(٩)

رواية ابن كثير

ورواه اسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي عن النّسائي في سننه ثم قال: « تفرّد به النسائي من هذا الوجه. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح. وقال ابن ماجة

وكذلك رواه عبد الرزّاق عن معمر عن علي بن جدعان عن عدي عن البرّاء »(٢) .

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٧٠.

(٢). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩.

١١٩

(١٠)

رواية ولي الله الدهلوي

ورواه شاه ولي الله الدهلوي عن الحاكم النيسابوري « من طريق سليمان الأعمش عن حبيب عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم »(١) .

أقول: إلى هنا ظهر:

أوّلاً: إن ( المفعل ) يأتي بمعنى ( الفعيل ).

وثانياً: إن ( المولى ) يأتي بمعنى ( الولي ).

وثالثاً: إنّ هذه الأحاديث - ولا سيّما حديث سعد - تدلّ على الامامة بوضوح، لأن الامام هو ( ولي الأمر ) و ( المتصرف في الأمر ) وهو المراد من ( الولي ) في هذه الأحاديث قطعا، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سأل الأصحاب: « من وليّكم » فقالوا: « الله ورسوله »، فلو كان المراد من ( الولي ) هو ( المحبّ ) لم يكن لحصر الولاية بالله ورسوله معنى.

ثم إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن أثبت هذه الولاية لله ورسوله وشهد القوم بذلك قال « من كان الله ورسوله وليّه فإنّ هذا وليّه » أي: فمن كان الله ورسوله المتصرّف في أمره فإن علياً هو المتصرّف في أمره.

٧ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( السيد )

وقد ثبت من كلمات جماعة من أعلام القوم ومشاهيرهم مجيء لفظة ( المولى ) بمعنى ( السيد )، وممّن فسّرها بهذا المعنى وأثبته:

____________________

(١). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ٢ / ١١٢.

١٢٠

أحمد بن الحسن الزاهد بتفسير قوله تعالى:( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) .

والزمخشري بتفسير قوله تعالى:( أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (١) .

وابن الأثير حيث قال: « وقد تكرر ذكر المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو: الرب والمالك والسيد »(٢) .

والنووي حيث أورد كلام ابن الأثير(٣) .

وأحمد الكواشي والبيضاوي والنسفي بتفسير الآية:( أَنْتَ مَوْلانا ) .

والطيّبي حيث قال: « قوله: من كنت مولاه. نه: المولى يقع على جماعة كثيرة: المالك والسيد »(٤) .

وابن كثير بتفسيره قوله تعالى:( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (٥) .

وجلال الدين السيوطي في ( النثير ) و ( تفسير الجلالين ).

وعلي بن سلطان القاري في ( شرح المشكاة )(٦) .

والفاضل رشيد الدين خان الدهلوي تلميذ ( الدهلوي ) في ( إيضاح لطافة المقال ).

أقول:

وإذ ثبت أنّ ( المولى ) يأتي بمعنى ( السيد ) فإنّ ( السيد ) بمعنى ( الامام )

____________________

(١). الكشاف ١ / ٣٣٣.

(٢). النهاية: ولي.

(٣). تهذيب الأسماء واللغات ٤ / ١٩٦.

(٤). شرح المشكاة - مخطوط.

(٥). تفسير ابن كثير ٢ / ٣٠٩.

(٦). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٦٨.

١٢١

و ( الرئيس ) كما سيجيء فيما بعد إن شاء الله تعالى، وبذلك يتمّ الاستدلال بحديث الغدير من هذا الوجه أيضاً.

ومن هنا قال الشريف المرتضىرحمه‌الله : « وذكرت [ يوماً ] بحضرة الشيخ [ أبي عبد الله دام عزه ] ما ذكره أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازيرحمه‌الله في كتاب الإنصاف حيث ذكر أنّ شيخاً من المعتزلة أنكر أن تكون العرب تعرف المولى سيداً وإماماً. قال: فأنشدته قول الأخطل:

فما وجدت فيها قريش لأمرها

أعف وأوفى من أبيك وأمجدا

وأورى بزنديه ولو كان غيره

غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا

فأصبحت مولاها من الناس كلّهم

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا

قال أبو جعفررحمه‌الله : فأسكت الشيخ كأنما ألقم حجراً، وجعلت استحسن ذلك »(١) .

فتلخّص: أن كلاً من هذه المعاني التي اعترف بها الخصوم للفظة ( المولى ) يفيد الامامة والرياسة، وهي معاني متقاربة ومتلازمة، يفي أحدها بالغرض من الاستدلال بالحديث، فكيف بجميعها!

فما ذكرناه كاف لدفع شبهات المتعصّبين وقمع خرافات الجاحدين، والحمد لله ربّ العالمين.

دعوى عدم مجيء ( مفعل ) بمعنى ( أفعل )

قوله:

« بل قالوا: إنّ مفعلاً لم يجيء بمعنى أفعل في مادة من المواد فضلاً عن هذه المادة بالخصوص».

____________________

(١). الفصول المختارة من العيون والمحاسن ١ / ٤ - ٥.

