تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191654 / تحميل: 5474
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وروي عن ابن عمر وابن عباس وطاوُس وسعيد بن جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضاً ، وهو قول أحمد ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالإهلال يوم التروية(١) .

ولأنّه ميقات للإحرام ، فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم ، كميقات المكان ، ولأنّه لو أحرم المتمتّع بحجّة أو المكّي قبل ذلك في أيّام الحجّ فإنّه يجزئه(٢) .

مسألة ٥١٥ : ويُحرم من مكة ، والأفضل أن يكون من تحت الميزاب‌ أو من مقام إبراهيمعليه‌السلام ، ويجوز أن يُحْرم من أيّ موضع شاء من مكة إجماعاً.

روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( حتى أهل مكة يُهلّون منها )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمرو بن حريث الصيرفي أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : من أين اُهلّ بالحجّ؟ فقال : « إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق »(٤) .

ويستحب أن يفعل هنا كما فَعَل في إحرام العمرة من الإطلاء والاغتسال والتنظيف بإزالة الشعر والدعاء والاشتراط ؛ لما تقدّم(٥) من الأخبار.

ويستحب أن يكون إحرامه عند الزوال يوم التروية بعد أن يصلّي‌

____________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٥٩ ، الهامش (١).

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٠.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٩ / ١١٨١ ، صحيح البخاري ٢ : ١٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٣ / ١٧٣٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٢٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٦ / ٥٥٥.

(٥) تقدّم في ج ٧ ص ٢٢٢ و ٢٢٣ و ٢٥٩ ، المسائل ١٦٦ و ١٦٧ و ١٩٧.

١٦١

الفرضين ؛ لما تقدّم في المسألة الاُولى(١) من كلام الصادقعليه‌السلام .

ويجوز أن يُحرم أيّ وقت شاء من أيّام الحجّ بعد فراغ عمرته بعد أن يعلم أنّه يلحق عرفات ، ثم يفعل ما فَعَل عند الإحرام الأوّل من الغسل والتنظيف وأخذ الشارب وتقليم الأظفار وغير ذلك ، ثم يلبس ثوبي إحرامه ويدخل المسجد حافياً ، عليه السكينة والوقار ، ويصلّي ركعتين عند المقام أو في الحجر ، وإن صلّى ست ركعات ، كان أفضل. وإن صلّى فريضة الظهر وأحرم عقيبها ، كان أفضل ، فإذا صلّى ركعتي الإحرام ، أحرم بالحجّ مفرداً ؛ ويدعو بما دعا به عند الإحرام الأوّل ، غير أنّه يذكر الحجّ مفرداً ؛ لأنّ عمرته قد مضت.

ويلبّي إن كان ماشياً من موضعه الذي صلّى فيه ، وإن كان راكباً ، فإذا نهض به بعيره ، فإذا انتهى إلى الردْم وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتلبية ، لما تقدّم(٢) .

مسألة ٥١٦ : ولا يسنّ له الطواف بعد إحرامه ، وبه قال ابن عباس وعطاء ومالك وإسحاق وأحمد(٣) . ولو فعل ذلك لغير عذر ، لم يجزئه عن طواف الحجّ وكذا السعي ، أمّا لو حصل عذر ، مثل مرض أو خوف حيض ، فإنّه يجوز الطواف قبل المضيّ إلى عرفات ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه أن يهلّوا بالحجّ إذا خرجوا إلى منى(٤) .

____________________

(١) أي : المسألة ٥١٤.

(٢) تقدّم في المسألة السابقة من كلام الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١.

(٤) كما في المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١ ، وراجع : صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ١١٢.

١٦٢

وقال الشافعي : يجوز مطلقاً(١) .

مسألة ٥١٧ : قد بيّنّا أنّه يجب أن يحرم بالحجّ ، فإن أحرم بالعمرة سهواً وهو يُريد الحجّ ، أجزأه ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل دخل قبل التروية بيوم فأراد الإحرام بالحجّ فأخطأ ، فقال : العمرة ، قال : « ليس عليه شي‌ء ، فليعد الإحرام بالحجّ»(٢) .

ولو نسي الإحرام يوم التروية بالحجّ حتى حصل بعرفات ، فليحرم من هناك ، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده فقد تمّ حجّه ، ولا شي‌ء عليه ، قاله الشيخ(٣) رحمه‌الله ؛ لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره وهو بعرفات ما حاله؟ قال : « يقول : اللهم على كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه »(٤) .

____________________

(١) المجموع ٨ : ٨٤ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٩ / ٥٦٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٤ ذيل الحديث ٥٨٥.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٥ / ٥٨٦.

١٦٣

الفصل الثاني

في الوقوف بعرفات‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في الخروج إلى منى.

يستحب لمن أراد الخروج إلى منى أن لا يخرج من مكة حتى يصلّي الظهرين يوم التروية بها ثم يخرج إلى منى إلّا الإمام خاصّة ، فإنّه يستحب له أن يصلّي الظهر والعصر بمنى يوم التروية ، ويُقيم بها إلى طلوع الشمس.

وأطلق العامّة على استحباب الخروج للإمام وغيره من مكة قبل الظهر وأن يصلّوا بمنى يوم التروية(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن الزبير أنّه صلّى بمكة(٢) .

وعن عائشة أنّها تخلّفت ليلة التروية حتى ذهب ثلثا الليل(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه يصلّي الظهر بمكة(٤) .

وأمّا الإمام : فإنّه يستحب له الخروج قبل الزوال ليصلّي الظهرين يوم التروية بمنى ؛ لما رواه جميل بن درّاج - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر إلّا بمنى يوم التروية ويبيت بها‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣١ - ٤٣٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٧ ، المجموع ٨ : ٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٢.

(٢ و ٣ ) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٢ ، المجموع ٨ : ٩٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧ نقلاً بالمعنى.

١٦٤

ويصبح حتى تطلع الشمس ويخرج »(١) .

مسألة ٥١٨ : يجوز للشيخ الكبير والمريض والمرأة وخائف الزحام المبادرة إلى الخروج قبل الظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة‌ ، للضرورة.

ولرواية إسحاق بن عمّار - الصحيحة - قال : سألت الكاظمعليه‌السلام : عن الرجل يكون شيخاً كبيراً أو مريضاً يخاف ضغاط الناس وزحامهم يُحرم بالحجّ ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال : « نعم » قلت : فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكاناً أو يتروّح بذلك؟ قال : « لا » قلت : يتعجّل بيوم؟ قال : « نعم » قلت : يتعجّل بيومين؟ قال : « نعم » قلت : ثلاثةً؟ قال : « نعم» قلت : أكثر من ذلك ، قال : « لا »(٢) .

مسألة ٥١٩ : يستحب له عند التوجّه إلى منى الدعاء بالمنقول ، وإذا نزل منى ، دعا بالمأثور.

قال الصادقعليه‌السلام له(٣) - في الصحيح - : « إذا انتهيت إلى منى فقُلْ : اللهم هذه منى ، وهي ممّا مننت به علينا من المناسك ، فأسألك أن تمنّ عليَّ بما مننت به على أنبيائك ، فإنّما أنا عبدك وفي قبضتك ، ثم تصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر والإمام يصلّي بها الظهر الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر والإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك وموسّع أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات » قال : « وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر »(٤) .

____________________

(١) الاستبصار ٢ : ٢٥٤ / ٨٩٢ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ / ٥٩٢ بتفاوت يسير في اللفظ في الأخير.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٦ / ٥٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٣ / ٨٨٩.

(٣) أي : للسائل.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦١ ( باب نزول منى وحدودها ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ - ١٧٨ / ٥٩٦.

١٦٥

ولو صادف يومُ التروية يومَ الجمعة ، فمن أقام بمكة حتى تزول الشمس ممّن تجب عليه الجمعة ، لم يجز له الخروج حتى يصلّي الجمعة ، لأنّها فرض ، والخروج في هذا الوقت ندب.

