نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 308551 / تحميل: 7475
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

محفوظاً على الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدات أتى فيه بالعجائب وهو على نسق تاريخ بغداد قال بعض أهل العلم بالحديث والتواريخ: ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله وبلغ فيه الذروة العليا، ومن تصفح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ.

قلت: بل من تأمل تصانيفه من حيث الجملة علم مكانه في الحفظ والضبط للعلم، والاطلاع وجودة الفهم، والبلاغة والتحقيق والاتساع في العلوم، وفضائل تحتها من المناقب والمحاسن كلّ طائل

وكان ابن عساكر المذكور -رضي‌الله‌عنه - حسن السيرة والسريرة، قال الحافظ الرئيس أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة ذكره الامام الحافظ ابن النجار في تاريخه فقال: إمام المحدّثين في وقته ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والاتقان والمعرفة التامة والثقة به، وبه ختم هذا الشأن وقال الحافظ عبد القاهر الرهاوي: رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا موسى الهمداني فما رأيت فيهم مثل ابن عساكر »(١) .

٦ - الأسنوي: « ومنهم الحافظ أبو القاسم علي أخو الصائن المتقدم ذكره، إمام الشافعية، صاحب تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة وغير ذلك من المصنفات كانرحمه‌الله ديّناً خيّراً حسن السمت مواظباً على الاعتكاف »(٢) .

٧ - ابن قاضي شهبة: « علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، الحافظ الكبير، ثقة الدين، أبو القاسم ابن عساكر، فخر الشافعية، وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب تاريخ دمشق وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة، مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ورحل إلى بلاد

____________________

(١). مرآة الجنان حوادث ٥٧١.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٢١٦.

٢٢١

كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، تفقه بدمشق وبغداد، وكان ديّناً خيّراً »(١) .

(١٠)

الفخر الرازي

وذكر فخر الدين محمّد بن عمر الرازي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ( تفسيره )، في بيان الأقوال المذكورة في سبب تلك الآية، حيث قال:

« العاشر - نزلت هذه الآية في فضل عليرضي‌الله‌عنه ، ولمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمررضي‌الله‌عنه فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي »(٢) .

أقول: إن العبرة بذكر الرازي لهذا القول في ضمن الأقوال المزعومة الأخرى، وقد عرفت أنه ينسب هذا القول إلى ابن عباس والبراء بن عازب وسيدنا الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام ، فلا عبرة إذن بكلامه هو حول هذا الموضوع، فإنه كلام لا موجب له إلّا المكابرة والعناد، ويكفي في سقوطه أنه ردّ على الامام المعصوم أبي جعفر الباقرعليه‌السلام .

ولو قيل: إن المتعصبين من أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الأئمة الطاهرين، بل إنّ بعضهم كابن الجوزي في ( الموضوعات ) والسيوطي في ( اللئالي المصنوعة ) وابن العرّاق في ( تنزيه الشريعة ) يجرحون فيهم والعياذ بالله.

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٣٤٥.

(٢). تفسير الرازي ١٢ / ٤٩.

٢٢٢

قلنا: فما يقولون في حق صحابةٍ يقولون بعدالتهم كابن عباس والبراء بن عازب، وكأبي سعيد الخدري القائل بهذا القول - كما في تفسير النيسابوري، وسنذكر عبارته - وعبد الله بن مسعود كما ستعلم فيما بعد؟

فالحاصل: إن الرازي يعترف بأن القول بنزول الآية في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الغدير هو قول ابن عباس والبراء والامام الباقر، وإنْ كان لا يرتضي هذا القول ولا يعتمد عليه تعصباً وعناداً.

ترجمة الرازي

وقد بالغ بعض علماء أهل السنة في الثناء على هذا المتعصب العنيد:

١ - فقد ترجم لهابن خلكان بقوله: « أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسين ابن الحسن بن علي، التيمي، البكري، الطبرستاني [ الأصل ] الرازي المولد، الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، الفقيه الشافعي. فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة، منها تفسير القرآن الكريم، جمع فيه كل غريب وغريبة، وهو كبير جدّاً لكنه لم يكمله وكل كتبه ممتعة.

وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة، فإن النّاس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه، وكان له في الوعظ اليد البيضاء، ويعظ باللسانين العربي والعجمي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات، ويسالونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشدّ إليه الرحال من الأقطار »(١) .

____________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ٣٨١ - ٣٨٥.

٢٢٣

٢ - ابن الوردي: « الامام فخر الدين الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف المشهورة، ومولده سنة ٥٤٣ ومع فضائله كانت له اليد الطولى في الوعظ بالعربي والعجمي، ويلحقه فيه وجد وبكاء، وكان أوحد الناس في المعقولات والأصول، قصد الكمال السمناني، ثم عاد إلى الري إلى المجد الجيلي، واشتغل عليهما، وسافر إلى خوارزم وما وراء النهر، وجرت الفتنة التي ذكرت، واتّصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة وحصل له منه مال طائل، ثم حظي في خراسان عند السلطان خوارزم شاه بن تكش، وشدّت إليه الرّحال، وقصده ابن عنين ومدحه بقصائد »(١) .

٣ - اليافعي: « وفيها الامام الكبير، العلّامة النحرير، الأصولي المتكلّم المناظر المفسر، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق، الحظّية في سوق الإِفادة بالنفاق، فخر الدين الرازي الملقب بالإمام عند علماء الأصول، المقرر لشبه مذاهب فرق المخالفين، والمبطل بها بإقامة البراهين، الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، المعروف بابن الخطيب، الشافعي المذهب، فريد عصره ونسيج دهره، الذي قال فيه بعض العلماء: خصّه الله برأي هو للغيب طليعة، فيرى الحق بعين دونها حدّ الطبيعة، ومدحه الامام سراج الدين يوسف ابن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي

فاق أهل زمانه في الأصلين والمعقولات وعلوم الأوائل، صنّف التصانيف المفيدة في فنون عديدة وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك، وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة، إذا ركب ركب معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك »(٢) .

٤ - محمّد الحافظ خواجة بارسا: « قال الامام النحرير، المناظر المتكلّم

____________________

(١). تتمة المختصر حوادث سنة ٦٠٦.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٠٦.

٢٢٤

المفسر، صاحب التصانيف المشهورة، فخر الملة والدين الرازي في التفسير الكبير في قوله سبحانه:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فيه لطيفة وهو: إن الرجس قد يزول عنّا ولا يطهر المحلّ، فقوله سبحانه: ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب، وقوله سبحانه: ويطهّركم تطهيرا أي يلبسكم خلع الكرامة تطهيرا، لا يكون بعده تلوّث »(١) .

٥ - ابن قاضي شهبة: « محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، العلامة سلطان المتكلّمين في زمانه المفسر المتكلم، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة ٥٤٤، وقيل سنة ثلاث، اشتغل أوّلا على والده ضياء الدين عمر، وهو من تلامذة البغوي، ثم على الكمال السمناني وعلى المجد الجيلي صاحب محمّد بن يحيى، وأتقن علوما كثيرة وبرز فيها وتقدّم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة »(٢)

(١١)

رواية محمد بن طلحة

وروى أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير حيث قال: « زيادة تقرير - نقل الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: أنزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير

____________________

(١). فصل الخطاب - مخطوط.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣٩٦.