١٢٢

أقول:

هذه دعوى كاذبة أخرى، فقد وقفت على نصوص كلمات أهل العربية الدالة على أنّ ( مفعلاً ) يجيء بمعنى ( أفعل ) حيث فسّروا ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وبذلك ثبت مجيء ( مفعل ) بمعنى ( أفعل ) في خصوص هذه المادّة.

وكم فرق بين هذا الكلام من ( الدهلوي ) وكلام ( الكابلي ) في كتابه ( الصواقع ) الذي انتحله ( الدهلوي ). فقد قال الكابلي ما نصّه: « وهو باطل لأن مولى لم يجيء بمعنى الأولى، ولم يصرّح أحد من أهل العربية أنّ مفعلاً جاء بمعنى أفعل ».

فالكابلي لم يدّع أنّ أهل العربية قد نصّوا على أن مفعلاً ما جاء بمعنى أفعل في مادّة مطلقاً فكيف هذه المادّة بالخصوص! وهذا مما يوضح أنّ ما نسبه ( الدهلوي ) إلى أهل العربية ليس إلّا كذباً مفترى.

هذا، والجدير بالذكر أنّ الفخر الرازي قد سعى سعياً حثيثاً وبذل جهداً كثيراً في إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، وقد ذكر ( الدهلوي ) خلاصة كلام الرازي مع إسقاط الموارد التي اعترف فيها الرازي بالحق والحقيقة، مثل تفسير الزجاج والأخفش والرّماني لفظ ( المولى ) بـ ( الأولى )، والاستشهاد بشعر لبيد، وتصريحه بحكم ابن الأنباري بأنّ ( المولى ) هو ( الأولى ). لكنه - أي ( الدهلوي ) - أضاف إلى كلام الرازي أكاذيب وافتراءات لم يتفوّه بها الرازي.

أكاذيب ( الدهلوي ) في هذه الدعوى

فمن تلك الأكاذيب [١] قوله بأنّ أهل العربية قاطبة ينكرون مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ). فإنّ هذا غير موجود في كلام الرازي، بل ظاهر كلامه تكذيب هذه الدعوى، لأنه تارة ينقل تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى ) والاستشهاد بشعر لبيد عن أبي عبيدة والأخفش والزجّاج والرّماني، وأخرى يصرّح بحكم أبي عبيدة وابن الأنباري بأن ( المولى ) هو ( الأولى ).

١٢٣

[٢] قوله: ذكر أهل العربية أن مفعلاً يجيء بمعنى الأفعل في مادة فضلاً عن خصوص هذه المادة. فإنّ هذه الدعوى غير مذكورة في كلام الرازي، نعم قال بأن أحداً من أئمة النحو واللغة لم يذكر مجيء مفعل بمعنى أفعل. والفرق بين الكلامين واضح جداً، لأن الرازي يدعي أن أحداً من علماء العربية لم يذكر هذا المعنى، بينما يدعي ( الدهلوي ) تصريحهم بعدم مجيء ذلك.

[٣] ( الدهلوي ) حصر القول بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) في أبي زيد اللغوي، بينما لم يذكر الرازي هذا الحصر الباطل، بل كلامه ظاهر في بطلانه، إذ ينقل القول بذلك عن جماعة من أئمة اللغة.

[٤] إن جمهور أهل العربية يخطّئون أبا زيد تجويزه مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ). وهذا كذب واضح لم يجرأ عليه الرازي.

[٥] إن أهل العربية يخطّئون أبا زيد اعتماده على تفسير أبي عبيدة لـ ( مولاكم ) في الآية الكريمة بـ ( أولى ). وهذا أيضاً لم يتفوّه به الرازي.

[٦] إن جمهور أهل العربية قالوا بأنّه لو صحّ هذا القول لزم جواز أن يقال ( مولى منك ) بدل ( أولى منك ). لكنّ هذه الشبهة هي من الرازي نفسه، فإنّه قد ذكرها ولم ينسبها إلى أحد من علماء أهل العربية فضلاً عن جمهورهم.

[٧] إنّ جمهور أهل العربية قالوا بأنّ ( فلان مولى منك ) باطل منكر بالإجماع. وهذا الكلام يشتمل على كذبتين، أحدهما حكمهم ببطلان هذا الاستعمال. والثانية: دعوى إجماعهم على ذلك، وذلك لأنّ أهل العربية لم ينصّوا على بطلان هذا الاستعمال أبداً.

[٨] إنّ جمهور أهل العربية قالوا بأنّ تفسير أبي عبيدة هو بيان حاصل المعنى. وهذه الشبهة ذكرها الرازي نفسه ولم ينسبها إلى أحد أصلاً، فكيف إلى جمهور أهل العربية!

[٩] إنّ جمهور أهل العربية ذكروا حاصل معنى الآية - بصدد تخطئة تفسير أبي عبيدة - بأنّه يعني: النار مقرّكم ومصيركم والموضع اللائق بكم. ومن لاحظ

١٢٤

كلماتهم يعلم أنهم ذكروا هذا المعنى ضمن المعاني التي تحتملها الآية المذكورة، لا بصدد تخطئة أبي عبيدة.