أمّا قبل الزوال فإنّه يجوز له الخروج - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّ الجمعة الآن غير واجبة. والثاني للشافعي : لا يجوز(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشيخ -رحمه‌الله - قال : يستحب للإمام أن يخطب أربعة أيّام من ذي الحجّة : يوم السابع منه ويوم عرفة ويوم النحر بمنى ويوم النفر الأوّل ، يعلم الناس ما يجب عليهم فعله من مناسكهم(٣) ؛ لما روى جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الظهر بمكة يوم السابع وخطب(٤) .

ويأمر الناس في خطبته بالغدوّ إلى منى ويُعلمهم ما بين أيديهم من المناسك ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أحمد : لا يخطب يوم السابع(٦) .

ولو وافق يومَ الجمعة ، خطب للجمعة وصلّاها ثم خطب هذه الخطبة ثم يخرج بهم يوم الثامن - وهو يوم التروية - إلى منى.

مسألة ٥٢٠ : يستحب المبيت ليلة عرفة بمنى للاستراحة ، وليس بنسك ، فلا يجب بتركه شي‌ء ، ويبيت إلى طلوع الفجر من يوم عرفة ،

____________________

(١ و ٢ ) فتح العزيز ٧ : ٣٥٣ ، المجموع ٨ : ٨٤.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٥.

(٤) الذي عثرنا عليه من رواية ابن عمر في سنن البيهقي ٥ : ١١١ هكذا : قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان قبل التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم. ولم نجده عن جابر.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، المجموع ٨ : ٨١ - ٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٧.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٥٢ ، المجموع ٨ : ٨٩.

١٦٦

ويكره الخروج قبل الفجر إلّا لضرورة ، كالمريض والخائف ، لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام من قوله : « ثم تصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة »(١) .

إذا ثبت هذا ، فالأفضل له أن يصبر حتى تطلع الشمس ، فلو خرج قبل طلوعها بعد طلوع الفجر ، جاز ذلك ، لكن ينبغي له أن لا يجوز وادي محسّر إلّا بعد طلوع الشمس ، لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس »(٢) .

أمّا الإمام فلا يخرج من منى إلّا بعد طلوع الشمس ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « من السنّة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس »(٣) .

ويجوز للمعذور - كالمريض وخائف الزحام والماشي - الخروج قبل أن يطلع الفجر ويصلّي الفجر في الطريق للضرورة ، رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي أنّه قال للصادقعليه‌السلام : إنّا مشاة فكيف نصنع؟ قال : « أمّا أصحاب الرحال فكانوا يصلّون الغداة بمنى ، وأمّا أنتم فامضوا حيث تصلّوا في الطريق »(٤) .

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّهم يخرجون إلى عرفات بعد الفجر ، والثاني : بعد الظهر في غير الجمعة.

وأمّا إذا كان يومُ التروية يومَ الجمعة ، فالمستحب عنده الخروج قبل طلوع الفجر ؛ لأنّ الخروج إلى السفر يوم الجمعة إلى حيث لا تُصلّى‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٧ - ١٧٨ / ٥٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٨ / ٥٩٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٦١ ( باب الغدوّ إلى عرفات ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٨ / ٥٩٨.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٥٩٩.

١٦٧

الجمعة حرام أو مكروه ، وهُمْ لا يصلّون الجمعة بمنى ، وكذا لا يصلّونها بعرفة لو كان يومُ عرفة يومَ الجمعة ؛ لأنّ الجمعة إنّما تقام في دار الإقامة(١) .

إذا عرفت هذا ، فيستحب الدعاء عند الخروج إلى عرفة بالمنقول ، ويضرب خباءه بنمرة وهي بطن عُرنة دون الموقف ودون عرفة ؛ لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكث حتى طلعت الشمس ثم ركب وأمر بقبّة من شعر أن تُضرب له بنمرة فنزل بها(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : «إذا غدوت إلى عرفة فقُلْ وأنت متوجّه إليها : اللّهم إليك صمدت وإيّاك اعتمدت ووجهك أردت ، أسألك أن تبارك لي في رحلتي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي ، ثم تلبّي وأنت غاد إلى عرفات ، فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك بنمرة وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين وإنّما تعجّل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنّه يوم دعاء ومسألة » قال : « وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب أن يجمع الإمام بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، عند علمائنا ؛ لهذه الرواية ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٥٢ - ٣٥٣.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

١٦٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا فعل في حجّة الوداع(١) (٢) .

وعند أبي حنيفة لا إقامة للعصر(٣) .

مسألة ٥٢١ : إذا زالت الشمس يوم عرفة ، خطب الإمام بالناس‌ ، وبيَّن لهم ما بين أيديهم من المناسك ، ويُحرّضهم على إكثار الدعاء والتهليل بالموقف ، ثم يصلّي بالناس الظهر بأذان وإقامة ، ثم يقيمون فيصلّي بهم العصر.

وإذا كان الإمام مسافراً ، وجب عليه التقصير.

وقال الشافعي : السنّة له التقصير(٤) .

وأمّا أهل مكة ومَنْ حولها فلا يقصّرون ، وبه قال الشافعي(٥) ، خلافاً لمالك(٦) .

وليقل الإمام إذا سلّم : أتمّوا يا أهل مكة فإنّا قوم سفر ، كما قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ نمرة ليست من عرفة ، بل هي حدّ لها.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ ، المجموع ٨ : ٨٧ و ٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٥٤.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ ، المجموع ٨ : ٨٧.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، المجموع ٨ : ٩١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٨.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٤٧ - ٣٤٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٥ ، المجموع ٨ : ٩١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩.

(٧) سنن البيهقي ٣ : ١٣٥ - ١٣٦.

١٦٩

وللشافعية قولان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّها منها(١) .

البحث الثاني : في الكيفية.

مسألة ٥٢٢ : يستحب الاغتسال للوقوف بعرفة ؛ لأنّها عبادة ، فشُرّع لها الاغتسال ، كالإحرام - ورواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وابن المنذر(٢) - لأنّها مجمع الناس ، فاستحبّ الاغتسال لها ، كالجمعة والعيدين.

ومن طريق الحاصّة : ما تقدّم(٣) في حديث معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام .

ثم يقف مستقبل القبلة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف واستقبل القبلة(٤) .

وهل الوقوف راكباً أفضل أو ماشياً؟ للشافعي قولان : أحدهما : أنّهما سواء [ قاله ](٥) في الاُم ، وأظهرهما - وبه قال أحمد(٦) - أنّ الوقوف راكباً أفضل ؛ اقتداءً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليكون أقوى على الدعاء(٧) .

وعندنا أنّ الركوب والقعود مكروهان ، بل يستحب قائماً داعياً‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٥٥.

(٢) المغني ٣ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٣ ، المجموع ٨ : ١١٠.

(٣) تقدّم في المسألة ٥٢٠.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٤ - ١١٥.

(٥) أضفناها من المصادر.

(٦) المغني ٣ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣٦ - ٤٣٧ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٣٥٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٣ ، المجموع ٨ : ١١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

١٧٠

بالمأثور.

مسألة ٥٢٣ : يجب في الوقوف النيّة ، عند علمائنا - خلافاً للعامّة(١) - لأنّ الوقوف عبادة ، وكلّ عبادة بنيّة ؛ لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٢) .

ولأنّه عمل ، فيفتقر إلى النيّة ، لقولهعليه‌السلام : ( الأعمال بالنيّات وإنّما لكل امرئ ما نوى )(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( لا عمل إلّا بنيّة )(٤) .

ولأنّ الواجب إيقاعها على جهة الطاعة ، وهو إنّما يتحقّق بالنيّة.

ويجب في النيّة اشتمالها على نيّة الوجوب والوقوف لحجّ التمتّع حجّة الإسلام أو غيرها ، والتقرّب إلى الله تعالى.

