تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190640 / تحميل: 5453
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الوقوف ؛ جمعاً بين الأدلّة.

البحث الثاني : في الكيفيّة.

مسألة ٥٤٥ : يجب في الوقوف بالمشعر شيئان : النيّة ، لأنّه عبادة ، فلا يصحّ بدونها. وللآية(١) والأخبار(٢) .

ويشترط فيها التقرّب إلى الله تعالى ، ونيّة الوجوب ، وأنّ وقوفه لحجّة الإسلام أو غيرها.

الثاني : الوقوف بعد طلوع الفجر الثاني ، لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى الصبح حين تبيّن له الصبح(٣) .

قال جابر : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يزل واقفاً حتى أسفر جدّاً(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل وإن شئت حيث تبيت(٥) »(٦) .

ولأنّ الكفّارة تجب لو أفاض قبل الفجر على ما يأتي ، وهي مرتّبة على الذنب.

وقال الشافعي : يجوز أن يدفع بعد نصف الليل ولو بجزء قليل(٧) .

____________________

(١) البيّنة : ٥.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١ ، أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣.

(٣ و ٤ ) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤.

(٥) في الكافي : « حيث شئت ».

(٦) التهذيب ٥ : ١٩١ / ٦٣٥ ، الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٤.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٤ ، المجموع ٨ : ١٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الاستذكار ١٣ : ٣٧ ، المغني ٣ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٩.

٢٠١

فأوجب الوقوف في النصف الثاني من الليل ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر اُمّ سلمة ، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة(١) .

ونحن نقول بموجبه ، فإنَّ المعذورين - كالنساء والصبيان والخائف - يجوز لهم الإفاضة قبل طلوع الفجر.

مسألة ٥٤٦ : يستحب أن يقف بعد أن يصلّي الفجر ، ولو وقف قبل الصلاة بعد طلوع الفجر ، أجزأه‌ ؛ لأنّه وقت مضيّق ، فاستحبّ البدأة بالصلاة.

ويستحب الدعاء بالمنقول ، ثم يفيض حين يشرق ثبير(٢) ، وترى الإبل مواضع أخفافها في الحرم ، رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام (٣) .

ويستحب أن يكون متطهّراً.

قال الصادقعليه‌السلام : « أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل ، وإن شئت حيث تبيت »(٤) الحديث.

ولو وقف جنباً أو مُحْدثاً ، أجزأه إجماعاً.

ويستحبّ له أن يصلّي الفجر في أوّل وقته ؛ لازدحام الناس طلباً للوقوف والدعاء ، بخلاف الحصر.

مسألة ٥٤٧ : يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام.

قال الشيخرحمه‌الله : المشعر الحرام جبل هناك يسمّى قُزّح(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٤ / ١٩٤٢.

(٢) ثبير : جبل بمكة. معجم البلدان ٢ : ٧٣.

(٣ و ٤ ) الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٩١ / ٦٣٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٨ ، وفيه : فراخ ، وهي تصحيف.

٢٠٢

ويستحب الصعود عليه وذكر الله تعالى عنده.

قال الله تعالى :( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (١) .

وأردف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الفضل بن العباس ووقف على قزح ، وقال : ( هذا قُزح ، وهو الموقف ، وجَمْع كلّها موقف )(٢) .

وروى العامّة عن جعفر بن محمدعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ركب القَصْواء حتى أتى المشعر الحرام ، فرَقِيَ عليه واستقبل القبلة فحمد الله وهلّله وكبّره ووحّده ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدّاً(٣) .

قال الصادقعليه‌السلام : « يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ، وأن يدخل البيت »(٤) .

البحث الثالث : في الأحكام.

مسألة ٥٤٨ : الوقوف بالمشعر الحرام ركن من أركان الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمداً ، عند علمائنا ، وهو أعظم من الوقوف بعرفة ، عند علمائنا - وبه‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٨.

(٢) كذا ، وفي سنن الترمذي ٣ : ٢٣٢ / ٨٨٥ ورد هكذا : وأردف اُسامة بن زيد - إلى أن قال - وقال : ( هذا قُزَح ) - إلى آخره ، إلى أن قال - : وأردف الفضل ثم أتى الجمرة انتهى ، وكذا في سنن البيهقي ٥ : ١٢٢ إلى قوله ٦ : ( وجَمْع كلّها موقف ). ونحوه في صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ - ٨٩١ / ١٢١٨ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٩١ / ٦٣٦.

٢٠٣

قال علقمة والشعبي والنخعي(١) - لقوله تعالى:( فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (٢) .

وما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( مَنْ ترك المبيت بالمزدلفة فلا حجّ له )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام « وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإنّ الله تعالى أعذر لعبده ، وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ ، فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحجّ من قابل »(٤) .

وقال باقي العامّة : إنّه نسك وليس بركن(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام بجَمْع : ( مَنْ صلّى معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه )(٦) .

ولأنّه مبيت في مكان ، فلا يكون ركنا ، كالمبيت بمنى.

والحديث حجّة لنا ؛ لأنّها كانت صلاة الفجر في جَمْع ، وإذا علّق تمام الحجّ على وقوف المشعر ، انتفى عند عدمه ، وهو المطلوب.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٧ ، الاستذكار ١٣ : ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٨ : ١٥٠ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ١ : ١٣٨ ، المغني ٣ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٩.

(٢) البقرة : ١٩٨.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٩ / ٩٨١ ، الاستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٧٦.

(٥) المغني ٣ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٧ ، الاستذكار ١٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٧ ، المجموع ٨ : ١٥٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٨٣ ، الهامش (٣).

٢٠٤

والقياس باطل ، ومعارض بقياسنا ، فيبقى دليلنا سالماً.

على أنّا لا نوجب المبيت ولا نجعله ركناً كما تقدّم ، بل الوقوف الاختياري.

مسألة ٥٤٩ : يجب الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر ‌، فلو أفاض قبل طلوعه مختاراً عامداً بعد أن وقف به ليلاً ، جبره بشاة.

وقال أبو حنيفة : يجب الوقوف بعد طلوع الفجر(١) ، كقولنا.

وقال باقي العامّة : يجوز الدفع بعد نصف الليل(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أفاض قبل طلوع الشمس(٣) ، وكانت الجاهلية تفيض بعد طلوعها(٤) ، فدلّ على أنّ ذلك هو الواجب.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : في رجل وقف مع الناس بجَمْع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال : « إن كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة »(٥) .

ولأنّه أحد الموقفين ، فيجب فيه الجمع بين الليل والنهار ، كعرفة.

احتجّوا : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر اُمّ سلمة ، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة(٦) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٣٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٤٦ ، تحفة الفقهاء ١ : ٤٠٧.

(٢) المغني ٣ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٤ ، المجموع ٨ : ١٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٢٥.

(٣و٤) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٦ / ٣٠٢٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤١ / ٨٩٥ و ٢٤٢ / ٨٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ - ١٢٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٢.

(٥) التهذيب ٥ : ١٩٣ / ٦٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٦ / ٩٠٢.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٩٤ / ١٩٤٢ ، المغني ٣ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٠.

٢٠٥

ونحن نقول بموجبه ؛ لجوازه للمعذورين.

وإن كان ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ، قاله الشيخرحمه‌الله (١) ، وبه قال أبو حنيفة(٢) .

وقال ابن إدريس : لو أفاض قبل الفجر عامداً ، بطل حجّه(٣) .

