تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189990 / تحميل: 5449
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وقال أبو حنيفة : يصحّ ويقع للمسلم ؛ لأنّ الخمر مالٌ للذمّي ، لأنّ أهل الذمّة يتموّلونها ويتبايعونها ، فصحّ توكيلهم فيها ، كسائر أموالهم(١) .

وهو باطل ؛ فإنّ المسلم لا يصحّ أن يملك الخمر ، سواء باشر شراءها بنفسه أو بوكيله ، وأيّ سببٍ اقتضى تجويز التمليك إذا اشتراها الذمّيّ؟

وإذا باع الوكيل بثمنٍ معيّن ، مَلَك الموكّل الثمنَ دون الوكيل ؛ لأنّه بمنزلة المبيع.

ولو كان الثمن في الذمّة ، فالملك للموكّل أيضاً ، لكن له وللوكيل معاً المطالبة به.

وقال أبو حنيفة : ليس للموكّل المطالبة(٢) ، وقد سبق(٣) .

وأمّا ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمّة فإنّه يثبت في ذمّة الموكّل أصلاً.

وإذا علم البائع أنّ الملك للموكّل ، لم يكن له مطالبة الوكيل ، بل إنّما يطالب الموكّل خاصّةً عندنا.

وقال بعض العامّة : إنّ الثمن يثبت في ذمّة الوكيل تبعاً ، وللبائع مطالبة مَنْ شاء منهما ، فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكّل ، وإن أبرأ الموكّل برئ الوكيل أيضاً(٤) .

وإن دفع الثمن إلى البائع فوجد به عيباً فردّه على الوكيل ، كان أمانةً في يده ، وهو من ضمان الموكّل.

ولو وكّل رجل غيره حتى يستسلف له ألفاً في كُرّ طعامٍ ، ففَعَل ، مَلَك‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ١٣٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨.

(٣) في ص ١٣٨ - ١٣٩ ، المسألة ٧٤٤.

(٤) المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

١٤١

الموكّل الثمنَ ، وع ليه عهدة الطعام ، دون الوكيل.

وقال بعض العامّة : يكون الوكيل ضامناً عن موكّله(١) .

وليس بشي‌ء.

مسألة ٧٤٦ : إذا وكّله في عقدٍ كبيعٍ أو شراء ، تعلّق أحكام العقد - من رؤية المبيع أو المشترى - بالوكيل دون الموكّل ، حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع ، دون الموكّل ، ويلزم العقد بمفارقة الوكيل مجلس العقد ، ولا يلزم بمفارقة الموكّل إن كان حاضراً فيه ، وتسليم رأس المال في السَّلَم والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل ، والفسخ بخيار المجلس والرؤية يثبت للوكيل.

والأقرب : أنّه يثبت للموكّل.

وقال بعض الشافعيّة : يثبت للوكيل دون الموكّل حتى لو أراد الموكّل الإجازة ، كان للوكيل أن يفسخ(٢) .

وليس بجيّدٍ.

وفرّقوا بينه وبين خيار العيب حيث قالوا : لا ردّ للوكيل إذا رضي الموكّل(٣) .

مسألة ٧٤٧ : إذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلّا طالَب الموكّل ؛ لأنّ الملك يقع له.

وإن اشترى في الذمّة ، فإن كان الموكّل قد سلّم إليه ما يصرفه إلى الثمن ، طالَبه البائع أيضاً.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠.

١٤٢

وإن لم يسلّم ، فإن أنكر البائع كونه وكيلاً ، أو قال : لا أدري هل هو وكيل أم لا ، ولا بيّنة ، طالَبه.

وإن اعترف بوكالته ، فالمطالَب بالثمن الموكّلُ لا غير ؛ لوقوع الملك له ، والوكيل سفيرٌ بينهما ومُعبّرٌ(١) للموكّل ، فلا يغرم شيئاً ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّ البائع مع تصديق الوكالة يطالب الوكيل لا غير ؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ، والالتزام وُجد منه.

والثالث : أنّه يطالب مَنْ شاء منهما ؛ نظراً إلى المعنيين(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٧٤٨ : قد بيّنّا أنّ المطالبة مع علم البائع بالوكالة إنّما تتوجّه إلى الموكّل.

وقال بعض الشافعيّة : المطالبة للوكيل خاصّةً(٣) .

فعلى قوله هل للوكيل مطالبة الموكّل قبل أن يغرم؟ فيه للشافعيّة وجهان ؛ لأنّ بعضهم قال : يثبت الثمن للبائع على الوكيل ، وللوكيل مثله على الموكّل ، بناءً على أنّ الوكيل يثبت الملك له ثمّ ينتقل إلى الموكّل ، فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له وإن لم يؤدّ ما عليه.

وقال آخَرون : يُنزّل الوكيل منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه ، وعلى هذا ففي رجوعه قبل الغرم وجهان ، كالمحال عليه.

والأصحّ عندهم : المنع.

____________________

(١) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معين » بدل « معبّر ». وعبّرت عنه : تكلّمت عنه. المحيط في اللغة ٢ : ٣٥ « عبر ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

١٤٣

فإذا غرم الوكيل للب ائع ، فقياس تنزيله منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه الخلافُ المذكور في الحوالة.

والمذهب عندهم : القطع بالرجوع ، وإلاّ لخرج المبيع [ عن ](١) أن يكون مملوكاً للموكّل بالعوض ، وفي ذلك تغيير لوضع العقد(٢) .

وهذا ساقط عندنا ؛ لأنّ البائع يطالب الموكّل خاصّةً.

مسألة ٧٤٩ : على قول القائلين بمطالبة البائع مَنْ شاء من الوكيل أو الموكّل فالوكيل كالضامن ، والموكّل كالمضمون عنه ، فيرجع الوكيل إذا غرم.

والقول في اعتبار شرط الرجوع وفي أنّه [ هل ](٣) يطالبه بتخليصه قبل الغرم؟ كما سبق في الضمان(٤) .

وقد فرّع ابن سريج على الخلاف في المسألة ، فقال : لو سلّم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمّة ، ففَعَل ثمّ ردّها البائع بعيبٍ ، فإن قلنا بأنّ البائع يطالب الموكّل أو يطالب مَنْ شاء ، فعلى الوكيل ردّ تلك الدراهم بأعيانها إلى الموكّل ، وليس له إمساكها أو إبدالها.

وإن قلنا : يطالب الوكيل ، فله ذلك ؛ لأنّ ما دفعه الموكّل إليه على هذا الوجه كأنّه أقرضه منه ليبرئ به ذمّته ، فإذا عاد إليه فهو ملكه ، وللمقترض إمساك ما استقرضه وردّ مثله(٥) .

واعلم أنّه لا خلاف في أنّ للوكيل أن يرجع على الموكّل في الجملة ،

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق ، وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) راجع : ج ١٤ ، ص ٣٤٨ - ٣٤٩ ، المسألة ٥٢٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

١٤٤

وإنّما الكلام في أن ّه متى يرجع؟ وبأيّ شي‌ء يرجع؟ وإذا كان كذلك ، توجّه أن يكون تسليم الدراهم دفعاً لمؤونة التراجع ، لا إقراضاً.

مسألة ٧٥٠ : الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن إمّا بإذنٍ صريح أو بالإذن في البيع على رأي جماعةٍ من العامّة(١) وتلف المقبوض في يده ثمّ خرج المبيع مستحقّاً والمشتري معترف بالوكالة ، فحقّ رجوعه على الموكّل عندنا ؛ لأنّ الوكيل واسطة بينهما.

