تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191627 / تحميل: 5472
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الخطاب، عن موسى بن بشار العطار(١) ، عن المسعودي، عن عبدالله بن الزبير، عن أبان بن تغلب والربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم، قالوا: أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الاجفر(٢) إذا نحن برجل يصلي، ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا(٣) في أنفسنا، فجعل يصلي ونحن ندعو عليه، حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلما أتيناه إذا هو أبوعبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام، فنزلنا فصلينا معه، وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه، فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلي؟ فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت(٤) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) كذا في النسخ: وفي الكافي ٢: ٤٦٦/٣ كتاب العشرة، باب ٣، روى موسى بن يسار القطان عن المسعودي، فالظاهر إتحاده مع ما هنا ووقوع التحريف في أحد الموضعين.

(٢) الاجفر: موضع بين فيد والخزيمية، بينه وبين فيد ستة وثلاثون فرسخا نحو مكة.«معجم البلدان ١: ١٠٢».

(٣) وجد: غضب.

(٤) بحار الانوار ٨٣: ٥٩/١٨.

١٤١

[ ١٩ ]

المجلس التاسع عشر

وهو يوم الجمعة

الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٤٤/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن محمّد بن عيسى وأبي إسحاق النهاوندي، عن عبدالله بن حماد، قال: حدّثنا عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالوا: يا رسول الله: إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت، قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أم أيمن فجاءته، فقال لها: يا أم أيمن، لا أبكى الله عينيك، إن جيرانك أتوني وأخبروني أنك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينيك، ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكى الليل أجمع. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فقصيها على رسول الله، فإن الله ورسوله أعلم. فقالت: تعظم علي أن أتكلم بها. فقال لها: إن الرؤيا ليست على ما ترى، فقصيها على رسول الله.

قالت: رأيت في ليلتي هذه، كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: نامت عينك يا أم أيمن، تلد فاطمة الحسين، فتربينه وتلينه، فيكون بعض أعضائي في بيتك.

١٤٢

فلما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام، فكان يوم السابع، أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فحلق رأسه وتصدق بوزن شعره فضة وعق عنه، ثم هيأته أم أيمن ولفته في برد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم أقبلت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: مرحبا بالحامل والمحمول، يا أم أيمن، هذا تأويل رؤياك(١) .

١٤٥/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن إبراهيم بن رجاء الجحدري، عن عليّ بن جابر، قال: حدثني عثمان بن داود الهاشمي، عن محمّد بن مسلم، عن حمران بن أعين، عن أبي محمّد شيخ لاهل الكوفة، قال: لما قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام أسر من معسكره غلامان صغيران، فأتي بهما عبيد الله بن زياد، فدعا سجانا له، فقال: خذ هذين الغلامين إليك، فمن طيب الطعام فلا تطعمهما، ومن البارد فلا تسقهما، وضيق عليهما سجنهما، وكان الغلامان يصومان النهار، فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح(٢) .

فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة، قال أحدهما لصاحبه: يا أخي، قد طال بنا مكثنا، ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا، وتقرب إليه بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم لعله يوسع علينا في طعامنا، ويزيد في شرابنا.

فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح، فقال له الغلام الصغير: يا شيخ، أتعرف محمّدا؟ قال: فكيف لا أعرف محمّدا وهو نبيي! قال: أفتعرف جعفر بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف جعفرا، وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء! قال: أفتعرف عليّ بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف عليا، وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي! قال له: يا شيخ، فنحن من عترة

______________

(١) بحار الانوار ٤٣: ٢٤٢/١٥.

(٢) القراح من كل شئ: الخالص.

١٤٣

نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب، بيدك أسارى، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا، ومن بارد الشراب فلا تسقينا، وقد ضيقت علينا سجننا، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، هذا باب السجن بين يديكما مفتوح، فخذا أي طريق شئتما، فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح ووقفهما على الطريق، وقال لهما: سيرا - يا حبيبي - الليل، واكمنا النهار حتى يجعل الله عزّوجلّ لكما من أمركما فرجا ومخرجا. ففعل الغلامان ذلك.

فلما جنهما الليل، انتهيا إلى عجوز على باب، فقالا لها: يا عجوز، إنا غلامان صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت لهما: فمن أنتما يا حبيبي، فقد شممت الروائح كلها، فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما، فقالا لها: يا عجوز، نحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل.

قالت العجوز: يا حبيبي، إن لي ختنا(١) فاسقا، قد شهد الواقعة مع عبيد الله بن زياد، أتخوف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما. قالا: سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت: سأتيكما بطعام، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا.

فلما ولجا الفراش قال الصغير للكبير: يا أخي، إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه، فتعال حتى أعانقك وتعانقني وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق الموت بيننا. ففعل الغلامان ذلك، واعتنقا وناما.

فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا، فقالت العجوز: من هذا؟ قال: أنا فلان. قالت: ما الذي أطرقك هذه الساعة، وليس هذا لك بوقت؟ قال: ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي، جهد البلاء قد نزل بي. قالت: ويحك ما الذي نزل بك؟ قال: هرب غلامان صغيران من

______________

(١) الختن: كل من كان من قبل المرأة كأبيها وأخيها، وكذلك زوج البنت أو زوج الاخت.

١٤٤

عسكر عبيد الله بن زياد، فنادى الامير في معسكره: من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم، ومن جاء برأسيهما فله ألفا درهم، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شئ.

فقالت العجوز: يا ختني، احذر أن يكون محمّد خصمك في يوم القيامة. قال لها: ويحك إن الدنيا محرص عليها. فقالت: وما تصنع بالدنيا، وليس معها آخرة؟ قال: إني لاراك تحامين عنهما، كأن عندك من طلب الامير شيئا، فقومي فإن الامير يدعوك. قالت: وما يصنع الامير بي، وإنما أنا عجوز في هذه البرية؟ قال: إنما لي طلب، افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما. ففتحت له الباب، وأتته بطعام وشراب فأكل وشرب.

فلما كان في بعض الليل سمع غطيط(١) الغلامين في جوف البيت، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج، ويخور كما يخور الثور، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير، فقال له: من هذا؟ قال: أما أنا فصاحب المنزل، فمن أنتما؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول: قم يا حبيبي، فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره.

قال لهما: من أنتما؟ قالا له: يا شيخ، إن نحن صدقناك فلنا الامان؟ قال: نعم. قالا: أمان الله وأمان رسوله، وذمة الله وذمة رسوله؟ قال: نعم. قالا: ومحمّد بن عبدالله على ذلك من الشاهدين؟ قال: نعم. قالا: والله على ما نقول وكيل وشهيد؟ قال: نعم. قالا له: يا شيخ، فنحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل. فقال لهما: من الموت هربتما، وإلى الموت وقعتما، الحمد لله الذي أظفرني بكما. فقام إلى الغلامين فشد أكتافهما، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين.