[١٠] إنّ جمهور أهل العربية قالوا بأنّ تفسير أبي عبيدة ليس كون لفظ ( المولى ) بمعنى ( الأولى).

فظهر أنّ ( للدهلوي ) في كلمته المختصرة هذه أكاذيب عشرة لم يتفوّه الرازي في تلفيقاته المطولة بواحدة منها.

الأصل في هذه الدعوى هو الرازي

ثم إنّ الأصل في دعوى عدم مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وعدم مجيء ( مفعل ) بمعنى ( أفعل ) هو الفخر الرازي فإنه قال: « ثمّ إنْ سلّمنا صحة أصل الحديث ومقدمته، فلا نسلّم دلالته على الامامة، ولا نسلّم أن لفظ المولى محتملة للأولى، والدليل عليه أمران: أحدهما - إنّ ( أفعل من ) موضوع ليدل على معنى التفضيل، و ( مفعل ) موضوع ليدل على الحدثان أو الزمان أو المكان، ولم يذكر أحد من أئمة النحو واللغة أن المفعل قد يكون بمعنى أفعل التفضيل، وذلك يوجب امتناع إفادة المولى بمعنى الأولى »(١) .

إبطال كلام الرازي

لقد ذكر الرازي للمفعل ثلاثة معان (١) الحدثان (٢) الزمان (٣) المكان ولم يذكر له معنى غيرها، والحال أن لفظ ( المفعل ) يأتي لإِفادة معنى ( الفاعل ) و ( المفعول ) و ( الفعيل )، كما سيعلم ذلك من كلمات أئمة اللغة الذين عليهم مدار علم العربية، وإنّ مجيئه بهذه المعاني بلغ من الشهرة والظهور إلى حدٍ لم يتمكّن أحد من المتعصّبين إنكاره، بل إنّ الرازي نفسه يعترف بمجيئه بمعنى ( الفاعل ) و ( الفعيل ). فقد قال في ( نهاية العقول ): « وأمّا قول الأخطل:

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٢٥

قد أصبحت مولاها من الناس بعده.

وقوله: لم تأشروا فيه إذ كنتم مواليه.

وقوله: موالي حق يطلبون.

فالمراد بها الأولياء.

ومثله قولهعليه‌السلام : مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله. أي: أولياء الله ورسوله.

وقولهعليه‌السلام : أيّما امرأة تزوّجت بغير إذن مولاها والرواية المشهورة مفسرة له.

وقوله:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) - أي: وليّهم وناصرهم - وأن الكافرين لا مولى لهم - أي لا ناصر لهم هكذا روى ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين ».

فإن كان مراد الرازي من قوله: « مفعل موضوع ليدل على الحدثان أو الزمان أو المكان » هو حصره في هذه المعاني، كان اللازم بطلان مجيئه بمعنى الفاعل والفعيل والمفعول، وإنْ لم يكن مراده الحصر كان هذا الكلام لغواً لا محصّل له.

وأما قوله: « ولم يذكر أحد من أئمة النحو واللغة أن المفعل قد يكون بمعنى أفعل التفصيل » فيبطله تصريح كبار أئمة اللغة والتفسير بإفادة ( المولى ) معنى ( الأولى ) بالخصوص.

على أنه لا ملازمة عقلاً ونقلاً بين عدم مجيء ( المفعل ) بمعنى ( الأفعل ) - في مادة لو ثبت - وبين عدم مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ). فقوله: « وذلك يوجب امتناع إفادة المولى لمعنى الأولى » باطل جدّاً، وإلّا لزم بطلان الاستعمالات النادرة والألفاظ المستعملة في الكتاب والسنة وكلام العرب، والتي لا نظير لها في العربية.

من الاستعمالات التي لا نظير لها في العربية

ولا يخفى على من مارس ألفاظ الكتاب والسنة، ووقف على كلمات علماء

١٢٦

العربية، كثرة هذه الاستعمالات التي لا نظير لها، وشيوع إستعمال الألفاظ النادرة، ونحن نتعرّض هنا لنماذج من تلك الاستعمالات:

فمن ذلك « عجاف » وهو جمع « أعجف » قال الله تعالى:( وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ ) (١) . ولا نظير لهذا اللفظ في العربية، قال السيوطي: « وقال - أي ابن فارس - ليس في الكلام أفعل مجموعاً على فعال إلّا أعجف وعجاف »(٢) ، وقال الجوهري: « العجف بالتحريك: الهزال، والأعجف المهزول، وقد عجف، والأنثى عجفاء، والجمع عجاف على غير قياس، لأن أفعل وفعلاء لا يجمع على فعال، ولكنهم بنوه على سمان، والعرب قد تبني الشيء على ضدّه »(٣) .

وقال الفخر الرازي نفسه بتفسير الآية المباركة: « المسألة الأولى: قال الليث: العجف ذهاب السّمن، والفعل عجف يعجف، والذكر أعجف، والأنثى عجفاء، والجمع عجاف في الذكران والإناث. وليس في كلام العرب أفعل وفعلاء جمعاً على فعال غير أعجف وعجاف، وهي شاذة حملوها على لفظ سمان فقالوا: سمان وعجاف، لأنهما نقيضان. ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض »(٤) .

