نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 298698 / تحميل: 7023
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

بالباب فقال لي: استأذن لي، فلم آذن له. وفي رواية: انه قال ذلك ثلاثاً، فدخل بغير إذني، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الذي أبطأ بك يا علي؟ فقال: يا رسول الله، جئت لأدخل فحجبني أنس. فقال: يا أنس لِمَ حجبته؟ فقال: يا رسول الله، لما سمعت الدعوة أحببت أن يجئ رجل من قومي فتكون له. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تضر الرجل محبة قومه ما لم يبغض سواهم »(١) .

ترجمته:

كحّالة : « فقيه، أُصولي، أديب، ناثر، ناظم، مؤرّخ، مشارك في أنواعٍ من العلوم، من مؤلَّفاته الكثيرة »(٢) .

(١٣٤)

رواية بهجت افندي

المتوفى سنة: ١٣٥٠.

رواه في ( تاريخ آل محمّد: ٣٨ ) وترجمه إلى الفارسية وأوضح مدلوله ومعناه.

(١٣٥)

رواية منصور ناصف

وهو: الشيخ منصور علي ناصف، المتوفى بعد سنة: ١٣٧١، من علماء الأزهر.

____________________

(١). تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٤٤٣.

(٢). معجم المؤلفين ٥ / ٢٨٣.

١٠١

قال:

« عن أنس -رضي‌الله‌عنه - قال: كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي فأكل معه ».

وقال بشرحه:

« فيه: إنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - أحبّ الخلق إلى الله تعالى »(١) .

ترجمته:

ويكفي للوقوف على شخصية الرّجل العلمية ومزايا كتابه المذكور النظرُ في التقاريظ الصادرة عن علماء عصره والمطبوعة في مقدمة كتابه، فلاحظ.

١٠٢

تفنيد مزاعم

الكابلي والدهلوي حول

سند حديث الطّير

١٠٣

١٠٤

قوله:

« الحديث الرّابع ما رواه أنس: إنّه كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له أو أُهدي إليه، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي من هذا الطير. فجاءه علي ».

تصرّفات ( الدهلوي ) في الحديث وتلبيساته لدى نقله

أقول:

( للدهلوي ) هنا تسويلات وتعسّفات نشير إليها:

(١) من الواضح جدّاً أنّ علماء الإماميّة، كالشيخ المفيد، وابن شهر آشوب وأمثالهما، يثبتون تواتر هذا الحديث، ولهم في ذلك بيانات وتقريرات. فكان على ( الدهلوي ) أن يشير إلى تواتر هذا الحديث - ولو عن الإِمامية، ولو مع تعقيبه بالردّ - لكنّ إعراضه عن ذكر ذلك ليس إلّا لتخديع عوام أهل نحلته، كيلا يخطر ببال أحدٍ منهم، ولا يطرق آذانهم تواتر هذا الحديث، حتّى نقلاً عن الإِماميّة.

١٠٥

لكن ثبوت تواتره - حسب إفادات أئمة أهل السنّة - بل قطعيّة صدوره ومساواته للآية القرآنية في القطعية - حسب إفادة ( الدهلوي ) نفسه، كما عرفت ذلك كلّه - يكشف النّقاب عن تسويل ( الدهلوي ) وتلبيسه والله يحق الحقّ بكلماته.

(٢) إنّ قوله: « ما رواه أنس » تخديع وتلبيس آخر، إنّه يريد - لفرط عناده وتعصّبه - إيهام أنّ رواية هذا الحديث منحصرة في أنس بن مالك، وأنّه لم يرو عن غيره من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لكن قد عرفت أنّ رواة هذا الحديث يروونه عن عدّة من الصحابة عن الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم:

١ - أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢ - أنس بن مالك.

٣ - عبد الله بن العباس.

٤ - أبو سعيد الخدري.

٥ - سفينة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ - سعد بن أبي وقاص.

٧ - عمرو بن العاص.

٨ - أبو الطفيل عامر بن واثلة.

٩ - يعلى بن مرّة.

ولا يتوّهم: لعلّ ( الدهلوي ) إنّما نسبه إلى أنس بن مالك فحسب، لانتهاء طرق أكثر الرّوايات إليه، وليس مراده حصر روايته فيه.

لأنّ صريح عبارته في فتواه المنقولة سابقاً أنّ مدار حديث الطير بجميع طرقه ووجوهه على أنس بن مالك فحسب

(٣) إنّه بالإِضافة إلى ما تقدّم كتم كثرة طرق هذا الحديث ووجوهه عن أنس.

١٠٦

(٤) إنّه - بالإِضافة إلى كلّ ما ذكر - لم يذكر لفظاً كاملاً من ألفاظ الخبر عن أنس بن مالك، المتقدمة في أسانيد الحديث.

(٥) إنّه قد ارتكب القطع والتغيير في نفس هذا اللّفظ الذي ذكره بحيث أنّا لم نجد في كتاب من كتب الفريقين رواية حديث الطير بهذا اللّفظ بل إنّ لفظه لا يطابق حتى لفظ الكابلي المنتحل منه كتابه وهذه عبارة الكابلي كاملةً:

« الرابع: ما رواه أنس بن مالك: إنّه كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له فقال: اللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي. فجاء علي، فأكله معه.

وهو باطل، لأنّ الخبر موضوع، قال الشيخ العلّامة إمام أهل الحديث شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الدمشقي الذهبي في تلخيصه: لقد كنت زمناً طويلاً أظنّ أنّ حديث الطير لم يحسن الحاكم أن يودعه في مستدركه، فلمـّا علّقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه.

وممّن صرّح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري.

ولأنّه ليس بناص على المدّعى، فإنّ أحبّ الخلق إلى الله تعالى لا يجب أنْ يكون صاحب الزعامة الكبرى كأكثر الرسل والأنبياء.

ولأنّه يحتمل أن يكون الخلفاء غير حاضرين في المدينة حينئذٍ، والكلام يشمل الحاضرين فيها دون غيرهم، ودون إثبات حضورهم خرط قتاد هوبر.

ولأنّه يحتمل أن يكون المراد بمن هو من أحبّ الناس إليك كما في قولهم فلان أعقل الناس وأفضلهم. أي من أعقل وأفضلهم.

ولأنّه اختلف الروايات في الطير المشوي، ففي رواية هو النحام، وفي رواية إنّه الحبارى، وفي أُخرى إنّه الحجل.

ولأنّه لا يقاوم الأخبار الصحاح لو فرضت دلالته على المدّعى ».

فقد أضاف ( الدهلوي ) جملة « أو أهدي إليه ». ونقص جملة « فأكله معه »

١٠٧

بتغيير « فجاء علي » إلى « فجاءه علي ».

ثمّ إنّ ( الدهلوي ) وضع - تبعاً للكابلي - كلمة « أحبّ الناس » في مكان « أحبّ الخلق» فلماذا هذا التبديل والتغيير منهما؟ والحال أنّه لم يرد لفظ « أحبّ الناس » في طريقٍ من طرق حديث الطّير، لا عند السابقين ولا اللّاحقين من أهل السنّة وتلك ألفاظهم قد تقدمت في قسم السّند كما لا تجده في لفظٍ من ألفاظ الإِماميّة في شيء من موارد استدلالهم بحديث الطّير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

ولعمري، إنّ مثل هذه التبديلات والتصرّفات والتحريفات، لا يليق بمثل ( الدهلوي ) عمدة الكبار، بل هو دأب المحرّفين الأغمار، وديدن المسوّلين الأشرار والله الصائن الواقي عن العثار.

اختلاف الرّوايات في الطير غير قادح في الحديث

قوله:

« واختلفت الرّوايات في الطير المشوي، ففي رواية إنّه النحام، وفي رواية إنّه حبارى، وفي رواية إنّه حجل ».

أقول:

لا أدري ما ذا يقصد ( الدهلوي ) من ذكر اختلاف الروايات في الطير المشوي!! إنْ أراد أن ذلك موجود في كلمات علماء الإِماميّة، فهو محض الكذب والإِفتراء. وإنْ أراد إفهام كثرة تتّبعه في الحديث وإحاطته بألفاظ هذا الحديث بالخصوص، فهذا يفتح عليه باب اللّوم والتعيير، لأنّ معنى ذلك أنّه قد وقف على الطرق الكثيرة والألفاظ العديدة لهذا الحديث، ثمّ أعرض عن

١٠٨

جميعها، عناداً للحقّ وأهله. وإنْ كان ذكر هذا الإِختلاف عبثاً، فهذا يخالف شأنه، لا سيّما في هذا الكتاب الموضوع على الاختصار والإِيجاز، كما يدّعي أولياؤه.