٢٢٥

خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة محمّد بن طلحة

وقد ترجم لمحمّد بن طلحة مشاهير علمائهم، واصفين إيّاه بالمحامد الجميلة والفضائل العظيمة، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بما ذكره اليافعي في حقّه حيث قال: « الكمال محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي. وكان رئيساً محتشماً بارعاً في الفقه والخلاف، ولّي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه، توفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز التسعين، وله دائرة الحروف ...»(٢) .

(١٢)

رواية الرسعني

وروى عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، قال محمّد بن معتمد خان البدخشاني: « أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: لما نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

____________________

(١). مطالب السئول في مناقب آل الرسول: ٤٤.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٥٢.

(٣). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

٢٢٦

ترجمة الرسعني

١ - الذهبي: « الرسعني العلّامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر، المحدّث المفسّر الحنبلي. ولد سنة تسع وثمانين، وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا، وصنف تفسيراً جيّداً، وكان شيخ الجزيرة في زمانه علماً وفضلاً وجلالة. توفي في ثاني عشر ربيع الآخر »(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفسّر، عالم الجزيرة عني بهذا العلم، وجمع وصنف تفسيراً حسناً، رأيته يروي فيه بأسانيده، وصنّف كتاب مقتل الشهيد الحسين، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، روى عنه ولده العدل شمس الدين، والدمياطي في معجمه، وغير واحد، وبالاجازة أبو المعالي الأبرقوهي.

كانت له حرمة وافرة عند الملك بدر الدين صاحب الموصل وله شعر رائق، ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. كان من أوعية العلم والخير، توفي سنة ٦٦١ »(٢) .

٣ - ابن الجزري: « عبد الرزاق بن رزق الله أبو محمّد الرسعني، الامام العلّامة، المحدّث المقرئ، شيخ ديار بكر والجزيرة »(٣) .

٤ - السيوطي: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفيد، عالم الجزيرة، عز الدين أبو محمّد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الجزري، ولد برأس عين سنة ٥٨٩، وسمع الكندي وعدّة، وعني بهذا الشأن وصنف تفسيراً، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، أجاز للدمياطي والأبرقوهي،

____________________

(١). العبر حوادث ٦٦١.

(٢). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٥٢.

(٣). طبقات القراء ١ / ٣٨٤.

٢٢٧

ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. مات سنة ٦٦١ »(١) .

٥ - وذكر الكاتب الجلبي تفسير الرسعني في مواضع من كتابه، ففي باب التاء: « تفسير عبد الرزاق بن رزق الله الحنبلي الرسعني، المسمى بمطالع أنوار التنزيل. يأتي. قلت: تفسير عبد الرزاق المذكور اسمه رموز الكنوز. قال محمد المالكي الداودي صاحب طبقات المفسرين بعد نقل هذا التفسير واسمه: وفيه فوائد حسنة، ويروى فيه الأحاديث بأسانيده »(٢) .

وقال في باب الراء: « رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز، للشيخ الامام عز الدين عبد الرزاق الرسعني الحنبلي المتوفى سنة ٦٦٠ »(٣) .

وقال في باب الميم: « مطالع أنوار التنزيل ومفاتيح أسرار التأويل لعبد الرزاق بن رزق الله وهو تفسير كبير حسن، انتفاه السيوطي، وكتب في آخره إجازة سماعه في مجالس آخرها ثاني ذي القعدة سنة ٦٥٩ بدار الحديث المهاجرية بالموصل »(٤) .

(١٣)

رواية النيسابوري

وأما رواية نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري نزول آية التبليغ المباركة في واقعة يوم غدير خم، فهي في تفسيره بعد تفسير قوله تعالى

____________________

(١). طبقات الحفاظ: ٥٠٥.

(٢). كشف الظنون ١ / ٤٥٢.

(٣). المصدر ١ / ٩١٣.

(٤). المصدر ٢ / ١٧١٥.

٢٢٨

( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ ) إذ قال:

« ثم أمر رسوله بأنْ لا ينظر إلى قلّة المقتصدين وكثرة المعاندين، ولا يتخوف مكرهم [ مكروههم ] فقال.( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) عن أبي سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب [ رضي ‌الله‌ عنه وكرّم الله وجهه ] يوم غدير خم، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر وقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.وهو قول ابن عباس والبراء ابن عازب ومحمّد بن علي.

وروى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام في بعض أسفاره تحت شجرة وعلّق سيفه عليها، فأتاه أعرابي وهو نائم، فأخذ سيفه واخترطه وقال: يا محمّد من يمنعك مني؟ فقال: الله. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده، وضرب برأسه الشجر [ ة ] حتى انتثر دماغه ونزل( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وقيل: لما نزلت آية التخيير:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) فلم يعرضها عليهن خوفاً من اختيارهن الدنيا نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) .

وقيل: نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش.

وقيل: لمـّا نزل:( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) سكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عيب آلهتهم فنزلت، أي: بلّغ معايب آلهتهم ولا تخفها.

وقيل: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا بيّن الشرائع والمناسك في حجة الوداع قال: هل بلغت؟ قالوا: نعم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم اشهد. فنزلت.

وقيل: نزلت في قصة الرجم والقصاص المذكورتين.

وقال الحسن: إن نبي الله قال: لمـّا بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعاً، وتخوّفت أن من الناس من يكذّبني، واليهود والنصارى يخوّفونني، فنزلت الآية. فزال الخوف.

٢٢٩

وقالت عائشة: سهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة؟! قالت: فبينا نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال من هذا؟ قال: سعيد وحذيفة جئنا نحرسك. فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى سمعت غطيطه، فنزلت هذه الآية، فأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه من قبة أدم فقال: انصرفوا أيّها الناس، فقد عصمني الله.

وعن ابن عباس: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرس، فكان يرسل معه أبو طالب كلّ يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت هذه الآية، فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسونه فقال: يا عمّاه إن الله تعالى قد عصمني من الجنّ والإِنس »(١) .

أقول: نلمس من هذه العبارة أن النيسابوري يرى أن سبب نزول الآية هو واقعة يوم الغدير، وأن القول بنزولها في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الصحيح من بين الأقوال، ولذا قدّم هذا القول على سائر الأقوال، مع عزوه إلى جماعة من الصحابة والامام الباقرعليه‌السلام ، ونسب أكثر الأقوال الأخرى إلى القيل.

ويشهد بكون ذكر هذا القول مقدّماً على غيره قرينة على اختيار النيسابوري له: أن رشيد الدين الدهلوي نقل عن النسفي كلاماً في موضوع، ثم نسب إليه إختيار الأول منهما، لذكره إياه مقدّما على القول الآخر، وهذا كلام رشيد الدين في ( ايضاح لطافة المقال ):

« وقال العلامة أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي صاحب كنز الدقائق، في آخر كتاب الاعتماد في الاعتقاد: ثم قيل: لا يفضّل أحد بعد الصحابة إلّا بالعلم والتقوى، وقيل: فضل أولادهم على ترتيب فضل آبائهم،

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٦ / ١٢٩ - ١٣٠.

