نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 299003 / تحميل: 7028
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

لا حدّ له ، ويتصوّر بذاته ، لا يحتاج فى تصوره إلى شىء ، إذ هو أولىّ التصور ، ويعرف بذاته إذ لا سبب له. ويقع على الفعل المحكم ، والفعل المحكم هو أن يكون قد أعطى الشىء جميع ما يحتاج إليه ضرورة فى وجوده وفى حفظ وجوده بحسب الإمكان : إن كان ذلك الإمكان فى مادة فبحسب الاستعداد الذي فيها ، وإن لم يكن فى مادة فبحسب إمكان الأمر فى نفسه كالعقول الفعالة. وبالتفاوت فى الإمكانات تختلف درجات الموجودات فى الكمالات والنقصانات. فإن كان تفاوت الإمكانات فى النوع كان الاختلاف فى النوع ، وإن كان ذلك التفاوت فى إمكانات الأشخاص فاختلاف الكمال والنقصان يكون فى الأشخاص ، فالكمال المطلق يكون حيث الوجوب بلا إمكان والوجود بلا عدم والفعل بلا قوة والحق بلا باطل. ثم كل تال فإنه يكون أنقص من الأول وكل ما سواه فإنه ممكن فى ذاته. ثم الاختلاف من التوالى والأشخاص والأنواع يكون بحسب الاستعداد والإمكان ، فكل واحد من العقول الفعالة أشرف مما يليه. وجميع العقول الفعالة أشرف من الأمور المادية ، ثم السماويات من جملة الماديات أشرف من عالم الطبيعة. ويريد بالأشرف هاهنا ما هو أقدم فى ذاته ولا يصح وجود تاليه إلا بعد وجود متقدمه. وهذا أعنى الإمكانات هى أسباب الشر. فلهذا لا يخلو أمر من الأمور الممكنة من مخالطة الشر ، إذ الشر هو العدم كما أن الخير هو الوجود. وحيث يكون الإمكان أكثر كان الشر أكثر. وكما أنه يعطى كل شىء ما يحتاج إليه فى وجوده وبقائه فكذلك يعطيه ما فوق المحتاج إليه فى ذلك : مثلا أن يعطى الإنسان الحكمة والعلم بالهيئة إذ ليس الإنسان محتاجا فى بقائه ووجوده إلى علم الهيئة. فما لا بد منه فى وجوده هو الكمال الأول ، وذلك الآخر هو الكمال الثاني. فواجب الوجود يعلم كل شىء كما هو بأسبابه ، إذ يعلم كل شىء من ذاته التي هى سبب كل شىء لا من الأشياء التي هى من خارج. فهو بهذا المعنى حكيم وحكمته علمه بذاته ، فهو حكيم فى علمه ، محكم فى فعله. فهو الحكيم المطلق. وواجب الوجود أيضا هو علة كلّ موجود ، قد أعطى كل موجود كمال وجوده وهو ما يحتاج إليه فى وجوده وبقائه ، وزاده أيضا ما لا يحتاج إليه فى هذين. وقد دل القرآن على هذا المعنى حيث يقول : «رَبُّنَا اَلَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ »(1) . فالهداية هى الكمال الذي لا يحتاج إليه فى وجوده وبقائه ، والخلق هو الكمال الذي يحتاج إليه فى وجوده وبقائه.

________________

1) سورة «طه» آية 50

٢١

وأيضا حيث يقول : «اَلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ »(1) . فالحكماء يسمون ما يحتاج إليه الشىء فى وجوده وبقائه الكمال الأول ، وما لا يحتاج إليه فى بقائه هو الكمال الثاني.

وأما الجود فهو إفادة الخير بلا غرض. والإفادة على وجهين : أحدهما معاملة والآخر جود ، فالمعاملة أن يعطى شيئا يأخذ بدله إما عينا وإما ذكرا حسنا وإما فرحا ، وإما دعاء ، وبالجملة ما يكون للمعطى برغبة أو غرض فإنه المعاملة بالحقيقة. وإن كان الجمهور يعرفون المعاملة حيث تكون معاوضة ، ولا يعدّون سواه عوضا ، ولكن العقلاء يعرفون أن كل ما فيه للمعطى رغبة ففيه له فائدة. والجود حيث لا يكون عوض ولا غرض وذلك يكون لمريد وفاعل لا غرض له ، وواجب الوجود فعله وإرادته كذلك. فإذن فعله هو الجود المحض.

الإرادة فينا لا تكون لذاتنا بل خارجة عنا واردة علينا من خارج. وإذا كان كذلك فجميع ما يكون لنا من إرادة ومشيئة وفعل وإدراك عقلى وحركة تكون بالقوة لا بالفعل ، ويحتاج إلى سبب معين مخصّص يخرج أحد الطرفين إلى الفعل ، ويكون سوق ذلك المعين المخصص بالتقديرات ، فتكون جميع أفعالنا بقدر.

نحن إذا أردنا شيئا فإنما تكون لنا تلك الإرادة بعد أن نتصور الشىء الملائم لنا فننفعل عنه أى نلتذ به ، فتنبعث منا إرادة له أو شهوة ، ثم تنبعث منا إرادة أخرى لتحصله فتكون الإرادة واردة علينا من خارج ، ويكون له سبب. وإرادة البارى لا تكون له بسبب لأنه لا ينفعل عن شىء ولا يكون له غرض فى شىء بل يكون السبب فى إرادته ذاته ، ولا يكون فيه إمكان إرادة أو إمكان مشيئة.

الإنسان فطر على أن يستفيد العلم ويدرك الأشياء طبعا من جهة الحواس ثم من جهة الوهم الذي هو نسختها. فأما ما يدركه عقلا فإنه يكون باكتساب لا طبعا. والذي يدركه من جهة الفعل إذا ساعد عليه الوهم فإنه يثق به. فإن عارض فيه لم يكد يخلص له اليقين به وربما يقع له فيه الحيرة والشك لا سيما إذا لم يكن إلفا للعقليات ، وهذه تكون حاله ما دام ممنونا بالوهم. وأما الأوائل التي تحصل له فإنها تكون من الاستقرار وهو تجربة ومن الشهادة. والنفس تعتقد أن كل ما توجبه الشهادة والاستقراء حقّ وقد لا يكون حقا ويكون من الوهميات الكاذبة. والعقول الفعالة لا يكون لها الوهم ، فلا تكون لها الوهميات بتة.

________________

1) سورة «الشعراء» آية 78.

٢٢

الإدراك : إنّما هو للنفس ، وليس إلاّ الإحساس بالشيء المحسوس والانفعال عنه : والدليل على ذلك أن الحاسة قد تنفعل عن المحسوس ، وتكون النفس لاهية فيكون الشىء غير محسوس ولا مدرك ، فالنفس تدرك الصور المحسوسة بالحواس وتدرك صورها المعقولة بتوسط صورها المحسوسة ، إذ تستفيد معقولية تلك الصور من محسوسيتها ، ويكون معقول تلك الصور لها مطابقا لمحسوسها وإلا لم يكن معقولها. وليس للإنسان أن يدرك معقولية الأشياء من دون وساطة محسوسيتها ، وذلك لنقصان نفسه واحتياجه فى إدراك الصور المعقولة إلى توسط الصور المحسوسة. فأما الأول والعقول المفارقة لما كانت عاقلة بذواتها لم تحتج فى إدراك صورة الشىء المعقولة إلى توسط صورته المحسوسة ولم تستفدها من إحساسها ، بل أدركت الصورة المعقولة من أسبابها وعللها التي لا تتغير ، فيكون معقولها منه لا يتغير لهذا الشأن. ولكل شخص جزئى معقول مطابق لمحسوسه ، والنفس الإنسانية تدرك ذلك المعقول بتوسط محسوسه. والأوّل والعقول المفارقة تدرك المعقول من علله وأسبابه ، وحصول المعارف للإنسان تكون من جهة الحواس ، وإدراكه للكليات من جهة إحساسه بالجزئيات. ونفسه عالمة بالقوة ، فالطفل نفسه مستعدة لأن تحصل لها الأوائل والمبادئ ، وهى تحصل له من غير استعانة عليها بالحواس ، لا يحصل له عن غير قصد ومن حيث لا يشعر به. والسبب فى حصولها له استعداده لها. فإذا فارقت النفس البدن ، ولها الاستعداد لإدراك المعقولات ، فلعلها يحصل لها من غير حاجة لها إلى القوى الجسمية التي فاتته ، بل يحصل لها من غير قصد ومن حيث لا يشعر بها كالحال فى حصول الأوائل للطفل. والحواس هى الطرق التي تستفيد منها النفس الإنسانية المعارف.

المحسوس إذا لم تدركه النفس فلأن النفس مشغولة عنه بفكره أو عقله ، ويكون قد حصل فى الحس المشترك فلا يمكنه تأديته إليها ، ولأن الحس المشترك قد شغلته النفس بما هى مقبلة عليه فلا ينطبع المحسوس فيه.

النفس ما دامت ملابسة للهيولى لا تعرف مجرد ذاتها ، ولا شيئا من صفاتها التي تكون لها وهى مجردة ، ولا شيئا من أحوالها عند التجرد لأنها لا يمكنها الرجوع إلى خاصّ ذاتها والتجرد عما يلابسها وهذا يكون عائقا لها عن التحقق بذاتها وعن مطالعة شىء من أحوالها. فإذا تجردت وزال عنها هذا العوق فحينئذ تعرف ذاتها وأحوالها وصفاتها الخاصة بها ، وأنها تدرك الأشياء بلا آلة بدنية وإنها مستغنية عنها ، وأن ما يتخيل لها الآن من أن لا حقيقة إلا للجسم المحسوس وأن لا وجود لشىء سواه ـ كله باطل.

٢٣

القوى البدنية تمنع النفس عن التفرد بذاتها وخاص إدراكاتها : فهى تدرك الأشياء متخيّلة لا معقولة لانجذابها إليها واستيلائها عليها ، ولأنها لم تألف العقليات ولم تعرفها ، بل نشأت على الحسيات فهى تطمئن إليها وتثق بها وتتوهم أن لا وجود للعقليات وإنما هى أوهام مرسلة.

المعقول من الشخص والمحسوس منه يتطابقان ، كما ذكر. إلا أن المعقول من الشخصى الذي نوعه مجموع فى شخصه وإن كان يطابق محسوسه فى الوجود فلا يمتنع فى العقل أن يكون كليا بأن يتصوره كليا ، ولو كان فى الوجود غير جائز ويحمله على كثيرين. وفى الأول كان هذا التصور ممتنعا. والمعقول من هذا الكسوف الجزئى وإن كان يلزم أن يطابق محسوسه فيكون جزئيا فاسدا فإن الأول لم تستفد معقوليته من حسيته ، بل علمه من الأسباب الموجبة له والصفات الكلية التي تخصصت بها فيكون معقوله منه كليا لأن الأسباب والصفات كلية بحيث يصح حمله على كثيرين. فلما تخصصت بهذا الكسوف الشخصى صار كلّ واحد من تلك الأسباب والصفات نوعا مجموعا فى شخصه ، فصار بحيث لا يحمل عليه وحده. وتلك الأسباب والصفات هى أن يقال فى هذا الكسوف إنه عن حركات للسماويات تأدت إلى اجتماع هذه الصفة ، وأنه كان بعد حركة كذا وفى الدورة الفلانية من كذا ، وأنه على وضع كذا وفى ناحية المشرق هو أو فى المغرب ، وأنه فى ناحية الشمال أو الجنوب ، وأنه على مقدار النصف منه أو الثلث ، وأنه على هذا اللون ـ فهذه صفات يمكن أن تعتبر كليا ، فتخصصت بهذا الشخص فصار كل واحد منها نوعا مجموعا فى شخصه ، والأشياء التي شخصت هذا الكسوف ـ وهو النهار الجزئى الذي حدث فيه والحالة الجزئية التي كانت له ـ لكل واحد منها صفات كلية إذا تخصصت به شخصا كان بمنزلة الكسوف وأسبابه وصفاته ، فيكون كلّ واحد من تلك الصفات نوعا مجموعا فى شخصه. والنوع المجموع فى شخصه يكون له معقول كلىّ فلا يفسد العلم به ولا يتغير ، فمعقول الأول من هذا الكسوف على هذا الوجه لا يتغير.

