تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189887 / تحميل: 5447
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاءِ

الجُزْء الثامِنْ

تَأليفُ

العَلّامَةِ الحِلّي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

الباب الثاني

فيما يجب في باقي المحظورات‌

وفيه مباحث :

الأوّل : فيما يجب باللُّبْس‌

مسألة ٣٨٢ : مَنْ لبس ثوباً لا يحلّ له لُبْسه وجب عليه دم شاة ، وهو قول العلماء.

سأل سليمان بن العيص(١) الصادقَعليه‌السلام : عن المـُحْرم يلبس القميص متعمّداً ، قال : «عليه دم »(٢) .

ولأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه ، فلزمه الفدية ، كما لو ترفّه بحلق شعره.

ولا فرق في وجوب الدم بين قليل اللُّبْس وكثيره ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ صدق اللُّبْس المطلق على القليل والكثير‌

____________________

(١) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : محمد بن مسلم. وما أثبتناه من المصدر ، علماً بأنّ « محمد بن مسلم » في المصدر واقع في سند الحديث اللاحق.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٣٩.

(٣) الاُم ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٩ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

٦

واحد ، فلا يتخصّص الحكم المتعلّق عليه بأحد جزئيّاته.

وقال أبو حنيفة : إنّما يجب الدم بلباس يوم وليلة ، ولا يجب فيما دون ذلك ؛ لأنّه لم يلبس لُبْساً معتاداً ، فأشبه ما لو اتّزر بالقميص(١) .

ونمنع عدم اعتياده. ولأنّ ما ذكره تقدير ، والتقديرات إنّما تثبت بالنصّ. والتقدير بيوم وليلة تحكّم محض.

مسألة ٣٨٣ : استدامة اللُّبْس كابتدائه ، فلو لبس المـُحْرم قميصاً ناسياً ثم ذكر ، وجب عليه خلعه إجماعاً ؛ لأنّه فعل محظور ، فلزمه إزالته وقطع استدامته ، كسائر المحظورات.

وينزعه من أسفل ، ولو لم ينزعه ، وجب الفداء ؛ لأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه ، فوجبت الفدية.

وقال الشافعي : ينزعه من رأسه(٢) .

وهو غلط ؛ لاشتماله على تغطية الرأس ، المـُحرَّمة. ولأنّه قول بعض التابعين(٣) .

ويجب به الفدية إن قلنا : إنّه تغطية.

ولو لبس ذاكراً ، وجبت الفدية بنفس اللُّبْس ، سواء استدامة أو لم يستدمه ، وبه قال الشافعي(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) المجموع ٧ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠١.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٥ ، وانظر : المجموع ٧ : ٣٤٠ ، وحلية العلماء ٣ : ٣٠١.

(٤) الاُم ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

٧

وقال أبو حنيفة أوّلاً : إن استدام اللُّبْس أكثر النهار ، وجبت الفدية ، وإن كان أقلّ ، فلا.

وقال أخيراً : إن استدامة طول النهار ، وجبت الفدية ، وإلّا فلا ، لكن فيه صدقة(١) .

وعن أبي يوسف روايتان(٢) ، كقولي أبي حنيفة.

والحقّ ما قلناه ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٣) معناه : فمَنْ كان منكم مريضاً فلبس أو تطيّب أو حلق بلا خلاف ، فعلّق الفدية بنفس الفعل دون الاستدامة.

مسألة ٣٨٤ : لو لبس عامداً ، وجبت الفدية على ما تقدّم ، سواء كان مختاراً أو مضطرّاً ؛ لأنّه ترفّه بمحظور لحاجته ، فكان عليه الفداء ، كما لو حلق لأذى.

أمّا لو اضطرّ إلى لُبْس الخُفّين والجور بين ، فليلبسهما ، ولا شي‌ء عليه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وأيّ مُحْرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخُفّين إذا اضطرّ إلى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لُبْسهما »(٤) .

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ - ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٦ - ١٨٧ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، وحكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤١.

٨

ولو لبس قميصاً وعمامةً وخُفّين وسراويل ، وجب عليه لكلّ واحد فدية ؛ لأنّ الأصل عدم التداخل ، خلافاً لأحمد(١) .

ولو لبس ثم صبر ساعةً ، ثم لبس شيئاً آخر ، ثم لبس بعد ساعة اُخرى ، وجب عليه عن كلّ لِبْسةٍ كفّارة ، سواء كفّر عن المتقدّم أو لم يكفّر ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ؛ لأنّ كلّ لبسةٍ تستلزم كفّارةً إجماعاً ، والتداخل يحتاج إلى دليل.

وقال الشافعي : إن كفّر عن الأول لزمه كفّارة ثانية قولاً واحداً ، وإن لم يكفّر ، فقولان : في القديم : تتداخل ، وبه قال محمّد ، والجديد : تتعدّد ، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف(٣) .

تذنيب : لو لبس ثياباً كثيرةً دفعةً واحدة ، وجب عليه فداء واحد. ولو كان في مرّات متعدّدة ، وجب عليه لكلّ ثوب دم ؛ لأنّ لُبْس كلّ ثوب يغاير لُبْس الثوب الآخر ، فيقتضي كلّ واحد مقتضاه من غير تداخل.

ولأنّ محمد بن مسلم سأل الباقرَعليه‌السلام : عن المـُحْرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب فلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء »(٤) .

مسألة ٣٨٥ : لو لبس ناسياً أو جاهلاً ثم ذكر أو علم فنزع ، لم يكن عليه شي‌ء ، قاله علماؤنا ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر(٥) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٩ ، المسألة ٨٣.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٩ ، الوجيز ١ : ١٢٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، وحكى الأقوال الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٩ - ٣٠٠ ، المسألة ٨٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤٠.

(٥) المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٣ ، المجموع ٧ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠.

٩

لما رواه العامّة عن يعلى بن اُميّة أنّ رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو بالجعرانة وعليه جبّة وعليه أثر خلوق ، أو قال : أثر صُفْرة ، فقال : يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال : ( اخلع عنك هذه الجُبّة ، واغسل عنك أثر الخلوق - أو قال : أثر الصفرة - وأصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك )(١) .

وفي رواية اُخرى : يا رسول الله أحرمتُ بالعمرة وعليَّ هذه الجُبّة(٢) ، فلم يأمره بالفدية.

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : « مَنْ نتف إبطه أو قلّم ظُفْره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لُبْسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو مُحْرم ، ففَعَل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، ومَنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم شاة »(٣) .

ولأنّ الحجّ عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ، فكان من محظوراته ما يُفرّق بين عمده وسهوه ، كالصوم.

ولأنّ الكفّارة عقوبة تستدعي ذنباً ، ولا ذنب مع النسيان.

وقال أبو حنيفة والليث والثوري ومالك وأحمد في رواية : عليه الفدية ؛ لأنّه هتك حرمة الإحرام ، فاستوى عمده وسهوه ، كحلق الشعر وتقليم الأظفار وقتل الصيد(٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ / ١١٨٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٤ / ١٨١٩ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٤.

(٢) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ - ٨٣٧ / ٧ بتفاوت.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٩ - ٣٧٠ / ١٢٨٧.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٨ ، المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠.

١٠

ونمنع الهتك ووجود الحكم في غير الصيد.

والفرق : بأنّ الأصل يُضمن ؛ للإتلاف ، بخلاف صورة النزاع ، فإنّه ترفّه يمكن إزالته.

والمكره حكمه حكم الناسي والجاهل ؛ لأنّه غير مكلّف ، فلا يحصل منه ذنب ، فلا يستحقّ عقوبةً.

ولقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(١) ولو علم الجاهل ، كان حكمه حكم الناسي إذا ذكر.

ولو اضطرّ المـُحْرم إلى لُبْس المخيط لاتّقاء الحَرّ أو البرد ، لبس ، وعليه شاة ، للضرورة الداعية إليه ، فلو لا إباحته ، لزم الحرج ، وأمّا الكفّارة : فللترفّه بالمحظور ، فكان كحلق الرأس لأذى.

ولقول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : في المـُحْرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب فلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء »(٢) .

مسألة ٣٨٦ : مَنْ غطّى رأسه وجب عليه دم شاة إجماعاً‌ ، وكذا لو ظلّل على نفسه حال سيره - خلافاً لبعض العامّة ، وقد تقدّم(٣) - لأنّه ترفّه بمحظور ، فلزمه الفداء ، كما لو حلق رأسه.

ولأنّ محمد بن إسماعيل روى - في الصحيح - قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام : عن الظلّ للمُحْرم من أذى مطر أو شمس ، فقال : « أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى »(٤) .

____________________

(١) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤٠.

(٣) تقدّم في ج ٧ ص ٣٤١ ذيل المسألة ٢٥٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٤ / ١١٥١.

١١

ولو فَعل ذلك للحاجة أو للضرورة ، وجب عليه الفداء ؛ لأنّه ترفّه بمحظور ، فأشبه حلق الرأس لأذى.

ولا فرق بين أن يغطّي رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو غيره ، كالعمامة والخرقة ولو بطين ، أو يستره بستر وغيره.

ولو فَعَل ذلك ناسياً ، أزاله إذا ذكر ، ولا شي‌ء عليه ، لأنّ حريزاً سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحرم غطّى رأسه ناسياً ، قال : « يلقي القناع عن رأسه ، ويلبّي ، ولا شي‌ء عليه »(١) .

ولا فرق بين أن تمسّ المظلّة رأسه أو لا.

ولو توسّد بوسادة أو بعمامة مكورة ، فلا بأس.

البحث الثاني : فيما يجب بالطيب والادّهان.

مسألة ٣٨٧ : أجمع العلماء على أنّ المحرم إذا تطيّب عامداً ، وجب عليه دم ؛ لأنّه ترفّه بمحظور ، فلزمه الدم ، كما لو ترفّه بالحلق.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب إليه »(٢) .

ولا فرق بين أن يستعمل الطيب أكلاً أو إطلاءً أو صبغاً أو بخوراً ، أو في طعام إجماعاً.

ولا بأس بخلوق الكعبة وإن كان فيه زعفران ؛ لأنّ يعقوب بن شعيب سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : الـمُحْرم يصيب ثيابه الزعفران من‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ / ١٠٤٦.

١٢

الكعبة ، قال : « لا يضرّه ولا يغسله »(١) .

مسألة ٣٨٨ : لا فرق بين الابتداء والاستدامة في وجوب الكفّارة ، فلو تطيّب ناسياً ثم ذكر ، وجب عليه إزالة الطيب ، فإن لم يفعل مع القدرة ، وجب عليه الدم ؛ لأنّ الترفّه يحصل بالاستدامة كالابتداء.

والكفّارة تجب بنفس الفعل ، فلو تطيّب عامداً ثم أزاله بسرعة ، وجبت الكفّارة وإن لم يستدم الطيب ، ولا نعلم فيه خلافاً ، ووافقنا هنا(٢) أبو حنيفة وإن كان قد نازعنا في اللُّبْس(٣) .

ولا فرق في وجوب الكفّارة بين الطعام الذي فيه طيب مسّته النار أو لم تمسّه.

وقال مالك : إن مسّته النار ، فلا فدية(٤) .

وسواء بقي الطعام على وصفه من طعم أو لون أو ريح أو لم يبق.

وقال الشافعي : إن كانت أوصافه باقيةً من طعم أو لون أو رائحة ، فعليه الفدية ، وإن بقي له وصف ومعه رائحة ، ففيه الفدية قولاً واحداً ، وإن لم يبق غير لونه ولم يبق ريح ولا طعم ، قولان : أحدهما كما قلناه ، والثاني : لا فدية فيه(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٦.

(٢) في « ف » والطبعة الحجرية : فيه ، بدل هنا.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ و ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ و ١٨٩ ، الاختيار ١ : ٢١٢ و ٢١٣ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٤ ، المسألة ٩١ ، وانظر : الموطأ ١ : ٣٣٠ ، والمدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٧ ، والمنتقى ٣ : ٣٠٤ ، والتفريع ١ : ٣٢٧ ، والمغني ٣ : ٣٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٩ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٨٩.

(٥) حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٤ - ٣٠٥ ، المسألة ٩١ ، وانظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، والمغني ٣ : ٣٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

١٣

وإذا تطيّب عامداً أو ناسياً وذكر ، وجب عليه غسله ، ويستحب له أن يستعين في غسله بحلال ، ولو غسله بيده ، جاز ؛ لأنّه ليس بمتطيّب ، بل تارك للطيب ، كالغاصب إذا خرج من الدار المغصوبة على عزم الترك للغصب.

ولأنّ النبيعليه‌السلام قال للذي رأى عليه طيباً : ( اغسل عنك الطيب )(١) ولو لم يجد ماءً يغسله به ووجد تراباً ، مسَحَه به أو بشي‌ء من الحشيش أو ورق الشجر ؛ لأنّ الواجب إزالته بقدر الإمكان.

ويقدّم غسل الطيب على الطهارة لو قصر عنهما وتيمّم ؛ لأنّ للطهارة بدلاً.

ولو أمكنه قطع رائحة الطيب بشي‌ء غير الماء ، فَعَله وتوضّأ بالماء.

ويجوز له شراء الطيب وبيعه إذا لم يشمّه ، ولا يلمسه ، كما يجوز له شراء المخيط والإِماء.

مسألة ٣٨٩ : إنّما تجب الفدية باستعمال الطيب عمداً ، فلو استعمله ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يكن عليه فدية ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال الشافعي(٢) ؛ لما رواه العامّة : أنّ أعرابيّاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة وعليه مقطّعة(٣) له وهو متضمّخ بالخلوق ، فقال : يا رسول الله أحرمت وعليَّ هذه ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( انزع الجُبّة واغسل الصفرة )(٤) ولم يأمره بالفدية.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) الاُم ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣.

(٣) مقطعة : أي ثوب قصير ، النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٨١.

(٤) سنن النسائي ٥ : ١٤٢ - ١٤٣ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٤ ، المغني ٣ : ٥٣٦ بتفاوت في اللفظ.

١٤

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ، ويتوب إليه »(١) .

مسألة ٣٩٠ : لو استعمل دهناً طيّباً ، وجب عليه دم شاة ، ولا شي‌ء على الناسي ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - في مُحْرم كانت به قرحة ، فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فَعَله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمَّد فعليه دم شاة يهريقه »(٢) ومعاوية ثقة لا يقول ذلك إلّا تلقيناً.

البحث الثالث : فيما يجب بالحلق وقصّ الظفر.

مسألة ٣٩١ : أجمع العلماء على وجوب الفدية بحلق المـُحْرم رأسه متعمّداً.

قال الله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٣) .

وروى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لكعب بن عجرة : ( لعلّك آذاك هوامّك ) قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( احلق رأسك ، وصُمْ ثلاثة أيام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو أنسك شاةً )(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٣ / ١٠٤٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٨.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ - ١٣ ، الموطّأ ١ : ٤١٧ / ٢٣٨ ، المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٩.