مسألة ٥٥٠ : يجوز للخائف والنساء وغيرهم من أصحاب الأعذار والضرورات الإفاضة قبل طلوع الفجر من مزدلفة‌ إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقدّم ضَعَفة أهله في النصف الأخير من المزدلفة(٤) .

وقال : قدمنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اُغَيْلمة(٥) بني عبد المطّلب(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « رخّص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل ، ويرموا الجمار بليل ، وأن يصلّوا الغداة في منازلهم ، فإن خفن الحيض مضين إلى مكة ، ووكّلن مَنْ يضحّي عنهنّ »(٧) .

____________________

(١) النهاية : ٢٥٣ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٨.

(٢) لم نعثر في المصادر المتوفّرة لدينا على قول أبي حنيفة بالنسبة إلى من أفاض قبل طلوع الفجر ناسياً ، ويظهر من سياق العبارة هنا وما في منتهى المطلب ٢ : ٧٢٥ : أنّ الضمير في « وبه قال أبو حنيفة » راجع إلى الجبر بشاة عند عدم وقوفه بعد طلوع الفجر. وانظر : تحفة الفقهاء ١ : ٤٠٧ ، وبدائع الصنائع ٢ : ١٣٦ ، والهداية - للمرغيناني - ١ : ١٤٦ ، والمبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦٣ ، وفتح العزيز ٧ : ٣٦٨ ، والحاوي الكبير ٤ : ١٧٧.

(٣) السرائر : ١٣٨ - ١٣٩.

(٤) اُنظر : صحيح البخاري ٢ : ٢٠٢ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٤١ / ١٢٩٣ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٤٠ / ٨٩٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٢٣.

(٥) اُغيلمة تصغير أغلمة. والمراد الصبيان.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٧ / ٣٠٢٥.

(٧) الاستبصار ٢ : ٢٥٧ / ٩٠٦ ، والتهذيب ٥ : ١٩٤ / ٦٤٦.

٢٠٦

وعن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : « أيّ امرأة ورجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلاً فلا بأس »(١) الحديث.

مسألة ٥٥١ : يستحب لغير الإمام أن يكون طلوعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس بقليل ، وللإمام بعد طلوعها ؛ لما رواه العامّة : أنّ المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير كيما نغير ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس(٢) .

ومن طريق الخاصّة : أنّ الكاظمعليه‌السلام سُئل أيّ ساعة أحبّ إليك أن نفيض من جَمْع؟ فقال : « قبل أن تطلع الشمس بقليل هي أحبّ الساعات إليّ » قلت : فإن مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال : « ليس به بأس »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه تستحبّ الإفاضة بعد الإسفار قبل طلوع الشمس بقليل - وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٤) - لما رواه العامّة في حديث جابر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يزل واقفاً حتى أسفر جدّاً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس(٥) .

____________________

(١) الاستبصار ٢ : ٢٥٦ - ٢٥٧ / ٩٠٤ ، والتهذيب ٥ : ١٩٤ / ٦٤٤.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٦ / ٣٠٢٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤١ - ٢٤٢ / ٨٩٥ و ٨٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ - ١٢٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٢.

(٣) الاستبصار ٢ : ٢٥٧ / ٩٠٨ ، وبتفاوت يسير في بعض الألفاظ في الكافي ٤ : ٤٧٠ / ٥ ، والتهذيب ٥ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٦٣٩.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٤ ، المجموع ٨ : ١٢٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٨ - ٤٩ ، المغني ٣ : ٤٥٢.

٢٠٧

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم(١) في حديث الكاظمعليه‌السلام .

ولو دفع قبل الإسفار بعد الفجر أو بعد طلوع الشمس ، لم يكن مأثوماً إجماعاً.

مسألة ٥٥٢ : حدّ المزدلفة : ما بين مأزمي(٢) عرفة إلى الحياض إلى وادي محسّر‌ يجوز الوقوف في أيّ موضع شاء منه إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام عن جابر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( وقفت هاهنا بجَمْع ، وجَمْع كلّها موقف )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول زرارة - في الصحيح - : إنّ الباقرعليه‌السلام قال للحكم بن عُيينة : « ما حدّ المزدلفة؟ » فسكت ، فقال الباقرعليه‌السلام : « حدّها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض وادي محسّر »(٤) .

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : « حدّ المشعر الحرام من المأزمَين إلى الحياض وإلى وادي محسّر »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فلو ضاق عليه الموقف ، جاز له أن يرتفع إلى الجبل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : فإذا كثروا بجَمْع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال : « يرتفعون إلى المأزمين »(٦) .

مسألة ٥٥٣ : للوقوف بالمشعر وقتان : اختياريّ من طلوع الفجر إلى‌

____________________

(١) تقدّم في ص ٢٠٦.

(٢) المأزم : الطريق الضيق ، ويقال للموضع الذي بين عرفة والمشعر : مأزمان.

مجمع البحرين ٦ : ٧ « أزم ».

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٣ - ١٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ - ١٩٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٥ ، المغني ٣ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٩٠ - ١٩١ / ٦٣٤ ، وفيه الحكم بن عتيبة.

(٥) التهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣٣.

(٦) التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤.

٢٠٨

طلوع الشمس يوم النحر ، واضطراريّ بعد طلوع الشمس إلى زوالها ، فإذا أدرك الحاج الاختياريّ من وقت عرفة - وهو من زوال الشمس إلى غروبها من يوم عرفة - واضطراريّ المشعر ، أو أدرك اضطراريّ عرفة واختياريّ المشعر ، صحّ حجّه إجماعاً.

وكذا لو أدرك اختياريّ أحدهما وفاته الآخر اضطراريّاً واختياريّاً على إشكال لو كان الفائت هو المشعر.

أمّا لو أدرك الاضطراريّين معاً ولم يدرك اختياريّ أحدهما ، فقد قيل : يبطل حجّه(١) . وقيل : يصحّ(٢) .

ولو ورد الحاجّ ليلاً وعلم أنّه إذا مضى إلى عرفات وقف بها قليلاً ثم عاد إلى المشعر قبل طلوع الشمس ، وجب عليه المضيّ إلى عرفات ، والوقوف بها ، ثم يجي‌ء إلى المشعر.

ولو غلب على ظنّه أنّه إن مضى إلى عرفات ، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشمس ، اقتصر على الوقوف بالمشعر ، وقد تمّ حجّه ، وليس عليه شي‌ء.

ولو وقف بعرفات ليلا ثم أفاض إلى المشعر فأدركه ليلاً أيضاً ولم يتّفق له الوقوف إلى طلوع الفجر بل أفاض منه قبل طلوعه ، ففي إلحاقه بإدراك الاضطراريّين نظر ، فإن قلنا به ، جاء فيه الخلاف.

وأمّا العامّة فقالوا : إذا فاته الوقوف بعرفات ، فقد فاته الحجّ مطلقاً ، سواء وقف بالمشعر أو لا(٣) .

____________________

(١و٢) اُنظر : شرائع الإسلام ١ : ٢٥٤.

(٣) الشرح الكبير ٣ : ٤٤٣ ، المجموع ٨ : ١٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٧.

٢٠٩

ويدلّ على إدراك الحجّ بإدراك الاضطراريّين : ما رواه الحسن العطّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجَمْع ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلاً بالمشعر وليلحق الناس بمنى ولا شي‌ء عليه »(١) .