فلما انفجر عمود الصبح، دعا غلاما له أسود، يقال له: فليح، فقال: خذ هذين الغلامين، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات، واضرب عنقيهما، وائتني برأسيهما لانطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم.

______________

(١) الغطيط: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم.

١٤٥

فحمل الغلام السيف، ومشى أمام الغلامين، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين: يا أسود، ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! قال: إن مولاي قد أمرني بقتلكما، فمن أنتما؟ قالا له: يا أسود، نحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل: أضافتنا عجوزكم هذه، ويريد مولاك قتلنا. فانكب الاسود على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، والله لا يكون محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصمي في القيامة. ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية، وطرح نفسه في الفرات، وعبر إلى الجانب الآخر، فصاح به مولاه: يا غلام عصيتني! فقال: يا مولاي، إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله، فإذا عصيت الله فأنا منك برئ في الدنيا والآخرة.

فدعا ابنه، فقال: يا بني، إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك، والدنيا محرص عليها، فخذ هذين الغلامين إليك، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات، فاضرب عنقيهما وائتني برأسيهما، لانطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم.

فأخذ الغلام السيف، ومشى أمام الغلامين، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين: يا شاب، ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم! فقال: يا حبيبي، فمن أنتما؟ قالا: من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، يريد والدك قتلنا. فانكب الغلام على أقدامهما يقبلهما، وهو يقول لهما مقالة الاسود، ورمى بالسيف ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر، فصاح به أبوه: يا بني عصيتني! قال: لان أطيع الله وأعصيك أحب إلى من أن أعصي الله وأطيعك.

قال الشيخ: لا يلي قتلكما أحد غيري، وأخذ السيف ومشى أمامهما، فلما صار إلى شاطئ الفرات سل السيف من جفنه، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما، وقالا له: يا شيخ، انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا، ولا ترد أن يكون محمّد خصمك في القيامة غدا. فقال: لا، ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم. فقالا له: يا شيخ، أما تحفظ قرابتنا من

١٤٦

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال: ما لكما من رسول الله قرابة. قالا له: يا شيخ، فائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: ما إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قالا له: يا شيخ، أما ترحم صغر سننا؟ قال: ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئا. قالا: يا شيخ إن كان ولا بد، فدعنا نصلي ركعات. قال: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة. فصلى الغلامان أربع ركعات، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا: يا حي يا حليم(١) يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.

فقام إلى الاكبر فضرب عنقه، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة، وأقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه، وهو يقول: حتى ألقى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا مختضب بدم أخي. فقال: لا عليك سوف ألحقك بأخيك، ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه، وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة، ورمى ببدنيهما في الماء، وهما يقطران دما.

ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد وهو قاعد على كرسي له، وبيده قضيب خيزران، فوضع الرأسين بين يديه، فلما نظر إليهما قام ثم قعد ثم قام ثم قعد ثلاثا، ثم قال: الويل لك، أين ظفرت بهما؟ قال: أضافتهما عجوز لنا. قال: فما عرفت لهما حق الضيافة؟ قال: لا.

قال: فأي شئ قالا لك؟ قال: قالا: يا شيخ، اذهب بنا إلى السوق فبعنا وانتفع بأثماننا فلا ترد أن يكون محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصمك في القيامة. قال: فأي شئ قلت لهما؟ قال: قلت: لا، ولكن أقتلكما وأنطلق برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم.

قال: فأي شئ قالا لك؟ قال: قالا: ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: فأي شئ قلت؟ قال: قلت: ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قال: أفلا جئتني بهما حيين، فكنت أضعف لك الجائزة، وأجعلها أربعة آلاف درهم؟

______________

(١) في نسخة: يا حكيم. وكذا في الموضع الآتي.

١٤٧

قال: ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرب إليك بدمهما.

قال: فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قال لي: يا شيخ، احفظ قرابتنا من رسول الله. قال: فأي شئ قلت لهما. قال: قلت: ما لكما من رسول الله قرابة.

قال: ويلك، فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قالا: يا شيخ، ارحم صغر سننا. قال: فما رحمتهما؟ قال: قلت: ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا.

قال: ويلك، فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قالا: دعنا نصلي ركعات. فقلت: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة، فصلى الغلامان أربع ركعات. قال: فأي شئ قالا في آخر صلاتهما؟ قال: رفعا طرفيهما إلى السماء، وقالا: يا حي يا حليم، يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.

قال عبيد الله بن زياد: فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم، من للفاسق؟ قال: فانتدب له رجل من أهل الشام، فقال: أنا له. قال: فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين، فاضرب عنقه، ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه، ففعل الرجل ذلك، وجاء برأسه فنصبه على قناة، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة وهم يقولون: هذا قاتل ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) بحار الانوار ٤٥: ١٠٠/١.

١٤٨

[ ٢٠ ]

المجلس العشرون

مجلس يوم الثلاثاء

لأربع ليال بقين من شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٤٦/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا جعفر بن الحسن، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن محمّد بن عليّ السلمي، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل، عن جابر بن عبدالله الانصاري، أنه قال: لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول في علي خصالا، لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا:

قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني كهارون من موسى.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني وأنا منه.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي حجة الله وخليفته على عباده.

١٤٩

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حب علي إيمان، وبغضه كفر.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي قسيم الجنة والنار.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عزّوجلّ.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(١) .

١٤٧/٢ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أبوجعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول القاضي في داره بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عليّ بن يزيد الصدائي، عن أبي شيبة الجوهري، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم(٢) .

١٤٨/٣ - حدّثنا أحمد بن زياد رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد البرمكي، قال: حدّثنا أبوالصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعليّ بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الاسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته كأنه قد ألقم حجرا، قام إليه عليّ بن محمّد بن الجهم، فقال له: يا بن رسول الله، أتقول بعصمة الانبياء؟ قال: بلى. قال: فما تعمل في قول الله عزّوجلّ:( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) (٣) ، وقوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ

______________

(١) الخصال: ٤٩٦/٥، بشارة المصطفى: ١٩، بحار الانوار ٣٨: ٩٥/١١.

(٢) الخصال: ٣٢١/٥، بحار الانوار ٦٩: ٣٧٢/١٦، و ٧٧: ١١٣/٥.

(٣) طه ٢٠: ١٢١.