مسألة ٥٢٤ : يجب الكون بعرفة إلى غروب الشمس من يوم عرفة‌ إجماعاً.

روى العامّة عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفة حتى غابت الشمس(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس ، فخالفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢ ، المجموع ٨ : ١٠٣.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١ ، مسند أحمد ١ : ٢٥.

(٤) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣ ، بصائر الدرجات : ٣١ / ٤.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ - ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥.

١٧١

فأفاض بعد غروب الشمس »(١) .

وسأل يونس بن يعقوب ، الصادقَعليه‌السلام : متى نفيض من عرفات؟ فقال : « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا » وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس(٢) .

إذا عرفت هذا ، فكيفما حصل بعرفة أجزأه ، قائماً وجالساً وراكباً ومجتازاً.

وبالجملة لا فرق في الإجزاء بين أن يحضرها ويقف ، وبين أن يمرّ بها ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحجّ عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحجّ )(٣) إلّا أنّ الأفضل القيام ؛ لأنّه أشقّ ، فيكون أفضل ؛ لقولهعليه‌السلام : ( أفضل الأعمال أحمزها )(٤) .

ولأنّه أخفّ على الراحلة.

مسألة ٥٢٥ : لا بدّ من قصد الوقوف بعرفة ، وهو يستلزم معرفة أنّها عرفة ، فلو مرّ بها مجتازاً وهو لا يعلم أنّها عرفة ، لم يجزئه - وبه قال أبو ثور(٥) - لأنّ الوقوف إنّما يتحقّق استناده إليه بالقصد والإرادة ، وهي غير متحقّقة هنا. ولأنّا شرطنا النيّة ، وهي متوقّفة على الشعور.

وقال الفقهاء الأربعة بالإجزاء(٦) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ أدرك صلاتنا هذه‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦١٨.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، وبتفاوت في سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ١٩ ، وسنن النسائي ٥ : ٢٥٦.

(٤) النهاية - لابن الأثير - ١ : ٤٤٠.

(٥) المغني ٣ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المجموع ٨ : ١٠٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٥ ، المغني ٣ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١.

١٧٢

- يعني صلاة الصبح يوم النحر - وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضى تفثه)(١) ولم يفصّل بين الشاعر وغيره.

ولا حجّة فيه ؛ لأنّ قولهعليه‌السلام : ( وأتى عرفات ) إنّما يتحقّق مع القصد.

مسألة ٥٢٦ : النائم يصحّ وقوفه - إذا سبقت منه النيّة للوقوف - بعد الزوال‌ وإن استمرّ نومه إلى الليل ، أمّا لو لم تسبق منه النيّة واتّفق نومه قبل الدخول إلى عرفة واستمرّ إلى خروجه منها ، فإنّه لا يجزئه ، خلافاً للعامّة ؛ فإنّهم قالوا بإجزائه(٢) . إلاّ عند بعض الشافعية(٣) .

والأصل في الخلاف بينهم البناء على أنّ كلّ ركن من أركان الحجّ هل يجب إفراده بنيّة ، لانفصال بعضها عن بعض ، أو تكفيها النيّة السابقة(٤) ؟ والصحيح ما قلناه من أنّ النيّة معتبرة ولا تصحّ من النائم.

واحتجّوا بالقياس على النائم طول النهار ؛ فإنّه يجزئه الصوم(٥) .

وهو ممنوع إن لم تسبق منه النيّة في ابتدائه.

ولو حصل بعرفات وهو مغمى عليه ولم تسبق منه النيّة في وقتها وخرج بعد الغروب وهو مغمى عليه ، لم يصح وقوفه ؛ لفوات أهليّته للعبادة ، ولهذا لا يجزئه الصوم لو كان مغمى عليه طول نهاره ، وهو قول‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ١٩٥٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٣٩ - ٢٤٠ / ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٦ بتفاوت يسير.

(٢) المغني ٣ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المجموع ٨ : ١٠٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩ ، المجموع ٨ : ١٠٣.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المجموع ٨ : ١٠٣ - ١٠٤.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٦١.

١٧٣

الشافعي(١) .

ولأصحابه وجه : أنّه يجزئه اكتفاءً منه بالحضور(٢) .

والسكران الذي لا يحصّل شيئاً كالمغمى عليه.

ولو حضر وهو مجنون قبل النيّة واستوعب الوقت ، لم يجزئه.

قال بعض الشافعية : إنّه يقع نفلاً كحجّ الصبي غير المميّز(٣) .

ولهم وجه بالإجزاء ، كما في المغمى عليه(٤) ، وقد سبق.

وبما اخترناه في المغمى عليه والمجنون قال الحسن البصري والشافعي وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر(٥) .

وقال عطاء : المغمى عليه يجزئه - وبه قال مالك وأصحاب الرأي(٦) ، وتوقّف أحمد(٧) - لأنّه لا يشترط فيه الطهارة ، فلا يشترط فيه النيّة ، فصحّ من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة(٨) .

ونمنع حكم الأصل.

وحكم من غلب على عقله بمرض أو غيره حكم المغمى عليه.

ولو كان السكران يُحصّل ما يقع منه ، صحّ طوافه.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٨ ، المجموع ٨ : ١٠٤ ، المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢ ، الاستذكار ١٣ : ٣٩ - ٤٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩ ، المجموع ٨ : ١٠٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩ ، المجموع ٨ : ١٠٤.

(٥) المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، المجموع ٨ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٨.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٤١٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ١١٨ ، المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢.

(٧ و ٨ ) المغني ٣ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٢.

١٧٤

ولا يشترط الطهارة ولا الستر ولا الستر ولا الاستقبال إجماعاً ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة : ( إفعلي ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت )(١) وكانت حائضاً.

نعم تستحب الطهارة إجماعاً.

ولو حضر بعرفة في طلب غريم له أو دابّة ، فإن نوى النسك في الأثناء ، صحّ وقوفه ، وإلّا فلا، وللشافعيّة مع عدم النيّة وجهان(٢) ، بخلاف ما لو صرف الطواف إلى غير النسك ، فإنّه لا يجزئه إجماعاً. والفرق عندهم أنّ الطواف قربة برأسها ، بخلاف الوقوف ، على أنّ بعضهم طرّد الخلاف هنا(٣) .

مسألة ٥٢٧ : عرفة كلّها موقف‌ في أيّ موضع منها وقف أجزأه ، وهو قول علماء الإسلام.

روى العامّة عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفة وقد أردف اُسامة بن زيد ، فقال : ( هذا الموقف ، وكلّ عرفة موقف )(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( عرفة كلّها موقف ، وارتفعوا عن وادي عُرنة ، والمزدلفة كلّها موقف ، وارتفعوا عن بطن محسّر )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفات ، فجعل النّاس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها ، فنحّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففعلوا مثل ذلك فقال : أيّها الناس إنّه ليس موضع أخفاف‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٤٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٤٢ ، وبتفاوت يسير في صحيح مسلم ٢ : ٨٧٤ / ١٢٠ وصحيح البخاري ١ : ٨٤ و ٢ : ١٩٥ ، وسنن البيهقي ٥ : ٣ ، وسنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، ومشكل الآثار ٣ : ١٥٧.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٢٣٢ / ٨٨٥.

(٥) الموطّأ ١ : ٣٨٨ / ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٥.

١٧٥

ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كلّه موقف ، وأشار بيده إلى الموقف ، فتفرّق الناس ، وفَعَل ذلك بالمزدلفة »(١) .

وقالعليه‌السلام : ( عرفة كلّها موقف ، ولو لم يكن إلّا ما تحت خفّ ناقتي لم يسع الناس ذلك)(٢) .

مسألة ٥٢٨ : وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز ، فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود ولا تحت الأراك ، فإنّ هذه المواضع ليست من عرفات ، فلو وقف بها ، بطل حجّه ، وبه قال الجمهور كافّة(٣) ، إلّا ما حُكي عن مالك أنّه لو وقف ببطن عرنة أجزأه ، ولزمه الدم(٤) .

