نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 299977 / تحميل: 7084
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وجوه إبطال النقض بلزوم

استعمال ( مولى منك ) في موضع ( أولى منك )

١٤١

١٤٢

قوله:

« قائلين بأنه لو صح هذا القول لزم جواز أن يقال « مولى منك » في موضع « أولى منك »، وهو باطل منكر بالاجماع ».

أقول:

هذا الكلام باطل من وجوه:

١ - نسبته إلى الجمهور كذب

فأوّل ما فيه: إن نسبة هذا النقض إلى جمهور أهل العربية كاذبة، فالله حسيب ( الدهلوي ) على هذه الأكاذيب الفاضحة والدعاوي الباطلة.

٢ - الأصل فيه هو الرازي

بل الأصل في هذا الكلام الباطل هو الرازي وأتباعه، الذين لا يد لهم في علم العربية ولا نصيب، ولو كان لهم أدنى مناسبة بذلك لما تفوّهوا به، ولذا أعرض عنه الكابلي، فلم يذكره ولم يورّط نفسه.

١٤٣

ثمّ إنّ هذه الشبهة مذكورة مع جوابها في أوائل الكتب التي يدرسها المبتدئون مثل ( سلّم الثبوت ) و ( شروحه )، ولكن ( الدهلوي ) قد غفل عن ذلك لشدة إنهماكه في الخرافات، وسعيه وراء إنكار الحقائق بالشبهات.

٣ - نص كلام الرازي

ولمـّا كان كلام ( الدهلوي ) هذا ملخصّاً لكلام الفخر الرازي فإنّا نورد نص عبارة الرازي في ( نهاية العقول ) في هذا المقام، ثم نشرع في استيصال شبهاته بالتفصيل، فيكون كلام ( الدهلوي ) هباء منثوراً، وهذه عبارة الرازي بعينها:

« ثانيهما: إن ( المولى ) لو كان يجيء بمعنى ( الأولى ) لصح أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر، لكنه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى.

بيان الشرطية: إن تصرف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كلّ واحد منها موضوعاً لمعناه المفرد - فذلك عقلي. مثلاً إذا قلنا « الانسان حيوان » فإفادة لفظة « الإنسان » للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ « الحيوان » للحقيقة المخصوصة أيضاً بالوضع. فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص، فذلك بالعقل لا بالوضع.

وإذا ثبت ذلك فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى، ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل.

وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة « الأولى » بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة « المولى »، والعقل حكم بصحة اقتران المفهوم من لفظة « من » بالمفهوم من لفظة « الأولى »، وجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة « المولى »، لأن صحة ذلك الاقتران ليست بين اللفظتين بل بين مفهوميهما.

١٤٤

بيان أنّه ليس كلّما يصح دخوله على أحدهما صح دخوله على الآخر أنه لا يقال: « هو مولى من فلان » كما يقال: « هو أولى من فلان »، ويصح أن يقال: « هو مولى » و « هما موليان » ولا يصح أن يقال: « هو أولى » بدون « من » و « هما أوليان ». وتقول: « هو مولى الرجل » و « مولى زيد » ولا تقول: « هو أولى الرجل » ولا « أولى زيد »، ولا تقول: « هما أولى رجلين » و « هم أولى رجال »، ولا تقول: « هما مولى رجلين » ولا « هم مولى رجال »، ويقال: « هو مولاه ومولاك » ولا يقال: « هو أولاه وأولاك ».

لا يقال: أليس يقال « ما أولاه »؟ لأنا نقول: ذاك أفعل التعجب، لا أفعل التفضيل. على أن ذاك فعل وهذا اسم، الضّمير هناك منصوب وهنا مجرور.

فثبت بهذين الوجهين أنه لا يجوز حمل المولى على ( الأولى ).

وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

٤ - الرد على كلام الرازي بالتفصيل

وكلام الرازي هذا يشتمل على مكابرات وأباطيل كثيرة، نوضّحها فيما يلي بالتفصيل:

(١) قوله: « إن تصرف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد - فذلك أمر عقلي » إدّعاء محض ولم يذكر له دليلاً.

(٢) قوله: « مثلاً - إذا قلنا الإنسان حيوان » فرار من ذكر الدليل على الدعوى، ومن الواضح أن ذكر المثال يكون بعد الدليل، ولا يغني التمثيل عن الدليل بحال من الأحوال.

(٣) قوله: « فأما نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص فذلك بالعقل لا بالوضع » خبط وذهول، إذ الكلام في ضمّ بعض الألفاظ المفردة إلى البعض الآخر، كما هو

١٤٥

صريح كلامه سابقاً حيث قال: « فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمر عقلي ». ومن المعلوم أن ضمّ بعض الألفاظ إلى البعض عبارة عن التركيب بين الألفاظ بحسب القواعد في ذلك اللسان، كضم الفعل إلى الفاعل، والمضاف إلى المضاف اليه، والمبتدأ إلى الخبر وهكذا وضمّ بعض الألفاظ إلى البعض هو بحسب الاستعمال والنطق، وأنا نسبة الحيوان إلى الإنسان فهو بحسب التصور والتعقل، فالتمثيل بهذا المثال لذاك المعنى تهافت وذهول، لأن كلامنا في صحة اقتران لفظ بلفظ في الاستعمال، وليس الكلام في نسبة المفاهيم والمصاديق، وكون الأول من الأمور المنقولة والثاني من الأمور المعقولة غير مخفي على أحد، كما لا يخفى بطلان قياس أحدهما على الآخر.

(٤) قوله: « وإذا ثبت ذلك فلفظة ».

ما الذي ثبت؟! الذي ذكره أمران، أحدهما إدعاء، والآخر تمثيل، فأما الدعوى المحضة فلا تثبت أمراً، وأما التمثيل فكذلك إنْ كان مطابقاً للممثل له، فكيف بهذا المثال الذي ذكره، البعيد عن الممثل له غاية البعد؟!

(٥) إن قياس معنى « من » على معنى « الإنسان » و « الحيوان » من البطلان بمكان، لأن كلاً من اللفظتين مستقلّة بالمفهومية، بخلاف « من » فإنّ معناها غير مستقل، ولا مناسبة بين المستقل وغير المستقل.

(٦) « فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل » من غرائب المجازفات وعجائب التقوّلات، لا تجده في أبسط كتاب من كتب النحو، ولا يتفوّه به أحد من أصاغر الطلبة، ولو صح ما ذكره لبطل الكثير من القواعد النحوية، ووقع الاختلال العظيم في المحاورات العرفية

إنه يجب حذف الخبر في مواضع ذكرها النحويون قال الشيخ ابن الحاجب في ( الكافية ): « وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة جوازاً كقول المستهل:

١٤٦

الهلال والله. والخبر جوازاً مثل: خرجت فإذا السبع. ووجوباً فيما التزم في موضعه غيره مثل: لو لا زيد لهلك عمر، ومثل: ضربي زيداً قائماً، ومثل: كل رجل وضيعته، ومثل: لعمرك لأفعلنّ كذا ».

ولو كان ضم بعض الألفاظ إلى بعض بالعقل لا بالوضع، لم يكن وجه لوجوب حذف الخبر في هذه المواضع الأربعة، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذكره فيها.

ويجب حذف فعل المفعول المطلق سماعاً وقياساً، قال ابن الحاجب: « وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازاً، كقولك لمن قدم: خير مقدم. ووجوباً سماعاً نحو: سقياً ورعياً، وخيبة وجدعاً، وحمداً وشكراً، وعجباً. وقياساً في مواضع، منها: ما وقع مثبتاً بعد نفي أو معنى نفي داخل على اسم لا يكون خبراً عنه، أو وقع مكرراً نحو: ما أنت إلّا سيراً، وما أنت إلّا سير البريد، وإنما أنت سيراً، وزيد سيراً سيراً. ومنها: ما وقع تفصيلاً لأثر مضمون جملة متقدمة مثل( فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) ومنها: ما وقع للتشبيه علاجاً بعد جملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه مثل: مررت به فإذا له صوت صوت حمار وصراخ صراخ الثكلى. ومنها: ما وقع مضمون جملة لا محتمل لها غيره نحو: له عليَّ ألف درهم اعترافاً، ويسمى تأكيداً لنفسه. ومنها: ما وقع مضمون جملة لها محتمل غيره مثل: زيد قائم حقاً ويسمى تأكيداً لغيره. ومنها: ما وقع مثنى مثل لبيك وسعديك ».

ولو كان ضمّ بعض الألفاظ إلى بعض والتركيب بينها بالعقل لا بالوضع، لم يمتنع ذكر الفعل في هذه المواضع، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذلك.

وقد يجب حذف الفعل العامل في المفعول به، قال ابن الحاجب: « وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازاً نحو: زيداً لمن قال: من أضرب؟ ووجوباً في أربعة مواضع: الأول سماعي نحو: أمراً ونفسه. و( انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ) وأهلْاً وسهلْاً ». ولو كان التركيب بين الألفاظ دائراً مدار حكم العقل لجاز ذكر الفعل في هذه المواضع.

١٤٧

وقال السيوطي: « الأصول المرفوضة، منها: جملة الاستقرار الذي يتعلق به الظرف الواقع خبراً. قال ابن يعيش: حذف الخبر الذي هو استقر ومستقر، وأقيم الظرف مقامه وصار الظرف هو الخبر، والمعاملة معه، ونقل الضمير الذي كان في الاستقرار إلى الظرف، وصار مرتفعاً بالظرف، كما كان مرتفعاً بالاستقرار، ثم حذف الاستقرار وصار أصلاً مرفوضاً، لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه بالظرف.

ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا، نحو: لو لا زيد لخرج عمر، وتقديره لو لا زيد حاضراً. قال ابن يعيش: ارتبطت الجملتان، وصارتا كالجملة الواحدة، وحذف خبر المبتدأ من الجملة الأولى، لكثرة الاستعمال، حتى رفض ظهوره ولم يجز استعماله.