٢٣٠

إلّا أولاد فاطمةعليهما‌السلام ، فإنهم يفضَّلون على أولاد أبي بكر وعمر وعثمان، لقربهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهم العترة الطاهرة والذريّة الطيّبة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وتفيد هذه العبارة - من جهة تقديم ذكر القول المختار للشيخ عبد الحق - أن هذا القول هو الأرجح عند صاحب كتاب الاعتماد، كما لا يخفى على العلماء الأمجاد ».

الاعتماد على النيسابوري وتفسيره

وذكر الكاتب الجلبي تفسير النيسابوري بقوله: « غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير، للعلامة نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري، المعروف بالنظام الأعرج...»(١) .

وعدّه المولوي حسام الدين السهارنبوري ضمن مصادر كتابه ( مرافض الروافض ) في عداد تفسير البيضاوي ومعالم التنزيل والمدارك والكشاف وجامع البيان، واصفاً إياها بالكتب المعتبرة.

وقد اعتمد القوم على كلمات النيسابوري واستندوا إليها في مقابلة أهل الحق والرد على استدلالاتهم، من ذلك استناد ( الدهلوي ) إلى ما اختاره النيسابوري في الجواب عن مطعن عزل أبي بكر عن إبلاغ سورة البراءة(٢) .

ومن ذلك استشهاد المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام )، في كلامه حول حديث ارتداد الاصحاب بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذبّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاهم عن الحوض.

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١١٩٥.

(٢). التحفة. باب المطاعن: ٢٧٢.

٢٣١

كلام النيسابوري في خطبة تفسيره

كما يظهر اعتبار هذا التفسير من كلام النيسابوري نفسه أيضاً في خطبته، إذ قال:

« ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين، والفضلاء المحققين، والأئمة المتقنين في كل عصر وحين، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره، والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه، نقلاً وعقلاً وأخذاً واجتهاداً، فتباعدت مطامح همّاتهم، وتباينت مواقع نياتهم، وتشعّبت مسالك أقدامهم، وتفننت مقاطر أقلامهم، فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز، ومن مقتصر على حلّ الألفاظ، ومن ملاحظ مع ذلك حظّ المعاني والبيان ونعم اللحاظ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم، ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل، إلّا من عصمه الله وإنه لقليل، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين، فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الأجاج، يلقط الدر الثمين ويسقط السبخ والزجاج.

وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة، كما اشتهر - بحمد الله تعالى ومنّه - فيما بين أهل الزمان، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من العين والعين من الإنسان، وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبى وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان، وطالما طالبني بعض أجلّة الإِخوان وأعزّة الأخدان ممن كنت مشاراً عندهم بالبنان في البيان، والله المنّان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لاسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم، أن أجمع كتاباً في علم التفسير مشتملاً على المهمّات، مبنيّاً على ما وقع إلينا من نقل الأثبات وأقوال الثقات، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخّرين، جعل الله تعالى سعيهم مشكوراً

٢٣٢

وعملهم مبروراً، إستعنت بالمعبود وشرعت في المقصود، معترفاً بالعجز والقصور في هذا الفن وفي سائر الفنون، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون، كيف وقد قال عز من قائل( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً؟ وكفى بالله ولياً وكفى بالله وكيلاً.

ولمـّا كان التفسير الكبير المنسوب إلى الامام الأفضل والهمام الأمثل، الحبر النحرير والبحر الغزير، الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول، أفضل المتأخرين، فخر الملة والحق والدين، محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي، تغمّده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه، إسمه مطابق لمسماه، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى، ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجودة حتى عسر كتبه على الطالبين، وأعوز تحصيله على الراغبين.

حاذيت سياق مرامه وأوردت حاصل كلامه، وقربت مسالك أقدامه، والتقطت عقود نظامه، من غير إخلال بشيء من الفوائد، وإهمال لما يعدّ من اللطائف والعوائد، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة، وأثبت القراآت المعتبرات والوقوف المعللات، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات، مع إصلاح ما يجب إصلاحه، وإتمام ما ينبغي إتمامه، من المسائل الموردة في التفسير الكبير والاعتراضات، ومع كلّ ما يوجد في الكشاف من المواضع المعضلات، سوى الأبيات المعقّدات، فإن ذلك يوردها من ظنَّ أن تصحيح القراآت وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات، كلّا، فإنّ القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها بالألفاظ المشتهرات، وعلى إيراد بعض المتجانسات التي تعرف منها أصول الاشتقاقات، وذكرت طرفاً من الاشارات المقنعات، والتأويلات الممكنات، والحكايات المبكيات، والمواعظ الرداعة عن المنهيات، الباعثة على أداء الواجبات.

٢٣٣

والتزمت إيراد لفظ القرآن الكريم أوّلاً مع ترجمته على وجه بديع وطريق منيع، يشتمل على إبراز المقدّرات وإظهار المضمرات، وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات، وتحقيق المجازات والاستعارات، فإنّ هذا النوع من الترجمة مما تكسب فيه العبرات، ويؤذن المترجمون هنالك إلى العثرات، وقلّما يفطن له الناشي الواقف على متن اللغة العربية، فضلاً عن الدخيل القاصر في العلوم الأدبية، واجتهدت كلّ الاجتهاد في تسهيل سبيل الرشاد، ووضعت الجميع على طرف الثمام، ليكون الكتاب كالبدر في التمام، وكالشمس في إفادة الخاص والعام، من غير تطويل يورث الملام ولا تقصير يوعر مسالك السالك، ويبدد نظام الكلام، فخير الكلام ما قل ودل، وحسبك من الزاد ما بلّغك المحل، والتكلان في الجميع على الرحمن المستعان، والتوفيق مسئول ممن بيده مفاتيح الفضل والإحسان، وخزائن البر والامتنان، وهذا أوان الشروع في تفسير القرآن ».

(١٤)

رواية الهمداني

وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني نزول آية التبليغ، في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام في واقعة يوم غدير خم: « عن البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال: أقبلت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، فلمـّا كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة، وأخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمررضي‌الله‌عنه فقال: هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وفيه نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )

٢٣٤

الآية »(١) .

ترجمة الهمداني وخطبة كتابه

والسيد علي الهمداني من علماء أهل السنة الرّبانيين، ومن مشاهير عرفائهم المنتجبين، فقد ترجموا له بما يفوق الوصف، ونسبوا الكرامات الجليلة إليه مثل إحياء الأموات وغيره، كما سنذكر ذلك فيما سيأتي إن شاء الله.