قوله(1) : «لكنك تعلم بحجة أن ذلك الكسوف يكون واحدا» ـ معناه أنه لا يمكن أن يكون فى زمان واحد إلا كسوف واحد ، لأن الشمس التي هى موضوع الكسوف واحد.

ذلك الكسوف الشخصى إذا علم من جهة أسبابه وصفاته الكلية التي يكون كلّ واحد منها نوعا مجموعا فى شخصه ، كان العلم به كليا؛ والكسوف وإن كان شخصيا فإنه عند ذلك يصير كليا ، ويكون نوعا مجموعا فى شخص ، والنوع المجموع فى شخص له معقول كلى لا يتغير. وما يسند إليه من صفاته وأحواله يكون مدركا بالعقل

________________

1) لا يتضح من القائل هاهنا.

٢٤

فلا يتغير. وتلك الأسباب والصفات هى مثل أن يقول : إن هذا الكسوف كان عن حركات من الشمس والقمر وإحدى العقدتين كل واحد من تلك الحركات على صفات كذا وبعد حركة كذا وفى الدورة الفلانية من دورات كذا وفى ناحية كذا وفى جهة كذا وغير ذلك من الأسباب والعوارض الكلية التي يمكن أن تكون لكل كسوف أو لكسوفات كثيرة. وكل واحد من تلك الأشياء والصفات نوع مجموع فى شخص يصح الاستناد إليه ، ويصير الكسوف الشخصى أيضا بتلك الأسباب والصفات التي تخصصت بها نوعا مجموعا فى شخص ، فيكون له معقول كما يكون للنوع المجموع فى شخصه فلا يتغير ، والأشياء التي شخصته أيضا كالزمان الجزئى الذي حصل فيه ، والحالة الجزئية التي شخصته لكل واحد منها صفات وأسباب كلية ، كل واحد منها نوع مجموع فى شخص له ، معقول كلى ، لا يتغير فيصح الاستناد إليه. فيمكن فى هذه الأحوال الجزئية أن يعقل ويدرك بالعقل لا بالحس والإشارة إليه.

هذا الكسوف الذي يكون بهذه الأسباب وإن كان شخصيا فإنه حدّ متصوّر كليا من جهة أسبابه ، فيكون نوعا مجموعا فى شخصه ، فالعلم المستند إليه لا يتغير.

هذا الكسوف الشخصى ـ إذا كان معلوما من جهة أسبابه وعلله وصفاته الكلية على أن تلك الأسباب والصفات وإن كانت كلية فى ذواتها بحيث تحمل على كثيرين فقد تخصصت به ـ كان معقوله كليا ، وكان المعقول الشخصى الذي نوعه مجموع فى شخصه الذي لا يتغير ولا يتغير العلم به وتكون صفاته وأسبابه متخصصة به محمولة عليه وحده ، وكل ما نسب إليه ويسند إليه يمكن أن يدرك ، بالعقل فلا يتغير. ومعنى التخصص به أن يكون له وحده كما أن صفات الشخص الذي نوعه مجموع فى شخصه مقصورة عليه ، إذ لا شخص نظير له فيشاركه فيها.

المشخص للشىء يجب أن يكون شخصا ، لا كليا.

نحن نعلم المعانى الكلية من جهة ما يستدعى علمها إلى جزئياتها ، والجزء لا يحصل لنا العلم به إلا بعد وجوده ، ووجوده يكون جزئيا لا محالة ، فنحن إنما نعلم الكسوف من جهة وجوده ، فيكون هذا الكسوف الشخصى والأول لا نعلمه من جهة وجوده بل من جهة أسبابه ، فيكون له معقول كلى ، كما يكون للشىء الذي نوعه مجموع فى شخصه.

المشار إليه لا يكون له معقول إلا أن يكون شخصا محدوده معقوله ككرة الشمس. والشىء الذي معقوله محدوده هو ما يكون الذاتيات التي تقوّم بها ، والصفات التي

٢٥

تخصّص بها تكون مقصورة عليه ، وتلك الصفات هى ما يحدده العقل فيعقلها الشىء الذي معقوله محدوده هو ما تكون ماهيته متقومة من الأشياء الذاتية التي توجد كلها فى حده. وما لا يكون محدوده معقوله فهو ما تكون ماهيته متقومة لا من الأشياء الكلية الذاتية المأخوذة فى حده فحسب بل منها ومن غيرها كالأشخاص التي تدخل تحت نوع فإنها متقوّمة من معنى النوع ومن أعراض لازمة لا توجد معه فى حده.

المعنى البسيط هو الذي لا يمكن العقل أن يعتبر فيه التآلف والتركب من عدة معان ، فلا يمكنه تحديده ، وذلك كالعقل والنفس. وما أمكن أن يعتبر فيه ذلك فهو غير بسيط كالإنسانية والحيوانية فإنها تنقسم بالحدّ إلى معان مختلفة.

كل شخصى فله معقول ، أى ماهية مجردة جزئية فاسدة من حيث تكون مقيسة إليه ويكون حصل فى الذهن من جهة الإحساس به ، وإلا لم يكن له حصول فيه فيكون مستفادا من الحسّ ، وهذا المحسوس هو فاسد ، فمعقوله من حيث يكون مقيسا إليه فاسد. فإذا علم ذلك المعقول من جهة علله وأسبابه لم يكن معقولا من جهة جزئية بل من جهة كلية ، فلا يكون حينئذ فاسدا. ومثال ذلك هذا الكسوف الشخصى له معقول شخصى وهو ذلك الاجتماع المعين الشخصى الذي حصل بين الشمس والقمر وإحدى العقدتين. وهذا يحصل العلم به عند وجوده ويبطل عند بطلانه. وقبل وجوده لم يكن العلم به حاصلا بل كان العلم إنما حصل بوجوده ، فكان علمان عند وجوده ولا وجوده ، وكان لكل واحد منهما صورة غير صورة الآخر. وهذا المعنى المعقول على هذا الوجه هو جزئى. فإذا علم من جهة أسبابه وعلله الموجبة له ـ وهو الحركات السماوية التي تأدت إلى هذا الاجتماع ـ كان ذلك معقولا من جهة كلية وكان العلم به قبل حدوثه وعند حدوثه وبعد حدوثه على حد واحد. والأول إنما يعقل الشخصى الفاسد من هذه الجهة الكلية فلا يتغير علمه إذ لا يتغير معلومه : فإنه كلما تحركت السماوية بحركاتها وتأدت إلى مثل هذا الاجتماع حصل لا محالة كسوف.

المعقول من كل شىء هو مجرد ماهيته المنسوبة إليه مع سائر لوازمه. فإن كان شخصيا نوعه مجموع فى شخصه ، فمعقوله كلىّ أى بحيث يصح حمله على كثيرين إلا أنه عرض لهذا الشخص أن كان واحدا. وإن كان شخصا فاسدا فمعقوله جزئى فاسد فلا يصح حمله إلا عليه ولا يمكن أن يحد ، والشخص الآخر يمكن أن يحد لأن معقوله محدوده. ومعقول الأول من هذا الشخص هو نفس الصورة المعقولة وهو الإنسانية المطلقة لا إنسانية ما متشخصة بعوارض ولوازم مشار إليها محسوسة.

٢٦

المعقول من كل شىء مجرد ماهيته التي له والتي عليها وجوده ، والمعقول من هذا الشخص ماهيته مع عوارضه وخواصه التي تقوّم بها وتشخص ، وليس هو الصورة المحددة وحدها. فإن هذا الإنسان ليس هو ما هو بالإنسانية المحددة بل بمجموع الصورة والمادة والأعراض التي تشخص بها من كميته وكيفيته ووضعه وغير ذلك. فمعقول الشخصى ومحسوسه متطابقان ، لأنه لو لم يتطابقا لم يكن معقوله.

والمعقول من الشمس هو ماهيته(1) مع عوارضه ولوازمه ومقداره الذي كان يمكن أن يكون أكبر منه أو أصغر ، وحرارته التي كان يمكن أن تكون أشد منه أو أنقص ، وشعاعه الذي كان يمكن أن يكون أشد منه أو أنقص فكونه فى الفلك الرابع ، وقد كان يمكن أن يكون فى الفلك الأعلى ، فمعقوله يطابق محسوسه فى الوجود.

قوله : «أربعتها» إلا واحدا منها الذي لا يمكن القول به فإن المبدأ الفاعلى وهو البارى لا يجوز أن يكون موضوعا لهذا العلم.

الشىء من حيث يصدر عنه فعل ما ـ هو غيره من حيث يصدر عنه فعل آخر؛ فيكون الحيثان مختلفين والجهتان مختلفتين ، فإذا كان الشىء البسيط من حيث يصدر عنه هذا الفعل يصدر عنه غيره ويكون من حيث يصدر عنه هذا الفعل إذ هو غيره من حيث يصدر عنه ذلك الفعل الغير ، فإذن يصدر عن البسيط فعل واحد ، ولهذا يقول فى الأول إنه لا يصدر عنه إلا فعل واحد بسيط وهو اللازم للأول إذ لا تركيب هناك ولا حيثان مختلفان. الأوائل تحصل فى العقل الإنسانى من غير اكتساب ، ولا يدرى من أين تحصل فيه وكيف تحصل فيه.

العقول إذا اعتبرت تكون على ثلاثة أنحاء : منها ما يكون بالقوة من كل وجه كالعقول الإنسانية ، فإن المعقولات فيها بالقوة ، إلا الأوائل فإنها تحصل فيها بعد ترعرعه(2) و إذا قلنا : إنه كل شىء أى أن كل شىء فيه بالقوة وفى قوته أن يعقلها كلها. ومنها ما يكون بالفعل من كل وجه وليس فيه البتة ما بالقوة كالبارى فإن علمه لذاته ولا تعلق له بغيره ، ولذلك يقول إنه كل شىء أى أن يعرفها بالعقل. ومنها ما هو بالقوة من وجه وبالفعل من وجه. ثم إنها تترتب فى ذلك بالأقل والأكثر والأزيد والأنقص فبعض العقول يكون «بالقوة» فيه يسيرا وبعضها كثيرا ، وإنما قيل إنه «بالقوة» من وجه «وبالفعل» من وجه : لأنه بالقياس إلى الأول عاقله لأن الأول يفيدها العقل والعلم كما أنه يفيدها الوجود بتعلق علمها به فهى بالفعل من هذا الوجه؛ وبوجه اعتبار ذواتها يكون

________________

1) يلاحظ أنه يجعل «الشمس» مذكرا دائما.

2) أى ترعرع الانسان.

٢٧

فيه بالقوة ، لأن علمها ليس لها بذاتها كما أن وجودها ليس لها من ذواتها : وهى بالاعتبار إلى ذواتها غير واجبة الوجود بل ممكنة كذلك ، باعتبار ذواتها عقولها وعلمها بالقوة. وإذا صح فى العقل الذي بالقوة أن يقال إنه كل شىء وإنه يعقل المعقولات بالفعل بلا نهاية فهو يعقل الأشياء غير المتناهية لأنه سبب كلّ معقول ، والمعقولات صادرة عنه على مراتبها واختلاف أحوالها من الأبدية والحادثة والقارّة وغير القارّة ، فهى كلها حاصلة له بالفعل ، وهذا كما تقول إن الأشياء الموجودة دائما والموجودة فى وقت بعد وقت والشيء المنقضى شيئا فشيئا كالزمان والحركة التي هى غير موجودة الجملة والقارة بالجملة والمعدومة فى الماضى والمعدومة فى المستقبل ـ كلها بالإضافة إليه موجودة وحاصلة بالفعل لأنه سبب وجودها ومبدأ الأسباب التي توجد عنها ، وهو يعقل ذاته ولوازم لوازمه إلى أقصى الوجود ، وكل المعقولات حاصلة له حاضرة عنده. وحالها عنده بالسواء فى كل حال ، أعنى قبل وجودها وعند وجودها ومع وجودها لا يتغير بوجودها وهو يعقل الأشياء معا ولا يعقلها شيئا فشيئا حتى يستكمل بمعقول ، ويتسبب(1) به إلى معقول آخر ، فإن عقله بالفعل : فهو يعقل الأشياء معا ودائما ويعقلها إلى ما لا نهاية ، والعقول البشرية لأنها بالقوة ليس بالفعل لا تعقل الأشياء معا ولا دائما ولا إلى ما لا نهاية بل تعقلها شيئا فشيئا وتتسبب مما تعقله إلى ما لا تعقله.