ومنها: قولهم إفعل هذا أمّا لا. قال ابن يعيش: ومعناه: إنّ رجلاً أمر بأشياء يفعلها فتوقف في فعلها فقيل له: إفعل هذا إنْ كنت لا تفعل الجميع، وزادوا على إنْ ما وحذف الفعل وما يتصل به، وكثر حتى صار الأصل مهجوراً.

ومنها: قال ابن يعيش: بنو تميم لا يجيزون ظهور خبر لا المثبتة ويقولون هو من الأصول المرفوضة. وقال الاستاذ أبو الحسن بن أبي الربيع في شرح الإيضاح: الإِخبار عن سبحان الله يصح كما يصح الإِخبار عن البراءة من السوء، لكن العرب رفضت ذلك، كما أن « مذاكير » جمع لمفرد لم ينطق به، وكذلك « لييلية » تصغير لشيء لم ينطق به، و « أصيلان » تصغير لشيء لم ينطق به، وإنْ كان أصله أن ينطق به، وكذلك « سبحان » إذا نظرت إلى معناه وجدت الإِخبار عنه صحيحاً، لكنّ العرب رفضت ذلك، وكذلك « لكاع ولكع » وجميع الأسماء التي لا تستعمل إلّا في النداء، إذا رجعت إلى معانيها وجدت الإِخبار ممكناً فيها، بدليل الإِخبار عمّا هي في معناه، لكن العرب رفضت ذلك.

وقال أيضاً في قولك زيداً أضربه: ضعف فيه الرفع على الابتداء، والمختار النصب، وفيه إشكال من جهة الإِسناد، لأن حقيقة المسند والمسند إليه ما لا يستقل الكلام بأحدهما دون صاحبه، واضرب ونحوه يستقل به الكلام وحده،

١٤٨

ولا تقدر هنا أن تقدر مفرداً تكون هذه الجملة في موضعه، كما قدرت في زيد ضربته. فان قلت: فكيف جاء هذا مرفوعاً وأنت لا تقدر على مفرد يعطي هذا المعنى؟ قلت: جاء على تقدير شيء رفض ولم ينطق به، واستغنى عنه بهذا الذي وضع مكانه، وهذا وإنْ كان الأصل فيه بعد إذا أنت تدبّرته وجدت له نظائر، ألا ترى أن « قام » أجمع النحويون على أن أصله قوم، وهذا ما سمع قط فيه ولا في نظيره فكذلك زيد أضربه كأن أضربه وضع موضع مفرد مسند إلى زيد على معنى الأمر، ولم ينطق قط به ويكون كقام.

وقال أيضاً: مصدر عسى لا يستعمل وإنْ كان الأصل لأنه أصل مرفوض »(١) .

أقول: وهذا القدر كاف للرد على ما ادعاه الرازي وارتضاه أتباعه.

(٧) قوله: « وإذا ثبت فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل ». واضح البطلان، لأن اقتران « من » بـ « الأولى » مأخوذ من النقل والسماع، وإلّا لجاز اقتران غيره من الحروف مثل « عن » و « على » و « إلى » و « في ». فأيّ مانع عقلاً من أن يقال: « زيد أولى من عمرو » أو يقال: « زيد أولى على عمرو »؟

وممّا يؤيّد ما ذكرنا من كون اقتران « من » بـ « أولى » مأخوذاً من الاستعمال والوضع كلام الشيخ خالد الأزهري في أحكام أفعل التفضيل وهذا نصه:

« والحكم الثاني فيما بعد أفعل: أن تؤتي « من » الجارة للمفضول كما تقدّم من الأمثلة، وهي عند المبرد وسيبويه لابتداء الارتفاع في نحو أفضل منه وابتداء الانحطاط في نحو شرّ منه. واعترضه ابن مالك بأنها لا تقع بعدها « إلى » واختار أنها للمجاوزة، فإنّ معنى زيد أفضل من عمرو: جاوز زيد عمراً في الفضل. واعترضه في المغني: بأنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها « عن ». ودفع بأن

____________________

(١). الأشباه والنظائر ١ / ٧٠ - ٧١.

١٤٩

صحة وقوع المرادف موقع مرادفه إنما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانع، وهاهنا منع مانع وهو الاستعمال، فإن اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلّا « من » خاصة »(١).

(٨) لقد نصّ المحقّقون من أهل اللغة والنحو على عدم جواز تركيب مّا في لغة، من غير أن يسمع لذلك التركيب نظائر، قال السيوطي: « قال أبو حيان في شرح التسهيل: العجب ممن يجيز تركيباً مّا في لغة من اللغات من غير أن يسمع من ذلك التركيب نظائر. وهل التراكيب العربية إلّا كالمفردات العربية؟ فكما لا يجوز إحداث لفظ مفرد كذلك لا يجوز في التراكيب، لأن جميع ذلك أمور وضعيّة، والأمور الوضعيّة تحتاج إلى سماع من أهل ذلك اللسان، والفرق بين علم النحو وبين علم اللغة: أن علم النحو موضوعه أمور كليّة، وموضوع علم اللغة أشياء جزئية، وقد اشتركا معاً في الوضع »(٢) .

وقد نقل السيوطي هذا عن القرافي ونقل عن غيره أنه عزاه إلى الجمهور.

قلت : وعلى هذا فكيف يجوز القول بأن اقتران لفظ بلفظ آخر يكون بالعقل فقط؟

(٩) قوله: « وإذا ثبت ذلك ».

قلت: أي شيء ثبت؟ إنه لم يسبق هذا إلّا قوله: « فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل » وقد عرفت أنه ادعاء محض، بل عرفت بطلانه.

(١٠)قوله : « وجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة « المولى »، لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين مفهوميهما ».

أقول : هذا الكلام يناقض ما تقدّم منه، لأنه قد ادعى أنه لو كان ( المولى )

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح. مبحث أفعل التفضيل.

(٢). المزهر ١ / ٢٨.

١٥٠

بمعنى ( الأولى ) لزم صحة أن يقال « فلان مولى من فلان »، لكنه بهذا الكلام ينفي ذاك اللزوم، لأنه يقول بأن الاقتران ليس بين اللفظتين، بل إن مفهوم قوله: « بل بين مفهوميهما » هو أن الاقتران ليس إلّا بين المفهومين، مع أن مورد الإلزام في كلامه السابق وأصل الدعوى هو الاقتران بين اللفظين، فقد قال سابقاً: « وثانيهما: إنّ « المولى » لو كان يجيء بمعنى « الأولى » لصحّ أن يقترن بأحدهما كلّ ما يصح قرنه بالآخر » بل ذلك هو صريح الجملة الأخرى من كلامه وهي قوله: « فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض » وهكذا قوله: فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة من »، وهو أيضاً صريح الجملة اللاحقة من كلامه: « لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو أولى من فلان ».

فظهر بطلان قوله: « لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين مفهوميهما » من كلامه نفسه سابقاً ولا حقاً.

ثم إنّه لم يوضّح مراده من أن الاقتران بين المفهومين لا بين اللفظتين، وأيّ نفع له في هذا الكلام الفارغ؟ أو أيّ ضرر على خصمه فيه؟!

وصول الكلام إلى النقض الذي أخذه ( الدهلوي )

وأما قوله: « بيان أنّه ليس كلما يصح دخوله على أحدهما يصح دخوله على الآخر » ففيه: أنّه أوّل دليل ذكره على هذه الدعوى قوله: « إنه لا يقال هو مولى من فلان كما يقال هو أولى من فلان » ولم يدخل في هذا المثال « من » على « الأولى »، كما لا يدلُّ على عدم جواز دخولها على « المولى »، بل إنّ « من » فيه متأخرة عن « الأولى ».

وأما قوله: « لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو أولى من فلان » فهذا ما ذكره ( الدهلوي ) هنا، ونحن وإنْ بينّا فساد مقدمات هذا الاستدلال - المستلزم لفساده - نذكر وجوهاً على بطلانه استناداً إلى كلمات الرازي وكبار محققي علماء اللغة والنحو من مشاهير أهل السنة:

١٥١

١ - إنْ كان الاقتران بالعقل فلا مانع

لقد ذكر الفخر الرازي أنّ صحة اقتران لفظ بلفظ هو بالعقل لا بالوضع، وعلى هذا الأساس فلا مانع من أن يقال: « هو مولى من فلان » كما يقال « هو أولى من فلان ».

٢ - جواب شارحي المقاصد والتجريد عن النقض

لقد أجاب شارح المقاصد وشارح التجريد عن هذه الشبهة بأنّ ( المولى ) اسم بمعنى ( الأولى )، لا أنه وصف بمنزلته حتى يعترض بعدم كون ( المولى ) من صيغ اسم التفضيل، وأنه لا يستعمل استعماله.

وقد تقدّم نصّ عبارتهما سابقاً، كما أورد صاحب ( بحر المذاهب ) عبارة شارح التجريد للردّ على توهّم صاحب المواقف وشارحها.

٣ - بقاء ( المولى ) على معناه الأصلي عند جماعة

وقال الزمخشري والبيضاوي والخفاجي وغيرهم ببقاء ( المولى ) الوارد بمعنى ( الأولى ) على أصله وهو الظرفيّة، وعليه، فلا يلزم أن يكون استعمال ( المولى ) مثل استعمال ( الأولى ) وان كان بمعناه، حتى لو ثبت جواز إقامة المرادف مقام مرادفه، لأن جواز ذلك مشروط بعدم إرادة معنى الظرفية من ( المولى )، مثلاً: « مئنة » ظرف مأخوذ من « أنّ » يقال: « فلان مئنة للكرم » والجار والمجرور يتعلّق به، كما يقال « البلد الفلاني مجمع للعلماء » لكن لا يجوز استعماله مثل استعمال « إنه لكريم »، فلا يقال: « زيد مئنة لكريم » مع أنه و « إن زيداً لكريم » بمعنى واحد.

٤ - بطلان النقض من كلام ( الدهلوي ).