ومن ذلك « هاؤم »، قال السّيوطي: « قال ابن هشام في تذكرته: إعلم أنّ هاؤماً وهاؤم نادر في العربية لا نظير له، ألا ترى أنّ غيره من صه ومه لا يظهر فيه الضمير البتّة، وهو مع ندوره غير شاذ في الاستعمال ففي التنزيل:( هاؤُمُ اقْرَأوا كِتابِيَهْ ) (٥) .

____________________

(١). سورة يوسف: ٤٣.

(٢). المزهر في اللغة ٢ / ٧٧.

(٣). الصحاح - العجف.

(٤). تفسير الرازي ١٨ / ١٤٧.

(٥). الأشباه والنظائر ٢ / ٨٩.

١٢٧

ومن ذلك « ميسرة » بضم السين - وهو قراءة عطاء - قال السيوطي: « قال سيبويه: وليس في الكلام مفعل. قال ابن خالويه في شرح الدريدية: وذكر الكسائي والمبرد مكرماً ومعوناً ومألكاً. فقال من يحجّ لسيبويه: إن هذه أسماء جموع، وإنما قال سيبويه لا يكون اسم واحد على مفعل. قال ابن خالويه: وقد وجدت أنا في القرآن حرفاً( فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) كذا قرأها عطاء »(١) .

ومن ذلك « جمالات »، قال السّيوطي: « ليس في كلامهم جمع جمع ست مرات إلّا الجمل، فإنّهم جمعوا جملاً أجملا ثم أجمالا ثم جاملاً ثم جمالاً ثم جمالة ثم جمالات، قال تعالى:( جِمالَتٌ صُفْرٌ ) فجمالات جمع جمع جمع جمع جمع الجمع »(٢) .

ومن ذلك « تفاوت » فتح الواو وكسرها. قال السيوطي: « ليس في كلامهم مصدر فاعل إلّا على التفاعل بضم العين، إلّا على التفاعل بضم العين، إلّا حرف واحد جاء مفتوحاً ومكسوراً ومضموماً: تفاوت الأمر تفاوتاً وتفاوتاً وتفاوتاً، وهو غريب مليح. حكاه أبو زيد »(٣) .

ومن ذلك « تكاد » مضارع كدت بضم الكاف قال السيوطي: « قال ابن قتيبة: كلّ ما كان على فعل فمستقبله بالضم، لم يأت غير ذلك إلّا في حرف واحد من المعتل، روى سيبويه أنّ بعض العرب قال: كدت تكاد »(٤) .

ومن ذلك « سقط في أيديهم » قال السّيوطي: « في شرح المقامات للمطرزي قال الزجاجي: سقط في أيديهم نظم لم يسمع قبل القرآن، ولا عرفته العرب، ولم يوجد ذلك في أشعارهم ...»(٥) .

____________________

(١). المزهر ٢ / ٣٣.

(٢). المصدر نفسه ٢ / ٥٨.

(٣). المصدر نفسه ٢ / ٦١.

(٤). المزهر ٢ / ٦١.

(٥). المصدر نفسه ٢ / ١٥٣.

١٢٨

ومن ذلك « نشدتك بالله لمـّا فعلت » قال السيوطي: « وقال الزمخشري: في الأحاجي: قولهم نشدتك بالله لمـّا فعلت. كلام محرّف عن وجهه، معدول عن طريقه، مذهوب مذهب ما أغربوا به على السامعين من أمثالهم ونوادر ألغازهم وأحاجيهم وملحهم وأعاجيب كلامهم »(١) .

وإنّ هذه الألفاظ والاستعمالات التي ذكرناها هي من باب التمثيل، ومن شاء المزيد فليراجع كتاب ( المزهر ) وكتاب ( الأشباه والنظائر ) للسيوطي وغيرهما من كتب هذا الشأن.

وقال السيوطي: « قال ابن جني في الخصائص: المسموع الفرد هل يقبل ويحتج به؟ له أحوال أحدها: أن يكون فرداً، بمعنى أنه لا نظير له في الألفاظ المسموعة، مع إطباق العرب على النطق به. فهذا يقبل ويحتج به ويقاس عليه إجماعاً، كما قيس على قولهم في شنوة شناءي، مع أنه لم يسمع غيره، لأنّه لم يسمع ما يخالفه، وقد أطبقوا على النطق به »(٢) .

ومن طرائف الأمور ذكر الرازي مورداً لا نظير له حيث قال في ( نهاية العقول ): « وأما بيت لبيد قال حكي عن الأصمعي فيه قولان أحدهما: إن المولى فيه اسم لموضع الولي كما بيّنا، أي تحسب البقرة أن كلاً من الجانبين موضع المخافة، وإنما جاء مفتوح العين تغليباً لحكم اللام على الفاء، على أن الفتح في معتل الفاء قد جاء كثيراً، منه موهب، موحد، وموضع، وموحل، والكسر في معتل اللام لم يسمع إلّا في كلمة واحدة وهي مأوى »(٣) .