وأما كتابه ( مودة القربى ) فقد مدحه مؤلّفه في خطبته، وبيّن اعتباره وشأنه بقوله: « وبعد، فقد قال الله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحبّوا الله لما أرفدكم من نعمه وأحبّوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي. فلمـّا كان مودة آل النبي مسئولاً عنها حيث أمر الله تعالى حبيبه العربي بأن لا يسأل عن قومه سوى المودة في القربى، وأن ذلك سبب النجاة للمحبين، وموجب وصولهم إليه وإلى آلهعليهم‌السلام كما قالعليه‌السلام : من أحبّ قوماً حشر في زمرتهم. وأيضاً قالعليه‌السلام : المرء مع من أحب. فوجب على من طلب طريق الوصول ومنهج القبول محبّة الرسول ومودة أهل بيت البتول، وهذه لا تحصل إلّا بمعرفة فضائله وفضائل آلهعليهم‌السلام ، وهي موقوفة على معرفة ما ورد فيهم من أخبارهعليه‌السلام .

ولقد جمعت الأخيار في فضائل العلماء والفقراء أربعينيات كثيرة، ولم يجمع في فضائل أهل البيت إلّا قليلاً، فلذا - وأنا الفقير الجاني على العلوي الهمداني - أردت أن أجمع في جواهر أخباره ولآلي آثاره مما ورد فيهم، مختصراً موسوماً بكتاب ( المودة في القربى ) تبركا بالكلام القديم، كما في مأمولي أن يجعل ذلك وسيلتي إليهم ونجاتي بهم، وطويته على أربع عشرة مودة، والله يعصمني من الخبط والخلل في القول والعمل، ولم يحوّل قلمي إلى ما لم ينقل، بحق محمّد ومن اتبعه من أصحاب الدّول ».

____________________

(١). مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: ٢٤٩.

٢٣٥

(١٥)

رواية ابن الصباغ

وروى نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصباغ المالكي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في كتابه ( الفصول المهمة ) حيث قال:

« روى الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول، يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة ابن الصباغ واعتبار كتابه

وابن الصباغ من مشاهير فقهاء المالكية، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفين، فهم ينقلون عنه أقواله ويعتمدون على رواياته، ويصفونه - وهم ناقلون عنه - بالأوصاف العظيمة. وممن أكثر من النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه ( جواهر العقدين ).

وفي ( نزهة المجالس ): « ورأيت في الفصول المهمة في معرفة الأئمة بمكّة المشرفة شرّفها الله تعالى وهي مصنفة لأبي الحسن المالكي: إن علياً ولدته أمه بجوف الكعبة شرّفها الله تعالى »(٢) .

وعبّر عنه الشيخ أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي بـ « الشيخ الامام علي ابن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية » في كلام له حول حكم الخنثى

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٤٢.

(٢). نزهة المجالس لعبد الرحمن الصفوري ٢ / ٢٠٤ - ٢٠٥.

٢٣٦

وهذا نصه: « قلت: وهذه المسألة وقعت في زماننا هذا ببلاد الجبرت، على ما أخبرني به سيدي العلامة نور بن خلف الجبرتي، وذكر لي أن الخنثى الموصوفة توفيت عن ولدين، ولد لبطنها وولد لظهرها، وخلّفت تركة كثيرة، وأن علماء تلك الجهة تحيّروا في الميراث واختلفت أحكامهم، فمنهم من قال: يرث ولد الظهر دون ولد البطن. ومنهم من قال بعكس هذا. ومنهم من قال: يقتسمان التركة. ومنهم من قال: توقف التركة حتى يصطلح الولدان على تساو أو على مفاضلة. وأخبرني أن الخصام قائم والتركة موقوفة، وأنه خرج لسؤال علماء المغرب خصوصا علماء الحرمين عن ذلك.

وبعد الاتفاق به بسنتين، وجدت حكم أمير المؤمنين في كتاب الفصول المهمة في فضل الأئمة تصنيف الشيخ الامام علي بن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية »(١) .

وذكر محمّد رشيد الدين خان الدهلوي كتاب ( الفصول المهمة ) ناسباً إياه إلى الشيخ ابن الصباغ المالكي، ومصرّحاً بكونه من كتب أهل السنة المؤلّفة في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

كما ذكر عبد الله بن محمّد المدني والمطيري شهرة، الشافعي مذهباً، الأشعري إعتقاداً، والنقشبندي طريقة - كتاب ( الفصول المهمة ) في خطبة كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة ) حيث قال:

« أما بعد فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن محمّد المطيري شهرة المدني حالاً: هذا كتاب سميته بالرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة، جمعت فيه ما اطّلعت عليه مما ورد في هذا الشأن، واعتنى بنقله العلماء العاملون الأعيان، وأكثره من الفصول المهمة لابن الصباغ، ومن الجوهر الشفاف للخطيب ».

____________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٣٧

(١٦)

رواية العيني

وروى بدر الدين محمود بن أحمد العيني نزول آية التبليغ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) . في واقعة يوم الغدير، في شرحه على صحيح البخاري، حيث جاء بتفسير الآية المذكورة من كتاب التفسير ما هذا نصه: « ص - باب( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

ش - أي هذا باب من قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ ) ذكر الواحدي من حديث الحسن بن حماد سجادة قال: ثنا علي بن عياش عن الأعمش وأبي الجحاف، عن عطيّة، عن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه .

وقال مقاتل: قوله بلّغ ما أنزل إليك. وذلك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدعاء، فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمّد أن نتخذك حناناً كما اتخذت النصارى عيسى حناناً. فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك سكت عنهم، فحرّض الله تعالى نبيهعليه‌السلام على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن الدعاء.

وقال الزمخشري: نزلت هذه الآية بعد أحد.

وذكر الثعلبي عن الحسن قال سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما بعثني الله عزّ وجلّ برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذّبني - وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى - فنزلت.

وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة.

وقيل: نزلت في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضاً بعض

٢٣٨

المؤمنين، وكان النبيعليه‌السلام يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم، فنزلت.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاري.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك في أمر نسائك.

وقال أبو جعفر محمّد بن علي بن حسين: معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فلمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلمـّا نزلت هذه الآية خطبعليه‌السلام في حجة الوداع، ثم قال: اللهم هل بلغت؟

وعند ابن الجوزي: بلّغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص »(١) .

هذا هو النص الكامل لعبارة العيني في هذا المقام، وقد رأيت أنه قد قدّم القول بنزولها في فضل عليعليه‌السلام يوم الغدير على سائر الأقوال في الذكر، الأمر الذي يدلّ على تقديمه إياه عليها في الاختيار كما تقدم ثمّ إنّه عاد وذكر قول سيدنا الامام الباقرعليه‌السلام وهو القول الفصل، والحمد لله ربّ العالمين.

ترجمة البدر العيني

١ - شمس الدين السخاوي: « محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، القاضي بدر الدين أبو محمد - وقيل أبو الثناء - ابن القاضي شهاب الدين، الحلبي الأصل، العنتابي المولد، القاهري الحنفي. أحد الأعيان، ويعرف بابن العيني. كان مولد والده بحلب في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وانتقل إلى عنتاب فولي قضاءها فولد بها ولده البدر، وذلك - كما قرأته

____________________

(١). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ١٨ / ٢٠٦.