الموجودات ، ما خلا واجب الوجود الذي وجوده له من ذاته ، هى ممكنة الوجود. إلا أن منها ما إمكان وجوده فى غيره ، ومثل ذلك يتقدم وجوده بالفعل وجوده بالقوة وهى الممكنة الوجود على الإطلاق والكائنة. ومنها ما إمكان وجوده فى ذاته وهو الذي لا إمكان وجوده معه ولم يتقدم وجوده بالفعل وجوده بالقوة وهى العقول وسائر المبدعات. وإنما يقال فيها إنها ممكنة الوجود بمعنى أن تعلق وجودها لا بذاتها بل بموجدها ، فهى بالإضافة إليه موجودة ، وباعتبارها فى ذواتها غير موجودة.

علم البارى بالأشياء الجزئية هو أن يعرف الأشياء من ذاته وذاته مبدأ لها ، فيعرف أوائل الموجودات ولوازمها ولوازم لوازمها إلى أقصى الوجود. وكل شىء فإنه بالإضافة إليه واجب الوجود وبسببه فهو موجود بالإضافة إليه : مما وجد ومما يوجد. فإذا كانت الأشياء الجزئية أسبابا يلزم عنها تلك الجزئيات ولتلك الأسباب أسباب حتى تنتهى إلى ذوات الأول وهو يعرف ذاته ويعرفه سببا للموجودات ويعرف ما يلزم عن ذاته وما يلزم عن لازمه وكذلك هلم جرا حتى ينتهى إلى الجزئى ، فإنه يعرفه لكنه يعرفه بعلله وأسبابه. وهذا العلم لا يتغير بتغير الشخصى المعلوم فإن أسبابه لا تتغير

________________

1) تسبب به إليه : توسل.

٢٨

وتكون كلية وإن كانت للشخصى أسباب جزئية مشخصة له فإن لكل سبب جزئى مشخص مبدءا كليا يستند إليه ، فهو يعرف ذلك الجزئى أيضا بأسبابه ، ويعرف الأشياء الغير المتناهية على ما هى عليه من اللاتناهى بأسبابها ، ويعلم الزمان الغير الثابت الذي ينقضى شيئا فشيئا بعلله وأسبابه ، فإنه يعرف الفلك وحركته ويعلم أن ماله حركة فله عدد ومقدار ، وكل ماله عدد ومقدار فله دورات مقدرة.

كل شخص يكون له معقول شخصىّ. فإذا علم ذلك بأسبابه وعلله تكون هذه الجملة كليا. فإنه كلما حصلت تلك العلل والأسباب وجب أن يكون ذلك الجزء فيقال إن هذا الشخص أسبابه كذا. وكلما حصلت هذه الأسباب كان هذا الشخصى أو مثله فيكون كليا بعلله. ومعقولات الأول كذلك : فإنه يعقل هذا الشخص بعلله وأسبابه ويعرف الأسباب السابقة لهذه الأسباب وإلى أن ينتهى إلى ذاته فيكون علمه محيطا بجميع الأشياء فلا يكون لعلمه تغير ، فإن معلومه لا يتغير ولا يزول بزوال ذلك الشخصى. الكلى الذي يلزم عنه الجزئى لا يفسد. فإنه يعلم أنه كلما كان كذا لزم عنه كذا ، وهذا الجزئى لازم عنه ذلك الكلى الذي فى معلومه فلا يخفى عليه خافية.

سبب وجود كل موجود علمه به وارتسامه فى ذاته. وهو يعلم الأشياء الغير المتناهية فعلمه غير متناه. وقد يتشكك فيقال إن تلك الأشياء غير موجودة بالفعل بل بالقوة فبعض علمه يكون بالقوة أو يكون لا يعلمها فيقال إن كل شىء فإنه واجب بسببه وبالإضافة إليه؛ فيكون موجودا بالفعل بالإضافة إليه.

سبب وجود كل موجود هو أنه يعلمه ، فإذا علمه فقد حصل وجوده وهو يعلم الأشياء دائما.

الأشياء كلها عند الأوائل واجبات وليس هناك إمكان البتة. وإذا كان شىء لم يكن فى وقت فإنما يكون ذلك من جهة القابل لا من جهة الفاعل ، فإنه كلما حدث استعداد من المادة حدث فيها صورة من هناك ليس هناك منع ولا تخل. فالأشياء كلها واجبات هناك لا تحدث وقتا وتمتنع وقتا ، ولا يكون هناك كما يكون عندنا. وقد يتشكّك فيقال : إذن الأفعال كلها طبيعية لا إرادية؟ فالجواب إن إرادتها على هذا الوجه ، إذ هو الدائم الفيض ، فالامتناع من جهة القابل.

كلما حدث مزاج صلح لنفس فأحدث لا محالة نفسا ، أو استعدت مادة لقبول صورة نارية أو هوائية أو مائية أو أرضية حدثت فيها تلك الصورة من المبادي المفارقة ، فالقول بالتناسخ يبطل من هذا الوجه.

٢٩

لا يصح فى الأول أن يعلم الأشياء من وجودها فإنه يلزم أن يكون قبل وجودها لا يعلمها ، وإذا علمها بعد أن لا يعلمها يكون قد تغير منه شىء ويكون حصل فيه شىء لم يكن له. وكذلك إذا بطل ذلك الشىء بطل علمه فيكون قد تغير منه شىء فهو يعلم الأشياء على الإطلاق ودائما. لا يعلمها بعد أن لم يكن يعلمها ، فيحدث فيه تغير.

المقول على كثيرين مختلفين بالنوع هو محمول على الجنس «حمل على» فيقال الجنس : هو المقول على كثيرين مختلفين بالنوع وليس حمل الجنس على ، المقول على كثيرين مختلفين «حمل على» ، فيقال : المقول على كثيرين مختلفين هو جنس بل الجنسية عارضة له. وهذا كما يقال الإنسان نوع فإن النوعية عارضة للإنسان ، والإنسان من حيث هو إنسان ليس نوعا.

الذي يدل دلالة التضمن هو أن يكون جزءا من الشىء كما يدل النوع على الجنس إذ كان الجنس جزءا من النوع.

كلية الأجزاء وحدة تحدث بها الأجزاء ، فهى بها وحدة وجملة ، وذلك كالعشرية مثلا فإنها وحدة.

العدم يقال على وجهين : عدم له نحو من الوجود ، وهو ما يكون بالقوة فيخرج إلى الفعل ، وعدم لا صورة له البتة وهو ما يكون بالطبع ، وهو خلاف الأول فإنه ليس من شأنه أن يكون البتة كما يقال : الإنسان عدم الفرس.

النفس الإنسانية مطبوعة على أن تشعر بالموجودات ، فبعضها يشعر بها بالطبع وبعضها تقوى على أن تشعر بها بالاكتساب. فالذى بالطبع؛ فهو حاصل لها بالفعل دائما ، فشعورها بذاتها بالطبع ، فهو من مقوماتها فهو لها بالفعل لم يزل. فأما شعورها بأنها تشعر بذاتها فهو لها بالاكتساب ، ولذلك قد لا يعلم أنها شعرت بذاتها ، وكذلك سائر ما يقوى على أن يشعر بها ، وذلك ما هو غير حاصل له ويحتاج إلى استحصاله. ويشبه أن يكون تصريفها للحد العملى وللقوى البدنية بالطبع ، وللحد النظرى بالقوة. وتصريفها للقوى وإن كان طبيعيا لها فإن تصريفها لها على جهة السداد يكون باكتسابها كحالها فى القياس واستعماله.

النفس الإنسانية مفتتة إلى قوتين : نظرية وعملية ، والعملية تسمى قوة شوقية وهى تفتت إلى قوى كثيرة هى المصرفة لجميعها فى البدن. وهذه القوة هى التي أمر بتزكيتها وتهيئتها لأن تكون لها ملكة فاضلة لئلا تجذب النفس عند المفارقة إلى مقتضى ما اكتسبته من الهيئات الرديئة.

نفس الإنسان هى فى الحياة البدنية ممنوة بالبدن ودواعيه فلا يتحقق إلا ما رآه عيانا

٣٠

أو أدركه بحواسه ، ويعتقد أن ما لا يدركه بها لا حقيقة له ولا وجود لشدة إلف نفسه بحواسه وذهولها عما سوى ذلك وانغماسها فى البدن وقواه.

وكل ذلك لأنها غير متحققة بذاتها بل مأخوذة عن ذاتها. فإذا فارقت وتحققت ذاتها أدركت حينئذ ما يراه الإنسان باطلا لا حقيقة له ، وأدركت الموجودات بذاتها لا بآلة بدنية. فتعلم أن الآلات كانت عائقة له عن خاصّ فعلها.

المقول على كثيرين ليس هو نفس معنى الجنس حتى يكون مرادفا لاسمه : فليس يقال على الجنس كقول الجنس نفسه. فإنه إذا قيل : «المقول على كثيرين جنس» فليس يحمل عليه إلا أنه عارض له كما يحمل الجنس على الحيوان فإنه عرض للحيوان أن صار جنسيا ، والحيوان ليس هو نفس معنى الجنس. وكذلك المقول على كثيرين وهو مع ذلك أعمّ من الجنس فإن النوعية أيضا تعرض لهذا اللفظ.

الجنس مقول على كمال ماهية مشتركة بالعموم ، والفصل يحمل من طريق ما هو على أنه جزء مقوّم لماهية الشىء ، والنوع مقول على ماهية خاصة. فقوله : «والفصل حكمه حكم الماهية» ، أى فى معنى أنه يقوم الماهية إلا أنه مقول على كمال الماهية ، بل طريقته ومذهبه مذهب الماهية.

الجنسية من حيث هى جنسية إذا اعتبرت غير مخصصة بجسم أو حيوان أو غيرهما من المعانى التي يعرض لها هى الجنس المنطقى ، وهى المعنى المقول على كثيرين مختلفين بالنوع. والمبحوث عنه منها فى المنطق هو هذه الجنسية غير مخصصة. وأما الحيوان معتبرا فيه الجنسية فهو الجنس الطبيعى ، وهو بما هو حيوان أعم من حيوان جنسى فإنه قد يكون شخصيا. وهو من حيث هو حيوان معنى عقلى. وهو فى ذاته ليس بكلى ولا جزئى بل هو موضوع لأن يعرض له الكلية والجزئية. وكذلك الكلى من حيث هو كلى ليس حيوانا ولا شيئا من الأشياء ، بل هو معنى مقول يعرض له أن يكون حيوانا أو جوهرا أو شيئا آخر. وهو إما أن يعرض له الحيوان أو الجوهر أو غيرهما ويعرض للحيوان أو الجوهر أو غيرهما بحسب الاعتبارات.

ما قبل الكثرة هو أن يعقل الحيوان فيحمله على كثيرين ، وما بعد الكثرة هو أن ينتزعه عن الأشخاص.

قوله : «ليس فى الأشخاص تقدم ولا تأخر» أى ليس شخص أولى بأن يكون متكونا من شخص. فلا يكون واحد أولى بأن يحمل عليه النوع من آخر ، وإن كان بعض الأشخاص متقدما فى الوجود على الآخر.

