نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 299643 / تحميل: 7047
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبداً

تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا

وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .

وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .

والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.

١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » .

وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.

(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.

١٦١

الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟

الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟

الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،

ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:

« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .

وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .

وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .

وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.

(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.

(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.

١٦٢

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .

فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».

وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .

____________________

(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.

(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

١٦٣

أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.

١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين ».

وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.

على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.

١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم

وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .

وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.

على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.

____________________

(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.

١٦٤

ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!

وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».

على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».

فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.

* * *

١٦٥

١٦٦

وجوه بطلان شبهة

إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية

وشبهات أخرى

١٦٧

١٦٨

قوله:

« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية

إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .

٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟

إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.

١٦٩

لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟

٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير

إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.

إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى:( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .

لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.

وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٧٠

حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.

٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي

ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:

« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

١٧١

و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [عليه‌السلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.

وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .

٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي

ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.

قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

١٧٢

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.

قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.

١٧٣

شبهات أخرى

هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:

١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى

فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:

الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟

والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف

١٧٤

الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».

ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .

فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!

الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .

الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».

فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).

الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب

____________________

(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.

١٧٥

واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».

فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.

السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .

السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.

الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.

ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».

وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.

قال: « مرسلاً غير مسند ».

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.

١٧٦

ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.

قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».

ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.

وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».

ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:

وعدت عواد دون وليك تشعب.

وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».

أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون

١٧٧

« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.

٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق

ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:

إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:

الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.

الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول عليعليه‌السلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّرهعليه‌السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قالعليه‌السلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيهعليه‌السلام شر. ومثل قوله تعالى( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في

١٧٨

التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .

الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:

الأول: ما روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .

٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم

ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».

وجوه دفعها

وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:

____________________

(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.

١٧٩

الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.

الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:

« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه:( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .

الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد

____________________

(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.

١٨٠

بالرحمة هنا المطر »(١) .

الرابع: إنّ تأنيث النار ليس تأنيثاً حقيقياً، وتأنيث المؤنث غير الحقيقي ليس بلازم، كما نصّ عليه الرازي نفسه، إذ قال بتفسير قوله تعالى:( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ) « المسألة الثانية: لقائل أن يقول: الجمع مؤنث، فكان ينبغي أن يقال: يحرّفون الكلم عن مواضعها. والجواب: قال الواحدي: هذا جمع حروفه أقل من حروف واحده، وكل جمع يكون كذلك فإنه يجوز تذكيره. ويمكن أن يقال: كون الجمع مؤنثاً ليس أمراً حقيقياً، بل هو أمر لفظي، فكان التذكير والتأنيث فيه جائزاً »(٢) .

وقال بتفسير( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) « المسألة الرابعة: - لقائل أن يقول: مقتضى علم الإِعراب أن يقال: إن رحمة الله قريبة من المحسنين فما السبب في حذف علامة التأنيث؟ وذكروا في الجواب عنه وجوهاً « الأول »: إن الرحمة تأنيثها ليس بحقيقي، وما كان كذلك فإنه يجوز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة. « الثاني » قال الزجاج: إنما قال قريب لأن الرحمة والغفران والعفو والانعام بمعنى واحد، فقوله: إن رحمة الله قريب بمعنى إنعام الله قريب وثواب الله قريب، فأجري حكم أحد اللفظين على الآخر. « الثالث » قال النضر بن شميل: الرحمة مصدر، ومن حق المصادر التذكير كقوله:( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ ) . وهذا راجع إلى قول الزجاج، لأن الموعظة أريد بها الوعظ فلذلك ذكره. قال الشاعر: « ان السماحة والمروة ضمنا » قيل: المراد بالسماحة السخاء، وبالمروة الكرم »(٣) .

