نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 298481 / تحميل: 7015
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وجوه إبطال النقض بلزوم

استعمال ( مولى منك ) في موضع ( أولى منك )

١٤١

١٤٢

قوله:

« قائلين بأنه لو صح هذا القول لزم جواز أن يقال « مولى منك » في موضع « أولى منك »، وهو باطل منكر بالاجماع ».

أقول:

هذا الكلام باطل من وجوه:

١ - نسبته إلى الجمهور كذب

فأوّل ما فيه: إن نسبة هذا النقض إلى جمهور أهل العربية كاذبة، فالله حسيب ( الدهلوي ) على هذه الأكاذيب الفاضحة والدعاوي الباطلة.

٢ - الأصل فيه هو الرازي

بل الأصل في هذا الكلام الباطل هو الرازي وأتباعه، الذين لا يد لهم في علم العربية ولا نصيب، ولو كان لهم أدنى مناسبة بذلك لما تفوّهوا به، ولذا أعرض عنه الكابلي، فلم يذكره ولم يورّط نفسه.

١٤٣

ثمّ إنّ هذه الشبهة مذكورة مع جوابها في أوائل الكتب التي يدرسها المبتدئون مثل ( سلّم الثبوت ) و ( شروحه )، ولكن ( الدهلوي ) قد غفل عن ذلك لشدة إنهماكه في الخرافات، وسعيه وراء إنكار الحقائق بالشبهات.

٣ - نص كلام الرازي

ولمـّا كان كلام ( الدهلوي ) هذا ملخصّاً لكلام الفخر الرازي فإنّا نورد نص عبارة الرازي في ( نهاية العقول ) في هذا المقام، ثم نشرع في استيصال شبهاته بالتفصيل، فيكون كلام ( الدهلوي ) هباء منثوراً، وهذه عبارة الرازي بعينها:

« ثانيهما: إن ( المولى ) لو كان يجيء بمعنى ( الأولى ) لصح أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر، لكنه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى.

بيان الشرطية: إن تصرف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كلّ واحد منها موضوعاً لمعناه المفرد - فذلك عقلي. مثلاً إذا قلنا « الانسان حيوان » فإفادة لفظة « الإنسان » للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ « الحيوان » للحقيقة المخصوصة أيضاً بالوضع. فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص، فذلك بالعقل لا بالوضع.

وإذا ثبت ذلك فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى، ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل.

وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة « الأولى » بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة « المولى »، والعقل حكم بصحة اقتران المفهوم من لفظة « من » بالمفهوم من لفظة « الأولى »، وجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة « المولى »، لأن صحة ذلك الاقتران ليست بين اللفظتين بل بين مفهوميهما.

١٤٤

بيان أنّه ليس كلّما يصح دخوله على أحدهما صح دخوله على الآخر أنه لا يقال: « هو مولى من فلان » كما يقال: « هو أولى من فلان »، ويصح أن يقال: « هو مولى » و « هما موليان » ولا يصح أن يقال: « هو أولى » بدون « من » و « هما أوليان ». وتقول: « هو مولى الرجل » و « مولى زيد » ولا تقول: « هو أولى الرجل » ولا « أولى زيد »، ولا تقول: « هما أولى رجلين » و « هم أولى رجال »، ولا تقول: « هما مولى رجلين » ولا « هم مولى رجال »، ويقال: « هو مولاه ومولاك » ولا يقال: « هو أولاه وأولاك ».

لا يقال: أليس يقال « ما أولاه »؟ لأنا نقول: ذاك أفعل التعجب، لا أفعل التفضيل. على أن ذاك فعل وهذا اسم، الضّمير هناك منصوب وهنا مجرور.

فثبت بهذين الوجهين أنه لا يجوز حمل المولى على ( الأولى ).

وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

٤ - الرد على كلام الرازي بالتفصيل

وكلام الرازي هذا يشتمل على مكابرات وأباطيل كثيرة، نوضّحها فيما يلي بالتفصيل:

(١) قوله: « إن تصرف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد - فذلك أمر عقلي » إدّعاء محض ولم يذكر له دليلاً.

(٢) قوله: « مثلاً - إذا قلنا الإنسان حيوان » فرار من ذكر الدليل على الدعوى، ومن الواضح أن ذكر المثال يكون بعد الدليل، ولا يغني التمثيل عن الدليل بحال من الأحوال.