جواب لطيف عن الدعوى

ومن الأجوبة عن دعوى عدم مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأفعل )، وعدم

____________________

(١). الأشباه والنظائر ١ / ١٨٨.

(٢). المزهر ١ / ١٤٧.

(٣). بغية الوعاة ١ / ٥٦٧.

١٢٩

ورود ( مولى منك ) في مكان ( أولى منك ) ما انقدح في ذهني ببركة أهل البيتعليهم‌السلام وهو: إن عدم مجيء ( المفعل ) بمعنى ( الأفعل ) في المواد الأخرى، وعدم صحة استعمال ( مولى منك ) بدل ( أولى منك ) يدل على أن في لفظة ( المولى ) شعاعاً من نور لفظ الجلالة ( الله )، لأن الله تعالى قد أطلق هذا اللفظ على نفسه، وقرنه بلفظ الجلالة ونحوه من غير فصل، في موارد من القرآن الكريم:

ففي سورة البقرة:( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) .

وفي سورة آل عمران:( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) .

وفي سورة الأنعام:( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) .

وفي سورة الأنفال:( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .

وفي سورة التوبة:( قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) .

وفي سورة يونس:( وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

وفي سورة الحج:( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .

وفي سورة محمد:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) .

وفي سورة التحريم:( قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) .

وأيضاً في سورة التحريم:( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) .

فالأولى والأحق بإطلاق لفظ ( المولى ) عليه هو ( الله ) سبحانه ثم ( النبي )

١٣٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم سيدنا ( أمير المؤمنين )عليه‌السلام ، ومن هنا أطلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك على نفسه، واختار هذا اللفظ في مقام بيان إمامة عليعليه‌السلام ، فكما أن لله تعالى والنبي والامام خصائص، فإنّ لهذا اللفظ أيضاً من الخصائص ما لا نصيب لغيره من الألفاظ منها.

فيكون للفظ ( المولى ) خصائص كما للفظ ( الله ) خصائص اختص بها:

قال نجم الأئمة رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي * ترجم له السيوطي بقوله: « الرضي الامام المشهور، صاحب شرح الكافية لابن الحاجب، الذي لم يؤلَّف عليها بل ولا في غالب كتب النحو مثله، جمعاً وتحقيقاً وحسن تعليل. وقد أكبّ الناس عليه وتداولوه، واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنفاتهم ودروسهم، وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذاهب تفرّد بها. ولقبه نجم الأئمة. ولم أقف على اسمه ولا شيء من ترجمته، إلّا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة ٦٨٣. وأخبرني صاحبنا شمس الدين ابن عرم بمكة أن وفاته سنة أربع وثمانين أو ستّ. الشك مني، وله شرح على الشافية(١) » * « والأكثر في ( يا الله ) قطع الهمزة، وذلك للإِيذان من أول الأمر على أن الألف واللّام خرجا عمّا كانا عليه في الأصل، وصارا كجزء الكلمة، حتى لا يستكره اجتماع يا واللام، فلو كان بقيا على أصلهما لسقط الهمزة في الدرج، إذ همزة اللام المعرفة همزة وصل. وحكى أبو علي: يا الله بالوصل على الأصل، وجوّز سيبويه أن يكون ( الله ) من لا يليه ليهاً، أي استتر، فيقال في قطع همزته واجتماع اللام ويا: إن هذا اللفظ اختص بأشياء لا تجوز في غيره، كاختصاص مسمّاه تعالى.

وخواصه ما في اللهم وتالله وا آلله وها الله وذا الله مجروراً بحرف مقدر في السعة، وأ فألله بقطع الهمزة كما يجيء في باب القسم، وقوله:

من أجلك يا التي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالوصل عني

____________________

(١). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١ / ٥٦٧.

١٣١

شاذ، ووجه جوازه مع الشذوذ لزوم اللّام. وقوله:

فيا الغلامان اللذان فرا

أيّاكما ان تبغيا لي شرا

أشد.

وبعض الكوفيين يجوّز دخول يا علي ذي اللام مطلقاً في السعة.

والميمان في اللهم عوض من يا أخّرتا تبرّكا باسمه تعالى »(١) .

قوله:

« الّا أبا زيد اللغوي فانه جوّز ذلك ».

أقول:

١ - هذه الدعوى كاذبة

إن القول بأنّ مجوّز مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) ليس إلّا أبو زيد اللغوي كذب صريح، وافتراء محض، فقد علمت فيما تقدّم أنّ القائلين بإفادة ( المولى ) لمعنى ( الأولى ) هم جمع كثير، وجم غفير من أساطين أئمة اللغة، ومشاهير علوم العربية ورجال الأدب.

٢ - فيها رد على الكابلي

إلّا أنّ إقرار ( الدهلوي ) بتجويز أبي زيد اللغوي ذلك، فيه الردّ على دعوى شيخه الكابلي عدم صحة ثبوت قول أبي زيد ذلك، حيث قال في جواب حديث الغدير من ( الصواقع ): « وهو باطل، لأن مولى لم يجيء بمعنى الأولى ولم يصرّح أحد من أهل العربية أن مفعلاً جاء بمعنى أفعل، وما روي عن أبي زيد ثبوته لم يصح ».