لكنّ الحقيقة، إنّه قد أخذ هذا المطلب من الكابلي، كغيره ممّا جاء به، فقد عرفت قول الكابلي: « ولأنّه اختلفت الرّوايات في الطير المشوي، ففي رواية هو النحام، و في رواية إنّه الحبارى، و في أخرى إنّه الحجل ».

غير أنّ الكابلي ذكر هذا الاختلاف في وجوه الإِبطال بزعمه، وكأن ( الدهلوي ) استحيى من أن يورده في ذاك المقام، وإن لم يمكنه كف نفسه فيعرض عنه رأساً.

مجرّد اختلاف الأخبار لا يجوّز تكذيب أصل الخبر

وعلى كلّ حالٍ، فإنّ الإِستناد إلى إختلاف الروايات في « الطير المشوّي »، لأجل القدح والطعن في أصل الحديث، جهل بطريقة علماء الحديث أو تجاهل عنها، فإنّهم في مثل هذا المورد لا يكذّبون الحديث من أصله، ولا ينفون الواقعة التي أخبرت عنها تلك الأخبار، بل إنّهم يجمعون بينها بطرقٍ شتى، منها الحمل على تعدّد الواقعة هذا الطريق الّذي على أساسه الجمع بين الروايات المختلفة في واقعة حديث الطير

ولا بأس بذكر بعض موارد الجمع على هذا الطريق في كتب الحديث:

قال الحافظ ابن حجر - بعد ذكر الأحاديث المختلفة في رمي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوه الكفّار يوم حنين، حيث جاء في بعضها: أنّه رماهم بالحصى، وفي آخر: بالتراب، وفي ثالث: أنّه نزل عن بغلته وتناول بنفسه، وفي رابع: أنّه طلب الحصى أو التراب من غيره. واختلفت في المناول، ففي بعضها: إنّه ابن مسعود، وفي آخر: إنّه أمير المؤمنين علي عليه

١٠٩

السلام - قال ابن حجر:

« ويجمع بين هذه الأحاديث: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاً قال لصاحبه: ناولني، فناوله، فرماهم. ثمّ نزل عن البغلة فأخذه بيده فرماهم أيضاً، فيحتمل: أنه الحصى في إحدى المرتين، وفي الأخرى التراب. والله أعلم »(١) .

وقال الحافظ ابن حجر بشرح قول البرّاء بن عازب: « وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء »، وهو الحديث الثاني في باب غزوة حنين عند البخاري:

« وفي حديث العباس عند مسلم: شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث، فلم نفارقه. الحديث. وفيه: ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يركض بغلته قبل الكفّار. قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكفّها إرادة أنْ لا يسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه ».

قال ابن حجر: « ويمكن الجمع: بأنّ أبا سفيان أخذ أوّلاً بزمامها، فلمـّا ركّضها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس، فأخذ بلجام البغلة يكفّها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له، لأنّه كان عمه »(٢) .

وقال شهاب الدين القسطلاني(٣) بشرح قول البّراء: « ولقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بغلته البيضاء » وهو الحديث الرابع في باب غزوة حنين عند البخاري. قال:

« عند مسلم من حديث سلمة: على بغلته الشهباء. وعند ابن

____________________

(١). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٦.

(٢). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٤.

(٣). وهو: أحمد بن محمد، المتوفّى سنة: ٩٢٣، الضوء اللّامع ٢ / ١٠٣.

١١٠

سعد ومن تبعه: على بغلته دلدل. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، لأنّ دلدل أهداها له المقوقس، يعني لأنّه ثبت في صحيح مسلم من حديث العباس: وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. قال القطب الحلبي: فيحتمل أن يكون يومئذٍ ركب كلّا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلّا فما في الصحيح أصح »(١) .

وقال الشّامي(٢) : « السابع - البغلة البيضاء. وفي مسلم عن سلمة بن الأكوع: الشهباء التي كان عليها يومئذٍ أهداها له فَروة - بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو وبالتاء - ابن نفاثة - بنون مضمومة ففاء مخففة فألف فثاء مثلثة. ووقع في بعض الروايات عند مسلم فروة بن نعامة - بالعين والميم - والصحيح المعروف الأوّل.

ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممّن ألّف في المغازي: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على بغلته دلدل. وفيه نظر، لأنّ دلدل أهداها له المقوقس.

قال القطب: يحتمل أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركب يومئذٍ كلا من البغلتين، وإلّا فما في الصحيح أصّح »(٣) .

وقال القسطلاني: « حدّثني بالإِفراد عمرو بن علي - بفتح العين وسكون الميم - ابن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي قال: حدّثنا أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد قال: حدّثنا سفيان الثوري قال: حدّثنا أبو صخرة جامع بن شداد - بالمعجمة وتشديد الدال المهملة الاُولى - المحاربي قال: حدّثنا صفوان بن محرز - بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاء - المازني: قال: حدّثنا عمران بن حصين قال:

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٠٣.

(٢). محمد بن يوسف الصالحي، المتوفّى سنة: ٩٤٢، شذرات الذهب ٨ / ٢٥٠، كشف الظنون ٢ / ٩٧٨.

(٣). سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ٥ / ٣٤٩.

١١١

جاء بنو تميم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لهم: ابشروا - بهمزة قطع - بالجنّة يا بني تميم قالوا: أمّا إذا بشّرتنا فأعطنا من المال، فتغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء ناس من أهل اليمن - وهم الأشعريون - فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم: إقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلناها يا رسول الله كذا ورد هذا الحديث هنا مختصراً، وسبق تاماً في بدء الخلق، ومراده منه هنا قوله: فجاء ناس من أهل اليمن.

قال في الفتح: واستشكل بأنّ قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع، وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقب فتح خيبر سنة سبع. وأجيب: باحتمال أن يكون طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك »(١) .

وقال القسطلاني: « حدّثني بالإِفراد ولأبي ذر حدّثنا محمّد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي قال: حدّثنا أبو اُسامة حمّاد بن اُسامة، عن بريد بن عبد الله - بضم الموحدة وفتح الراء - ابن أبي بردة - بضم الموحدة وسكون الراء - عن جدّه أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعريرضي‌الله‌عنه أنّه قال: أرسلني أصحابي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسأله الحملان لهم - بضم الحاء المهملة وسكون الميم - أي ما يركبون عليه ويحملهم، إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك. فقلت: يا نبيّ الله، إنّ أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال: والله لا أحملكم على شيء، ووافقته، أي صادفته وهو غضبان ولا أشعر، أي والحال أني لم أكن أعلم غضبه، ورجعت إلى أصحابي حال كوني حزيناً من منع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحملنا، ومن مخافة أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وَجَد في نفسه، أي غضب عليّ، فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٣٩.

١١٢

فلم ألبث - بفتح الهمزة والموحدة بينهما لام ساكنة. آخره مثلثة - إلّا سويعة، - بضم السّين المهملة وفتح الواو مصّغر ساعة - وهي جزء من الزمان، أو من أربعة وعشرين جزء من اليوم والليلة، إذ سمعت بلالا ينادي، أي عبد الله بن قيس، يعني يا عبد الله، ولأبي ذرّ ابن عبد الله بن قيس: فأجبته. فقال: أجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوك، فلمـّا أتيته قال: خذ هذين القرينين وهاتين القرينتين. أي: الناقتين. لستة أبعرة. لعلّه قال: هذين القرينين - ثلاثاً - فذكر الراوي مرّتين اختصاراً.

لكن قوله في الرواية الاُخرى: فأمر لنا بخمس ذود. مخالف لما هنا.

فيحمل على التعدد، أو يكون زادهم واحداً على الخمس، والعدد لا ينفي الزائد »(١) .