(٣) قوله: « فأما نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص فذلك بالعقل لا بالوضع » خبط وذهول، إذ الكلام في ضمّ بعض الألفاظ المفردة إلى البعض الآخر، كما هو

١٤٥

صريح كلامه سابقاً حيث قال: « فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمر عقلي ». ومن المعلوم أن ضمّ بعض الألفاظ إلى البعض عبارة عن التركيب بين الألفاظ بحسب القواعد في ذلك اللسان، كضم الفعل إلى الفاعل، والمضاف إلى المضاف اليه، والمبتدأ إلى الخبر وهكذا وضمّ بعض الألفاظ إلى البعض هو بحسب الاستعمال والنطق، وأنا نسبة الحيوان إلى الإنسان فهو بحسب التصور والتعقل، فالتمثيل بهذا المثال لذاك المعنى تهافت وذهول، لأن كلامنا في صحة اقتران لفظ بلفظ في الاستعمال، وليس الكلام في نسبة المفاهيم والمصاديق، وكون الأول من الأمور المنقولة والثاني من الأمور المعقولة غير مخفي على أحد، كما لا يخفى بطلان قياس أحدهما على الآخر.

(٤) قوله: « وإذا ثبت ذلك فلفظة ».

ما الذي ثبت؟! الذي ذكره أمران، أحدهما إدعاء، والآخر تمثيل، فأما الدعوى المحضة فلا تثبت أمراً، وأما التمثيل فكذلك إنْ كان مطابقاً للممثل له، فكيف بهذا المثال الذي ذكره، البعيد عن الممثل له غاية البعد؟!

(٥) إن قياس معنى « من » على معنى « الإنسان » و « الحيوان » من البطلان بمكان، لأن كلاً من اللفظتين مستقلّة بالمفهومية، بخلاف « من » فإنّ معناها غير مستقل، ولا مناسبة بين المستقل وغير المستقل.

(٦) « فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل » من غرائب المجازفات وعجائب التقوّلات، لا تجده في أبسط كتاب من كتب النحو، ولا يتفوّه به أحد من أصاغر الطلبة، ولو صح ما ذكره لبطل الكثير من القواعد النحوية، ووقع الاختلال العظيم في المحاورات العرفية

إنه يجب حذف الخبر في مواضع ذكرها النحويون قال الشيخ ابن الحاجب في ( الكافية ): « وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة جوازاً كقول المستهل:

١٤٦

الهلال والله. والخبر جوازاً مثل: خرجت فإذا السبع. ووجوباً فيما التزم في موضعه غيره مثل: لو لا زيد لهلك عمر، ومثل: ضربي زيداً قائماً، ومثل: كل رجل وضيعته، ومثل: لعمرك لأفعلنّ كذا ».

ولو كان ضم بعض الألفاظ إلى بعض بالعقل لا بالوضع، لم يكن وجه لوجوب حذف الخبر في هذه المواضع الأربعة، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذكره فيها.

ويجب حذف فعل المفعول المطلق سماعاً وقياساً، قال ابن الحاجب: « وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازاً، كقولك لمن قدم: خير مقدم. ووجوباً سماعاً نحو: سقياً ورعياً، وخيبة وجدعاً، وحمداً وشكراً، وعجباً. وقياساً في مواضع، منها: ما وقع مثبتاً بعد نفي أو معنى نفي داخل على اسم لا يكون خبراً عنه، أو وقع مكرراً نحو: ما أنت إلّا سيراً، وما أنت إلّا سير البريد، وإنما أنت سيراً، وزيد سيراً سيراً. ومنها: ما وقع تفصيلاً لأثر مضمون جملة متقدمة مثل( فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) ومنها: ما وقع للتشبيه علاجاً بعد جملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه مثل: مررت به فإذا له صوت صوت حمار وصراخ صراخ الثكلى. ومنها: ما وقع مضمون جملة لا محتمل لها غيره نحو: له عليَّ ألف درهم اعترافاً، ويسمى تأكيداً لنفسه. ومنها: ما وقع مضمون جملة لها محتمل غيره مثل: زيد قائم حقاً ويسمى تأكيداً لغيره. ومنها: ما وقع مثنى مثل لبيك وسعديك ».

ولو كان ضمّ بعض الألفاظ إلى بعض والتركيب بينها بالعقل لا بالوضع، لم يمتنع ذكر الفعل في هذه المواضع، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذلك.

وقد يجب حذف الفعل العامل في المفعول به، قال ابن الحاجب: « وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازاً نحو: زيداً لمن قال: من أضرب؟ ووجوباً في أربعة مواضع: الأول سماعي نحو: أمراً ونفسه. و( انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ) وأهلْاً وسهلْاً ». ولو كان التركيب بين الألفاظ دائراً مدار حكم العقل لجاز ذكر الفعل في هذه المواضع.

١٤٧

وقال السيوطي: « الأصول المرفوضة، منها: جملة الاستقرار الذي يتعلق به الظرف الواقع خبراً. قال ابن يعيش: حذف الخبر الذي هو استقر ومستقر، وأقيم الظرف مقامه وصار الظرف هو الخبر، والمعاملة معه، ونقل الضمير الذي كان في الاستقرار إلى الظرف، وصار مرتفعاً بالظرف، كما كان مرتفعاً بالاستقرار، ثم حذف الاستقرار وصار أصلاً مرفوضاً، لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه بالظرف.

ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا، نحو: لو لا زيد لخرج عمر، وتقديره لو لا زيد حاضراً. قال ابن يعيش: ارتبطت الجملتان، وصارتا كالجملة الواحدة، وحذف خبر المبتدأ من الجملة الأولى، لكثرة الاستعمال، حتى رفض ظهوره ولم يجز استعماله.

ومنها: قولهم إفعل هذا أمّا لا. قال ابن يعيش: ومعناه: إنّ رجلاً أمر بأشياء يفعلها فتوقف في فعلها فقيل له: إفعل هذا إنْ كنت لا تفعل الجميع، وزادوا على إنْ ما وحذف الفعل وما يتصل به، وكثر حتى صار الأصل مهجوراً.

ومنها: قال ابن يعيش: بنو تميم لا يجيزون ظهور خبر لا المثبتة ويقولون هو من الأصول المرفوضة. وقال الاستاذ أبو الحسن بن أبي الربيع في شرح الإيضاح: الإِخبار عن سبحان الله يصح كما يصح الإِخبار عن البراءة من السوء، لكن العرب رفضت ذلك، كما أن « مذاكير » جمع لمفرد لم ينطق به، وكذلك « لييلية » تصغير لشيء لم ينطق به، و « أصيلان » تصغير لشيء لم ينطق به، وإنْ كان أصله أن ينطق به، وكذلك « سبحان » إذا نظرت إلى معناه وجدت الإِخبار عنه صحيحاً، لكنّ العرب رفضت ذلك، وكذلك « لكاع ولكع » وجميع الأسماء التي لا تستعمل إلّا في النداء، إذا رجعت إلى معانيها وجدت الإِخبار ممكناً فيها، بدليل الإِخبار عمّا هي في معناه، لكن العرب رفضت ذلك.

وقال أيضاً في قولك زيداً أضربه: ضعف فيه الرفع على الابتداء، والمختار النصب، وفيه إشكال من جهة الإِسناد، لأن حقيقة المسند والمسند إليه ما لا يستقل الكلام بأحدهما دون صاحبه، واضرب ونحوه يستقل به الكلام وحده،

١٤٨

ولا تقدر هنا أن تقدر مفرداً تكون هذه الجملة في موضعه، كما قدرت في زيد ضربته. فان قلت: فكيف جاء هذا مرفوعاً وأنت لا تقدر على مفرد يعطي هذا المعنى؟ قلت: جاء على تقدير شيء رفض ولم ينطق به، واستغنى عنه بهذا الذي وضع مكانه، وهذا وإنْ كان الأصل فيه بعد إذا أنت تدبّرته وجدت له نظائر، ألا ترى أن « قام » أجمع النحويون على أن أصله قوم، وهذا ما سمع قط فيه ولا في نظيره فكذلك زيد أضربه كأن أضربه وضع موضع مفرد مسند إلى زيد على معنى الأمر، ولم ينطق قط به ويكون كقام.

وقال أيضاً: مصدر عسى لا يستعمل وإنْ كان الأصل لأنه أصل مرفوض »(١) .

أقول: وهذا القدر كاف للرد على ما ادعاه الرازي وارتضاه أتباعه.

(٧) قوله: « وإذا ثبت فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل ». واضح البطلان، لأن اقتران « من » بـ « الأولى » مأخوذ من النقل والسماع، وإلّا لجاز اقتران غيره من الحروف مثل « عن » و « على » و « إلى » و « في ». فأيّ مانع عقلاً من أن يقال: « زيد أولى من عمرو » أو يقال: « زيد أولى على عمرو »؟

وممّا يؤيّد ما ذكرنا من كون اقتران « من » بـ « أولى » مأخوذاً من الاستعمال والوضع كلام الشيخ خالد الأزهري في أحكام أفعل التفضيل وهذا نصه:

« والحكم الثاني فيما بعد أفعل: أن تؤتي « من » الجارة للمفضول كما تقدّم من الأمثلة، وهي عند المبرد وسيبويه لابتداء الارتفاع في نحو أفضل منه وابتداء الانحطاط في نحو شرّ منه. واعترضه ابن مالك بأنها لا تقع بعدها « إلى » واختار أنها للمجاوزة، فإنّ معنى زيد أفضل من عمرو: جاوز زيد عمراً في الفضل. واعترضه في المغني: بأنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها « عن ». ودفع بأن

____________________

(١). الأشباه والنظائر ١ / ٧٠ - ٧١.

١٤٩

صحة وقوع المرادف موقع مرادفه إنما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانع، وهاهنا منع مانع وهو الاستعمال، فإن اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلّا « من » خاصة »(١).