لقد أبطل ( الدهلوي ) كلمات الرازي هذه بنفسه من حيث لا يشعر، فقد

١٥٢

ذكر بجواب الاستدلال بجملة « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » بأنّ « الأولى » هنا مشتقة من « الولاية » بمعنى المحبة، يعني: ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم فنقول: إن معنى هذا الكلام كون « الأولى » مرادفاً « للأحب »، مع أن استعمال اللفظتين ليس واحداً، لأن صلة « أولى » هي « الباء » كما في هذا الكلام النبوي في هذا الحديث الشريف، وصلة « أحب » هي « إلى » كما قال ( الدهلوي ) نفسه.

فلو كان من اللازم اتحاد المترادفين في الاستعمال للزم جواز أن يقوم « أولى إليه » مقام « أحبّ إليه » في كل كلام، وهو غير مسموع إذن كما أن عدم اقتران « إلى » مع « أولى » ليس بقادح في مجيئه بمعنى « الأحبّ » كما يدعي ( الدهلوي )، فكذلك لا يقدح عدم اقتران « من » بـ « المولى » في كون « المولى » بمعنى « الأولى ».

٥ - بطلان النقض من كلام الرازي

لقد عدل الفخر الرازي عن لجاجه ورجع إلى صوابه في كتاب ( المحصول ) وقبل الحق الحقيق بالقبول، فقد قال جلال الدين المحلّي « والحق وقوع كلّ من الرديفين أي اللفظين المتّحدي المعنى مكان الآخر، إنْ لم يكن تعبّد بلفظه، أي يصح ذلك في كلّ رديفين بأن يؤتى بكلٍ منهما مكان الآخر في الكلام، إذْ لا مانع من ذلك، خلافاً للامام الرازي في نفيه ذلك مطلقاً، أي من لغتين أو لغة، قال: لأنك لو أتيت مكان من في قولك مثلاً: خرجت من الدار بمرادفها بالفارسية أي « أز » بفتح الهمزة وسكون الزاي، لم يستقم الكلام، لأن ضم لغة إلى أخرى بمثابة ضم مهمل إلى مستعمل. قال: وإذا عقل ذلك في لغتين فلم لا يجوز مثله في لغة. أي لا مانع من ذلك. وقال: إن القول الأول أي الجواز الأظهر في أول النظر والثاني الحق ».

وإن هذا الرأي من الرازي مذكور في كتاب سلّم العلوم وشروحه.

١٥٣

لكن من دأب المتعصب العنيد أن يخالف الحق مكابرة، وينكره لغرض إبطال استدلال خصمه!!

٦ - اعتراف الرازي بأنّ هذا الوجه فيه نظر

لقد ذكر الرازي في آخر كلامه الذي شحنه بالأباطيل بأنّ « هذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول » يعني أن الحق ما ذهب إليه في المحصول من منع القول بلزوم وقوع أحد المترادفين مقام الآخر.

أقول: فإذا كان هذا الوجه مردوداً، فأيّ وجه لذكره مع هذا التطويل؟

والأغرب من ذلك استحسان الاصفهاني والإِيجي والشريف الجرجاني وابن حجر المكي والبرزنجي والسهارنفوري الوجه المردود مع عدم تعرضهم لكونه مردوداً منظوراً فيه كما اعترف الرازي نفسه!! ثم جاء ( الدهلوي ) فرحاً مستبشراً فقلّد الرازي في ذكره، وغضّ النظر عن وجه النظر فيه، مخالفاً للكابلي الذي أعرض عن ذكر النقض من أصله لعلمه بوهنه وبطلانه.

٧ - قول المحققين بعدم وجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر

وكما أن القول بوجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر ممنوع عند الرازي في ( المحصول ) ومنظور فيه عنده في ( نهاية العقول )، فإنّ سائر المحققين من أهل السنة يذهبون إلى هذا المذهب، ويصرّحون بعدم وجوب ذلك. فقد قال القاضي محب الله البهاري في ( سلّم العلوم ): « ولا يجب قيام كلّ مقام الآخر وإنْ كانا من لغة، فإن صحة الضم من العوارض، يقال: صلّى عليه، ولا يقال دعا عليه ».

وقد تبعه على ذلك شرّاح كتابه ( مسلّم الثبوت ) وأقاموا الادلة على هذا القول فليرجع إليها.

١٥٤

وقد تقدّم نص كلام الشيخ خالد الأزهري من محققي النحاة(١) .

وقال رضي الدين الاسترآبادي - وهو من محققي النحاة أيضاً - في مبحث أفعال القلوب: « ولا يتوهّم أن بين علمت وعرفت فرقاً من حيث المعنى كما قال بعضهم. فإنّ معنى علمت أن زيداً قائم وعرفت أن زيداً قائم واحد، إلّا أن عرف لا ينصب جزئي الاسمية كما ينصبهما علم، لا لفرق معنوي بينهما، بل هو موكول إلى اختيار العرب، فإنهم قد يخصّون أحد المتساويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخر ».

وقال أيضاً - بعد أن ذكر إلحاق أفعال عديدة بصار: « وليس إلحاق مثل هذه الأفعال بصار قياساً بل سماعاً، ألا ترى أن انتقل لا يلحق به مع أنه بمعنى تحوّل ».

٨ - من أمثلة عدم قيام أحد المترادفين مقام الآخر

لقد مثّل البهاري لعدم الجواز بأن « دعا » لا يقوم مقام « صلّى »، وعرفت أنّ « عرف » لا يقوم مقام « علم » وأن « انتقل » لا يقوم مقام « تحوّل ».

لكن أمثلة امتناع قيام أحد المترادفين مقام الآخر كثيرة جدّاً، إلّا أن الوقوف على طرف منها يستلزم التتبع لكلمات علماء الفن ومعرفة اللغات والألفاظ، والرازي وأتباعه بعيدون عن ذلك، ونحن نشير هنا إلى بعض تلك الأمثلة والموارد:

فمنها: الفروق الموجودة بين « حتى » و « إلى » مع أنهما متساويان في الدلالة على الغاية، كدخول « إلى » على المضمر بخلاف « حتى »، ووقوع الأول في موضع الخبر مثل: والأمر إليك، بخلاف الثاني

ومنها: الفروق بين « الواو » و « حتى العاطفة » وهي ثلاثة فروق كما في ( مغني

____________________

(١). توجد ترجمته في الضوء اللامع ٣ / ١٧١ وغيره.

١٥٥

اللبيب ) و ( الأشباه والنظائر ) نقلاً عنه.

ومنها: الفروق بين « إلّا » و « غير » وهما بمعنى واحد. قال السيوطي « ذكر ما افترق فيه إلّا وغير. قال أبو الحسن الآبدي في شرح الجزولية: إفترقت إلّا وغير في ثلاثة أشياء أحدها: إنّ غيراً يوصف بها حيث لا يتصور الاستثناء و إلّا ليست كذلك، تقول: عندي درهم غير جيّد. ولو قلت عندي درهم إلّا جيد لم يجز. الثاني: إنّ إلّا إذا كانت مع ما بعدها صفه لم يجز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، فتقول: قام القوم إلّا زيدا. ولو قلت: قام إلّا زيد لم يجز، بخلاف غير، إذْ تقول: قام القوم غير زيد وقام غير زيد. وسبب ذلك إنّ إلّا حرف لم يتمكن في الوصفية فلا يكون صفة إلّا تابعاً، كما أن « أجمعين » لا يستعمل في التأكيد إلّا تابعاً. الثالث: إنك إذا عطفت على الاسم الواقع بعد إلّا كان إعراب المعطوف على حسب المعطوف عليه، وإذا عطفت على الاسم الواقع بعد غير جاز الجر والحمل على المعنى »(١) .

ومنها: الفروق بين « عند » و « لدن » و « لدى »، وهي في ستة أشياء كما في ( الاشباه والنظائر ).

ومنها: الفروق بين « المصدر » و « أن مع صلتها » وهي في اثني عشر شيء، كما يظهر بالرجوع إلى ( الأشباه والنظائر ).

ومنها: الفروق بين « أم » و « أو » وكلاهما يستعمل للترديد، وهي في أربعة أشياء، كما في ( الأشباه والنظائر ) عن ابن العطار.

ومنها: الفروق العديدة بين ألفاظ الإِ غراء وألفاظ الأمر، ذكرها السيوطي في ( الأشباه والنظائر ) نقلا عن الأندلسي.

ومنها: الفروق بين « هل » و « همزة الاستفهام » وهي كما في ( الأشباه والنظائر ) عن ابن هشام - في عشرة أشياء.

____________________

(١). الأشباه والنظائر ٢ / ١٧٩.

١٥٦

ومنها: الفروق بين « أيان » و « حتى » يظهر من ( الأشباه والنظائر ) أنها في ثلاثة أشياء.

ومنها: الفروق بين « كم » و « كأيّن » وهي كما يفهم من ( مغني اللبيب ) في خمسة أشياء.

هذا، ولا يتوهّم أن الموارد المذكورة غير مشتركة في المادة بخلاف « المولى » و « الأولى » فإنهما من مادة واحدة، لأن كلام الرازي ليس من جهة الاشتراك في المادة، لأن صريح كلامه لزوم اتحاد المترادفين في الاستعمال بسبب إتحادهما في المعنى من غير دخل للاتحاد في المادة في هذا الباب.

على أنّا وجدنا مترادفين مشتركين في المادة مع تنصيص المحققين وأئمة اللغة بعدم جواز استعمال أحدهما في مقام الآخر، ففي ( الصحاح ): « ويقال: يا نومان للكثير النوم ولا تقل: رجل نومان. لأنه يختص بالنداء »(١) .

وفي ( الصحاح ) أيضاً: « وقولهم في النداء: يأفل مخففاً إنما هو محذوف من يا فلان لا على سبيل الترخيم، ولو كان ترخيماً لقالوا: يا فلا. وربما قيل ذلك في غير النداء للضرورة. قال أبو النجم: في لجّة أمسك فلاناً عن فل »(٢) .