فالعجب من الكابلي المتتبّع النظّار، كيف عرّض الحديث للقدح والإِنكار بمجرّد اختلاف الروايات في الطّير المشوي، ولم يقف على دأب خدّام الحديث النبوي، حيث أنّهم حملوا اختلاف كثير من الأحاديث على تعدّد الواقعة، وجعلوه حجة نافية للشبهات قاطعة، فليت شعري هل يقف الكابلي عن مقالته السمجة الشنيعة، ويتوب عن هفوته الغثة الفظيعة، أم يصرّ على ذنبه ويدع النصفة في جنبه، فيبطل شطراً عظيماً من الروايات والأخبار، ويعاند جمعاً كثيراً من العلماء والأحبار.

بطلان دعوى حكم أكثر المحدّثين بوضع الحديث

قوله:

« وهذا الحديث قال أكثر المحدّثين بأنّه موضوع ».

____________________

(١). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٦ / ٤٥٠.

١١٣

أقول:

هذا كذب مبين وتقوّل مهين فقد عرفت أنّ رواة هذا الحديث ومخرجيه في كلّ قرنٍ يبلغون في الكثرة حدّاً لا يبقى معه شكّ في تواتره وقطعيّة صدوره ووقوعه

وأيضاً قد عرفت أنّ حديث الطير مخرَّج في صحيح الترمذي الذي هو أحد الصحّاح الستّة التي ادّعى جمع من أكابرهم إجماع السابقين واللاحقين على صحّة الأحاديث المخرّجة فيها فيكون هذا الحديث صحيحاً لدى جميع العلماء الأعلام بل الْأُمة قاطبة

فهل تصدق هذه الدعوى من ( الدهلوي )؟

وهل من الجائز جهله برواية هؤلاء الذين ذكرناهم وغيرهم لحديث الطّير، وهو يدّعي الإِمامة والتبّحر في الحديث؟

لكن هذا القول من ( الدهلوي ) ليس إلّا تخديعاً للعوّام، وإلّا فإنّه لم ينسب القول بوضع هذا الحديث إلّا إلى الجزري والذهبي!! فيا ليته ذكر أسامي طائفة من « أكثر المحدّثين » القائلين بوضع حديث الطير!!

بل الحقيقة، إنّه لا يملك إلّا ما قاله وتقوّله الكابلي وقد عرفت أنّ الكابلي لم يعز هذه الفرية إلّا إلى الرجلين المذكورين فقط. لكن لما ذا زاد عليه دعوى حكم أكثر المحدثين بذلك؟

وسواء كان القول بالوضع لهذين الرجلين فحسب أو لأكثر أو أقلّ منهما فإنّه قول من أعمته العصبيّة العمياء، وتغلّب عليه العناد والشقاء، فخبط في الظلماء وعمه في الطخية الطخياء، وبالغ في الاعتداء وصرم حبل الحياء.

١١٤

حول نسبة القول بوضعه إلى الجزري

قوله:

« وممّن صرّح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري ».

أقول:

في أي كتابٍ قال ذلك؟

أوّلاً : في أيّ كتاب وأيّ مقام صرّح الجزري بوضع حديث الطير؟

لم يفصح ( الدهلوي ) عن ذلك كي نراجع ونطابق بين الحكاية والعبارة.

ولكن أنّى له ذلك وأين؟! فإنّ إمامه الكابلي أيضاً قد أغفل وأجمل، وكلّ ما عند ( الدهلوي ) فمأخوذ منه ومن أمثاله

كذب ( الدهلوي ) في نسبة القول بوضع حديث المدينة إليه

وثانياً : لقد عزا الكابلي القول بوضع حديث أنا مدينة العلم إلى الجزري، وقلّده ( الدهلوي ) في ذلك مع أنّ الجزري روى حديث المدينة بسنده، ولم يحكم بوضعه بل نقل عن الحاكم تصحيحه وهذه عبارته:

« أخبرنا الحسن بن أحمد بن هلال - قراءة عليه - عن علي بن أحمد بن عبد الواحد، أخبرنا أحمد بن محمّد بن محمّد - في كتابه من إصبهان - أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسين المقري، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو أحمد محمّد بن أحمد الجرجاني، أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا عبد الحميد بن بحر، أخبرنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي -رضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها.

١١٥

رواه الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى، حدّثنا محمّد بن رومي، حدّثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي وقال: حديث غريب. وروى بعضهم عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي. قال: لا يعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس. انتهى.

قلت: ورواه بعضهم عن شريك، عن سلمة ولم يذكر فيه عن سويد.

ورواه الأصبغ بن نباتة، والحارث، عن علي نحوه.

ورواه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها وقال الحاكم: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. و رواه أيضاً من حديث جابر بن عبد الله ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

أقول : فمن يرى النسبة بلا تعيين للكتاب ولا نقل لنصّ العبارة والكلام - ثمّ يرى كذب نسبة القول بالوضع في حديث أنا مدينة العلم - يقطع بكذب النّسبة في حديث الطير.

لو قال ذلك فلا قيمة له

وثالثاً : ولو فرضنا جَدَلاً وسلّمنا صدور مثل هذه الهفوة من الجزري، فلا ريب في أنّه لا يعبأ ولا يعتنى به، في قبال تصريحات أساطين الأئمة المحققين بثبوت حديث الطير وتحقق قصّته

قال ابن حجر وغيره: القول بوضعه باطل

ورابعاً : لقد تقدم قول السبكي في ( طبقاته ) بترجمة الحاكم: « وأمّا

____________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٦٩ - ٧١.

١١٦

الحكم على حديث الطير بالوضع، فغير جيد » وقول ابن حجر المكّي في ( المنح المكّية ): « وأمّا قول بعضهم: إنّه موضوع، وقول ابن طاهر: طرقه كلها باطلة معلولة، فهو الباطل ». فلو كان الجزري قد قال بذلك كان باطلاً.

الجزري متّهم بالمجازفة في القول

وخامساً : إنّ الجزري كان متّهماً لدى العلماء بالمجازفة في القول وبأشياء أُخرى كما لا يخفى على من راجع ترجمته. فلو كان قد قال في حديث الطير ما زعمه الكابلي و ( الدهلوي ) فهو من مجازفاته في القول.

وإليك عبارة السّخاوي بترجمته، المشتملة على ما ذكرنا:

« وقال شيخنا في ( معجمه ) خرّج لنفسه أربعين عشارية لفظها من أربعين شيخنا العراقي، وغيّر فيها أشياء ووهم فيها كثيراً، وخرّج جزءً فيه مسلسلات بالمصافحة وغيرها، جمع أوهامه فيه في جزء الحافظ ابن ناصر الدين، وقفت عليه وهو مفيد. وكذا انتقد عليه شيخنا في مشيخة الجنيد البلباني من تخريجه

ووصفه في ( الإِنباء ) بالحافظ الإِمام المقري ثم قال: وذكر أنّ ابن الخبّاز أجاز له، واتّهم في ذلك، وقرأت بخط العلاء ابن خطيب الناصريّة: أنّه سمع الحافظ أبا إسحاق البرهان سبط ابن العجمي يقول: لمـّا رحلت إلى دمشق قال لي الحافظ الصدر الياسوفي: لا تسمع من ابن الجزري شيئاً. انتهى. وبقيّة ما عند ابن خطيب الناصرية: إنّه كان يتّهم في أول الأمر بالمجازفة، وأنّ البرهان قال له: أخبرني الجلال ابن خطيب داريا: أن ابن الجزري مدح أبا البقاء السبكي بقصيدة زعم أنّها له، بل وكتب خطّه بذلك، ثم ثبت للممدوح أنّها في ديوان قلاقش.

قال شيخنا: وقد سمعت بعض العلماء يتّهمه بالمجازفة في القول، وأمّا

١١٧

الحديث فما أظنّ به ذلك، إلّا أنه كان إذا رأى للعصريّين شيئاً أغار عليه ونسبه لنفسه، وهذا أمر قد أكثر المتأخّرون منه، ولم ينفرد به.

قال: وكان يلقّب في بلاده: الإِمام الأعظم. ولم يكن محمود السّيرة في القضاء »(١) .

حول نسبة القول بوضَعه إلى الذّهبي

قوله:

« قال إمام أهل الحديث شمس الدين ابو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي في تلخيصه ».