وقال بعض الشافعيّة : حقّ الرجوع بالثمن يكون على الوكيل ؛ لأنّه الذي تولّى القبض ، وحصل التلف في يده(٢) .

وقال بعضهم كما قلناه من أنّه يرجع على الموكّل ؛ لأنّ الوكيل سفير ، ويده يد موكّله(٣) .

وقال بعضهم : يرجع على مَنْ شاء(٤) ، كما تقدّم(٥) .

فإن قلنا : حقّ الرجوع على الموكّل ، فإذا غرم لم يرجع على الوكيل ؛ لأنّه أمينه ، فلا يضمن.

وقال بعض الشافعيّة : إذا قلنا : إنّ حقّ الرجوع على الموكّل إذا رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّ التلف في يده.

وهو مسلّم ، لكن لا يجب عليه الضمان ، كما لو تلف في يد الموكّل ؛ لأنّ يد الوكيل في الحقيقة هي يد الموكّل.

وإن جعلنا حقّ الرجوع على الوكيل فغرم ، لم يرجع على الموكّل.

وإذا قلنا : يرجع على مَنْ شاء منهما ، فثلاثة أوجُهٍ :

أشهرها عندهم : أنّه إن غرم الموكّل لم يرجع على الوكيل ، وإن غرم‌

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

(٥) في المسألة السابقة.

١٤٥

الوكيل رجع على المو كّل ؛ لأنّ الموكّل قد غرّ الوكيل ، والمغرور يرجع على الغارّ ، دون العكس.

والثاني : إنّ واحداً منهما لا يرجع على الآخَر ، أمّا الموكّل : فلأنّه غارّ. وأمّا الوكيل : فلحصول التلف في يده.

والثالث : إنّ الموكّل يرجع على الوكيل ، دون العكس ؛ لحصول التلف في يد الوكيل.

والذي يفتى به عندهم من هذه الاختلافات أنّ المشتري يغرم مَنْ شاء منهما والقرار على الموكّل(١) .

وأمّا عندنا فمع تصديق الوكالة يرجع على الموكّل خاصّةً ، سواء تلف بتفريطٍ من الوكيل أو لا ، إلّا أنّه إذا فرّط الوكيل ، كان له أن يرجع عليه ، ولا يرجع هو على الموكّل ؛ لأنّ التلف حصل بتفريطه ، فكان ضامناً. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل.

وإنّما كان له أن يرجع على الموكّل ؛ لأنّه سلّط الوكيل على القبض منه.

وإن كان التلف بغير تفريطٍ من الوكيل ، لم يضمن ، ولا يرجع المشتري عليه بالثمن.

وإن كان جاهلاً بالوكالة ، كان له أن يرجع على الوكيل ؛ لأنّه القابض.

ولو قامت بيّنة الوكالة ، سقط رجوعه عليه ، وكان له الرجوع على الموكّل خاصّةً.

ولو اعترف الموكّل بالوكالة ، لم يسقط رجوعه على الوكيل ؛ لإمكان تواطئهما على إسقاط حقّ المشتري من مطالبة الوكيل ، لكن له الرجوع على مَنْ شاء منهما.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦ - ٥٥٧.

١٤٦

مسألة ٧٥١ : إذا وكلّه في شراء عينٍ فاشتراها وقبض الوكيل العينَ وتلفت في يده بغير تفريط ثمّ ظهر أنّه كان المبيع مستحقّاً لغير البائع ، فللمستحقّ مطالبة البائع بقيمة المبيع إن لم يكن مثليّاً ، أو كان وتعذَّر المثل ، وبالمثل إن كان مثليّاً ؛ لأنّه غاصب ، ومن يده خرج المال.

وللشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ :

أحدها : هذا.

والثاني : يطالب الوكيل.

والثالث : يطالب مَنْ شاء(١) ، كما سبق في المسألة السابقة.

قال الجويني : الأقيس في المسألتين أنّه لا رجوع له إلّا على الوكيل ؛ لحصول التلف عنده. ولأنّه إذا ظهر الاستحقاق ، بانَ فساد العقد ، وصار الوكيل قابضاً ملكَ الغير بغير حقٍّ. ويجري الخلاف في القرار في هذه الصورة أيضاً(٢) .

وأمّا نحن فهنا نقول : للمستحقّ مطالبة الوكيل ؛ لأنّه قبض ماله.

فإن تلفت بغير تفريطٍ ، رجع على الموكّل بما غرمه ؛ لأنّه أمينه لا ضمان عليه. وإن رجع على الموكّل ، لم يرجع على الوكيل ، بل استقرّ الرجوع على الموكّل.

وإن تلفت بتفريطٍ ، استقرّ الضمان عليه ، فإن رجع عليه لم يرجع هو على موكّله ؛ لأنّه ضامن. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّه فرّط بالإتلاف.

مسألة ٧٥٢ : إذا وكّله في البيع وأطلق ، انصرف إلى البيع بثمن المثل.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

١٤٧

وهل يختصّ بالبيع با لعين ، أو يشمل بالعين والبيع بثمنٍ في الذمّة؟ إشكال.

فإن قلنا بالشمول أو أذن فيه فباع بثمنٍ في الذمّة واستوفاه ودَفَعه إلى الموكّل فخرج الثمن مستحقّاً أو معيباً وردّه ، فللموكّل أن يطالب المشتري بالثمن ، وله أن يغرّم الوكيل ؛ لأنّه صار مسلّماً للمبيع قبل أخذ عوضه.

وفيما يغرم؟

يحتمل قيمة العين ؛ لأنّه فوّت عليه العين.

والثاني(١) : الثمن ؛ لأنّ حقّه انتقل من العين إلى الثمن.

فإن قلنا بالأوّل فإن أخذ منه القيمة ، طالَب الوكيلُ المشتري بالثمن ، فإذا أخذه ، دَفَعه [ إلى ](٢) الموكّل ، واستردّ القيمة.

مسألة ٧٥٣ : لو(٣) دفع إليه دراهم ليشتري له بعينها عبداً ، فاشترى العبد بالعين(٤) وتلفت في يده قبل التسليم ، انفسخ البيع ، ولا شي‌ء على الوكيل. ولو تلفت قبل الشراء ، ارتفعت الوكالة.

ولو قال : اشتر في الذمّة واصرفها إلى الثمن الملتزم ، فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء ، لم ينفسخ العقد ، وكان للبائع مطالبة الموكّل بعوض الثمن التالف إن علم الوكالة ، وإلّا طالَب الوكيل ، ويرجع الوكيل على الموكّل.

ولا ينقلب الشراء إلى الوكيل عندنا ، ولا يلزمه الثمن ، وهو أحد‌

____________________

(١) أي : الاحتمال الثاني.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) في « ث ، ر ، خ » : « إذا » بدل « لو ».

(٤) أي : بعين الدراهم.

١٤٨

أقوال الشافعيّة.

وا لثاني : إنّ البيع(١) ينقلب إلى الوكيل ، ويلزمه الثمن.

والثالث : أن يعرض الحال على الموكّل ، فإن رغب فيه وأتى بمثل تلك الدراهم ، فالشراء له ، وإلّا وقع للوكيل ، وعليه الثمن(٢) .

والحقّ ما قدّمناه.