هذا وقد أجاب الشهيد التستريرحمه‌الله عن هذه الشبهة في وجوه ردّ كلام صاحب المواقف بقوله: « ومنها: ان مجيء مفعل بمعنى أفعل مما نقله الشارح الجديد للتجريد عن أبي عبيدة من أئمة اللغة، وأنه فسّر قوله تعالى:( هِيَ مَوْلاكُمْ ) بأولاكم. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها أي الأولى بها والمالك لتدبيرها. ومثله في الشعر كثير، وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن أئمة اللغة، والمراد إنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه

____________________

(١). الصحاح: نوم.

(٢). المصدر نفسه: فلن.

١٥٧

ليس من صيغة اسم التفضيل، وانه لا يستعمل استعماله.

وأيضاً كون اللفظين بمعنى واحد لا يقتضي صحة اقتران كلٍ منهما في الاستعمال بما يقترن به الآخر، لأنّ صحة اقتران اللفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني، ولأنّ الصلاة مثلاً بمعنى الدعاء والصلاة إنما تقترن بعلى والدعاء باللام يقال: صلّى عليه ودعا له، ولو قيل: دعا عليه لم يكن بمعناه. وقد صرّح الشيخ الرضي بمرادفة العلم والمعرفة مع أن العلم يتعدى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال إنك عالم ولا يقال إن أنت عالم، مع أن المتّصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به، وأمثال ذلك كثير ».

وفي كتاب ( عماد الاسلام ) ما نصه: « قد صرّح الشيخ الرضي بمرادفة العلم والمعرفة، مع أن العلم يتعدى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال: إنك عالم ولا يقال إن أنت عالم، مع أن المتصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به وأمثال ذلك كثير.

وبوجهٍ آخر: قد مرّ في مبحث الرؤية من كتاب التوحيد ما يندفع به كلام الرازي هذا، وحاصله: إن اقتران اللّفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعنى، فيجوز أن يكون من عوارض لفظ « الانتظار » ما لم يكن من عوارض « النظر » الذي هو بمعناه، وهكذا بالعكس، لتحقق التغاير اللفظي بينهما.

وأيضاً: جاء « بصر بي » ولم يجيء « نظر بي » و « رأى بي ». وهكذا على قول الأشاعرة جاء: « نظر إليه » ولم يجيء « بصر إليه ».

وأيضاً: لو تم دليلك لزم أن يصح « نظرته » كما صح « رأيته »، والحال أن الرازي حكم ببطلانه في مبحث الرؤية، وصح « ان أنت عالم » كما صح « إنّك عالم »، وصح « جاءني إلّا زيد » كما صح « غير زيد » وجاز « عندي درهم إلّا جيّد » كما صح « عندي غير درهم جيد ». مع أن إلّا بمعنى غير في الأمثلة، وصرّح بعدم صحتها صاحب المغني.

١٥٨

وبالجملة، لا يليق بمن يكون ملقباً بإمام الأشاعرة أن يدّعي أمراً خلافاً للواقع ترويجاً لمذهبه ».

٩ - عدم جريان القياس في اللغة

لقد تسالم المحققون من العلماء على أنه لا يجري القياس في اللغة، وذلك غير خاف على من نظر في كتبهم ووقف على كلماتهم، وقال السيوطي: « قال الكيا الهراسي في تعليقه: الذي استقر عليه آراء المحققين من الأصوليين أن اللغة لا تثبت قياساً ولا يجري القياس فيها »(١) .

١٠ - لا يعارض الظن القطع

ولو فرضنا جريان القياس في اللغة، فإنّ غاية ما يفيده القياس هو الظن، لكن مفاد نصوص الأساطين المثبتين لمجيء « المولى » بمعنى « الأولى » هو القطع، ولا يعارض الظن القطع قطعاً.

١١ - الشهادة على النفي غير مسموعة

إن حاصل هذا النقض المردود والشبهة المدحوضة هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، وهذه شهادة على النفي، وقد نصّ الرازي نفسه أيضاً في مثل هذا المقام على أن الشهادة على النفي غير مقبولة. قال الرازي: « عابوا عليه - أي على الشافعي - قوله الباء في قوله تعالى:( وَامْسَحُوا بِرُؤوُسِكُمْ ) تفيد التبعيض، ونقلوا عن أئمة اللغة أنهم قالوا لا فرق بين: وامسحوا برؤسكم، وبين قوله: وامسحوا رؤسكم. والجواب: قول من قال أنه ليس في اللغة أن الباء للتبعيض شهادة على النفي فلا تقبل »(٢) .

____________________

(١). المزهر ١ / ٣٧.

(٢). مناقب الشافعي.

١٥٩

١٢ - عدم جواز « هو أولى » و « هما أوليان » غير مسلّم

وذكر الرازي أنه لا يجوز قول « هو أولى » و « هما أوليان ». ولكنّا لا نسلّم هذا القول لوجهين:

الأول: إن رأي الرازي هو أن اقتران لفظ بلفظ ليس بالوضع بل العقل، فإذا كان كذلك فإن العقل لا يأبى من قول « هو أولى » و « هما أوليان »، ولا استحالة عقلية في هذا الإطلاق إطلاقاً.

والثاني: إنّ هذه الدعوى تردّها قواعد العربية وتصريحات أئمة اللغة والتفسير، لأن اسم التفضيل قد استعمل في آيات عديدة في القرآن الكريم مجرداً من « من » والاضافة وحرف التعريف، ففي سورة البقرة:( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلهِ ) وأيضاً في سورة البقرة:( ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) وفي سورة الأنعام:( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) وفي سورة التوبة:( وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ) وأيضاً في سورة التوبة( وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ) وأيضاً في سورة التوبة:( قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً ) وفي سورة بني إسرائيل:( وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) وفي سورة الكهف( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) وفي سورة طه:( وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى ) وأيضاً في سورة طه:( وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) وفي سورة القصص:( وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى ) وفي سورة الأعلى:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) .

إذن، يجوز إستعمال اسم التفضيل من دون « من » فدعوى عدم جواز « هو أولى » و « هما أوليان » باطلة.

بل إن خصوص « أولى » ورد استعماله في القرآن بلا « من » قال الله تعالى:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .

١٦٠

هذا خيشومه وقطع منه حيزومه وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء من دونه فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم فأعمى الله على هذا خبره وقطع من آثار العلماء أثره وصاحب الفقه

________________________________________________________

بالحلقوم من جانب الصدر: إفساد ما هو مناط الحياة والتعيش في الدنيا أو في الدارين والخب بالكسر: الخدعة، والخبث والغش، يقال رجل خب وخب بالفتح والكسر أي خداع، والملق بالتحريك: المداهنة والملاينة باللسان والإعطاء باللسان ما ليس في القلب.

قولهعليه‌السلام على مثله: أي من يساويه في العز والمرتبة من أشباهه وهم أهل العلم وطلبته، وقوله: من دونه أي من غيره يعني من غير صنفه وجنسه، أو ممّن هو دونه، ومن هو خسيس بالنسبة إليه وهاتان الفقرتان كالتفسير والبيان لخبه وملقه.

قولهعليه‌السلام فهو لحلوانهم: في بعض النسخ بالنون وهو بضم الحاء المهملة وسكون اللام: أجرة الدلال والكاهن وما أعطي من نحو رشوة، والمراد به ههنا ما يعطيه الأغنياء فكأنه أجرة لما يفعله بالنسبة إليه أو رشوة على ما يتوقع منه بالنسبة إليهم، وفي بعض النسخ لحلوائهم بالهمزة أي لأطعمتهم اللذيذة، والحطم: الكسر المؤدي إلى الفساد، يعني يأكل من مطعوماتهم ويعطيهم من دينه فوق ما يأخذ من مالهم، فلا جرم يحطم دينه ويهدم إيمانه ويقينه.

قولهعليه‌السلام خبره: بضم الخاء أي علمه، أو بالتحريك دعاء عليه بالاستيصال والفناء بحيث لا يبقى له خبر بين الناس، والأثر بالتحريك ما يبقى في الأرض عند المشي وقطع الأثر إمّا دعاء عليه بالزمانة كما ذكره الجزري، أو بالموت فإن أثر المشي من لوازم الحياة، أو المراد به ما يبقى من آثار علمه بين الناس، فلا يذكر به والأوسط أظهر، والكآبة بالتحريك والمد وبالتسكين: سوء الحال والانكسار من شدة الهم

١٦١

والعقل ذو كآبة وحزن وسهر قد تحنك في برنسه وقام الليل في حندسه يعمل ويخشى وجلا داعياً مشفقاً مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه.

وحدثني به محمّد بن محمود أبو عبد الله القزويني، عن عدة من أصحابنا منهم جعفر بن محمّد الصيقل بقزوين، عن أحمد بن عيسى العلوي، عن عباد بن صهيب البصري

________________________________________________________

والحزن، والمراد بها ههنا الحزن على فوت الفائت، أو عدم حصول ما هو متوقع له من الدرجات العالية، والسعادات الأخروية.

قولهعليه‌السلام قد تحنك في برنسه: وفي الكتابين قد انحنى في برنسه والبرنس بضم الباء وسكون الراء والنون المضمومة: قلنسوة طويلة كان يلبسها النساك والعباد في صدر الإسلام، وعلى نسخة الكتاب يومئ إلى استحباب التحنك للصلاة، والحندس بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة والدال المكسورة: الليل المظلم أو ظلمة الليل، وقوله: في حندسه بدل من الليل، ويحتمل أن يكون « في » بمعنى « مع » ويكون حالا من الليل والضمير راجع إلى الليل، وعلى الأول يحتمل إرجاعه إلى العالم.

قولهعليه‌السلام ويخشى: أي من لا يقبل منه وجلا أي خائفا من سوء عقابه داعياً إلى الله طالباً منه سبحانه التوفيق للهدي والثبات على الإيمان والتقوى، مشفقاً من الانتهاء إلى الضلال أو مشفقاً على الناس، متعطفا عليهم بهدايتهم والدعاء لهم، « مقبلا على شأنه » أي على إصلاح نفسه، وتهذيب باطنه « عارفا بأهل زمانه » فلا ينخدع منه « مستوحشا من أوثق إخوانه » لما يعرفه من أهل زمانه.