٢٣٩

بخطّه - في سابع عشر رمضان سنة ٧٦٢، فنشأ بها، وقرأ القرآن واشتغل بالعلوم من سائر الفنون على العلماء الكبار

وكان إماماً عالماً علّامة، عارفاً بالتصريف والعربية وغيرهما، حافظاً للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركاً في الفنون، لا يمل من المطالعة والكتابة، كتب بخطه جملة من الكتب، وصنّف الكثير، وكان نادرة بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه، وقلمه أجود من تقريره، وكتابته طريفة حسنة من السرعة

وحدّث وأفتى ودرّس، مع لطف العشرة والتواضع، واشتهر اسمه وبعد صيته، وأخذ عنه الفضلاء من كل مذهب، وممن سمع عليه من القدماء: الكمال الشمني، سمع عليه بعض شرح الطحاوي من تصانيفه، وأرغون شاه التيدمري المتوفى سنة ٨٠٢ صحيح البخاري ومسلم والمصابيح. وعلّق شيخنا من فوائده بل سمع عليه، لأجل ما كان عزم عليه من عمل البلدانيات

وذكره العلاء ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم، وعنده حشمة ومروة وعصبية وديانة - انتهى.

وقد قرأت عليه الأربعين التي انتقاها شيخي رحمه الله تعالى من صحيح مسلم، في خامس صفر سنة إحدى وخمسين، وعرضت عليه قبل ذلك محافيظي وسمعت عدة من دروسه »(١) .

٢ - السيوطي: « العيني قاضي القضاة تفقّه واشتغل بالفنون، وبرع ومهر، ودخل القاهرة وولي الحسبة مراراً، وقضاء الحنفية، وله تصانيف منها: شرح البخاري، وشرح الشواهد، وشرح معاني الآثار، وشرح الهداية، وشرح الكنز، وشرح المجمع، وشرح درر البحار، وطبقات الحنفية، وغير ذلك. مات في

____________________

(١). الذيل الطاهر للسخاوي - مخطوط. ومنه نسخة وعليها خط المؤلف في مكتبة السيد صاحب عبقات الأنواررحمه‌الله .

٢٤٠

ذي الحجة سنة ٨٥٥ »(١) .

٣ - السيوطي أيضاً: « وكان إماماً عالماً علّامة »(٢) .

٤ - محمود بن سليمان الكفوي: « قاضي القضاة بدر الدين ذكر جلال الدين السيوطي في طبقات الحنفية المصرية في حسن المحاضرة، قال »(٣) .

٥ - الزرقاني المالكي: « وتفقه واشتغل بالفنون وبرع »(٤) .

٦ - الأزنيقي: « وتفقه، واشتغل بالفنون، وبرع ومهر وولي قضاء الحنفية بالقاهرة، وكان إماماً عالماً علامة بالعربية والتصريف وغيرهما »(٥) .

٧ - وقال الكاتب الجلبي في شروح البخاري: « ومن الشروح المشهورة أيضاً شرح العلامة بدر الدين فإن شرحه حافل كامل في معناه، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلفه وهلمّ جرّاً »(٦) .

٨ - وقد احتج المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام ) بكلمات العيني في مقابلة أهل الحق، مع الثناء على شرحه للبخاري - عمدة القاري - وقال في حق العيني بأن تبحّره وغزارة علومه ومهارته في فن الحديث أشهر من أن يذكر.

وهنا يحق لنا أن نسأل المولوي حيدر علي وأمثاله فنقول: كيف يجوز التمسك بما قال العيني في مجال الردّ على الشيعة، مع وصفه بالتبحر والمهارة والفقه والامامة وغير ذلك من الأوصاف الجليلة - ولا يجوز الالتفات إلى كلامٍ له أو روايةٍ له لحديث ينفع الشيعة فيما يذهبون إليه؟

____________________

(١). حسن المحاضرة ١ / ٤٧٣.

(٢). بغية الوعاة ٢ / ٢٧٥.

(٣). كتاب الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط.

(٤). شرح المواهب اللدنية ١ / ٥٨.

(٥). مدينة العلوم للأزنيقي.

(٦). كشف الظنون ١ / ٥٤٨.

٢٤١

(١٧)

رواية السيوطي

وروى جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي حديث نزول آية التبليغ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في واقعة يوم غدير خم، في فضل سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، وهذا نص عبارته في تفسير الآية المذكورة: « أخرج أبو الشيخ عن الحسن: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الله بعثني برسالة، فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذّبي، فوعدني لأبلغنَّ أو ليعذّبني، فأنزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لمـّا نزلت( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع، يجتمع عليّ الناس فنزلت:( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس:( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلّغ رسالته.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . إن علياً مولى المؤمنين( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل

٢٤٢

فقال: إن ناساً يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس. فقال: ألم تعلم أن الله قال:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . والله ما ورّثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوداء في بيضاء »(١) .

وجوه اعتبار هذه الرواية

ورواية السيوطي هذا الخبر في سبب نزول آية التبليغ في يوم غدير خم في كتاب ( الدر المنثور ) معتبرة من وجوه:

الأول: إن سياق كلام السيوطي ظاهر في أنه يرى أن هذا القول هو الحق من بين الأقوال في هذا المقام، لأنه لم ينقل قولا آخر يخالفه في الدلالة، أما قول الحسن فلا ينافي القول بنزولها يوم الغدير في فضل عليعليه‌السلام ، لأنه روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الله تعالى بعثه برسالة فضاقصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها ذرعاً فأنزلت الآية فلم يبيّن في هذه الرواية حقيقة تلك الرسالة، فلا تأبى الحمل على أنها كانت حول الامامة والخلافة، ونصب أمير المؤمنينعليه‌السلام لها، بل إن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فضقت بها ذرعاً وعرفت الناس مكذبي » يؤيد هذا الحمل ويؤكّده.

وكذا الأمر بالنسبة إلى ما ذكره مجاهد، وإلى الخبرين عن ابن عباس، فإن هذه الأخبار أيضاً لا تنافي خبر نزول الآية الكريمة في واقعة يوم غدير خم بوجه من الوجوه.

الثاني: إن كلام السيوطي في خطبة كتابه ( الدر المنثور ) صريح في أن الآثار المذكورة فيه في ذيل الآيات مستخرجة من الكتب المعتبرة، وهذا نص عبارته: « الحمد لله الذي أحيا بمن شاء مآثر الآثار بعد الدثور، ووفق لتفسير كتابه العزيز بما وصل إلينا بالاسناد العالي من الخبر المأثور، وأشهد أن لا اله إلّا الله وحده لا

____________________

(١). الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.

٢٤٣

شريك له، شهادة تضاعف لصاحبها الأجور، وأشهد أن سيدنا محمّداً عبده ورسوله الذي أسفر فجره الصادق فمحى ظلمات أهل الزيغ والفجور، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوى العلم المرفوع والفضل المشهور، صلاة وسلاماً دائمين على مرّ الليال والدهور.

وبعد - فلمـّا ألّفت كتاب « ترجمان القرآن » وهو التفسير المسند عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقد تمّ بحمد الله في مجلدات، وكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخّصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر، مصدّراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته بالدر المنثور في التفسير بالمأثور، والله أسأل أن يضاعف لمؤلفه الأجور، ويعصمه عن الخطأ والزور، بمنه وكرمه، لأنه البر الغفور ».