ولو تلفت قبل الشراء ، لم ينعزل الوكيل.

وإن اشترى للموكّل ، وقع للموكّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يقع للوكيل(٣) .

مسألة ٧٥٤ : لو اشترى الوكيل شراءً فاسداً وقبض المبيع وتلف إمّا في يده أو بعد تسليمه إلى الموكّل ، فللمالك مطالبته بالضمان.

وهل يرجع هو على الموكّل؟ إن كان قد أذن له في الشراء الفاسد ، أو علم به وقبضه ، كان له مطالبة الموكّل ، وإلّا فالأقرب : أنّه لا يطالبه به ؛ لأنّه إنّما وكّله في عقدٍ صحيح ، فإذا عقد فاسداً فقد فَعَل غير المأمور به ، فكان الضمان عليه ؛ لأنّ الموكّل لم يأمره بهذا القبض ، بل هو قَبَض لنفسه عن الموكّل ، والموكّل لم يأذن فيه ، فلا يقع عنه.

ولو أرسل رسولاً ليستقرض له شيئاً ، فاستقرض ، فهو كوكيل المشتري ، وفي مطالبته ما في مطالبة وكيل المشتري بالثمن.

والظاهر عند الشافعيّة أنّه يطالب ، ثمّ إذا غرم رجع على الموكّل(٤) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « الشراء » بدل « البيع ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٢ - ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

١٤٩

المطلب الثالث : في نسبة الوكالة إلى الجواز.

مسألة ٧٥٥ : العقود على أربعة أضرب :

الأوّل : عقدٌ لازمٌ من الطرفين لا ينفسخ بفسخ أحد المتعاقدين ، وهو البيع والإجارة والصلح والخلع والنكاح ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(١) .

وفيه وجهٌ آخَر : إنّ النكاح غير لازمٍ من جهة الزوج(٢) .

والقائل الأوّل منهم قال : إنّ الزوج لا يملك فسخه ، وإنّما يملك قطعه وإزالة ملكه ، كما يملك المشتري عتق العبد المشترى وإزالة ملكه عنه ، ولا يمنع ذلك لزومه في حقّه(٣) .

وأمّا الخلع فإنّ الرجل والمرأة معاً ليس لهما فسخه ، بل إذا رجعت المرأة في البذل ، كان له الرجوع في النكاح.

الثاني : عقدٌ جائزٌ من الطرفين ، وهي الوكالة والشركة والمضاربة والجعالة ، فلكلٍّ(٤) منهما فسخ العقد في هذه.

الثالث : عقدٌ لازمٌ من أحد الطرفين جائزٌ من الآخَر ، كالرهن ؛ فإنّه لازمٌ من جهة الراهن جائزٌ من جهة المرتهن.

والكتابة عند الشيخ جائزة من جهة العبد ؛ لأنّ له أن يعجّز نفسه ، ولازمة من جهة المولى(٥) .

الرابع : المختلف فيه ، وهو السبق والرمي ، إن قلنا : إنّه إجارة ، كان لازماً. وإن قلنا : إنّه جعالة ، كان جائزاً.

____________________

(١ - ٣) البيان ٦ : ٤٠٧.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فلكلّ واحدٍ ».

(٥) الخلاف ٣ : ١٨ ، المسألة ٢١ من كتاب البيوع ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

١٥٠

ولا نعلم خلافاً من أحدٍ من العلماء في أنّ الوكالة عقد جائز من الطرفين ؛ لأنّه عقد على تصرّفٍ مستقبل ليس من شرطه تقدير عملٍ ولا زمان ، فكان جائزاً ، كالجعالة. فإن فسخها الوكيل انفسخت ، وبطل تصرّفه بعد الفسخ ، وإن فسخها الموكّل فكذلك.

والأصل في ذلك أنّ [ في ](١) الوكالة قد يبدو للموكّل في الأمر الذي أناب فيه وفي نيابة ذلك الشخص ، وقد لا يتفرّغ له الوكيل ، فالإلزام مضرٌّ بهما جميعاً.

ولا خلاف في أنّ العزل مبطل للوكالة.

مسألة ٧٥٦ : قد بيّنّا أنّ الوكالة جائزة من الطرفين ، وتبطل بعزل الموكّل في حضرته وغيبته إمّا لفظاً بلفظ العزل ، كقوله : عزلتك عن الوكالة ، أو بلفظٍ يؤدّي معناه ، مثل : فسخت الوكالة ، أو : أبطلتها ، أو : نقضتها ، أو : صرفتك عنها ، أو : أزلتك عنها ، أو : رفعت الوكالة ، أو : أخرجته عن الوكالة ، فينعزل ، ويبطل تصرّفه بعد ذلك ، سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكّل بمسألة الخصم ، كما إذا سألت المرأة زوجَها أن يوكّل بالطلاق أو الخلع ، أو المرتهنُ الراهنَ أن يوكّل ببيع الرهن ، أو الخصمُ الخصمَ أن يوكّل في الخصومة ، ففَعَل المسئول ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ الوكالة استنابة تابعة لاختيار الموكّل ، فله العزل متى شاء ، كغيرها من الوكالات.

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ - ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

١٥١

وقال أبو حنيفة : إذ ا كان التوكيل بمسألة الخصم ، لم ينعزل(١) .

وإمّا معنىً ، بأن يفعل متعلّق الوكالة.

مسألة ٧٥٧ : إذا عزل الموكّل الوكيلَ في غيبته ، قال الشيخرحمه‌الله : لأصحابنا روايتان :

إحداهما : إنّه ينعزل في الحال وإن لم يعلم الوكيل بالعزل ، وكلّ تصرّفٍ للوكيل بعد ذلك يكون باطلاً.

والثانية : إنّه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك ، وكلّ تصرّفٍ له يكون واقعاً موقعه إلى أن يعلم.

ثمّ استدلّ على صحّة الثاني : بأنّ النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلّا بعد حصول العلم به ، ولهذا لمّا بلغ أهل قبا أنّ القبلة قد حُوّلت إلى الكعبة وهُمْ في الصلاة داروا وبنوا على صلاتهم ، ولم يؤمروا بالإعادة.

قال : وهذا القول أقوى(٢) .

وقال في النهاية : ومَنْ وكّل وكيلاً وأشهد على وكالته ثمّ أراد عزله ، فليشهد على عزله علانيةً بمحضرٍ من الوكيل ، أو يُعلمه ذلك ، كما أشهد على وكالته ، فإذا أعلمه عَزْلَه أو أشهد على عزله إذا لم يمكنه إعلامه ، فقد انعزل الوكيل عن وكالته ، فكلّ أمر ينفذه بعد ذلك كان باطلاً ، ولا يلزم الموكِّل منه قليل ولا كثير. وإن عزله ولم يُشهد على عزله أو لم يُعلمه ذلك مع إمكان ذلك ، لم ينعزل الوكيل ، وكلّ أمرٍ ينفذه بعد ذلك يكون ماضياً‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ٣٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٣ ، النتف ٢ : ٦٠٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، المسألة ٣ من كتاب الوكالة.

١٥٢

على موكّله إلى أن يعلم بعزله(١) .