١٥٠

مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (١) ، وقوله في يوسف:( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) (٢) ، وقوله عزّوجلّ في داود:( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ) (٣) وقوله في نبيه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) (٤) . فقال مولانا الرضا عليه السلام: ويحك - يا علي - اتق الله، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأول كتاب الله عزّوجلّ برأيك، فإن الله عزّوجلّ يقول:( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٥) . أما قوله عزّوجلّ في آدم عليه السلام:( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) فإن الله عزّوجلّ خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده، لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض تتم مقادير أمر الله عزّوجلّ، فلما أهبط إلى الارض وجعل حجة وخليفة، عصم بقوله عزّوجلّ:( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٦) . وأما قوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنما ظن أن الله عزّوجلّ لا يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ:( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) (٧) أي ضيق عليه، ولو ظن أن الله تبارك وتعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر. وأما قوله عزّوجلّ في يوسف:( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) فإنها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته، لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها

______________

(١) الانبياء ٢١: ٨٧.

(٢) يوسف ١٢: ٢٤.

(٣) سورة ص ٣٨: ٢٤.

(٤) الاحزاب ٣٣: ٣٧.

(٥) آل عمران ٣: ٧.

(٦) آل عمران ٣: ٣٣.

(٧) الفجر ٨٩: ١٦.

١٥١

والفاحشة، وهو قوله:( كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ) يعني القتل( وَالْفَحْشَاءَ ) (١) يعني الزنا.

وأما داود، فما يقول من قبلكم فيه؟ فقال عليّ بن الجهم: يقولون: إن داود كان في محرابه يصلي، إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره، فطار الطير إلى السطح، فصعد في طلبه، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان(٢) ، فاطلع داود في أثر الطير، فإذا بامرأة أوريا تغتسل، فلما نظر إليها هواها، وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته، فكتب إلى صاحبه: أن قدم أوريا أمام الحرب، فقدم فظفر أوريا بالمشركين، فصعب ذلك على داود، فكتب إليه ثانية: أن قدمه أمام التابوت، فقتل أوريا رحمه الله، وتزوج داود بامرأته.

قال: فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته، حتى خرج في أثر الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل!

فقال: يا بن رسول الله، فما كانت خطيئته؟ فقال: ويحك، إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عزّوجلّ خلقا هو أعلم منه، فبعث الله عزّوجلّ إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا:( خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ، إِنَّ هَـٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه، فقال:( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ) (٣) ، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة حكمه، لا ما ذهبتم

______________

(١) يوسف ١٢: ٢٤.

(٢) في نسخة: حيان، وفي اخرى: جنان.

(٣) سورة ص ٣٨: ٢٢ - ٢٤.

١٥٢

إليه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ يقول:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) (١) إلى آخر الآية؟

فقلت: يا بن رسول الله، فما قصته مع أوريا؟ فقال الرضا عليه السلام: إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا، وأول من أباح الله عزّوجلّ له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود عليه السلام، فذلك الذي شق على (الناس من قبل)(٢) أوريا.

وأمّا محمّد نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم وقول الله عزّوجلّ له:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) فإن الله عزّوجلّ عرف نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم أسماء أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه في الآخرة، وأنهن أمهات المؤمنين، وأحد من سمى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى صلّى الله عليه وآله وسلّم اسمها في نفسه ولم يبده(٣) ، لكيلا يقول أحد من المنافقين: إنه قال في امرأة في بيت رجل إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين، قال الله عزّوجلّ:( وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) في نفسك، وإن الله عزّوجلّ ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وفاطمة من علي عليهما السلام.

قال: فبكى عليّ بن الجهم، وقال: يا بن رسول الله، أنا تائب إلى الله عزّوجلّ أن أنطق في أنبياء الله عزّوجلّ بعد يومي هذا إلا بما ذكرته(٤) .

١٤٩/٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر محمّد بن علي، عن أبيه زين العابدين عليّ بن الحسين، عن أبيه سيد

______________

(١) سورة ص ٣٨: ٢٦.

(٢) أثبتناه من العيون.

(٣) زاد في نسخة: له.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٩١/١، بحار الانوار ١١: ٧٢/١.

١٥٣

الشهداء الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خطبنا ذات يوم، فقال: أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الايام، وليا له أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابة، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عزّوجلّ فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه.

أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أو زاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس، من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه.

فقيل: يا رسول الله، وليس كلنا يقدر على ذلك. فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء.

أيها الناس، من حسن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله

١٥٤

عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.

أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقمت فقلت: يا رسول الله، ما أفضل الاعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن، أفضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّوجلّ، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟

فقال: يا علي، أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك، وقد انبعث أشقى الاولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك.

ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني، لانك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك، واصطفاني وإياك، فاختارني للنبوة، واختارك للامامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي.

يا علي، أنت وصيي، وأبو ولدي، وزوج ابنتي، وخليفتي على امتي في حياتي وبعد مماتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية، إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره وخليفته على عباده(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٩٥/٥٣، فضائل الاشهر الثلاثة: ٧٧/٦١، بحار الانوار ٩٦: ٣٥٦/٢٥.

١٥٥

[ ٢١ ]

المجلس الحادي والعشرون

مجلس يوم الجمعة

سلخ شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٥٠/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عمر البغدادي الحافظ، قال: حدّثنا عبدالله بن يزيد، قال: حدّثنا محمّد بن ثواب، قال: حدّثنا إسحاق بن منصور، عن كادح - يعني أبا جعفر البجلي -، عن عبدالله بن لهيعة، عن عبد الرحمن - يعني ابن زياد -، عن سلمة بن يسار، عن جابر بن عبدالله، قال: لما قدم علي عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفتح خيبر، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملا إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وإنك تبرئ، ذمتي وتقاتل على سنتي، وإنك غدا على الحوض خليفتي، وإنك أول من يرد علي الحوض، وإنك أول من يكسى معي، وإنك أول داخل الجنة من أمتي، وإن شيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم، يكونون غدا في الجنة جيراني، وإن حربك حربي، وسلمك سلمي، وإن سرك سري، وعلانيتك علانيتي، وإن سريرة صدرك كسريرتي، وإن ولدك ولدي، وإنك

١٥٦

تنجز عداتي، وإن الحق معك، وإن الحق على لسانك وقلبك وبين عينيك، الايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وإنه لن يرد علي الحوض مبغض لك، ولن يغيب عنه محب لك حتى يرد الحوض معك.

قال: فخر علي عليه السلام ساجدا، ثم قال: الحمد لله الذي أنعم علي بالاسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين، إحسانا منه وفضلا منه علي. قال: فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي(١) .

١٥١/٢ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا العباس بن الفضل المقرئ، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن الفرات الاصبهاني، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد البصري، قال: حدّثنا جندل بن والق، قال: حدّثنا عليّ بن حماد، عن سعيد، عن ابن عباس: أنه مر بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال لقائده: ما يقول هؤلاء؟ قال: يسبون عليا. قال: قربني إليهم، فلما أن أوقف عليهم، قال: أيكم الساب الله؟ قالوا: سبحان الله! من يسب الله فقد أشرك بالله. قال: فأيكم الساب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قالوا: من يسب رسول الله فقد كفر. قال: فأيكم الساب عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: قد كان ذلك. قال: فأشهد بالله وأشهد لله، لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عزّوجلّ، ثم مضى.

