تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190377 / تحميل: 5449
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

- وهو قول أحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة : أنّ سودة بنت عبد الله بن عمر امرأة عروة بن الزبير(٢) سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها في ثلاثة أيّام وكانت ضخمةً(٣) (٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة ، يستريح؟ قال : « نعم إن شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فيجلس »(٥) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا يجوز. ويجعل الموالاة شرطاً في السعي ؛ قياساً على الطواف(٦) .

والفرق : أنّ الطواف يتعلّق بالبيت وهو صلاة ، ويشترط له الطهارة والستر ، فيشترط له الموالاة ، كالصلاة ، بخلاف السعي.

وكذا يجوز أن يقطع السعي لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتمّ ما قطع عليه ؛ لأنّ أبا الحسنعليه‌السلام سُئل عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام ، قال : « إن أجابه فلا بأس »(٧) .

وعن أحمد روايتان(٨) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١.

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : عبد الله بن الزبير. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير وطبقات ابن سعد ٥ : ١٧٨ ، وسير أعلام النبلاء ٤ : ٤٣٢.

(٣) في النسخ الخطّية والحجرية : صحيحةً. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) أورده ابنا قدامة عن الأثرم في المغني ٣ : ٤١٨ والشرح الكبير ٣ : ٤٢١ - ٤٢٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٣٧ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٦ / ٥١٦.

(٦) المغني ٣ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١.

(٧) التهذيب ٥ : ١٥٧ / ٥٢٠.

(٨) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

١٤١

ولو دخل وقت فريضة وهو في أثناء السعي ، قَطَعه ، وابتدأ بالصلاة ، فإذا فرغ منها تمّم سعيه ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة ، أيخفّف أو يقطع ويصلّي ثم يعود أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال : « لا ، بل يصلّي ثم يعود أو ليس عليهما مسجد؟ »(١) .

مسألة ٥٠١ : إذا طاف ، جاز له أن يؤخّر السعي إلى بعد ساعة ، ولا يجوز إلى غد يومه - وبه قال أحمد وعطاء والحسن وسعيد بن جبير(٢) - لأنّ الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه وبين الطواف أولى.

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يقدم مكّة وقد اشتدّ عليه الحَرّ ، فيطوف بالكعبة فيؤخّر السعي إلى أن يبرد ، فقال : « لا بأس به ، وربما فَعَلْتُه » قال : وربما رأيته يؤخّر السعي إلى الليل(٣) .

وسأل محمد بن مسلم - في الصحيح - أحدَهماعليهما‌السلام : عن رجل طاف بالبيت فأعى ، أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : « لا »(٤) .

مسألة ٥٠٢ : السعي تبع للطواف لا يصحّ تقديمه عليه‌ - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لما رواه العامّة :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٦ / ٥١٩.

(٢) المغني ٣ : ٤١١ - ٤١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٨ - ١٢٩ / ٤٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٥٣ / ١٢٢٠.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٧ ، المجموع ٨ : ٧٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥١ ، المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢.

١٤٢

أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سعى بعد طوافه(١) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية منصور بن حازم - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت ، فقال : « يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما »(٣) .

ولو طاف بعض الطواف ثم مضى إلى السعي ناسياً ، فذكر في أثناء السعي نقص الطواف ، رجع فأتمّ طوافه ثم عاد إلى السعي فأتمّ سعيه ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام : عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف به ثم ذكر أنّه قد بقي عليه من طوافه شي‌ء ، فأمره أن يرجع إلى البيت فيتمّ ما بقي من طوافه ثم يرجع إلى الصفا فيتمّ ما بقي فقلت له : فإنّه طاف بالصفا وترك البيت ، قال : « يرجع إلى البيت ، قال : « يرجع إلى البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا » فقلت : ما فرق بين هذين؟ قال : « لأنّه قد دخل في شي‌ء من الطواف ، وهذا لم يدخل في شي‌ء منه »(٤) .

تذنيب : لو سعى بعد طوافه ثم ذكر أنّه طاف بغير طهارة ، لم يعتد بطوافه ولا بسعيه‌ ؛ لأنّه تبع له.

مسألة ٥٠٣ : السعي واجب في الحجّ والعمرة ، ولا يجزئ السعي في أحدهما عن الآخر ، عند علمائنا ؛ لأنّ كلّ واحد منهما نسك يشترط فيه الطواف ، فيشترط فيه السعي ، كالآخر.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ - ٨٨٨ - ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٣ - ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ ، المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٦.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٠ / ٤٢٨.

١٤٣

ولقول الصادقعليه‌السلام : « على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت ، ويصلّي لكلّ طواف ركعتين ، وسعيان بين الصفا والمروة »(١) .

وقال بعض العامّة : لو سعى القارن والمفرد بعد طواف القدوم ، لم يلزمهما بعد ذلك سعي ، وإن لم يسعيا معه ، لزمهما السعي مع طواف الزيارة(٢) .

مسألة ٥٠٤ : لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي ، فإن فَعَله متعمّداً ، أعاد طواف النساء‌ ، وإن كان ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ؛ لأنّ أحمد بن محمد روى عمّن ذكره ، قال : قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : جُعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثم طاف طواف النساء ثم سعى ، فقال : « لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء » فقلت : عليه شي‌ء؟ فقال : « لا يكون سعي إلاّ قبل طواف النساء »(٣) .

ولا يجوز للمتمتّع أن يقدّم طواف الحجّ وسعيه على المضيّ إلى عرفات اختياراً ، قاله العلماء كافّة.

روى أبو بصير ، قال : قلت : رجل كان متمتّعاً فأهلّ بالحجّ ، قال : « لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ التقديم للضرورة - كالشيخ الكبير والمريض وخائفة الحيض - جائز ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يعجّل الشيخ‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٦.

(٢) المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٣٣ / ٤٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣١ / ٧٩٩.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٣.

١٤٤

الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج(١) إلى منى »(٢) .

وكذا يجوز تقديم طواف النساء على الموقفين مع العذر لا مع الاختيار ؛ لأنّ الحسن بن علي روى عن أبيه عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك لمن خاف أن لا يتهيّأ(٣) له الانصراف إلى مكّة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو(٤) من منى إذا كان خائفاً »(٥) .

وسيأتي تمام ذلك إن شاء الله تعالى.

قال الشيخرحمه‌الله : يجوز للقارن والمفرد تقديم طوافهما وسعيهما على المضيّ إلى عرفات لضرورة وغيرها(٦) ، لأنّ حماد بن عثمان روى - في الصحيح - قال : سألت الصادقعليه‌السلام عن مفرد الحجّ أيعجّل طوافه أو يؤخّره؟ قال : « هو والله سواء عجّله أو أخّره »(٧) .