وأمّا قول الرازي: « لأن اسم المكان إذا وقع خبرا لم يؤنث » فهو في نفسه

____________________

(١). الأشباه والنظائر ١ / ١٨٥.

(٢). تفسير الرازي ١٠ / ١١٧.

(٣). تفسير الرازي ١٤ / ١٣٦.

١٨١

كلام صحيح، لكنه يتنافى مع ما تقدم منه من الحكم بكون استواء التذكير والتأنيث من خصائص أفعل التفضيل، فما ذكره هنا اعتراف ببطلان دعواه الاختصاص المذكور.

وأما قوله: « وقال صاحب الكشاف على جهة التقريب » فإن أراد من قوله « على جهة التقريب » تقريب الزمخشري المعنى المقصود إلى الأفهام فلا عائبة فيه ولا يخالف المقصود ولا ينافيه، وإن أراد نفي أن يكون ذلك المعنى هو المراد حقيقة فيكذّبه قول صاحب الكشاف الذي نقله الرازي أيضا وهو: « حقيقته محراكم » فإنه يدل دلالة صريحة على أن ما ذكره على طريقة الحقيقة التي هي بالاذعان والتصديق حقيقة.

وما ذكره الزمخشري من احتمال كون معنى « المولى » هو « الناصر » لا يضعّف استدلالنا، لأنّا ندّعي جواز إرادة « الأولى » من « المولى » ومجيئه بهذا المعنى ولا ننفي أن يكون بمعنى آخر، وتجويز كون « المولى » هنا بمعنى « الناصر » لا ينفي جواز مجيئه بمعنى « الأولى » كما هو واضح.

وأما قول الرازي: « وعن الحسن البصري: « هي مولاكم » أي أنتم توليتموها في الدنيا » فلا يصادم مطلوبنا، بل إن مجيء « المولى » بمعنى « المتولي » أيضاً يفيد المطلوب.

كما أن ما ذكره بقوله: « وقيل أيضا: المولى يكون بمعنى العاقبة » لا ينافي المطلوب واستدلالنا بالآية الكريمة.

٤ - شبهة الرازي حول بيت لبيد

وقال الرازي: « وأما بيت لبيد، فقد حكي عن الأصمعي فيه قولان أحدهما: إن المولى فيه اسم لموضع الولي كما بيّنّا، أي كلا من الجانبين موضع المخافة، وإنما جاء مفتوح العين تغليباً لحكم اللام على الفاعل، على أن الفتح في المعتل الفاء قد جاء كثيراً، منه: موهب وموحد وموضع وموحل. والكسر في المعتل

١٨٢

اللّام لم يسمع إلّا في كلمة واحدة وهي مأوى.

الثاني: إنه أراد بالمخافة الكلاب، وبمولاها صاحبها ».

وجوه دفعها

وما ذكره حول بيت لبيد المستشهد به على مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » يندفع بوجوه:

الأول: إن حكاية القولين المذكورين عن الأصمعي في بيت لبيد لا ينافي الاستشهاد به على المطلوب المذكور، لأن أبا عبيدة قد استشهد به على ذلك، وهو أفضل من الأصمعي بلا كلام، وقد اعترف بذلك الأصمعي نفسه كما تقدّم.

الثاني: إنّه قد استشهد بهذا البيت - بالاضافة إلى أبي عبيدة - جماعة من كبار الأئمة، كالزجاج والأخفش والرماني كما ذكر الرازي نفسه ذلك، كما أن ثعلب فسر « المولى » فيه بـ « الأولى » كما صرح به الزوزني في شرح المعلّقات، ولا ريب في تقدم ما ذكره هؤلاء الأئمة على ما تفرّد به الأصمعي.

الثالث: لقد علمت سابقاً تفسير الجوهري والثعلبي وعمر القزويني والخفاجي وغيرهم « المولى » في هذا البيت بـ « الأولى »، وقد نص بعضهم على أن الوجوه الأخرى المذكورة له لا تخلو من الضعف.