وقال أبو حنيفة : الوكيل إذا عزل نفسه ، لم ينعزل إلّا بحضرة الموكّل. وأمّا الموكِّل إذا عزله فإنّه لا ينعزل قبل علمه ، فإن بلغه العزل من رجلٍ ثقةٍ أو امرأةٍ ، انعزل. وإن بلغه من فاسقٍ ، لم ينعزل ؛ لأنّ الوكيل يتصرّف بإذن الموكّل وأمره ، فلا يصحّ أن يردّ أمره بغير حضوره ، كالمودع. وكذلك الأمر الشرعي لا يثبت وقوعه في حقّ المأمور قبل علمه ، كالفسخ في حقّ المأمورين قبل علمهم ، وكذا القاضي لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر ، ولأنّ تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يُسقط الثقة بتصرّفه(٢) .

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه لا ينعزل بالعزل.

وأصحّهما : الانعزال ؛ لأنّه رَفْع عقدٍ لا يحتاج فيه إلى الرضا ، فلا يحتاج إلى العلم ، كالطلاق ، ولأنّه لو جنّ الموكّل أو مات انعزل الوكيل وإن لم يبلغه الخبر(٣) .

وكذا لو وكّله ببيع عبدٍ أو إعتاقه ثمّ باعه أو أعتقه الموكّل ، نفذ تصرّفه ، وانعزل الوكيل وإن لم يشعر بالحال ضِمناً ، وإذا لم يعتبر بلوغ‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٧ ، النتف ٢ : ٦٠٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٤ و ١٥٦ ، البيان ٦ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، المغني ٥ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٨ / ١٠٣٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٦ - ١٦٨٧ / ١١٨٨ و ١١٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٦ و ١٥٧ ، الوجيز ١ : ١٩٣ ، الوسيط ٣ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٣ ، البيان ٦ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ، منهاج الطالبين : ١٣٧.

١٥٣

الخبر في العزل الضم ني ، ففي صريح العزل أولى. ولأنّه رَفْعُ عقدٍ ، فلا يفتقر إلى حضور مَنْ لا يفتقر إلى رضاه ، كالنكاح.

وإن علّلتَ بعزل الموكّل ، قلتُ : فِلمَ يفتقر إلى علم مَنْ لا يفتقر إلى حضوره؟

وأمّا الوديعة : فمن الشافعيّة مَنْ يقول : لا تنفسخ إلّا بالردّ ؛ لأنّ الأمانة باقية ما لم تُردّ أو يُتعدّى ، فإذَنْ لم يقف على العلم.

ومنهم مَنْ يقول : إنّها تنفسخ إذا علم أنّ الوديعة ليس فيها إلّا الاستئمان والاستحفاظ ، وإنّما يلزمه الردّ إذا علم ، وليس كذلك في مسألتنا ؛ فإنّ فيه تصرّفاً بالرجوع ليمنع صحّة التصرّف ، فلهذا أراد الرجوع من غير علم الوكيل. وأمّا النسخ : ففيه لهم وجهان ، على أنّهما يفترقان ؛ لأنّ أمر الشريعة يتضمّن تركه المعصية ، فلا يجوز أن يكون عاصياً من غير علمه ، وهنا يتضمّن إبطال التصرّف ، وهذا لا يمنع منه عدم العلم.

وأيضاً لا فرق بين النسخ وما نحن فيه ؛ لأنّ حكم النسخ إمّا إيجاب امتثال الأمر الثاني ، وإمّا إخراج الأوّل عن الاعتداد به ، فما يرجع إلى الإيجاب والإلزام لا يثبت قبل العلم ؛ لاستحالة التكليف بغير المعلوم ، وهذا النوع لا يثبت في الوكالة أصلاً ورأساً ؛ لأنّ أمر الموكّل غير واجب الامتثال. وأمّا النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضاً قبل العلم حتى يلزمه القضاء ، ولا تبرأ ذمّته بالأوّل(١) .

وأمّا انعزال القاضي : فمنهم مَنْ طرّد الخلاف فيه. وعلى التسليم - وهو الظاهر من مذهبهم - فالفرق : تعلّق المصالح الكلّيّة بعمله(٢) .

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

١٥٤

وعن أحمد روايتان (١) ، كقولَي الشافعي ، وكذا عن أصحاب مالك قولان(٢) .

والشيخرحمه‌الله استدلّ على عدم العزل قبل العلم : بما رواه جابر بن يزيد ومعاوية بن وهب عن الصادقعليه‌السلام قال : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها »(٣) .

وفي طريقها عمرو بن شمر ، وهو ضعيف.

وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام : عن رجلٍ وكّل آخَر على وكالة في إمضاء أمرٍ من الأُمور وأَشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا أنّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة ، فقال : « إن كان الوكيل قد أمضى الأمر الذي وُكّل عليه قبل أن يعزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل أم رضي » قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عُزل عن الوكالة فالأمر ماضٍ على ما أمضاه؟ قال : « نعم » قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي‌ء؟ قال : « نعم ، إنّ الوكيل إذا وُكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عن الوكالة »(٤) .

وعن العلاء بن سيابة عن الصادقعليه‌السلام في حديثٍ : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أتته امرأة مستعدية على أخيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين وكّلتُ أخي هذا‌ بأن يزوّجني رجلاً فأشهدت له ثمّ عزلته من ساعته تلك ، فذهب وزوّجني

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٣.

١٥٥

ولي بيّنة إنّي قد ع زلته قبل أن يزوّجني ، فأقامت البيّنة ، وقال الأخ : يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتْني ولم تُعلِمْني بأنّها عزلتْني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرَتْني ، فقال لها : ما تقولين؟ فقالت : قد أعلمتُه يا أمير المؤمنين ، فقال لها : لكِ بيّنة بذلك؟ فقالت : هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلتُه ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كيف تشهدون؟ قالوا : نشهد أنّها قالت : اشهدوا أنّي قد عزلتُ أخي فلاناً عن الوكالة بتزويجي فلاناً ، وأنّي مالكة لأمري من قبل أن يزوّجني فلاناً ، فقال : أشهدَتْكم على ذلك بعلمٍ منه ومحضر؟ قالوا : لا ، قال : أفتشهدون أنّها أعلَمَتْه العزل كما أعلَمَتْه الوكالة؟ قالوا : لا ، قال : أرى الوكالة ثابتة والنكاح واقع ، أين الزوج؟ فجاء فقال خُذْ بيدها بارك الله لك فيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين احلفه أنّي لم أُعلِمْه العزل وأنّه لم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح ، قال : وتحلف؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فحلف وأثبت وكالته وأجاز النكاح »(١) .

وهذه الرواية تدلّ على أنّه لا عبرة بالشهادة وقول العزل إن لم يعلم الوكيل ، ولا بأس به عندي.

تذنيب : إذا قلنا بعدم العزل قبل بلوغ الخبر إليه ، فالمعتبر إخبار مَنْ يُقبل قوله من شهود العدالة ، دون الصبي والفاسق. فإذا قلنا بالانعزال ، فينبغي أن يشهد الموكّل على العزل ؛ لأنّ قوله بعد تصرّف الوكيل : « كنتُ قد عزلتُه » غير مقبولٍ.

مسألة ٧٥٨ : إذا قال الوكيل : عزلتُ نفسي ، أو : أخرجتُها عن الوكالة ، أو : رددت الوكالة ، انعزل.

وقال بعض الشافعيّة : إن كانت صيغة الموكّل « بِع » و« اعتق » ونحوهما‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٤ - ٢١٥ / ٥٠٦.

١٥٦

من صِيَغ الأمر ، لم ينعزل بردّ الوكالة وعَزْله نفسَه ؛ لأنّ ذلك إذن وإباحة ، فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره ، لا يرتدّ بردّ المباح له(١) .