قولهعليه‌السلام : فشد الله من هذا أركانه، أي أعضائه وجوارحه أو الأعم منها ومن عقله ودينه وأركان إيمانه، والفرق بين الصنفين الأوّلين إمّا بأن الأول غرضه الجاه والتفوق بالعلم، والثاني غرضه المال والترفع به أو بأن الأول غرضه إظهار الفضل

١٦٢

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن رواة الكتاب كثير وإن رعاته قليل وكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية والجهال يحزنهم

________________________________________________________

على العوام، وإقبالهم إليه، والثاني مقصوده قرب السلاطين والظلمة والتسلط على الناس بالمناصب الدنيوية.

الحديث السادس ضعيف.

قولهعليه‌السلام إن رواة الكتاب: يحتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن في الموضعين، فالمعنى أن الحافظين للقرآن بتصحيح ألفاظه وتجويد قراءته وصون حروفه عن اللحن والغلط كثير، ورعاته بتفهمه وتدبّر معانيه واستعلام ما أريد به من أهله، ثمّ استعمال ذلك كله على ما يقتضيه قليل « وكم من مستنصح للحديث » برعاية فهم معانيه، والتدبّر فيه، والعمل بما يقتضيه « مستغش للقرآن » بعدم رعاية موافقة الحديث له، وتطبيقه عليه، ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب ما يشمل الحديث أيضا، فالمراد بمستنصح الحديث من يراعي لفظه وبمستغش الكتاب من لا يتدبّر في الحديث ولا يعمل بمقتضاه، فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر، والأول أظهر يقال: استنصحه أي عده نصيحا خالصاً عن الغش واستغشه أي عده غاشا غير ناصح، فمن عمل بالحديث وترك القرآن فكأنه عد الحديث ناصحه، والقرآن غاشا له.

قولهعليه‌السلام فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية: يعني أن العلماء العاملين يحزنهم ترك رعاية الكتاب والحديث، والتفكّر فيهما والعمل بهما، لما يعلمون في تركهما من سوء العقاب عاجلا وآجلا والجهال يهمهم حفظ روايته ويغمهم عدم قدرتهم عليه، لما يزعمونه كمالا وفوزا، ويمكن تقدير مضاف أي يحزنهم ترك حفظ الرواية، وقيل: المراد حفظ الرواية فقط، أي يصير ذلك سبب حزنهم في الآخرة، ومنهم من

١٦٣

حفظ الرواية فراع يرعى حياته وراع يرعى هلكته فعند ذلك اختلف الراعيان

________________________________________________________

قرأها يخزيهم من الخزي أي يصير هذا العلم سبباً لخزيهم في الدارين، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالعلماء أهل بيت النبوة سلام الله عليهم، ومن يحذو حذوهم ممّن تعلم منهم، ويكون المراد أنهمعليه‌السلام يحزنهم ترك رعاية القرآن من التاركين لها، الحافظين للحروف فإنهم لو رعوه لاهتدوا به، وأقروا بالحق، والجهال وهم الّذين لم ينتفعوا من القرآن بشيء لا رواية ولا دراية ويحزنهم حفظ الرواية من الحافظين لها التاركين للرعاية لما رأوا أنفسهم قاصرين عن رتبة أولئك، ويحسبون أنهم على شيء وأنهم مهتدون، فتغبطهم نفوسهم، ويؤيد هذا المعنى ما يأتي في الروضة من قول أبي جعفرعليه‌السلام في رسالته إلى سعد الخير، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية، فإن في قولهعليه‌السلام : يعجبهم هناك بدل يحزنهم هنا، دلالة على ما قلنا، ويحتمل أن يكون المراد بالجهال هناك الحافظين للحروف فإنهم جهال في الحقيقة، ولا يجوز إرادته هيهنا لأنّه لا يلائم الحزن « انتهى » والأظهر أن المراد بالعلماء الّذين يستحقون هذا الاسم على الحقيقة، وهم الّذين يتعلمون لوجه الله تعالى ويعملون به، وبالجهال الّذين يطلبون العلم للأغراض الدنية الدنيوية ولا يعملون به، كما مر بيان حالهم، فالعلماء الربانيون يحزنون إذا فاتهم رعاية الكتاب والعمل به لفوت مقصودهم، وغيرهم من علماء السوء لا يحزنون بترك الرعاية، إذ مقصودهم حفظ الرواية فقط، وقد تيسر لهم، لكن ذلك يصير سبباً لحزنهم في الدنيا لأنّ الله تعالى يذلهم ويسلب عنهم علمهم، ويكلهم إلى أنفسهم، وفي الآخرة للحسرات الّتي تلحقهم لفوت ما هو ثمرة العلم والمقصود منه.

والحاصل أن مطلوب العلماء ما هو تركه يوجب حزنهم ومطلوب الجهال ما هو فعله يورث حزنهم وخزيهم، ولا يبعد أن يكون الترك في قوله ترك الرعاية زيد من النساخ، فتكون الفقرتان على نسق واحد، ويؤيده ما رواه ابن إدريس في كتاب

١٦٤

وتغاير الفريقان.

٧ - الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد الرحمن بن أبي نجران عمن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة عالماً فقيها

________________________________________________________

السرائر مما استطرفه من كتاب أنس العالم للصفواني عن طلحة بن زيد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، فكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب، والعلماء يحزنهم الدراية، والجهال يحزنهم الرواية.

قولهعليه‌السلام فراع يرعى حياته: أي حياة نفسه أبداً ونجاته من المهالك وهو الّذي يراعي الكتاب ويطلب علمه لله ويعمل به، وراع يرعى هلكته بالتحريك أي هلاك نفسه وعقابه الأخروي، وهو الّذي ليس مقصوده إلا حفظ لفظ القرآن والحديث وروايتهما من غير تدبّر في معانيهما، أو عمل بهما، وأمّا قوله: فعند ذلك أي عند النظر إلى قلوبهم وضمائرهم، والاطلاع على نياتهم وسرائرهم كما قيل، أو عند ظهور الحياة والهلاك في الآخرة اختلف الراعيان أي راع الحياة وراعي الهلكة، أو راعي اللفظ وراعي العمل [ به ] وتغاير الفريقان بعد أن كانا متحدين بحسب الظاهر أو في الدنيا ممدوحين عند جهال الناس.

الحديث السابع ضعيف.

قولهعليه‌السلام أربعين حديثا: هذا المضمون مشهور مستفيض بين الخاصة والعامة بل قيل: إنه متواتر، واختلف فيما أريد بالحفظ، فقيل: المراد الحفظ عن ظهر القلب فإنه هو المتعارف المعهود في الصدر السالف، فإن مدارهم كان على النقش على الخواطر لا على الرسم في الدفاتر، حتّى منع بعضهم من الاحتجاج بما لم يحفظه الراوي عن ظهر القلب، وقد قيل: إن تدوين الحديث من المستحدثات في المائة الثانية من الهجرة، وقيل: المراد الحراسة عن الاندراس بما يعم الحفظ عن ظهر القلب والكتابة والنقل بين الناس ولو من كتاب وأمثال ذلك، وقيل: المراد تحمله

١٦٥

________________________________________________________

على أحد الوجوه المقررة الّتي سيأتي ذكرها في باب رواية الكتب، والحق أن للحفظ مراتب يختلف الثواب بحسبها، فأحدها: حفظ لفظها، سواء كان في الخواطر أو في الدفاتر، وتصحيحه واستجازتها وإجازتها وروايتها، وثانيها: حفظ معانيها والتفكّر في دقائقها واستنباط الحكم والمعارف منها، وثالثها: حفظها بالعمل بها والاعتناء بشأنها والاتعاظ بمودعها، ويومئ إليه بعض الأخبار، وفي بعض الروايات هكذا: من حفظ على أمتي أربعين حديثا، فالظاهر أن على بمعنى اللام أي حفظ لأجلهم كما قالوه في قوله تعالى( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (١) أي لأجل هدايته إياكم، ويحتمل أن يكون بمعنى « من » كما قيل في قوله تعالى( إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) (٢) ويؤيده روايات، ويحتمل تضمين معنى الاشتقاق أو العطف أو التحنن أو أضرابها.

والحديث في اللغة يرادف الكلام، سمي به لأنّه يحدث شيئاً فشيئاً، وفي اصطلاح عامة المحدثين كلام خاص منقول عن النبي أو الإمام أو الصحابي أو التابعي أو من من يحذو حذوه، يحكى قولهم أو فعلهم أو تقريرهم، وعند أكثر محدثي الإمامية لا يطلق اسم الحديث إلا على ما كان عن المعصومعليه‌السلام ، وظاهر أكثر الأخبار تخصيص الأربعين بما يتعلّق بأمور الدين من أصول العقائد والعبادات القلبية والبدنية، لا ما يعمها وسائر المسائل من المعاملات والأحكام، بل يظهر من بعضها كون تلك الأربعين جامعة لأمهات العقائد والعبادات والخصال الكريمة، والأفعال الحسنة، وعلى التقادير فالمراد ببعثه فقيها عالماً أن يوفقه الله لأنّ يصير من الفقهاء العالمين العاملين، أو المراد بعثه في القيامة في زمرتهم لتشبهه بهم، وإن لم يكن منهم، وعلى بعض المحتملات الأول أظهر، وعلى بعضها الثاني كما لا يخفى.

ثم اعلم أن الفقيه يطلق غالباً في الأخبار على العالم العامل الخبير بعيوب النفس وآفاتها، التارك للدنيا، الزاهد فيها، الراغب إلى ما عنده تعالى من نعيمه وقربه ووصاله واستدل بعض الأفاضل بهذا الخبر على حجية خبر الواحد وتوجيهه ظاهر.

__________________

(١) سورة البقرة: ١٨٥.

(٢) سورة المطففين: ٢.

١٦٦

٨ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه عمن ذكره، عن زيد الشحام، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل -( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ) (١) قال قلت ما طعامه قال علمه الّذي يأخذه عمن يأخذه.