أقول:

تصريح الذهبي بأنّ للحديث طرقاً كثيرة وأصلا ً

أوّلاً : قد عرفت سابقاً تصريح الذهبي بأنّ لحديث الطّير طرقاً كثيرة وأنّ له أصلاً، بل إنّ الذهبي أفرد طرقه بالتّصنيف، وعرفت أيضاً ذكر ( الدهلوي ) هذا في كتابه ( بستان المحدّثين )، وإقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود.

وعليه، فإنّ إقرار الذهبي بما ذكر يؤخذ به، ودعواه وضع الحديث لا يعبأ بها، إذ ليست إلّا عن التعصّب والعناد، ويبطلها إقراره المذكور. لكن العجب من ( الدهلوي ) كيف يحتّج بكلام الذهبي الصّادر عن البغض والتعصّب، ويُعرض عمّا اعترف به في ثبوت الحديث وأنّ له أصلاً؟ إنّه ليس إلّا التعصب والعناد إذ يقبل كلام الذهبي الباطل ولا يقبل كلامه الحق!!

____________________

(١). الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع ٣ / ٤٦٥.

١١٨

رجوعه عن كلامه الذي استند إليه الدهلوي وسلفه

وثانياً : لقد رجع الذهبي عمّا كان يدّعيه ونصّ على ذلك، فكيف أخذ ( الدهلوي ) بما قاله الذهبي في السابق، ولم يلتفت إلى رجوعه وعدوله عنه؟

لقد قال الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) ما نصّه: « محمّد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة المصري عن يحيى بن حسّان. فذكر حديث الطّير. وقال الحاكم: هذا على شرط البخاري ومسلم.

قلت : الكلّ ثقات إلّا هذا، فإنّه اتّهمته به، ثمّ ظهر لي أنّه صدوق.

روى عنه: الطبراني، وعلي بن محمّد الواعظ، ومحمّد بن جعفر الرافقي، وحميد بن يونس الزّيات، وعدة. يروي عن: حرملة، وطبقته.

ويكنّى أبا علاثة. مات سنة ٢٩١. وكان رأساً في الفرائض.

وقد يروي أيضاً عن: مكّي بن عبد الله الرعيني، ومحمّد بن سلمة المرادي، وعبد الله بن يحيى بن معبد صاحب ابن لهيعة.

فأمّا أبوه فلا أعرفه »(١) .

فظهر أنّ الذي قاله الذهبي - حول ما رواه الحاكم - كان قبل انكشاف حال « محمّد بن أحمد بن عياض » عنده إذ رواته الآخرون ثقات، فلمـّا ظهر له حاله وأنّه صدوق - ورأس في الفرائض وهو نصف الفقه - رفع اليد عمّا قاله، فالحديث عنده صحيح والحقّ مع الحاكم.

فسقط اعتماد الكابلي و ( الدهلوي ) على كلام الذهبي السابق.

قال السبكي وغيره: الذهبي متعصّب متهوّر

وثالثاً: ولو فرضنا أنّ الذّهبي لم يعترف بالحق والأمر الواقع الصحيح في

____________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٤٦٥.

١١٩

باب حديث الطير، وأنّه ليس بين أيدينا إلّا حكمه بوضعه فالحقيقة أنّه لا تأثير لكلامه ولا قيمة له حتى يعتمد عليه في مقام ردّ هذا الحديث، لأنّ كبار المحققين من أهل السنّة لم ينظروا إلى كلامه في موارد كثيرة من الجرح والتعديل بعين الاعتبار، لفرط تعصّبه، حتى خشي عليه بعض تلامذته يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وإليك شواهد من كلماتهم في هذا الباب:

قال السبكي بترجمة أحمد بن صالح المصري: « وممّا ينبغي أنْ يتفقّد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربّما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك، وإليه أشار الرّافعي بقوله: وينبغي أنْ يكون المزكّون برآء من الشحناء والعصبيّة في المذهب، خوفاً من أنْ يحملهم ذلك على جرح عدلٍ أو تزكية فاسق، وقد وقع هذا لكثير من الأئمة، جرحوا بناءً على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب.

وقد أشار شيخ الإِسلام، سيد المتأخرين تقي الدين بن دقيق العيد في كتابه ( الإِقتراح ) إلى هذا وقال: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من النّاس: المحدّثون والحكّام.

قلت : ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري: تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللّفظ، فيا لله والمسلمين! أيجوز لأحدٍ أنْ يقول: البخاري متروك؟ وهو حامل لواء الصناعة ومقدّم أهل السنّة والجماعة، ويا لله والمسلمين! أتجعل ممادحه مذام؟! فإنّ الحقّ في مسألة اللّفظ معه، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أنّ تلفظّه من أفعاله الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى؟ وإنّما أنكرها الإِمام أحمد لبشاعة لفظها.

ومن ذلك قول بعض المجسّمة في أبي حاتم ابن حبان: لم يكن له كثير دين! نحن أخرجناه من سجستان لأنّه أنكر الحدّ لله. فليت شعري! مَنْ أحق بالإِخراج؟ من يجعل ربّه محدوداً أو من ينزّهه عن الجسميّة!

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وجوه إبطال النقض بلزوم

استعمال ( مولى منك ) في موضع ( أولى منك )

١٤١

١٤٢

قوله:

« قائلين بأنه لو صح هذا القول لزم جواز أن يقال « مولى منك » في موضع « أولى منك »، وهو باطل منكر بالاجماع ».

أقول:

هذا الكلام باطل من وجوه:

١ - نسبته إلى الجمهور كذب

فأوّل ما فيه: إن نسبة هذا النقض إلى جمهور أهل العربية كاذبة، فالله حسيب ( الدهلوي ) على هذه الأكاذيب الفاضحة والدعاوي الباطلة.

٢ - الأصل فيه هو الرازي

بل الأصل في هذا الكلام الباطل هو الرازي وأتباعه، الذين لا يد لهم في علم العربية ولا نصيب، ولو كان لهم أدنى مناسبة بذلك لما تفوّهوا به، ولذا أعرض عنه الكابلي، فلم يذكره ولم يورّط نفسه.

١٤٣

ثمّ إنّ هذه الشبهة مذكورة مع جوابها في أوائل الكتب التي يدرسها المبتدئون مثل ( سلّم الثبوت ) و ( شروحه )، ولكن ( الدهلوي ) قد غفل عن ذلك لشدة إنهماكه في الخرافات، وسعيه وراء إنكار الحقائق بالشبهات.

٣ - نص كلام الرازي

ولمـّا كان كلام ( الدهلوي ) هذا ملخصّاً لكلام الفخر الرازي فإنّا نورد نص عبارة الرازي في ( نهاية العقول ) في هذا المقام، ثم نشرع في استيصال شبهاته بالتفصيل، فيكون كلام ( الدهلوي ) هباء منثوراً، وهذه عبارة الرازي بعينها:

« ثانيهما: إن ( المولى ) لو كان يجيء بمعنى ( الأولى ) لصح أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر، لكنه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى.

بيان الشرطية: إن تصرف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كلّ واحد منها موضوعاً لمعناه المفرد - فذلك عقلي. مثلاً إذا قلنا « الانسان حيوان » فإفادة لفظة « الإنسان » للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ « الحيوان » للحقيقة المخصوصة أيضاً بالوضع. فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص، فذلك بالعقل لا بالوضع.

وإذا ثبت ذلك فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى، ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل.

وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة « الأولى » بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة « المولى »، والعقل حكم بصحة اقتران المفهوم من لفظة « من » بالمفهوم من لفظة « الأولى »، وجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة « المولى »، لأن صحة ذلك الاقتران ليست بين اللفظتين بل بين مفهوميهما.

١٤٤

بيان أنّه ليس كلّما يصح دخوله على أحدهما صح دخوله على الآخر أنه لا يقال: « هو مولى من فلان » كما يقال: « هو أولى من فلان »، ويصح أن يقال: « هو مولى » و « هما موليان » ولا يصح أن يقال: « هو أولى » بدون « من » و « هما أوليان ». وتقول: « هو مولى الرجل » و « مولى زيد » ولا تقول: « هو أولى الرجل » ولا « أولى زيد »، ولا تقول: « هما أولى رجلين » و « هم أولى رجال »، ولا تقول: « هما مولى رجلين » ولا « هم مولى رجال »، ويقال: « هو مولاه ومولاك » ولا يقال: « هو أولاه وأولاك ».