(٨) لقد نصّ المحقّقون من أهل اللغة والنحو على عدم جواز تركيب مّا في لغة، من غير أن يسمع لذلك التركيب نظائر، قال السيوطي: « قال أبو حيان في شرح التسهيل: العجب ممن يجيز تركيباً مّا في لغة من اللغات من غير أن يسمع من ذلك التركيب نظائر. وهل التراكيب العربية إلّا كالمفردات العربية؟ فكما لا يجوز إحداث لفظ مفرد كذلك لا يجوز في التراكيب، لأن جميع ذلك أمور وضعيّة، والأمور الوضعيّة تحتاج إلى سماع من أهل ذلك اللسان، والفرق بين علم النحو وبين علم اللغة: أن علم النحو موضوعه أمور كليّة، وموضوع علم اللغة أشياء جزئية، وقد اشتركا معاً في الوضع »(٢) .

وقد نقل السيوطي هذا عن القرافي ونقل عن غيره أنه عزاه إلى الجمهور.

قلت : وعلى هذا فكيف يجوز القول بأن اقتران لفظ بلفظ آخر يكون بالعقل فقط؟

(٩) قوله: « وإذا ثبت ذلك ».

قلت: أي شيء ثبت؟ إنه لم يسبق هذا إلّا قوله: « فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل » وقد عرفت أنه ادعاء محض، بل عرفت بطلانه.

(١٠)قوله : « وجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة « المولى »، لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين مفهوميهما ».

أقول : هذا الكلام يناقض ما تقدّم منه، لأنه قد ادعى أنه لو كان ( المولى )

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح. مبحث أفعل التفضيل.

(٢). المزهر ١ / ٢٨.

١٥٠

بمعنى ( الأولى ) لزم صحة أن يقال « فلان مولى من فلان »، لكنه بهذا الكلام ينفي ذاك اللزوم، لأنه يقول بأن الاقتران ليس بين اللفظتين، بل إن مفهوم قوله: « بل بين مفهوميهما » هو أن الاقتران ليس إلّا بين المفهومين، مع أن مورد الإلزام في كلامه السابق وأصل الدعوى هو الاقتران بين اللفظين، فقد قال سابقاً: « وثانيهما: إنّ « المولى » لو كان يجيء بمعنى « الأولى » لصحّ أن يقترن بأحدهما كلّ ما يصح قرنه بالآخر » بل ذلك هو صريح الجملة الأخرى من كلامه وهي قوله: « فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض » وهكذا قوله: فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة من »، وهو أيضاً صريح الجملة اللاحقة من كلامه: « لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو أولى من فلان ».

فظهر بطلان قوله: « لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين مفهوميهما » من كلامه نفسه سابقاً ولا حقاً.

ثم إنّه لم يوضّح مراده من أن الاقتران بين المفهومين لا بين اللفظتين، وأيّ نفع له في هذا الكلام الفارغ؟ أو أيّ ضرر على خصمه فيه؟!

وصول الكلام إلى النقض الذي أخذه ( الدهلوي )

وأما قوله: « بيان أنّه ليس كلما يصح دخوله على أحدهما يصح دخوله على الآخر » ففيه: أنّه أوّل دليل ذكره على هذه الدعوى قوله: « إنه لا يقال هو مولى من فلان كما يقال هو أولى من فلان » ولم يدخل في هذا المثال « من » على « الأولى »، كما لا يدلُّ على عدم جواز دخولها على « المولى »، بل إنّ « من » فيه متأخرة عن « الأولى ».

وأما قوله: « لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو أولى من فلان » فهذا ما ذكره ( الدهلوي ) هنا، ونحن وإنْ بينّا فساد مقدمات هذا الاستدلال - المستلزم لفساده - نذكر وجوهاً على بطلانه استناداً إلى كلمات الرازي وكبار محققي علماء اللغة والنحو من مشاهير أهل السنة:

١٥١

١ - إنْ كان الاقتران بالعقل فلا مانع

لقد ذكر الفخر الرازي أنّ صحة اقتران لفظ بلفظ هو بالعقل لا بالوضع، وعلى هذا الأساس فلا مانع من أن يقال: « هو مولى من فلان » كما يقال « هو أولى من فلان ».

٢ - جواب شارحي المقاصد والتجريد عن النقض

لقد أجاب شارح المقاصد وشارح التجريد عن هذه الشبهة بأنّ ( المولى ) اسم بمعنى ( الأولى )، لا أنه وصف بمنزلته حتى يعترض بعدم كون ( المولى ) من صيغ اسم التفضيل، وأنه لا يستعمل استعماله.

وقد تقدّم نصّ عبارتهما سابقاً، كما أورد صاحب ( بحر المذاهب ) عبارة شارح التجريد للردّ على توهّم صاحب المواقف وشارحها.