مسألة ٥٥٤ : يستحب أخذ حصى الجمار من المزدلفة ، وهو سبعون حصاة ، عند علمائنا - وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير والشافعي(٢) - لأنّ الرمي تحيّة لموضعه ، فينبغي له أن يلتقطه من المشعر ، لئلّا يشتغل عند قدومه بغيره ، كما أنّ الطواف تحيّة المسجد ، فلا يبدأ بشي‌ء قبله.

وما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان يأخذ الحصى من جَمْع ، وفَعَله سعيد بن جبير ، وقال : كانوا يتزوّدون الحصى من جَمْع(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - قال : « خُذْ حصى الجمار من جَمْع ، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك »(٤) .

ويجوز أخذ حصى الجمار من الطريق في الحرم ومن بقيّة مواضع الحرم عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ، ومن حصى الجمار إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غداة العقبة وهو على ناقته : ( القط لي حصى الجمار ) فلقطت له سبع حصيات هي حصى الخذف ، فجعل يقبضهنّ(٥) في كفّه ويقول : ( أمثال هؤلاء فارموا ) ثم قال :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩٢ / ٩٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٥ / ١٠٨٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٩ ، المجموع ٨ : ١٣٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٨.

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٢٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٥ - ١٩٦ / ٦٥٠.

(٥) كذا في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجرية والمغني والشرح الكبير ، وفي سنن ابن ماجة : ينفضهنّ ، وفي سنن البيهقي : فوضعتهنّ في يده.

٢١٠

( أيّها الناس إيّاكم والغلوّ في الدين ، فإنّما أهلك مَنْ كان قبلكم الغلوُّ في الدين )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلّا من المسجد الحرام ومسجد الخيف »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلا يجوز أخذ الحصى من حصى الجمار ولا من غير الحرم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك » قال : وقال : « ولا ترم الجمار إلّا بالحصى »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ولا يأخذ من حصى الجمار »(٤) .

وقال بعض علمائنا : لا يؤخذ الحصى من جميع المساجد(٥) .

ولا بأس به ؛ لما ورد من تحريم إخراج الحصى من المساجد(٦) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، وسنن البيهقي ٧ : ١٢٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦.

(٥) المحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٥٧.

(٦) اُنظر : الكافي ٤ : ٢٢٩ / ٤ ، والفقيه ١ : ١٥٤ / ٧١٨ ، و ٢ : ١٦٥ / ٧١٣ ، وعلل الشرائع : ٣٢٠ ، الباب ٩ ، الحديث ١ ، والتهذيب ٣ : ٢٥٦ / ٧١١ ، و ٥ : ٤٤٩ / ١٥٦٨.

٢١١

الفصل الرابع

في نزول منى وقضاء مناسكها‌

وفيه أبواب :

الأوّل : في الرمي ومقدّمته.

وفيه مباحث :

الأوّل : في الإفاضة إلى منى.

مسألة ٥٥٥ : يستحب له الدفع من مزدلفة إلى منى إذا أسفر الصبح‌ قبل طلوع الشمس تأسّيا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

ويستحب أن يفيض بالسكينة والوقار ذاكراً لله تعالى مستغفراً داعياً ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : ثم أردف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل بن عباس وقال : ( أيّها الناس إنّ البرّ ليس بإيجاف الخيل والإبل ، فعليكم بالسكينة ) فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فأفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة ، فأفض بذكر الله والاستغفار ، وحرّك‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٢) المغني ٣ : ٤٥٣ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٩٠ / ١٩٢٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٢٦.

٢١٢

به لسانك »(١) .

مسألة ٥٥٦ : فإذا بلغ وادي محسّر - وهو وادٍ عظيم بين جَمْع ومنى ، وهو إلى منى أقرب - أسرع في مشيه‌ إن كان ماشياً ، وإن كان راكباً حرّك دابّته ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لما رواه العامّة عن الصادقعليه‌السلام : في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا أتى وادي محسّر حرّك قليلاً ، وسلك الطريق الوسطى(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا مررت بوادي محسّر - وهو واد عظيم بين جمع ومنى ، وهو إلى منى أقرب - فاسع فيه حتى تجاوزه ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرّك ناقته »(٣) .

ولا نعلم خلافاً في استحباب الإسراع فيه.

ولو ترك الهرولة فيه ، استحبّ له أن يرجع ويهرول ؛ لأنّها كيفية مستحبّة ، ولا يمكن فعلها إلّا بإعادة الفعل ، فاستحبّ له تداركها ، كناسي الأذان.

وقول ابن بابويه : ترك رجل السعي في وادي محسّر ، فأمره الصادقعليه‌السلام بعد الانصراف إلى مكة فرجع فسعى(٤) .

وقد قيل : إنّ النصارى كانت تقف ثَمَّ ، فرأوا مخالفتهم(٥) .

ويستحبّ له الدعاء حالة السعي في وادي محسّر ؛ لقول الصادقعليه‌السلام

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٢ / ٦٣٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٠ - ٤٧١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٤ ، التهذيب ٥ : ١٩٢ / ٦٣٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٧ ، وفيه : أن يرجع ويسعى.

(٥) كما في فتح العزيز ٧ : ٣٧٠.

٢١٣

- في الصحيح - : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اللّهم سلّم عهدي ، واقبل توبتي ، وأجب دعوتي ، واخلفني بخير فيمن تركت بعدي »(١) .

وفي رواية عن الكاظمعليه‌السلام : « الحركة في وادي محسّر مائة خطوة »(٢) .

وفي حديث آخر « مائة ذراع »(٣) .

وأمّا الجمهور : فاستحبّوا الإسراع قدر رمية حجر(٤) .

وإذا أفاض من المشعر قبل طلوع الشمس ، فلا يجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس مستحبّاً.

وروي عن الباقرعليه‌السلام أنّه يكره(٥) أن يقيم عند المشعر بعد الإفاضة(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب يوم النحر بمنى ثلاثة مناسك : رمي جمرة العقبة ، والذبح ، والحلق أو التقصير ، ويجب عليه بعد عوده من مكّة إلى منى يوم النحر أو ثانيه رمي الجمار الثلاث والمبيت بمنى.

البحث الثاني : في رمي جمرة العقبة.

مسألة ٥٥٧ : إذا ورد منى يوم النحر ، وجب عليه فيه رمي جمرة العقبة ، وهي آخر الجمار ممّا يلي منى ، وأوّلها ممّا يلي مكّة ، وهي عند‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٦.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٤ ، المجموع ٨ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٠.

(٥) في المصدر : كره.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٣.

٢١٤

العقبة ، ولذلك سُمّيت جمرة العقبة [ وهي ](١) في حضيض الجبل مترقّية عن الجادّة.

ولا نعلم خلافاً في وجوب رمي جمرة العقبة ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رماها(٢) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « خُذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة ، فارمها من قِبَل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب له إذا دخل منى بعد طلوع الشمس رمي جمرة العقبة حالة وصوله.

مسألة ٥٥٨ : لا يجوز الرمي في هذا اليوم ولا باقي الأيّام إلّا بالحجارة ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٥) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى بالأحجار ، وقال : ( بمثل هذا فارموا )(٦) .

وقالعليه‌السلام : ( عليكم بحصى الخذف )(٧) .

____________________

(١) أضفناها لأجل السياق.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٧ - ٢٦٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٨ - ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١.

(٥) المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩ ، الاُم ٢ : ٢١٣ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ ، الوجيز ١ : ١٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٧٠ و ١٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣٣٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٥٨.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٢٨.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٣١ - ٩٣٢ / ١٢٨٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٧ و ٢٦٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧.