فقال لقائده: فهل قالوا شيئا حين قلت لهم ما قلت؟ قال: ما قالوا شيئا. قال: كيف رأيت وجوههم؟ قال:

نظروا إليك بأعين محمرة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

قال: زدني فداك أبوك. قال:

خزر الحواجب، ناكسو أذقانهم

نظر الذليل إلى العزيز القاهر

قال: زدني فداك أبوك. قال: ما عندي غير هذا. قال: لكن عندي.

______________

(١) إعلام الورى: ١٨٦، بشارة المصطفى: ١٥٥، بحار الانوار ٣٩: ١٨.

١٥٧

أحياؤهم خزي على أمواتهم

والميتون فضيحة للغابر(١)

١٥٢/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: سمعته يقول: من صلى أربع ركعات بمائتي مرة( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) في كل ركعة خمسين مرة، لم ينفتل وبينه وبين الله عزّوجلّ ذنب إلا غفر له(٢) .

١٥٣/٤ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: ما من عبد يقول كل يوم سبع مرات: أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار، إلا قالت النار: يا رب أعذه مني(٣) .

١٥٤/٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، عن معاذ ابن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه(٤) .

١٥٥/٦ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن جعفر الازدي، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: من قرأ آية الكرسي مرة، صرف الله عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا وألف مكروه من مكروه الآخرة،

______________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٢٢١، فرائد السمطين ١: ٣٠٢/٢٤١، كفاية الطالب: ٨٢، كشف الغمة ١: ١٠٩، بحار الانوار ٣٩: ٣١١/١.

(٢) ثواب الاعمال: ٤٠، بحار الانوار ٩١: ١٧١/٢، ٣.

(٣) بحار الانوار ٨٧: ١/١.

(٤) الخصال: ٢٠/٧١، بحار الانوار ٧١: ٤١٦/٣٨.

١٥٨

أيسر مكروه الدنيا الفقر، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر(١) ؟

١٥٦/٧ - حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن مدرك بن الهزهاز، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا مدرك، رحم الله عبدا اجتر مودة الناس إلينا، فحدثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرون(٢) .

١٥٧/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن داود عليه السلام خرج ذات يوم يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا جاوبه، فما زال يمر حتى انتهى إلى جبل، فإذا على ذلك الجبل نبي عابد، يقال له: حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وأصوات السباع والطير، علم أنه داود عليه السلام، فقال داود: يا حزقيل، أتأذن لي فأصعد إليك. قال: لا. فبكى داود عليه السلام، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا حزقيل: لا تعير داود، وسلني العافية، فقام حزقيل، فأخذ بيد داود فرفعه إليه، فقال داود: يا حزقيل: هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا. قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزّوجلّ؟ قال: لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها؟ قال: بلى، ربما عرض بقلبي. قال: فماذا تصنع إذا كان ذلك؟ قال: ادخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه.

قال: فدخل داود عليه السلام ذلك الشعب، فإذا سرير من حديد، عليه جمجمة بالية وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة، فقرأها داود عليه السلام فإذا هي: أنا أروى شلم(٣) ، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، فكان آخر

______________

(١) بحار الانوار ٩٢: ٢٦٢/١.

(٢) الخصال: ٢٥/٨٩، بحار الانوار ٢: ٦٥/٤.

(٣) في نسخة: سلم، وفي اخرى: بن أسلم.

١٥٩

أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والديدان والحيات جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا(١) .

١٥٨/٩ - حدّثنا أحمد بن زياد رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، قال: حدّثنا أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح، تقبل الله منه صيامه. فقيل له: يا بن رسول الله، ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح: إخراج الفطرة(٢) .

١٥٩/١٠ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: أخبرني أحمد ابن محمّد الهمداني، قال: أخبرنا المنذر بن محمّد، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبدالله الكوفي، عن أبيه، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: خطب أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الناس يوم الفطر، فقال: أيها الناس، إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الاجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة أو النار، واعلموا - عباد الله - أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: ابشروا عباد الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون(٣) .

١٦٠/١١ - وقال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام لبعض أصحابه: إذا كان ليلة الفطر، فصل المغرب ثلاثا، ثم اسجد وقل في سجودك، يا ذا الطول، يا ذا الحول،

______________

(١) كمال الدين: ٥٢٤/٦، بحار الانوار ١٤: ٢٥/٣.

(٢) التوحيد: ٢٢/١٦، معاني الاخبار: ٣٢٥/١، بحار الانوار ٩٦: ١٠٣/١، و ٣١٣/٨، وتقدم في المجلس (١٣) الحديث (٦).

(٣) بحار الانوار ٩٠: ٣٦٢/١٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ويجب فيه العدد ، وهو سبع حصيات في يوم النحر لرمي جمرة العقبة ، فلا يجزئه لو أخلّ ولو بحصاة ، بل يجب عليه الإكمال ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة : كذا فعلوا.

ويجب إيصال كلّ حصاة إلى الجمرة بما يسمّى رمياً بفعله ، فلو وضعها بكفّه في المرمى ، لم يجزئه إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالرمي(١) ، وهذا لا يسمّى رمياً ، فلا يكون مجزئاً.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « خُذْ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها »(٢) .

ولو طرحها طرحا ، قال بعض العامّة : لا يجزئه(٣) .

وقال أصحاب الرأي : يجزئه ؛ لصدق الاسم(٤) .

والضابط تبعية الاسم ، فإن سمّي رميا ، أجزأه ، وإلاّ فلا.

ويجب أن يقع الحصى في المرمى ، فلو وقع دونه ، لم يجزئه إجماعاً.

قال الصادقعليه‌السلام : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها »(٥) .

مسألة ٥٦٤ : يجب أن تكون إصابة الجمرة بفعله ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذا‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ / ١٩٦٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٦ / ٣٠٢٣ و ١٠٠٨ / ٣٠٢٨ و ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١.

(٣) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦٧ ، المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧ - ٤٥٨.

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ - ٢٦٧ / ٩٠٧.

٢٢١

فعل ، وقال : « خُذوا عنّي مناسككم »(١) .

ولقولهعليه‌السلام : ( بمثلها فارموا )(٢) أوجب استناد الرمي إلينا.

ولو رمى بحصاة فوقعت على الأرض ثم مرّت على سننها أو أصابت شيئاً صلباً كالمحمل وشبهه ثم وقعت في المرمى بعد ذلك ، أجزأه ؛ لأنّ وقوعها في المرمى بفعله ورميه ، بخلاف المزدلف في المسابقة ، فإنّه لا يعتدّ به في الإصابة ، لأنّ القصد إبانة الحذق ، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن ، فلم تدلّ الإصابة على حذقه ، فلهذا لم يعتد به ، بخلاف الحصاة ، فإنّ الغرض إصابة الجمرة بفعله كيف كان.