ولا يُشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسَه حضورُ الموكّل ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يُشترط حضور الموكّل ، فإن عزل نفسه بغير حضور الموكّل ، لم ينعزل(٣) . وقد سبق(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإن عزل نفسه ثمّ تصرّف ، كان فضوليّاً ، سواء كان الموكّل حاضراً أو غائباً.

ويحتمل مع الغيبة الصحّة ؛ عملاً بالإذن العامّ الذي تضمّنته الوكالة.

وكذا مع الحضور وعدم الرضا بعزله.

مسألة ٧٥٩ : متى خرج الوكيل أو الموكّل عن أهليّة التصرّف بموتٍ أو جنونٍ أو إغماءٍ ، بطلت الوكالة ، سواء كان العارض للوكيل أو للموكّل.

وفي الجنون إذا كان ممّا يطرأ ويزول على قُربٍ لبعض الشافعيّة تردّد.

وموضع التردّد ما إذا كان امتداده بحيث لا تعطل المهمّات ويحوج إلى نصب قُوّامٍ ، فيلتحق حينئذٍ بالإغماء في وجهٍ(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ - ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٦ - ١٦٨٧ / ١١٨٨.

(٣) عيون المجالس ٤ : ١٦٨٧ / ١١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، المغني ٥ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٨.

(٤) في ص ١٥٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ - ٥٥٩.

١٥٧

وفي الإغماء لهم وجه ان :

أظهرهما عندهم : إنّه كالجنون في اقتضاء الانعزال.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : إنّه لا يقتضي الانعزال ؛ لأنّ المغمى عليه لا يلتحق بمن يُولّى عليه ، والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكّل بمن يولّى عليه(١) .

مسألة ٧٦٠ : والمحجور عليه لسفهٍ أو فلسٍ في كلّ تصرّفٍ لا ينفذ من السفيه والمفلس كالمجنون ؛ لأنّه لا يملك التصرّف ، فلا يملكه غيره من جهته.

ولا فرق في ذلك بين أن يحجر عليه قبل التوكيل أو بعده ، فإن سبقت الوكالة الحجر ، بطلت. وكذا إن كان الحجر سابقاً ، لم تقع صحيحةً.

ولو وكّل أحدهما فيما لَه التصرّف فيه ، صحّ ؛ لأنّه مكلَّف ، ولم يخرج عن أهليّة التصرّف فيه.

ولو تجدّد الرقّ بأن كان حربيّاً فاستُرقّ ، بطلت وكالته السابقة إن كان هو الموكّل ، فلو كان هو الوكيلَ ، كان بمنزلة توكيل عبد الغير يشترط رضا المولى إن منعت الوكالة شيئاً من حقوقه.

ولو حُجر على الوكيل لفلسٍ ، لم تبطل الوكالة ، سواء تعلّقت بأعيان الأموال أو لا ؛ لأنّه بفقره لم يخرج عن أهليّة التصرّف.

ولو حُجر على الموكّل وكانت الوكالة في أعيان ماله ، بطلت ؛ لانقطاع تصرّفه في أعيان أمواله. وإن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمّة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص ، فالوكالة بحالها ؛ لأنّ الموكّل أهلٌ لذلك‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٩.

١٥٨

مباشرةً ، فله أن يس تنيب فيه ابتداءً ؛ للأصل السالم عن المعارض ، ولا تنقطع الاستدامة.

مسألة ٧٦١ : لو فسق الوكيل ، لم ينعزل عن الوكالة إجماعاً ؛ لأنّه من أهل التصرّف ، إلّا أن تكون الوكالة [ فيما ينافيه ](١) الفسق ، كالإيجاب في عقد النكاح عند العامّة ، فإنّه ينعزل عندهم بمجرّد فسقه أو فسق موكّله ؛ لخروجه عن أهليّة التصرّف فيه عندهم(٢) .

وعندنا لا يخرج بالفسق أيضاً ؛ إذ لا تُشترط العدالة في وليّ النكاح.

وأمّا في القبول : فلو فسق الموكّل فيه ، لم ينعزل وكيله بفسقه ؛ لأنّه لا ينافي جواز قبوله.

وهل ينعزل الوكيل بفسق نفسه؟ فيه للعامّة وجهان(٣) .

ولو كان وكيلاً فيما تُشترط فيه الأمانة - كوكيل وليّ اليتيم ووليّ الوقف على المساكين ونحوه - انعزل بفسقه وفسق موكّله ؛ لخروجهما بذلك عن أهليّة التصرّف.

وإن كان وكيلاً لوكيل مَنْ يتصرّف في مال نفسه ، انعزل بفسقه ؛ لأنّه ليس للوكيل أن يوكّل فاسقاً. ولا ينعزل بفسق موكّله ؛ لأنّه وكيل لربّ المال ، ولا ينافيه الفسق.

ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر ؛ لأنّ [ هذين عذران يمكن زوالهما بسهولة وسرعة ، ولا تثبت عليه ولاية ، ولا يخرج بهما ](٤) عن أهليّة‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّية والحجريّة : « ممّا تنافي ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هذه أعذار زوالها لا يخرج بها ». والمثبت هو الصحيح.

١٥٩

التصرّف ، إلّا أن [ يحصل ](١) الفسق بالسكر ، فتبطل فيما شُرط فيه العدالة.

مسألة ٧٦٢ : إذا فَعَل الموكّل متعلَّقَ الوكالة ، أو تلف المتعلَّق ، بطلت الوكالة ، كما لو وكّل غيره في بيع عبدٍ ثمّ باعه الموكّل ، أو مات العبد ، بطلت الوكالة ؛ إذ لا متعلَّق لها حينئذٍ ، وقد ذهب محلّها.

هذا إذا باعه الموكّل بيعاً صحيحاً ، ولو باعه بيعاً فاسداً ، احتُمل البطلان أيضاً ؛ إذ شروعه في البيع رغبة عن الوكالة.

وقال ابن المنذر : لا تبطل الوكالة ؛ لبقاء ملكه في العبد(٢) .

ولو دفع إليه ديناراً ووكّله في الشراء بعينه ، فهلك أو ضاع أو استقرضه الوكيل وتصرّف فيه ، بطلت الوكالة أيضاً.

ولو وكّله في الشراء مطلقاً ونقد الدينار عن الثمن ، بطلت أيضاً إذا تلف ذلك الدينار ؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء ، ومعناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع إمّا قبل الشراء أو بعده ، وقد تعذّر ذلك بتلفه. ولأنّه لو صحّ شراؤه للزم الموكّل ثمن لم يلزمه ولا رضي بلزومه.

وإذا استقرضه الوكيل ثمّ عزل ديناراً عوضه واشترى به ، فهو كالشراء له من غير إذنٍ ؛ لأنّ الوكالة بطلت ، والدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكّل حتى يقبضه ، فإذا اشترى للموكّل ، وقف على إجازته ، فإن أجازه صحّ ، ولزم الثمن ، وإلّا لزم الوكيل ، إلّا أن يُسمّيه في العقد.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يجعل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧٣ / ١٩٠٠ ، المغني ٥ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بعد ذلك من أدنى الحرم. وكذا لو أفرد عن غيره أو تمتّع أو قرن ثم اعتمر من أدنى الحِلّ ، كلّ هذا لا دم عليه ؛ لتركه الإحرام من الميقات بلا خلاف.