وسأل إسحاقُ بن عمّار الكاظمَعليه‌السلام : عن رجل يُحْرم بالحجّ من مكّة ثم يرى البيت خالياً فيطوف قبل أن يخرج ، عليه شي‌ء؟ قال : « لا »(٨) .

قال الشيخ(٩) : ويجدّدان التلبية لو قدّما الطواف ؛ ليبقيا على إحرامهما ، ولو لم يجدّداها ، انقلبت الحجّة عمرة.

____________________

(١) في التهذيبين : يخرجوا.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٣١ / ٤٣١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٠ / ٧٩٥.

(٣) في المصدر : « لمن خاف أمراً لا يتهيّأ ».

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « كما مرّ » وما أثبتناه من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ١٣٣ / ٤٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٠ - ٢٣١ / ٧٩٨.

(٦) النهاية : ٢٤١ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٩.

(٧) الكافي ٤ : ٤٥٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٥ / ١٣٥ ، و ١٣٢ / ٤٣٤.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٤٤ / ١١٦٩.

(٩) اُنظر : التهذيب ٥ : ٤٤ ذيل الحديث ١٣١.

١٤٥

وأنكر ابن إدريس(١) وكافّة العامّة ذلك.

البحث الرابع : في التقصير.

مسألة ٥٠٥ : إذا فرغ المتمتّع من السعي ، قصّر من شعره‌ وقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا الصيد ؛ لكونه في الحرم ، فلو خرج منه ، كان مباحاً له ، ويحلّ له أكل ما ذبح في الحلّ في الحرم إجماعاً.

روى العامّة عن ابن عمر قال : تمتّع الناس مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعمرة إلى الحجّ ، فلمـّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة قال للناس : ( مَنْ كان معه هدي فإنّه لا يحلّ من شي‌ء أحرم منه حتى يقضي حجّته ، ومَنْ لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر وليحلل )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا فرغت من سعيك وأنت متمتّع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخُذْ من شاربك وقلّم من أظفارك وأبق منها لحجّك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي‌ء يحلّ منه الـمُحْرم وأحرمت منه ، وطُفْ بالبيت تطوّعاً ما شئت »(٣) .

مسألة ٥٠٦ : التقصير نسك في العمرة ، فلا يقع الإحلال إلّا به أو بالحلق ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين(٤) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( رحم الله‌

____________________

(١) السرائر : ١٣٥.

(٢) المغني ٣ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٨ - ٤٣٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٥٧ / ٥٢١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ - ٣٧٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، المجموع ٨ : ٢٣٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ و ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٧.

١٤٦

المحلّقين ) قيل : يا رسول الله والمقصّرين ، فقال : ( رحم الله المحلّقين ) إلى أن قال في الثالثة أو الرابعة : ( رحم الله المقصّرين )(١) وهو يدلّ على أنّه نسك.

ومن طريق الخاصّة : الأحاديث الدالّة على الأمر بالتقصير(٢) ، فيكون واجباً.

وقال الشافعي في الآخر : إنّه إطلاق محظور ، بأنّ كلّ ما كان محرّماً في الإحرام فإذا جاز له ، كان إطلاقَ محظور(٣) .

ونمنع الكلّيّة.

ولا يستحب له تأخير التقصير ، فإن أخّره ، لم تتعلّق به كفّارة.

مسألة ٥٠٧ : لو أخلّ بالتقصير عامداً حتى أهلّ بالحجّ ، بطلت عمرته ، وكانت حجّته مفردةً.

ولا تدخل أفعال الحجّ في أفعال العمرة - وبه قال عليعليه‌السلام وابن مسعود والشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه(٤) - لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٥) .

وقال الشافعي : إذا قرن ، تدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ ، واقتصر على أفعال الحجّ فقط ، يجزئه طواف واحد وسعي واحد عنهما.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٦ / ٣١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٢ / ٣٠٤٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥٦ / ٩١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٣ ، سنن الدارمي ٢ : ٦٤.

(٢) منها ما تقدّم عن الإمام الصادقعليه‌السلام في المسألة السابقة.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ - ٣٧٥.

(٤) المجموع ٨ : ٦١ ، صحيح مسلم بشرح النووي ٨ : ١٤١ ، المغني ٣ : ٤٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤.

(٥) البقرة : ١٩٦.

١٤٧

وبه قال جابر وابن عمر وعطاء وطاوُس والحسن البصري ومجاهد وربيعة ومالك وأحمد وإسحاق(١) .

ويبطل بما رواه العامّة عن عمران بن الحصين : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( مَنْ جمع الحجّ إلى العمرة فعليه طوافان )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا طاف وسعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر ، وليس له متعة »(٣) .

ولو أخلّ بالتقصير ناسياً ، صحّت متعته ، ووجب عليه دم - قاله الشيخ(٤) رحمه‌الله - لأنّ إسحاق بن عمّار روى - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام : الرجل يتمتّع وينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحجّ ، فقال : « عليه دم يهريقه »(٥) .

وحمله الصدوق على الاستحباب(٦) ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتى دخل الحجّ ، قال : « يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمّت عمرته»(٧) .

مسألة ٥٠٨ : لو جامع امرأته قبل التقصير ، وجب عليه جزور‌ إن كان‌

____________________

(١) المجموع ٨ : ٦١ ، صحيح مسلم بشرح النووي ٨ : ١٤١ ، المغني ٣ : ٤٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٣٣ ذيل المسألة ١٤٨ ، ونقله الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤ بلفظ : ( مَنْ جمع بين الحجّ والعمرة ).

(٣) التهذيب ٥ : ١٥٩ / ٥٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٣ / ٨٤٦.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٨ ذيل الحديث ٥٢٦.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٨ - ١٥٩ / ٥٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٤ ، والفقيه ٢ : ٢٣٧ / ١١٢٨.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٧ ذيل الحديث ١١٢٩.

(٧) التهذيب ٥ : ١٥٩ / ٥٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ - ٢٤٣ / ٨٤٥.

١٤٨

موسراً ، وإن كان متوسّطاً ، فبقرة ، وإن كان فقيراً ، فشاة إن كان عامداً عالماً ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّ الحلبي سأل الصادقًعليه‌السلام - في الصحيح - : عن متمتّع وقع على امرأته قبل أن يقصّر ، قال : « ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه »(١) .

وفي الحسن عن معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن متمتّع وقع على امرأته ولم يقصّر ، فقال : « ينحر جزوراً وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه »(٢) .

أمّا لو واقعها بعد التقصير ، فلا شي‌ء عليه إجماعاً.

ولو قبّل امرأته قبل التقصير ، وجب عليه دم شاة - قاله الشيخ(٣) - لرواية الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن متمتّع طاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقبّل امرأته قبل أن يقصّر من رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه ، وإن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ عمرته لا تبطل - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي(٥) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه سُئل عن امرأة معتمرة وقع بها زوجها قبل أن تقصّر ، قال : مَنْ ترك من مناسكه شيئاً أو نسيه فليرق دماً ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦١ / ٥٣٦ ، وفيه إلى قوله : « جزوراً ». وقوله : « وقد خشيت حجّه » من تتمّة رواية معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق ٧ ، التي وردت بعد رواية الحلبي ، وفيها : « وقد خفت ».