١٥

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مرَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ، فقال : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم ، قال : فاُنزلت هذه الآية( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (١) فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحلق رأسه ، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مُدّان ، والنسك شاة »(٢) .

مسألة ٣٩٢ : الفدية تتعلّق بحلق الرأس ، سواء كان لأذى أو غيره ؛ لدلالة الآية(٣) على وجوبها في الأذى ، ففي غيره أولى.

هذا إذا كان عالماً عامداً ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً ، فلا شي‌ء عندنا - وبه قال إسحاق وابن المنذر(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : « مَنْ نتف إبطه أو قلّم ظُفْره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لُبْسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو مُحْرم ، ففَعَل ذلك ناسياً أو جاهلاً ، فليس عليه شي‌ء ، وَمنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم شاة »(٦) .

وقال الشافعي : تجب عليه الفدية ؛ لأنّه إتلاف ، فاستوى عمده‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

(٥) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٩ - ٣٧٠ / ١٢٨٧.

١٦

وخطؤه ، كقتل الصيد(١) .

والفرق : أنّ قتل الصيد مشتمل - مع التحريم المشترك - على إضاعة المال وإتلاف الحيوان لغير فائدة.

إذا عرفت هذا ، فقد قال الشيخرحمه‌الله : الجاهل يجب عليه الفداء(٢) .

والمعتمد : ما قلناه ؛ لحديث الباقرعليه‌السلام (٣) .

وأمّا النائم فهو كالساهي ، فلو قلع النائم شعره ، أو قرّبه من النار فأحرقه ، فلا شي‌ء عليه ، خلافاً للشافعي(٤) .

مسألة ٣٩٣ : الكفّارة إمّا صيام ثلاثة أيّام ، أو صدقة على ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، وإمّا نسك ، وهو : شاة يذبحها ، ويتصدّق بلحمها على المساكين.

وهي مخيّرة عند علمائنا - وبه قال مالك والشافعي(٥) - للآية(٦) .

وقال أبو حنيفة : إنّها مخيّرة إن كان الحلق لأذى ، وإن كان لغيره ، وجب الدم عينا - وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى خيّر بشرط العذر ، فإذا عدم الشرط ، وجب زوال التخيير(٧) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٠٥ و ١١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٨ ، المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١١ ، المسألة ١٠٢.

(٣) تقدّم في ص ١٥.

(٤) لم نعثر عليه ، والقول موجود في المغني ٣ : ٥٢٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٠ من دون نسبة.

(٥) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٦٧ - ٣٦٨ و ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٢ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

١٧

والجواب : الشرط لجواز الحلق لا للتخيير.

ولأنّ الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعاً له ، والتبع لا يخالف أصله.

ولا تجب الزيادة في الصيام على ثلاثة أيّام عند عامّة أهل العلم(١) ؛ لما رواه العامّة في حديث كعب بن عُجْرة : ( احلق رأسك وصُمْ ثلاثة أيّام )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فالصيام ثلاثة أيّام »(٣) .

وقال الحسن البصري وعكرمة : الصيام عشرة أيّام. وهو قول الثوري وأصحاب الرأي(٤) .

وأمّا الصدقة : فهو إطعام البُرّ أو الشعير أو الزبيب أو التمر على ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع في المشهور - وبه قال مجاهد والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي(٥) - لما رواه العامّة في حديث كعب بن عجرة ( أو أطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « أو يتصدّق على ستّة مساكين ، والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين »(٧) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٨١ ، زاد المسير في علم التفسير ١ : ٢٠٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣.

(٢) الموطأ ١ : ٤١٧ / ٢٣٨ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢ - ١٣ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ١٠٩ / ٢٢٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٤ / ١٥٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٥٧.

(٤) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٨١ ، زاد المسير في علم التفسير ١ : ٢٠٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣ ، المحلّى ٧ : ٢١٢.

(٥) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٣ ، المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٤ / ١١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٨.

١٨

وفي رواية اُخرى لنا - وهو قول بعض علمائنا(١) ، والحسن وعكرمة والثوري وأصحاب الرأي(٢) - أنّ الصدقة على عشرة مساكين ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام »(٣) .

والرواية مرسلة(٤) .

ولا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب الفدية وإن اختلف مقدارها على ما يأتي ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقالت الظاهرية : لا فدية في شعر غير الرأس(٦) ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٧) .

وهو يدلّ بمفهوم اللقب ولا حجّة فيه ، والقياس يدلّ عليه ، وهو من اُصول الأدلّة عندهم ، فإنّ إزالة شعر الرأس وشعر غيره اشتركا في الترفّه.

مسألة ٣٩٤ : لو نتف إبطيه جميعاً ، وجب عليه دم شاة ، وفي نتف الواحد إطعام ثلاثة مساكين ؛ لأنّ الدم في الرأس إنّما يجب بحلقه أو بما يسمّى حلق الرأس ، وهو غالباً مساوٍ للإبطين.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ حلق رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شي‌ء عليه ، ومَنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم »(٨) .

____________________

(١) المحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٩٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، المحلّى ٧ : ٢١٢ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ١١٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٧.

(٤) كذا ، والحديث مسند ، وانظر منتهى المطلب ٢ : ٨١٥.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ١١٥ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣.

(٧) البقرة : ١٩٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٦١ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٣٣٩ / ١١٧٤ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٢.

١٩

وقال الصادقعليه‌السلام : في مُحْرم نتف إبطه : « يطعم ثلاثة مساكين »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : إنّه محمول على مَنْ نتف إبطاً واحداً ، والأوّل على مَنْ نتف إبطيه جميعاً(٢) .

ولو مسّ رأسه أو لحيته فسقط منهما شي‌ء من الشعر ، أطعم كفّاً من طعام ، ولو فَعَل ذلك في وضوء الصلاة ، فلا شي‌ء عليه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم إذا مسّ لحيته ، فوقع منها شعر : « يطعم كفّاً من طعام أو كفّين »(٣) .

وسأل رجلٌ الصادقَعليه‌السلام : إنّ المـُحْرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة والشعرتان ، فقال : « ليس عليه شي‌ء( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٤) »(٥) .

مسألة ٣٩٥ : لو حلق لأذى ، اُبيح له ذلك ، ويتخيّر بين التكفير قبل الحلق وبعده ؛ لما رواه العامّة عن الحسين بن عليعليهما‌السلام : اشتكى رأسه فأتى عليعليه‌السلام ، فقيل له : هذا الحسين يشير إلى رأسه ، فدعا بجزور فنحرها ثم حلقه وهو بالسعيا(٦) (٧) .

ولأنّها كفّارة ، فجاز تقديمها ، كالظهار.

ولو خلّل شعره فسقطت شعرة ، فإن كانت ميتةً ، فالوجه : عدم الفدية ، ولو كانت ثابتة ، وجبت الفدية ، ولو شكّ ، فالأصل عدم الضمان.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٦.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٠٠ ذيل الحديث ٦٧٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٦٩ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٦٧.

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٩ / ١١٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٧٠.

(٦) السعيا - بوزن يحيى - : وادٍ بتهامة قرب مكة. معجم البلدان ٣ : ٢٢١.

(٧) المغني ٣ : ٥٣١.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من اسم آدم ـ عليه السّلام. يقول الله ـ عزّ وجلّ(١) :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) . وقد هبطت حوّاء على المروة. وإنّما سمّيت المروة مروة لأنّ المرأة هبطت عليها. فقطع للجبل اسم من اسم المرأة.

( مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) : أعلام مناسكه. جمع شعيرة. وهي العلامة.

( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ ) :

«الحجّ» لغة، القصد والاعتمار الزّيارة. فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين.

( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) :

قيل(٢) : كان أساف على الصّفا ونائلة على المروة. وكان أهل الجاهليّة إذا سعوا، مسحوهما. فلمّا جاء الإسلام وكسرت الأصنام، تحرّج المسلمون أن يطوفوا (بهما)(٣) لذلك.

فنزلت والإجماع على أنّه مشروع في الحجّ والعمرة. والخلاف في وجوبه.

وذهب بعض العامة إلى عدم وجوبه.

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) ، روى عن زرارة ومحمّد بن مسلم، أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر ـ عليه السّلام: ما تقول في الصّلاة في السّفر، كيف هي؟ وكم هي؟

فقال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(٥) :( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) . فصار التّقصير في السّفر، واجبا، كوجوب التّمام في الحضر.

[قالا: قلنا: إنّما قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) ولم يقل: «افعلوا» فكيف أوجب(٦) ذلك كما أوجب التّمام في الحضر؟](٧) فقال ـ عليه السّلام: أو ليس قد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ في الصّفا والمروة:( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) . ألّا ترون أنّ الطّواف بهما واجب مفروض؟ لأنّ الله ـ عزّ وجلّ. ـ ذكره في كتابه وصنعه نبيّه ـ عليه السّلام. وكذلك التّقصير في السّفر. شيء صنعه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وذكره الله ـ تعالى ذكره ـ

__________________

(١) آل عمران / ٣٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٢.

(٣) المصدر: بينهما.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٧٨، ح ١٢٦٦.

(٥) النساء / ١٠١.

(٦) ر: وجب.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٠١

في كتابه.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن معاوية بن حكيم، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسن بن عليّ الصّيرفيّ، عن بعض أصحابنا. قال: سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن السّعي بين الصّفا والمروة، فريضة أم سنّة؟

فقال: فريضة.

قلت: أو ليس قال الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ؟

قال: كان ذلك في عمرة القضاء. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصّفا والمروة. فسئل عن رجل(٢) ترك السّعي حتّى انقضت الأيّام وأعيدت الأصنام.

فجاءوا إليه. فقالوا: يا رسول الله! إنّ فلانا لم يسع بين الصّفا والمروة. وقد أعيدت الأصنام. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ، أي: وعليهما الأصنام.

وفي علل الشّرائع(٣) ، بإسناده إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ لـمّا خلّف(٤) إسماعيل بمكّة، عطش الصّبيّ. وكان فيما بين الصّفا والمروة، شجرة. فخرجت أمّه حتّى قامت على الصّفا.

فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم يجبها أحد. فمضيت حتّى انتهت إلى المروة. فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم تجب(٥) . ثمّ رجعت إلى الصّفا. فقالت كذلك. حتّى صنعت ذلك سبعا.

فأجرى الله سنّته(٦) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده(٧) إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: صار السّعي بين الصّفا والمروة، لأنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ عرض له إبليس، فأمره جبرئيل

__________________

(١) الكافي ٤ / ٤٣٥، ح ٨.

(٢) المصدر: من الصفا والمروة. فتشاغل رجل. (ظ)

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤٣٢، ح ١.

(٤) أ: خلّفت.

(٥) المصدر: فلم يجبها.

(٦) المصدر: ذلك سنّته.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٤٣٢، ح ١.

٢٠٢

ـ عليه السّلام. فشدّ عليه. فهرب منه. فجرت به السّنّة، يعني: الهرولة.

وبإسناده(١) إلى حمّاد، عن الحلبيّ. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام: لم جعل السّعي بين الصّفا والمروة؟

قال: لأنّ الشيطان تراءى لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ في الوادي. فسعى. وهو منازل الشيطان.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أقام بالمدينة، عشر سنين، لم يحجّ. ثمّ أنزل الله تعالى(٣) عليه:( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

فأمر المؤذّنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يحجّ في عامه هذا. فعلم به من حضر في المدينة وأهل العوالي والأعراب. واجتمعوا لحجّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. وإنّما كانوا تابعين ينتظرون(٤) ما يؤمرون. ويتبعونه. أو يصنع شيئا، فيصنعونه.

فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أربع بقين من ذي القعدة. فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة، زالت الشّمس. فاغتسل. ثمّ خرج حتّى أتى المسجد الّذي عند الشجرة. فصلّى فيه الظّهر. وعزم بالحجّ مفردا. وخرج حتّى انتهى إلى البيداء، عند الميل الأوّل. فصفّ له سمطان(٥) . فلبّى بالحجّ مفردا. وساق الهدي ستّا وستّين، أو أربعا وستّين، حتّى انتهى إلى مكّة، في سلخ أربع من ذي الحجّة. فطاف بالبيت سبعة أشواط.

ثمّ صلّى ركعتين، خلف مقام إبراهيم ـ عليه السّلام. ثمّ عاد إلى الحجر. فاستلمه. وقد كان استلمه في أوّل طوافه. ثمّ قال:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) . فابدأ بما بدأ الله تعالى(٦)

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤٣٣، ح ٢.

(٢) الكافي ٤ / ٢٤٥، ح ٤.

(٣) الحج / ٢٧.

(٤) المصدر: ينظرون.

(٥) المصدر: سماطان.

(٦) يوجد في أبعد: ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم ـ عليه السّلام ـ ثم عاد.

٢٠٣

وانّ المسلمين كانوا يظنّون [أنّ](١) السّعي بين الصّفا والمروة، شيء صنعه المشركون.

فانزل الله تعالى:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ. فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم(٢) ، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال في حديث طويل: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: أبدأ بما بدأ الله تعالى به. فأتى الصفا. فبدأ بها.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان. قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: ابدأ بما بدأ الله.

ثمّ صعد على الصّفا. فقام عليه مقدار ما يقرأ الإنسان(٤) سورة البقرة.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

ابن محبوب(٥) ، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبيد بن زرارة. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة، ثمّ سعى بين الصّفا والمروة أربعة أشواط ثمّ غمزه بطنه، فخرج، وقضى حاجته، ثمّ غشى أهله.

قال: يغتسل، ثمّ يعود، فيطوف ثلاثة أشواط، ويستغفر ربّه، ولا شيء عليه.

قلت: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط، ثمّ غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، فغشى أهله؟

فقال: أفسد حجّة. وعليه بدنة، ويغتسل، ثمّ يرجع، فيطوف أسبوعا، ثمّ يسعى ويستغفر ربّه.

قلت: كيف لم تجعل عليه حين غشى أهله قبل أن يفرغ من سعيه، كما جعلت عليه هديا حين غشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه؟

قال: إنّ الطّواف فريضة. وفيه صلاة والسّعي سنّة من رسول الله ـ صلّى الله

__________________

(١) المصدر: عن.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٤٨، ح ٦.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٧.

(٤) ليس في أ.

(٥) نفس المصدر ٤ / ٣٧٩، ح ٧.

٢٠٤

عليه وآله.

قلت: أليس الله يقول:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) ؟

قال: بلى. ولكن قد قال فيهما:( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً. فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) فلو كان السّعي فريضة، لم يقل( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) .