أمّا لو وقعت الحصاة على ثوب إنسان فنفضها فوقعت في المرمى ، فإنّه لا يجزئه - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه لم يمتثل أمر الإصابة بفعله.

وقال أحمد : يجزئه ؛ لأنّ ابتداء الرمي من فعله ، فأشبه ما لو أصاب موضعاً صلباً ثم وقعت في المرمى(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المأخوذ عليه الإصابة بفعله ولم تحصل ، فأشبه ما لو وقعت في غير المرمى فأخذها غيره فرمى بها في المرمى.

وكذا لو وقعت على ثوب إنسان فتحرّك فوقعت في المرمى ، أو على عنق بعير فتحرّك فوقعت في المرمى ؛ لإمكان استناد الإصابة إلى حركة‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ ، بتفاوت يسير.

(٣) الاُم ٢ : ٢١٣ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١.

(٤) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١.

٢٢٢

البعير والإنسان.

ولو رماها نحو المرمى ولم يعلم هل حصلت في المرمى أم لا ، فالوجه أنّه لا يجزئه - وهو قول الشافعي في الجديد(١) - لأصالة البقاء ، وعدم يقين البراءة.

وقال في القديم : يجزئه ؛ بناءً على الظاهر(٢) .

ولو رمى حصاة فوقعت على حصاة فطفرت الثانية في المرمى ، لم يجزئه ؛ لأنّ التي رماها لم تحصل في المرمى ، والتي حصلت لم يرمها ابتداءً.

ولو رمى إلى غير المرمى فوقع في المرمى ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يقصده ، بخلاف ما لو رمى إلى صيد فوقع في غيره ، صحّت تذكيته ؛ لعدم القصد في الذكاة ، والرمي يعتبر فيه القصد.

ولو وقعت على مكان أعلى من الجمرة فتدحرجت في المرمى ، فالأقرب الإجزاء ؛ لحصولها في المرمى بفعله ، خلافاً لبعض الشافعيّة(٣) .

ولو رمى بحصاة فالتقمها طائر قبل وصولها ، لم يجزئه ، سواء رماها الطائر في المرمى أو لا ؛ لأنّ حصولها في المرمى لم يكن بفعله.

ولو رمى بحصاة كان قد رماها فأصابت غير المرمى فأصاب المرمى ثانياً ، صحّ.

ولو أصابت الحصاة إنساناً أو غيره ثم وقعت على المرمى ، أجزأه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « وإن أصابت إنساناً أو جَمَلا ثم وقعت‌

____________________

(١) الاُمّ ٢ : ٢١٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ ، المجموع ٨ : ١٧٥.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، المجموع ٨ : ١٧٥.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢.

٢٢٣

على الجمار أجزأك »(١) .

مسألة ٥٦٥ : ويرمي كلّ حصاة بانفرادها‌ ، فلو رمى الحصيات دفعةً واحدة ، لم يجزئه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى متفرّقاً(٢) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٣) وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٤) .

وقال عطاء : يجزئه(٥) .

وهو مخالف لما فَعَله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي من قِبَل وجهها مستحبّاً إجماعاً ؛ لما روى العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبّر مع كلّ حصاة(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضاعليه‌السلام : « وارمها من بطن الوادي ، واجعلهنّ على يمينك كلّهنّ »(٧) .

ويستحب أن يرميها مستقبلاً لها مستدبراً للكعبة ، بخلاف غيرها من الجمار ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رمى جمرة العقبة مستدبراً للقبلة(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٣ - ٤٨٤ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ - ٢٦٧ / ٩٠٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٣١ و ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢١ ، الاُم ٢ : ٢١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، المجموع ٨ : ١٨٥ ، المغني ٣ : ٤٦٠ - ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧.

(٥) المغني ٣ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧ ، المجموع ٨ : ١٨٥.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ / ١٩٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٠.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٨) الكامل في الضعفاء - لابن عدي - ٥ : ١٨٧٨ ، وأورده الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٦٩.

٢٢٤

وينبغي أن يرميها من قِبَل وجهها ، ولا يرميها من أعلاها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - : « ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قِبَل وجهها ولا ترمها من أعلاها »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : جميع أفعال الحجّ يستحب أن تكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين ورمي الجمار إلّا جمرة العقبة يوم النحر ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رماها مستقبلها مستدبراً للكعبة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلا ينبغي أن يرميها من أعلاها.

وروى العامّة أنّ عمر جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها(٣) .

وهو ممنوع ؛ لما رووه عن عبد الرحمن بن يزيد(٤) أنّه مشى مع عبد الله بن مسعود وهو يرمي الجمرة ، فلمـّا كان في بطن الوادي اعترضها فرماها ، فقيل له : إنّ ناساً يرمونها من فوقها ، فقال : من هاهنا - والذي لا إله غيره - رأيت الذي نزلت عليه سورة البقرة رماها(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضاعليه‌السلام : « ولا ترم أعلى الجمرة »(٦) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ولا ترمها من أعلاها »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٨ - ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٩.

(٣) المغني ٣ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٤.

(٤) في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجرية : عبد الله بن سويد ، بدل عبد الرحمن بن يزيد ، وما أثبتناه من المصادر.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢١٧ - ٢١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ - ٩٤٤ / ٣٠٥ - ٣٠٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٥ - ٢٤٦ / ٩٠١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٦.

(٦) التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٧) المصدر في الهامش (١).

٢٢٥

مسألة ٥٦٦ : ويستحب له أن يرميها خذفاً‌ بأن يضع كلّ حصاة على بطن إبهامه ويدفعها بظفر السبّابة ؛ لقول الرضاعليه‌السلام : قال : « تخذفهنّ خذفاً وتضعها [ على الإبهام ](١) وتدفعها بظفر السبّابة »(٢) .

ولو رماها على غير هذه الصفة أجزأ.

ويستحب أن يكون بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعاً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً »(٣) .

ويستحبّ أن يكبّر مع كلّ حصاة ، ويدعو بالمنقول.

قال الشافعي : ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالرمي ؛ لأنّ التلبية شعار الإحرام ، والرمي أخذ في التحليل(٤) .

وقال القفّال : إذا رحلوا من مزدلفة ، مزجوا التلبية بالتكبير في ممرّهم ، فإذا انتهوا إلى الجمرة وافتتحوا الرمي ، محضوا التكبير(٥) .

البحث الرابع : في الأحكام.

مسألة ٥٦٧ : يجب الإتيان إلى منى لقضاء المناسك بها‌ من الرمي والذبح والحلق أو التقصير.

وينبغي أن يأخذ على الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٨ - ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٧٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٦٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، المغني ٣ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، المجموع ٨ : ١٦٩.

٢٢٦

الكبرى ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلكها(١) .

وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « حدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر »(٢) .