لا يقال: أليس يقال « ما أولاه »؟ لأنا نقول: ذاك أفعل التعجب، لا أفعل التفضيل. على أن ذاك فعل وهذا اسم، الضّمير هناك منصوب وهنا مجرور.

فثبت بهذين الوجهين أنه لا يجوز حمل المولى على ( الأولى ).

وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

٤ - الرد على كلام الرازي بالتفصيل

وكلام الرازي هذا يشتمل على مكابرات وأباطيل كثيرة، نوضّحها فيما يلي بالتفصيل:

(١) قوله: « إن تصرف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد - فذلك أمر عقلي » إدّعاء محض ولم يذكر له دليلاً.

(٢) قوله: « مثلاً - إذا قلنا الإنسان حيوان » فرار من ذكر الدليل على الدعوى، ومن الواضح أن ذكر المثال يكون بعد الدليل، ولا يغني التمثيل عن الدليل بحال من الأحوال.

(٣) قوله: « فأما نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص فذلك بالعقل لا بالوضع » خبط وذهول، إذ الكلام في ضمّ بعض الألفاظ المفردة إلى البعض الآخر، كما هو

١٤٥

صريح كلامه سابقاً حيث قال: « فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمر عقلي ». ومن المعلوم أن ضمّ بعض الألفاظ إلى البعض عبارة عن التركيب بين الألفاظ بحسب القواعد في ذلك اللسان، كضم الفعل إلى الفاعل، والمضاف إلى المضاف اليه، والمبتدأ إلى الخبر وهكذا وضمّ بعض الألفاظ إلى البعض هو بحسب الاستعمال والنطق، وأنا نسبة الحيوان إلى الإنسان فهو بحسب التصور والتعقل، فالتمثيل بهذا المثال لذاك المعنى تهافت وذهول، لأن كلامنا في صحة اقتران لفظ بلفظ في الاستعمال، وليس الكلام في نسبة المفاهيم والمصاديق، وكون الأول من الأمور المنقولة والثاني من الأمور المعقولة غير مخفي على أحد، كما لا يخفى بطلان قياس أحدهما على الآخر.

(٤) قوله: « وإذا ثبت ذلك فلفظة ».

ما الذي ثبت؟! الذي ذكره أمران، أحدهما إدعاء، والآخر تمثيل، فأما الدعوى المحضة فلا تثبت أمراً، وأما التمثيل فكذلك إنْ كان مطابقاً للممثل له، فكيف بهذا المثال الذي ذكره، البعيد عن الممثل له غاية البعد؟!

(٥) إن قياس معنى « من » على معنى « الإنسان » و « الحيوان » من البطلان بمكان، لأن كلاً من اللفظتين مستقلّة بالمفهومية، بخلاف « من » فإنّ معناها غير مستقل، ولا مناسبة بين المستقل وغير المستقل.

(٦) « فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل » من غرائب المجازفات وعجائب التقوّلات، لا تجده في أبسط كتاب من كتب النحو، ولا يتفوّه به أحد من أصاغر الطلبة، ولو صح ما ذكره لبطل الكثير من القواعد النحوية، ووقع الاختلال العظيم في المحاورات العرفية

إنه يجب حذف الخبر في مواضع ذكرها النحويون قال الشيخ ابن الحاجب في ( الكافية ): « وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة جوازاً كقول المستهل:

١٤٦

الهلال والله. والخبر جوازاً مثل: خرجت فإذا السبع. ووجوباً فيما التزم في موضعه غيره مثل: لو لا زيد لهلك عمر، ومثل: ضربي زيداً قائماً، ومثل: كل رجل وضيعته، ومثل: لعمرك لأفعلنّ كذا ».

ولو كان ضم بعض الألفاظ إلى بعض بالعقل لا بالوضع، لم يكن وجه لوجوب حذف الخبر في هذه المواضع الأربعة، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذكره فيها.

ويجب حذف فعل المفعول المطلق سماعاً وقياساً، قال ابن الحاجب: « وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازاً، كقولك لمن قدم: خير مقدم. ووجوباً سماعاً نحو: سقياً ورعياً، وخيبة وجدعاً، وحمداً وشكراً، وعجباً. وقياساً في مواضع، منها: ما وقع مثبتاً بعد نفي أو معنى نفي داخل على اسم لا يكون خبراً عنه، أو وقع مكرراً نحو: ما أنت إلّا سيراً، وما أنت إلّا سير البريد، وإنما أنت سيراً، وزيد سيراً سيراً. ومنها: ما وقع تفصيلاً لأثر مضمون جملة متقدمة مثل( فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) ومنها: ما وقع للتشبيه علاجاً بعد جملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه مثل: مررت به فإذا له صوت صوت حمار وصراخ صراخ الثكلى. ومنها: ما وقع مضمون جملة لا محتمل لها غيره نحو: له عليَّ ألف درهم اعترافاً، ويسمى تأكيداً لنفسه. ومنها: ما وقع مضمون جملة لها محتمل غيره مثل: زيد قائم حقاً ويسمى تأكيداً لغيره. ومنها: ما وقع مثنى مثل لبيك وسعديك ».

ولو كان ضمّ بعض الألفاظ إلى بعض والتركيب بينها بالعقل لا بالوضع، لم يمتنع ذكر الفعل في هذه المواضع، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذلك.

وقد يجب حذف الفعل العامل في المفعول به، قال ابن الحاجب: « وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازاً نحو: زيداً لمن قال: من أضرب؟ ووجوباً في أربعة مواضع: الأول سماعي نحو: أمراً ونفسه. و( انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ) وأهلْاً وسهلْاً ». ولو كان التركيب بين الألفاظ دائراً مدار حكم العقل لجاز ذكر الفعل في هذه المواضع.

١٤٧

وقال السيوطي: « الأصول المرفوضة، منها: جملة الاستقرار الذي يتعلق به الظرف الواقع خبراً. قال ابن يعيش: حذف الخبر الذي هو استقر ومستقر، وأقيم الظرف مقامه وصار الظرف هو الخبر، والمعاملة معه، ونقل الضمير الذي كان في الاستقرار إلى الظرف، وصار مرتفعاً بالظرف، كما كان مرتفعاً بالاستقرار، ثم حذف الاستقرار وصار أصلاً مرفوضاً، لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه بالظرف.

ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا، نحو: لو لا زيد لخرج عمر، وتقديره لو لا زيد حاضراً. قال ابن يعيش: ارتبطت الجملتان، وصارتا كالجملة الواحدة، وحذف خبر المبتدأ من الجملة الأولى، لكثرة الاستعمال، حتى رفض ظهوره ولم يجز استعماله.

ومنها: قولهم إفعل هذا أمّا لا. قال ابن يعيش: ومعناه: إنّ رجلاً أمر بأشياء يفعلها فتوقف في فعلها فقيل له: إفعل هذا إنْ كنت لا تفعل الجميع، وزادوا على إنْ ما وحذف الفعل وما يتصل به، وكثر حتى صار الأصل مهجوراً.

ومنها: قال ابن يعيش: بنو تميم لا يجيزون ظهور خبر لا المثبتة ويقولون هو من الأصول المرفوضة. وقال الاستاذ أبو الحسن بن أبي الربيع في شرح الإيضاح: الإِخبار عن سبحان الله يصح كما يصح الإِخبار عن البراءة من السوء، لكن العرب رفضت ذلك، كما أن « مذاكير » جمع لمفرد لم ينطق به، وكذلك « لييلية » تصغير لشيء لم ينطق به، و « أصيلان » تصغير لشيء لم ينطق به، وإنْ كان أصله أن ينطق به، وكذلك « سبحان » إذا نظرت إلى معناه وجدت الإِخبار عنه صحيحاً، لكنّ العرب رفضت ذلك، وكذلك « لكاع ولكع » وجميع الأسماء التي لا تستعمل إلّا في النداء، إذا رجعت إلى معانيها وجدت الإِخبار ممكناً فيها، بدليل الإِخبار عمّا هي في معناه، لكن العرب رفضت ذلك.