٣ - بقاء ( المولى ) على معناه الأصلي عند جماعة

وقال الزمخشري والبيضاوي والخفاجي وغيرهم ببقاء ( المولى ) الوارد بمعنى ( الأولى ) على أصله وهو الظرفيّة، وعليه، فلا يلزم أن يكون استعمال ( المولى ) مثل استعمال ( الأولى ) وان كان بمعناه، حتى لو ثبت جواز إقامة المرادف مقام مرادفه، لأن جواز ذلك مشروط بعدم إرادة معنى الظرفية من ( المولى )، مثلاً: « مئنة » ظرف مأخوذ من « أنّ » يقال: « فلان مئنة للكرم » والجار والمجرور يتعلّق به، كما يقال « البلد الفلاني مجمع للعلماء » لكن لا يجوز استعماله مثل استعمال « إنه لكريم »، فلا يقال: « زيد مئنة لكريم » مع أنه و « إن زيداً لكريم » بمعنى واحد.

٤ - بطلان النقض من كلام ( الدهلوي ).

لقد أبطل ( الدهلوي ) كلمات الرازي هذه بنفسه من حيث لا يشعر، فقد

١٥٢

ذكر بجواب الاستدلال بجملة « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » بأنّ « الأولى » هنا مشتقة من « الولاية » بمعنى المحبة، يعني: ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم فنقول: إن معنى هذا الكلام كون « الأولى » مرادفاً « للأحب »، مع أن استعمال اللفظتين ليس واحداً، لأن صلة « أولى » هي « الباء » كما في هذا الكلام النبوي في هذا الحديث الشريف، وصلة « أحب » هي « إلى » كما قال ( الدهلوي ) نفسه.

فلو كان من اللازم اتحاد المترادفين في الاستعمال للزم جواز أن يقوم « أولى إليه » مقام « أحبّ إليه » في كل كلام، وهو غير مسموع إذن كما أن عدم اقتران « إلى » مع « أولى » ليس بقادح في مجيئه بمعنى « الأحبّ » كما يدعي ( الدهلوي )، فكذلك لا يقدح عدم اقتران « من » بـ « المولى » في كون « المولى » بمعنى « الأولى ».

٥ - بطلان النقض من كلام الرازي

لقد عدل الفخر الرازي عن لجاجه ورجع إلى صوابه في كتاب ( المحصول ) وقبل الحق الحقيق بالقبول، فقد قال جلال الدين المحلّي « والحق وقوع كلّ من الرديفين أي اللفظين المتّحدي المعنى مكان الآخر، إنْ لم يكن تعبّد بلفظه، أي يصح ذلك في كلّ رديفين بأن يؤتى بكلٍ منهما مكان الآخر في الكلام، إذْ لا مانع من ذلك، خلافاً للامام الرازي في نفيه ذلك مطلقاً، أي من لغتين أو لغة، قال: لأنك لو أتيت مكان من في قولك مثلاً: خرجت من الدار بمرادفها بالفارسية أي « أز » بفتح الهمزة وسكون الزاي، لم يستقم الكلام، لأن ضم لغة إلى أخرى بمثابة ضم مهمل إلى مستعمل. قال: وإذا عقل ذلك في لغتين فلم لا يجوز مثله في لغة. أي لا مانع من ذلك. وقال: إن القول الأول أي الجواز الأظهر في أول النظر والثاني الحق ».

وإن هذا الرأي من الرازي مذكور في كتاب سلّم العلوم وشروحه.

١٥٣

لكن من دأب المتعصب العنيد أن يخالف الحق مكابرة، وينكره لغرض إبطال استدلال خصمه!!

٦ - اعتراف الرازي بأنّ هذا الوجه فيه نظر

لقد ذكر الرازي في آخر كلامه الذي شحنه بالأباطيل بأنّ « هذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول » يعني أن الحق ما ذهب إليه في المحصول من منع القول بلزوم وقوع أحد المترادفين مقام الآخر.

أقول: فإذا كان هذا الوجه مردوداً، فأيّ وجه لذكره مع هذا التطويل؟

والأغرب من ذلك استحسان الاصفهاني والإِيجي والشريف الجرجاني وابن حجر المكي والبرزنجي والسهارنفوري الوجه المردود مع عدم تعرضهم لكونه مردوداً منظوراً فيه كما اعترف الرازي نفسه!! ثم جاء ( الدهلوي ) فرحاً مستبشراً فقلّد الرازي في ذكره، وغضّ النظر عن وجه النظر فيه، مخالفاً للكابلي الذي أعرض عن ذكر النقض من أصله لعلمه بوهنه وبطلانه.