________________________________________________________

الحديث الثامن مرسل.

قوله تعالى( إِلى طَعامِهِ ) (٢) بعدها قوله تعالى:( أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً، وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) (٣) .

قولهعليه‌السلام علمه: أقول هذا بطن الآية ولا ينافي كون المراد من ظهرها طعام البدن، فإنه لما كان ظاهراً لم يتعرض له، وكما أن البدن محتاج إلى الطعام والشراب لبقائه وقوامه واستمرار حياته كذلك الروح يحتاج في حياته المعنوي بالإيمان إلى العلم والمعارف والأعمال الصالحة ليحيي حياة طيبة ويكون داخلا في قوله تعالى( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) ولا يكون من الّذين وصفهم الله تعالى في كلامه العزيز في مواضع شتى بأنهم موتي، ثمّ إنّ الغذاء الجسماني لما كان وجوده ونموه بنزول المطر من السماء إلى الأراضي القابلة لتنشق وتنبت منها أنواع الحبوب والثمار، وألوان الأزهار والأنوار والأشجار والحشائش، فيتمتع بها الناس والأنعام فكذلك الغذاء الروحاني يعني العلم الحقيقي إنما يحصل بأن تفيض أمطار العلم والحكمة من سماء الرحمة - وهو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث سماه الله تعالى سماء وأقسم به في مواضع من القرآن، وبه فسر قوله تعالى( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) وفسر البروج بالأئمّةعليه‌السلام على أراضي القلوب القابلة للعلم والحكمة، فينبت الله تعالى فيها أنواع ثمرات العلم والحكمة أو على قلوب الأئمّةعليه‌السلام ، فإنهم شجرة النبوة ليثمروا أنواع ثمرات العلم والحكمة

__________________

(١) سورة عبس: ٢٤.

(٢) سورة الأنعام: ١٢٢.

(٣) سورة البروج: ١.

١٦٧

٩ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن داود بن فرقد، عن أبي سعيد الزهري، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه.

________________________________________________________

ليغتذي بها أرواح القابلين للتربية وينتفع بها غيرهم أيضاً من الّذين كالأنعام بل هم أضل سبيلا، فإنهم أيضاً ينتفعون بالعلوم الحقة وإن كان في دنياهم، كما قال تعالى( مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) والحاصل على الوجهين أنه ينبغي له أن يأخذ علمه عن أهل بيت النبوة الّذين هم مهابط الوحي، وينابيع الحكمة الآخذين علومهم من رب العزة حتّى يصلح أن يصير غذاء لروحه ويحييه حياة طيبة.

الحديث التاسع ضعيف.

قولهعليه‌السلام الوقوف عند الشبهة: أي التثبت عند اشتباه الحكم وعدم وضوحه وترك الحكم والفتوى خير من أن يلقي نفسه فجأه في الهلكة، وهي بالتحريك الهلاك

قولهعليه‌السلام لم تروه: صفة لقوله حديثاً كنظيره أو حال وهو إمّا على المجهول من باب الأفعال أو التفعيل أي لم تحمل على روايته، يقال: رويته الشعر أي حملته على روايته، وأرويته أيضا، ويمكن أن يقرأ على المعلوم من أحد البابين أي لم تحمل من تروي له على روايته، أو على بناء المجرد أي تركك حديثاً لم تكن راوياً له على حاله فلا ترويه خير من روايتك حديثاً لم تحصه، والإحصاء لغة العد، ولما كان عد الشيء يلزمه الاطلاع على واحد واحد مما فيه، استعمل في الاطلاع على جميع ما في شيء والإحاطة العلمية التامة بما فيه فإحصاء الحديث عبارة عن العلم بجميع أحواله متنا وسنداً وانتهاء إلى المأخذ الشرعي، وقوله: حديثاً لم تحصه، إظهار في موضع الإضمار، لكثرة الاعتناء بشأنه لأنّه عبارة أخرى عن معنى قوله: حديثاً لم تروه.

١٦٨

١٠ - محمد، عن أحمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن حمزة بن الطيار أنه عرض على أبي عبد اللهعليه‌السلام بعض خطب أبيه حتّى إذا بلغ موضعاً منها قال له كف واسكت ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمّة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحقّ قال الله تعالى( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) .

١١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول وجدت علم الناس كله في أربع أولها

________________________________________________________

الحديث العاشر: حسن أو موثق.

قولهعليه‌السلام كف واسكت: الأمر بالكف عند بلوغ ذلك الموضع إمّا لأنّ من عرض الخطبة فسر هذا الموضع برأيه وأخطأ أو لأنّه كان في هذا الموضع غموض ولم يتثبت عنده القاري، ولم يطلب تفسيره منهعليه‌السلام ، أو لأنّهعليه‌السلام أراد إنشاء ما أفاد وبيان ما أراد لشدة الاهتمام به، فأمره بالكف، ويحتمل أن يكون شرحا وبيانا لهذا الموضع من الخطبة، والقصد استقامة الطريق أو الوسط بين الطرفين وهو العدل والطريق المستقيم ويحتمل على بعد أن يكون المراد بالقصد مقصود القائل.

قولهعليه‌السلام ويجلوا: أي يذهبوا عنكم فيه العمى أي عمى القلب، والجهالة والضلالة.

الحديث الحادي عشر: ضعيف.

قولهعليه‌السلام في أربع: أي ما يحتاج الناس إلى معرفته من العلوم منحصر في أربع، وتأنيث الأربع باعتبار المعرفة المفهومة من قولهعليه‌السلام : أن تعرف في المواضع الآتية، وتذكير الأول وأخواتها باعتبار العلم، أو المراد أوّل أقسامها. أولها: أن تعرف ربك، بوجوده وصفاته الكمالية الذاتية والفعلية بحسب طاقتك، وثانيها: معرفتك بما صنع بك من إعطاء العقل والحواس والقدرة، واللطف بإرسال الرسل وإنزال الكتب

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٧.

١٦٩

أن تعرف ربك والثاني أن تعرف ما صنع بك والثالث أن تعرف ما أراد منك والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك.

١٢ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما حق الله على خلقه فقال أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عمّا لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه.

١٣ - محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن محمّد بن مروان العجلي، عن علي بن حنظلة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا.

________________________________________________________

وسائر نعمه العظام، وثالثها: معرفتك بما أراد منك وطلب فعله، أو الكف عنه وبما أراد من طريق معرفته وأخذه من مأخذه المعلومة بالعقل والنقل، ورابعها: أن تعرف ما يخرجك من دينك كاتباع أئمّة الضلال، والأخذ من غير المأخذ، وإنكار ضروري الدين، ويدخل في هذا القسم معرفة سائر أصول الدين سوى معرفة الله تعالى فإنها من ضروريات الدين، والإعدام إنما تعرف بملكاتها، وإن أمكن إدخالها في الأول لأنها من توابع معرفة الله وشرائطه، ولذا وصف تاركها في الآيات والأخبار بالمشرك، فعلى هذا يمكن أن يكون المراد بالرابع المعاصي، ويكون الثالث مقصوراً على الطاعات.

الحديث الثاني عشر حسن.

قولهعليه‌السلام أن تقولوا: يمكن تعميم القول بحيث يشمل اللساني والقلبي، « فقد أدوا إلى الله حقه » اللازم عليهم في بيان العلم وتعليمه، ومنهم من عمم وقال: لأنّه إذا قال ما علمه قولا يدل على إقراره ولا يكذبه بفعله وكف عمّا لا يعلمه هداه الله إلى علم ما بعده، وهكذا حتّى يؤدي إلى أداء حقوقه.

الحديث الثالث عشر ضعيف.

قولهعليه‌السلام على قدر رواياتهم(١) عنا: أي كيفا أو كما أو الأعم منهما وهو أظهر

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « روايتهم ».

١٧٠

١٤ - الحسين بن الحسن، عن محمّد بن زكريا الغلابي، عن ابن عائشة البصري رفعه أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال في بعض خطبه أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه الناس

________________________________________________________

وهذا طريق إلى معرفة الرجال غير ما ذكره أرباب الرجال، وهو أقوى وأنفع في هذا الباب فإن بعض الرواة نرى أخبارهم مضبوطة ليس فيها تشويش كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما وبعضهم ليسوا كذلك كعمار الساباطي، وكذا نرى بعض الأصحاب أخبارهم خالية عن التقية كعلي بن جعفر، وبعضهم أكثرها محمولة على التقية كالسكوني وأضرابه، وكذا نرى بعض الأصحاب رووا مطالب عالية ومسائل غامضة وأسرار كثيرة كهشام بن الحكم ومفضل بن عمر، ولم نر في أخبار غيرهم ذلك، وبعضهم رووا أخباراً كثيرة، وذلك يدل على شدة اعتنائهم بأمور الدين، وبعضهم ليسوا كذلك وكل ذلك من مرجحات الرواة ويظهر الجميع بالتتبع التام فيها.

الحديث الرابع عشر مرسل والغلابي بالغين المعجمة والباء الموحدة، نسبة إلى غلاب لأنّه كان مولى بني غلاب وهم قبيلة بالبصرة.

قولهعليه‌السلام من انزعج: قال الجوهري أزعجه أي أقلعه من مكانه فانزعج « انتهى » أي أن العاقل لا يضطرب ولا ينقلع من مكانه بسبب سماع قول الزور والكذب والبهتان فيه، لأنّه لا يضره بل ينفعه والحكيم لا يرضى بثناء الجاهل بحاله، ومعائبه عليه، لأنّه لا ينفعه بل يضره، وقيل: لأنّ الحكيم عارف بأسباب الأشياء ومسبباتها، وأن التخالف يوجب التنافر، وأن الجاهل لا يميل إلا إلى مشاكلة فلا يثني إلا على الجاهل، أو من يعتقد جهله أو مناسبته له، أو يستهزئ به باعتقاده أو من يريد أن يخدعه، والحكيم لا يرضى بشيء من ذلك، ويمكن تفسيره بوجه آخر وهو أنه لما كان الجاهل عاجزا عن حق إدراك العلم والحكمة والصفات الكمالية الّتي يتصف الحكيم بها بل كلّ ما يتصوره من تلك الكمالات، فإنما يتصوره على وجه هو في الواقع منقصة، فثناؤه عليه إنما هو بالمعاني المذمومة الّتي تصورها من تلك الكمالات، فبالحقيقة مدحه

١٧١

أبناء ما يحسنون وقدر كلّ امرئ ما يحسن فتكلموا في العلم تبين أقداركم.