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٠ - ٤٤١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٦١ / ٥٣٩.

(٣) التهذيب ٥ : ١٦٠ ذيل الحديث ٥٣٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٦٠ - ١٦١ / ٥٣٥.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٨.

١٤٩

قيل : إنّها موسرة ، قال : فلتنحر ناقة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه »(٢) وهو يدلّ على الصحّة.

وقال الشافعي : تفسد عمرته(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإن طاوعته ، كفّرت أيضاً ، وإن أكرهها ، تحمّل عنها.

مسألة ٥٠٩ : التقصير في إحرام العمرة أولى من الحلق ، قاله الشيخ في الخلاف(٤) .

ومنع في غيره من الحلق ، وأوجب به دم شاة مع العمد(٥) .

وقال أحمد : التقصير أفضل(٦) ؛ لما رواه العامّة عن جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام عن جابر لـمّا وصف حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال لأصحابه : ( حلّوا من إحرامكم بطواف بين الصفا والمروة وقصّروا )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه »(٨) .

وسأل جميلُ بن درّاج الصادقَعليه‌السلام : عن متمتّع حلق رأسه بمكة ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٤٨ ، الهامش (٢).

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٣٠ ، المسألة ١٤٤.

(٥) النهاية : ٢٤٦ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٣ ، الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٢.

(٦) المغني ٣ : ٤١٣ - ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٤.

(٧) أورده ابنا قدامة عن جابر فقط في المغني ٣ : ٤١٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٢٤.

(٨) التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٢.

١٥٠

قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء »(١) .

وقال الشافعي : الحلق أفضل(٢) ؛ لقوله تعالى :( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٣) . بدأ بالأهمّ.

وهو لا يعارض ما تقدّم.

مسألة ٥١٠ : أدنى التقصير أن يقصّر شيئاً من شعر رأسه‌ ولو كان يسيراً ، وأقلّه ثلاث شعرات ؛ لحصول الامتثال به ، هذا قول علمائنا ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو حنيفة : الربع(٥) .

وقال مالك : يقصّر من جميع رأسه أو يحلقه أجمع. وبه قال أحمد في إحدى الروايتين - وفي الاُخرى كقولنا(٦) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حلق جميع رأسه(٧) . ولأنّه نسك يتعلّق بالرأس ، فيجب استيعابه ، كالمسح(٨) .

وفعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيان للحلق في الحجّ ، ونمنع حكم أصل قياسهم.

إذا عرفت هذا ، فلو قصّر الشعر بأيّ شي‌ء كان ، أجزأه ، وكذا لو نتفه‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٣.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، المجموع ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٤.

(٣) الفتح : ٢٧.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٤ ، المغني ٣ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٤.

(٦) المغني ٣ : ٤١٤ - ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ / ١٩٨١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤.

(٨) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٥ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٢٩ ، المغني ٣ : ٤١٤ - ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣.

١٥١

أو أزاله بالنورة.

ولو قصّر من الشعر النازل عن حدّ الرأس أو ما يحاذيه ، أجزأه.

ولو قصّر من أظفاره ، أجزأه ، وكذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام سأله حفص وجميل وغيرهما : عن مُحْرم يُقصّر من بعض ولا يقصّر من بعض ، قال : « يجزئه»(١) .

مسألة ٥١١ : ليس في إحرام عمرة التمتّع طواف النساء ، بل في إحرام العمرة المبتولة ؛ لأنّ أبا القاسم مخلد بن موسى الرازي كتب [ إلى الرجل ](٢) يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء؟ وعن العمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ ، فكتب « أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء ، وأمّا التي يتمتّع بها إلى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي للمتمتّع بعد التقصير أن يتشبّه بالـمُحْرمين في ترك لُبْس المخيط ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إذا أحلّ أن لا يلبس قميصاً وليتشبّه بالـمُحْرمين »(٤) .

مسألة ٥١٢ : يكره له أن يخرج من مكة قبل قضاء مناسكه كلّها‌ ، إلّا لضرورة ، فإن اضطرّ إلى الخروج ، خرج إلى حيث لا يفوته الحجّ ، ويخرج مُحْرماً بالحجّ ، فإن أمكنه الرجوع إلى مكة ، وإلّا مضى على إحرامه إلى عرفات.

ولو خرج بغير إحرام ثم عاد ، فإن كان في الشهر الذي خرج فيه ،

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٩ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٦.

(٢) أضفناها من المصادر.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٥٤ / ٨٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٢ / ٨٠٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٦٠ / ٥٣٢.

١٥٢

لم يضرّه أن يدخل مكة بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر الذي خرج فيه ، دخلها مُحْرماً بالعمرة إلى الحجّ ، وتكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتّع بها إلى الحجّ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ دخل مكة متمتّعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ ، فإن عرضت له الحاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق ، خرج مُحْرماً ، ودخل ملبّياً بالحجّ ، فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع إلى مكة رجع مُحْرماً ، ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى » قلت : فإن جهل فخرج إلى المدينة وإلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ أيدخلها مُحْرماً أو بغير إحرام؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل مُحْرماً » قلت : فأيّ الإحرامين والمتعتين متعته؟ الأولى أو الأخيرة؟ قال : « الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّه »(١) .

إذا عرفت هذا ، فلو خرج من مكة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه ، استحبّ له أن يدخلها مُحْرماً بالحجّ ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام على ما تقدّم.

مسألة ٥١٣ : لو دخل المـُحْرم مكة وقدر على إنشاء الإحرام للحجّ بعد طوافه وسعيه وتقصيره ، وإدراك عرفات والمشعر ، جاز له ذلك‌ وإن كان بعد زوال الشمس من يوم التروية أو ليلة عرفة أو يومها قبل الزوال أو بعده إذا علم إدراك الموقفين - اختاره الشيخ(٢) رحمه‌الله - لأنّ هشام بن سالم [ روى ](٣) - في الصحيح - [ عن ](٤) الصادقعليه‌السلام : في الرجل المتمتّع يدخل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤١ - ٤٤٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٣ - ١٦٤ / ٥٤٦.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٤.

(٣ و ٤ ) ما بين المعقوفين لأجل السياق.

١٥٣

ليلة عرفة فيطوف ويسعى ثم يحرم فيأتي منى ، فقال : « لا بأس »(١) .

وقال المفيدرحمه‌الله : إذا زالت الشمس من يوم التروية ولم يكن أحلّ من عمرته ، فقد فاتته المتعة ، ولا يجوز له التحلّل منها ، بل يبقى على إحرامه ، وتكون حجّته مفردة(٢) .