٧ - قول المحققين بعدم وجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر

وكما أن القول بوجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر ممنوع عند الرازي في ( المحصول ) ومنظور فيه عنده في ( نهاية العقول )، فإنّ سائر المحققين من أهل السنة يذهبون إلى هذا المذهب، ويصرّحون بعدم وجوب ذلك. فقد قال القاضي محب الله البهاري في ( سلّم العلوم ): « ولا يجب قيام كلّ مقام الآخر وإنْ كانا من لغة، فإن صحة الضم من العوارض، يقال: صلّى عليه، ولا يقال دعا عليه ».

وقد تبعه على ذلك شرّاح كتابه ( مسلّم الثبوت ) وأقاموا الادلة على هذا القول فليرجع إليها.

١٥٤

وقد تقدّم نص كلام الشيخ خالد الأزهري من محققي النحاة(١) .

وقال رضي الدين الاسترآبادي - وهو من محققي النحاة أيضاً - في مبحث أفعال القلوب: « ولا يتوهّم أن بين علمت وعرفت فرقاً من حيث المعنى كما قال بعضهم. فإنّ معنى علمت أن زيداً قائم وعرفت أن زيداً قائم واحد، إلّا أن عرف لا ينصب جزئي الاسمية كما ينصبهما علم، لا لفرق معنوي بينهما، بل هو موكول إلى اختيار العرب، فإنهم قد يخصّون أحد المتساويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخر ».

وقال أيضاً - بعد أن ذكر إلحاق أفعال عديدة بصار: « وليس إلحاق مثل هذه الأفعال بصار قياساً بل سماعاً، ألا ترى أن انتقل لا يلحق به مع أنه بمعنى تحوّل ».

٨ - من أمثلة عدم قيام أحد المترادفين مقام الآخر

لقد مثّل البهاري لعدم الجواز بأن « دعا » لا يقوم مقام « صلّى »، وعرفت أنّ « عرف » لا يقوم مقام « علم » وأن « انتقل » لا يقوم مقام « تحوّل ».

لكن أمثلة امتناع قيام أحد المترادفين مقام الآخر كثيرة جدّاً، إلّا أن الوقوف على طرف منها يستلزم التتبع لكلمات علماء الفن ومعرفة اللغات والألفاظ، والرازي وأتباعه بعيدون عن ذلك، ونحن نشير هنا إلى بعض تلك الأمثلة والموارد:

فمنها: الفروق الموجودة بين « حتى » و « إلى » مع أنهما متساويان في الدلالة على الغاية، كدخول « إلى » على المضمر بخلاف « حتى »، ووقوع الأول في موضع الخبر مثل: والأمر إليك، بخلاف الثاني

ومنها: الفروق بين « الواو » و « حتى العاطفة » وهي ثلاثة فروق كما في ( مغني

____________________

(١). توجد ترجمته في الضوء اللامع ٣ / ١٧١ وغيره.

١٥٥

اللبيب ) و ( الأشباه والنظائر ) نقلاً عنه.

ومنها: الفروق بين « إلّا » و « غير » وهما بمعنى واحد. قال السيوطي « ذكر ما افترق فيه إلّا وغير. قال أبو الحسن الآبدي في شرح الجزولية: إفترقت إلّا وغير في ثلاثة أشياء أحدها: إنّ غيراً يوصف بها حيث لا يتصور الاستثناء و إلّا ليست كذلك، تقول: عندي درهم غير جيّد. ولو قلت عندي درهم إلّا جيد لم يجز. الثاني: إنّ إلّا إذا كانت مع ما بعدها صفه لم يجز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، فتقول: قام القوم إلّا زيدا. ولو قلت: قام إلّا زيد لم يجز، بخلاف غير، إذْ تقول: قام القوم غير زيد وقام غير زيد. وسبب ذلك إنّ إلّا حرف لم يتمكن في الوصفية فلا يكون صفة إلّا تابعاً، كما أن « أجمعين » لا يستعمل في التأكيد إلّا تابعاً. الثالث: إنك إذا عطفت على الاسم الواقع بعد إلّا كان إعراب المعطوف على حسب المعطوف عليه، وإذا عطفت على الاسم الواقع بعد غير جاز الجر والحمل على المعنى »(١) .

ومنها: الفروق بين « عند » و « لدن » و « لدى »، وهي في ستة أشياء كما في ( الاشباه والنظائر ).

ومنها: الفروق بين « المصدر » و « أن مع صلتها » وهي في اثني عشر شيء، كما يظهر بالرجوع إلى ( الأشباه والنظائر ).

ومنها: الفروق بين « أم » و « أو » وكلاهما يستعمل للترديد، وهي في أربعة أشياء، كما في ( الأشباه والنظائر ) عن ابن العطار.

ومنها: الفروق العديدة بين ألفاظ الإِ غراء وألفاظ الأمر، ذكرها السيوطي في ( الأشباه والنظائر ) نقلا عن الأندلسي.

ومنها: الفروق بين « هل » و « همزة الاستفهام » وهي كما في ( الأشباه والنظائر ) عن ابن هشام - في عشرة أشياء.