٣١

الإنسان لما اعتاد أن يدرك الأشياء بالحس صار يعتقد أن ما لا يدركه حسا لا حقيقة له ، ولا يصدّق بوجود النفس والعقل وكل صورة مجردة ، لأنه اعتاد أن يرى الصور الجسمانية ويراها محمولة فى شىء غير محدود هذا مع ما يراه من فعل الطبيعة وفعل النفس والعقل اعتبارا. لكنه بوجود الطبيعة أوثق منه بوجود النفس.

والعقل لأنه يشاهد الأجسام الطبيعية ويرى أفعال الطبيعة فيها ظاهرة وفعل النفس أخفى من الطبيعة لأنها أشد تجردا من الطبيعة وكذلك فعل العقل أشد تجردا منهما ـ فكل ما هو أظهر فعلا فى الأجسام فإنه بوجوده أو ثق ، وبالجملة فإنه يعتقد أن لا وجود لجوهر مجرد ولا حقيقة له ، وأن الحقيقة إنما هى للجسم المحسوس لأن الحس يدركه. ولعمرى : إن الحس لا يدرك المعقول لأنه محدود ولا يدركه إلا محددا ، وأما الغير محدد فلا يدركه إلا الغير المحدد. ويكاد يعتقد فى الجسم أنه واجب الوجود غير معلول لا سيما الفلك الأعلى لبساطته. ولا يجوز أن لا يكون معلولا لأنه مركب من هيولى وصورة. وهناك ثلاثة أشياء : هيولى وطبيعتها العدم ، وصورة تقيم الهيولى بالفعل وتظهر فى الهيولى وتكون محمولة فيها ، وتأليف. ولا يجوز أن يكون الجسم علة فاعليّة لنفسه. وأيضا فإنه يجب أن تقترن به صورة أخرى حتى يظهر وجوده على ما عرفت. والجسم لا فعل له بذاته بل بقواه التي تكون فيه. وهو محدود متناه ، والمحدود يجب أن يكون محدود القوة والقدرة متناهى الفعل ، ويكون فعله زمانيا وشيئا بعد شىء لا إبداعيا ، ويكون متغيرا لا محالة لأنه متحرك والحركة تغير وفائت ولاحق. والجسمانى يحاط به وتدرك أحواله ويمكن معرفتها لأنها تكون متناهية ، والمتناهى محاط به فلا يوصف بالعلو الغير المتناهى وبالمجد والقدرة والعظمة الغير المتناهية وبالعلم البسيط المحيط بجميع الأشياء وبالفعل المطلق لأن فيه ما بالقوة. ويكون لا محالة له قوى إما طبيعية وإما نفسانية ويكون له تخيل وتوهم. وبعض القوى يصده عن استعمال بعض القوى وعلى الجملة فإنه لا يكون متحققا بذاته ولوازم ذاته. ويوصف بالانبعاث للفعل بعد أن لم يكن ، وبالتغير. وبإدراك الجزئى. وفعل الجزئى. ويوصف باكتناف الأعراض له وأنه يفعل أفعاله بمجموع مادته وصورته وطبيعته ونفسه. ولا يعقل إلا بعد أن يستشرك المادة فى فعله ويفعل بمباشرة ووضع. والجسم الفلكى وإن كان يفعل فى كل جسم فلأن لكل جسم عنده وضعا ، فلذلك يؤثر فيه لأنه محيط. والجسمانى لا قدرة له إذا قيس بالمجرد فإنه لا يكون له تلك الكبرياء والعظمة والقدرة والجلالة الغير المحدودة ، والأفعال الإبداعية ـ تعالى اللّه عن أن يوصف بصفة طبيعية أو نفسانية أو عقلية وبأن تكون ذاته ذاتا يؤثر فيه شىء أو يلحقه لا حق من خارج أو يوصف بانفعال البتة! بل هو فعل

٣٢

محض فلا يوصف إلا بالخيرية ، لا على أنها شىء يلحق ذاته بل هى نفس ذاته ، فهى سبب إيجاده لكل موجود. والأجسام الفلكية يعمها جميعا الجسمية والشكل المستدير والحركة على الاستدارة ، وإن فعالها بالطبيعة لا بالقصد ، فإن ما يقال عنها إنما يقع من طبيعية حركاتها وقواها؛ إلا أنها عالمة بما يقع من حركاتها وتشكلها بأشكالها المختلفة وممازجاتها.

المتحرك يحتاج إلى مسافة لأنه إما أن يتحرك فى مكان فتكون الحركة المستقيمة أو يتحرك على شىء فتكون مستديرة فلا غنى لها عن مسافة : فالحركة المستديرة ما لم يكن شىء يتحرك عليه المتحرك بالاستدارة لم يصح وجودها ، كما أن الحركة المستقيمة ما لم تكن مسافة لم يصح وجودها.

صورة الشىء كماله الأول ، وكيفيته كماله الثاني ، والكيفية تشتد وتضعف ، والصورة لا تشتد ولا تضعف. وإذا اشتدت الكيفية حتى تستعد لقبول صورة أخرى فإنها تكون بحركة وسلوك من طرف إلى طرف. والصورة لا تتحرك هكذا بل تنسلخ دفعة.

المعقول يجب أن يكون كليا حتى يمكن حمله على أشياء كثيرة. والمعقول من الشخص الغير المنتشر ، والمحسوس المشار إليه محال فإنه لا يكون له معقول من حيث هو محسوس مشار إليه لأن الإشارة لا تجوز أن تتناول أشياء مختلفة فى الوضع اللهم إلا أن تكون الإشارة إشارات كثيرة فإن الإشارة إلى شىء واحد لا يجوز أن تكون إلى غيره معه فإن وضعيهما يكونان مختلفين ، وكذلك جهتاهما وأمكنتهما فيلزم أن يتناول شيئا واحدا. والمعقول من الشخص الواحد المحسوس المشار إليه محال على أنه معقول ذلك الشخص ، فإنه يتناول أىّ شخص كان من أشخاص نوعه ، إلا أن يكون شخصا نوعه مجموع فيه فإن معقوله جسد لا يقع عليه ولا يتناول غيره ، ويكون معقوله محدوده ، فإن حده خاص له لا يحدّ به غيره. وإذا لم يكن كذلك لم يكن حده مقصورا عليه بل على كل شخص من نوعه. والجزئى وإن كان له معقول فإنه يكون له بالعرض لا بالذات ، وإنما يكون معقول الشخص المنتشر فلا يكون مقصورا عليه وحده بل أىّ شخص كان من أشخاص نوعه. وكذلك محدوده يكون له بالعرض بل يكون محدود الشخص المنتشر. وأما محسوسه فإنه مقصور عليه وحده للإشارة الواقعة عليه ويكون إلى شىء وحده.

الأول بسيط فى غاية البساطة والتحدد ، منزه الذات عن أن تلحقها هيئة أو حلية أو صفة جسمانية أو عقلية ، بل هو صريح ثبات على وحدة وتحدد ، وكذلك الوحدة

تعليقات ابن سينا ـ 33

٣٣

التي يوصف بها ليست هى شيئا يلحق ذاته بل هو معنى سلبى الوجود ، وكذلك اللوازم التي توصف بها فيقال : هى من لوازمه هى خارجة عن تلك الذات ، وكل ما سواه فلا يمكن أن يتوهم أنه بذلك التحدد لأنه معلول ، وكل معلول فذو ماهية ويكون له صفة أو حلية ، فيكون هناك كثرة بوجه ما. كل ما كان أقلّ بساطة فإنه فى باب المعلولية أبلغ. والجسم ذو كمية وكيفية ووضع وعوارض ولواحق كثيرة. فالمعلولية فيه ظاهرة ، وكذلك الصور الجسمانية تلحقها عوارض وهيئات وأحوال لا تنفك منها. والنفس أيضا تلحقها هيئات وعوارض. والعقل أبعد عن ذلك ، فلذلك تنقسم النفس إلى : أفعال ، وقوى ، والعقل لا ينقسم.

لما كان الإنسان لا يمكنه أن يدرك حقيقة الأشياء لا سيما البسائط منها بل إنما يدرك لازما من لوازمه أو خاصة من خواصه ، وكان الأول أبسط الأشياء ، كان غاية ما يمكنه أن يدرك من حقيقة هذا اللازم ، هو وجوب الوجود إذ هو أخص لوازمه.

القدرة هى أن يصدر عن الشىء فعل بمشيئته ، وأنت قد عرفت أن الفعل الصادر عن الأول صادر عنه بإرادة ، فيكون قد فعل لأنه شاء ولو لم يشأ لم يفعل. وكذلك لا يلزم أنه لا يشاء لأن الشرطىّ لا تتعلق صحته بصدق جزئيته فإذ قد فعل فقد شاء ، وما لم يفعل فلأنه لم يشأ. ولا يتغير الحكم فى أن الشىء قادر ، إذا القدرة تتعلق بالمشيئة سواء كانت المشيئة يصح عليها التغير أو لا يصح عليها التغير.

الوقوف على حقائق الأشياء ليس فى قدرة البشر. ونحن لا نعرف من الأشياء إلا الخواصّ واللوازم والأغراض ، ولا نعرف الفصول المقوّمة لكل واحد منها ، الدالة على حقيقته ، بل نعرف أنها أشياء لها خواص وأعراض ، فإنّا لا نعرف حقيقة الأول ولا العقل ولا النفس ولا الفلك والنار والهواء والماء والأرض ، ولا نعرف أيضا حقائق الأعراض. ومثال ذلك أنّا لا نعرف حقيقة الجوهر ، بل إنما عرفنا شيئا له هذه الخاصية وهو أنه الموجود لا فى موضوع. وهذا ليس حقيقته ، ولا نعرف حقيقة الجسم بل نعرف سببا له هذه الخواص وهى : الطول والعرض والعمق ، ولا نعرف حقيقة الحيوان ، بل إنما نعرف سببا له خاصية الإدراك والفعل ، فإن المدرك والفعال ليس هو حقيقة الحيوان بل خاصة أو لازم. والفصل الحقيقى له لا ندركه ، ولذلك يقع الخلاف فى ماهيات الأشياء ، لأن كل واحد أدرك لازما غير ما أدركه الآخر فحكم بمقتضى ذلك اللازم. ونحن إنما نثبت شيئا ما مخصوصا عرفنا أنه مخصوص من خاصة له أو خواص ، ثم عرفنا لذلك الشىء خواصّ. أخرى بواسطة ما عرفناه أولا ثم توصلنا

٣٤

إلى معرفة آنيتها : كالأمر فى النفس والمكان وغيرهما مما أثبتنا آنياتها لا من ذواتها بل من نسب لها إلى أشياء عرفناها ، أو من عارض لها أو لازم.

ومثاله فى النفس : أنّا رأينا جسما يتحرك ، فأثبتنا لتلك الحركة محركا. ورأينا حركة مخالفة لحركات سائر الأجسام فعرفنا أن له محركا خاصا أو له صفة خاصة ليست لسائر المحركين ، ثم تتبعنا خاصة خاصة ، ولازما لازما ، فتوصلنا بها إلى آنيتها ، وكذلك لا نعرف حقيقة الأول ، إنما نعرف منه أنه يجب له الوجود أو ما يجب له الوجود.وهذا هو لازم من لوازمه لا حقيقة. ونعرف بواسطة هذا اللازم لوازم أخرى كالوحدانية وسائر الصفات. وحقيقته إن كان يمكن إدراكها هو الموجود بذاته أى الذي له الوجود بذاته. ومعنى قولنا الذي له الوجود إشارة إلى شىء لا نعرف حقيقته ، وليس حقيقته نفس الوجود ولا ماهية من الماهيات فإن الماهيات يكون بها الوجود خارجا عن حقائقها. وهو فى ذاته علة الوجود ، وهو إما أن يدخل الوجود فى تحديده. ودخول الجنس والفعل فى تحديد البسائط على حسب ما يفرضهما لها العقل ، فيكون الوجود جزءا من حده لا من حقيقته ، كما أن الجنس والفعل أجزاء لحدود البسائط لا لذواتها؛ وإنما يكون له حقيقة فوق الوجود يكون الوجود من لوازمها.