قوله ـ عليه السّلام: والسعي سنة، أي: ليس وجوبه كوجوب الطّواف، وإن كان هو واجبا من سنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عمير، عن معاويه بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام: أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين فرغ من طوافه وركعتيه قال: ابدأ بما بدأ الله ـ عزّ وجلّ ـ به من إتيان الصّفا. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، رفعه. قال: ليس لله منسك أحبّ إليه من السّعي. وذلك أنّه يذلّ فيه الجبّارين.

أحمد بن محمّد(٣) ، عن التّيمليّ، عن الحسين بن أحمد الحلبيّ، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قال: جعل السّعي بين الصّفا والمروة، مذلّة للجبّارين.

( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) ، أي: فعل طاعة فرضا كان أو نفلا.

و «خيرا» نصب على أنّه صفة مصدر محذوف، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه، أو بتعدية الفعل لتضمّنه معنى أتى.

وقرأ يعقوب والكسائيّ وحمزة «يطّوّع». وأصله يتطوّع. فأدغم مثل يطّوّف.

( فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ ) : مثيب على الطّاعة،( عَلِيمٌ ) (١٥٨): لا تخفى عليه طاعة.

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ) ، كأحبار اليهود ،

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٤٣١، ح ١.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٤٣٤، ح ٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٥.

٢٠٥

( ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ ) ، كالآيات الشّاهدة على أمر محمّد ـ عليه السّلام.

( وَالْهُدى ) : وما يهدي إلى وجوب اتّباعه والإيمان به.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى ) في عليّ.

وعن حمران(٢) بن أعين، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) ، يعني بذلك نحن، والله المستعان.

عن بعض أصحابنا(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: قلت له: أخبرني عن قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) .

قال: نحن يعني بها. والله المستعان. إنّ الرّجل منّا إذا صارت إليه لم يكن له، أو لم يسعه، إلّا أن يبيّن للنّاس من يكون بعده.

( مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ ) : لخّصناه لهم.

( فِي الْكِتابِ ) : في التوراة.

على ما سبق في الحديث، يشمل القرآن ـ أيضا.

( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (١٥٩)، أي: الّذين يتأتّى منهم اللّعن عليهم، من الملائكة والثّقلين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) قال :كلّ من قد لعنه الله من الجنّ والإنس، نلعنهم.

وفي كتاب الاحتجاج(٥) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أبي محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. فيه: قيل لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدّجى؟

قال: العلماء، إذا صلحوا.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٧١، ح ١٣٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣٧.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٣٩.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٤.

(٥) الاحتجاج ٢ / ٢٦٤.

٢٠٦

قيل: فمن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمّين بأسمائكم وبعد المتلقّبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتآمرين(١) في ممالككم.

قال: العماء، إذا فسدوا، هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق. وفيهم قال الله ـ عزّ وجلّ:( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) . (الآية)

وفي مجمع البيان(٢) : وروي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن عبد الله بن بكير، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) قال: نحن هم. وقد قالوا(٤) هو امّ الأرض](٥)

( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه،( وَأَصْلَحُوا ) ما أفسدوا بالتّدارك،( وَبَيَّنُوا ) ما بيّنه الله في كتابهم، لتتمّ توبتهم.

وقيل(٦) : ما أحدثوه من التّوبة ليمحو به سمة الكفر، عن أنفسهم، ويقتدي بهم أضرابهم،( فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) بالقبول والمغفرة.

( وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١٦٠): المبالغ في قبول التّوبة وإفاضة الرّحمة.

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ) ، أي: ومن لم يتب من الكاتمين حتّى مات،( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١٦١)، يعني: استقرّ عليهم لعنة الله ولعنة من يعتدّ بلعنه من خلقه.

وقيل(٧) : الأوّل لعنهم أحياء، والثّاني لعنهم أمواتا.

__________________

(١) أ: المتأخرين.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٤١.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٧٢، ح ١٤١.

(٤) قيل في هامش المصدر: وقال المجلسي ـ ره ـ (البحار ١ / ٨٩): ضمير «هم» راجع إلى «اللاعنين». قوله: «وقد قالوا»، إمّا كلامه ـ عليه السّلام. فضمير الجمع راجع إلى العامّة، أو كلام المؤلف، أو الرواة. فيحتمل إرجاعه إلى أهل بيت ـ عليهم السّلام ـ أيضا.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٩٢.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٩٢ ـ ٩٣.

٢٠٧

وقرئ(١) برفع الملائكة والنّاس وأجمعون، عطفا على محلّ اسم «الله». لأنّه فاعل في المعنى، كقولك: اعجبني ضرب زيد وعمرو، أو فاعلا لفعل مقدّر، أي: ويلعنهم الملائكة.

( خالِدِينَ فِيها ) : أي: في اللّعنة، أو النّار. وإضمارها قبل الذّكر، تفخيما لشأنها وتهويلا، أو اكتفاء بدلالة اللّعن عليها.

( لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) (١٦٢): أي: لا يمهلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.

وفي الآية، دلالة على كفر من كتم ما أنزل في عليّ ـ عليه السّلام ـ بناء على ما سبق من الخبر.

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) :

خطاب عامّ، اي: المستحقّ للعبادة منكم، واحد لا شريك له. يصحّ أن يعبد ويسمّى إلها.

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) ، تقرير للواحدانيّة. وإزاحة لأن يتوهّم أنّ في الوجود إلها ولكنّه لا يستحقّ العبادة منهم.

( الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) (١٦٣) كالحجّة عليها. فإنّه لـمّا كان مولى النّعم كلّها، أصولها وفروعها وما بسواه، إمّا نعمة، أو منعم عليه، لم يستحقّ العبادة أحد غيره. وهما خبران آخران لقوله «إلهكم» أو لمبتدأ محذوف.

قيل(٢) : لـمّا سمعه المشركون، تعجّبوا. وقالوا: إن كنت صادقا، فأت بآية نعرف بها صدقك. فنزلت.

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) :

وإنّما جمع السّموات وأفرد الأرض، لأنّها طبقات متفاصلة بالذّات، مختلفة بالحقيقة، بخلاف الأرضين.

( وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) : تعاقبهما، كقوله(٣) : جعل( اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً )

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.

(٣) الفرقان / ٦٢.

٢٠٨

( وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ) ، أي: ينفعهم، أو بالّذي ينفعهم.

والقصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك بالذّكر، لأنّه سبب الخوض فيه والاطّلاع على عجائبه. ولذلك قدّمه على ذكر المطر والسّحاب. لأن منشأهما البحر، في غالب الأمر. وتأنيث الفلك، لأنّه بمعنى السّفينة.

وقرئ بضمّتين، على الأصل، أو الجمع. وضمّة الجمع، غير ضمّة الواحد، عند المحققين.

( وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ ) :

من الأولى، للابتداء. والثّانية، للبيان.

و «السّماء» يحتمل الفلك والسّحاب وجهة العلو.

( فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) بالنبات.

( وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ) عطف على «أنزل». كأنّه استدلّ بنزول المطر وتكوّن النّبات به وبثّ الحيوانات في الأرض، أو على أحياء. فإنّ الدّوابّ ينمون بالخصب ويعيشون بالماء.

و «البثّ»: النّشر والتّفريق.

( وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ) في مهابّها وأحوالها.

وقرأ حمزة والكسائيّ على الإفراد.

( وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) : لا ينزل ولا يتقشّع، مع أنّ الطّبع يقتضي أحدهما حتّى يأتي أمر الله.

وقيل(١) : المسخّر(٢) للرّياح تقلّبه في الجوّ، بمشيئة الله تعالى. واشتقاقه من السّحب.

لأنّ بعضه يجرّ بعضا.

( لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١٦٤)، يتفكّرون فيها. وينظرون إليها، بعيون عقولهم.

والكلام المجمل، في الاستدلال بهذه الأمور، إنّها ممكنة وجد كلّ منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة، إذ كان من الجائز، مثلا: أن لا تتحرّك السّموات، أو بعضها كالأرض، وأن تتحرّك بعكس حركتها، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارّة بالقطبين، وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا، أو على هذا الوجه لبساطتها

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٣.

(٢) المصدر: مسخّر.

٢٠٩

وتساوى أجزائها، فلا بدّ لها من موجد قادر حكيم، يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيئته، متعاليا عن معارضة غيره، إذ لو(١) كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه، فإن توافقت إرادتهما، فالفعل إن كان لهما، لزم اجتماع المؤثّرين على أثر واحد، وإن كان لأحدهما، لزم ترجيح الفاعل بلا مرجّح وعجز الآخر المنافي للإلهيّة، وإن اختلفت، لزم التّمانع والتّطارد، كما أشار إليه بقوله(٢) :( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

وفي أصول الكافي(٣) : بعض أصحابنا، رفعه عمّن رفعه، عن هشام بن الحكم.

قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام: يا هشام! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أكمل للنّاس الحجج بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلة. فقال:( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

وفي كتاب الإهليلجة(٤) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل: ثمّ نظرت العين إلى العظيم مثل السّحاب المسخّر بين السّماء والأرض والجبال. يتخلّل الشّجر فلا يحرّك منها شيئا ولا يقصّر منها غصنا ولا يتعلّق منها يعترض الرّكبان فيحول بين بعضهم وبين بعض من ظلمته وكثافته يحمل من ثقل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته مع ما فيه من الصّواعق الصّارعة والبروق اللّامعة والرّعد والثّلج والبرد(٥) ما لا يبلغ الأوهام نعته ولا تهتدي القلوب إليه. فخرج مستقّلا في الهواء يجتمع بعد تفرّقه وينفجر بعد تمسّكه ـ إلى ان قال عليه السّلام ـ ولو أنّ ذلك السّحاب والثّقل من الماء هو الّذي يرسل نفسه بعد احتماله، لما مضى به ألف فرسخ وأكثر وأقرب من ذلك وأبعد ليرسله قطرة بعد قطرة بلا هزّة ولا فساد ولا ضار به إلى بلدة وترك أخرى.

وفي عيون الأخبار(٦) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. يقول فيه: إنّي لـمّا نظرت إلى جسدي، فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض أو الطّول ودفع

__________________

(١) ليس في ر.

(٢) الأنبياء / ٢٢.

(٣) الكافي ١ / ١٣، ح ١٢.

(٤) بحار الأنوار ٣ / ١٦٤، مع اختلاف في النقل.

(٥) المصدر: البرد والجليد.

(٦) عيون الاخبار ١ / ١٠٨، ح ٢٨.

٢١٠

المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا. فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السّحاب وتصريف الرّياح ومجرى الشّمس والقمر والنّجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أنّ لهذا مقدّرا ومنشئا.

وفي كتاب التوحيد(١) : قال هشام فكان من سؤال الزّنديق أن قال: فما الدّليل عليه؟

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: وجود الأفاعيل التي(٢) دلّت على أنّ صانعا صنعها.

ألا ترى انّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد(٣) علمت أنّ له بانيا؟ وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده.

وفي اصول الكافي، مثله، سواء(٤) .

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً ) من الرّؤساء الّذين كانوا يطيعونهم، أو الأعمّ منهم، ومن كلّ ما يتّخذونهم أندادا.

( يُحِبُّونَهُمْ ) : يعظّمونهم. ويطيعونهم.

( كَحُبِّ اللهِ ) : كتعظيمه(٥) والميل إلى طاعته.

أي: يسوّون بينه وبينهم في المحبّة والطّاعة، أو يحبّونهم كما ينبغي أن يحبّ الله، من المصدر المبنيّ للمفعول. وأصله من الحبّ. استعير لحبّة القلب. ثمّ اشتقّ منه الحبّ.

لأنّه أصابها ورسخ فيها.

ومحبّة العبد لله، إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل مرضاته. ومحبّته للعبد، إرادة إكرامه واستعماله وصونه عن المعاصي.

( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) : لأنّه لا تنقطع محبّتهم لله بخلاف محبّة الأنداد. فإنّها لأغراض فاسدة موهومة، تزول بأدنى سبب.

( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) : ولو يعلم هؤلاء الّذين ظلموا باتّخاذهم الأنداد،( إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ ) : إذا عاينوه يوم القيامة.

وأجرى المستقبل مجرى الماضي، لتحقّقه، كقوله(٦) : ونادى أصحاب الجنّة.

( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) :

__________________

(١) التوحيد / ٢٤٤.

(٢) ليس في الكافي.

(٣) المصدر: مشيّد مبنيّ.

(٤) الكافي ١ / ٨١، ح ٥.

(٥) أ: لتعظيمه.

(٦) الأعراف / ٤٤.

٢١١

سادّ مسدّ مفعولي «يرى» وجواب «لو» محذوف، أي: لندموا أشدّ النّدم.

وقيل(١) : هو متعلّق الجواب. والمفعولان محذوفان. والتقدير: «ولو يرى الّذين ظلموا أندادهم لا تنفع، لعلموا أنّ القوّة لله كلّها. لا ينفع ولا يضرّ غيره.» وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب(٢) : «ولو ترى» على أنّه خطاب للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ، أي: ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما.

وابن عامر(٣) : «إذ يُرون» على البناء للمفعول.

ويعقوب(٤) : «إنّ» (بالكسر) وكذا.

( وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ) (١٦٥) :

على الاستئناف، أو إضمار القول.

( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ) :

بدل من «إذ يرون»، أي: إذ تبرّأ المتّبعون، من الأتباع. وقرئ بالعكس، أي: تبرّأ الاتباع من الرّؤساء.

( وَرَأَوُا الْعَذابَ ) ، أي: رائين له.

والواو للحال. وقد مضمرة. وقيل: عطف على تبرّأ.

( وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ) (١٦٦) :

يحتمل العطف على «تبرّأ» و «رأوا» و «الحال» و «الأسباب» الوصل الّتي كانت بينهم من الاتّباع والاتّفاق، على الدين والأغراض الدّاعية إلى ذلك.

وأصل السّبب، الحبل الّذي يرتقى به الشّجر.

وقرئ «تقطّعت»، على البناء للمفعول.

( وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا ) :

«لو» للتّمنّي. ولذلك أجيب بالفاء، أي: ليت لنا كرّة إلى الدّنيا، فنتبرّأ منهم.

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك الأداء الفظيع،( يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) ندمات.

وهي ثالث مفاعيل يرى، إن كان من رؤية القلب. وإلّا فحال.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٤.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.

٢١٢

( وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) (١٦٧) :

أصله «وما يخرجون». فعدل به إلى هذه العبارة، للمبالغة في الخلود والإقناط عن الخلاص والرّجوع إلى الدّنيا.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه(١) ـ بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود(٢) ـ عليه السّلام. فيأتي النّداء من عند الله ـ عزّ وجلّ: لسنا إيّاك أردنا. وإن كنت لله خليفة.