٢١٥

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « خُذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قِبَل وجهها »(١) والأمر للوجوب.

وقال أبو حنيفة : يجوز بكلّ ما كان من جنس الأرض ، كالكحل والزرنيخ والمدر ، فأمّا ما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز(٢) .

وقال داود : يجوز الرمي بكلّ شي‌ء حتى حُكي عنه أنّه قال : لو رمى بعصفور ميّت ، أجزأه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شي‌ء )(٣) (٤) ولم يفصّل.

وعن سكينة بنت الحسين أنّها رمت الجمرة ورجل يُناولها الحصى تُكبّر مع كلّ حصاة ، فسقطت حصاة فرمت بخاتمها(٥) .

ولأنّه رمى بما هو من جنس الأرض فأجزأه ، كالحجارة.

والجواب : لم يذكر في الحديث كيفية المرميّ به ، وبيَّنه بفعله ، فيصرف ما ذكره إلى المعهود من فعله ، كغيره من العبادات.

وفعل سكينةعليها‌السلام نقول به ؛ لجواز أن يكون فصّ الخاتم حجراً.

وينتقض قياس أبي حنيفة بالدراهم.

مسألة ٥٥٩ : واختلف قول الشيخرحمه‌الله .

____________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢١٤ ، الهامش (٤).

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٥٧ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٤٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٨ ، المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٨ : ١٨٦.

(٣) مسند أحمد ٦ : ١٤٣.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠.

(٥) المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩.

٢١٦

فقال في أكثر كتبه : لا يجوز الرمي إلّا بالحصى(١) . واختاره ابن إدريس(٢) وأكثر علمائنا(٣) .

وقال في الخلاف : لا يجوز الرمي إلّا بالحجر وما كان من جنسه من البرام والجوهر وأنواع الحجارة ، ولا يجوز بغيره ، كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ والملح وغير ذلك من الذهب والفضة ، وبه قال الشافعي(٤) .

والوجه : الأوّل ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لـمّا لقط له الفضل بن العباس حصى الخذف قال : ( بمثلها فارموا )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : رواية زرارة - الحسنة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا ترم الجمار إلّا بالحصى »(٦) .

ولحصول يقين البراءة بالرمي بالحصى دون غيره ، فيكون أولى.

مسألة ٥٦٠ : ويجب أن يكون الحصى أبكاراً‌ ، فلو رمى بحصاة رمى بها هو أو غيره ، لم يجزئه عند علمائنا - وبه قال أحمد(٧) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا أخذ الحجارة قال : ( بأمثال هؤلاء فارموا )(٨) وإنّما تتحقّق المماثلة بما‌

____________________

(١) النهاية : ٢٥٣ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٩ ، الجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٤.

(٢) السرائر : ١٣٩.

(٣) منهم : القاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٥٤ ، وابن زهرة في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٨٨ ، والكيدري في إصباح الشيعة : ١٦٠.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٤٢ ، المسألة ١٦٣.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ بتفاوت يسير.

(٦) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٤.

(٧) المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩.

(٨) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩.

٢١٧

ذكرناه.

ولأنّهعليه‌السلام أخذ الحصى من غير المرمى ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا يأخذ من حصى الجمار »(٢) .

وقال الشافعي : إنّه مكروه ويجزئه(٣) .

وقال المزني : إن رمى بما رمى به هو ، لم يجزئه ، وإن رمى بما رمى به غيره ، أجزأه ، لأنّه رمى بما يقع عليه اسم الحجارة فأجزأه ؛ كما لو لم يرم به قبل ذلك(٤) .

والجواب : ليس المطلق كافياً ، وإلّا لما احتاج الناس إلى نقل الحصى إلى الجمار ، وقد أجمعنا على خلافه.

ولا فرق في عدم الإجزاء بين جميع العدد وبعضه ، فلو رمى بواحدة قد رُمي بها وأكمل العدد بالأبكار ، لم يجزئه.

ولو رمى بخاتم فصّه حجر ، فالأقرب الإجزاء ، خلافاً لبعض العامّة ، فإنّه منع منه ؛ لأنّ الحجر هنا تبع(٥) .

مسألة ٥٦١ : يجب أن يكون الحصى من الحرم‌ ، فلا يجزئه لو أخذه من غيره ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ ، المغني ٣ : ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦.

(٣) الاُم ٢ : ٢١٣ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٩ - ١٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٩ ، المجموع ٨ : ١٧٢ و ١٨٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ ، المغني ٣ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ ، المجموع ٨ : ١٧٢ و ١٨٥.

(٥) المغني ٣ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠.

٢١٨

من غير الحرم لم يجزئك »(١) وهذا نصُّ في الباب.

ويكره أن تكون صمّاً(٢) بل تكون رخوةً ، ويستحب أن تكون برشاً(٣) منقّطة كحليّة بقدر الأنملة ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام كره الصمّ منها ، وقال : « خُذ البرش »(٤) .

وقال الرضاعليه‌السلام : « حصى الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداً ولا بيضاً ولا حمراً ، خُذها كحليّة منقّطة تخذفهنّ خذفاً وتضعها [ على الإبهام ](٥) وتدفعها بظفر السبّابة » قال : « وارمها من بطن الوادي ، واجعلهنّ على يمينك كلّهنّ ، ولا ترم على(٦) الجمرة ، وتقف عند الجمرتين الأوّلتين ، ولا تقف عند جمرة العقبة »(٧) .

ويكره أن تكون نجسةً ، وتجزئه ؛ للامتثال.

مسألة ٥٦٢ : يستحب أن تكون الحصى ملتقطةً ، ويكره أن تكون مكسّرةً - وبه قال الشافعي وأحمد(٨) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الفضل ، فلقط له حصى الخذف ، وقال : ( بمثلها فارموا )(٩) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٤.

(٢) أي صلباً ، اُنظر لسان العرب ١٢ : ٣٤٣ « صمم ».

(٣) البَرشَ والبُرْشَةُ : لون مختلف ، نقطة حمراء واُخرى سوداء أو غبراء أو نحو ذلك.

لسان العرب ٦ : ٢٦٤ « برش ».

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٥.

(٥) أضفناها من المصدر.

(٦) في التهذيب : أعلى.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٨) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٨ ، المجموع ٨ : ١٣٩ و ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٥٤.

(٩) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ بتفاوت يسير.

٢١٩

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « التقط الحصى ، ولا تكسر منها شيئاً »(١) .

ويستحب أن تكون صغاراً قدر كلّ واحدة منها مثل الأنملة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بحصى الخذف(٢) ، والخذف إنّما يكون بأحجار صغار.

ومن طريق الخاصّة : قول الرضاعليه‌السلام : « حصى الجمار تكون مثل الأنملة »(٣) .

وقال الشافعي : أصغر من الأنملة طولاً وعرضاً. ومنهم مَنْ قال : كقدر النواة. ومنهم من قال : مثل الباقلاء(٤) . وهذه المقادير متقاربة.

ولو رمى بأكبر ، أجزأه ؛ للامتثال.

وفي إحدى الروايتين عن أحمد أنّه لا يجزئه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بهذا القدر(٥) (٦) .

البحث الثالث : في رمي الجمار وكيفيّته.

مسألة ٥٦٣ : يجب في الرمي النيّة ، لأنّه عبادة وعمل.