أجزاء حد البسيط تكون أجزاء لحده لا لقوامه ، وهو شىء يفرضه العقل : فأما هو فى ذاته فلا جزء له. ونحن نعرف فى الأول أنه واجب الوجود بذاته معرفة أولية من غير اكتساب فإنا نقسم الوجود إلى الواجب والممكن ، ثم نعرف أن واجب الوجود بذاته يجب أن يكون واحدا حتى يكون نوع وجوده مخالفا لنوع وجود آخر ونعرف وحدانيته بواسطة لازم يلزمه أولا وهو أنه واجب الوجود.

الأنواع التي تحت جنس واحد لا تقدم فيها ولا تأخر ، والجنس يحمل عليها بالسواء. والشىء الذي يتقدم على الآخر فى معنى ما إما أن يكون يتقدم عليه فى ذلك المعنى بعينه كتقدم الجوهر على العرض فى معنى الوجود ، وإما أن يتقدم عليه لا فى ذلك المعنى بل فى شىء آخر كتقدم الأب على الابن فى الزمان والوجود لا فى الإنسانية فإنهما فيهما بالسواء فإنهما لهما لا لعلة بل لماهيتها. وتقدم الهيولى والصورة على الجسم ليس هو كتقدم الجوهر على العرض فإنهما ليسا بعلة لكون الجسم جوهرا بل هو لذاته جوهر ، وجوهرية شىء لا تصير علة لجوهرية شىء آخر.

المخالف يخالف بشيء خارج ، والغير يغاير بالذات ، والمغايرة بالجنس الأعلى تجتمع فى مادة كالكمية والكيفية والوضع والأين المجتمعة فى شىء واحد كالنفاحة.

٣٥

العدم يحمل عليه السلب ولا ينعكس : فاللابصر يحمل على الأعمى ، والأعمى لا يحمل إلاّ على اللابصير.

قوله : «سائر الأقسام غير مقصودة» يعنى الحكم بأن لها نهاية.

إذا قيل إن هذا الشخص مضاف إلى هذا الشىء فللاضافة التي بينهما إضافة بتلك الإضافة والعلاقة تكون تلك الإضافة : كالأب والابن فإنه بالأبوة التي فى الأب يضاف الأب إلى الابن ، وكذلك الابن. فأما الأبوة فإنها تضاف إلى الأب بلا إضافة أخرى.

أحوال المادة على وجهين : منها ما لا يصح وجود الصورة إلا مع تلك الحال ، ومنها ما يصح وجوده من دون تلك الحال بل مع ضد تلك الحال ، ومنها ما يكون صادقا عن وجود الصورة والصورة هى الغاية الطبيعية. وإذا كانت تلك الأحوال للمادة موجبة لوجود الصورة دخلت تلك الأحوال فى حد النوع ، وإذا لم تكن كذلك لم يدخل موجود القطعة فى الدائرة بسببه حال مناسبة للوجه الثاني ، وكذلك الإصبع فى الإنسان والحادة فى القائمة ـ فإنها أجزاء لماهيتها. فإذا حدّت بالكليات لم يلزم ما ذكر من تأخر أجزاء المحدود عن الحد.

كل ما يكون لوجوده سبب فهو ممكن الوجود ، والممكن الوجود هو أن يكون جائزا أن يكون وأن لا يكون. فأما وجوده بعد العدم فهو ضرورى ، فإنه ليس بجائز وجوده إلا بعد العدم.

الحسّ جنس للمسّ ، فلذلك يحمل عليه ، لكنه فصل لشىء آخر ، ومثل هذا الفصل لا يحمل على ما هو فصل له.

الحدّ له أجزاء ، والمحدود قد لا يكون له أجزاء وذلك إذا كان بسيطا ، وحينئذ يخترع العقل شيئا يقوم مقام الجنس وشيئا يقوم مقام الفصل. وأما فى المركب فإن الجنس يناسب المادة ، والفصل يناسب الصورة.

الوجود من لوازم الماهيات لا من مقوماتها ، لكن الحكم فى الأول الذي لا ماهية له غير الآنية يشبه أن يكون الوجود حقيقته إذا كان على صفة ، وتلك الصفة هى تأكد الوجود ، وليس تأكد الوجود وجودا يخصص بالتأكد ، بل هو معنى لا اسم له يعبّر عنه بتأكد الوجود. ويشبه أن يكون أولى ما يقال فيه أن حقيقته الواجبية على الإطلاق ، لا الواجبية بالمعنى العام. ومعناه أنه يجب له الوجود. وقد يعبّر عن القوى باللوازم إذ ليس يعرف حقيقة كل قوة ، ولو كان يعرف حقيقة الأول لكان وجوب الوجود شرح اسم تلك الحقيقة.

٣٦

قوم من أصحاب النظر سلكوا الطريق إلى معرفة الأول من المعلومات فقالوا : إن الأجسام لا تنفك عن الأعراض ، والأعراض محدثة فهى إذن محدثة. وقالوا : كل جسم محدث ولا يصح أن يكون الأول جسما وهذه الحجة مع اختلالها وفساد مقدماتها غير مرتضاة فى معرفة الحقيقة فى ذلك من حيث السلوك. ألا ترى أن المحققين سلكوا إلى معرفة واجب الوجود بذاته وأنه ليس بجسم مسلكا آخر وهو أنهم قالوا : إن واجب الوجود بذاته لا ماهية له ، وكل جسم فله ماهية ، والوجود خارج عنه. فواجب الوجود ليس بجسم. وقالت الفرقة المتقدمة فى بيان التوحيد بمسألة التمانع أى «لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اَللّٰهُ لَفَسَدَتٰا »(1) و هى مع سخافتها غير مؤدية إلى حقيقة المطلوب كما يجب ، وإنما الطريق الحق هو أن يقال : إن واجب الوجود بذاته لا يصح أن يكون له علة ، وكل معنى تتكثر أشخاصه فإنه يتكثر بعلة ، وسائر ما قيل فى بيان ذلك من أنه لا يصح أن تكثر أنواعه. وكل هذه البيانات تبنى على مقدمات أولية عقلية غير ملتفت فيها إلى المحسوس وإلى معلومات الأول.

لا يصح فى واجب الوجود الاثنينية فإنه لا ينقسم ، لأن المعنى الأحدى الذات لا ينقسم بذاته فإن انقسم هذا المعنى وهو وجوب الوجود فإما أن يكون واجبا فيه أو ممكنا أن ينقسم ، وكلا الوجهين محال فى واجب الوجود فإنه غير واجب فيه أن ينقسم اثنين لأنه بذاته واجب ولا علة له فى وجوده فهو أحدىّ الذات والإمكان منه أبعد.

المعنى فى الأعيان غير وجوده فى الذهن ، ومثال ذلك الفرح مثلا فإن وجوده فى الإنسان غير وجود صورته فى الذهن. وإذا وجد الفرح وعلم أنه قد فرح : يكون قد حصل صورة الفرح فى ذهنه ، وقد يكون الإنسان فرحا ولا يعلم أنه قد فرح كمن يبصر شيئا ولا يعلم أنه يبصر ، فإذا علم أنه أبصره يكون قد علم ذاته أولا ، وإذا لم يعلم أنه أبصره لم يحصل صورته فى ذهنه فلم يكن له وجود فى ذهنه.

نسبة الأفعال الجميلة إلى وجود الملكة الفاضلة كنسبة التأملات والأفكار إلى وجود اليقين. فكما أن التأملات والأفكار لا توجد اليقين بل تعد النفس لقبول النفس فكذلك الأفعال الحسنة تعد النفس لقبول الملكة الفاضلة من عند واهب الصور.

قولنا : «تغير فى سواديته» أى تغير فى الفعل لا فى عارض ، والكيفية تبطل عند التغير وتجىء كيفية أخرى إما أن تكون مثلها فى النوع أو تخالفها لا محالة بشيء وإلا فلم تتغير بحسب المشابهة ، بل تكون الأحوال متشابهة. وإن كانت الكيفية تخالف

________________

1) سورة الأنبياء آية 22.

٣٧

الأخرى فإما بمعنى فصلى وإما بمعنى عرضى فيكون قد قارن تلك الكيفية عارض كأن يجوز أن يقارن الأول وهو بحالة فى كيفيته. وربما تغير بمقارنة ما ليس هو فيكون السواد المتغير لم يتغير فى سواديته بل فى عارض لا يجعل نفس السواد متغيرا ، وهذا لا يمنعه. فإن كان يجعل نفس السواد متبدلا فى سواديته فهو إذن فى الفصل. وكذلك الحال فى المزاج.

كل شىء له فى ذاته ترتيب فلا يجوز أن يكون غير متناه ، والعدد الذي يكون له ترتيب لا يصح أن يكون غير متناه. والعدد لا نهاية له لكن ليس بالفعل. والترتيب هو أن يكون موجودا بالفعل. وقولنا : «الكل ليس بموجود» هو غير قولنا «كل واحد موجود» فإن هذا صادق ، وقولنا : «الكل فى الأشياء الغير المتناهية موجود» ـ كاذب.

النظر فى العدد إما أن ينظر في أنه عدد أوفى أنه عارض لطبيعة أو لأمور مفارقة. والنظر فى أنه عدد وفى أنه عارض للمفارقات يتعلق بما لا يخالط الحركة ، والنظر فى أنه عارض لطبيعة فيتعلق بما يخالط الحركة ، والنظر فى الجمع والتفريق فيتعلق بما يخالط الحركة إذ الجمع والتفريق لا يتمسّان إلا بحركة والشىء الذي لا يقبل الحركة لا يمكن جمعه وتفريقه بل لا يصح فيه معنى الجمع والتفريق. والعدد العددى جعلوه مثلا للعدد وجعلوه مفارقا. والعدد التعليمى هو المقارن للمادة لكنه قد جرد عنها ، والعدد بالتكرار هو أن يكون وحدة سارية فى جميع الأعداد فيكون تارة واحدا وتارة اثنين وتارة ثلاثة وتكون الوحدة الشخصية باقية بعينها ويكون كل عدد بفعله التكرير للوحدة بقدر عدد ذلك العدد ومراته وتكون تلك الوحدة ثانية بشخصيتها لا بنوعيتها؛ وهذا محال فإن الوحدة فى الثاني هى غير الوحدة فى الأول بالشخص هى تلك فى النوع؛ وتكرار الوحدة يجب أن يكون فى الوسط عدم حتى يصح التكرار. فإنها إن لم تعدم الوحدة أولا ثم توجد ثانيا لم يكن تكرار ، وإذا تكررت الوحدة مرارا فإنه لا يكون إلا بأن يكون هناك مرة بعد مرة وهذه المرة إما زمانية وإما ذاتية. وإن كانت زمانية ولم يعدم الوسط فان الوحدة هى كما كانت فإنها كررت ، وإن عدمت ثم أوجدت فالموجدة موجدة أخرى بالشخص. وإن كانت ذاتية لا زمانية تكون تلك الذات بعينها باقية وإن كررت مائة مرة ويلزم أن تكون الوحدة غيرها. وهذا محال فإن الشيء لا يكون غير ذاته. والقائلون بالعدد العددى يجعلون الوحدة الأولى غير كل وحدة من اللتين فى الثنائية واتفاقها ، وكذلك السبيل فى الثنائية. والثلاثية وسائر الأعداد. ويقولون إن الثنائية يلحقها من حيث هى ثنائية وحدة غير وحدة الثلاثية فيلزم من ذلك أن لا يكون عدد مركبا من عدد ، وحتى تكون العشارية مركبة لا من خماسيتين فإن آحادها غير آحاد الخماسية

٣٨

وليست هى مندرجة فى العشارية وهى مخالفة لآحاد العشارية فيلزم أن تكون الخماسية إذا أضيفت إلى العشارية لا تصير خمسة عشر إلا أن تستحيل آحادها ، أى تكون آحادها مغايرة لآحاد العشارية بل مشاكلة.