وهو قول عطاء والشافعي(٣) .

مسألة ٥٦٨ : لا يشترط في الرمي الطهارة‌ وإن كانت أفضل ، فيجوز للمحدث والجنب والحائض وغيرهم الرمي إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أمر عائشة بالإتيان بأفعال الحجّ سوى الطواف ، وكانت حائضاً(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - : « ويستحب أن يرمي الجمار على طهر »(٥) .

ويجوز الرمي راجلاً وراكباً ، والأوّل أفضل ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان لا يأتيها - يعني جمرة العقبة - إلّا ماشياً ذاهباً وراجعاً(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن آبائه : ، قال : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي الجمار ماشياً »(٧) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ - ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٠ / ١٣٧٥.

(٣) المغني ٣ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٥ ، الاُم ٢ : ٢١٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٣ ، المجموع ٨ : ١٣٠.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٨٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٣ - ٨٧٤ / ١١٩ - ١٢١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٨ / ٢٩٦٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٨١ / ٩٤٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٨ - ٤٧٩ - ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ - ٦٦١.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ - ٢٠١ / ١٩٦٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٤ - ٢٤٥ / ٩٠٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣١.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦.

٢٢٧

وقد روى العامّة عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام عن جابر ، قال : رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي على راحلته يوم النحر ، ويقول : ( لتأخذوا عنّي مناسككم فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - وقد سأله معاوية بن عمّار عن رجل رمى الجمار وهو راكب ، فقال : « لا بأس به »(٢) .

ويستحب أن يرفع يده في الرمي حتى يرى بياض إبطه ، قاله بعض العامّة(٣) ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَله(٤) .

وأنكر ذلك مالك(٥) .

ويستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ ابن عباس وابن عمر رويا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضاعليه‌السلام : « ولا تقف عند جمرة العقبة »(٧) .

مسألة ٥٦٩ : يجوز الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها.

قال ابن عبد البرّ : أجمع علماء المسلمين على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رماها ضحى ذلك اليوم(٨) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٣٤ / ١٢٩٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٠١ / ١٩٧٠ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩١١ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٥.

(٣) المغني ٣ : ٤٦١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٥ ، المجموع ٨ : ١٧٠.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٢١٩.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٣.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٩ / ٣٠٣٢ و ٣٠٣٣.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦.

(٨) المغني ٣ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠.

٢٢٨

وقال جابر : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده(١) .

وقال ابن عباس : قدمنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اُغيلمة بني عبد المطلب على حُمُرات لنا من جَمْع فجَعَل يلطح(٢) أفخاذنا [ ويقول : ](٣) ( اُبينيَّ(٤) لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الرمي(٦) ما بين طلوع الشمس إلى غروبها »(٧) .

وقد رُخّص للمعذور - كالخائف والعاجز والمرأة والراعي والعبد - في الرمي ليلاً من نصفه ؛ للعذر ، أمّا غيرهم فليس لهم الرمي إلّا بعد طلوع الشمس - وبه قال مجاهد والثوري والنخعي(٨) - لما رواه العامّة : أنّ‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٥٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٤٥ / ٣١٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٤ / ٣٠٥٣ ، وسنن النسائي ٥ : ٢٧٠ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٤١ / ٨٩٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٣١ بتفاوت يسير.

(٢) اللَّطْحُ : الضرب بالكفّ ، وليس بالشديد. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٢٥٠ « لطح ».

(٣) أضفناها من المصادر.

(٤) اُبيني ، قال ابن الأثير في النهاية ١ : ١٧ « أبن » : وقد اختُلف في صيغتها ومعناها ، فقيل : إنّه تصغير ابني ، كأعمى واُعيمى ، وهو اسم مفرد يدلّ على الجمع. وقيل : إنّ ابناً يُجمع على أبناء مقصوراً وممدوداً. وقيل : هو تصغير ابن.

وفيه نظر. وقال أبو عبيدة : هو تصغير بنيَّ جمع ابن مضافاً إلى النفس.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٧ / ٣٠٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٢ ، المغني ٣ : ٤٥٩.

(٦) في المصدر : « رمي الجمار ».

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٤.

(٨) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥.

٢٢٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر اُمّ سلمة ليلة النحر ، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل »(٢) .

وجوّز الشافعي وعطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد الرميَ ليلاً من نصفه الأخير للمعذور وغيره(٣) .

وعن أحمد أنّه لا يجوز الرمي إلّا بعد طلوع الفجر ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر(٤) .

مسألة ٥٧٠ : يجوز تأخير الرمي إلى قبل الغروب بمقدار أداء المناسك.

قال ابن عبد البرّ : أجمع أهل العلم على أنّ مَنْ رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحبّاً(٥) ؛ لأنّ ابن عباس قال : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يسأل يوم النحر بمنى ، قال رجل : رميت بعد ما أمسيت ، فقال : ( لا حرج )(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٤ / ١٩٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٥.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢ ، المجموع ٨ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠.

(٤) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤١٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢.

(٥) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢١٤ - ٢١٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٣ - ٢٥٤ / ٧٧ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥٠.

٢٣٠

إذا عرفت هذا ، فلو غابت الشمس فقد فات الرمي ، فليرم من غده - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن ابن عمر ، قال : مَنْ فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى ، فعرض له [ عارض ](٣) فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين : مرّة لما فاته ، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة وهو للأمس والاُخرى عند زوال الشمس »(٤) .

وقال الشافعي ومحمد وابن المنذر ويعقوب : يرمي ليلاً(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إرم ولا حرج )(٦) .

وجوابه : أنّه إنّما كان في النهار ؛ لأنّه سأله في يوم النحر ، ولا يكون اليوم إلّا قبل الغروب.

وقال مالك : يرمي ليلاً. ثم اضطرب قوله ، فتارةً أوجب الدم حينئذٍ ، وتارةً أسقطه(٧) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٥٩ - ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١.

(٢) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١ وفي سنن البيهقي ٥ : ١٥٠ بتفاوت يسير.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣.

(٥) الاُم ٢ : ٢١٤ ، المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١.

(٦) صحيح البخاري ١ : ٣١ و ٤٣ و ٢ : ٢١٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٨ / ١٣٠٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٣٣ / ٨٨٥ و ٢٥٨ / ٩١٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١١ / ٢٠١٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٤ / ٧٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٧ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١.

٢٣١

مسألة ٥٧١ : يستحب الرمي عند زوال الشمس ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس »(١) .

ويستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة إجماعاً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار ولا تقف عندها »(٢) .

ولأنّ يعقوب بن شعيب سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن الجمار ، فقال : « قُمْ عند الجمرتين ولا تقم عند جمرة العقبة » فقلت : هذا من السنّة؟ قال : « نعم » قلت : ما ذا أقول إذا رميت؟ قال : « كبّر مع كلّ حصاة »(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر بلا خلاف ، ووقت الإجزاء من طلوع الفجر اختياراً ، فإن رمى قبل ذلك ، لم يجزئه ، ولصاحب العذر الرمي ليلاً.