وليس بجيّد.

قال موسى بن القاسم : روى لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، أنّه قال : « أهلّ بالمتعة بالحجّ » يريد يوم التروية زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ، ما بين ذلك كلّه واسع(٣) .

احتجّ المفيد -رحمه‌الله - بقول الصادقعليه‌السلام : « إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة ، وامض كما أنت بحجّك »(٤) .

وهو محمول على خائف فوات الموقف ؛ لأنّ الحلبي سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أهلّ بالحجّ والعمرة جميعاً ثم قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، فقال : « يدع العمرة ، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ، ولا هدي عليه »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٤٢ / ١١٥٦ ، التهذيب ٥ : ١٧١ - ١٧٢ / ٥٧١ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٧ / ٨٦٦.

(٢) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ١٣٧. والذي في مقنعته ٦٧ : من دخل مكة يوم التروية فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة ، فإن غربت الشمس قبل أن يفعل ذلك ، فلا متعة له ، فليقم على إحرامه ويجعلها حجّة مفردة.

ولا يخفى أنّ الاحتجاج الآتي يناسب ما قاله في المقنعة.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٢ - ١٧٣ / ٥٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٨ / ٨٧٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٣ / ٥٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٩ / ٨٧٨.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٤ / ٥٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٠ / ٨٧٩.

١٥٤

والتقييد بخوف الفوات هنا يقتضي تقييده في الأحاديث المطلقة ؛ حملاً للمطلق على المقيّد.

تمّ الجزء الخامس(١) من كتاب تذكرة الفقهاء في سادس شهر رمضان المبارك من سنة ثمان عشرة وسبعمائة بالحلّة على يد مصنّف الكتاب حسن ابن يوسف بن المطهّر الحلّي أعانه الله تعالى على طاعته.

ويتلوه في الجزء السادس بعون الله تعالى : المقصد الثالث في أفعال الحجّ ، وفيه فصول : الأوّل : في إحرام الحجّ.

والحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين(٢) .

____________________

(١) حسب تجزئة المصنّف قدّس الله نفسه الزكية.

(٢) جاء في آخر نسخة « ن » : إلى هنا صورة ما كتبه المصنّف قدّس الله سرّه وأفاض على تربته الرحمة والرضوان في نسخة أصله.

وكان الفراغ منه على يد كاتبه لنفسه الفقير إلى الله تعالى بن شمروخ يوم الخميس سادس عشري شهر الله الأعظم ذي الحجّة الحرام خاتمة سنة أربع وستّين وسبعمائة (٧٦٤) والحمد لله ربّ العالمين ، وصلاته على خير خلقه أجمعين محمد ابن عبد الله الصادق الأمين ، وعلى عترته الطاهرين وذرّيّته الأكرمين صلاة متتابعة مترادفة إلى يوم الدين.

١٥٥

بسم الله الرحمن الرحيم

وفّق اللّهم لإكماله بمحمد وكرام آله‌

١٥٦

١٥٧

المقصد الثالث

في أفعال الحجّ‌

وفيه فصول‌ :

١٥٨

١٥٩

الأوّل

في إحرام الحجّ‌

مسألة ٥١٤ : إذا فرغ المتمتّع من عمرته وأحلّ من إحرامها ، وجب عليه الإتيان بالحجّ مبتدئاً بالإحرام للحجّ من مكة‌. ويستحب أن يكون يوم التروية ، وهو ثامن ذي الحجّة ، إجماعاً.

روى العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فلمـّا كان يوم التروية توجّهوا إلى منى فأهلّوا بالحجّ(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار ، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيمعليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة ، ثم قُلْ في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحجّ ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلى الرقطاء دون الرَّدْم فلبِّ ، فإذا انتهيت إلى الرَّدْم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى»(٢) .

أمّا المكّي : فذهب مالك إلى أنّه يستحب أن يهلّ بالحجّ من المسجد لهلال ذي الحجّة(٣) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٠١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٠.

١٦٠

وروي عن ابن عمر وابن عباس وطاوُس وسعيد بن جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضاً ، وهو قول أحمد ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالإهلال يوم التروية(١) .

ولأنّه ميقات للإحرام ، فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم ، كميقات المكان ، ولأنّه لو أحرم المتمتّع بحجّة أو المكّي قبل ذلك في أيّام الحجّ فإنّه يجزئه(٢) .

مسألة ٥١٥ : ويُحرم من مكة ، والأفضل أن يكون من تحت الميزاب‌ أو من مقام إبراهيمعليه‌السلام ، ويجوز أن يُحْرم من أيّ موضع شاء من مكة إجماعاً.

روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( حتى أهل مكة يُهلّون منها )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمرو بن حريث الصيرفي أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : من أين اُهلّ بالحجّ؟ فقال : « إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق »(٤) .

ويستحب أن يفعل هنا كما فَعَل في إحرام العمرة من الإطلاء والاغتسال والتنظيف بإزالة الشعر والدعاء والاشتراط ؛ لما تقدّم(٥) من الأخبار.

ويستحب أن يكون إحرامه عند الزوال يوم التروية بعد أن يصلّي‌

____________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٥٩ ، الهامش (١).

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٠.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٩ / ١١٨١ ، صحيح البخاري ٢ : ١٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٣ / ١٧٣٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٢٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٦ / ٥٥٥.

(٥) تقدّم في ج ٧ ص ٢٢٢ و ٢٢٣ و ٢٥٩ ، المسائل ١٦٦ و ١٦٧ و ١٩٧.

١٦١

الفرضين ؛ لما تقدّم في المسألة الاُولى(١) من كلام الصادقعليه‌السلام .

ويجوز أن يُحرم أيّ وقت شاء من أيّام الحجّ بعد فراغ عمرته بعد أن يعلم أنّه يلحق عرفات ، ثم يفعل ما فَعَل عند الإحرام الأوّل من الغسل والتنظيف وأخذ الشارب وتقليم الأظفار وغير ذلك ، ثم يلبس ثوبي إحرامه ويدخل المسجد حافياً ، عليه السكينة والوقار ، ويصلّي ركعتين عند المقام أو في الحجر ، وإن صلّى ست ركعات ، كان أفضل. وإن صلّى فريضة الظهر وأحرم عقيبها ، كان أفضل ، فإذا صلّى ركعتي الإحرام ، أحرم بالحجّ مفرداً ؛ ويدعو بما دعا به عند الإحرام الأوّل ، غير أنّه يذكر الحجّ مفرداً ؛ لأنّ عمرته قد مضت.

ويلبّي إن كان ماشياً من موضعه الذي صلّى فيه ، وإن كان راكباً ، فإذا نهض به بعيره ، فإذا انتهى إلى الردْم وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتلبية ، لما تقدّم(٢) .