الهيولى : معنى قائم بنفسه وليس موجودا بالفعل ، وإنما يوجد بالفعل بالصورة ، فإن جاز أن يكون هيولى لا نهاية لها إما طبيعية وإما أشخاصها صحّ وجود جسم لا نهاية له أو أجسام لا نهاية لها فى العدد. وقد أبطل ذلك فى الطبيعيات.

الهيولى : هى مبدعة ، وهى متناهية ، ولا يجوز أن تكون الأشخاص من جهة الهيولى غير متناهية ، والهيولى باعتبار ذاتها لا يصحّ عليها معنى التناهى واللاتناهى ، إذ هى غير متحيزة ولا متميزة.

الشىء الموجود بالفعل لا يكون له أبعاض 1غير متناهية. إذا كان للأبعاض ترتيب كانت تلك الأبعاض مقدارية أو معنوية : فالمقدارية ظاهر أمرها أنها تكون متناهية ، وأما المعنوية فإذا كان لها ترتيب أى يكون هذا البعض أولا وذاك ثانيا وذاك ثالثا فإن الترتيب ينتهى عند حد ، إذ لا يجوز أن تكون الوسائط بين الطرفين المرتبين غير متناهية وإلا لم يكن الشىء موجودا بالفعل ، وإنما يصح فى الشىء الترتيب إذا كان بالفعل ، وإذا لم يكن للشىء ترتيب يجوز أن يكون غير متناه فإنه يكون حينئذ بالقوة.

إذا كان معلول أخير مطلقا أى لا يكون علة البتة وعلة لذلك المعلول ، لكن لا بد لها من علة أخرى ، تكون هذه العلة فى حكم الواسطة سواء كانت متناهية أو غير متناهية فلا يصح وجودها ما لم يعرض طرف غير معلول البتة. والعلة يجب أن توجد موجودة مع المعلول ، فإن العلل التي لا توجد مع المعلولات ليست عللا بالحقيقة بل هى معدّات أو معينات وهى كالحركة.

وجوب ثبات العلة يكون من جهة أن المعلول يجب أن يكون مع العلة ، وهذه الصور والأجسام كلها غير واجبة الوجود وبذواتها بل هى معلولة وثابتة فتحتاج إلى علة خارجة ثابتة ولا يجوز أن يكون نوع منها علة لنوع ولا شخص علة لشخص فعلتها إذن غيرها وهو واهب الصور. والحركات ليست هى عللا بالحقيقة ، بل هى معدّة ومهيئة.

العلة ليس من شأنها أن تتقدم المعلول بالزمان ، بل فى الوجود والذات.

________________

1) فى هامش ب : الأبعاد.

٣٩

اذا كان شخص ما من الأشخاص ـ نارا كانت أو غيرها ـ علة لوجود نار لم يكن ذلك الشخص بالعلية أولى من شخص آخر من نوعه فى أن يكون علة. والشخص الذي هو المعلول سبيله سبيل سائر الأشخاص فى أن الشخص الذي هو العلة ليس هو أولى بالعلية من الشخص الذي هو معلول. وما يستغنى عنه بغيره لا يكون علة بالذات ، وأما تقدمه فى الزمان فبأسباب خارجة كأن يجوز أن يعرض للشخص المعلول. فيجب أن تكون العلة متقدمة بالذات لا بسبب عارض حتى تستحق أن تكون علة. فعلة النار مثلا يجب أن تكون موجودة خارجة عن طبيعة النار.

إن قال قائل إن الصبىّ فى استمراره إلى بلوغ الكمال ليس يجب أن يقال إن الوسائط متناهية ، لأن هذا الاستمرار ينقسم إلى ما لا نهاية له فإن الاستحالات غير متناهية والأحوال غير متناهية كالحال فى سائر الحركات فى أنها لا تتناهى ـ كان الجواب فى ذلك : اللانهاية فى مثل ذلك تكون موجودة بالقوة لا بالفعل.

الأشخاص الغير المتناهية لا تكون علة للأنواع إلاّ بالعرض فلا يجب أن تكون الأنواع غير متناهية أو هى تكون لها عللا بالعرض أى تكون علة للشخصية دون النوعية.

شخص من الماء إذا كان علة لشخص من الماء أو الهواء لا يصح أن يكون علة ذاتية أى علة لوجوده وإلاّ وجب أن تكون أشخاص لا نهاية لها موجودة معا لأن العلل الذاتية تكون مع المعلولات ، فإذن هو علة بالعرض أعنى أنها معدّة ومميطة للعائق لا علة لوجود ذلك الشخص. والحال فيه كالحال فى الحركة فى أنها معدة وفى كونها غير متناهية وأنها إذا بطلت حركة وحصلت حركة أخرى أوجب ذلك شيئا يكون علة لشىء معلول آخر.

ليس كون الماء علة مادية للهواء أولى من كون الهواء علة مادية للماء ، وإن كان شخص من الماء يصير بالضرورة متقدما على شخص من الهواء فإنه علة له بالعرض لأن الشخص لا يصير علة لوجود النوع إلا بالعرض على ما عرفت حيث كان الكلام فى العلل ـ فليس ذلك الشخص علة بالضرورة للشخص الآخر فى الوجود ، بل هو معدود وإلاّ وجب وجود علل لا نهاية لها معا لأن الأشخاص غير متناهية ويلزم أن تكون موجودة معا ويجب أن تكون مع المعلولات إذا كانت ذاتية. فإذن هى علل بالعرض لأن العلل الذاتية ليست غير متناهية.

كل ما لا نهاية له لا بداية له ، والأشخاص لا بداية لها ، والحركات لا بداية لها ، والحركة لا يجوز أن تكون عللا لأشياء قارّة لأنها غير قارّة ، وحركات العلل علل معدّة

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

محفوظاً على الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدات أتى فيه بالعجائب وهو على نسق تاريخ بغداد قال بعض أهل العلم بالحديث والتواريخ: ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله وبلغ فيه الذروة العليا، ومن تصفح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ.

قلت: بل من تأمل تصانيفه من حيث الجملة علم مكانه في الحفظ والضبط للعلم، والاطلاع وجودة الفهم، والبلاغة والتحقيق والاتساع في العلوم، وفضائل تحتها من المناقب والمحاسن كلّ طائل

وكان ابن عساكر المذكور -رضي‌الله‌عنه - حسن السيرة والسريرة، قال الحافظ الرئيس أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة ذكره الامام الحافظ ابن النجار في تاريخه فقال: إمام المحدّثين في وقته ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والاتقان والمعرفة التامة والثقة به، وبه ختم هذا الشأن وقال الحافظ عبد القاهر الرهاوي: رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا موسى الهمداني فما رأيت فيهم مثل ابن عساكر »(١) .

٦ - الأسنوي: « ومنهم الحافظ أبو القاسم علي أخو الصائن المتقدم ذكره، إمام الشافعية، صاحب تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة وغير ذلك من المصنفات كانرحمه‌الله ديّناً خيّراً حسن السمت مواظباً على الاعتكاف »(٢) .

٧ - ابن قاضي شهبة: « علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، الحافظ الكبير، ثقة الدين، أبو القاسم ابن عساكر، فخر الشافعية، وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب تاريخ دمشق وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة، مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ورحل إلى بلاد

____________________

(١). مرآة الجنان حوادث ٥٧١.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٢١٦.

٢٢١

كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، تفقه بدمشق وبغداد، وكان ديّناً خيّراً »(١) .

(١٠)

الفخر الرازي

وذكر فخر الدين محمّد بن عمر الرازي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ( تفسيره )، في بيان الأقوال المذكورة في سبب تلك الآية، حيث قال:

« العاشر - نزلت هذه الآية في فضل عليرضي‌الله‌عنه ، ولمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمررضي‌الله‌عنه فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي »(٢) .

أقول: إن العبرة بذكر الرازي لهذا القول في ضمن الأقوال المزعومة الأخرى، وقد عرفت أنه ينسب هذا القول إلى ابن عباس والبراء بن عازب وسيدنا الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام ، فلا عبرة إذن بكلامه هو حول هذا الموضوع، فإنه كلام لا موجب له إلّا المكابرة والعناد، ويكفي في سقوطه أنه ردّ على الامام المعصوم أبي جعفر الباقرعليه‌السلام .

ولو قيل: إن المتعصبين من أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الأئمة الطاهرين، بل إنّ بعضهم كابن الجوزي في ( الموضوعات ) والسيوطي في ( اللئالي المصنوعة ) وابن العرّاق في ( تنزيه الشريعة ) يجرحون فيهم والعياذ بالله.

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٣٤٥.

(٢). تفسير الرازي ١٢ / ٤٩.

٢٢٢

قلنا: فما يقولون في حق صحابةٍ يقولون بعدالتهم كابن عباس والبراء بن عازب، وكأبي سعيد الخدري القائل بهذا القول - كما في تفسير النيسابوري، وسنذكر عبارته - وعبد الله بن مسعود كما ستعلم فيما بعد؟

فالحاصل: إن الرازي يعترف بأن القول بنزول الآية في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الغدير هو قول ابن عباس والبراء والامام الباقر، وإنْ كان لا يرتضي هذا القول ولا يعتمد عليه تعصباً وعناداً.

ترجمة الرازي

وقد بالغ بعض علماء أهل السنة في الثناء على هذا المتعصب العنيد:

١ - فقد ترجم لهابن خلكان بقوله: « أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسين ابن الحسن بن علي، التيمي، البكري، الطبرستاني [ الأصل ] الرازي المولد، الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، الفقيه الشافعي. فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة، منها تفسير القرآن الكريم، جمع فيه كل غريب وغريبة، وهو كبير جدّاً لكنه لم يكمله وكل كتبه ممتعة.

وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة، فإن النّاس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه، وكان له في الوعظ اليد البيضاء، ويعظ باللسانين العربي والعجمي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات، ويسالونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشدّ إليه الرحال من الأقطار »(١) .

____________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ٣٨١ - ٣٨٥.

٢٢٣

٢ - ابن الوردي: « الامام فخر الدين الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف المشهورة، ومولده سنة ٥٤٣ ومع فضائله كانت له اليد الطولى في الوعظ بالعربي والعجمي، ويلحقه فيه وجد وبكاء، وكان أوحد الناس في المعقولات والأصول، قصد الكمال السمناني، ثم عاد إلى الري إلى المجد الجيلي، واشتغل عليهما، وسافر إلى خوارزم وما وراء النهر، وجرت الفتنة التي ذكرت، واتّصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة وحصل له منه مال طائل، ثم حظي في خراسان عند السلطان خوارزم شاه بن تكش، وشدّت إليه الرّحال، وقصده ابن عنين ومدحه بقصائد »(١) .

٣ - اليافعي: « وفيها الامام الكبير، العلّامة النحرير، الأصولي المتكلّم المناظر المفسر، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق، الحظّية في سوق الإِفادة بالنفاق، فخر الدين الرازي الملقب بالإمام عند علماء الأصول، المقرر لشبه مذاهب فرق المخالفين، والمبطل بها بإقامة البراهين، الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، المعروف بابن الخطيب، الشافعي المذهب، فريد عصره ونسيج دهره، الذي قال فيه بعض العلماء: خصّه الله برأي هو للغيب طليعة، فيرى الحق بعين دونها حدّ الطبيعة، ومدحه الامام سراج الدين يوسف ابن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي

فاق أهل زمانه في الأصلين والمعقولات وعلوم الأوائل، صنّف التصانيف المفيدة في فنون عديدة وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك، وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة، إذا ركب ركب معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك »(٢) .

٤ - محمّد الحافظ خواجة بارسا: « قال الامام النحرير، المناظر المتكلّم

____________________

(١). تتمة المختصر حوادث سنة ٦٠٦.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٠٦.