وقال ابن عبد البر : أجمع الفقهاء على أنّه لو وقف ببطن عرنة ، لم يجزئه(٥) .

وحدّ الشافعي عرفة ، فقال : هي ما جاوز وادي عرنة إلى الجبال المقابلة ممّا يلي بساتين بني عامر ، وليس وادي عُرنة من عرفة ، وهو على منقطع عرفة ممّا يلي منى وصوب مكة(٦) .

وقول مالك باطل ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( عرفة كلّها‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨١ / ١٣٧٧.

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٦ ، المجموع ٨ : ١٠٩ و ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٢.

(٤) الاستذكار ١٣ : ١٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٢ ، المجموع ٨ : ١٠٩ و ١٢٠ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣٢١.

(٥) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٦.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧١ ، المجموع ٨ : ١٠٥ - ١٠٦ ، الاستذكار ١٣ : ١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧.

١٧٦

موقف ، وارتفعوا عن بطن عُرنة )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « واتّق الأراك ونمرة ، وهي بطن عُرنة ، وثويّة وذا المجاز ، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه »(٣) .

مسألة ٥٢٩ : يستحب أن يضرب خباءه بنمرة‌ - وهي بطن عرنة - اقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة »(٥) .

ويجوز النزول تحت الأراك إلى أن تزول الشمس ثم يمضي إلى الموقف فيقف فيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، فأمّا النزول تحته حتى تزول الشمس وتنهض إلى الموقف فلا بأس »(٦) .

وينبغي أن يقف على السهل.

ويستحب أن يقف على ميسرة الجبل ولا يرتفع إلى الجبل ، إلّا عند الضرورة إلى ذلك ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض؟ فقال : « على الأرض »(٧) .

____________________

(١) الموطّأ ١ : ٣٨٨ / ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٠ - ١٨١ / ٦٠٤.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٧.

(٥) الكافي ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

(٦) التهذيب ٥ : ١٨١ / ٦٠٥.

(٧) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٣.

١٧٧

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعرفة في ميسرة الجبل(١) .

وروى سماعة بن مهران ، قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : إذا أكثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : « يرتفعون إلى وادي محسّر » قلت : فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : « يرتفعون إلى المأزمين » قلت : فإذا كانوا بالموقف وكثروا كيف يصنعون؟ فقال : « يرتفعون إلى الجبل »(٢) .

ويستحب له إن وجد خللاً أن يسدّه بنفسه ورحله.

قال الله تعالى :( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (٣) فوصفهم بالاجتماع.

وقال الصادقعليه‌السلام : « وإذا رأيت خللاً فتقدّم فسدّه بنفسك وراحلتك ، فإنّ الله يحبّ أن تُسدَّ تلك الخلال »(٤) .

ويستحب أن يقرب إلى الجبل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وما قرب من الجبل فهو أفضل »(٥) .

مسألة ٥٣٠ : يستحب للإمام أن يخطب بعرفة قبل الأذان‌ على ما تقدّم(٦) ، فإذا أذّن المؤذّن وأقام ، صلّى بالناس الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين يجمع بينهما على هذه الصفة.

وباستحباب الأذان في الاُولى قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(٧) ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب إلى أن‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨١ / ١٣٧٧.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤.

(٣) الصف : ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨٠ - ١٨١ / ٦٠٤.

(٥) التهذيب ٥ : ١٨٤ / ٦١٣.

(٦) تقدّم في المسألة ٥٢١.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ ، المجموع ٨ : ٨٧ و ٩٢ ، حلية =

١٧٨

أذّن المؤذّن ، فنزل وصلّى بالناس(١) .

وفي الرواية الثانية لأحمد : يتخيّر بين الأذان لها وعدمه(٢) .

وقال مالك : أذان العصر مستحب كغيرها من الصلوات(٣) .

ويبطل بما رواه العامّة في حديث جابر : ثم أذّن بلال ثم أقام فصلّى الظهر ثم أقام فصلّى العصر(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين »(٥) .

والفرق : أنّ التعجيل هنا لأجل الدعاء.

مسألة ٥٣١ : إذا صلّى مع الإمام ، جمع معه كما يجمع الإمام‌ إجماعاً.

ولو كان منفرداً ، جمع أيضاً بأذان واحد وإقامتين ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي وعطاء ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمّد(٦) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان إذا فاته الجمع بين الظهر والعصر مع الإمام بعرفة جمع بينهما منفرداً(٧) .

____________________

= العلماء ٣ : ٣٣٧ ، الاستذكار ١٣ : ١٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٣.

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٤.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٣.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤١٢ ، الاستذكار ١٣ : ١٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٧ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، المجموع ٨ : ٩٢.

(٤) المصادر في الهامش (١).

(٥) الكافي ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٠ ، المجموع ٨ : ٨٨ و ٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، المغني ٣ : ٤٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥ ، الاستذكار ١٣ : ١٣٧ و ١٣٨.

(٧) سنن البيهقي ٥ : ١١٤ ، المغني ٣ : ٤٣٣.

١٧٩

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين »(١) .

ولأنّ الغرض التفرّغ للدعاء ، وهو مشترك بين المنفرد وغيره.

وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة : لا يجوز له أن يجمع إلّا مع الإمام ؛ لأنّ لكلّ صلاة وقتاً محدوداً ، وإنّما ترك في الجمع مع الإمام ، فإذا لم يكن إمام ، رجعنا إلى الأصل(٢) .

وقد بيّنّا أنّ الوقت مشترك ، والعلّة مع الإمام موجودة مع المنفرد.

ويجوز الجمع لكلّ مَنْ بعرفة من مكّيّ وغيره ، وقد أجمع علماء الإسلام على أنّ الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وكذا من صلّى معه.

وقال أحمد : لا يجوز الجمع إلّا لمن بينه وبين وطنه ستّة عشر فرسخاً إلحاقاً له بالقصر(٣) .

ويبطل بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع فجمع معه مَنْ حضر من أهل مكة وغيرها ، ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال : ( أتمّوا فإنّا سفر )(٤) ولو كان حراماً لبيّنه.

ولو كان الإمام مقيماً ، أتمّ وقصّر مَنْ خلفه من المسافرين وأتمّ المقيمون ، عند علمائنا أجمع.

وقال الشافعي : يتمّ المسافرون(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦١ - ٤٦٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ / ٦٠٠.

(٢) المغني ٣ : ٤٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٠ ، المجموع ٨ : ٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥ ، الاستذكار ١٣ : ١٣٧ - ١٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣٤.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ١٣٥ - ١٣٦.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

والخلاف هنا كالخلاف هناك.

وكذا يجوز بيعها قبل بدوّ الصلاح سنتين فصاعداً.

ويجوز بيعها منضمّةً إلى الاُصول قبل بدوّ الصلاح وبعده وبشرط القطع وعدمه.

وكذا يجوز منضمّة إلى غيرها مطلقاً قبل انعقادها وبعده ، سواء كان بارزاً كالتفّاح والمشمش والعنب ، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره ، كالجوز في القشر الأسفل ، واللوز ، أو في قشر لا يحتاج إليه ، كالقشر الأعلى للجوز والباقلاء(١) الأخضر والهُرْطُمان(٢) والعدس.

وكذا السنبل يجوز بيعه ، سواء كان بارزاً كالشعير ، أو مستترا كالحنطة ، وسواء بيع منفردا أو مع أصله ، وسواء كان قائما أو حصيدا من غير اعتبار كيل أو وزن ، إلاّ إذا كان البيع بعد التصفية.

مسألة ١٦٨ : بدوّ الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقادُ ، وفي الزرع عند اشتداد الحبّ‌ ؛ لأنّ عمّار بن موسى سأل الصادقَعليه‌السلام عن الكرم متى يحلّ بيعه؟ فقال : « إذا عقد وصار عنقوداً(٣) - والعنقود اسم الحِصْرِم بالنبطيّة - »(٤) .