الثالث: إن كتاب ( الدر المنثور ) من التفاسير الممدوحة المشهورة التي ذكرها ( الدهلوي ) في رسالته في ( أصول الحديث )، ذكره في عداد تفاسير ابن مردويه والديلمي وابن جرير ثم قال: وإن الدر المنثور للشيخ جلال الدين السيوطي أجمعها.

وقد صرّح صاحب ( منتهى الكلام ) بأن معنى « الشهرة » في هذا المقام هو الاعتبار والاعتماد عند العلماء الأعلام.

الرابع: إن السيوطي قد نصَّ في مواضع عديدة من ( الدر المنثور ) على ضعف الخبر، وهذا يدل على أنه لا يترك الحديث بحاله، بل ينبّه على ضعفه إن كان ضعيفاً عنده، وعلى هذا الاساس يجوز لنا الاحتجاج بكل حديث يخرجه فيه ولا ينص على جرح له، وقد ذكر هذا المعنى المولوي حيدر علي بالنسبة إلى حديث رواه الشيخ ابن بابويه الصدوق ولم يتعرض إلى جرح فيه.

وحينئذٍ نقول: إن السيوطي أخرج الروايتين الدالتين على نزول آية التبليغ

٢٤٤

في يوم الغدير ولم يقدح فيهما أصلاً بنوع من الأنواع.

الخامس: لقد أكثر علماء الحديث والكلام من أهل السنة من الاستناد إلى أحاديث ( الدر المنثور ) والاحتجاج بها. ففي ( تنبيه السفيه ) لسيف الله بن أسد الله الملتاني ذكر ( الدر المنثور ) في سياق كتب مهمة ككتاب: الأسماء والصفات للبيهقي، والمصنف لابن أبي شيبة، والآثار للإمام محمّد الشيباني، قائلاً بأنها مصادر كتاب ( التحفة الاثنا عشرية ) من كتب أهل السنة.

وفي ( الشوكة العمرية ) لمحمّد رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) ذكر ( الدر المنثور ) في كتب التفسير لأهل السنة، المشتملة على الأخبار التفسيرية الواردة عن أمير المؤمنين وغيره من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

السادس: لقد زعم ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) أن علماء أهل السنة ومحدثيهم مشهورون بالتقى والعدالة والديانة، بخلاف الرواة في الفرق الأخرى - ولا سيما الشيعة - فإن جميعهم مطعونون ومجروحون عند أنفسهم(١) .

أقول: وهذا الكلام - بغض النظر عمّا فيه من جميع نواحيه - فيه أعلى درجات التوثيق وأقصى مراتب التعديل لرواة أهل السنة ورجال أحاديثهم وأخبارهم، وعلى هذا الأساس تسقط جميع المناقشات الصادرة من ( الدهلوي ) وغيره في أسانيد أحاديث فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، التي رواها المحدّثون من أهل السنة، وأخرجها الأئمة والحفاظ في كتبهم المعتبرة، ومنها حديث نزول آية التبليغ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في فضل سيدنا الأميرعليه‌السلام يوم الغدير، فإنه حديث أخرجه جماعة كثيرة من كبار أئمة القوم، عن جماعة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وكفى الله المؤمنين القتال. والحمد لله ربّ العالمين.

____________________

(١). التحفة. الباب الحادي عشر وفي جواب المطعن الثامن من مطاعن الصحابة.

٢٤٥

(١٨)

رواية محبوب العالم

وروى محمّد محبوب العالم ابن صفي الدين جعفر المعروف ببدر العالم نزول الآية المباركة:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) في يوم غدير خم بتفسير الآية في تفسير المشهورة ( تفسير شاهي ) حيث قال بعد ترجمة الآية، ونقل رواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في معنى العصمة: « وفي النيسابوري عن أبي سعيد الخدري: هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه يوم غدير خم، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله تعالى عنه وقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي رضي الله تعالى عنهم ».

وقد أورد هذه الرواية ولم يذكر رواية أخرى مخالفة لها.

اعتبار تفسير شاهي من كلام ( الدهلوي ) وغيره

وقد نص ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) على اعتبار ( تفسير شاهي )، ووصف الروايات الواردة فيه عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بأنها « مضبوطة » وهذا كلامه حيث قال بتعريف كتب الشيعة: « وأما التفاسير فمنها « التفسير » الذي ينسبونه إلى الامام الحسن العسكريعليه‌السلام ، رواه عنه ابن بابويه بإسناده عنه، ورواه عنه غيره أيضا بإسناده، مع تفاوت زيادة ونقصانا.

وإن أهل السنة أيضا يروون عن الامام المذكور وغيره من الأئمة في التفسير، كما جاء في « الدر المنثور »، وتلك الروايات مجموعة ومضبوطة في « تفسير

٢٤٦

شاهي »، لكن ما يرويه الشيعة عن الأئمة لا يتطابق أبدا مع تلك الروايات »(١).

وبعد هذا المدح والثناء للتفسيرين المذكورين، لا تسمع الخدشة في ثبوت هذا الحديث المذكور فيهما، لأنه لا يكون إلاّ عن مكابرة واضحة.

كما ذكر تلميذه محمّد رشيد الدين خان الدهلوي « تفسير شاهي » مع تفسير الفخر الرازي، في بيان أن تفاسير أهل السنة مليئة بالأخبار والروايات عن الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، ومن هذا الكلام يتضح أن هذا التفسير من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنة. والعجب أنهم مع ذلك يقدحون في حديث نزول آية التبليغ المروي في « تفسير شاهي » - وتفسير الرازي أيضاً - وينسون ما ذكروه في الثناء والاعتماد على التفسير المذكور!!

(١٩)

رواية الحاج عبد الوهاب البخاري

وروى الحاج عبد الوهاب بن محمّد بن رفيع الدين أحمد نزول الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم حيث قال بتفسير قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : « عن البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أي بلّغ من فضائل علي. نزلت الآية في غدير خم. فخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فقال عمررضي‌الله‌عنه : بخ بخ يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. رواه أبو نعيم. وذكره أيضاً الثعالبي في كتابه ».

____________________

(١). التحفة الاثنا عشرية. الباب الثالث: ١١١.

٢٤٧

ترجمة الحاج عبد الوهاب

والحاج عبد الوهاب البخاري من أكابر العلماء المشاهير من أهل السنّة، ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ في ( أخبار الأخيار )(١) .

وكذلك ترجم له السيد محمّد ابن السيد جلال ماه عالم في ( تذكرة الأبرار ). وقد توفي عبد الوهاب البخاري سنة: ٩٣٢.

(٢٠)

رواية جمال الدين المحدّث

ورواه عطاء الله بن فضل الله الشيرازي، المعروف بجمال الدين المحدّث، حيث قال بعد ذكر حديث الغدير: « أقول: أصل هذا الحديث - سوى قصة الحارث - تواتر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . وهو متواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً. رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة.