ويجب أن يقصد وجوب الرمي إمّا لجمرة العقبة أو لغيرها ، لوجوبه قربة إلى الله تعالى ، إمّا لحجّ الإسلام أو لغيره.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٣١ - ٩٣٢ / ١٢٨٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٧ و ٢٦٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٤) الاُم ٢ : ٢١٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٧١.

(٥) المصادر في الهامش (٢).

(٦) المغني ٣ : ٤٥٤ - ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٥.

٢٢٠

ويجب فيه العدد ، وهو سبع حصيات في يوم النحر لرمي جمرة العقبة ، فلا يجزئه لو أخلّ ولو بحصاة ، بل يجب عليه الإكمال ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة : كذا فعلوا.

ويجب إيصال كلّ حصاة إلى الجمرة بما يسمّى رمياً بفعله ، فلو وضعها بكفّه في المرمى ، لم يجزئه إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالرمي(١) ، وهذا لا يسمّى رمياً ، فلا يكون مجزئاً.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « خُذْ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها »(٢) .

ولو طرحها طرحا ، قال بعض العامّة : لا يجزئه(٣) .

وقال أصحاب الرأي : يجزئه ؛ لصدق الاسم(٤) .

والضابط تبعية الاسم ، فإن سمّي رميا ، أجزأه ، وإلاّ فلا.

ويجب أن يقع الحصى في المرمى ، فلو وقع دونه ، لم يجزئه إجماعاً.

قال الصادقعليه‌السلام : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها »(٥) .

مسألة ٥٦٤ : يجب أن تكون إصابة الجمرة بفعله ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذا‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ / ١٩٦٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٦ / ٣٠٢٣ و ١٠٠٨ / ٣٠٢٨ و ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١.

(٣) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦٧ ، المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧ - ٤٥٨.

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ - ٢٦٧ / ٩٠٧.

٢٢١

فعل ، وقال : « خُذوا عنّي مناسككم »(١) .

ولقولهعليه‌السلام : ( بمثلها فارموا )(٢) أوجب استناد الرمي إلينا.

ولو رمى بحصاة فوقعت على الأرض ثم مرّت على سننها أو أصابت شيئاً صلباً كالمحمل وشبهه ثم وقعت في المرمى بعد ذلك ، أجزأه ؛ لأنّ وقوعها في المرمى بفعله ورميه ، بخلاف المزدلف في المسابقة ، فإنّه لا يعتدّ به في الإصابة ، لأنّ القصد إبانة الحذق ، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن ، فلم تدلّ الإصابة على حذقه ، فلهذا لم يعتد به ، بخلاف الحصاة ، فإنّ الغرض إصابة الجمرة بفعله كيف كان.

أمّا لو وقعت الحصاة على ثوب إنسان فنفضها فوقعت في المرمى ، فإنّه لا يجزئه - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه لم يمتثل أمر الإصابة بفعله.

وقال أحمد : يجزئه ؛ لأنّ ابتداء الرمي من فعله ، فأشبه ما لو أصاب موضعاً صلباً ثم وقعت في المرمى(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المأخوذ عليه الإصابة بفعله ولم تحصل ، فأشبه ما لو وقعت في غير المرمى فأخذها غيره فرمى بها في المرمى.

وكذا لو وقعت على ثوب إنسان فتحرّك فوقعت في المرمى ، أو على عنق بعير فتحرّك فوقعت في المرمى ؛ لإمكان استناد الإصابة إلى حركة‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ ، بتفاوت يسير.

(٣) الاُم ٢ : ٢١٣ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١.

(٤) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١.

٢٢٢

البعير والإنسان.

ولو رماها نحو المرمى ولم يعلم هل حصلت في المرمى أم لا ، فالوجه أنّه لا يجزئه - وهو قول الشافعي في الجديد(١) - لأصالة البقاء ، وعدم يقين البراءة.

وقال في القديم : يجزئه ؛ بناءً على الظاهر(٢) .

ولو رمى حصاة فوقعت على حصاة فطفرت الثانية في المرمى ، لم يجزئه ؛ لأنّ التي رماها لم تحصل في المرمى ، والتي حصلت لم يرمها ابتداءً.

ولو رمى إلى غير المرمى فوقع في المرمى ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يقصده ، بخلاف ما لو رمى إلى صيد فوقع في غيره ، صحّت تذكيته ؛ لعدم القصد في الذكاة ، والرمي يعتبر فيه القصد.

ولو وقعت على مكان أعلى من الجمرة فتدحرجت في المرمى ، فالأقرب الإجزاء ؛ لحصولها في المرمى بفعله ، خلافاً لبعض الشافعيّة(٣) .

ولو رمى بحصاة فالتقمها طائر قبل وصولها ، لم يجزئه ، سواء رماها الطائر في المرمى أو لا ؛ لأنّ حصولها في المرمى لم يكن بفعله.

ولو رمى بحصاة كان قد رماها فأصابت غير المرمى فأصاب المرمى ثانياً ، صحّ.

ولو أصابت الحصاة إنساناً أو غيره ثم وقعت على المرمى ، أجزأه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « وإن أصابت إنساناً أو جَمَلا ثم وقعت‌

____________________

(١) الاُمّ ٢ : ٢١٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ ، المجموع ٨ : ١٧٥.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، المجموع ٨ : ١٧٥.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢.

٢٢٣

على الجمار أجزأك »(١) .

مسألة ٥٦٥ : ويرمي كلّ حصاة بانفرادها‌ ، فلو رمى الحصيات دفعةً واحدة ، لم يجزئه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى متفرّقاً(٢) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٣) وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٤) .

وقال عطاء : يجزئه(٥) .

وهو مخالف لما فَعَله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي من قِبَل وجهها مستحبّاً إجماعاً ؛ لما روى العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبّر مع كلّ حصاة(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضاعليه‌السلام : « وارمها من بطن الوادي ، واجعلهنّ على يمينك كلّهنّ »(٧) .

ويستحب أن يرميها مستقبلاً لها مستدبراً للكعبة ، بخلاف غيرها من الجمار ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رمى جمرة العقبة مستدبراً للقبلة(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٣ - ٤٨٤ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ - ٢٦٧ / ٩٠٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٣١ و ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢١ ، الاُم ٢ : ٢١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، المجموع ٨ : ١٨٥ ، المغني ٣ : ٤٦٠ - ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧.

(٥) المغني ٣ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧ ، المجموع ٨ : ١٨٥.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ / ١٩٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٠.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٨) الكامل في الضعفاء - لابن عدي - ٥ : ١٨٧٨ ، وأورده الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٦٩.

٢٢٤

وينبغي أن يرميها من قِبَل وجهها ، ولا يرميها من أعلاها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - : « ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قِبَل وجهها ولا ترمها من أعلاها »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : جميع أفعال الحجّ يستحب أن تكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين ورمي الجمار إلّا جمرة العقبة يوم النحر ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رماها مستقبلها مستدبراً للكعبة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلا ينبغي أن يرميها من أعلاها.

وروى العامّة أنّ عمر جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها(٣) .

وهو ممنوع ؛ لما رووه عن عبد الرحمن بن يزيد(٤) أنّه مشى مع عبد الله بن مسعود وهو يرمي الجمرة ، فلمـّا كان في بطن الوادي اعترضها فرماها ، فقيل له : إنّ ناساً يرمونها من فوقها ، فقال : من هاهنا - والذي لا إله غيره - رأيت الذي نزلت عليه سورة البقرة رماها(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضاعليه‌السلام : « ولا ترم أعلى الجمرة »(٦) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ولا ترمها من أعلاها »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٨ - ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٩.