مسألة ٥١٦ : ولا يسنّ له الطواف بعد إحرامه ، وبه قال ابن عباس وعطاء ومالك وإسحاق وأحمد(٣) . ولو فعل ذلك لغير عذر ، لم يجزئه عن طواف الحجّ وكذا السعي ، أمّا لو حصل عذر ، مثل مرض أو خوف حيض ، فإنّه يجوز الطواف قبل المضيّ إلى عرفات ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه أن يهلّوا بالحجّ إذا خرجوا إلى منى(٤) .

____________________

(١) أي : المسألة ٥١٤.

(٢) تقدّم في المسألة السابقة من كلام الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١.

(٤) كما في المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١ ، وراجع : صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ١١٢.

١٦٢

وقال الشافعي : يجوز مطلقاً(١) .

مسألة ٥١٧ : قد بيّنّا أنّه يجب أن يحرم بالحجّ ، فإن أحرم بالعمرة سهواً وهو يُريد الحجّ ، أجزأه ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل دخل قبل التروية بيوم فأراد الإحرام بالحجّ فأخطأ ، فقال : العمرة ، قال : « ليس عليه شي‌ء ، فليعد الإحرام بالحجّ»(٢) .

ولو نسي الإحرام يوم التروية بالحجّ حتى حصل بعرفات ، فليحرم من هناك ، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده فقد تمّ حجّه ، ولا شي‌ء عليه ، قاله الشيخ(٣) رحمه‌الله ؛ لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره وهو بعرفات ما حاله؟ قال : « يقول : اللهم على كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه »(٤) .

____________________

(١) المجموع ٨ : ٨٤ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٩ / ٥٦٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٤ ذيل الحديث ٥٨٥.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٥ / ٥٨٦.

١٦٣

الفصل الثاني

في الوقوف بعرفات‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في الخروج إلى منى.

يستحب لمن أراد الخروج إلى منى أن لا يخرج من مكة حتى يصلّي الظهرين يوم التروية بها ثم يخرج إلى منى إلّا الإمام خاصّة ، فإنّه يستحب له أن يصلّي الظهر والعصر بمنى يوم التروية ، ويُقيم بها إلى طلوع الشمس.

وأطلق العامّة على استحباب الخروج للإمام وغيره من مكة قبل الظهر وأن يصلّوا بمنى يوم التروية(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن الزبير أنّه صلّى بمكة(٢) .

وعن عائشة أنّها تخلّفت ليلة التروية حتى ذهب ثلثا الليل(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه يصلّي الظهر بمكة(٤) .

وأمّا الإمام : فإنّه يستحب له الخروج قبل الزوال ليصلّي الظهرين يوم التروية بمنى ؛ لما رواه جميل بن درّاج - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر إلّا بمنى يوم التروية ويبيت بها‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١ - ٤٣٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٧ ، المجموع ٨ : ٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٢.

(٢ و ٣ ) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٢ ، المجموع ٨ : ٩٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧ نقلاً بالمعنى.

١٦٤

ويصبح حتى تطلع الشمس ويخرج »(١) .

مسألة ٥١٨ : يجوز للشيخ الكبير والمريض والمرأة وخائف الزحام المبادرة إلى الخروج قبل الظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة‌ ، للضرورة.

ولرواية إسحاق بن عمّار - الصحيحة - قال : سألت الكاظمعليه‌السلام : عن الرجل يكون شيخاً كبيراً أو مريضاً يخاف ضغاط الناس وزحامهم يُحرم بالحجّ ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال : « نعم » قلت : فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكاناً أو يتروّح بذلك؟ قال : « لا » قلت : يتعجّل بيوم؟ قال : « نعم » قلت : يتعجّل بيومين؟ قال : « نعم » قلت : ثلاثةً؟ قال : « نعم» قلت : أكثر من ذلك ، قال : « لا »(٢) .

مسألة ٥١٩ : يستحب له عند التوجّه إلى منى الدعاء بالمنقول ، وإذا نزل منى ، دعا بالمأثور.

قال الصادقعليه‌السلام له(٣) - في الصحيح - : « إذا انتهيت إلى منى فقُلْ : اللهم هذه منى ، وهي ممّا مننت به علينا من المناسك ، فأسألك أن تمنّ عليَّ بما مننت به على أنبيائك ، فإنّما أنا عبدك وفي قبضتك ، ثم تصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر والإمام يصلّي بها الظهر الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر والإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك وموسّع أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات » قال : « وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر »(٤) .

____________________

(١) الاستبصار ٢ : ٢٥٤ / ٨٩٢ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ / ٥٩٢ بتفاوت يسير في اللفظ في الأخير.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٦ / ٥٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٣ / ٨٨٩.

(٣) أي : للسائل.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦١ ( باب نزول منى وحدودها ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ - ١٧٨ / ٥٩٦.

١٦٥

ولو صادف يومُ التروية يومَ الجمعة ، فمن أقام بمكة حتى تزول الشمس ممّن تجب عليه الجمعة ، لم يجز له الخروج حتى يصلّي الجمعة ، لأنّها فرض ، والخروج في هذا الوقت ندب.

أمّا قبل الزوال فإنّه يجوز له الخروج - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّ الجمعة الآن غير واجبة. والثاني للشافعي : لا يجوز(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشيخ -رحمه‌الله - قال : يستحب للإمام أن يخطب أربعة أيّام من ذي الحجّة : يوم السابع منه ويوم عرفة ويوم النحر بمنى ويوم النفر الأوّل ، يعلم الناس ما يجب عليهم فعله من مناسكهم(٣) ؛ لما روى جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الظهر بمكة يوم السابع وخطب(٤) .

ويأمر الناس في خطبته بالغدوّ إلى منى ويُعلمهم ما بين أيديهم من المناسك ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أحمد : لا يخطب يوم السابع(٦) .

ولو وافق يومَ الجمعة ، خطب للجمعة وصلّاها ثم خطب هذه الخطبة ثم يخرج بهم يوم الثامن - وهو يوم التروية - إلى منى.

مسألة ٥٢٠ : يستحب المبيت ليلة عرفة بمنى للاستراحة ، وليس بنسك ، فلا يجب بتركه شي‌ء ، ويبيت إلى طلوع الفجر من يوم عرفة ،

____________________

(١ و ٢ ) فتح العزيز ٧ : ٣٥٣ ، المجموع ٨ : ٨٤.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٥.

(٤) الذي عثرنا عليه من رواية ابن عمر في سنن البيهقي ٥ : ١١١ هكذا : قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان قبل التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم. ولم نجده عن جابر.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، المجموع ٨ : ٨١ - ٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٧.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٥٢ ، المجموع ٨ : ٨٩.

١٦٦

ويكره الخروج قبل الفجر إلّا لضرورة ، كالمريض والخائف ، لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام من قوله : « ثم تصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة »(١) .