وعن محمّد بن شريح عن الصادقعليه‌السلام في ثمر الشجر « لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته » فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : « إذا عقد بعد سقوط ورده »(٥) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : والباقلي.

(٢) الهُرْطُمانُ : حبٌّ متوسّط بين الشعير والحنطة نافع للإسهال والسُّعال. القاموس المحيط ٤ : ١٨٩.

(٣) في المصدر : عقوداً.

(٤) التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٨٨ ، الاستبصار ٣ : ٨٩ / ٢٠٣.

٣٦١

وقال الشافعي : إن كانت الثمرة ممّا تحمرّ أو تصفرّ أو تسودّ ، فبدوّ الصلاح أن تحصل فيها هذه الألوان. وإن كانت ممّا تبيضّ فأن تتموّه ، وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويصفرّ لونه. وإن كان ممّا لا يتلوّن - كالتفّاح - فبأن يحلو ويطيب أكله. وإن كان بطّيخا فأن يقع فيه النضج. وإن كان مثل القثّاء والخيار الذي لا يتغيّر لونه ولا طعمه فبأن يتناهى عظم بعضه وهو وقت أخذه(١) .

والنقل على ما ذكرناه ، فهو أولى من الأخذ بالتخمين والاستحسان.

الثالث : الخضر - كالقثّاء والباذنجان والبطّيخ والخيار - يجوز بيعه‌ بعد انعقاده وظهوره. ولا يشترط أزيد من ذلك من تغيّر لونٍ أو طعمٍ أو غيرهما ؛ لأنّه مملوك طاهر منتفع به ، فجاز بيعه ، كغيره من المبيعات.

ويجوز بيعها منفردة ومنضمّة إلى أصولها وغير أصولها بشرط القطع والتبقية ومطلقا.

وقال الشافعي : إن كان البيع للثمرة خاصّة قبل بدوّ الصلاح ، وجب شرط القطع ، كما في ثمرة النخل. وإن باع الأصل خاصّة ، صحّ البيع.

وكذا لو باعها منضمّةً إلى الثمرة التي لم يَبْدُ صلاحها(٢) .

وإذا باع البطّيخ وغيره من الخضر بعد بدوّ الصلاح في الجميع أو في بعضه [ جاز ](٣) مطلقاً عندنا.

وقال الشافعي : يجب شرط القطع إن خِيف خروج غيره ؛ لأنّه إذا وجب‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٥ - ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٢ ، المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠١ - ٣٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

٣٦٢

شرط القطع خوفاً من الجائحة التي الغالب فيها العدم ، فلأن يجب خوفاً من الاختلاط الذي الغالب فيه الوجود كان أولى(١) .

والجواب : المنع من كون الاختلاط مانعاً من البيع ؛ لإمكان المخلص عنه.

وإن لم يخف اختلاطه بغيره ، صحّ بيعه بشرط القطع وبغير شرطه(٢) .

مسألة ١٦٩ : لو اُفردت اُصول البطّيخ وغيره من الخضر بالبيع بعد ظهور الثمرة عليها ، صحّ البيع‌ ، وكانت الثمرة للبائع ؛ عملاً باستصحاب الملك السالم عن شرط إدخاله في البيع ، سواء كان قد بدا صلاحها أو لا.

ولا يجب اشتراط القطع إذا لم يخف الاختلاط.

ثمّ الحمل الموجود يكون للبائع ، وما يحدث بعده للمشتري ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن خِيف اختلاط الحملين ، لم يجب شرط(٤) القطع عندنا ؛ للأصل.

وقال الشافعي : يجب(٥) .

ولو باع الاُصول قبل خروج الحمل ، فلا يجب اشتراط القطع ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع أو القلع كالزرع(٦) .

ولو باع البطّيخ مع اُصوله ، لم يجب شرط القطع عندنا ، كالثمرة مع الشجرة.

وقال بعض أصحاب الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع ، بخلاف الثمرة مع‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « اشتراط » بدل « شرط ».

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

٣٦٣

الشجرة ؛ لأنّ الشجرة غير معرّضة للجائحة ، بخلاف البطّيخ مع أصله ؛ فإنّه متعرّض لها. أمّا لو باع البطّيخ وأصله والأرض أيضاً ، استغنى عن شرط القطع ، وكان الأرض هنا كالأشجار ثَمَّ(١) .

مسألة ١٧٠ : لو باع الثمرة الظاهرة وما يظهر بعد ذلك ، صحّ البيع عندنا‌ - وبه قال مالك(٢) - لأصالة الصحّة. ولأنّ المتجدّد هنا كالمتجدّد في الثمرة في السنة الثانية ، فكما يصحّ(٣) بيع الثمرة سنتين صحّ هنا. ولأنّ ذلك يشقّ تمييزه ، فجعل ما لم يظهر تبعاً لما يظهر ، كما أنّ ما لم يَبْدُ صلاحه تبع لما بدا صلاحه.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين : « لا بأس به »(٤) والخضراوات من جملة الثمار.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - لأنّها ثمرة لم تخلق ، فلا يجوز بيعها ، كما لا يجوز بيعها قبل ظهور شي‌ء منها(٥) .

والجواب : الفرق ، فإنّ مع الظهور يبقى المعدوم تابعاً ، فجاز بيعه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢) الموطّأ ٢ : ٦١٩ ذيل الحديث ١٣ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٨ / ٢٨٣٨٧ ، و ١٠٩ /٢٨٣٨٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

(٣) في « ق ، ك » : صحّ.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٩ / ٢٨٣٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

٣٦٤

بخلاف عدم الظهور ؛ فإنّ العدم يبقى أصلاً.

مسألة ١٧١ : ويجوز بيع ما يجزّ جزّةً وجزّات‌ ، وكذا ما يخرط خرطةً وخرطات ، كلّ ذلك مع ظهور الجزّة الاُولى والخرطة الاُولى ، سواء بدا صلاحها أو لا ، كالكرّاث والهندباء والنعناع والتوت والحِنّاء ؛ عملاً بالأصل السالم عن معارضة المبطل.

ولما رواه ثعلبة بن زيد(١) ، قال : سألت الباقرعليه‌السلام : عن الرطبة تباع قطعتين أو الثلاث قطعات ، فقال : « لا بأس به » قال : فأكثرت السؤال عن أشباه هذا ، فجعل يقول : « لا بأس »(٢) .

وعن سماعة قال : سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : « إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر ما شئت من خرطةٍ »(٣) .

وعن معاوية بن ميسرة قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن بيع النخل سنتين ، قال : « لا بأس به » قلت : فالرطبة نبيعها هذه الجزّة وكذا وكذا جزّة بعدها؟ قال : « لا بأس به » ثمّ قال : « كان أبي يبيع الحِنّاء كذا وكذا خرطة »(٤) .

تذنيب : مَنْ جوّز بيع الثمرة قبل ظهورها عامين‌ يحتمل تجويز بيع الورق من التوت والحنّاء وشبههما خرطتين قبل ظهورها.

أمّا ما يجزّ كالكرّاث قبل ظهوره فالأولى - تفريعاً على الجواز في‌

____________________

(١) في الكافي : عن ثعلبة عن بريد. وفي التهذيب : ثعلبة بن زيد عن بريد.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٤ ( باب بيع الثمار وشرائها ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٧ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٨.

٣٦٥

الثمرة - المنع فيه ؛ لأنّه لا أصل له ظاهراً يرجع إلى معرفة المجزوز تقريباً ، ولا فرع ظاهر له ، بخلاف ورق التوت والحنّاء.

ولو بِيع ما يُخرط أو يُجزّ مع أصله ، صحّ ، سواء بدا صلاحه أو لا.

المطلب الثاني : في الأحكام.

مسألة ١٧٢ : يجوز بيع الزرع قصيلاً(١) بشرط القطع وبشرط التبقية ومطلقاً‌ ؛ عملاً بالأصل السالم عن المبطل.