ثمّ ينادى ثانية(٣) : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. فيأتي النّداء من قبل الله ـ عزّ وجلّ: يا معشر الخلائق! هذا عليّ بن أبي طالب خليفة الله في أرضه وحجّته على عباده. فمن تعلّق بحبله في دار الدّنيا، فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء(٤) بنوره ويتبعه(٥) إلى الدّرجات العلى من الجنّات.

قال: فيقوم النّاس(٦) الّذين قد تعلّقوا بحبله في الدّنيا. فيتّبعونه إلى الجنّة.

ثمّ يأتي النّداء من عند الله ـ جلّ جلاله: ألا من أئتمّ(٧) بإمام في دار الدّنيا، فليتّبعه إلى حيث يذهب(٨) .

فحينئذ يتبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا. ورأوا العذاب. وتقطّعت بهم الأسباب. وقال الّذين اتّبعوا: لو أنّ لنا كرّة فنتبرأ منهم كما تبرّؤوا منّا. كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم. وما هم بخارجين من النّار.

وفي أصول الكافي(٩) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن ثابت، عن جابر، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ) .

قال: [هم](١٠) والله أولياء فلان وفلان. اتخذوهم أئمّة من دون الإمام الّذي جعله

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ١ / ٦١ و ٩٧.

(٢) المصدر: داود النبيّ ـ عليه السّلام.

(٣) المصدر: مناد ثانية.

(٤) أو المصدر: ليستضيء.

(٥) المصدر: ليتبعه.

(٦) المصدر: أناس.

(٧) المصدر: ائتمّ.

(٨) المصدر: يذهب به.

(٩) الكافي ١ / ٣٧٤، ح ١١.

(١٠) يوجد في المصدر.

٢١٣

الله للنّاس إماما. ولذلك قال:( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا. كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) .

ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: هم، والله، يا جابر! أئمّة الضّلال وأشياعهم.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ في قوله( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ. وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) ، قال: هم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

وعن منصور بن حازم(٢) . قال قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام:( وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) ؟

قال: أعداء عليّ ـ عليه السّلام. هم المخلّدون في النّار، أبد الآبدين ودهر الدّاهرين.

وفي الكافي(٣) : أحمد بن أبي عبد الله عن عثمان بن عيسى، عمّن حدثه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) قال: هو الرّجل يدع ماله لا ينفعه(٤) في طاعة الله، بخلا. ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله، أو معصية الله. فإن عمل به في طاعة الله، رآه في ميزان غيره. فرآه حسرة، وقد كان المال له. وإن عمل به في معصية الله، قوّاه بذلك المال، حتّى عمل به في معصية الله.

وفي نهج البلاغة(٥) : وقال ـ عليه السّلام: إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة، حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة الله. فورثه رجلا(٦) . فأنفقه في طاعة الله سبحانه. فدخل به الجنّة. ودخل به الأوّل النّار.

وفي مجمع البيان(٧) :( أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) فيه أقوال: (إلى قوله) والثّالث

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٧٢، ح ١٤٣.

(٢) نفس المصدر / ٧٣، ح ١٤٥.

(٣) الكافي ٤ / ٤٢، ح ٢.

(٤) المصدر: ينفقه. (ظ)

(٥) نهج البلاغة ٥٥٢، حكمة ٤٢٩.

(٦) المصدر: رجل.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٥١.

٢١٤

ما رواه أصحابنا عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: هو الرّجل يكسب(١) المال.

ولا يعمل فيه(٢) خيرا. فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا. فيرى الأوّل ما كسبه، حسرة في ميزان غيره.

( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً ) :

نزلت في قوم، حرّموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس(٣) .

و «حلالا»، مفعول «كلوا»، أو صفته مصدر محذوف، أو حال من( مِمَّا فِي الْأَرْضِ ) .

و «من» للتّبعيض، إذ لا يؤكل كلّ ما في الأرض.

( طَيِّباً ) : يستطيبه الشّرع، أو الشّهوة المستقيمة، أي: لا تأكلوا على امتلاء المعدة والشّهوة الكاذبة.

( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) : لا تقتدوا به في اتّباع الهوى، فتحرّموا الحلال وتحللوا الحرام.

[وفي مجمع البيان(٤) :](٥) وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام: أنّ من خطوات الشّيطان، الحلف بالطّلاق، والنّذور في المعاصي، وكلّ يمين بغير الله تعالى.

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول:( لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) قال: يحلّ(٧) يمين بغير(٨) الله، فهي من خطوات الشّيطان.

وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة، بتسكين الطّاء. وهما لغتان في جمع خطوة. وهي ما بين قدمي الخاطي.

وقرئ بضمّتين وهمزة، جعلت ضمّة الطّاء، كأنّها عليها. وبفتحتين على أنّه جمع خطوة. وهي المرة من الخطو.

( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١٦٨): ظاهر العداوة، عند ذوي البصيرة، وإن كان

__________________

(١) المصدر: يكتسب.

(٢) أ: به.

(٣) مجمع البيان ١ / ٢٥٢.

(٤) مجمع البيان ١ / ٢٥٢.

(٥) ليس في أ.

(٦) تفسير العيّاشيّ ١ / ٧٤، ح ١٥٠.

(٧) ليس في أ.

(٨) أ: غير.

٢١٥

يظهر الموالاة لمن يغويه. ولذلك سمّاه وليّا في قوله(١) :( أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) .

( إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ ) :

بيان لعداوته ووجوب التّحرّز عن متابعته. واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشّرّ، تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم.

و «السّوء» و «الفحشاء» ما أنكره العقل واستقبحه الشّرع. والعطف لاختلاف الوصفين. فإنّه سوء لاغتمام العاقل به وفحشاء باستقباحه إيّاه.

وقيل(٢) : «السوء» يعمّ القبائح، و «الفحشاء» ما تجاوز الحدّ في القبح من الكبائر.

وقيل(٣) : الأوّل ما لا حدّ فيه. والثّاني ما شرّع فيه الحدّ.

( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (١٦٩)، كاتّخاذ الأنداد وتحليل المحرّمات وتحريم المحلّلات.

( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ ) :

الضّمير للنّاس. وعدل عن الخطاب معهم للنّداء على ضلالتهم. كأنّه التفت إلى العقلاء. وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ما ذا يجيبون.

( قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا ) : وجدنا،( عَلَيْهِ آباءَنا ) :

نزلت في المشركين. أمروا باتّباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات فجنحوا إلى التّقليد.

وقيل(٤) : في طائفة من اليهود. دعاهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الإسلام. فقالوا ذلك. وقالوا: إنّ آباءنا كانوا خيرا منّا.

( أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (١٧٠) :

الواو للحال، أو العطف. والهمزة للرّدّ والتّعجيب. وجواب «لو» محذوف، أي :لو كان آباؤهم جهلة لاتّبعوهم.

( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً ) على حذف مضاف. تقديره: ومثل داعي الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق، أو مثل الّذين كفروا ،

__________________

(١) البقرة / ٢٥٧.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٥٣+ أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٩٥.

٢١٦

كمثل بهائم الّذي ينعق.

والمعنى: أنّ مثل الّذين كفروا في دعائك إيّاهم، أي: مثل الدّاعي لهم إلى الإيمان، كمثل النّاعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم. وإنّما تسمع الصّوت.

وكما أنّ الأنعام لا يحصل لها من دعاء الدّاعي إلّا السّماع دون تفهّم المعنى، فكذلك الكفّار لا يحصل لهم من دعائك إيّاهم إلى الإيمان إلّا السّماع دون تفهّم المعنى. لأنّهم يعرضون عن قبول قولك. وينصرفون عن تأمّله. فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه. وهذا كما تقول العرب فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى كخوفه من الأسد. وأضاف الخوف إلى الأسد، وهو في المعنى مضاف إلى الرّجل.