وقال أيضاً في قولك زيداً أضربه: ضعف فيه الرفع على الابتداء، والمختار النصب، وفيه إشكال من جهة الإِسناد، لأن حقيقة المسند والمسند إليه ما لا يستقل الكلام بأحدهما دون صاحبه، واضرب ونحوه يستقل به الكلام وحده،

١٤٨

ولا تقدر هنا أن تقدر مفرداً تكون هذه الجملة في موضعه، كما قدرت في زيد ضربته. فان قلت: فكيف جاء هذا مرفوعاً وأنت لا تقدر على مفرد يعطي هذا المعنى؟ قلت: جاء على تقدير شيء رفض ولم ينطق به، واستغنى عنه بهذا الذي وضع مكانه، وهذا وإنْ كان الأصل فيه بعد إذا أنت تدبّرته وجدت له نظائر، ألا ترى أن « قام » أجمع النحويون على أن أصله قوم، وهذا ما سمع قط فيه ولا في نظيره فكذلك زيد أضربه كأن أضربه وضع موضع مفرد مسند إلى زيد على معنى الأمر، ولم ينطق قط به ويكون كقام.

وقال أيضاً: مصدر عسى لا يستعمل وإنْ كان الأصل لأنه أصل مرفوض »(١) .

أقول: وهذا القدر كاف للرد على ما ادعاه الرازي وارتضاه أتباعه.

(٧) قوله: « وإذا ثبت فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل ». واضح البطلان، لأن اقتران « من » بـ « الأولى » مأخوذ من النقل والسماع، وإلّا لجاز اقتران غيره من الحروف مثل « عن » و « على » و « إلى » و « في ». فأيّ مانع عقلاً من أن يقال: « زيد أولى من عمرو » أو يقال: « زيد أولى على عمرو »؟

وممّا يؤيّد ما ذكرنا من كون اقتران « من » بـ « أولى » مأخوذاً من الاستعمال والوضع كلام الشيخ خالد الأزهري في أحكام أفعل التفضيل وهذا نصه:

« والحكم الثاني فيما بعد أفعل: أن تؤتي « من » الجارة للمفضول كما تقدّم من الأمثلة، وهي عند المبرد وسيبويه لابتداء الارتفاع في نحو أفضل منه وابتداء الانحطاط في نحو شرّ منه. واعترضه ابن مالك بأنها لا تقع بعدها « إلى » واختار أنها للمجاوزة، فإنّ معنى زيد أفضل من عمرو: جاوز زيد عمراً في الفضل. واعترضه في المغني: بأنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها « عن ». ودفع بأن

____________________

(١). الأشباه والنظائر ١ / ٧٠ - ٧١.

١٤٩

صحة وقوع المرادف موقع مرادفه إنما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانع، وهاهنا منع مانع وهو الاستعمال، فإن اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلّا « من » خاصة »(١).

(٨) لقد نصّ المحقّقون من أهل اللغة والنحو على عدم جواز تركيب مّا في لغة، من غير أن يسمع لذلك التركيب نظائر، قال السيوطي: « قال أبو حيان في شرح التسهيل: العجب ممن يجيز تركيباً مّا في لغة من اللغات من غير أن يسمع من ذلك التركيب نظائر. وهل التراكيب العربية إلّا كالمفردات العربية؟ فكما لا يجوز إحداث لفظ مفرد كذلك لا يجوز في التراكيب، لأن جميع ذلك أمور وضعيّة، والأمور الوضعيّة تحتاج إلى سماع من أهل ذلك اللسان، والفرق بين علم النحو وبين علم اللغة: أن علم النحو موضوعه أمور كليّة، وموضوع علم اللغة أشياء جزئية، وقد اشتركا معاً في الوضع »(٢) .

وقد نقل السيوطي هذا عن القرافي ونقل عن غيره أنه عزاه إلى الجمهور.

قلت : وعلى هذا فكيف يجوز القول بأن اقتران لفظ بلفظ آخر يكون بالعقل فقط؟

(٩) قوله: « وإذا ثبت ذلك ».

قلت: أي شيء ثبت؟ إنه لم يسبق هذا إلّا قوله: « فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل » وقد عرفت أنه ادعاء محض، بل عرفت بطلانه.

(١٠)قوله : « وجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة « المولى »، لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين مفهوميهما ».

أقول : هذا الكلام يناقض ما تقدّم منه، لأنه قد ادعى أنه لو كان ( المولى )

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح. مبحث أفعل التفضيل.

(٢). المزهر ١ / ٢٨.

١٥٠

بمعنى ( الأولى ) لزم صحة أن يقال « فلان مولى من فلان »، لكنه بهذا الكلام ينفي ذاك اللزوم، لأنه يقول بأن الاقتران ليس بين اللفظتين، بل إن مفهوم قوله: « بل بين مفهوميهما » هو أن الاقتران ليس إلّا بين المفهومين، مع أن مورد الإلزام في كلامه السابق وأصل الدعوى هو الاقتران بين اللفظين، فقد قال سابقاً: « وثانيهما: إنّ « المولى » لو كان يجيء بمعنى « الأولى » لصحّ أن يقترن بأحدهما كلّ ما يصح قرنه بالآخر » بل ذلك هو صريح الجملة الأخرى من كلامه وهي قوله: « فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض » وهكذا قوله: فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة من »، وهو أيضاً صريح الجملة اللاحقة من كلامه: « لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو أولى من فلان ».

فظهر بطلان قوله: « لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين مفهوميهما » من كلامه نفسه سابقاً ولا حقاً.

ثم إنّه لم يوضّح مراده من أن الاقتران بين المفهومين لا بين اللفظتين، وأيّ نفع له في هذا الكلام الفارغ؟ أو أيّ ضرر على خصمه فيه؟!

وصول الكلام إلى النقض الذي أخذه ( الدهلوي )

وأما قوله: « بيان أنّه ليس كلما يصح دخوله على أحدهما يصح دخوله على الآخر » ففيه: أنّه أوّل دليل ذكره على هذه الدعوى قوله: « إنه لا يقال هو مولى من فلان كما يقال هو أولى من فلان » ولم يدخل في هذا المثال « من » على « الأولى »، كما لا يدلُّ على عدم جواز دخولها على « المولى »، بل إنّ « من » فيه متأخرة عن « الأولى ».

وأما قوله: « لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو أولى من فلان » فهذا ما ذكره ( الدهلوي ) هنا، ونحن وإنْ بينّا فساد مقدمات هذا الاستدلال - المستلزم لفساده - نذكر وجوهاً على بطلانه استناداً إلى كلمات الرازي وكبار محققي علماء اللغة والنحو من مشاهير أهل السنة:

١٥١

١ - إنْ كان الاقتران بالعقل فلا مانع

لقد ذكر الفخر الرازي أنّ صحة اقتران لفظ بلفظ هو بالعقل لا بالوضع، وعلى هذا الأساس فلا مانع من أن يقال: « هو مولى من فلان » كما يقال « هو أولى من فلان ».

٢ - جواب شارحي المقاصد والتجريد عن النقض

لقد أجاب شارح المقاصد وشارح التجريد عن هذه الشبهة بأنّ ( المولى ) اسم بمعنى ( الأولى )، لا أنه وصف بمنزلته حتى يعترض بعدم كون ( المولى ) من صيغ اسم التفضيل، وأنه لا يستعمل استعماله.

وقد تقدّم نصّ عبارتهما سابقاً، كما أورد صاحب ( بحر المذاهب ) عبارة شارح التجريد للردّ على توهّم صاحب المواقف وشارحها.

٣ - بقاء ( المولى ) على معناه الأصلي عند جماعة

وقال الزمخشري والبيضاوي والخفاجي وغيرهم ببقاء ( المولى ) الوارد بمعنى ( الأولى ) على أصله وهو الظرفيّة، وعليه، فلا يلزم أن يكون استعمال ( المولى ) مثل استعمال ( الأولى ) وان كان بمعناه، حتى لو ثبت جواز إقامة المرادف مقام مرادفه، لأن جواز ذلك مشروط بعدم إرادة معنى الظرفية من ( المولى )، مثلاً: « مئنة » ظرف مأخوذ من « أنّ » يقال: « فلان مئنة للكرم » والجار والمجرور يتعلّق به، كما يقال « البلد الفلاني مجمع للعلماء » لكن لا يجوز استعماله مثل استعمال « إنه لكريم »، فلا يقال: « زيد مئنة لكريم » مع أنه و « إن زيداً لكريم » بمعنى واحد.