____________________

(١). شرح الكافية لنجم الأئمة الأسترآبادي ١ / ٧٣ ط قديم.

١٣٢

٣ - كلام الرازي يكذّب هذه الدعوى

ويتضح بطلان نسبة القول بجواز ذلك إلى أبي زيد فحسب من كلام الفخر الرازي - الذي هو الأصل في هذه الشبهات -، إذْ تقدّم في البحوث السابقة نقله تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى ) عن جماعة من أئمة اللغة والأدب، كأبي عبيدة والأخفش والزجّاج والرمّاني وابن الأنباري.

٤ - لو لم يكن غير أبي زيد لكفى لوجوه

هذا كلّه مع أنه لو فرض أنّ أحداً من أئمة اللغة لم يجوّز ذلك، إلّا أبا زيد اللغوي، فإن قول أبي زيد وحده يكفينا في الاستدلال، وبه يتمّ مرام أهل الحق لوجوه عديدة نذكرها باختصار:

الوجه الأول:

قال السيوطي: « النوع الخامس: معرفة الأفراد، وهو: ما انفرد بروايته واحد من أهل اللغة، ولم ينقله أحد غيره، وحكمه القبول إنْ كان المتفرّد به من أهل الضبط والإِتقان، كأبي زيد، والخليل، والأصمعي، وأبي حاتم، وأبي عبيدة وأضرابهم وشرطه أن لا يخالفه فيه من هو أكثر عدداً منه، وهذه نبذة من أمثلته:

فمن افراد أبي زيد الأوسي الأنصاري قال في الجمهرة: المنشبة: المال.

هكذا قال أبو زيد ولم يقله غيره. وفيها: رجل ثط. ولا يقال أثط. قال أبو حاتم قال أبو زيد مرة: أثط. فقلت له: أتقول أثط؟ فقال: سمعتها. والثطط خفّة اللّحية في العارضين »(١) .

فلو سلّمنا انفراد أبي زيد برواية مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، فإنّ حكمه

____________________

(١). المزهر في اللغة ١ / ٧٧.

١٣٣

القبول، لأنه من أهل الضبط والإتقان كما نصّ عليه السيوطي، ولم يخالفه واحد من الأئمة فضلاً عن العدد الكثير.

الوجه الثاني:

قال السّيوطي: « قال ابن الأنباري: نقل أهل الأهواء مقبول في اللغة وغيرها، إلّا أن يكونوا ممن يتديّنون بالكذب، كالخطابية من الرافضة، وذلك لأن المبتدع إذا لم تكن بدعته حاملة له على الكذب فالظاهر صدقه »(١) .

فإذا كان نقل أهل الأهواء مقبولاً، فنقل أبي زيد يكون مقبولاً بالأولوية.

الوجه الثالث:

قال السيوطي: « قال الشيخ عز الدين بن عبد السّلام في فتاواه: أعتمد في العربية على أشعار العرب وهم كفّار، لبعد التدليس فيها، كما أعتمد في الطب وهو في الأصل مأخوذ عن قوم كفار كذلك. إنتهى.

ويؤخذ من هذا أنّ العربي الذي يحتج بقوله لا يشترط فيه العدالة، بخلاف راوي الاشعار واللغات، وكذلك لم يشترطوا في العربي الذي يحتج بقوله البلوغ، فأخذوا عن الصبيان »(٢) .

إذن، يقبل قول أبي زيد اللغوي بالأولوية القطعية من جهات.

الوجه الرابع:

قال السيوطي: « إذا سئل العربي أو الشيخ عن معنى لفظ فأجاب بالفعل لا بالقول يكفي، قال في الجمهرة: ذكر الأصمعي عن عيسى بن عمر قال:

____________________

(١). المصدر نفسه ١ / ٨٤.

(٢). المصدر نفسه وذكره في ( تدريب الراوي ) أيضاً ١ / ١٥٢.

١٣٤

سألت ذا الرمّة عن النضناض. فلم يزدني على أن حرّك لسانه في فيه. إنتهى.

قال ابن دريد يقال: نضنض الحية لسانه في فيه إذا حرّكته وبه سمّي الحية نضناضاً »(١).

ومن المعلوم أنّ أبا زيد عربي وشيخ فلا وجه لردّ قوله.

الوجه الخامس:

قال السيوطي: « وقال ابن جني في الخصائص: من قال إنّ اللغة لا تعرف إلّا نقلاً فقد أخطأ، فإنها قد تعلم بالقرائن أيضاً، فإن الرجل إذا سمع قول الشاعر:

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم

طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا

يعلم أن الزرافات بمعنى الجماعات »(٢) .

فإذا كانت اللغة تعلم بالقرائن أيضاً، فإنّ النقل الصريح يفيد العلم بها بالأولوية القطعيّة.

الوجه السادس:

تجويز ابن هشام الاحتجاج بالشواهد التي لم يعرف قائلوها، فإنه قال في جواب من استشكل ذلك: « ولو صحّ ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتاً من كتاب سيبويه، فإنّ فيه ألف بيت قد عرف قائلوها وخمسين مجهولة القائل »(٣) .