(٣) المغني ٣ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٤.

(٤) في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجرية : عبد الله بن سويد ، بدل عبد الرحمن بن يزيد ، وما أثبتناه من المصادر.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢١٧ - ٢١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ - ٩٤٤ / ٣٠٥ - ٣٠٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٥ - ٢٤٦ / ٩٠١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٦.

(٦) التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٧) المصدر في الهامش (١).

٢٢٥

مسألة ٥٦٦ : ويستحب له أن يرميها خذفاً‌ بأن يضع كلّ حصاة على بطن إبهامه ويدفعها بظفر السبّابة ؛ لقول الرضاعليه‌السلام : قال : « تخذفهنّ خذفاً وتضعها [ على الإبهام ](١) وتدفعها بظفر السبّابة »(٢) .

ولو رماها على غير هذه الصفة أجزأ.

ويستحب أن يكون بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعاً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً »(٣) .

ويستحبّ أن يكبّر مع كلّ حصاة ، ويدعو بالمنقول.

قال الشافعي : ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالرمي ؛ لأنّ التلبية شعار الإحرام ، والرمي أخذ في التحليل(٤) .

وقال القفّال : إذا رحلوا من مزدلفة ، مزجوا التلبية بالتكبير في ممرّهم ، فإذا انتهوا إلى الجمرة وافتتحوا الرمي ، محضوا التكبير(٥) .

البحث الرابع : في الأحكام.

مسألة ٥٦٧ : يجب الإتيان إلى منى لقضاء المناسك بها‌ من الرمي والذبح والحلق أو التقصير.

وينبغي أن يأخذ على الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٨ - ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٧٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٦٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، المغني ٣ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، المجموع ٨ : ١٦٩.

٢٢٦

الكبرى ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلكها(١) .

وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « حدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر »(٢) .

وهو قول عطاء والشافعي(٣) .

مسألة ٥٦٨ : لا يشترط في الرمي الطهارة‌ وإن كانت أفضل ، فيجوز للمحدث والجنب والحائض وغيرهم الرمي إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أمر عائشة بالإتيان بأفعال الحجّ سوى الطواف ، وكانت حائضاً(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - : « ويستحب أن يرمي الجمار على طهر »(٥) .

ويجوز الرمي راجلاً وراكباً ، والأوّل أفضل ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان لا يأتيها - يعني جمرة العقبة - إلّا ماشياً ذاهباً وراجعاً(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن آبائه : ، قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي الجمار ماشياً »(٧) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ - ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٠ / ١٣٧٥.

(٣) المغني ٣ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٥ ، الاُم ٢ : ٢١٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٣ ، المجموع ٨ : ١٣٠.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٨٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٣ - ٨٧٤ / ١١٩ - ١٢١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٨ / ٢٩٦٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٨١ / ٩٤٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٨ - ٤٧٩ - ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ - ٦٦١.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ - ٢٠١ / ١٩٦٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٤ - ٢٤٥ / ٩٠٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣١.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦.

٢٢٧

وقد روى العامّة عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام عن جابر ، قال : رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي على راحلته يوم النحر ، ويقول : ( لتأخذوا عنّي مناسككم فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - وقد سأله معاوية بن عمّار عن رجل رمى الجمار وهو راكب ، فقال : « لا بأس به »(٢) .

ويستحب أن يرفع يده في الرمي حتى يرى بياض إبطه ، قاله بعض العامّة(٣) ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَله(٤) .

وأنكر ذلك مالك(٥) .

ويستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ ابن عباس وابن عمر رويا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضاعليه‌السلام : « ولا تقف عند جمرة العقبة »(٧) .

مسألة ٥٦٩ : يجوز الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها.

قال ابن عبد البرّ : أجمع علماء المسلمين على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رماها ضحى ذلك اليوم(٨) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٣٤ / ١٢٩٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٠١ / ١٩٧٠ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩١١ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٥.

(٣) المغني ٣ : ٤٦١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٥ ، المجموع ٨ : ١٧٠.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٢١٩.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٣.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٩ / ٣٠٣٢ و ٣٠٣٣.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٨) المغني ٣ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠.

٢٢٨

وقال جابر : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده(١) .

وقال ابن عباس : قدمنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اُغيلمة بني عبد المطلب على حُمُرات لنا من جَمْع فجَعَل يلطح(٢) أفخاذنا [ ويقول : ](٣) ( اُبينيَّ(٤) لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الرمي(٦) ما بين طلوع الشمس إلى غروبها »(٧) .

وقد رُخّص للمعذور - كالخائف والعاجز والمرأة والراعي والعبد - في الرمي ليلاً من نصفه ؛ للعذر ، أمّا غيرهم فليس لهم الرمي إلّا بعد طلوع الشمس - وبه قال مجاهد والثوري والنخعي(٨) - لما رواه العامّة : أنّ‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٥٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٤٥ / ٣١٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٤ / ٣٠٥٣ ، وسنن النسائي ٥ : ٢٧٠ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٤١ / ٨٩٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٣١ بتفاوت يسير.

(٢) اللَّطْحُ : الضرب بالكفّ ، وليس بالشديد. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٢٥٠ « لطح ».

(٣) أضفناها من المصادر.

(٤) اُبيني ، قال ابن الأثير في النهاية ١ : ١٧ « أبن » : وقد اختُلف في صيغتها ومعناها ، فقيل : إنّه تصغير ابني ، كأعمى واُعيمى ، وهو اسم مفرد يدلّ على الجمع. وقيل : إنّ ابناً يُجمع على أبناء مقصوراً وممدوداً. وقيل : هو تصغير ابن.

وفيه نظر. وقال أبو عبيدة : هو تصغير بنيَّ جمع ابن مضافاً إلى النفس.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٧ / ٣٠٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٢ ، المغني ٣ : ٤٥٩.

(٦) في المصدر : « رمي الجمار ».

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٤.

(٨) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥.

٢٢٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر اُمّ سلمة ليلة النحر ، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل »(٢) .

وجوّز الشافعي وعطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد الرميَ ليلاً من نصفه الأخير للمعذور وغيره(٣) .

وعن أحمد أنّه لا يجوز الرمي إلّا بعد طلوع الفجر ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر(٤) .

مسألة ٥٧٠ : يجوز تأخير الرمي إلى قبل الغروب بمقدار أداء المناسك.

قال ابن عبد البرّ : أجمع أهل العلم على أنّ مَنْ رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحبّاً(٥) ؛ لأنّ ابن عباس قال : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يسأل يوم النحر بمنى ، قال رجل : رميت بعد ما أمسيت ، فقال : ( لا حرج )(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٤ / ١٩٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٥.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢ ، المجموع ٨ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠.

(٤) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤١٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢.

(٥) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢١٤ - ٢١٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٣ - ٢٥٤ / ٧٧ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥٠.

٢٣٠

إذا عرفت هذا ، فلو غابت الشمس فقد فات الرمي ، فليرم من غده - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن ابن عمر ، قال : مَنْ فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى ، فعرض له [ عارض ](٣) فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين : مرّة لما فاته ، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة وهو للأمس والاُخرى عند زوال الشمس »(٤) .

وقال الشافعي ومحمد وابن المنذر ويعقوب : يرمي ليلاً(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إرم ولا حرج )(٦) .

وجوابه : أنّه إنّما كان في النهار ؛ لأنّه سأله في يوم النحر ، ولا يكون اليوم إلّا قبل الغروب.