٤ - بطلان النقض من كلام ( الدهلوي ).

لقد أبطل ( الدهلوي ) كلمات الرازي هذه بنفسه من حيث لا يشعر، فقد

١٥٢

ذكر بجواب الاستدلال بجملة « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » بأنّ « الأولى » هنا مشتقة من « الولاية » بمعنى المحبة، يعني: ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم فنقول: إن معنى هذا الكلام كون « الأولى » مرادفاً « للأحب »، مع أن استعمال اللفظتين ليس واحداً، لأن صلة « أولى » هي « الباء » كما في هذا الكلام النبوي في هذا الحديث الشريف، وصلة « أحب » هي « إلى » كما قال ( الدهلوي ) نفسه.

فلو كان من اللازم اتحاد المترادفين في الاستعمال للزم جواز أن يقوم « أولى إليه » مقام « أحبّ إليه » في كل كلام، وهو غير مسموع إذن كما أن عدم اقتران « إلى » مع « أولى » ليس بقادح في مجيئه بمعنى « الأحبّ » كما يدعي ( الدهلوي )، فكذلك لا يقدح عدم اقتران « من » بـ « المولى » في كون « المولى » بمعنى « الأولى ».

٥ - بطلان النقض من كلام الرازي

لقد عدل الفخر الرازي عن لجاجه ورجع إلى صوابه في كتاب ( المحصول ) وقبل الحق الحقيق بالقبول، فقد قال جلال الدين المحلّي « والحق وقوع كلّ من الرديفين أي اللفظين المتّحدي المعنى مكان الآخر، إنْ لم يكن تعبّد بلفظه، أي يصح ذلك في كلّ رديفين بأن يؤتى بكلٍ منهما مكان الآخر في الكلام، إذْ لا مانع من ذلك، خلافاً للامام الرازي في نفيه ذلك مطلقاً، أي من لغتين أو لغة، قال: لأنك لو أتيت مكان من في قولك مثلاً: خرجت من الدار بمرادفها بالفارسية أي « أز » بفتح الهمزة وسكون الزاي، لم يستقم الكلام، لأن ضم لغة إلى أخرى بمثابة ضم مهمل إلى مستعمل. قال: وإذا عقل ذلك في لغتين فلم لا يجوز مثله في لغة. أي لا مانع من ذلك. وقال: إن القول الأول أي الجواز الأظهر في أول النظر والثاني الحق ».

وإن هذا الرأي من الرازي مذكور في كتاب سلّم العلوم وشروحه.

١٥٣

لكن من دأب المتعصب العنيد أن يخالف الحق مكابرة، وينكره لغرض إبطال استدلال خصمه!!

٦ - اعتراف الرازي بأنّ هذا الوجه فيه نظر

لقد ذكر الرازي في آخر كلامه الذي شحنه بالأباطيل بأنّ « هذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول » يعني أن الحق ما ذهب إليه في المحصول من منع القول بلزوم وقوع أحد المترادفين مقام الآخر.

أقول: فإذا كان هذا الوجه مردوداً، فأيّ وجه لذكره مع هذا التطويل؟

والأغرب من ذلك استحسان الاصفهاني والإِيجي والشريف الجرجاني وابن حجر المكي والبرزنجي والسهارنفوري الوجه المردود مع عدم تعرضهم لكونه مردوداً منظوراً فيه كما اعترف الرازي نفسه!! ثم جاء ( الدهلوي ) فرحاً مستبشراً فقلّد الرازي في ذكره، وغضّ النظر عن وجه النظر فيه، مخالفاً للكابلي الذي أعرض عن ذكر النقض من أصله لعلمه بوهنه وبطلانه.

٧ - قول المحققين بعدم وجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر

وكما أن القول بوجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر ممنوع عند الرازي في ( المحصول ) ومنظور فيه عنده في ( نهاية العقول )، فإنّ سائر المحققين من أهل السنة يذهبون إلى هذا المذهب، ويصرّحون بعدم وجوب ذلك. فقد قال القاضي محب الله البهاري في ( سلّم العلوم ): « ولا يجب قيام كلّ مقام الآخر وإنْ كانا من لغة، فإن صحة الضم من العوارض، يقال: صلّى عليه، ولا يقال دعا عليه ».

وقد تبعه على ذلك شرّاح كتابه ( مسلّم الثبوت ) وأقاموا الادلة على هذا القول فليرجع إليها.

١٥٤

وقد تقدّم نص كلام الشيخ خالد الأزهري من محققي النحاة(١) .

وقال رضي الدين الاسترآبادي - وهو من محققي النحاة أيضاً - في مبحث أفعال القلوب: « ولا يتوهّم أن بين علمت وعرفت فرقاً من حيث المعنى كما قال بعضهم. فإنّ معنى علمت أن زيداً قائم وعرفت أن زيداً قائم واحد، إلّا أن عرف لا ينصب جزئي الاسمية كما ينصبهما علم، لا لفرق معنوي بينهما، بل هو موكول إلى اختيار العرب، فإنهم قد يخصّون أحد المتساويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخر ».

وقال أيضاً - بعد أن ذكر إلحاق أفعال عديدة بصار: « وليس إلحاق مثل هذه الأفعال بصار قياساً بل سماعاً، ألا ترى أن انتقل لا يلحق به مع أنه بمعنى تحوّل ».

٨ - من أمثلة عدم قيام أحد المترادفين مقام الآخر

لقد مثّل البهاري لعدم الجواز بأن « دعا » لا يقوم مقام « صلّى »، وعرفت أنّ « عرف » لا يقوم مقام « علم » وأن « انتقل » لا يقوم مقام « تحوّل ».

لكن أمثلة امتناع قيام أحد المترادفين مقام الآخر كثيرة جدّاً، إلّا أن الوقوف على طرف منها يستلزم التتبع لكلمات علماء الفن ومعرفة اللغات والألفاظ، والرازي وأتباعه بعيدون عن ذلك، ونحن نشير هنا إلى بعض تلك الأمثلة والموارد:

فمنها: الفروق الموجودة بين « حتى » و « إلى » مع أنهما متساويان في الدلالة على الغاية، كدخول « إلى » على المضمر بخلاف « حتى »، ووقوع الأول في موضع الخبر مثل: والأمر إليك، بخلاف الثاني

ومنها: الفروق بين « الواو » و « حتى العاطفة » وهي ثلاثة فروق كما في ( مغني

____________________

(١). توجد ترجمته في الضوء اللامع ٣ / ١٧١ وغيره.

١٥٥

اللبيب ) و ( الأشباه والنظائر ) نقلاً عنه.

ومنها: الفروق بين « إلّا » و « غير » وهما بمعنى واحد. قال السيوطي « ذكر ما افترق فيه إلّا وغير. قال أبو الحسن الآبدي في شرح الجزولية: إفترقت إلّا وغير في ثلاثة أشياء أحدها: إنّ غيراً يوصف بها حيث لا يتصور الاستثناء و إلّا ليست كذلك، تقول: عندي درهم غير جيّد. ولو قلت عندي درهم إلّا جيد لم يجز. الثاني: إنّ إلّا إذا كانت مع ما بعدها صفه لم يجز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، فتقول: قام القوم إلّا زيدا. ولو قلت: قام إلّا زيد لم يجز، بخلاف غير، إذْ تقول: قام القوم غير زيد وقام غير زيد. وسبب ذلك إنّ إلّا حرف لم يتمكن في الوصفية فلا يكون صفة إلّا تابعاً، كما أن « أجمعين » لا يستعمل في التأكيد إلّا تابعاً. الثالث: إنك إذا عطفت على الاسم الواقع بعد إلّا كان إعراب المعطوف على حسب المعطوف عليه، وإذا عطفت على الاسم الواقع بعد غير جاز الجر والحمل على المعنى »(١) .

ومنها: الفروق بين « عند » و « لدن » و « لدى »، وهي في ستة أشياء كما في ( الاشباه والنظائر ).

ومنها: الفروق بين « المصدر » و « أن مع صلتها » وهي في اثني عشر شيء، كما يظهر بالرجوع إلى ( الأشباه والنظائر ).