إذا ثبت هذا ، فالأفضل له أن يصبر حتى تطلع الشمس ، فلو خرج قبل طلوعها بعد طلوع الفجر ، جاز ذلك ، لكن ينبغي له أن لا يجوز وادي محسّر إلّا بعد طلوع الشمس ، لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس »(٢) .

أمّا الإمام فلا يخرج من منى إلّا بعد طلوع الشمس ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « من السنّة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس »(٣) .

ويجوز للمعذور - كالمريض وخائف الزحام والماشي - الخروج قبل أن يطلع الفجر ويصلّي الفجر في الطريق للضرورة ، رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي أنّه قال للصادقعليه‌السلام : إنّا مشاة فكيف نصنع؟ قال : « أمّا أصحاب الرحال فكانوا يصلّون الغداة بمنى ، وأمّا أنتم فامضوا حيث تصلّوا في الطريق »(٤) .

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّهم يخرجون إلى عرفات بعد الفجر ، والثاني : بعد الظهر في غير الجمعة.

وأمّا إذا كان يومُ التروية يومَ الجمعة ، فالمستحب عنده الخروج قبل طلوع الفجر ؛ لأنّ الخروج إلى السفر يوم الجمعة إلى حيث لا تُصلّى‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٧ - ١٧٨ / ٥٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٨ / ٥٩٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٦١ ( باب الغدوّ إلى عرفات ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٨ / ٥٩٨.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٥٩٩.

١٦٧

الجمعة حرام أو مكروه ، وهُمْ لا يصلّون الجمعة بمنى ، وكذا لا يصلّونها بعرفة لو كان يومُ عرفة يومَ الجمعة ؛ لأنّ الجمعة إنّما تقام في دار الإقامة(١) .

إذا عرفت هذا ، فيستحب الدعاء عند الخروج إلى عرفة بالمنقول ، ويضرب خباءه بنمرة وهي بطن عُرنة دون الموقف ودون عرفة ؛ لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكث حتى طلعت الشمس ثم ركب وأمر بقبّة من شعر أن تُضرب له بنمرة فنزل بها(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : «إذا غدوت إلى عرفة فقُلْ وأنت متوجّه إليها : اللّهم إليك صمدت وإيّاك اعتمدت ووجهك أردت ، أسألك أن تبارك لي في رحلتي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي ، ثم تلبّي وأنت غاد إلى عرفات ، فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك بنمرة وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين وإنّما تعجّل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنّه يوم دعاء ومسألة » قال : « وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب أن يجمع الإمام بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، عند علمائنا ؛ لهذه الرواية ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٥٢ - ٣٥٣.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

١٦٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا فعل في حجّة الوداع(١) (٢) .

وعند أبي حنيفة لا إقامة للعصر(٣) .

مسألة ٥٢١ : إذا زالت الشمس يوم عرفة ، خطب الإمام بالناس‌ ، وبيَّن لهم ما بين أيديهم من المناسك ، ويُحرّضهم على إكثار الدعاء والتهليل بالموقف ، ثم يصلّي بالناس الظهر بأذان وإقامة ، ثم يقيمون فيصلّي بهم العصر.

وإذا كان الإمام مسافراً ، وجب عليه التقصير.

وقال الشافعي : السنّة له التقصير(٤) .

وأمّا أهل مكة ومَنْ حولها فلا يقصّرون ، وبه قال الشافعي(٥) ، خلافاً لمالك(٦) .

وليقل الإمام إذا سلّم : أتمّوا يا أهل مكة فإنّا قوم سفر ، كما قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ نمرة ليست من عرفة ، بل هي حدّ لها.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ ، المجموع ٨ : ٨٧ و ٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٥٤.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ ، المجموع ٨ : ٨٧.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، المجموع ٨ : ٩١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٨.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٤٧ - ٣٤٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٥ ، المجموع ٨ : ٩١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩.

(٧) سنن البيهقي ٣ : ١٣٥ - ١٣٦.

١٦٩

وللشافعية قولان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّها منها(١) .

البحث الثاني : في الكيفية.

مسألة ٥٢٢ : يستحب الاغتسال للوقوف بعرفة ؛ لأنّها عبادة ، فشُرّع لها الاغتسال ، كالإحرام - ورواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وابن المنذر(٢) - لأنّها مجمع الناس ، فاستحبّ الاغتسال لها ، كالجمعة والعيدين.

ومن طريق الحاصّة : ما تقدّم(٣) في حديث معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام .

ثم يقف مستقبل القبلة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف واستقبل القبلة(٤) .

وهل الوقوف راكباً أفضل أو ماشياً؟ للشافعي قولان : أحدهما : أنّهما سواء [ قاله ](٥) في الاُم ، وأظهرهما - وبه قال أحمد(٦) - أنّ الوقوف راكباً أفضل ؛ اقتداءً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليكون أقوى على الدعاء(٧) .

وعندنا أنّ الركوب والقعود مكروهان ، بل يستحب قائماً داعياً‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٥٥.

(٢) المغني ٣ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٣ ، المجموع ٨ : ١١٠.

(٣) تقدّم في المسألة ٥٢٠.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٤ - ١١٥.

(٥) أضفناها من المصادر.

(٦) المغني ٣ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣٦ - ٤٣٧ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٣٥٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٣ ، المجموع ٨ : ١١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

١٧٠

بالمأثور.

مسألة ٥٢٣ : يجب في الوقوف النيّة ، عند علمائنا - خلافاً للعامّة(١) - لأنّ الوقوف عبادة ، وكلّ عبادة بنيّة ؛ لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٢) .

ولأنّه عمل ، فيفتقر إلى النيّة ، لقولهعليه‌السلام : ( الأعمال بالنيّات وإنّما لكل امرئ ما نوى )(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( لا عمل إلّا بنيّة )(٤) .

ولأنّ الواجب إيقاعها على جهة الطاعة ، وهو إنّما يتحقّق بالنيّة.

ويجب في النيّة اشتمالها على نيّة الوجوب والوقوف لحجّ التمتّع حجّة الإسلام أو غيرها ، والتقرّب إلى الله تعالى.

مسألة ٥٢٤ : يجب الكون بعرفة إلى غروب الشمس من يوم عرفة‌ إجماعاً.

روى العامّة عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفة حتى غابت الشمس(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس ، فخالفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢ ، المجموع ٨ : ١٠٣.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١ ، مسند أحمد ١ : ٢٥.

(٤) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣ ، بصائر الدرجات : ٣١ / ٤.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ - ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥.

١٧١

فأفاض بعد غروب الشمس »(١) .

وسأل يونس بن يعقوب ، الصادقَعليه‌السلام : متى نفيض من عرفات؟ فقال : « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا » وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس(٢) .

إذا عرفت هذا ، فكيفما حصل بعرفة أجزأه ، قائماً وجالساً وراكباً ومجتازاً.