وقال مالك : يرمي ليلاً. ثم اضطرب قوله ، فتارةً أوجب الدم حينئذٍ ، وتارةً أسقطه(٧) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٥٩ - ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١.

(٢) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١ وفي سنن البيهقي ٥ : ١٥٠ بتفاوت يسير.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣.

(٥) الاُم ٢ : ٢١٤ ، المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١.

(٦) صحيح البخاري ١ : ٣١ و ٤٣ و ٢ : ٢١٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٨ / ١٣٠٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٣٣ / ٨٨٥ و ٢٥٨ / ٩١٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١١ / ٢٠١٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٤ / ٧٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٧ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١.

٢٣١

مسألة ٥٧١ : يستحب الرمي عند زوال الشمس ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس »(١) .

ويستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة إجماعاً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار ولا تقف عندها »(٢) .

ولأنّ يعقوب بن شعيب سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن الجمار ، فقال : « قُمْ عند الجمرتين ولا تقم عند جمرة العقبة » فقلت : هذا من السنّة؟ قال : « نعم » قلت : ما ذا أقول إذا رميت؟ قال : « كبّر مع كلّ حصاة »(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر بلا خلاف ، ووقت الإجزاء من طلوع الفجر اختياراً ، فإن رمى قبل ذلك ، لم يجزئه ، ولصاحب العذر الرمي ليلاً.

وبمثل ما قلناه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق.

وقال الشافعي : أوّل وقت الإجزاء إذا انتصفت ليلة النحر. وبه قال عطاء وعكرمة(٤) .

مسألة ٥٧٢ : قدر حصى الجمار سبعون حصاة : سبع منها لجمرة العقبة ترمى يوم النحر خاصّة ، ويرمى كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث كلّ جمرة بسبع حصيات يبدأ بالاُولى - وهي العظمى - ثم الوسطى ثم جمرة‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٠ - ٤٨١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ - ٢٦٢ / ٨٨٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، المسألة ١٦٧.

٢٣٢

العقبة إجماعاً.

ويستحب غسل الحصى - وبه قال ابن عمر وطاوُس(١) - لأنّ ابن عمر غسله(٢) ، والظاهر أنّه توقيف.

ولاحتمال ملاقاته لنجاسة ، فمع الغسل يزول الاحتمال وإن لم يكن معتبراً شرعاً.

ولو كان الحجر نجساً ، استُحبّ له غسله ، فإن لم يغسله ورمى به ، أجزأه ؛ لحصول الامتثال.

وقال عطاء ومالك : لا يستحب(٣) . وعن أحمد روايتان(٤) .

وسيأتي باقي مباحث الرمي إن شاء الله تعالى.

الباب الثاني : في الذبح.

وفيه مباحث :

الأوّل : الهدي.

مسألة ٥٧٣ : إذا فرغ من جمرة العقبة ، ذبح هديه أو نَحَره‌ إن كان من الإبل ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستّين بدنة بيده ثم أعطى عليّاًعليه‌السلام فنحر ما غبر(٥) وأشركه في هديه(٦) .

____________________

(١ - ٤ ) المغني ٣ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٥.

(٥) أي : ما بقي. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٣٣٧ « غبر ».

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

٢٣٣

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فلمـّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى ، فرمى جمرة العقبة ، وكان الهدي الذي جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء عليعليه‌السلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ستّا وستّين ، ونحر عليعليه‌السلام أربعاً وثلاثين بدنة »(١) .

مسألة ٥٧٤ : هدي التمتّع واجب بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) .

وروى العامّة عن ابن عمر ، قال : تمتّع الناس مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعمرة إلى الحجّ ، فلمـّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للناس : ( مَنْ لم يسق الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر ثم ليهلّ بالحجّ ويهدي ، فمَنْ لم يجد الهدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - في المتمتّع « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة »(٤) .

ولا فرق بين المكّي وغيره ، فلو تمتّع المكّي ، وجب عليه الهدي ؛ للعموم.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٥٤ - ٤٥٧ / ١٥٨٨.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧ و ٢٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٧ ، وفيه : « وأخفضه شاة ».

٢٣٤

مسألة ٥٧٥ : وإنّما يجب الهدي على غير أهل مكّة وحاضريها‌ ؛ لأنّ فرضهم التمتّع ، أمّا أهل مكّة وحاضروها : فليس لهم أن يتمتّعوا ؛ لأنّ فرضهم القِران أو الإفراد ، فلا يجب عليهم الهدي إجماعاً ؛ لأنّ الله تعالى قال( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) .

وقال الصادقعليه‌السلام - في الحسن - عن المفرد ، قال : « ليس عليه هدي ولا اُضحية »(٢) .

وأمّا القارن : فإنّه يكفيه ما ساقه إجماعاً ، وتستحب له الاُضحية ؛ لأصالة براءة الذمّة.

وقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة : إذا قرن بين الحجّ والعمرة ، لزمه دم(٣) .

وقال الشعبي : تلزمه بدنة(٤) .

وقال داود : لا يلزمه شي‌ء(٥) .

مسألة ٥٧٦ : قد بيّنّا أنّ فرض المكّي القِران أو الإفراد‌ ، فلو تمتّع قال الشيخ : يسقط عنه الفرض ، ولا يلزمه دم. وقال الشافعي : يصحّ تمتّعه وقرانه ، وليس عليه دم. وقال أبو حنيفة : يكره له التمتّع والقران ، فإن خالف وتمتّع ، فعليه دم المخالفة دون التمتّع والقران.

واستدلّ الشيخ بقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ - إلى قوله -ذلِكَ لِمَنْ

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١ - ٤٢ / ١٢٢.

(٣) الاُمّ ٢ : ١٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٩ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٧٨ ، النتف ١ : ٢١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠.

(٥) حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ، المجموع ٧ : ١٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

٢٣٥

لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) .

قال : معناه أنّ الهدي لا يلزم إلّا مَنْ لم يكن من حاضري المسجد ، ويجب أن يكون قوله :( ذلِكَ ) راجعاً إلى الهدي لا إلى التمتّع ؛ لأنّ مَنْ قال : مَنْ دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن غاصباً ، فُهم منه الرجوع إلى الجزاء لا إلى الشرط.

ثم قال : ولو قلنا : إنّه راجع إليهما ، وقلنا : إنّه لا يصحّ منهم التمتّع أصلاً ، كان قويّاً(٢) .

مسألة ٥٧٧ : دم التمتّع نسك عند علمائنا‌ - وبه قال أصحاب الرأي(٣) - لقوله تعالى :( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها ) (٤) أخبر بأنّه جعلها من الشعائر ، وأمر بالأكل منها ، فلو كان جبراناً ، لما أمرنا بالأكل منها.

وقال الشافعي : إنّه جبران ؛ لإخلاله بالإحرام من الميقات ؛ لأنّه مرّ به وهو مُريد للحجّ والعمرة وحَجَّ من سنته(٥) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ ميقات حجّ التمتّع عندنا مكّة وقد أحرم منه.

والمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكّة لزمه الدم إجماعاً ، أمّا عندنا : فلأنّه نسك ، وأمّا عند المخالف : فلأنّه أخلّ بالإحرام من المواقيت.

فلو أتى الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه الدم عندنا.

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٧٢ ، المسألة ٤٢.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٨٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦.

(٤) الحجّ : ٣٦.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٤٥ - ٤٦ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨.

٢٣٦

وقالت العامّة بسقوطه(١) .