١٥ - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن سليمان قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى وهو يقول إنّ الحسن البصري يزعم أن الّذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال أبو جعفرعليه‌السلام فهلك إذن مؤمن آل فرعون

________________________________________________________

ذم وثناؤه هجاء، فلذا قال العارفون بجنابة سبحانه: لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك فإنهم لا يقصدون من الأسماء الّتي يطلقونه عليه تعالى ما فهموه منها، بل يقصدون المعاني الّتي أراده تعالى وهم عاجزون عن فهمها.

قولهعليه‌السلام أبناء ما يحسنون: من الإحسان بمعنى العلم، يقال أحسن الشيء أي تعلمه فعلمه حسنا، وقيل: ما يحسنون أي ما يأتون به حسنا من العلم والعمل والأول أظهر، والمعنى أنه ليس شرف المرء وافتخاره بأبيه وأمه بل بعلمه، أو المراد أنهم إن كانوا يعلمون علم الآخرة فهم أبناء الآخرة، وإن كانوا يعلمون علم الدنيا فهم أبناؤها، أو المراد أنه كما أن نظام حال الابن وصلاحه بالأب كذا نظام حال الناس وصلاحهم بما يعلمونه، وقولهعليه‌السلام : وقدر كلّ امرء ما يحسن، أي مرتبته في العز والشرف بقدر ما يعلمه.

الحديث الخامس عشر ضعيف.

قولهعليه‌السلام فهلك أذن: أي إن كان الكتمان مذموما يكون مؤمن آل فرعون هالكاً حيث قال تعالى فيه( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ) (١) ولما كان غرض الحسن إظهار أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن عنده علم سوى ما في أيدي الناس وتكذيبهمعليهم‌السلام فيما يدعون أن عندهم من علوم النبي وإسراره ما ليس في أيدي الناس، وأنهم يظهرون من ذلك ما يشاءون ويكتمون ما يشاءون للتقية وغيرها من المصالح، أبطلعليه‌السلام قوله بأن الكتمان عند التقية أو الحكمة المقتضية له طريقة مستمرة من

__________________

(١) سورة غافر: ٢٨.

١٧٢

ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحاعليه‌السلام فليذهب الحسن يمينا وشمالاً فو الله ما يوجد العلم إلا هاهنا.

باب رواية الكتب والحديث

وفضل الكتابة والتمسك بالكتب

١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قول الله جل ثناؤه -( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (١) قال هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا ينقص منه.

________________________________________________________

زمن نوحعليه‌السلام إلى الآن، فليذهب الحسن الّذي يزعم انحصار العلم فيما في أيدي الناس يمينا وشمالاً أي إلى كلّ جهة وجانب ليطلبه من الناس، فإنه لا يوجد عندهم أكثر المعارف والشرائع.

قولهعليه‌السلام إلا هيهنا، لعله أشار إلى صدره الشريف أو إلى مكانه المنيف أو إلى بيت النبوة والخلافة.

باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب

الحديث الأول موثق.

قولهعليه‌السلام فيحدث به كما سمعه، لعلهعليه‌السلام جعل الأحسن مكان المفعول المطلق والضمير راجع إلى الأتباع كما أومأنا إليه في حديث هشام، فالمعنى أن أحسن الاتباع أن يرويه كما سمعه بلا زيادة ونقصان ويومئ إلى جواز النقل بالمعنى بمقتضى صيغة التفضيل، وعلى ما ذكرنا سابقاً من التفسير المشهور يكون تفسير المعنى الاتباع أي اتباع الأحسن لا يكون إلا بأن يتبعه قولا وفعلا من غير زيادة ونقص، ويؤيد الأخير قوله تعالى( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) سورة الزمر: ١٨.

(٢) سورة الزمر: ٥٥.

١٧٣

٢ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص قال إن كنت تريد معانيه فلا بأس.

________________________________________________________

الحديث الثاني صحيح.

قولهعليه‌السلام إن كنت تريد معانيه: أي إن كنت تقصد حفظ معانيه فلا تختل بالزيادة والنقصان، فلا بأس بأن تزيد وتنقص في العبارة، وقيل: إن كنت تقصد وتطلب بالزيادة والنقصان إفادة معانيه فلا بأس، وعلى التقديرين يدل على جواز نقل الحديث بالمعنى، وتفصيل القول في ذلك أنه إذا لم يكن المحدث عالماً بحقائق الألفاظ ومجازاتها ومنطوقها ومفهومها ومقاصدها لم تجز له الرواية، وأمّا إذا كان ألما بذلك فقد قال طائفة من العلماء لا تجوز إلا باللفظ أيضا، وجوز بعضهم في غير حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط، قال: لأنّه أفسح من نطق بالضاد، وفي تراكيبه أسرار ودقائق لا يوقف عليها إلا بها كما هي، لأنّ لكل تركيب معنى بحسب الوصل والفصل والتقديم والتأخير وغير ذلك لو لم يراع ذلك لذهبت مقاصدها، بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة كالتخصيص والاهتمام وغيرهما، وكذا الألفاظ المشتركة والمترادفة، ولو وضع كلّ موضع الآخر لفات المعنى المقصود، ومن ثمّ قال النبي صلى الله وعليه وآله نصر الله عبداً سمع مقالتي وحفظها ووهاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وكفى هذا الحديث شاهداً بصدق ذلك، وأكثر الأصحاب جوزوا ذلك مطلقاً مع حصول الشرائط المذكورة، وقالوا: كلما ذكرتم خارج عن موضوع البحث لأنا إنما جوزنا لمن يفهم الألفاظ، ويعرف خواصها ومقاصدها، ويعلم عدم اختلال المراد بها فيما أداه، وقد ذهب جمهور السلف والخلف من الطوائف كلها، إلى جواز الرواية بالمعنى إذا قطع بأداء المعنى بعينه، لأنّه من المعلوم أن الصحابة وأصحاب الأئمّةعليه‌السلام لم يكونوا يكتبون الأحاديث

١٧٤

٣ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن ابن سنان، عن داود بن فرقد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إني أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء قال فتعمد ذلك قلت لا فقال تريد المعاني قلت نعم قال فلا بأس.

________________________________________________________

عند سماعها، ويبعد بل يستحيل عادة حفظهم جميع الألفاظ على ما هي عليه، وقد سمعوها مرة واحدة خصوصاً في الأحاديث الطويلة مع تطاول الأزمنة، ولهذا كثيراً ما يروى عنهم المعنى الواحد بألفاظ مختلفة، ولم ينكر ذلك عليهم، ولا يبقى لمن تتبع الأخبار في هذا شبهة، نعم لا مرية في أن روايته بلفظه أولى على كلّ حال، لا سيما في هذه الأزمان لبعد العهد وفوت القرائن وتغير المصطلحات، وبالغ بعضهم فقال: لا يجوز تغيير « قال النبي » إلى « قال رسول الله » ولا عكسه وهو عنت بين بغير ثمرة، وقال بعض الأفاضل: نقل المعنى إنما جوزوه في غير المصنفات، أمّا المصنفات فقد قال أكثر الأصحاب لا يجوز حكايتها ونقلها بالمعنى، ولا تغيير شيء منها على ما هو المتعارف وهو أحوط.

الحديث الثالث ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام فتعمد ذلك: بالتائين وفي بعض النسخ بحذف إحداهما للتخفيف والتعمد القصد يقال تعمدت الشيء أي قصدته، يعني أتتعمد ترك حفظ الألفاظ وعدم المبالاة بضبطها، أو أنت نسي يقع ذلك منك بغير تقصير، أو المعنى أفتقصد وتريد أن ترويه كيف ما يجيء زائداً على إفادة المعنى المقصود أو ناقصاً عنه « قال: تريد المعاني » أي أتريد رواية المعاني ونقلها بألفاظ غير مسموعة وعبارات مفيدة من غير زيادة ونقصان فيها، ويمكن أن يقال: لما كان قول السائل يحتمل وجهين أحدهما عدم المجيء أصلاً، والآخر عدمه بسهولة استفهمعليه‌السلام وقال: أفتقصد عدم المجيء وتريده عمداً وتترك اللفظ المسموع لأجل الصعوبة فأجاب السائل بأن المراد الأمر الأول، وما في بعض النسخ من قوله: فتعمد بالتاء الواحدة قيل: يجوز أن يكون من المجرد يقال: عمدت الشيء فانعمد، أي أقمته بعماد معتمد عليه، أو من باب الأفعال يقال أعمدته أي جعلت تحته عماداً، والمعنى في الصورتين أفتضم إليه شيئاً من عندك تقيمه وتصلحه به، كما يقام الشيء بعماد يعتمد عليه.

١٧٥

٤ - وعنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك قال سواء إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلي وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام لجميل ما سمعت مني فاروه عن أبي.

٥ - وعنه، عن أحمد بن محمّد ومحمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن عبد الله

________________________________________________________

الحديث الرابع ضعيف.

قوله: وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام أمّا كلام أبي بصير أو خبر آخر مرسل.