٢٢٤

المفسر، صاحب التصانيف المشهورة، فخر الملة والدين الرازي في التفسير الكبير في قوله سبحانه:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فيه لطيفة وهو: إن الرجس قد يزول عنّا ولا يطهر المحلّ، فقوله سبحانه: ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب، وقوله سبحانه: ويطهّركم تطهيرا أي يلبسكم خلع الكرامة تطهيرا، لا يكون بعده تلوّث »(١) .

٥ - ابن قاضي شهبة: « محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، العلامة سلطان المتكلّمين في زمانه المفسر المتكلم، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة ٥٤٤، وقيل سنة ثلاث، اشتغل أوّلا على والده ضياء الدين عمر، وهو من تلامذة البغوي، ثم على الكمال السمناني وعلى المجد الجيلي صاحب محمّد بن يحيى، وأتقن علوما كثيرة وبرز فيها وتقدّم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة »(٢)

(١١)

رواية محمد بن طلحة

وروى أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير حيث قال: « زيادة تقرير - نقل الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: أنزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير

____________________

(١). فصل الخطاب - مخطوط.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣٩٦.

٢٢٥

خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة محمّد بن طلحة

وقد ترجم لمحمّد بن طلحة مشاهير علمائهم، واصفين إيّاه بالمحامد الجميلة والفضائل العظيمة، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بما ذكره اليافعي في حقّه حيث قال: « الكمال محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي. وكان رئيساً محتشماً بارعاً في الفقه والخلاف، ولّي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه، توفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز التسعين، وله دائرة الحروف ...»(٢) .

(١٢)

رواية الرسعني

وروى عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، قال محمّد بن معتمد خان البدخشاني: « أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: لما نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

____________________

(١). مطالب السئول في مناقب آل الرسول: ٤٤.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٥٢.

(٣). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

٢٢٦

ترجمة الرسعني

١ - الذهبي: « الرسعني العلّامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر، المحدّث المفسّر الحنبلي. ولد سنة تسع وثمانين، وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا، وصنف تفسيراً جيّداً، وكان شيخ الجزيرة في زمانه علماً وفضلاً وجلالة. توفي في ثاني عشر ربيع الآخر »(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفسّر، عالم الجزيرة عني بهذا العلم، وجمع وصنف تفسيراً حسناً، رأيته يروي فيه بأسانيده، وصنّف كتاب مقتل الشهيد الحسين، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، روى عنه ولده العدل شمس الدين، والدمياطي في معجمه، وغير واحد، وبالاجازة أبو المعالي الأبرقوهي.

كانت له حرمة وافرة عند الملك بدر الدين صاحب الموصل وله شعر رائق، ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. كان من أوعية العلم والخير، توفي سنة ٦٦١ »(٢) .

٣ - ابن الجزري: « عبد الرزاق بن رزق الله أبو محمّد الرسعني، الامام العلّامة، المحدّث المقرئ، شيخ ديار بكر والجزيرة »(٣) .

٤ - السيوطي: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفيد، عالم الجزيرة، عز الدين أبو محمّد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الجزري، ولد برأس عين سنة ٥٨٩، وسمع الكندي وعدّة، وعني بهذا الشأن وصنف تفسيراً، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، أجاز للدمياطي والأبرقوهي،

____________________

(١). العبر حوادث ٦٦١.

(٢). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٥٢.

(٣). طبقات القراء ١ / ٣٨٤.

٢٢٧

ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. مات سنة ٦٦١ »(١) .

٥ - وذكر الكاتب الجلبي تفسير الرسعني في مواضع من كتابه، ففي باب التاء: « تفسير عبد الرزاق بن رزق الله الحنبلي الرسعني، المسمى بمطالع أنوار التنزيل. يأتي. قلت: تفسير عبد الرزاق المذكور اسمه رموز الكنوز. قال محمد المالكي الداودي صاحب طبقات المفسرين بعد نقل هذا التفسير واسمه: وفيه فوائد حسنة، ويروى فيه الأحاديث بأسانيده »(٢) .

وقال في باب الراء: « رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز، للشيخ الامام عز الدين عبد الرزاق الرسعني الحنبلي المتوفى سنة ٦٦٠ »(٣) .

وقال في باب الميم: « مطالع أنوار التنزيل ومفاتيح أسرار التأويل لعبد الرزاق بن رزق الله وهو تفسير كبير حسن، انتفاه السيوطي، وكتب في آخره إجازة سماعه في مجالس آخرها ثاني ذي القعدة سنة ٦٥٩ بدار الحديث المهاجرية بالموصل »(٤) .

(١٣)

رواية النيسابوري

وأما رواية نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري نزول آية التبليغ المباركة في واقعة يوم غدير خم، فهي في تفسيره بعد تفسير قوله تعالى

____________________

(١). طبقات الحفاظ: ٥٠٥.

(٢). كشف الظنون ١ / ٤٥٢.

(٣). المصدر ١ / ٩١٣.

(٤). المصدر ٢ / ١٧١٥.

٢٢٨

( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ ) إذ قال:

« ثم أمر رسوله بأنْ لا ينظر إلى قلّة المقتصدين وكثرة المعاندين، ولا يتخوف مكرهم [ مكروههم ] فقال.( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) عن أبي سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب [ رضي ‌الله‌ عنه وكرّم الله وجهه ] يوم غدير خم، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر وقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.وهو قول ابن عباس والبراء ابن عازب ومحمّد بن علي.

وروى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام في بعض أسفاره تحت شجرة وعلّق سيفه عليها، فأتاه أعرابي وهو نائم، فأخذ سيفه واخترطه وقال: يا محمّد من يمنعك مني؟ فقال: الله. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده، وضرب برأسه الشجر [ ة ] حتى انتثر دماغه ونزل( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وقيل: لما نزلت آية التخيير:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) فلم يعرضها عليهن خوفاً من اختيارهن الدنيا نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) .

وقيل: نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش.

وقيل: لمـّا نزل:( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) سكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عيب آلهتهم فنزلت، أي: بلّغ معايب آلهتهم ولا تخفها.

وقيل: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا بيّن الشرائع والمناسك في حجة الوداع قال: هل بلغت؟ قالوا: نعم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم اشهد. فنزلت.

وقيل: نزلت في قصة الرجم والقصاص المذكورتين.

وقال الحسن: إن نبي الله قال: لمـّا بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعاً، وتخوّفت أن من الناس من يكذّبني، واليهود والنصارى يخوّفونني، فنزلت الآية. فزال الخوف.

٢٢٩

وقالت عائشة: سهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة؟! قالت: فبينا نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال من هذا؟ قال: سعيد وحذيفة جئنا نحرسك. فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى سمعت غطيطه، فنزلت هذه الآية، فأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه من قبة أدم فقال: انصرفوا أيّها الناس، فقد عصمني الله.

وعن ابن عباس: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرس، فكان يرسل معه أبو طالب كلّ يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت هذه الآية، فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسونه فقال: يا عمّاه إن الله تعالى قد عصمني من الجنّ والإِنس »(١) .

أقول: نلمس من هذه العبارة أن النيسابوري يرى أن سبب نزول الآية هو واقعة يوم الغدير، وأن القول بنزولها في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الصحيح من بين الأقوال، ولذا قدّم هذا القول على سائر الأقوال، مع عزوه إلى جماعة من الصحابة والامام الباقرعليه‌السلام ، ونسب أكثر الأقوال الأخرى إلى القيل.

ويشهد بكون ذكر هذا القول مقدّماً على غيره قرينة على اختيار النيسابوري له: أن رشيد الدين الدهلوي نقل عن النسفي كلاماً في موضوع، ثم نسب إليه إختيار الأول منهما، لذكره إياه مقدّما على القول الآخر، وهذا كلام رشيد الدين في ( ايضاح لطافة المقال ):

« وقال العلامة أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي صاحب كنز الدقائق، في آخر كتاب الاعتماد في الاعتقاد: ثم قيل: لا يفضّل أحد بعد الصحابة إلّا بالعلم والتقوى، وقيل: فضل أولادهم على ترتيب فضل آبائهم،

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٦ / ١٢٩ - ١٣٠.

٢٣٠

إلّا أولاد فاطمةعليهما‌السلام ، فإنهم يفضَّلون على أولاد أبي بكر وعمر وعثمان، لقربهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهم العترة الطاهرة والذريّة الطيّبة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وتفيد هذه العبارة - من جهة تقديم ذكر القول المختار للشيخ عبد الحق - أن هذا القول هو الأرجح عند صاحب كتاب الاعتماد، كما لا يخفى على العلماء الأمجاد ».

الاعتماد على النيسابوري وتفسيره

وذكر الكاتب الجلبي تفسير النيسابوري بقوله: « غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير، للعلامة نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري، المعروف بالنظام الأعرج...»(١) .

وعدّه المولوي حسام الدين السهارنبوري ضمن مصادر كتابه ( مرافض الروافض ) في عداد تفسير البيضاوي ومعالم التنزيل والمدارك والكشاف وجامع البيان، واصفاً إياها بالكتب المعتبرة.

وقد اعتمد القوم على كلمات النيسابوري واستندوا إليها في مقابلة أهل الحق والرد على استدلالاتهم، من ذلك استناد ( الدهلوي ) إلى ما اختاره النيسابوري في الجواب عن مطعن عزل أبي بكر عن إبلاغ سورة البراءة(٢) .

ومن ذلك استشهاد المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام )، في كلامه حول حديث ارتداد الاصحاب بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذبّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاهم عن الحوض.

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١١٩٥.

(٢). التحفة. باب المطاعن: ٢٧٢.

٢٣١

كلام النيسابوري في خطبة تفسيره

كما يظهر اعتبار هذا التفسير من كلام النيسابوري نفسه أيضاً في خطبته، إذ قال:

« ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين، والفضلاء المحققين، والأئمة المتقنين في كل عصر وحين، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره، والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه، نقلاً وعقلاً وأخذاً واجتهاداً، فتباعدت مطامح همّاتهم، وتباينت مواقع نياتهم، وتشعّبت مسالك أقدامهم، وتفننت مقاطر أقلامهم، فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز، ومن مقتصر على حلّ الألفاظ، ومن ملاحظ مع ذلك حظّ المعاني والبيان ونعم اللحاظ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم، ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل، إلّا من عصمه الله وإنه لقليل، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين، فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الأجاج، يلقط الدر الثمين ويسقط السبخ والزجاج.

وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة، كما اشتهر - بحمد الله تعالى ومنّه - فيما بين أهل الزمان، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من العين والعين من الإنسان، وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبى وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان، وطالما طالبني بعض أجلّة الإِخوان وأعزّة الأخدان ممن كنت مشاراً عندهم بالبنان في البيان، والله المنّان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لاسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم، أن أجمع كتاباً في علم التفسير مشتملاً على المهمّات، مبنيّاً على ما وقع إلينا من نقل الأثبات وأقوال الثقات، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخّرين، جعل الله تعالى سعيهم مشكوراً

٢٣٢

وعملهم مبروراً، إستعنت بالمعبود وشرعت في المقصود، معترفاً بالعجز والقصور في هذا الفن وفي سائر الفنون، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون، كيف وقد قال عز من قائل( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً؟ وكفى بالله ولياً وكفى بالله وكيلاً.

ولمـّا كان التفسير الكبير المنسوب إلى الامام الأفضل والهمام الأمثل، الحبر النحرير والبحر الغزير، الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول، أفضل المتأخرين، فخر الملة والحق والدين، محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي، تغمّده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه، إسمه مطابق لمسماه، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى، ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجودة حتى عسر كتبه على الطالبين، وأعوز تحصيله على الراغبين.