ومنها: الفروق بين « أم » و « أو » وكلاهما يستعمل للترديد، وهي في أربعة أشياء، كما في ( الأشباه والنظائر ) عن ابن العطار.

ومنها: الفروق العديدة بين ألفاظ الإِ غراء وألفاظ الأمر، ذكرها السيوطي في ( الأشباه والنظائر ) نقلا عن الأندلسي.

ومنها: الفروق بين « هل » و « همزة الاستفهام » وهي كما في ( الأشباه والنظائر ) عن ابن هشام - في عشرة أشياء.

____________________

(١). الأشباه والنظائر ٢ / ١٧٩.

١٥٦

ومنها: الفروق بين « أيان » و « حتى » يظهر من ( الأشباه والنظائر ) أنها في ثلاثة أشياء.

ومنها: الفروق بين « كم » و « كأيّن » وهي كما يفهم من ( مغني اللبيب ) في خمسة أشياء.

هذا، ولا يتوهّم أن الموارد المذكورة غير مشتركة في المادة بخلاف « المولى » و « الأولى » فإنهما من مادة واحدة، لأن كلام الرازي ليس من جهة الاشتراك في المادة، لأن صريح كلامه لزوم اتحاد المترادفين في الاستعمال بسبب إتحادهما في المعنى من غير دخل للاتحاد في المادة في هذا الباب.

على أنّا وجدنا مترادفين مشتركين في المادة مع تنصيص المحققين وأئمة اللغة بعدم جواز استعمال أحدهما في مقام الآخر، ففي ( الصحاح ): « ويقال: يا نومان للكثير النوم ولا تقل: رجل نومان. لأنه يختص بالنداء »(١) .

وفي ( الصحاح ) أيضاً: « وقولهم في النداء: يأفل مخففاً إنما هو محذوف من يا فلان لا على سبيل الترخيم، ولو كان ترخيماً لقالوا: يا فلا. وربما قيل ذلك في غير النداء للضرورة. قال أبو النجم: في لجّة أمسك فلاناً عن فل »(٢) .

هذا وقد أجاب الشهيد التستريرحمه‌الله عن هذه الشبهة في وجوه ردّ كلام صاحب المواقف بقوله: « ومنها: ان مجيء مفعل بمعنى أفعل مما نقله الشارح الجديد للتجريد عن أبي عبيدة من أئمة اللغة، وأنه فسّر قوله تعالى:( هِيَ مَوْلاكُمْ ) بأولاكم. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها أي الأولى بها والمالك لتدبيرها. ومثله في الشعر كثير، وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن أئمة اللغة، والمراد إنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه

____________________

(١). الصحاح: نوم.

(٢). المصدر نفسه: فلن.

١٥٧

ليس من صيغة اسم التفضيل، وانه لا يستعمل استعماله.

وأيضاً كون اللفظين بمعنى واحد لا يقتضي صحة اقتران كلٍ منهما في الاستعمال بما يقترن به الآخر، لأنّ صحة اقتران اللفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني، ولأنّ الصلاة مثلاً بمعنى الدعاء والصلاة إنما تقترن بعلى والدعاء باللام يقال: صلّى عليه ودعا له، ولو قيل: دعا عليه لم يكن بمعناه. وقد صرّح الشيخ الرضي بمرادفة العلم والمعرفة مع أن العلم يتعدى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال إنك عالم ولا يقال إن أنت عالم، مع أن المتّصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به، وأمثال ذلك كثير ».

وفي كتاب ( عماد الاسلام ) ما نصه: « قد صرّح الشيخ الرضي بمرادفة العلم والمعرفة، مع أن العلم يتعدى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال: إنك عالم ولا يقال إن أنت عالم، مع أن المتصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به وأمثال ذلك كثير.

وبوجهٍ آخر: قد مرّ في مبحث الرؤية من كتاب التوحيد ما يندفع به كلام الرازي هذا، وحاصله: إن اقتران اللّفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعنى، فيجوز أن يكون من عوارض لفظ « الانتظار » ما لم يكن من عوارض « النظر » الذي هو بمعناه، وهكذا بالعكس، لتحقق التغاير اللفظي بينهما.

وأيضاً: جاء « بصر بي » ولم يجيء « نظر بي » و « رأى بي ». وهكذا على قول الأشاعرة جاء: « نظر إليه » ولم يجيء « بصر إليه ».

وأيضاً: لو تم دليلك لزم أن يصح « نظرته » كما صح « رأيته »، والحال أن الرازي حكم ببطلانه في مبحث الرؤية، وصح « ان أنت عالم » كما صح « إنّك عالم »، وصح « جاءني إلّا زيد » كما صح « غير زيد » وجاز « عندي درهم إلّا جيّد » كما صح « عندي غير درهم جيد ». مع أن إلّا بمعنى غير في الأمثلة، وصرّح بعدم صحتها صاحب المغني.

١٥٨

وبالجملة، لا يليق بمن يكون ملقباً بإمام الأشاعرة أن يدّعي أمراً خلافاً للواقع ترويجاً لمذهبه ».

٩ - عدم جريان القياس في اللغة

لقد تسالم المحققون من العلماء على أنه لا يجري القياس في اللغة، وذلك غير خاف على من نظر في كتبهم ووقف على كلماتهم، وقال السيوطي: « قال الكيا الهراسي في تعليقه: الذي استقر عليه آراء المحققين من الأصوليين أن اللغة لا تثبت قياساً ولا يجري القياس فيها »(١) .

١٠ - لا يعارض الظن القطع

ولو فرضنا جريان القياس في اللغة، فإنّ غاية ما يفيده القياس هو الظن، لكن مفاد نصوص الأساطين المثبتين لمجيء « المولى » بمعنى « الأولى » هو القطع، ولا يعارض الظن القطع قطعاً.

١١ - الشهادة على النفي غير مسموعة

إن حاصل هذا النقض المردود والشبهة المدحوضة هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، وهذه شهادة على النفي، وقد نصّ الرازي نفسه أيضاً في مثل هذا المقام على أن الشهادة على النفي غير مقبولة. قال الرازي: « عابوا عليه - أي على الشافعي - قوله الباء في قوله تعالى:( وَامْسَحُوا بِرُؤوُسِكُمْ ) تفيد التبعيض، ونقلوا عن أئمة اللغة أنهم قالوا لا فرق بين: وامسحوا برؤسكم، وبين قوله: وامسحوا رؤسكم. والجواب: قول من قال أنه ليس في اللغة أن الباء للتبعيض شهادة على النفي فلا تقبل »(٢) .

____________________

(١). المزهر ١ / ٣٧.

(٢). مناقب الشافعي.

١٥٩

١٢ - عدم جواز « هو أولى » و « هما أوليان » غير مسلّم

وذكر الرازي أنه لا يجوز قول « هو أولى » و « هما أوليان ». ولكنّا لا نسلّم هذا القول لوجهين:

الأول: إن رأي الرازي هو أن اقتران لفظ بلفظ ليس بالوضع بل العقل، فإذا كان كذلك فإن العقل لا يأبى من قول « هو أولى » و « هما أوليان »، ولا استحالة عقلية في هذا الإطلاق إطلاقاً.

والثاني: إنّ هذه الدعوى تردّها قواعد العربية وتصريحات أئمة اللغة والتفسير، لأن اسم التفضيل قد استعمل في آيات عديدة في القرآن الكريم مجرداً من « من » والاضافة وحرف التعريف، ففي سورة البقرة:( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلهِ ) وأيضاً في سورة البقرة:( ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) وفي سورة الأنعام:( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) وفي سورة التوبة:( وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ) وأيضاً في سورة التوبة( وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ) وأيضاً في سورة التوبة:( قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً ) وفي سورة بني إسرائيل:( وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) وفي سورة الكهف( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) وفي سورة طه:( وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى ) وأيضاً في سورة طه:( وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) وفي سورة القصص:( وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى ) وفي سورة الأعلى:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) .

إذن، يجوز إستعمال اسم التفضيل من دون « من » فدعوى عدم جواز « هو أولى » و « هما أوليان » باطلة.

بل إن خصوص « أولى » ورد استعماله في القرآن بلا « من » قال الله تعالى:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391