الرابع: أن نقول: إما أن القولين المحكيين عن الأصمعي ينافيان تفسير أبي عبيدة وإمّا لا، فإنْ كانا ينافيان تفسيره كان بين قولي الأصمعي تناف أيضاً، بخلاف تفسير أبي عبيدة والزّجاج والأخفش والرماني وثعلب وغيرهم، إذْ لم يحك عنهم في البيت ما ينافي هذا التفسير، وإنْ لم يكن بين القولين والتفسير تناف وتعارض ولا فيما بين القولين أنفسهما، بل يمكن الجمع بين الجميع بنحو من الأنحاء كان ذكر القولين في مقابلة تفسير الأئمة عبثاً.

الخامس: لقد قدح الرازي في كتابه ( المحصول ) - كما نقل عنه السيوطي - في الأصمعي، وأسقطه عن الاعتبار في نقل اللغة في الكتاب المذكور، وهذا نص

١٨٣

كلامه: « وأيضاً فالأصمعي كان منسوباً إلى الخلاعة ومشهوراً بأنه كان يزيد في اللغة ما لم يكن منها ».

وأما قول الرازي: « والكسر في المعتل اللام لم يسمع إلّا في كلمة واحدة وهي مأوى » فكلام أجرأه الحق على لسانه، لأنه يبطل ما تقدّم منه من إنكاره مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » بسبب عدم مجيء « المفعل » في المواد الأخرى بمعنى « الأفعل ».

٥ - شبهات حول الشواهد الأخرى

لم يكن الشاهد على مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » منحصراً بتفسير أبي عبيدة وغيره للآية الكريمة، وببيت لبيد العامري، بل هناك شواهد أخرى على مجيء « المولى » من الكتاب والسنة وأشعار العرب، وقد ذكرها الرازي مع شبهات له حولها وتأويلات ومحامل لها، حتى تكون أجنبية عن مورد الاستدلال والاستشهاد، ونحن ننقل نصّ كلامه ثم نتبعه بدفع شبهاته:

قال الرازي: « وأما قوله تعالى:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ) معناه: ورّاثاً يلون ما تركه الوالدان. وقال السدي في قوله:( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) أي العصبة، وقيل: بني العم، لأنهم الذي يلونه في النسب وعليه قول الحارث:

زعموا أن من ضرب العسير

موال لنا وإنا الولاء

وقال أبو عمرو: الموالي في هذا الموضع بنو العم.

وأما قول الأخطل:

فأصبحت مولاها من الناس بعده.

وقوله:

لم تأشروا فيه إذ كنتم مواليه.

١٨٤

وقوله:

موالي حق يطلبون به.

فالمراد بها الأولياء.

ومثله قولهعليه‌السلام : مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي لله ورسوله.

وقولهعليه‌السلام : أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها. فالرواية المشهورة مفسرة له.

وقوله:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: وليهم وناصرهم( وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) أي: لا ناصر لهم. هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين.

فقد تلخص مما قلنا: إن لفظة المولى غير محتملة للأولى ».

بيان اندفاع هذه الشبهات

وهذه الشبهات لا تبطل استدلال الشيعة واستشهادهم بهذه الشواهد، وقد ذكر الرازي في كلامه أيضاً ما لم يستشهد به الشيعة أصلاً، ونحن نبيّن كل ذلك فنقول:

أمّا تفسير « المولى » في قوله تعالى:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ) بـ « الوارث » فقد علمت آنفاً - من نقل الرازي نفسه - أن أبا علي الجبائي قد فسر « المولى » في الآية بوارث هو أولى به اي بالمتروك، وهذه عبارته: « والمعنى: إن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به. وسمى الله تعالى الوارث المولى » وقد قال الرازي بعد هذا الوجه والوجوه الأخرى المذكورة في الآية المباركة: « وكلّ هذه الوجوه حسنة محتملة »، وقول الرازي هنا: « ورّاثا يلون ما تركه الوالدان » لا ينافي ذلك الوجه، لأن الوارث هم أولى بما تركه مورثوهم.