قولهعليه‌السلام : سواء: لأنّ علومهم كلهم من معدن واحد، بل كلهم من نور واحد، كما سيأتي، وأمّا أحبية الرواية عن الأب فلعله للتقية، فإن ذلك أبعد من الشهرة والإنكار، وأيضا فإن قول الماضي أقرب إلى القبول من قول الشاهد عند الجماهير، لأنّه أبعد من أن يحسد ويبغض، وقيل فيه وجه آخر، وهو أن علو السند وقرب الإسناد من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما له رجحان عند الناس في قبول الرواية، خصوصاً فيما يختلف فيه الأحكام، وفيه وجه آخر وهو أن من الواقفية من توقف على الأب فلا يكون قول الابن حجة عليه فيما يناقض رأيه، بخلاف العكس إذ القائل بإمامة الابن قائل بإمامة الأب من دون العكس كليا، ووجه رابع أيضاً وهو التحرز عن إيهام الكذب فيما إذا سمع من الأب من سماعه بخصوصه من الابن، وذلك لأنّ كلّ مقول لأبي عبد اللهعليه‌السلام مقول لأبيه لفظا، فهو مسموع من أبيه ولو بالواسطة بخلاف العكس، لأنّه يجوز عدم تلفظه ببعض ما سمعه من أبيه بعد، وإن كان موافقاً لعلمه واعتقاده، قيل: ويحتمل تعلّقه بالأخيرة فقط، أي رواية المسموع من أبي عنه أحب إلى من روايته عني للوجوه المذكورة لا سيما الرابع، وقوله: ترويه مبتدأ بتقدير أن كقولك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.

الحديث الخامس صحيح، ويدل على جواز تحمل الحديث بالإجازة وحمل الأصحاب قراءة الأحاديث الثلاثة على الاستحباب، والأحوط العمل به، ولنذكر ما به

١٧٦

ابن سنان قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم فأضجر

________________________________________________________

يتحقق تحمل الرواية والطرق الّتي تجوز بها رواية الأخبار.

اعلم أن لأخذ الحديث طرقاً أعلاها سماع الراوي لفظ الشيخ، أو إسماع الراوي لفظه إياه بقراءة الحديث عليه، ويدخل فيه سماعه مع قراءة غيره على الشيخ، ويسمى الأول بالإملاء والثاني بالعرض، وقد يقيد الإملاء بما إذا كتب الراوي ما يسمع من شيخه، وفي ترجيح أحدهما على الآخر والتسوية بينهما أوجه، ومما يستدل به على ترجيح السماع من الشيخ على إسماعه هذا الخبر، فلو لا ترجيح قراءة الشيخ على قراءة الراوي لأمره بترك القراءة عند التضجر، وقراءة الراوي مع سماعه إياه، ولا خلاف في أنه يجوز للسامع أن يقول في الأول حدثنا وأنبأنا، وسمعته يقول، وقال لنا، وذكر لنا، هذا كان في الصدر الأول ثمّ شاع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ، وأنبأنا ونبأنا بالإجازة، وفي الثاني مشهور جواز قول أخبرني وحدثني مقيدين بالقراءة على الشيخ، وما ينقل عن السيد ممّن منعه مقيداً أيضاً بعيد، واختلف في الإطلاق فجوزه بعضهم ومنعه آخرون، وفصل ثالث فجوز أخبرني ومنع حدثني، واستند إلى أن الشائع في استعمال أخبرني هو قراءته على الشيخ، وفي استعمال حدثني هو سماعه عنه، وفي كون الشياع دليلاً على المنع من غير شائع نظر.

ثم إن صيغة حدثني وشبهها فيما يكون الراوي متفرداً في المجلس، وحدثنا وأخبرنا فيما يكون مجتمعاً مع غيره، فهذان قسمان من أقسامها، وبعدهما الإجازة، سواء كان معينا لمعين كإجازة الكافي لشخص معين أو معينا لغير معين كإجازته لكل أحد، أو غير معين لمعين كأجزتك مسموعاتي أو غير معين كأجزت كلّ أحد مسموعاتي، كما حكي عن بعض أصحابنا أنه أجاز على هذا الوجه، وفي إجازة المعدوم نظر إلا مع عطفه على الموجود، وأمّا غير المميز كالأطفال الصغيرة فالمشهور الجواز، وفي جواز إجازة المجاز وجهان للأصحاب، والأصح الجواز وأفضل

١٧٧

ولا أقوى قال فاقرأ عليهم من أوله حديثاً ومن وسطه حديثاً ومن آخره حديثا

________________________________________________________

أقسامها ما كانت على وفق هذه الصحيحة بأن يقرأ عليه من أو له حديثاً ومن وسطه حديثاً ومن آخره حديثا، ثمّ يجيزه، بل الأولى الاقتصار عليه، ويحتمل أن يكون المراد بالأول والأوسط والآخر الحقيقي منها أو الأعم منه ومن الإضافي، والثاني أظهر وإن كان رعاية الأول أحوط وأولى، وبعدها المناولة وهي مقرونة بالإجازة وغير مقرونة، والأولى هي أن يناوله كتاباً ويقول هذا روايتي فاروه عني أو شبهه، والثانية أن يناوله إياه ويقول هذا سماعي ويقتصر عليه، وفي جواز الرواية بالثاني قولان، والأظهر الجواز لما سيأتي من خبر الحلال، وهل يجوز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة والمناولة؟ قولان، وأمّا مع التقييد بمثل قولنا إجازة ومناولة فالأصح جوازه واصطلح بعضهم على قولنا أنبأنا وبعدها المكاتبة وهي أن يكتب مسموعة لغائب بخطه ويقرنه بالإجازة أو يعريه عنها، والكلام فيه كالكلام في المناولة، والظاهر عدم الفرق بين الكتابة التفصيلية والإجمالية كان يكتب الشيخ مشيراً إلى مجموع محدود إشارة يأمن معها اللبس والاشتباه: هذا مسموعي ومرويي فاروه عني.

والحق أنه مع العلم بالخط والمقصود بالقرائن لا فرق يعتد به بينه وبين سائر الأقسام ككتابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كسرى وقيصر مع أنها كانت حجة عليهم، وكتابة أئمتناعليه‌السلام الأحكام إلى أصحابهم في الأعصار المتطاولة، والظاهر أنه يكفي الظن الغالب أيضاً في ذلك وبعدها الإعلام وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه، وفي جواز الرواية به قولان، والأظهر الجواز لما سيأتي في خبر الحلال وابن أبي خالد، ويقرب منه الوصية وهي أن يوصي عند سفره أو موته بكتاب يرويه فلان بعد موته، وقد جوز بعض السلف للموصى له روايته ويدل عليه خبر ابن أبي خالد

والثامن: الوجادة وهي أن يقف الإنسان على أحاديث بخط راويها أو في كتابه المروي له معاصراً كان أو لا، فله أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه حدثنا فلان يسوق الإسناد والمتن، وهذا هو الّذي استمر عليه العمل حديثاً وقديماً، وهو من باب

١٧٨

٦ - عنه بإسناده، عن أحمد بن عمر الحلال قال قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول اروه عني يجوز لي أن أرويه عنه قال فقال إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه.

٧ - علي بن إبراهيم، عن أبيه وعن أحمد بن محمّد بن خالد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الّذي حدثكم فإن كان حقاً فلكم وإن كان كذباً فعليه.

٨ - علي بن محمّد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبي أيوب المدني، عن ابن

________________________________________________________

المنقطع، وفيه شوب اتصال ويجوز العمل به وروايته عند كثير من المحققين عند حصول الثقة بأنه خط المذكور أو روايته وإلا قال بلغني عنه أو وجدت في كتاب أخبرني فلان أنه خط فلان أو روايته، أو أظن أنه خطه أو روايته لوجود آثار روايته له بالبلاغ ونحوه، يدل على جواز العمل بها خبر ابن أبي خالد، وربما يلحق بهذا القسم ما إذا وجد كتاباً بتصحيح الشيخ وضبطه، والأظهر جواز العمل بالكتب المشهورة المعروفة الّتي يعلم انتسابها إلى مؤلفيها، كالكتب الأربعة، وسائر الكتب المشهورة، وإن كان الأحوط تصحيح الإجازة والإسناد في جميعها.

الحديث السادس مرسل.

قولهعليه‌السلام فاروه عنه: أي إعطاء الكتاب لمن يعلم أنه من مروياته كاف في الرواية أو المراد أن العلم بأن الكتاب له ومن مروياته كاف للرواية عنه، سواء أعطي الكتاب أم لا.

الحديث السابع ضعيف على المشهور ويدل على مطلوبية ترك الإرسال بل لزومه.

وقولهعليه‌السلام إذا حدثتم: يحتمل أن يكون على بناء المعلوم أو المجهول، ولا يبعد تعميم الحديث بحيث يشمل أخبار الناس أيضا.

الحديث الثامن مجهول.

١٧٩

أبي عمير، عن حسين الأحمسي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال القلب يتكل على الكتابة.

٩ - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتّى تكتبوا.

١٠ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها.

١١ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن بعض أصحابه، عن أبي سعيد الخيبري، عن المفضل بن عمر قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام اكتب وبث علمك في إخوانك فإن مت فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام يتكل على الكتابة: الاتكال الاعتماد، أي إذا كتبتم ما سمعتم اطمأنت نفوسكم لتمكنكم من الرجوع إلى الكتاب إذا نسيتم، وفيه حث على كتابة الحديث، ويحتمل أن يكون المراد الترغيب على الحفظ بدون الكتابة، فإن مع الكتابة يتكل القلب عليه، ولا يسعى في حفظ الحديث والأول أظهر.

الحديث التاسع ضعيف على المشهور ويؤيد المعنى الأول للخبر السابق.

الحديث العاشر موثق كالصحيح.

قولهعليه‌السلام فإنكم سوف تحتاجون إليها: أي في زمان غيبة الإمام أو الأعم منه ومن زمان بعض الأئمّة المستورين عن أكثر شيعتهم لخوف المخالفين.

الحديث الحادي عشر ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام فأورث كتبك: أي اجعلها بحيث يصل إليهم بعدك، ويبقى في أيديهم أو علمهم علمها وحملهم روايتها، والهرج: الفتنة والاختلاف، وهو زمان الغيبة فإنه يكثر فيه الفتنة، واختلاط الحقّ بالباطل، ويدل على جواز الرجوع إلى الكتب في ذلك الزمان.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391