فإن شرط القصل أو أطلق واقتضت العادة فيه القصل ، وجب على المشتري قصله ، فإن لم يفعل ، فللبائع قطعه وتركه بالاُجرة.

وإن شرط التبقية ، جاز ، ووجب على البائع إبقاؤه إلى كمال حدّه ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع الزرع الأخضر إلّا بشرط القطع(٢) .

ولو باعه الزرع مع الأرض ، جاز إجماعاً.

وكذا عندنا يجوز بيع البقول دون الأرض بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها وبعده مطلقاً وبشرط القطع والتبقية منضمّةً إلى الأرض ومنفردةً ؛ عملاً بالأصل والعمومات.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع البقول في الأرض دون الأرض إلّا بشرط القطع أو القلع ، سواء كان ممّا يُجزّ مراراً أو مرّة واحدة(٣) .

____________________

(١) القَصْل : القطع. والقصيل : ما اقتصل من الزرع أخضر. لسان العرب ١١ : ٥٥٧ و ٥٥٨ « قصل ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٦٦

ولو باع الزرع بعد اشتداد الحبّ ، فهو كما لو باع الثمرة بعد بدوّ الصلاح.

مسألة ١٧٣ : الثمرة إمّا بارزة ، كالتفّاح والكُمَّثْرى والخوخ والمشمش وأشباهه ، فهذا يجوز بيعه بعد ظهوره في شجره وعلى الأرض إجماعاً ، لظهوره ومشاهدته. وإمّا غير بارزة بل مستورة بالكمام ، وهو قسمان :

الأوّل : ما يكون كمامه من مصلحته يحفظ رطوبته ويبقى معه ، كالرمّان والجوز واللوز في القشر الثاني ، فهذا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأنّه إذا اُخرج من قشره ، سارع إليه الفساد ، فلم يقف بيعه على ذلك. ولا فرق بين أن يباع على شجرة أو مقطوعاً على الأرض.

الثاني : ما لا يكون بقاء قشره من مصلحته ، كالجوز واللوز في قشريه ، فإنّه يجوز بيعه عندنا ، سواء قشر من قشره الأعلى أو لا ، وسواء كان مقطوعاً على الأرض أو باقياً على الشجرة - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه حائل من أصل الخلقة ، فلا يمنع من جواز البيع ، كقشر الرمّان والبيض.

وكذا الباقلاء الأخضر يجوز بيعه وإن لم ينزع عنه القشر الأعلى ، سواء كان رطباً أو يابساً ، وسواء بِيع منفرداً أو منضمّاً ومقطوعاً وغير مقطوع ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(٢) - لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع ذلك كلّه إلّا بعد أن يقشر الجوز واللوز‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، التلقين ٢ : ٣٧٤.

(٢) المغني ٤ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤.

٣٦٧

وشبههما من القشر الأعلى ، لا على رأس الشجرة ولا على وجه الأرض ، ولا بيع الباقلاء الأخضر حتى ينزع عنه القشر الأعلى(١) .

وجوّز أبو العباس بن القاص وأبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأعلى ، وهو قول الشافعي أيضاً ؛ لأنّه يؤكل رطباً ، وبقاؤه في قشره الأخضر يحفظ رطوبته. وكذا قالا في الجوز واللوز إذا كانا رطبين ، فأمّا إذا يبسا ، فلا يجوز بيعهما في القشر الأعلى(٢) .

واحتجّ الشافعي : بأنّ المقصود مستور فيما لا يدّخر عليه وفيما لا مصلحة له فيه ، فلم يجز بيعه ، كالمعادن والحيوان المذبوح قبل سلخه(٣) .

والجواب : المنع من اللازم ، فإنّه يجوز عندنا بيعُ المعادن بشرط المشاهدة ، وبيعُ الحيوان قبل سلخه إن لم نشترط فيه الوزن.

مسألة ١٧٤ : السنبل يجوز بيعه‌ ، سواء كان حبّه ظاهراً ، كالشعير والسلت ، أو مستوراً ، كالحنطة والعدس والسمسم ، قبل بدوّ الصلاح وبعده بشرط القطع والتبقية ومطلقاً - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - للأصل والعمومات.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٥ ، منهاج الطالبين : ١٠٧ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٢ ، التلقين ٢ : ٣٧٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١.

٣٦٨

وقال الشافعي : إن كان الحبّ ظاهراً ، جاز بيعه مع السنبل بعد الحصاد وقبله ؛ لظهور المقصود. وإن كان مستوراً كالحنطة ، لم يجز بيعه في السنبلة دون السنبلة ، ومع السنبلة قولان :

القديم : الجواز ؛ لنهيهعليه‌السلام عن بيع الحبّ حتى يشتدّ(١) ، وقد اشتدّ ، فيزول النهي ، وإلّا انتفت فائدة الغاية.

والجديد : المنع ؛ لأنّ المقصود مستور بما لا يتعلّق به الصلاح(٢) .

أمّا الاُرز فإنّه كالشعير عنده يجوز بيعه في سنبله ؛ لأنّه يدّخر في قشره(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كالحنطة(٤) .

مسألة ١٧٥ : إذا كان المقصود مستوراً في الأرض ، لم يجز بيعه‌ إلّا بعد قلعه ، كالجزر والثوم والبصل - وبه قال الشافعي(٥) - للجهالة ، لانتفاء المشاهدة والوصف.

ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع والإبقاء ، خلافاً للشافعي في الإبقاء(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٣ / ٣٣٧١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ - ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ و ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٦٩

والشلجم نوعان : منه ما هو مستور لا يجوز بيعه قبل قلعه. ومنه ما يكون ظاهراً ، فيجوز(١) بيعه بشرط القطع والتبقية.

ويجوز أيضاً بيع اللوز في قشره الأعلى قبل انعقاد الأسفل ؛ لأنّه مأكول كلّه كالتفّاح ، عند الشافعي(٢) .

وعندنا يجوز مطلقاً ، سواء يبس قشره أو لا ، وسواء انعقد الأسفل أو لا.

فروع :

أ - اختلف الشافعيّة في المنع من(٣) جميع ما تقدّم قول الشافعي بالمنع فيه‌ هل هو مقطوع به أو مفرّع على قول منع بيع الغائب؟

قال الجويني : إنّه مفرّع عليه ، فلو جوّز بيع الغائب ، صحّ البيع فيها جميعاً(٤) .

وقيل : إنّ المنع في بيع الجزر في الأرض وما في معناه ليس مبنيّاً على بيع الغائب ؛ لأنّ في بيع الغائب يمكن ردّ المبيع بعد الرؤية بصفته وهنا لا يمكن(٥) .

ب - على قول الشافعي بالمنع لو باع الجوز‌ - مثلاً - في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض ، فطريقان :

أحدهما : أنّ البيع باطل في الجوز والحبّ ، وفي الشجر والأرض قولا تفريق الصفقة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : يجوز.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣) في « ق ، ك» : « في » بدل « من ».

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧٠

وأصحّهما عندهم : القطع بالمنع في الكلّ ؛ للجهل بأحد المقصودين وتعذّر التوزيع(١) .

والأقوى عندنا : الجواز ، والجهالة في بعض أجزاء المبيع غير مضرّة.

ج - لو باع أرضاً فيها بذر لم يظهر مع البذر ، صحّ عندنا إن كان البذر تابعاً.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : بطلان البيع في البذر خاصّة. وفي الأرض طريقان سبقا. ومَنْ قال بالصحّة في الأرض لا يذهب إلى التوزيع ، بل يوجب جميع الثمن بناء على أحد القولين فيما لو باع ماله ومال غيره وصحّحنا البيع في ماله وخيّرناه ، أنّه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن(٢) .

وأمّا على مذهبنا فإذا كان البذر مقصودا ، بطل البيع في الجميع ؛ للجهالة.