وأمّا ذكره قوله تعالى:( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) فلا وجه له، لعدم استشهاد الإِمامية بهذه الآية على مجيء « المولى » بمعنى « الأولى ».

ومثله قول الحارث نعم ذكر السيد المرتضى في كتاب ( الشافي في

١٨٥

الامامة ) عن غلام ثعلب في شرح هذا البيت: أن من معاني « المولى » هو « السيد » وإنْ لم يكن مالكاً، وإنه قد فسر « المولى » بـ « الولي ». فالسيد المرتضى طاب ثراه بصدد إثبات أن « السيد » « والولي » من معاني « المولى » ولم يحتج بهذا البيت أصلاً حتى يذكره الرازي في جملة شواهد الامامية على ما يذهبون إليه.

وأمّا حمله « المولى » في قول الأخطل: فأصبحت مولاها

وقوله: لم تأشروا فيه إذ كنتم مواليه.

وقول الشاعر: موالي حق يطلبون به.

على « الأولياء » فلا يضرّ ما نحن بصدده، لأن « الولي » أيضاً بمعنى « الأولى » كما صرح به المبرد. ولفظتا « أصبحت » و « بعده » قرينتان تدلان على أن المراد هو « الأولى بالتصرف».

كما أن الشطر الثاني من البيت - وهو كما في ( الشافي ):

( وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا ) قرينة أخرى على أن المراد من « المولى » هو « الأولى بالتصرف ».

وأمّا قول الشاعر: ( موالي حق يطلبون به ) فشطره الثاني هو: ( فأدركوه وما ملّوا وما تعبوا ) وفيه قرائن على أن المراد من « موالي حق » هم الذين يكونون أولى بحقوقهم.

وأمّا حديث: ( مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله ) فليس مما يستشهد به الامامية، فذكره هنا عبث.

وأمّا حمل « المولى » في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها ) على « الولي » للرواية المشهورة المفسرة له فلا يضر بالاستشهاد به، لأن المراد من « الولي » فيه هو « ولي الأمر » كما قال ابن الأثير: « ومنه الحديث: أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل. وفي رواية وليها. أي متولي أمرها ».

وأمّا ذكره الآية المباركة:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) فلا وجه له، لعدم استشهاد الامامية بها.

١٨٦

فظهر بما ذكرنا بطلان قوله: « فقد تلخص بما قلنا: إن لفظة المولى غير محتملة للأولى ». والحمد لله رب العالمين.

عود إلى كلام الدهلوي

قوله: « يعني النار مقركم ومصيركم والموضع اللائق بكم، لا أن لفظة المولى بمعنى الأولى ».

أقول: عجباً!! إن أبا عبيدة ينص على أن المراد من « المولى » في الآية الكريمة هو « الأولى »، ثم يستشهد لذلك ببيت لبيد، ويصرّح بأن « المولى » فيه هو « الأولى » كذلك، فكيف يقبل من ( الدهلوي ) هذا التحكم والتزوير؟!

ما الدليل على كون الصلة « بالتصرف »؟

قوله: « الثاني: إنْ كان « المولى » بمعنى « الأولى » فجعل صلته « بالتصرف » في أي لغة؟».

أقول: إنْ أراد ( الدهلوي ) عدم جواز جعل « بالتصرف » صلة لـ « الأولى » فهذا توهم فضيح، لأن ثبوت مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » كاف للمطلوب، وجعل « بالتصرف » صلة له هو بحسب القرائن المقامية كما سيجيء إنْ شاء الله تعالى.

على أن صريح كلام التفتازاني والقوشجي - الذي أورده صاحب بحر المذاهب أيضاً - هو شيوع مجيء « المولى » بمعنى « الأولى بالتصرف » في كلام العرب، وأن ذلك منقول عن أئمة اللغة.