قال(١) :

فلست مسلّما ما دمت حيّا

على زيد بتسليم الأمير

يراد بتسليمي على الأمير.

قيل(٢) : هو تمثيلهم في اتّباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصّوت ولا تفهم ما تحته، أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالنّاعق في نعقه وهو التّصويت على البهائم.

والأوّل ـ هو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ على ما في مجمع البيان(٣) .

( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) : رفع على الذّمّ.

( فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (١٧١)، أي: بالفعل للإخلال بالنّظر.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) لـمّا وسع الأمر على النّاس كافّة وأباح لهم ما في الأرض، سوى ما حرّم عليهم أمير المؤمنين منهم أن يتحرّوا طيّبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها. فقال :( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ) على ما رزقكم وحلّل(٤) لكم،( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (١٧٢)، إن صحّ أنّكم تخصّونه بالعبادة وتقرّون أنّه مولى النّعم. فإنّ عبادته لا تتمّ إلّا بالشّكر. فالمعلّق بفعل العبادة، هو الأمر بالشّكر، لإتمامه. وهو عدم عند عدمه.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٥٥.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) أ: أحلّ.

٢١٧

وعن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله(١) : يقول الله تعالى: أنّي والإنس والجنّ في نبأ عظيم، أخلق. ويعبد غيري وأرزق. ويشكر غيري.

( إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ) أكلها والانتفاع بها. وهي الّتي ماتت من غير ذكاة.

والحرمة المضافة إلى العين، تفيد عرفا حرمة التّصرّف فيها مطلقا، إلّا ما استثني، كما سيجيء.

( وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) :

إنّما خصّ اللّحم بالذّكر، لأنّه معظم ما يؤكل من الحيوان وسائر أجزائه كالتّابع له.

( وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ) ، أي: رفع به الصّوت عند ذبحه للصّنم.

والإهلال، أصله، رؤية الهلال. لكن لما جرت العادة أن يرفع الصّوت بالتّكبير، إذ رئي، سمّي ذلك إهلالا. ثمّ قيل لرفع الصّوت، وإن كان لغيره.

وفي كتاب عيون أخبار الرّضا ـ عليه السّلام(٢) ـ في باب ذكر ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله من العلل: وحرّم الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة. ولمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يجعل سبب التّحليل(٣) وفرقا بين الحلال والحرام.

وحرّم الله الدّم، كتحريم الميتة، لما فيه من فساد الأبدان. ولأنّه يورث الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الرّيح ويسيء الخلق ويورث القسوة للقلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه.

وحرّم الخنزير لأنّه مشوّه جعله الله تعالى عظة للخلق وغيره وتخويفا ودليلا على ما مسخ على(٤) خلقته لأنّ غذاءه أقذر الأقذار، مع علل كثيرة. وكذلك حرّم القرد(٥) . لأنّه مسخ مثل الخنزير. وجعل عظة وعبرة للخلق، دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته.

وجعل فيه شبها من الإنسان ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه.

وحرّم ما أهل به لغير الله للّذي أوجب الله ـ عزّ وجلّ ـ على خلقه من الإقرار به

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٢١٤+ أنوار التنزيل ١ / ٩٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩١ ـ ٩٢، ح ١.

(٣) المصدر: سببا للتحليل. (ظ)

(٤) ر: من.

(٥) النسخ: القردة.

٢١٨

وذكر اسمه على الذّبائح المحلّلة. ولئلا يسوّي(١) بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشّياطين والأوثان. لأنّ في تسمية الله ـ عزّ وجلّ ـ الإقرار بربوبيّته وتوحيده. وما في الإهلال لغير الله من الشّرك(٢) والتّقرّب به إلى غيره، ليكون ذكر الله تعالى وتسميته على الذّبيحة فرقا بين ما أحلّ الله وبين ما حرّم الله.

وفي كتاب علل الشّرائع(٣) ، بإسناده الى محمّد بن عذافر، عن بعض رجاله، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له لم حرّم الله ـ عزّ وجلّ ـ الخمر والميتة والدّم ولحم الخنزير؟

فقال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ولا زهد فيما حرّم(٤) عليهم. ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ خلق الخلق، فعلم ما تقوم(٥) به أبدانهم وما يصلحهم. فأحلّه لهم. وأباحه. وعلم ما يضرّهم. فنهاهم عنه.

وحرّمه عليهم. ثمّ أحلّه للمضطرّ في الوقت الّذي لا يقوّم بدنه إلّا به. فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك. ثمّ قال: أمّا الميتة فإنّه لم ينل أحد منها إلّا أضعف(٦) بدنه(٧) وأوهنت قوّته وانقطع نسله. ولا يموت آكل الميتة إلّا فجأة.

وأمّا الدم، فإنه يورث اكله الماء الأصفر. ويورث الكلب وقساوة القلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن على حميمه. ولا يؤمن على من صحبه.

وأمّا الخنزير، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ مسخ قوما في صور شتّى، مثل الخنزير والقرد والدّبّ. ثمّ نهى عن أكل المثلة لكي ما ينتفع بها ولا يستحفّ بعقوبته.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الخصال(٨) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: عشرة أشياء من الميتة: ذكيّة العظم والشّعر والصّوف والرّيش والقرن والحافر والبيض والإنفحة واللّبن والسّنّ.

وفي الكافي(٩) : محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن

__________________

(١) المصدر: يساري.

(٢) المصدر: من الشرك به.

(٣) علل الشرائع ٢ / ٤٨٤، ح ١.

(٤) المصدر: حرّمه.

(٥) المصدر: يقوّم. (ظ)

(٦) المصدر: لضعف.

(٧) المصدر: أو.

(٨) الخصال ٢ / ٤٣٤، ح ١٩.

(٩) الكافي ٦ / ٢٥٩، ح ٧.

٢١٩

عاصم بن حميد، عن عليّ بن المغيرة(١) قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بشيء منها؟

قال(٢) : لا.

قلت: بلغنا أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مرّ بشاة ميتة، فقال: ما كان على أهل هذه الشّاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها.

[قال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة، زوجة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله.

وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها. فتركوها، ماتت. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها].(٣) ، أي: تذكى(٤) .

( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) :

قيل(٥) : «الباغي»: المستأثر على مضطرّ آخر. و «العادي»: المتجاوز سدّ الرّمق.

وفي كتاب معاني الأخبار(٦) ، بإسناده إلى البزنطيّ عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) قال: الباغي الّذي يخرج على الإمام العادل. والعادي الّذي يقطع الطّريق لا تحلّ لهما الميتة.

وفي الكافي(٧) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) قال: الباغي، باغي الصّيد. والعادي، السّارق. ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها. هي حرام عليهما. ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.

وفي من لا يحضره الفقيه(٨) : روى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الرّضا ـ عليه السّلام. قال: قلت يا بن رسول الله! فما معنى قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) ؟ قال: العادي، السّارق. والباغي، الّذي يبغي الصّيد بطرا ولهوا. لا ليعود به على عياله.

__________________

(١) أ: أبي المغيرة.

(٢) المصدر: فقال.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) النسخ: تزكّى.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٩٦.

(٦) معاني الأخبار / ٢١٣، ح ١.

(٧) الكافي ٣ / ٤٣٨، ح ٧، وله تتمة.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢١٧، ح ١٠٠٧.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460