وبمثل ما قلناه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق.

وقال الشافعي : أوّل وقت الإجزاء إذا انتصفت ليلة النحر. وبه قال عطاء وعكرمة(٤) .

مسألة ٥٧٢ : قدر حصى الجمار سبعون حصاة : سبع منها لجمرة العقبة ترمى يوم النحر خاصّة ، ويرمى كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث كلّ جمرة بسبع حصيات يبدأ بالاُولى - وهي العظمى - ثم الوسطى ثم جمرة‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٠ - ٤٨١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ - ٢٦٢ / ٨٨٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، المسألة ١٦٧.

٢٣٢

العقبة إجماعاً.

ويستحب غسل الحصى - وبه قال ابن عمر وطاوُس(١) - لأنّ ابن عمر غسله(٢) ، والظاهر أنّه توقيف.

ولاحتمال ملاقاته لنجاسة ، فمع الغسل يزول الاحتمال وإن لم يكن معتبراً شرعاً.

ولو كان الحجر نجساً ، استُحبّ له غسله ، فإن لم يغسله ورمى به ، أجزأه ؛ لحصول الامتثال.

وقال عطاء ومالك : لا يستحب(٣) . وعن أحمد روايتان(٤) .

وسيأتي باقي مباحث الرمي إن شاء الله تعالى.

الباب الثاني : في الذبح.

وفيه مباحث :

الأوّل : الهدي.

مسألة ٥٧٣ : إذا فرغ من جمرة العقبة ، ذبح هديه أو نَحَره‌ إن كان من الإبل ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستّين بدنة بيده ثم أعطى عليّاًعليه‌السلام فنحر ما غبر(٥) وأشركه في هديه(٦) .

____________________

(١ - ٤ ) المغني ٣ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٥.

(٥) أي : ما بقي. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٣٣٧ « غبر ».

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

٢٣٣

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فلمـّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى ، فرمى جمرة العقبة ، وكان الهدي الذي جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء عليعليه‌السلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ستّا وستّين ، ونحر عليعليه‌السلام أربعاً وثلاثين بدنة »(١) .

مسألة ٥٧٤ : هدي التمتّع واجب بإجماع العلماء.

قال الله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) .

وروى العامّة عن ابن عمر ، قال : تمتّع الناس مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعمرة إلى الحجّ ، فلمـّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للناس : ( مَنْ لم يسق الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر ثم ليهلّ بالحجّ ويهدي ، فمَنْ لم يجد الهدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - في المتمتّع « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة »(٤) .

ولا فرق بين المكّي وغيره ، فلو تمتّع المكّي ، وجب عليه الهدي ؛ للعموم.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٥٤ - ٤٥٧ / ١٥٨٨.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧ و ٢٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٧ ، وفيه : « وأخفضه شاة ».

٢٣٤

مسألة ٥٧٥ : وإنّما يجب الهدي على غير أهل مكّة وحاضريها‌ ؛ لأنّ فرضهم التمتّع ، أمّا أهل مكّة وحاضروها : فليس لهم أن يتمتّعوا ؛ لأنّ فرضهم القِران أو الإفراد ، فلا يجب عليهم الهدي إجماعاً ؛ لأنّ الله تعالى قال( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) .

وقال الصادقعليه‌السلام - في الحسن - عن المفرد ، قال : « ليس عليه هدي ولا اُضحية »(٢) .

وأمّا القارن : فإنّه يكفيه ما ساقه إجماعاً ، وتستحب له الاُضحية ؛ لأصالة براءة الذمّة.

وقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة : إذا قرن بين الحجّ والعمرة ، لزمه دم(٣) .

وقال الشعبي : تلزمه بدنة(٤) .

وقال داود : لا يلزمه شي‌ء(٥) .

مسألة ٥٧٦ : قد بيّنّا أنّ فرض المكّي القِران أو الإفراد‌ ، فلو تمتّع قال الشيخ : يسقط عنه الفرض ، ولا يلزمه دم. وقال الشافعي : يصحّ تمتّعه وقرانه ، وليس عليه دم. وقال أبو حنيفة : يكره له التمتّع والقران ، فإن خالف وتمتّع ، فعليه دم المخالفة دون التمتّع والقران.

واستدلّ الشيخ بقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ - إلى قوله -ذلِكَ لِمَنْ

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١ - ٤٢ / ١٢٢.

(٣) الاُمّ ٢ : ١٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٩ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٧٨ ، النتف ١ : ٢١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠.

(٥) حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ، المجموع ٧ : ١٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

٢٣٥

لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) .

قال : معناه أنّ الهدي لا يلزم إلّا مَنْ لم يكن من حاضري المسجد ، ويجب أن يكون قوله :( ذلِكَ ) راجعاً إلى الهدي لا إلى التمتّع ؛ لأنّ مَنْ قال : مَنْ دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن غاصباً ، فُهم منه الرجوع إلى الجزاء لا إلى الشرط.

ثم قال : ولو قلنا : إنّه راجع إليهما ، وقلنا : إنّه لا يصحّ منهم التمتّع أصلاً ، كان قويّاً(٢) .

مسألة ٥٧٧ : دم التمتّع نسك عند علمائنا‌ - وبه قال أصحاب الرأي(٣) - لقوله تعالى :( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها ) (٤) أخبر بأنّه جعلها من الشعائر ، وأمر بالأكل منها ، فلو كان جبراناً ، لما أمرنا بالأكل منها.

وقال الشافعي : إنّه جبران ؛ لإخلاله بالإحرام من الميقات ؛ لأنّه مرّ به وهو مُريد للحجّ والعمرة وحَجَّ من سنته(٥) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ ميقات حجّ التمتّع عندنا مكّة وقد أحرم منه.

والمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكّة لزمه الدم إجماعاً ، أمّا عندنا : فلأنّه نسك ، وأمّا عند المخالف : فلأنّه أخلّ بالإحرام من المواقيت.

فلو أتى الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه الدم عندنا.

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٧٢ ، المسألة ٤٢.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٨٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦.

(٤) الحجّ : ٣٦.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٤٥ - ٤٦ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨.

٢٣٦

وقالت العامّة بسقوطه(١) .

ويبطل بقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) .

ولو أحرم المفرِد بالحجّ ودخل مكّة ، جاز له أن يفسخه ، ويجعله عمرةً يتمتّع بها ، قاله علماؤنا ، خلافاً لأكثر العامّة ، وادّعوا أنّه منسوخ(٣) .

وليس بجيّد ؛ لثبوت مشروعيّته ؛ فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه بذلك(٤) ، ولم يثبت النسخ.

ويجب عليه الدم ، لثبوت التمتّع المقتضي له.