بل إن مجيء « المولى » بمعنى « المتصرف في الأمر » و « متولي الأمر » و « ولي الأمر » و « المليك » - كما ظهر لك كلّ ذلك سابقاً - يكفينا لاثبات المرام.

مجمل واقعة الغدير

وإنْ أراد ( الدهلوي ) أنه إنْ كان « المولى » بمعنى « الأولى » فما الدليل على

١٨٧

كون المراد منه في حديث الغدير هو « الأولوية في التصرف »؟

فيظهر جوابه من النظر فيما وقع يوم غدير خم، ومجمله - كما تفيد روايات القوم - أن الله تعالى أوحى إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنْ يبلّغ الناس بأن علياًعليه‌السلام مولاهم، فخشيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تقع الفتنة بين الناس إنْ بلغهم ذلك، فشكى إلى ربه عزّ وجلّ وحدته وقلة أصحابه المخلصين وأن القوم سيكذبونه، فأوحى الله تعالى إليه:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) فنزلصلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم وليس بالموضع اللائق للنزول، وكان يوماً هاجراً جدّاً يستظل الناس فيه بأرديتهم ودوابّهم، ثم أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله فقمّ ما كان هنالك من شوك وصنع له منبر من أقتاب الابل، وكان عدد الحاضرين في ذلك اليوم مائة وعشرين ألف نسمة، وقد علم الجميع بأن هذا آخر اجتماع لهم من هذا القبيل، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوشك أن يدعى إلى ربه، فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، فلما اجتمعوا صعد المنبر وأخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال:

يا أيّها الناس! قد نبأني اللطيف الخبير أنه لن يعمّر نبي إلّا مثل عمر الذي قبله(١) ، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسئول وأنتم مسئولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد. فقال:

أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه. ثم

____________________

(١). هذه الجملة وردت في بعض ألفاظ الحديث عند القوم، وفيها كلام كما لا يخفى.

١٨٨

قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار.

ثم أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتمسك بالثقلين الكتاب والعترة، وذكر أنهما لن يفترقا حتى يردا الحوض.

فلمـّا انتهىصلى‌الله‌عليه‌وآله من خطبته نزلت الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي.

ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وممن هنّأه في مقدّم الصحابة أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والشيخان أبو بكر وعمر، وقال حسان بن ثابت أبياته المعروفة كما ستعرف ذلك كلّه بالتفصيل.

وبعد، فلا أظن أن عاقلاً يحمل هذه الخطبة المقترنة بهذه الأمور، على أمر سوى الامامة العظمى والخلافة الكبرى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وبهذه البحوث التي تراها يتضح لك مدى تعصّب القوم للهوى ومخالفتهم للحق، حتى أنهم قد يلتجأون إلى الكذب والافتراء، ويتذرّعون بالشبهات الواهية ويتفوّهون بما لا طائل تحته، فكأنهم آلوا على أنفسهم جحد الحق وتقوية الباطل مهما كلّف الأمر وستتضح لك تلك الحقيقة أكثر فأكثر من خلال البحوث الآتية إنْ شاء الله تعالى، والله المستعان.

* * *

١٨٩

١٩٠

من وجوه

دلالة حديث الغدير

١٩١

١٩٢

(١)

نزول قوله تعالى

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ

١٩٣

١٩٤

من وجوه دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام نزول قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) في واقعة يوم غدير خم.

ذكر بعض من روى ذلك

وقد روى ذلك جماعة من كبار أئمة أهل السنة، ومشاهير أعيان علمائهم ومنهم:

١ - إبن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي.

٢ - أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي.

٣ - أحمد بن موسى بن مردويه.

٤ - أحمد بن محمد الثعلبي.

٥ - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني.

٦ - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي.

٧ - مسعود بن ناصر السجستاني.

٨ - عبد الله بن عبيد الله الحسكاني.

١٩٥

٩ - ابن عساكر علي بن الحسن الدمشقي.

١٠ - فخر الدين محمد بن عمر الرازي.