فرواه ابن عباس ولفظه قال: لما أمر النبي أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به، فانطلق النبي إلى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر، ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه، ثم مضى حتى قضى حجة الوداع، ثم رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فقام مناد فنادى الصلاة جامعة، ثم قام وأخذ بيد علي فقال: « من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٢)

____________________

(١). أخبار الأخيار: ٢٠٦. وتوجد ترجمته في كتاب نزهة الخواطر ٤ / ٢٢٣ وقد وصفه بقوله: « الشيخ الصالح » ولد سنة ٨٦٩. توفي سنة ٩٣٢.

(٢). كتاب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.

٢٤٨

خطبة كتاب الأربعين

ويتّضح من كلام الجمال المحدّث في خطبة كتاب ( الأربعين ) إعتبار الأحاديث المخرجة فيه، فإنه قال: « وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني عطاء الله بن فضل الله المشتهر بجمال الدين المحدّث الحسيني، حسّن الله أحواله وحقّق بجوده العميم آماله: هذه أربعون حديثا في مناقب أمير المؤمنين وإمام المتقين ويعسوب المسلمين، ورأس الأولياء والصدّيقين، ومبينّ مناهج الحق واليقين، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب، المتصدّق في المحراب، فارس ميدان الطعان والضراب، المخصوص بكرامة الأخوة والانتخاب، المنصوص عليه بأنه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب، المكنى بأبي الريحانتين وأبي تراب.

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب

المشرف بمزيّة: من كنت مولاه فعلي مولاه، المدعو بدعوة: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فكم كشف عن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من شدة وبؤسى، حتى خصّه بقوله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وكم فرّج عنه من عمة وكربى حتى أنزل الله فيه( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .

ثم زاده شرفاً ورفعة، ووفّر حظه من أقسام العلى توفيراً، وإنما أنزل فيه وفي بنيه:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) مظهر جسيمات المكارم، ومظهر عميمات المنن، الذي حبه وحب أولاده العظام وأحفاده الكرام من أوفى العدد وأوقى الجنن، شعر:

أخو أحمد المختار صفوة هاشم

أبو السادة الغر الميامين مؤتمن

وصيّ إمام المرسلين محمد

علي أمير المؤمنين أبو الحسن

٢٤٩

هما ظهرا شخصين والنور واحد

بنص حديث النفس والنور فاعلمن

هو الوزر المأمول في كلّ حطّة

وإنْ لا تنجينا ولايته فمن؟

عليهم صلاة الله ما لاح كوكب

وما هزّ ممراض النسيم على فنن

وإنْ كانت مناقبه كثيرة وفضائله جمة غزيرة، بحيث لا تعد ولا تحصى ولا تحد ولا تستقصى، كما ورد عن ابن عباس مرفوعاً: لو أنّ الرياض أقلامٌ والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب. وروي: أن رجلاً قال لابن عباس: سبحان الله ما أكثر مناقب علي بن أبي طالب! إني لأحسبها ثلاثة آلاف. قال: أولاً تقول أنها إلى ثلاثين ألف أقرب؟

لكني اقتصرت منها على أربعين حديثاً روماً للاختصار، ومراعاة لما اشتهر من سيد الأبرار وسند الأخيار محمّد المصطفى الرسول المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله ما ترادف الليل والنهار وتعاقب العشى والابكار أنه قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله تعالى فقيهاً عالماً. وفي رواية: بعثه الله تعالى يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء. وفي رواية: كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء. وفي رواية: وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا وفي رواية: قيل له: أدخل من أي أبواب الجنة شئت.

جمعتها من الكتب المعتبرة على طريقة أهل البيتعليهم‌السلام ».

(٢١)

رواية شهاب الدين أحمد

وروى شهاب الدين أحمد نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ذكر الآيات النازلة في حق أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: « قوله تعالى:( يا أَيُّهَا

٢٥٠

الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وبالاسناد المذكور عن أبي الجارود إلى حمزة [ أبي جعفر - ظ ] قال:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) نزلت في شأن الولاية. وفي رواية أبي بكر ابن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبارك وسلّم:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إن عليّاً مولى المؤمنين و( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) »(١) .

وقد ذكر شهاب الدين أحمد في عنوان الباب الذي ذكر فيه الآيات النازلة في حق الامامعليه‌السلام : « الباب الثاني في فضله الذي نطق القرآن ببيانه، وما نزل من الآيات في علو شأنه - إعلم أن الآيات بعضها وردت متفقاً عليها في شأن هذا الولي النبي، وبعضها قد اختلف فيها هل هي لغيره أم هي فيه، فأنا أذكرهما كليهما، معتمداً على ما رواه الصالحاني الامام، وأسردهما كما ذكرها بإسناده برواية الحفّاظ الأعلام، عن الحافظ أبي بكر ابن مردويه، بإسناده إلى أفضل البشر مرفوعاً، أو جعله في التحقيق بالاعتزاء إلى الصحابي مشفوعاً، غير أني أذكر السور على ترتيب المصاحف في الآفاق، وإنْ وافقه غيره من الأئمة في شيء أذكر ذلك الوفاق ».

عبارته في خطبة كتابه

وذكر في خطبة كتابه ما يدل على عظمة شأن هذا الكتاب، وجلالة الأحاديث المروية فيه حيث قال: « واعلم أن كتابي هذا إن شاء الله تعالى خال عن موضوعات الفريقين، حالٍ بتحري الصدق وتوخّي الحق وتنحّي مطبوعات

____________________

(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.

٢٥١

الطريقين ».

وقال: « وخرّجت من كتب السنّة المصونة عن الهرج ودواوينها، وانتهجت فيه منهج من لم ينتهج بنهج العوج عن قوانينها، أحاديث حدث حديثها عن حدث الصدق في الأخبار، ومسانيد ما حدث وضع حديثها بغير الحق في الأخبار. معزوة في كلّ فصل إلى رواتها، مجلوّة في كلّ أصل عن تداخل غواتها ».

قال: « فيا أهل الانتصاب وجيل سوء الاصطحاب، ويا شرّ القبيل، لا تغلو في دينكم غير الحق، ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلوا كثيراً، وضلّوا عن سواء السبيل، إنْ تجدوا في الكتاب ما وجدتكم على وجدانكم مخالفاً لأمر الخلافة، أو ترونه على رأيكم مناقضاً للاجماع على تفضيل الصديق منبع الحلم والرأفة، فلا تواضعوا رجماً بالغيب في الحكم، تحكماً بوضع أخبار أخبر بها نحارير علماء السنة في فضائل مولانا المرتضى، ولا تسارعوا نبذا في الجيب إلى إلقائها قبل تلقّيها، فإنّها تلاقت قبول مشاهير عظماء الأمة من كل من اختار الحق وارتضى

والغرض في هذا الباب من تمهيد هذه القواعد، أن لا يقوم بالرد لأخبار هذا الكتاب من كان كالقواعد، فإنّ معظماتها في الصحاح والسنن، ومروياتها مأثورات أصحاب الصلاح في السنن ».