وبالجملة لا فرق في الإجزاء بين أن يحضرها ويقف ، وبين أن يمرّ بها ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحجّ عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحجّ )(٣) إلّا أنّ الأفضل القيام ؛ لأنّه أشقّ ، فيكون أفضل ؛ لقولهعليه‌السلام : ( أفضل الأعمال أحمزها )(٤) .

ولأنّه أخفّ على الراحلة.

مسألة ٥٢٥ : لا بدّ من قصد الوقوف بعرفة ، وهو يستلزم معرفة أنّها عرفة ، فلو مرّ بها مجتازاً وهو لا يعلم أنّها عرفة ، لم يجزئه - وبه قال أبو ثور(٥) - لأنّ الوقوف إنّما يتحقّق استناده إليه بالقصد والإرادة ، وهي غير متحقّقة هنا. ولأنّا شرطنا النيّة ، وهي متوقّفة على الشعور.

وقال الفقهاء الأربعة بالإجزاء(٦) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ أدرك صلاتنا هذه‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦١٨.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، وبتفاوت في سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ١٩ ، وسنن النسائي ٥ : ٢٥٦.

(٤) النهاية - لابن الأثير - ١ : ٤٤٠.

(٥) المغني ٣ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المجموع ٨ : ١٠٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٥ ، المغني ٣ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١.

١٧٢

- يعني صلاة الصبح يوم النحر - وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضى تفثه)(١) ولم يفصّل بين الشاعر وغيره.

ولا حجّة فيه ؛ لأنّ قولهعليه‌السلام : ( وأتى عرفات ) إنّما يتحقّق مع القصد.

مسألة ٥٢٦ : النائم يصحّ وقوفه - إذا سبقت منه النيّة للوقوف - بعد الزوال‌ وإن استمرّ نومه إلى الليل ، أمّا لو لم تسبق منه النيّة واتّفق نومه قبل الدخول إلى عرفة واستمرّ إلى خروجه منها ، فإنّه لا يجزئه ، خلافاً للعامّة ؛ فإنّهم قالوا بإجزائه(٢) . إلاّ عند بعض الشافعية(٣) .

والأصل في الخلاف بينهم البناء على أنّ كلّ ركن من أركان الحجّ هل يجب إفراده بنيّة ، لانفصال بعضها عن بعض ، أو تكفيها النيّة السابقة(٤) ؟ والصحيح ما قلناه من أنّ النيّة معتبرة ولا تصحّ من النائم.

واحتجّوا بالقياس على النائم طول النهار ؛ فإنّه يجزئه الصوم(٥) .

وهو ممنوع إن لم تسبق منه النيّة في ابتدائه.

ولو حصل بعرفات وهو مغمى عليه ولم تسبق منه النيّة في وقتها وخرج بعد الغروب وهو مغمى عليه ، لم يصح وقوفه ؛ لفوات أهليّته للعبادة ، ولهذا لا يجزئه الصوم لو كان مغمى عليه طول نهاره ، وهو قول‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ١٩٥٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٣٩ - ٢٤٠ / ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٦ بتفاوت يسير.

(٢) المغني ٣ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المجموع ٨ : ١٠٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩ ، المجموع ٨ : ١٠٣.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المجموع ٨ : ١٠٣ - ١٠٤.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٦١.

١٧٣

الشافعي(١) .

ولأصحابه وجه : أنّه يجزئه اكتفاءً منه بالحضور(٢) .

والسكران الذي لا يحصّل شيئاً كالمغمى عليه.

ولو حضر وهو مجنون قبل النيّة واستوعب الوقت ، لم يجزئه.

قال بعض الشافعية : إنّه يقع نفلاً كحجّ الصبي غير المميّز(٣) .

ولهم وجه بالإجزاء ، كما في المغمى عليه(٤) ، وقد سبق.

وبما اخترناه في المغمى عليه والمجنون قال الحسن البصري والشافعي وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر(٥) .

وقال عطاء : المغمى عليه يجزئه - وبه قال مالك وأصحاب الرأي(٦) ، وتوقّف أحمد(٧) - لأنّه لا يشترط فيه الطهارة ، فلا يشترط فيه النيّة ، فصحّ من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة(٨) .

ونمنع حكم الأصل.

وحكم من غلب على عقله بمرض أو غيره حكم المغمى عليه.

ولو كان السكران يُحصّل ما يقع منه ، صحّ طوافه.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٨ ، المجموع ٨ : ١٠٤ ، المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢ ، الاستذكار ١٣ : ٣٩ - ٤٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩ ، المجموع ٨ : ١٠٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩ ، المجموع ٨ : ١٠٤.

(٥) المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، المجموع ٨ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٨.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٤١٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ١١٨ ، المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢.

(٧ و ٨ ) المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢.

١٧٤

ولا يشترط الطهارة ولا الستر ولا الستر ولا الاستقبال إجماعاً ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة : ( إفعلي ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت )(١) وكانت حائضاً.

نعم تستحب الطهارة إجماعاً.

ولو حضر بعرفة في طلب غريم له أو دابّة ، فإن نوى النسك في الأثناء ، صحّ وقوفه ، وإلّا فلا، وللشافعيّة مع عدم النيّة وجهان(٢) ، بخلاف ما لو صرف الطواف إلى غير النسك ، فإنّه لا يجزئه إجماعاً. والفرق عندهم أنّ الطواف قربة برأسها ، بخلاف الوقوف ، على أنّ بعضهم طرّد الخلاف هنا(٣) .

مسألة ٥٢٧ : عرفة كلّها موقف‌ في أيّ موضع منها وقف أجزأه ، وهو قول علماء الإسلام.

روى العامّة عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفة وقد أردف اُسامة بن زيد ، فقال : ( هذا الموقف ، وكلّ عرفة موقف )(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( عرفة كلّها موقف ، وارتفعوا عن وادي عُرنة ، والمزدلفة كلّها موقف ، وارتفعوا عن بطن محسّر )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفات ، فجعل النّاس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها ، فنحّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففعلوا مثل ذلك فقال : أيّها الناس إنّه ليس موضع أخفاف‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٤٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٤٢ ، وبتفاوت يسير في صحيح مسلم ٢ : ٨٧٤ / ١٢٠ وصحيح البخاري ١ : ٨٤ و ٢ : ١٩٥ ، وسنن البيهقي ٥ : ٣ ، وسنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، ومشكل الآثار ٣ : ١٥٧.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٢٣٢ / ٨٨٥.

(٥) الموطّأ ١ : ٣٨٨ / ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٥.

١٧٥

ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كلّه موقف ، وأشار بيده إلى الموقف ، فتفرّق الناس ، وفَعَل ذلك بالمزدلفة »(١) .

وقالعليه‌السلام : ( عرفة كلّها موقف ، ولو لم يكن إلّا ما تحت خفّ ناقتي لم يسع الناس ذلك)(٢) .