وأمّا إن أفرد عن غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحِلّ ، قال الشافعي في القديم : عليه دم(١) .

وقال أصحابه : على هذا لو اعتمر عن غيره ثم حجّ عن نفسه فأحرم بالحجّ من جوف مكّة ، فعليه دم ؛ لتركه الإحرام من الميقات(٢) .

وعندنا أنّه لا دم عليه ؛ للأصل.

ولو اعتمر في أشهر الحجّ ولم يحج في ذلك العام بل حجَّ من العام المقبل مفرداً له عن العمرة ، لم يجب الدم ؛ لأنّه لا يكون متمتّعاً ، وهو قول عامّة العلماء ، إلّا قولاً شاذّاً عن الحسن البصري فيمن اعتمر في أشهر الحجّ فهو متمتّع حجَّ أو لم يحجّ(٣) .

وأهل العلم كافّة على خلافه ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (٤) وهو يقتضي الموالاة بينهما.

ولأنّ الإجماع واقع على أنّ من اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم حجَّ من عامه ذلك ، فليس بمتمتّع ، فهذا أولى ؛ لكثرة التباعد بينهما.

مسألة ٥٨٢ : قد بيّنّا أنّ المتمتّع بعد فراغه من العمرة لا ينبغي له أن يخرج من مكّة حتى يأتي بالحجّ ؛ لأنّه صار مرتبطاً به ؛ لدخولها فيه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه(٥) .

____________________

(١ و ٢ ) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٨١ ، المسألة ٥٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ - ٤٧.

٢٤١

وقال الله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (١) .

فلو خرج من مكّة بعد إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه ، صحّ له أن يتمتّع ، ولا يجب عليه تجديد عمرة ، وإن عاد(٢) في غير الشهر ، اعتمر اُخرى ، وتمتّع بالأخيرة ، ووجب عليه الدم بالأخيرة.

ولا يسقط عنه الدم ؛ لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٣) وما تقدّم من الأحاديث الدالّة على صحّة العمرة إن رجع في الشهر الذي خرج فيه ، ووجوب إعادتها إن رجع في غيره ، وعلى التقديرين يجب الدم.

وقال عطاء والمغيرة وأحمد وإسحاق : إذا خرج إلى سفر بعيد تقصر الصلاة في مثله ، سقط عنه الدم ؛ لقول عمر : إذا اعتمر في أشهر الحجّ ثم أقام ، فهو متمتّع ، فإن خرج ورجع ، فليس بمتمتّع(٤) .

وهو محمول على مَنْ رجع في غير الشهر الذي خرج فيه ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقال الشافعي : إن رجع إلى الميقات ، فلا دم عليه(٥) .

وقال أصحاب الرأي : إن رجع إلى مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا(٦) .

وقال مالك : إن رجع إلى مصره أو إلى غيره أبعد من مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا(٧) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) في « ق ، ك ‍» : وإن دخل.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٠٢ و ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ١٤٧ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٦) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٢ ، المغني ٣ : ٥٠٢ - ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

٢٤٢

وقال الحسن : هو متمتّع وإن رجع إلى بلده. واختاره ابن المنذر(١) .

مسألة ٥٨٣ : إنّما يجب الدم على مَنْ أحلّ من إحرام العمرة ، فلو لم يحلّ وأدخل إحرام الحجّ عليها ، بطلت المتعة ، وسقط الدم ، وبه قال أحمد(٢) .

قالت عائشة : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام حجّة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، فقدمت مكّة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( انقضى رأسك وامتشطي وأهلّي بالحجّ ودعي العمرة ) قالت : ففعلت فلمـّا قضينا الحجّ أرسلنا مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه ، فقال : هذا مكان عمرتك(٣) .

قال عروة : فقضى الله حجّها وعمرتها ولم يكن في شي‌ء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة(٤) .

ولأنّ الهدي إنّما يجب على المتمتّع ، والتقدير بطلان متعته.

أمّا المكّي لو تمتّع وجوّزناه فإنّه يجب عليه الهدي.

ولو دخل الآفاقي متمتّعاً إلى مكّة ناوياً للإقامة بها بعد تمتّعه ، فعليه دم المتعة ، أجمع عليه العلماء ؛ للآية(٥) ، وبالعزم على الإقامة لا يثبت له حكمها.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٢.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٢٢١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٠ / ١٢١١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٣ / ١٧٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٤) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ ، وانظر صحيح مسلم ٢ : ٨٧٢ ذيل الحديثين ١١٥ و ١١٧.

(٥) البقرة : ١٩٦.

٢٤٣

ولو كان مولده ومنشؤه بمكّة ، فخرج منتقلاً مقيماً بغيرها ثم عاد إليها متمتّعاً ناوياً للإقامة أو غير ناوٍ لها ، فعليه دم المتعة - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق(١) - لأنّ حضور المسجد الحرام إنّما يحصل بنيّة الإقامة وفعلها ، وهذا إنّما نوى الإقامة إذا فرغ من أفعال الحجّ ؛ لأنّه إذا فرغ من عمرته فهو ناوٍ للخروج إلى الحجّ ، فكأنّه إنّما نوى أن يقيم بعد أن يجب الدم.

مسألة ٥٨٤ : الآفاقي إذا ترك الإحرام من الميقات ، وجب عليه الرجوع إليه والإحرام منه‌ مع القدرة ، فإن عجز ، أحرم من دونه لعمرته ، فإذا أحلّ ، أحرم بالحجّ من عامه وهو متمتّع ، وعليه دم المتعة ، ولا دم عليه لإحرامه من دون الميقات ؛ لأنّه تركه للضرورة.

قال ابن المنذر وابن عبد البرّ : أجمع العلماء على أنّ مَنْ أحرم في أشهر الحجّ بعمرة وأحلّ منها ولم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالاً ثم حجّ من عامه أنّه متمتّع عليه دم المتعة(٢) .

وقال بعض العامّة : إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه وبين مكّة أقلّ من مسافة القصر فأحرم منه ، فلا دم عليه للمتعة ؛ لأنّه من حاضري المسجد الحرام(٣) .

وليس بجيّد ، فإنّ حضور المسجد إنّما يحصل بالإقامة به ونيّة الإقامة ، وهذا لم تحصل منه الإقامة ولا نيّتها.

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣١ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٨ و ١٣٠ - ١٣١ ، المجموع ٧ : ١٧٥ ، المغني ٣ : ٥٠٤ - ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠ - ٢٥١.

٢٤٤

ولقوله تعالى :( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) وهو يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنى به ، وهذا ليس بساكن.

مسألة ٥٨٥ : الهدي إنّما يجب على المتمتّع‌ ، وهو المـُحْرم بالعمرة في أشهر الحجّ ، فإن أحرم بها في غيرها ، فليس بمتمتّع ، ولا دم عليه إجماعاً لا نعلم فيه خلافاً إلّا قولين نادرين :

أحدهما : قول طاوُس : إذا اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم أقام حتى يحضر الحجّ ، فهو متمتّع(٢) .

والثاني : قول الحسن : من اعتمر بعد النحر فهي عمرة تمتّع(٣) .

قال ابن المنذر : لا نعلم أحداً قال بواحد من هذين القولين(٤) .

أمّا لو أحرم في غير أشهر الحجّ ثم أحلّ منها في أشهره ، فلذلك لا يصحّ له التمتّع بتلك العمرة ، وبه قال أحمد وجابر وإسحاق والشافعي في أحد القولين(٥) .