____________________

(١). الأشباه والنظائر ٢ / ١٧٩.

١٥٦

ومنها: الفروق بين « أيان » و « حتى » يظهر من ( الأشباه والنظائر ) أنها في ثلاثة أشياء.

ومنها: الفروق بين « كم » و « كأيّن » وهي كما يفهم من ( مغني اللبيب ) في خمسة أشياء.

هذا، ولا يتوهّم أن الموارد المذكورة غير مشتركة في المادة بخلاف « المولى » و « الأولى » فإنهما من مادة واحدة، لأن كلام الرازي ليس من جهة الاشتراك في المادة، لأن صريح كلامه لزوم اتحاد المترادفين في الاستعمال بسبب إتحادهما في المعنى من غير دخل للاتحاد في المادة في هذا الباب.

على أنّا وجدنا مترادفين مشتركين في المادة مع تنصيص المحققين وأئمة اللغة بعدم جواز استعمال أحدهما في مقام الآخر، ففي ( الصحاح ): « ويقال: يا نومان للكثير النوم ولا تقل: رجل نومان. لأنه يختص بالنداء »(١) .

وفي ( الصحاح ) أيضاً: « وقولهم في النداء: يأفل مخففاً إنما هو محذوف من يا فلان لا على سبيل الترخيم، ولو كان ترخيماً لقالوا: يا فلا. وربما قيل ذلك في غير النداء للضرورة. قال أبو النجم: في لجّة أمسك فلاناً عن فل »(٢) .

هذا وقد أجاب الشهيد التستريرحمه‌الله عن هذه الشبهة في وجوه ردّ كلام صاحب المواقف بقوله: « ومنها: ان مجيء مفعل بمعنى أفعل مما نقله الشارح الجديد للتجريد عن أبي عبيدة من أئمة اللغة، وأنه فسّر قوله تعالى:( هِيَ مَوْلاكُمْ ) بأولاكم. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها أي الأولى بها والمالك لتدبيرها. ومثله في الشعر كثير، وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن أئمة اللغة، والمراد إنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه

____________________

(١). الصحاح: نوم.

(٢). المصدر نفسه: فلن.

١٥٧

ليس من صيغة اسم التفضيل، وانه لا يستعمل استعماله.

وأيضاً كون اللفظين بمعنى واحد لا يقتضي صحة اقتران كلٍ منهما في الاستعمال بما يقترن به الآخر، لأنّ صحة اقتران اللفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني، ولأنّ الصلاة مثلاً بمعنى الدعاء والصلاة إنما تقترن بعلى والدعاء باللام يقال: صلّى عليه ودعا له، ولو قيل: دعا عليه لم يكن بمعناه. وقد صرّح الشيخ الرضي بمرادفة العلم والمعرفة مع أن العلم يتعدى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال إنك عالم ولا يقال إن أنت عالم، مع أن المتّصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به، وأمثال ذلك كثير ».

وفي كتاب ( عماد الاسلام ) ما نصه: « قد صرّح الشيخ الرضي بمرادفة العلم والمعرفة، مع أن العلم يتعدى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال: إنك عالم ولا يقال إن أنت عالم، مع أن المتصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به وأمثال ذلك كثير.

وبوجهٍ آخر: قد مرّ في مبحث الرؤية من كتاب التوحيد ما يندفع به كلام الرازي هذا، وحاصله: إن اقتران اللّفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعنى، فيجوز أن يكون من عوارض لفظ « الانتظار » ما لم يكن من عوارض « النظر » الذي هو بمعناه، وهكذا بالعكس، لتحقق التغاير اللفظي بينهما.

وأيضاً: جاء « بصر بي » ولم يجيء « نظر بي » و « رأى بي ». وهكذا على قول الأشاعرة جاء: « نظر إليه » ولم يجيء « بصر إليه ».

وأيضاً: لو تم دليلك لزم أن يصح « نظرته » كما صح « رأيته »، والحال أن الرازي حكم ببطلانه في مبحث الرؤية، وصح « ان أنت عالم » كما صح « إنّك عالم »، وصح « جاءني إلّا زيد » كما صح « غير زيد » وجاز « عندي درهم إلّا جيّد » كما صح « عندي غير درهم جيد ». مع أن إلّا بمعنى غير في الأمثلة، وصرّح بعدم صحتها صاحب المغني.

١٥٨

وبالجملة، لا يليق بمن يكون ملقباً بإمام الأشاعرة أن يدّعي أمراً خلافاً للواقع ترويجاً لمذهبه ».

٩ - عدم جريان القياس في اللغة

لقد تسالم المحققون من العلماء على أنه لا يجري القياس في اللغة، وذلك غير خاف على من نظر في كتبهم ووقف على كلماتهم، وقال السيوطي: « قال الكيا الهراسي في تعليقه: الذي استقر عليه آراء المحققين من الأصوليين أن اللغة لا تثبت قياساً ولا يجري القياس فيها »(١) .