وعليه فالاحتجاج بقول أبي زيد اللغوي الامام المشهور جائز بالأولوية القطعية.

____________________

(١). المزهر ١ / ٨٦.

(٢). المصدر نفسه ١ / ٣٧.

(٣). المصدر نفسه ١ / ٨٥.

١٣٥

ترجمة أبي زيد اللغوي

ثم إنّ كلمات كبار علماء أهل السنة ومشاهير أئمتهم في ترجمة أبي زيد والثناء عليه، لخير شاهد ودليل على عظمة الرجل وجلالته، وأنّه من أئمة اللغة والأدب، المعتمد عليهم في معرفة اللغات، وممّن إليه الرجوع في علوم العربية، وإليك بعض كلماتهم في حقه:

١ - النووي: « أبو زيد الأنصاري النحوي اللغوي، صاحب الشافعي، وشيخ أبي عبيد القاسم بن سلّام، هو: أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت، أبو زيد الأنصاري، الامام في النحو واللغة قال الخطيب: وكان ثقة ثبتاً من أهل البصرة، وقدم بغداد.

ثم ذكر الخطيب باسناده عن أبي عثمان المازني قال: كنّا عند أبي زيد فجاء الأصمعي فأكبّ على رأسه وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلّمنا منذ ثلاثين سنة، فبينا نحن كذلك إذ جاء خلف الأحمر فأكبّ على رأسه وجلس فقال: هذا عالمنا ومعلّمنا منذ عشر سنين.

وسئل الأصمعي وأبو عبيدة عنه فقالا: ما شئت من عفاف وتقوى وإسلام. وقال صالح بن محمد الحافظ: أبو زيد ثقة.

توفي سنة ٢١٥. وقيل سنة ٥١٤. قال المبرد حدّثنا الرياشي وأبو حاتم: إنه توفي سنة ٢١٥، وله ثلاث وتسعون سنة، توفي بالبصرةرحمه‌الله »(١) .

٢ - الذهبي: « العلّامة أبو زيد الأنصاري قال بعض العلماء: كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة، وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة. وكان صدوقاً صالحاً »(٢) .

٣ - اليافعي: « قال أصحاب التاريخ: كان من أئمة الأدب، وغلبت

____________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٣٥.

(٢). العبر - حوادث ٢١٥.

١٣٦

عليه اللغات والنوادر والغريب، وكان ثقة في روايته، وقال أبو عثمان المازني: رأيت الأصمعي وقد جاء إلى حلقة أبي زيد المذكور، فقبّل رأسه وجلس بين يديه وقال: أنت رئيسنا وسيّدنا منذ خمسين سنة. وكان الامام أبو سفيان الثوري يقول: أمّا الأصمعي فأحفظ الناس، وأما أبو عبيدة فأجمعهم، وأما أبو زيد الأنصاري فأوثقهم وكان صدوقاً صالحاً »(١).

٤ - الجزري: « قال الحافظ أبو العلاء: كان أبو زيد الأنصاري من أجلّة أصحاب أبي عمرو وكبرائهم، ومن خيار أهل النحو واللغة والشعر ونبلائهم، مات سنة ٢١٥ بالبصرة عن أربع أو خمس وتسعين سنة »(٢) .

٥ - السيوطي: « أبو زيد الأنصاري الامام المشهور. كان إماماً نحوياً، صاحب تصانيف أدبية ولغوية. غلبت عليه اللغة والنوادر والغريب وروى له أبو داود والترمذي قال السيرافي: كان أبو زيد يقول: كلما قال سيبويه أخبرني الثقة فأنا أخبرته به. وقيل: كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة، وأبو زيد ثلثي اللغة، والخليل بن أحمد نصف اللغة »(٣) .

٦ - وقد تقدّم بترجمة أبي عبيدة طرف من مناقب أبي زيد اللغوي عن كتاب ( المزهر في اللغة ) عن أبي الطيب اللغوي، وفيه من ذلك ما لم ننقله سابقاً فليراجع.

دعوى ( الدهلوي ) أن مستمسك أبي زيد قول أبي عبيدة

قوله:

« ومستمسكه قول أبي عبيدة في تفسير( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: أولى بكم ».

____________________

(١). مرآة الجنان - حوادث ٢١٥.

(٢). طبقات الحفاظ ١ / ٣٠٥.

(٣). بغية الوعاة ١ / ٥٨٢.

١٣٧

أقول:

لا دليل على هذه الدعوى

هذه الدعوى لا دليل عليها، وأبو زيد كان معاصراً لأبي عبيدة، وكان يقاربه في السنّ أيضاً، فأبو زيد ولادته سنة (١٢٠) كما في ( طبقات القراء ) لابن الجزري وتوفي كما ذكر النووي سنة (٢١٥) وله من العمر (٩٣) وكذا ذكر الذهبي في ( العبر ) واليافعي في ( مرآة الجنان ).

وأبو عبيدة ولد سنة (١١٢) ومات سنة سبع، وقيل عشر ، وقيل إحدى عشرة ومائتين كما في ( بغية الوعاة ).