مسألة ٥٢٨ : وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز ، فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود ولا تحت الأراك ، فإنّ هذه المواضع ليست من عرفات ، فلو وقف بها ، بطل حجّه ، وبه قال الجمهور كافّة(٣) ، إلّا ما حُكي عن مالك أنّه لو وقف ببطن عرنة أجزأه ، ولزمه الدم(٤) .

وقال ابن عبد البر : أجمع الفقهاء على أنّه لو وقف ببطن عرنة ، لم يجزئه(٥) .

وحدّ الشافعي عرفة ، فقال : هي ما جاوز وادي عرنة إلى الجبال المقابلة ممّا يلي بساتين بني عامر ، وليس وادي عُرنة من عرفة ، وهو على منقطع عرفة ممّا يلي منى وصوب مكة(٦) .

وقول مالك باطل ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( عرفة كلّها‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨١ / ١٣٧٧.

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٦ ، المجموع ٨ : ١٠٩ و ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٢.

(٤) الاستذكار ١٣ : ١٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٢ ، المجموع ٨ : ١٠٩ و ١٢٠ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣٢١.

(٥) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٦.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧١ ، المجموع ٨ : ١٠٥ - ١٠٦ ، الاستذكار ١٣ : ١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧.

١٧٦

موقف ، وارتفعوا عن بطن عُرنة )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « واتّق الأراك ونمرة ، وهي بطن عُرنة ، وثويّة وذا المجاز ، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه »(٣) .

مسألة ٥٢٩ : يستحب أن يضرب خباءه بنمرة‌ - وهي بطن عرنة - اقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة »(٥) .

ويجوز النزول تحت الأراك إلى أن تزول الشمس ثم يمضي إلى الموقف فيقف فيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، فأمّا النزول تحته حتى تزول الشمس وتنهض إلى الموقف فلا بأس »(٦) .

وينبغي أن يقف على السهل.

ويستحب أن يقف على ميسرة الجبل ولا يرتفع إلى الجبل ، إلّا عند الضرورة إلى ذلك ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض؟ فقال : « على الأرض »(٧) .

____________________

(١) الموطّأ ١ : ٣٨٨ / ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٠ - ١٨١ / ٦٠٤.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٧.

(٥) الكافي ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

(٦) التهذيب ٥ : ١٨١ / ٦٠٥.

(٧) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٣.

١٧٧

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفة في ميسرة الجبل(١) .

وروى سماعة بن مهران ، قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : إذا أكثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : « يرتفعون إلى وادي محسّر » قلت : فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : « يرتفعون إلى المأزمين » قلت : فإذا كانوا بالموقف وكثروا كيف يصنعون؟ فقال : « يرتفعون إلى الجبل »(٢) .

ويستحب له إن وجد خللاً أن يسدّه بنفسه ورحله.

قال الله تعالى :( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (٣) فوصفهم بالاجتماع.

وقال الصادقعليه‌السلام : « وإذا رأيت خللاً فتقدّم فسدّه بنفسك وراحلتك ، فإنّ الله يحبّ أن تُسدَّ تلك الخلال »(٤) .

ويستحب أن يقرب إلى الجبل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وما قرب من الجبل فهو أفضل »(٥) .

مسألة ٥٣٠ : يستحب للإمام أن يخطب بعرفة قبل الأذان‌ على ما تقدّم(٦) ، فإذا أذّن المؤذّن وأقام ، صلّى بالناس الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين يجمع بينهما على هذه الصفة.

وباستحباب الأذان في الاُولى قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(٧) ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب إلى أن‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨١ / ١٣٧٧.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤.

(٣) الصف : ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨٠ - ١٨١ / ٦٠٤.

(٥) التهذيب ٥ : ١٨٤ / ٦١٣.

(٦) تقدّم في المسألة ٥٢١.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ ، المجموع ٨ : ٨٧ و ٩٢ ، حلية =

١٧٨

أذّن المؤذّن ، فنزل وصلّى بالناس(١) .

وفي الرواية الثانية لأحمد : يتخيّر بين الأذان لها وعدمه(٢) .

وقال مالك : أذان العصر مستحب كغيرها من الصلوات(٣) .

ويبطل بما رواه العامّة في حديث جابر : ثم أذّن بلال ثم أقام فصلّى الظهر ثم أقام فصلّى العصر(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين »(٥) .

والفرق : أنّ التعجيل هنا لأجل الدعاء.

مسألة ٥٣١ : إذا صلّى مع الإمام ، جمع معه كما يجمع الإمام‌ إجماعاً.

ولو كان منفرداً ، جمع أيضاً بأذان واحد وإقامتين ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي وعطاء ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمّد(٦) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان إذا فاته الجمع بين الظهر والعصر مع الإمام بعرفة جمع بينهما منفرداً(٧) .

____________________

= العلماء ٣ : ٣٣٧ ، الاستذكار ١٣ : ١٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٣.

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٤.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٣.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤١٢ ، الاستذكار ١٣ : ١٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، المجموع ٨ : ٩٢.

(٤) المصادر في الهامش (١).

(٥) الكافي ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٠ ، المجموع ٨ : ٨٨ و ٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، المغني ٣ : ٤٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥ ، الاستذكار ١٣ : ١٣٧ و ١٣٨.

(٧) سنن البيهقي ٥ : ١١٤ ، المغني ٣ : ٤٣٣.

١٧٩

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين »(١) .

ولأنّ الغرض التفرّغ للدعاء ، وهو مشترك بين المنفرد وغيره.

وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة : لا يجوز له أن يجمع إلّا مع الإمام ؛ لأنّ لكلّ صلاة وقتاً محدوداً ، وإنّما ترك في الجمع مع الإمام ، فإذا لم يكن إمام ، رجعنا إلى الأصل(٢) .

وقد بيّنّا أنّ الوقت مشترك ، والعلّة مع الإمام موجودة مع المنفرد.

ويجوز الجمع لكلّ مَنْ بعرفة من مكّيّ وغيره ، وقد أجمع علماء الإسلام على أنّ الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وكذا من صلّى معه.

وقال أحمد : لا يجوز الجمع إلّا لمن بينه وبين وطنه ستّة عشر فرسخاً إلحاقاً له بالقصر(٣) .

ويبطل بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع فجمع معه مَنْ حضر من أهل مكة وغيرها ، ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال : ( أتمّوا فإنّا سفر )(٤) ولو كان حراماً لبيّنه.

ولو كان الإمام مقيماً ، أتمّ وقصّر مَنْ خلفه من المسافرين وأتمّ المقيمون ، عند علمائنا أجمع.

وقال الشافعي : يتمّ المسافرون(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

(٢) المغني ٣ : ٤٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٠ ، المجموع ٨ : ٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥ ، الاستذكار ١٣ : ١٣٧ - ١٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣٤.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ١٣٥ - ١٣٦.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460