ويبطل بقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) .

ولو أحرم المفرِد بالحجّ ودخل مكّة ، جاز له أن يفسخه ، ويجعله عمرةً يتمتّع بها ، قاله علماؤنا ، خلافاً لأكثر العامّة ، وادّعوا أنّه منسوخ(٣) .

وليس بجيّد ؛ لثبوت مشروعيّته ؛ فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه بذلك(٤) ، ولم يثبت النسخ.

ويجب عليه الدم ، لثبوت التمتّع المقتضي له.

مسألة ٥٧٨ : إذا أحرم بالعمرة وأتى بأفعالها في غير أشهر الحجّ ثم أحرم بالحجّ في أشهره ، لم يكن متمتّعاً ، ولا يجب عليه الدم ؛ لأنّه لم يأت بالعمرة في زمان الحجّ ، فكان كالمفرد ، فإنّ المفرد إذا أتى بالعمرة بعد أشهر الحجّ ، لم يجب عليه الدم إجماعاً.

ولو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحجّ وأتى بأفعالها في أشهره من الطواف وغيره وحجّ من سنته ، لم يكن متمتّعاً ، قاله الشيخ(٥) ، ولا يلزمه دم - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد(٦) - لأنّه أتى بركن من أركان‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الشرح الكبير ٣ : ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ١٦٦ - ١٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩١.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ - ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٧٠ ، المسألة ٣٨ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠٧.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٣٨ - ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٦.

٢٣٧

العمرة في غير أشهر الحجّ ، وهو يستلزم إيقاع أركانها فيه.

وقال الشافعي في القول الثاني : يجب به الدم ، ويكون متمتّعاً ؛ لأنّه أتى بأفعال العمرة في أشهر الحجّ ، واستدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه ، فهو كما لو ابتدأ بالإحرام في أشهر الحجّ(١) .

وقال مالك : إذا لم يتحلّل من إحرام العمرة حتى دخلت أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً(٣) .

مسألة ٥٧٩ : إذا أحرم المتمتّع من مكّة بالحجّ ومضى إلى الميقات ثم منه إلى عرفات ، لم يسقط عنه الدم‌ ؛ للآية(٤) ، وقد بيّنّا أنّ الدم نسك لا جبران.

وقال الشافعي : إن مضى من مكّة إلى عرفات ، لزمه الدم قولاً واحداً ، وإن مضى إلى الميقات ثم منه إلى عرفات ، فقولان : أحدهما : لا دم عليه ؛ لأنّه لو أحرم من الميقات ، لم يجب الدم ، فإذا عاد إليه مُحْرماً قبل التلبّس بأفعال الحجّ ، صار كأنّه أحرم منه. والثاني : لا يسقط ، كما قلناه - وبه قال مالك(٥) - لأنّ له ميقاتين يجب مع الإحرام من أحدهما الدم ، فإذا أحرم منه ، وجب الدم ، ولم يسقط بعد ذلك ، كما لو عاد بعد التلبّس بشي‌ء من المناسك(٦) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٣٨ - ١٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٢٨.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٧ و ٢٠٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

٢٣٨

وقال أبو حنيفة : لا يسقط الدم حتى يعود إلى بلده(١) ؛ لأنّه لم يُلمّ(٢) بأهله ، فلم يسقط دم التمتّع ، كما لو رجع إلى ما دون الميقات. وليس بجيّد ؛ لأنّ بلده موضع لا يجب عليه الإحرام منه بابتداء الشرع ، فلا يتعلّق سقوط دم التمتّع بالعود إليه ، كسائر البلاد ، ودون الميقات ليس ميقات بلده.

مسألة ٥٨٠ : قد بيّنّا أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ، فإذا فرغ المتمتّع من أفعال العمرة ، أنشأ الإحرام بالحجّ من مكّة ، فإن خالف وأحرم من غيرها ، وجب عليه أن يرجع إلى مكّة ، ويُحْرم منها ، سواء أحرم من الحِلّ أو من الحرم إذا أمكنه ، فإن لم يمكنه ، مضى على إحرامه ، وتمّم أفعال الحجّ ، ولا يلزمه دم لهذه المخالفة ؛ لأنّ الدم يجب للتمتّع ، فإيجاب غيره منفيّ بالأصل.

وقال الشافعي : إن أحرم من خارج مكّة وعاد إليها ، فلا شي‌ء عليه ، وإن لم يَعُدْ إليها ومضى على وجهه إلى عرفات ، فإن كان أنشأ الإحرام من الحِلّ ، فعليه دم قولاً واحداً ، وإن أنشأ من الحرم ، ففي وجوب الدم قولان :

أحدهما : لا يجب ؛ لأنّ الحكم إذا تعلّق بالحرم ولم يختص ببقعة منه ، كان الجميع فيه سواءً ، كذبح الهدي.

والثاني : يجب ؛ لأنّ ميقاته البلد الذي هو مقيم فيه ، فإذا ترك ميقاته ، وجب عليه الدم وإن كان ذلك كلّه من حاضري المسجد الحرام(٣) .

مسألة ٥٨١ : يشترط في التمتّع : النيّة ، على ما سبق ، فلو لم يَنْوه ، لم يكن متمتّعاً ولم يجب الدم ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخر : يكون متمتّعاً ويجب الدم ؛ لأنّه إذا أحرم بالعمرة من‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

(٢) لمّ به وألمَّ والتمَّ : نزل. لسان العرب ١٢ : ٥٥٠ « لمم ».

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٦٥ ، المسألة ٣١.

٢٣٩

الميقات وحجّ من سنته ، فقد صار جامعاً بينهما فيجب الدم(١) .

والحقّ خلافه.

والقارن والمفرد إذا أكملا حجّهما ، وجب عليهما الإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ يُحرمان بها من أدنى الحِلّ ، فلو أحرما من الحرم ، لم يصح ، ولو طافا وسَعَيا ، لم يكونا معتمرين ، ولا يلزمهما دم.

وللشافعي قولان : أحدهما كما قلناه ، لكن خلاف الشافعي في المفرد خاصّةً ، والثاني : تكون عمرةً صحيحةً ، ويجب الدم(٢) .

لنا : أنّه يجب أن يقدّم الخروج إلى الحلّ قبل الطواف والسعي ثم يعود ويطوف ويسعى ؛ ليكون جامعاً في نسكه بين الحِلّ والحرم ، بخلاف المتمتّع حيث كان له أن يُحْرم من مكّة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا فسخ على أصحابه الحجّ إلى العمرة ، أَمَرهم أن يُحْرموا بالحجّ من جوف مكّة(٣) .

ولأنّ الحاجّ لا بدّ له من الخروج إلى الحِلّ للوقوف ، فيكون جامعاً في إحرامه بين الحِلّ والحرم ، بخلاف المتمتّع.

احتجّ : بأنّه ترك قطع مسافة لزمه قطعها بإحرام ، وذلك لا يمنع من الاحتساب بأفعال العبادة.

والجواب : أنّه لم يأت بالعبادة على وجهها ، فلا تكون مجزئةً.

ولو أفرد الحجّ عن نفسه فلمـّا فرغ من الحجّ خرج إلى أدنى الحرم فاعتمر لنفسه ولم يعد إلى الميقات ، لا دم عليه. وكذا مَنْ تمتّع ثم اعتمر‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٨ - ١٧٩.

(٢) حكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٦٦ ، المسألة ٣٢.

(٣) اُنظر : صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٧.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460