١١ - محمد بن طلحة النصيبي الشافعي.

١٢ - عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني.

١٣ - حسن بن محمد النيسابوري.

١٤ - علي بن شهاب الدين الهمداني.

١٥ - علي بن محمد المعروف بابن الصبّاغ المالكي.

١٦ - محمود بن أحمد العيني.

١٧ - عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.

١٨ - محمد محبوب عالم.

١٩ - الحاج عبد الوهاب بن محمد.

٢٠ - جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي.

٢١ - شهاب الدين أحمد.

٢٢ - الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشي.

(١)

رواية ابن أبي حاتم

قال جلال الدين السيوطي: « أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .

____________________

(١). الدر المنثور ٢ / ٢٩٨.

١٩٦

ترجمة ابن أبي حاتم

١ - الذهبي: « عبد الرحمن العلامة الحافظ يكنى أبا محمد، ولد سنة أربعين ومائتين أو إحدى وأربعين. قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب في ترجمة عملها لابن أبي حاتم: كانرحمه‌الله قد كساه الله نوراً وبهاء يسر من نظر إليه وكان بحراً لا تكدره الدلاء. روى عنه: ابن عدي، وحسين ابن علي التميمي، والقاضي يوسف الميانجي، وأبو الشيخ ابن حيان، وأبو أحمد الحاكم، وعلي بن عبد العزيز بن مدرك وخلق سواهم.

قال أبو يعلى الخليلي: أخذ أبو محمد علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار. قال: وكان زاهدا يعدّ من الأبدال.

وقال الرازي المذكور في ترجمة عبد الرحمن: سمعت علي بن محمد المصري - ونحن في جنازة ابن أبي حاتم - يقول: قلنسوة عبد الرحمن من السماء، وما هو بعجب رجل منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة لم ينحرف عن الطريق.

وسمعت علي بن أحمد الفرضي يقول: ما رأيت أحدا ممّن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط.

وسمعت عباس بن أحمد يقول: بلغني أن أبا حاتم قال: ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن؟ لا أعرف لعبد الرحمن ذنبا.

وسمعت عبد الرحمن يقول: لم يدعني أبي أشتغل في الحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان الرازي ثم كتبت الحديث.

قال الخليلي: يقال إن السنّة بالري ختمت بابن أبي حاتم.

قال الامام أبو الوليد الباجي: عبد الرحمن بن أبي حاتم ثقة حافظ »(١) .

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٦٣.

١٩٧

٢ - الذهبي أيضاً: « ابن أبي حاتم الامام الحافظ الناقد، شيخ الاسلام أبو محمد عبد الرحمن ابن الحافظ الكبير أبي حاتم محمد بن إدريس ولد سنة أربعين، وارتحل به أبوه، وأدرك الأسانيد العالية قال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة

قلت: كتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالرتبة المتقنة في الحفظ، وكتابه في التفسير عدة مجلّدات، وله مصنف كبير في الرد على الجهمية يدل على إمامته »(١) .

٣ - جمال الدين الأسنوي: « كان إماماً في التفسير والحديث والحفظ، زاهداً، أخذ عن أبيه وجماعة، وروى الكثير، وصنّف الكتب النفيسة، منها كتاب في مناقب الشافعي. ذكره ابن الصلاح في طبقاته ولم يؤرخ وفاته. توفي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. ذكره الذهبي في العبر »(٢) .

٤ - الأسنوي أيضاً: « كان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال زاهداً يعدّ من الأبدال. أخذ عن جماعة من أصحاب الشافعي، وصنّف في الفقه وغيره كالجرح والتعديل وكتاب العلل ومناقب الشافعي »(٣) .