ثم إنّ أبا زيد كان أعلم وأفضل من أبي عبيدة، كما تفيد عبارات المبرّد وغيره.

على أنّ كلام ( الدهلوي ) هذا يشتمل على تكذيب الكابلي، فإنّ الكابلي نفى صحة ثبوت مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) عن أبي زيد، لكنّ ( الدهلوي ) يصرّح بتجويز أبي زيد ذلك، ويدّعي أنه قد اعتمد في هذا القول على قول أبي عبيدة، وهذا كلّه ردّ على الكابلي وتكذيب لإِنكاره ثبوت قول أبي زيد بهذا المعنى، ولله الحمد على ذلك.

كما أنّ ظاهر كلام ( الدهلوي ) هو الاعتراف بتفسير أبي عبيدة( هِيَ مَوْلاكُمْ ) بقوله: « أي أولى بكم » فأبو عبيدة أيضاً ممن يقول بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، وبه فسّر هذا اللفظ في الكلام الإِلهي، فاستنكار ( الدهلوي ) أخذ ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) في حديث الغدير في غاية البطلان. وأمّا حمله تفسير أبي عبيدة على أنه بيان لحاصل معنى الآية فيأتي جوابه عن قريب، وخلاصته: أن هذا الحمل دعوى لا دليل عليها، على أنه - لو سلّم - لا ينافي استفادة معنى ( الأولى ) من تلك اللفظة بوجه من الوجوه.

١٣٨

هذا، مضافاً إلى أن اعتراف ( الدهلوي ) بتفسير أبي عبيدة يدلُّ على شدّة تعصب الكابلي الذي لم يتطرّق إلى هذا الموضوع، وكأنّه يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة.

دعوى ( الدهلوي ) إنكار جمهور اللغويين

قوله:

« لكن جمهور أهل العربية يخطّئون هذا القول وهذا التمسّك ».

أقول:

هذه الدعوى كاذبة

كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنّ يقولون إلّا كذباً، سبحان الله!! ما هذه الكذبات المتكررة، والافتراءات المتوالية؟!

نعم، إنه يريد إثبات أن « الولد على سرّ أبيه »، فقد أنكر أبوه من قبل مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر )، بالرغم من أنّ الفخر الرازي وأتباعه لم يناقشوا في هذا المعنى قط، أمّا ولده ( الدهلوي ) فانّه - وإنْ لم ينكر مجيئه بهذا المعنى لكنه - نفى مجيئه بمعنى ( الأولى )، وزعم أن ذلك مذهب جمهور أهل العربية، مع أن جمهورهم لم يخطّئوا هذا القول أبداً، والمدعي مطالب بالدليل.

بل إنّ كثيراً من أساطينهم كالفرّاء، وأبي عبيدة، والأخفش، وأبي العباس ثعلب، والمبرّد، والزجاج، وابن الأنباري، والسجستاني، والرّماني، والجوهري والثعلبي، والواحدي، والأعلم الشنتمري، والزوزني، والبغوي، والزمخشري وغيرهم، ممن سمعت أسمائهم يوافقون أبا زيد في إثبات مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، ويقولون بقوله فإنْ كانت هذه الموافقة تخطئة فلا مشاحة

١٣٩

في الاصطلاح.

ومما يوضّح شناعة هذه الأكذوبة أن الرازي - مع أنه رئيس المنكرين ومقتدى الجاحدين - لم يجترئ عليها، وإن أتباعه كالاصفهاني، والإِيجي، والجرجاني، والبرزنجي، وابن حجر، والكابلي، لم يتفوّهوا بها، مع كونهم في مقام الردّ على حديث الغدير، وإبطال الاستدلال به.

كما أنّ هذه الدعوى تثبت كذب الكابلي في نفي صحة نسبة هذا القول إلى أبي زيد، فإنّ صريح كلام ( الدهلوي ) هو دعوى إنكار جمهور أهل العربية على أبي زيد هذا القول، فيكون قول أبي زيد بذلك ثابتاً لدى الجمهور.

ومن الغريب أنّ ( الدهلوي ) يحتج بقول أبي زيد اللغوي في باب المكايد من كتابه ( التحفة )، لكنه هنا حيث يرى موافقة قول أبي زيد لمذهب أهل الحق يحاول إبطال هذا القول، ولو بالأكاذيب والافتراءات المتوالية المتكررة.

هذا، ولو فرضنا أن أحداً من اللغويين قد أنكر بصراحة على أبي زيد قوله، لم يكن في إنكاره حجة، لأنّ المثبت مقدّم على النافي، ولأن إثبات المثبتين كاف لصحة استدلال أهل الحق الميامين.

على أنه قد علم مما تقدم أن أبا زيد أعلم وأفضل من أبي عبيدة، والأصمعي، بل الخليل، وعلم أيضاً إنتهاء علم العربية إلى هؤلاء الثلاثة، فيكون مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) ثابتاً بقول أفضل الثلاثة، الذين انتهى إليهم علم العربية، وبقول واحد آخر منهم وهو أبو عبيدة، إذْ فسّر ( المولى ) في الآية الكريمة بـ ( الأولى ).

* * *

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391