١٠ - لا يعارض الظن القطع

ولو فرضنا جريان القياس في اللغة، فإنّ غاية ما يفيده القياس هو الظن، لكن مفاد نصوص الأساطين المثبتين لمجيء « المولى » بمعنى « الأولى » هو القطع، ولا يعارض الظن القطع قطعاً.

١١ - الشهادة على النفي غير مسموعة

إن حاصل هذا النقض المردود والشبهة المدحوضة هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، وهذه شهادة على النفي، وقد نصّ الرازي نفسه أيضاً في مثل هذا المقام على أن الشهادة على النفي غير مقبولة. قال الرازي: « عابوا عليه - أي على الشافعي - قوله الباء في قوله تعالى:( وَامْسَحُوا بِرُؤوُسِكُمْ ) تفيد التبعيض، ونقلوا عن أئمة اللغة أنهم قالوا لا فرق بين: وامسحوا برؤسكم، وبين قوله: وامسحوا رؤسكم. والجواب: قول من قال أنه ليس في اللغة أن الباء للتبعيض شهادة على النفي فلا تقبل »(٢) .

____________________

(١). المزهر ١ / ٣٧.

(٢). مناقب الشافعي.

١٥٩

١٢ - عدم جواز « هو أولى » و « هما أوليان » غير مسلّم

وذكر الرازي أنه لا يجوز قول « هو أولى » و « هما أوليان ». ولكنّا لا نسلّم هذا القول لوجهين:

الأول: إن رأي الرازي هو أن اقتران لفظ بلفظ ليس بالوضع بل العقل، فإذا كان كذلك فإن العقل لا يأبى من قول « هو أولى » و « هما أوليان »، ولا استحالة عقلية في هذا الإطلاق إطلاقاً.

والثاني: إنّ هذه الدعوى تردّها قواعد العربية وتصريحات أئمة اللغة والتفسير، لأن اسم التفضيل قد استعمل في آيات عديدة في القرآن الكريم مجرداً من « من » والاضافة وحرف التعريف، ففي سورة البقرة:( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلهِ ) وأيضاً في سورة البقرة:( ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) وفي سورة الأنعام:( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) وفي سورة التوبة:( وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ) وأيضاً في سورة التوبة( وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ) وأيضاً في سورة التوبة:( قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً ) وفي سورة بني إسرائيل:( وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) وفي سورة الكهف( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) وفي سورة طه:( وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى ) وأيضاً في سورة طه:( وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) وفي سورة القصص:( وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى ) وفي سورة الأعلى:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) .

إذن، يجوز إستعمال اسم التفضيل من دون « من » فدعوى عدم جواز « هو أولى » و « هما أوليان » باطلة.

بل إن خصوص « أولى » ورد استعماله في القرآن بلا « من » قال الله تعالى:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

١٦٠

بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبداً

تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا

وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .

وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .

والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.

١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » .

وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.

(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.

١٦١

الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟

الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟

الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،

ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:

« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .

وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .

وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .

وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.

(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.

(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.

١٦٢

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .

فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».

وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .

____________________

(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.

(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

١٦٣

أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.

١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين ».

وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.

على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.

١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم

وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .

وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.

على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.

____________________

(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.

١٦٤

ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!

وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».

على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».

فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.

* * *

١٦٥

١٦٦

وجوه بطلان شبهة

إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية

وشبهات أخرى

١٦٧

١٦٨

قوله:

« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية

إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .

٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟

إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.

١٦٩

لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟

٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير

إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.

إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى:( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .

لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.

وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٧٠

حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.

٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي

ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:

« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

١٧١

و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [عليه‌السلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.

وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .

٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي

ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.

قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

١٧٢

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.

قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.

١٧٣

شبهات أخرى

هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:

١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى

فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:

الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟

والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف

١٧٤

الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».

ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .

فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!

الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .

الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».

فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).

الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب

____________________

(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.

١٧٥

واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».

فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.

السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .

السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.

الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.

ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».

وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.

قال: « مرسلاً غير مسند ».

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.

١٧٦

ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.

قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».

ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.

وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».

ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:

وعدت عواد دون وليك تشعب.

وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».

أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون

١٧٧

« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.

٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق

ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:

إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:

الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.

الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول عليعليه‌السلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّرهعليه‌السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قالعليه‌السلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيهعليه‌السلام شر. ومثل قوله تعالى( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في

١٧٨

التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .

الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:

الأول: ما روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .

٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم

ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».

وجوه دفعها

وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:

____________________

(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.

١٧٩

الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.

الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:

« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه:( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .

الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد

____________________

(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391