وقال في الآخر : عمرته في الشهر الذي يطوف فيه. وبه قال الحسن والحكم وابن شبرمة والثوري(٦) .

وقال طاوُس : عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم(٧) .

وقال عطاء : عمرته في الشهر الذي يحلّ فيه. وبه قال مالك(٨) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢ و٣ ) المغني ٣ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٤) المغني ٣ : ٥٠١ - ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٥ - ٧ ) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٨) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٢٨.

٢٤٥

وقال أبو حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحجّ ، فليس بمتمتّع ، وإن طاف الأربعة في أشهر الحجّ ، فهو متمتّع(١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه أتى بنسك لا تتمّ العمرة إلّا به في غير أشهر الحجّ ، فلا يكون متمتّعاً ، كما لو طاف في غير أشهر الحجّ أو طاف دون الأربعة فيها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكّة حتى يحضر الحجّ فعليه شاة ، ومَنْ تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاور حتى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة »(٢) .

مسألة ٥٨٦ : المملوك إذا حجّ بإذن مولاه متمتّعاً ، لم يجب عليه الهدي‌ ولا على مولاه إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٣) .

وفي قول شاذّ للشافعي : يجب على مولاه أن يهدي عنه ؛ لتضمّن إذنه لذلك(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ فرض غير الواجد الصومُ ، ولا فاقد كالعبد.

ولأنّ الحسن العطّار سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أعليه أن يذبح عنه؟ قال : « لا ، لأنّ الله تعالى يقول :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٥) »(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٧ ( باب من يجب عليه الهدي ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٨ / ٩٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٩ / ٩١٣.

(٣) النحل : ٧٥.

(٤) المجموع ٧ : ٥٤.

(٥) النحل : ٧٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٠ / ٦٦٥ ، و ٤٨٢ / ١٧١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٣.

٢٤٦

إذا ثبت هذا ، فإنّ المولى يتخيّر بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، عند علمائنا - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(١) - لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (٢) وبتقدير تمليك المولى يصير موسراً.

ولأنّ جميل بن دراج قال - في الصحيح - : سأل رجلٌ الصادقعليه‌السلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع ، قال : « فمُرْه فليصم وإن شئت فاذبح عنه »(٣) .

وفي الرواية الاُخرى عن أحمد : لا يجزئه الذبح عنه ، ويلزمه الصوم عيناً - [ وبه ](٤) قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي - لأنّه غير مالك ، ولا سبيل له إلى التملّك ، لأنّه لا يملك بالتمليك ، فصار كالعاجز الذي يتعذّر عليه الهدي ، فيلزمه الصوم(٥) .

مسألة ٥٨٧ : الواجب على المملوك من الصوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله‌ ، كالحُرّ - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٦) - لعموم قوله تعالى :( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) (٧) ولأنّه صوم وجب لحلّه من إحرامه قبل إتمامه ، فكان عشرة أيّام ، كصوم الحُرّ.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : يصوم عن كلّ مدّ من قيمة الشاة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٧٠ - ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٠ - ٢٠١ / ٦٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٥.

(٤) أضفناها لأجل السياق.

(٥) المغني ٣ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٨ - ٥٢٩ ، مختصر المزني : ٧٠ ، المجموع ٧ : ٥٤.

(٦) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٧) البقرة : ١٩٦.

٢٤٧

يوماً ، والمعسر في الصوم كالعبد يجب عليه ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجع(١) .

وقال بعض العامّة : يجب لكل مدّ من قيمة الشاة يوم(٢) .

ويبطل بالآية(٣) . وبقول عمر لهبّار بن الأسود : فإن وجدت سعةً فاهد ، وإن لم تجد سعةً فصُمْ ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعت(٤) .

ولو لم يذبح مولى المملوك عنه ، تعيّن عليه الصوم ، ولا يجوز لمولاه منعه عن الصوم ؛ لأنّه صوم واجب ، فلا يحلّ له منعه عنه ، كرمضان.

ولو اُعتق المملوك قبل الوقوف بالموقفين ، أجزأ عن حجّة الإسلام ، ووجب عليه الهدي إن تمكّن ، وإلّا الصوم.

ولو لم يصم العبد إلى أن تمضي أيّام التشريق ، فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه ، ولا يأمره بالصوم ، ولو أمره به ، لم يكن به بأس.

مسألة ٥٨٨ : إنّما يجب الهدي على المتمكّن منه أو من ثمنه‌ إذا وجده بالشراء ، ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي على المتمكّن منه أو من ثمنه إذا وجده بالشراء ، ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي ، بل ينتقل إلى الصوم ؛ لأنّ رجلاً سأل الرضاعليه‌السلام : عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ وفي عيبته ثياب ، له أن يبيع من ثيابه شيئاً ويشتري بدنة؟ قال : « لا ، هذا يتزيّن به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئاً »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ القدرة تعتبر في موضعه ، فمتى عدمه في‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٣٨ / ٨٠٢ بتفاوت يسير.

٢٤٨

موضعه ، جاز له الانتقال إلى الصيام وإن كان قادراً عليه في بلده ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّ وجوبه موقّت ، وما كان وجوبه موقّتاً اعتبرت القدرة عليه في موضعه ، كالماء في الطهارة إذا عدم في مكانه انتقل إلى التراب.

ولو تمتّع الصبي ، وجب على وليّه أن يذبح عنه ؛ للعموم ، فإن لم يجد ، فليصم عنه عشرة أيّام ؛ للآية(١) .

ولقول أبي نعيم : تمتّعنا فأحرمنا ومعنا صبيان ، فأحرموا ولبّوا كما لبّينا ولم يقدروا(٢) على الغنم، قال : « فليصم عن كلّ صبي وليُّه »(٣) .

البحث الثاني : في كيفية الذبح.

مسألة ٥٨٩ : يجب في الذبح والنحر النيّة ؛ لأنّه عبادة ، وكلّ عبادة بنيّة ، لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٤) .

ولأنّ جهات إراقة الدم متعدّدة ، فلا يتخلّص المذبوح هدياً إلّا بالقصد.

ويجب اشتمالها على جنس الفعل وجهته من كونه هدياً أو كفّارة أو غير ذلك ، وصفته من وجوب أو ندب ، والتقرّب إلى الله تعالى.

ويجوز أن يتولّاها عنه الذابح ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه كغيره من الأفعال.

مسألة ٥٩٠ : وتختصّ الإبل بالنحر ، فلا يجوز ذبحها ، والبقر والغنم بالذبح ، فلا يجوز نحرها‌؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ منحور مذبوح حرام ،

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) في المصدر : ولم نقدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨ / ٨٠١ وفيه : عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن أعين قال : تمتّعنا ، إلى آخره.

(٤) البيّنة : ٥.

٢٤٩

وكلّ مذبوح منحور حرام »(١) .

ويستحب أن يتولّى الحاجّ بنفسه الذبح أو النحر ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نحر هديه بنفسه(٢) .

ولما رواه العامّة عن غرفة بن الحارث الكندي ، قال : شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع واُتي بالبُدْن ، فقال : ( ادع لي أبا حسن ) فدُعي له عليعليه‌السلام ، فقال : ( خُذْ بأسفل الحربة ) وأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأعلاها ، ثم طعنا بها البُدْن(٣) . وإنّما فعلا ذلك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أشرك عليّاًعليه‌السلام في هديه(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « وكان الهدي الذي جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء عليعليه‌السلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منها ستّاً وستّين ، ونحر عليعليه‌السلام أربعاً وثلاثين »(٥) .