ولو باع البذر وحده ، بطل عندنا وعند كلّ من يوجب العلم في المبيع ، سواء عرف قدر البذر وشاهده قبل رميه أو لا ، لخفاء حاله عند العقد ، وإمكان تجدّد الفساد بعد العقد ، فخالف بيع الغائب بعد المشاهدة ، فإنّ فساده معلوم الوقت.

ولو باع الأرض وحدها ، صحّ البيع ، ووجب عليه الصبر إلى وقت أخذ الزرع. وله الخيار في الفسخ والإمضاء مجّانا إن لم يكن عالما بالحال.

مسألة ١٧٦ : كما يصحّ بيع الثمرة يصحّ بيع أبعاضها على رؤوس الأشجار‌ ومقطوعة قبل بدوّ الصلاح وبعده مع شرط القطع والتبقية والإطلاق‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧١

بشرطين : الإشاعة والعلم بالجزئيّة - كالنصف والثلث مثلاً - في كلّ صورة يصحّ بيع الجميع فيها ، عند علمائنا أجمع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ البيع قبل بدوّ الصلاح ؛ لأنّ البيع يفتقر إلى شرط القطع ، ولا يمكن قطع النصف إلّا بقطع الجميع ، فيتضرّر البائع بنقصان غير المبيع(١) .

والجواب : المنع من اشتراط القطع ، وقد تقدّم.

سلّمنا ، لكن لا يلزم ثبوته ؛ لإمكان قسمة الثمار على رؤوس الأشجار.

سلّمنا ، لكن هذا الضرر أدخله البائع على نفسه ، كما لو باع ثمرة تفتقر إلى سقي يضرّ بالأصل.

فروع :

أ - لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل ، صحّ إجماعا ، وكانت الثمرة تابعة عند المانعين(٢) من البيع قبل بدوّ الصلاح.

ب - لو كانت الثمرة لإنسان والشجرة لآخر ، فباع صاحب الثمرة نصف ثمرته من صاحب الشجرة ، صحّ عندنا مطلقا على ما تقدّم.

وللشافعي وجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع هنا(٣) .

ج - لو كانت الأشجار والثمار مشتركةً بين رجلين ، فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة ، جاز عندنا.

ومَنَع الشافعي من الجواز(٤) .

ولو اشترى نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٧٢

ومَنَع الشافعي من جوازه مطلقاً ، وجوّزه بشرط القطع ؛ لأنّ جملة الثمار تصير لمشتري الثمرة ، وجملة الأشجار للآخر ، وعلى مشتري الثمرة قطع الكلّ ؛ لأنّه بهذه المقابلة(١) اُلزم قطع النصف المشتري بالشرط ، واُلزم تفريغ الأشجار لصاحبها ، وبيع الشجرة على أن يفرغها المشتري جائز(٢) .

وكذا لو كانت الأشجار لأحدهما والثمرة بينهما ، فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة ، جاز مطلقاً عندنا ، وبشرط القطع عند الشافعي(٣) .

مسألة ١٧٧ : يجوز للبائع أن يستثني جزءاً مشاعاً - كالثلث وشبهه‌ - إجماعاً ؛ لأنّه لا يؤدّي إلى جهالة المستثنى منه.

وكذا يجوز أن يستثني نخلاتٍ بعينها إجماعاً ، وأن يستثني عذقاً معيّناً مشخّصاً من أعذاق النخلة الواحدة ، ولا يجوز أن يستثني نخلةً غير معيّنة ولا عذقاً غير مشخّص إجماعاً ، ولا الأجود ولا الأردأ ؛ لأنّ الاستثناء غير معلوم ، فصار المبيع مجهولاً.

وهل يجوز استثناء أرطال معلومة وإمداد معلومة؟ ذهب علماؤنا إلى جوازه - وبه قال مالك(٤) - لأنّه استثنى معلوماً ، فأشبه ما لو استثنى جزءاً مشاعاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله ربعي : إنّ لي نخلاً بالبصرة فأبيعه واُسمّي الثمن وأستثني الكرَّ من التمر أو أكثر ، قال : « لا بأس »(٥) .

____________________

(١) في المصدر : « المعاملة » بدل « المقابلة ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢٣٦ - ٢٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ - ٨٨ / ٣٠٠.

٣٧٣

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل : لا يجوز ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع السنين وعن الثنيا(١) . ولأنّ المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر ، فالاستثناء منه يُغيّر حكم المشاهدة ؛ لأنّه(٢) لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة منه فلم يجز(٣) .

والجواب : المراد بالنهي : الثنيا المجهولة ؛ لجواز استثناء الجزء المشاع والنخلة المعلومة إجماعاً. والعلم بالمشاهدة حاصل مع الاستثناء وعدمه ، وجهالة القدر حاصلة فيهما معاً ، فلا وجه للتخصيص.

فروع :

أ - إذا استثنى جزءاً مشاعاً أو أرطالاً معيّنة فتلف من الثمرة شي‌ء ، سقط من الثنيا بحسابه.

أمّا في الجزء المشاع : فظاهر.

وأمّا في الأرطال المعلومة : فيؤخذ منه بالحزر والتخمين ، فيقال : هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها؟ فيذهب من الثنيا بقدر تلك النسبة.

أمّا لو استثنى مائة رطل - مثلاً - من الثمرة وممّا(٤) يتخلّف منها ، احتمل بطلان البيع.

ب - لو استثنى نخلاتٍ بعينها أو عذقاً معيّناً من نخلة‌ فذهب بعض‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٣٠٤ ، مسند أحمد ٤ : ٣٣٨ ، ١٤٥٠٤.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : فالاستثناء منه بغير حكم المشاهدة ولأنّه.

والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠ ، الاُم ٣ : ٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٤) في « ق » : وما.

٣٧٤

الثمرة ، فإن كان من الثنيا ، سقط التالف. وإن كان التالف غير المستثنى ، كان المستثنى للبائع.

ج - لو قال : بعتك من هذه الصبرة قفيزاً إلّا مكّوكاً ، صحّ البيع ؛ لأنّ القفيز معلوم القدر ، والمكّوك أيضاً معلوم ، فكان الباقي معلوماً. هذا إذا علم وجود القفيز في الصبرة.

مسألة ١٧٨ : لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح على شرط القطع‌ ومطلقاً عندنا ، أو باع لقطة واحدة من القثّاء والبطّيخ وشبههما ثمّ تجدّد في النخل ثمرة اُخرى أو في اُصول الخضر ، كان المتجدّد للبائع تبعاً للأصل إذا لم يشترطه المشتري.

فإنّ تميّزت ، فلا بحث. وإن اختلطت بغيرها بحيث لا تتميّز ، فإمّا أن يكون بعد القبض أو قبله.

فإن كان بعد القبض ، كان المشتري شريكاً للبائع ، فإن علم القدر دون العين ، أخذ كلّ منهما من الثمرة بقدر الذي له من الجملة. فإن لم يعلم القدر ولا العين ، اصطلحا ، كما لو وقع طعام شخص على طعام غيره ولم يعلما قدرهما.

وإن كان قبل القبض ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء ؛ للتعيّب في يد البائع ، فإن فسخ ، أخذ الثمن الذي دفعه. وإن أمضى البيع ، كان شريكاً : إن علما مقدار ما لكلٍّ منهما ، أخذ القدر الذي له. وإن جهلاه ، اصطلحا. وحكم ما إذا لم يتميّز البعض حكم ما إذا لم يتميّز الجميع.