(٢٢)

رواية البدخشاني

وروى الميرزا محمّد بن معتمد خان الحارثي البدخشاني نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير، كما عرفت في تخريج رواية ابن مردويه، ورواية عبد الرزاق الرسعني، وهذا نص عبارته كاملة في هذا المقام:

٢٥٢

« الآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كثيرة جداً لا أستطيع استيعابها، فأوردت في هذا الكتاب لبّها ولبابها

وأخرج - أي ابن مردويه - عن زر عن عبد اللهرضي‌الله‌عنه قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إن عليا مولى المؤمنين و( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: لمـّا نزلت هذه الآية( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبي بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه مثله، وفي آخره: فنزلت( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية. فقال النبي: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة البدخشاني

والميرزا محمّد البدخشاني من أكابر مشاهير علماء أهل السنة، وقد صرّح محمّد رشيد الدين خان الدهلوي في ( ايضاح لطافة المقال ) بأنه من عظماء أهل السنة، وإن كتابه ( مفتاح النجا ) يدلّ كغيره من كتب عظماء أهل السنة - بزعمه - على موالاة أهل السنة لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

وذكر المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( إزالة الغين ) هذا الرجل من جملة علماء أهل السنة، الذين يعتقدون بلعن يزيد بن معاوية عليه اللعنة وسوء العذاب.

* * *

____________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط.

٢٥٣

دلالة نزول آية التبليغ في الغدير على الامامة

ثمّ إن نزول هذه الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم دليل على أنها إنّما نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لتأكّد على لزوم تبليغه أمر خلافة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، وتوضّح المراد من حديث الغدير وما خطب به رسول الله في ذلك اليوم، إذْ أن قوله تعالى:( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) يدل على عظمة شأن ما أمره تعالى بتبليغه، بحيث أنه إن لم يبلّغه القوم فما بلغ الرسالة الاسلامية، ولذهبت متاعبه وأعماله هباءاً منثوراً، وما ذلك إلّا حكم الامامة الذي هو أصل عظيم من أصول الدين، وبه يتم صلاح المسلمين في الدنيا والآخرة.

قال في ( بحار الأنوار ): « إن الأخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) مما يعين أن المراد بالمولى: الأولى والخليفة والامام، لأن التهديد بأنه إن لم يبلّغه فكأنه لم يبلّغ شيئاً من رسالاته، وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافة الأنام، وبه

٢٥٤

يتبين للناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة، وكان قبوله صعبا على الأقوام، وليس ما ذكروه من الاحتمالات في لفظ « المولى » مما يظن فيه أمثال ذلك، فليس المراد إلّا خلافتهعليه‌السلام وإمامته، إذ بها يبقى ما بلّغهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحكام الدين، وبها ينتظم أمور المسلمين. وضغائن الناس لأمير المؤمنينعليه‌السلام كان مظنة إثارة الفتن من المنافقين، فلذا ضمن الله له العصمة من شرّهم »(١) .

ثم إنه لمـّا نزلت الآية المباركة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمر بتبليغ هذه الرسالة العظيمة مع ذلك التهديد، ضاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ذرعاً لأنه عرف أن الناس يكذّبونه. وذلك من جملة البراهين الواضحة على عظمة تلك الرسالة وصعوبة تقبّل بعض الصحابة إياها، ولو كان من أمر بتبليغه من الأمور الفرعية السهلة، أو كان مجرّد إيجاب محبّة أمير المؤمنين ومودّته لما ضاق بابلاغه ذرعاً، ولما خاف تكذيب الناس إياه، والحال أن جملة من روايات حديث الغدير تضمّنت هذه الجهات:

فعن كتاب ( مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ) لابن مردويه بإسناده في شأن نزول آية التبليغ: « عن زيد بن علي قال: لمـّا جاء جبرئيلعليه‌السلام بأمر الولاية ضاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ذرعا وقال: قومي حديثو عهد بجاهلية فنزلت ».

وعنه باسناده « عن ابن عباس قال: لمـّا أمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رب إن قومي حديثو عهد بالجاهلية، ثم مضى بحجّة، فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم أنزل الله عليه( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فأخذ بعضد علي ثم خرج إلى الناس. إلى آخر ما سيجيء فيما بعد إن شاء الله تعالى ».

____________________

(١). بحار الأنوار ٣٨ / ٢٤٩.

٢٥٥

وقد رواه السيد جمال الدين المحدث الشيرازي كما عرفت.

وعرفت أيضاً قول السيوطي: « أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّ الله بعثني رسالة فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذبي، فوعد ربي لأبلغنّ أو ليعذبني، فأنزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لمـّا نزلت( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) قال رسول الله: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس! فنزلت( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) (١) .

وما رواه ابن مردويه وغيره يفسر هذا الحديث، لأن « الحديث يفسر بعضه بعضاً » كما تقرر في علم أصول الحديث. ونص عليه الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) وقد تقدم ذكر عبارته سابقاً.

فإن قيل: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحذر تكذيب الكفار والمشركين لا الصحابة.

قلنا: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر بتبليغ هذه الرسالة إلى المسلمين، وقد كان الحاضرون في يوم الغدير كلهم مسلمين وصحابة له، ومتى كان الكفار موجودين في الغدير حتى يخافصلى‌الله‌عليه‌وآله تكذيبهم؟!

فإن قيل: فقد كان من بين الصحابة منافقون.

قلنا: فذلك ما نقول به، وقد كان أكثرهم كذلك، ولو كانوا أقل من المؤمنين به والمخلصين له لما خاف وضاق بالتبليغ ذرعاً، ولما قال: « يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس »، على أن اللفظ الذي رواه المحدث وابن مردويه صريح في أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخاف صحابته المسلمين الذين وصفهم بأنهم حديثو عهد بالجاهلية، ولو كان الذين يحذرهم كفرة لما وصفهم بهذا

____________________

(١). الدر المنثور ٢ / ٢٩٨.

٢٥٦

الوصف.

فتلخص أن نزول الآية المباركة في الغدير، وإن ما كان في ذلك اليوم، دليل قطعي على الامامة والخلافة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل، وأنه لم يكن ما أمر بتبليغه مجرد إيجاب مودة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، الأمر الذي فعله من ذي قبل مراراً وتكراراً، إما تصريحاً باسمه وإما في ضمن إيجاب مودّة أهل البيت وذوي القربى، من غير خوف وحذر، مع كون الصحابة أقرب عهداً بالكفر والجاهلية.

لا يقال: فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن أمر الخلافة قبل يوم الغدير، وعيّن أمير المؤمنينعليه‌السلام لها، فيلزم أن يكون من الرسالة غيرها.

لأن الغرض إثبات أن الأمر الذي أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بتبليغه في غاية العظمة والأهمية، ولا يتصور غير الامامة والخلافة أمر آخر بهذه المثابة، بحيث يخاف من تكذيب الصحابة، وإن تبليغ هذا الأمر العظيم من ذي قبل لا ينافي تبليغه والتأكيد عليه في حجة الوداع وفي يوم الغدير، مع أمور جديدة لم تقع من قبل، وهي استخلافهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي والتنصيص على ذلك، وأخذ البيعة على خلافته قرب وفاته، وفي هذا المشهد العظيم المنقطع النظير.

* * *

٢٥٧

٢٥٨

(٢)

نزول قوله تعالى:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

٢٥٩

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391