حاذيت سياق مرامه وأوردت حاصل كلامه، وقربت مسالك أقدامه، والتقطت عقود نظامه، من غير إخلال بشيء من الفوائد، وإهمال لما يعدّ من اللطائف والعوائد، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة، وأثبت القراآت المعتبرات والوقوف المعللات، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات، مع إصلاح ما يجب إصلاحه، وإتمام ما ينبغي إتمامه، من المسائل الموردة في التفسير الكبير والاعتراضات، ومع كلّ ما يوجد في الكشاف من المواضع المعضلات، سوى الأبيات المعقّدات، فإن ذلك يوردها من ظنَّ أن تصحيح القراآت وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات، كلّا، فإنّ القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها بالألفاظ المشتهرات، وعلى إيراد بعض المتجانسات التي تعرف منها أصول الاشتقاقات، وذكرت طرفاً من الاشارات المقنعات، والتأويلات الممكنات، والحكايات المبكيات، والمواعظ الرداعة عن المنهيات، الباعثة على أداء الواجبات.

٢٣٣

والتزمت إيراد لفظ القرآن الكريم أوّلاً مع ترجمته على وجه بديع وطريق منيع، يشتمل على إبراز المقدّرات وإظهار المضمرات، وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات، وتحقيق المجازات والاستعارات، فإنّ هذا النوع من الترجمة مما تكسب فيه العبرات، ويؤذن المترجمون هنالك إلى العثرات، وقلّما يفطن له الناشي الواقف على متن اللغة العربية، فضلاً عن الدخيل القاصر في العلوم الأدبية، واجتهدت كلّ الاجتهاد في تسهيل سبيل الرشاد، ووضعت الجميع على طرف الثمام، ليكون الكتاب كالبدر في التمام، وكالشمس في إفادة الخاص والعام، من غير تطويل يورث الملام ولا تقصير يوعر مسالك السالك، ويبدد نظام الكلام، فخير الكلام ما قل ودل، وحسبك من الزاد ما بلّغك المحل، والتكلان في الجميع على الرحمن المستعان، والتوفيق مسئول ممن بيده مفاتيح الفضل والإحسان، وخزائن البر والامتنان، وهذا أوان الشروع في تفسير القرآن ».

(١٤)

رواية الهمداني

وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني نزول آية التبليغ، في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام في واقعة يوم غدير خم: « عن البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال: أقبلت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، فلمـّا كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة، وأخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمررضي‌الله‌عنه فقال: هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وفيه نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )

٢٣٤

الآية »(١) .

ترجمة الهمداني وخطبة كتابه

والسيد علي الهمداني من علماء أهل السنة الرّبانيين، ومن مشاهير عرفائهم المنتجبين، فقد ترجموا له بما يفوق الوصف، ونسبوا الكرامات الجليلة إليه مثل إحياء الأموات وغيره، كما سنذكر ذلك فيما سيأتي إن شاء الله.

وأما كتابه ( مودة القربى ) فقد مدحه مؤلّفه في خطبته، وبيّن اعتباره وشأنه بقوله: « وبعد، فقد قال الله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحبّوا الله لما أرفدكم من نعمه وأحبّوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي. فلمـّا كان مودة آل النبي مسئولاً عنها حيث أمر الله تعالى حبيبه العربي بأن لا يسأل عن قومه سوى المودة في القربى، وأن ذلك سبب النجاة للمحبين، وموجب وصولهم إليه وإلى آلهعليهم‌السلام كما قالعليه‌السلام : من أحبّ قوماً حشر في زمرتهم. وأيضاً قالعليه‌السلام : المرء مع من أحب. فوجب على من طلب طريق الوصول ومنهج القبول محبّة الرسول ومودة أهل بيت البتول، وهذه لا تحصل إلّا بمعرفة فضائله وفضائل آلهعليهم‌السلام ، وهي موقوفة على معرفة ما ورد فيهم من أخبارهعليه‌السلام .

ولقد جمعت الأخيار في فضائل العلماء والفقراء أربعينيات كثيرة، ولم يجمع في فضائل أهل البيت إلّا قليلاً، فلذا - وأنا الفقير الجاني على العلوي الهمداني - أردت أن أجمع في جواهر أخباره ولآلي آثاره مما ورد فيهم، مختصراً موسوماً بكتاب ( المودة في القربى ) تبركا بالكلام القديم، كما في مأمولي أن يجعل ذلك وسيلتي إليهم ونجاتي بهم، وطويته على أربع عشرة مودة، والله يعصمني من الخبط والخلل في القول والعمل، ولم يحوّل قلمي إلى ما لم ينقل، بحق محمّد ومن اتبعه من أصحاب الدّول ».

____________________

(١). مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: ٢٤٩.

٢٣٥

(١٥)

رواية ابن الصباغ

وروى نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصباغ المالكي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في كتابه ( الفصول المهمة ) حيث قال:

« روى الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول، يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة ابن الصباغ واعتبار كتابه

وابن الصباغ من مشاهير فقهاء المالكية، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفين، فهم ينقلون عنه أقواله ويعتمدون على رواياته، ويصفونه - وهم ناقلون عنه - بالأوصاف العظيمة. وممن أكثر من النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه ( جواهر العقدين ).

وفي ( نزهة المجالس ): « ورأيت في الفصول المهمة في معرفة الأئمة بمكّة المشرفة شرّفها الله تعالى وهي مصنفة لأبي الحسن المالكي: إن علياً ولدته أمه بجوف الكعبة شرّفها الله تعالى »(٢) .

وعبّر عنه الشيخ أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي بـ « الشيخ الامام علي ابن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية » في كلام له حول حكم الخنثى

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٤٢.

(٢). نزهة المجالس لعبد الرحمن الصفوري ٢ / ٢٠٤ - ٢٠٥.

٢٣٦

وهذا نصه: « قلت: وهذه المسألة وقعت في زماننا هذا ببلاد الجبرت، على ما أخبرني به سيدي العلامة نور بن خلف الجبرتي، وذكر لي أن الخنثى الموصوفة توفيت عن ولدين، ولد لبطنها وولد لظهرها، وخلّفت تركة كثيرة، وأن علماء تلك الجهة تحيّروا في الميراث واختلفت أحكامهم، فمنهم من قال: يرث ولد الظهر دون ولد البطن. ومنهم من قال بعكس هذا. ومنهم من قال: يقتسمان التركة. ومنهم من قال: توقف التركة حتى يصطلح الولدان على تساو أو على مفاضلة. وأخبرني أن الخصام قائم والتركة موقوفة، وأنه خرج لسؤال علماء المغرب خصوصا علماء الحرمين عن ذلك.

وبعد الاتفاق به بسنتين، وجدت حكم أمير المؤمنين في كتاب الفصول المهمة في فضل الأئمة تصنيف الشيخ الامام علي بن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية »(١) .

وذكر محمّد رشيد الدين خان الدهلوي كتاب ( الفصول المهمة ) ناسباً إياه إلى الشيخ ابن الصباغ المالكي، ومصرّحاً بكونه من كتب أهل السنة المؤلّفة في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

كما ذكر عبد الله بن محمّد المدني والمطيري شهرة، الشافعي مذهباً، الأشعري إعتقاداً، والنقشبندي طريقة - كتاب ( الفصول المهمة ) في خطبة كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة ) حيث قال:

« أما بعد فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن محمّد المطيري شهرة المدني حالاً: هذا كتاب سميته بالرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة، جمعت فيه ما اطّلعت عليه مما ورد في هذا الشأن، واعتنى بنقله العلماء العاملون الأعيان، وأكثره من الفصول المهمة لابن الصباغ، ومن الجوهر الشفاف للخطيب ».

____________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٣٧

(١٦)

رواية العيني

وروى بدر الدين محمود بن أحمد العيني نزول آية التبليغ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) . في واقعة يوم الغدير، في شرحه على صحيح البخاري، حيث جاء بتفسير الآية المذكورة من كتاب التفسير ما هذا نصه: « ص - باب( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

ش - أي هذا باب من قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ ) ذكر الواحدي من حديث الحسن بن حماد سجادة قال: ثنا علي بن عياش عن الأعمش وأبي الجحاف، عن عطيّة، عن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه .

وقال مقاتل: قوله بلّغ ما أنزل إليك. وذلك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدعاء، فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمّد أن نتخذك حناناً كما اتخذت النصارى عيسى حناناً. فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك سكت عنهم، فحرّض الله تعالى نبيهعليه‌السلام على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن الدعاء.

وقال الزمخشري: نزلت هذه الآية بعد أحد.

وذكر الثعلبي عن الحسن قال سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما بعثني الله عزّ وجلّ برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذّبني - وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى - فنزلت.

وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة.

وقيل: نزلت في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضاً بعض

٢٣٨

المؤمنين، وكان النبيعليه‌السلام يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم، فنزلت.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاري.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك في أمر نسائك.

وقال أبو جعفر محمّد بن علي بن حسين: معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فلمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلمـّا نزلت هذه الآية خطبعليه‌السلام في حجة الوداع، ثم قال: اللهم هل بلغت؟

وعند ابن الجوزي: بلّغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص »(١) .

هذا هو النص الكامل لعبارة العيني في هذا المقام، وقد رأيت أنه قد قدّم القول بنزولها في فضل عليعليه‌السلام يوم الغدير على سائر الأقوال في الذكر، الأمر الذي يدلّ على تقديمه إياه عليها في الاختيار كما تقدم ثمّ إنّه عاد وذكر قول سيدنا الامام الباقرعليه‌السلام وهو القول الفصل، والحمد لله ربّ العالمين.

ترجمة البدر العيني

١ - شمس الدين السخاوي: « محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، القاضي بدر الدين أبو محمد - وقيل أبو الثناء - ابن القاضي شهاب الدين، الحلبي الأصل، العنتابي المولد، القاهري الحنفي. أحد الأعيان، ويعرف بابن العيني. كان مولد والده بحلب في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وانتقل إلى عنتاب فولي قضاءها فولد بها ولده البدر، وذلك - كما قرأته

____________________

(١). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ١٨ / ٢٠٦.

٢٣٩

بخطّه - في سابع عشر رمضان سنة ٧٦٢، فنشأ بها، وقرأ القرآن واشتغل بالعلوم من سائر الفنون على العلماء الكبار

وكان إماماً عالماً علّامة، عارفاً بالتصريف والعربية وغيرهما، حافظاً للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركاً في الفنون، لا يمل من المطالعة والكتابة، كتب بخطه جملة من الكتب، وصنّف الكثير، وكان نادرة بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه، وقلمه أجود من تقريره، وكتابته طريفة حسنة من السرعة

وحدّث وأفتى ودرّس، مع لطف العشرة والتواضع، واشتهر اسمه وبعد صيته، وأخذ عنه الفضلاء من كل مذهب، وممن سمع عليه من القدماء: الكمال الشمني، سمع عليه بعض شرح الطحاوي من تصانيفه، وأرغون شاه التيدمري المتوفى سنة ٨٠٢ صحيح البخاري ومسلم والمصابيح. وعلّق شيخنا من فوائده بل سمع عليه، لأجل ما كان عزم عليه من عمل البلدانيات

وذكره العلاء ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم، وعنده حشمة ومروة وعصبية وديانة - انتهى.

وقد قرأت عليه الأربعين التي انتقاها شيخي رحمه الله تعالى من صحيح مسلم، في خامس صفر سنة إحدى وخمسين، وعرضت عليه قبل ذلك محافيظي وسمعت عدة من دروسه »(١) .

٢ - السيوطي: « العيني قاضي القضاة تفقّه واشتغل بالفنون، وبرع ومهر، ودخل القاهرة وولي الحسبة مراراً، وقضاء الحنفية، وله تصانيف منها: شرح البخاري، وشرح الشواهد، وشرح معاني الآثار، وشرح الهداية، وشرح الكنز، وشرح المجمع، وشرح درر البحار، وطبقات الحنفية، وغير ذلك. مات في

____________________

(١). الذيل الطاهر للسخاوي - مخطوط. ومنه نسخة وعليها خط المؤلف في مكتبة السيد صاحب عبقات الأنواررحمه‌الله .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391