٥ - ابن قاضي شهبة: « أحد الأئمة في الحديث والتفسير والعبادة والزهد والصلاح، حافظ ابن حافظ، أخذ عن أبيه وأبي زرعة، وصنف الكتب المهمة كالتفسير الجليل المقدار، عامته في أربع مجلّدات عامته آثار مسندة قال يحيى ابن مندة: صنف المصنف في ألف جزء. وتوفي سنة سبع - بتقديم السين - وعشرين وثلاثمائة. قارب التسعين »(٤) .

٦ - جلال الدين السيوطي: « ابن أبي حاتم الامام الحافظ الناقد شيخ

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٤٦.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٤١٦.

(٣). نفس المصدر.

(٤). طبقات الشافعية ١ / ١١٢.

١٩٨

الاسلام أبو محمد قال الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة قال ابن السبكي في الطبقات: حكي أنه لمـّا هدم بعض سور طوس احتيج في بنائه إلى ألف دينار، فقال ابن أبي حاتم لأهل مجلسه الذين كان يلقي إليهم التفسير: من رجل يبني ما هدم من هذا السور وأنا ضامن له عند الله قصراً؟ فقام إليه رجل من العجم فقال: هذه ألف دينار واكتب لي خطّك بالضمان. فكتب له رقعة بذلك وبني ذلك السور.

وقدر موت ذلك الأعجمي، فلمـّا دفن دفنت معه تلك الرقعة، فجاءت ريح فحملتها ووضعتها في حجر ابن أبي حاتم وقد كتب في ظهرها: قد وفينا بما وعدت، ولا تعد إلى ذلك.

مات في محرم سنة ٣٢٧ »(١) .

٧ - البدخشاني: « هو من كبار الحفاظ »(٢) .

التزامه في التفسير بأصح ما ورد

ثم إنّه قد ثبت أن ابن أبي حاتم قد التزم في تفسيره بإخراج أصحّ ما ورد في تفسير كلّ آية، وقد نصّ على ذلك السيوطي في ( اللآلي المصنوعة ) حيث قال بعد حديث: « وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، وقد التزم أن يخرج فيه أصحّ ما ورد، ولم يخرج فيه حديثاً موضوعاً ألبتة ».

وقال في ( الاتقان ) بعد أن ذكر تفسير السدي: « ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئاً لأنه التزم أن يخرج أصح ما ورد »(٣) .

____________________

(١). طبقات الحفاظ: ٣٤٥.

(٢). تراجم الحفاظ - مخطوط.

(٣). الأتقان في علوم القرآن ٢ / ١٨٨.

١٩٩

تنبيه

ذكر سيف الله الملتاني في كتابه الذي سماه ( تنبيه السفيه ) في جواب روايةٍ للكشي من أصحابنا طاب ثراه حول زرارة بن أعين: « وأيضاً، في هذه الرواية أن أبا جعفر خاطب زرارة بقوله: فإنّك والله أحبّ الناس إلي ومن أصحاب أبيعليه‌السلام إليّ حيّاً وميتاً، فإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام إلى آخره. والحال أنه قد روى ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري أنه ما رأى زرارة أبا جعفر ».

أقول: فكيف تكون رواية ابن أبي حاتم هذه حجة - مع أنها عن سفيان الثوري المعلوم حاله - ولا تكون روايته في تفسير تلك الآية الكريمة حجة؟ أفيجوز أن يقال بأن رواية ابن أبي حاتم حجة على الإِمامية في تكذيب رواية لأحد علمائهم، أما روايته في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام فليست بحجة على أهل السنة؟!

(٢)

رواية أبي بكر الشيرازي

روى نزول الآية المذكورة في غدير خم في كتابه ( ما نزل من القرآن في علي ) كما ذكر ابن شهر آشوب طاب ثراه(١) حيث قال في كتاب ( المناقب ) وعنه في ( بحار الأنوار ):

____________________

(١). توجد ترجمته في:

الوافي بالوفيات ٤ / ١٦٤ مع التصريح بكونه صدوق اللهجة.

البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة: ٢٤٠.

بغية الوعاة في تراجم اللغويين والنحاة ١ / ١٨١.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391