وأمّا عند الشافعي : إذا امتزجت الاُولى بالثانية ولم تتميّزا ، فقولان :

أحدهما : فسخ البيع - قاله في الإملاء - لتعذّر التسليم جملةً ، فانفسخ البيع ، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

٣٧٥

والثاني : أنّه لا ينفسخ البيع ، فإن سلّم البائع الجميعَ إلى المشتري ، اُجبر المشتري على قبوله ، ومضى البيع. وإن امتنع ، فسخ البيع - وبه قال المزني - لأنّ المبيع زاد ، وذلك لا يوجب بطلان العقد ، كما لو طالت الشجرة أو بلغت الثمرة(١) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ الزيادة في الطول والبلوغ زيادة في عين المبيع فيرجع في الحقيقة إلى زيادة صفة ، فوجب عليه قبولها ، بخلاف الامتزاج ؛ فإنّه يتضمّن زيادة العين ، فلا يجب قبولها ، كما لو باع ثوباً فاختلط الثوب بآخر فدفعهما البائع ، لم يجب على المشتري قبولهما ، ولا يجبر البائع على تسليمهما ، بخلاف طول الغصن وبلوغ الثمرة ؛ فإنّه يجب على البائع تسليم الأصل والزيادة.

فروع :

أ - لو باع ما يعلم امتزاجه قبل إدراك الأوّل وعدم امتيازه ، فإن شرط القطع ، صحّ البيع قطعاً ، سواء أهمل حتى امتزج أو لا. وان لم يشترطه ، فإن قلنا ببطلان البيع على تقدير الامتزاج ، احتمل البطلان هنا حذراً من الاختلاط. والصحّة ؛ لأنّ الثمرة الآن لا موجب لفسخ البيع فيها ، والمزج مترقّب الحصول ، فلا يؤثّر في البيع السابق.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : الأوّل. والثاني : أنّ البيع يقع موقوفاً ، فإن سمح البائع بدفع المتجدّد إلى المشتري تبيّنّا صحّة البيع. وإن لم يدفع ،

____________________

(١) مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، و ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٦

يظهر عدم انعقاده من أصله(١) .

ب - لو باع بشرط القطع أو التبقية مع ندور الاختلاط فحصل الاختلاط ، فقد قلنا : إن كان قبل القبض ، كان للمشتري الفسخُ ، ولا يبطل البيع. وإن كان بعده ، لم ينفسخ.

وللشافعيّة قولان قبل القبض :

أحدهما : الفسخ ؛ لتعذّر تسليم المبيع قبل القبض(٢) . وهو ممنوع.

والثاني : عدم الفسخ ؛ لبقاء عين المبيع ، وإمكان إمضاء البيع ، فيثبت للمشتري الخيار(٣) .

وقال بعضهم : لا خيار له ، وإنّه لا فرق بين المزج قبل القبض وبعده(٤) .

ثمّ إن قال البائع : أسمح بترك المتجدّدة ، ففي سقوط خيار المشتري وجهان :

أصحّهما عندهم : السقوط ، كما في الإعراض عن نعل الدابّة المردودة بالعيب.

والثاني : عدمه ؛ لما في قبوله من المنّة(٥) . وهو الوجه عندي.

ولو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى امتزجا ، جرى القولان في الفسخ. وكذا لو باع حنطةً فانثال عليها مثلها قبل القبض ، أو المائعات(٦) .

ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها ، قال بعضهم : ينفسخ البيع قطعاً ؛ لأنّه يورث الاشتباه ، وأنّه مانع من صحّة البيع لو فُرض‌

____________________

(١ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٧

في الابتداء ، وفي الحنطة غايته ما يلزم الإشاعة ، وهي غير مانعة(١) .

وفيه وجهٌ : أنّه لا ينفسخ ؛ لإمكان تسليمه بتسليم الجميع(٢) .

ولو باع جزّةً من القتّ والكرّاث وشبههما من المجزوزات بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذّر التميّز ، جرى القولان(٣) .

ومنهم مَنْ قطع بعدم الفسخ هنا ؛ تشبيهاً لطولها بكبر الثمرة وسمن الحيوان(٤) .

وفرّق الأوّلون : بأنّ الزيادة في الطلع وسمن الحيوان من نماء الطلع والحيوان ، الذي هو ملك المشتري ، فلهذا كانت له ، بخلاف طول القتّ والكرّاث ؛ لأنّها حدثت من الاُصول التي هي ملك البائع ، فكانت له ، فيجي‌ء القولان ؛ لحصول المزج وعدم التميّز(٥) .

ج - لو حصل الامتزاج بعد القبض ، لم يبطل البيع عندنا ، وقد سبق(٦) .

وللشافعيّة طريقان :

القطع بعدم الفسخ - وهو اختيار المزني - كالحنطة إذا امتزجت باُخرى.

والثاني : أنّه على القولين في الممتزج قبل القبض ، بخلاف مسألة الحنطة ؛ لأنّ هناك قد تمّ التسليم وانقطعت العلائق بينهما ، وفي الثمار لا تنقطع ، لأنّ البائع يدخل الحائط للسقي وغيره(٧) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٥) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٦) في ص ٣٧٤.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٨

د - كلّ موضع قلنا بعدم الفسخ إن تصالحا واتّفقا على شي‌ء ، فلا بحث. وإن تحاكما ، قدّم قول صاحب اليد في قدر حقّ الآخر. وهذا ظاهر في الحنطة وشبهها.

أمّا في الثمار فمَنْ هو صاحب اليد؟ للشافعيّة وجهان بناءً على الجائحة من ضمان البائع أو المشتري؟(١) .

ولهم وجه ثالث : أنّها في يدهما جميعاً(٢) .

والوجه أن نقول : إن كان البائع سلّم الثمرة بتسليم الأصل ، فهي في يد المشتري. وإن كانت الاُصول في يد البائع والثمرة في يد المشتري ، فهُما صاحبا يد. أمّا في صورة الحنطة فصاحب اليد هو المشتري ، فالقول قوله في قدر حقّ البائع. فإن كان المشتري قد أودع البائع الحنطة بعد القبض ثمّ حصل الاختلاط ، فالقول قول البائع في قدر حقّ المشتري.

مسألة ١٧٩ : لو باع شجرة عليها ثمرة ، فالثمرة للبائع‌ إلاّ في طلع النخل غير المؤبّر على ما يأتي ، فإنّه للمشتري. أمّا ثمرة النخل المؤبّرة أو ثمرة غير النخل مطلقا فهي للبائع.

فإن كانت الشجرة تُثمر في السنة مرّتين ويغلب عليها التلاحق ، صحّ البيع عندنا على ما تقدّم ، ولا يخفى الحكم السابق عندنا.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع إلّا بشرط أن يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط(٣) . ويجي‌ء خلافهم السابق فيما إذا كان المبيع الثمرة(٤) .

ثمّ إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة ممّا يندر فيها التلاحق فاتّفق ذلك ، فعندنا يبقى شريكاً

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٩

ويصطلحان.

ونقل المزني عن الشافعي قولين في الانفساخ(١) .

ولأصحاب الشافعي طريقان : فعن بعضهم : القطع بعدم الانفساخ ، وتخطئة المزني في نَقْله ؛ لأنّ الاختلاط وتعذّر التسليم لم يوجد في المبيع ، بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار(٢) .

وأثبت الأكثرون القولين وقالوا : الاختلاط وإن لم يوجد في المبيع لكنّه وجد في المقصود بالعقد ، وهو الثمرة الحادثة ، فإنّها مقصود المشتري من الشراء للاُصول ، فجاز أن يجعل كالمبيع. فإن قلنا بعدم الانفساخ ، فإن سمح البائع بترك الثمرة القديمة ، اُجبر المشتري على القبول. وان رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة ، اُجبر البائع على القبول ، واُقرّ العقد(٣) .

ويحتمل أن يجي‌ء في الإجبار على القبول للشافعيّة خلاف.

وإن استمرّا على النزاع ، قال المثبتون للقولين : يفسخ العقد بينهما ، كما لو كان المبيع الثمرة.

وقال القاطعون : لا فسخ ، بل إن كانت الثمرة والشجرة في يد البائع ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه المشتري مع يمينه. وإن كانتا في يد المشتري ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه البائع ، وهو الذي يقتضيه القياس ، لأنّ الفسخ لا يفيد رفع النزاع ، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري.

قالوا : ولو قلنا بالفسخ ، استردّ المشتري الثمنَ وردَّ الشجرة مع جميع الثمار(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460