مسألة ٥٧٨ : إذا أحرم بالعمرة وأتى بأفعالها في غير أشهر الحجّ ثم أحرم بالحجّ في أشهره ، لم يكن متمتّعاً ، ولا يجب عليه الدم ؛ لأنّه لم يأت بالعمرة في زمان الحجّ ، فكان كالمفرد ، فإنّ المفرد إذا أتى بالعمرة بعد أشهر الحجّ ، لم يجب عليه الدم إجماعاً.

ولو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحجّ وأتى بأفعالها في أشهره من الطواف وغيره وحجّ من سنته ، لم يكن متمتّعاً ، قاله الشيخ(٥) ، ولا يلزمه دم - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد(٦) - لأنّه أتى بركن من أركان‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الشرح الكبير ٣ : ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ١٦٦ - ١٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩١.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ - ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٧٠ ، المسألة ٣٨ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠٧.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٣٨ - ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٦.

٢٣٧

العمرة في غير أشهر الحجّ ، وهو يستلزم إيقاع أركانها فيه.

وقال الشافعي في القول الثاني : يجب به الدم ، ويكون متمتّعاً ؛ لأنّه أتى بأفعال العمرة في أشهر الحجّ ، واستدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه ، فهو كما لو ابتدأ بالإحرام في أشهر الحجّ(١) .

وقال مالك : إذا لم يتحلّل من إحرام العمرة حتى دخلت أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً(٣) .

مسألة ٥٧٩ : إذا أحرم المتمتّع من مكّة بالحجّ ومضى إلى الميقات ثم منه إلى عرفات ، لم يسقط عنه الدم‌ ؛ للآية(٤) ، وقد بيّنّا أنّ الدم نسك لا جبران.

وقال الشافعي : إن مضى من مكّة إلى عرفات ، لزمه الدم قولاً واحداً ، وإن مضى إلى الميقات ثم منه إلى عرفات ، فقولان : أحدهما : لا دم عليه ؛ لأنّه لو أحرم من الميقات ، لم يجب الدم ، فإذا عاد إليه مُحْرماً قبل التلبّس بأفعال الحجّ ، صار كأنّه أحرم منه. والثاني : لا يسقط ، كما قلناه - وبه قال مالك(٥) - لأنّ له ميقاتين يجب مع الإحرام من أحدهما الدم ، فإذا أحرم منه ، وجب الدم ، ولم يسقط بعد ذلك ، كما لو عاد بعد التلبّس بشي‌ء من المناسك(٦) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٣٨ - ١٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٢٨.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٧ و ٢٠٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

٢٣٨

وقال أبو حنيفة : لا يسقط الدم حتى يعود إلى بلده(١) ؛ لأنّه لم يُلمّ(٢) بأهله ، فلم يسقط دم التمتّع ، كما لو رجع إلى ما دون الميقات. وليس بجيّد ؛ لأنّ بلده موضع لا يجب عليه الإحرام منه بابتداء الشرع ، فلا يتعلّق سقوط دم التمتّع بالعود إليه ، كسائر البلاد ، ودون الميقات ليس ميقات بلده.

مسألة ٥٨٠ : قد بيّنّا أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ، فإذا فرغ المتمتّع من أفعال العمرة ، أنشأ الإحرام بالحجّ من مكّة ، فإن خالف وأحرم من غيرها ، وجب عليه أن يرجع إلى مكّة ، ويُحْرم منها ، سواء أحرم من الحِلّ أو من الحرم إذا أمكنه ، فإن لم يمكنه ، مضى على إحرامه ، وتمّم أفعال الحجّ ، ولا يلزمه دم لهذه المخالفة ؛ لأنّ الدم يجب للتمتّع ، فإيجاب غيره منفيّ بالأصل.

وقال الشافعي : إن أحرم من خارج مكّة وعاد إليها ، فلا شي‌ء عليه ، وإن لم يَعُدْ إليها ومضى على وجهه إلى عرفات ، فإن كان أنشأ الإحرام من الحِلّ ، فعليه دم قولاً واحداً ، وإن أنشأ من الحرم ، ففي وجوب الدم قولان :

أحدهما : لا يجب ؛ لأنّ الحكم إذا تعلّق بالحرم ولم يختص ببقعة منه ، كان الجميع فيه سواءً ، كذبح الهدي.

والثاني : يجب ؛ لأنّ ميقاته البلد الذي هو مقيم فيه ، فإذا ترك ميقاته ، وجب عليه الدم وإن كان ذلك كلّه من حاضري المسجد الحرام(٣) .

مسألة ٥٨١ : يشترط في التمتّع : النيّة ، على ما سبق ، فلو لم يَنْوه ، لم يكن متمتّعاً ولم يجب الدم ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخر : يكون متمتّعاً ويجب الدم ؛ لأنّه إذا أحرم بالعمرة من‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

(٢) لمّ به وألمَّ والتمَّ : نزل. لسان العرب ١٢ : ٥٥٠ « لمم ».

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٦٥ ، المسألة ٣١.

٢٣٩

الميقات وحجّ من سنته ، فقد صار جامعاً بينهما فيجب الدم(١) .

والحقّ خلافه.

والقارن والمفرد إذا أكملا حجّهما ، وجب عليهما الإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ يُحرمان بها من أدنى الحِلّ ، فلو أحرما من الحرم ، لم يصح ، ولو طافا وسَعَيا ، لم يكونا معتمرين ، ولا يلزمهما دم.

وللشافعي قولان : أحدهما كما قلناه ، لكن خلاف الشافعي في المفرد خاصّةً ، والثاني : تكون عمرةً صحيحةً ، ويجب الدم(٢) .

لنا : أنّه يجب أن يقدّم الخروج إلى الحلّ قبل الطواف والسعي ثم يعود ويطوف ويسعى ؛ ليكون جامعاً في نسكه بين الحِلّ والحرم ، بخلاف المتمتّع حيث كان له أن يُحْرم من مكّة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا فسخ على أصحابه الحجّ إلى العمرة ، أَمَرهم أن يُحْرموا بالحجّ من جوف مكّة(٣) .

ولأنّ الحاجّ لا بدّ له من الخروج إلى الحِلّ للوقوف ، فيكون جامعاً في إحرامه بين الحِلّ والحرم ، بخلاف المتمتّع.

احتجّ : بأنّه ترك قطع مسافة لزمه قطعها بإحرام ، وذلك لا يمنع من الاحتساب بأفعال العبادة.

والجواب : أنّه لم يأت بالعبادة على وجهها ، فلا تكون مجزئةً.

ولو أفرد الحجّ عن نفسه فلمـّا فرغ من الحجّ خرج إلى أدنى الحرم فاعتمر لنفسه ولم يعد إلى الميقات ، لا دم عليه. وكذا مَنْ تمتّع ثم اعتمر‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٨ - ١٧٩.

(٢) حكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٦٦ ، المسألة ٣٢.

(٣) اُنظر : صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٧.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460