وفي رواية : « ساق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة بدنة ، فجعل لعليُّعليه‌السلام منها أربعاً وثلاثين ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً طبخها في قدر ، وأكلا منها وتحسّيا من المرق ، وافتخر عليعليه‌السلام على أصحابه وقال : مَنْ فيكم مثلي وأنا شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هديه؟ مَنْ فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هديي بيده؟ »(٦) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٥.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٤٩ / ١٧٦٦.

(٤) المصادر في الهامش (٢).

(٥) التهذيب ٥ : ٤٥٧ / ١٥٨٨ ، وفي الكافي ٤ : ٢٤٧ / ٤ بتفاوت يسير.

(٦) الفقيه ٢ : ١٥٣ - ١٥٤ / ٦٦٥.

٢٥٠

ولو لم يُحسن الذباحة ، ولّاها غيره ، واستحبّ له أن يجعل يده مع يد الذابح ، وينوي الذابح عن صاحبها ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه. ويستحب له أن يذكره بلسانه ، فيقول بلسانه : أذبح عن فلان بن فلان ، عند الذبح ، والواجب القصد بالنيّة.

ولو نوى بقلبه عن صاحبها وأخطأ فتلفّظ بغيره ، كان الاعتبار بالنيّة ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها ، أتجزئ عن صاحب الضحيّة؟ فقال : « نعم إنّما له ما نوى »(١) .

مسألة ٥٩١ : يستحب نحر الإبل قائمة من الجانب الأيمن‌ قد رُبطت يدها ما بين الخفّ إلى الركبة ثم يطعن في لبَّتها ، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر(٢) - لقوله تعالى :( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (٣) .

وقال المفسّرون في قوله تعالى :( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٤) : أي قياماً(٥) .

وما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها(٦) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٦ / ١٤٦٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٨ بتفاوت يسير.

(٢) أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٨٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٥٩ ، المجموع ٩ : ٨٥ ، المغني ٣ : ٤٦٢ و ١١ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥١ و ١١ : ٥٤.

(٣ و ٤ ) الحجّ : ٣٦.

(٥) تفسير الطبري ١٧ : ١١٨ ، مجمع البيان ٤ : ٨٦ ، تفسير القرطبي ١٢ : ٦١.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٤٩ / ١٧٦٧.

٢٥١

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الصباح الكناني : سألت الصادقعليه‌السلام : كيف تُنحر البدنة؟ قال : « تُنحر وهي قائمة من قِبَل اليمين »(١) .

وعن أبي خديجة قال : رأيت الصادقعليه‌السلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى ، ثم يقوم من جانب يدها اليمنى ويقول : « بسم الله والله أكبر ، هذا منك ولك ، اللّهم تقبّل منّي » ثم يطعن في لبَّتها ثم يخرج السكّين بيده ، فإذا وجبت جنوبها قطع موضع الذبح بيده(٢) .

وهذا القيام مستحب لا واجب إجماعاً.

ولو خاف نفورها ، أناخها ونحرها باركةً.

مسألة ٥٩٢ : يجب توجيه الذبيحة إلى القبلة ، خلافاً للعامّة(٣) ، وسيأتي في موضعه. ويستحب الدعاء بالمنقول. ويمرّ السكّين ، ولا ينخعها حتى تموت.

وتجب التسمية عند علمائنا ؛ لقوله تعالى :( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٤) وقوله تعالى :( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٥) .

ولو نسي التسمية ، حلّ أكله ؛ لرواية ابن سنان - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « إذا ذبح المسلم ولم يسمّ ونسي فكُلْ من ذبيحته وسمّ الله على ما تأكل »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٨ ، وفي التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٤ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٥ بتفاوت يسير.

(٣) المغني ٣ : ٤٦٣ ، المجموع ٨ : ٤٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٨٠.

(٤) الحجّ : ٣٦.

(٥) الأنعام : ١٢١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٧.

٢٥٢

مسألة ٥٩٣ : يجب النحر أو الذبح في هدي التمتّع بمنى‌ ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( منى كلّها منحر )(١) والتخصيص بالذكر يدلّ على التخصيص في الحكم.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر ، فقال : « إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى »(٢) .

وقال أكثر العامّة : إنّه مستحب ، وإنّ الواجب نحره بالحرم - وقال بعض العامّة : لو ذبحه في الحِلّ وفرّقه في الحرم ، أجزأه(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( كلّ منى منحر ، وكلّ فجاج مكّة منحر وطريق)(٤) (٥) .

ونحن نقول بموجبه ؛ لأنّ بعض الدماء ينحر بمكّة ، وبعضها ينحر بمنى.

ولو ساق هدياً في الحجّ ، نحره أو ذبحه بمنى ، وإن كان قد ساقه في العمرة ، نحره أو ذبحه بمكّة قبالة الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لأنّ‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ / ١٩٣٥ و ١٩٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٣ / ٣٠٤٨ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٨.

(٣) فتح العزيز ٨ : ٨٦.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ - ١٩٤ / ١٩٣٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٣ / ٣٠٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٦ بتفاوت يسير ، ونصّه في المغني والشرح الكبير. اُنظر الهامش التالي.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ٨ : ٨٦ ، المجموع ٨ : ١٩٠.

٢٥٣

شعيب العقرقوفي سأل الصادقَعليه‌السلام : سُقْتُ في العمرة بدنةً فأين أنحرها؟ قال : « بمكّة » قلت: فأيّ شي‌ء اُعطي منها؟ قال : « كُلْ ثلثاً واهد ثلثاً وتصدّق بثلث »(١) .

وأمّا ما يلزم المـُحْرم من فداءٍ عن صيدٍ أو غيره ، يذبحه أو ينحره بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنى إن كان حاجّاً ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢) وقال تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٣) في جزاء الصيد.

وقال أحمد : يجوز في موضع السبب - وقال الشافعي : لا يجوز إلّا في الحرم(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبيّة(٥) ، ولم يأمره ببعثه إلى الحرم(٦) .

وروى الأثرم وأبو إسحاق الجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر ، قال : كنت مع عليّ والحسين بن عليّعليهما‌السلام ، فاشتكى حسين بن عليّعليهما‌السلام بالسقيا ، فأومأ بيده إلى رأسه ، فحلقه عليعليه‌السلام ، ونحر عنه جزوراً بالسقيا(٧) .

وأمْرُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبيّة لا يستلزم الذبح بها. ونمنع الرواية الثانية.

وما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه به ، وبه قال الشافعي‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٠٢ / ٦٧٢.

(٢) الحجّ : ٣٣.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٨٧ - ٨٨ ، المغني ٣ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٢ / ١٨٥٦.

(٦) المغني ٣ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٨٧ - ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

٢٥٤

وأحمد(١) .

وقال مالك وأبو حنيفة : إذا ذبحها في الحرم ، جاز تفرقة لحمها في الحِلّ(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه أحد مقصودي النسك ، فلم يجز في الحِلّ ، كالذبح. ولأنّ المقصود من ذبحه بالحرم التوسعةُ على مساكينه ، وهذا لا يحصل بإعطاء غيرهم. ولأنّه نسك يختصّ بالحرم ، فكان جميعه مختصّاً به ، كالطواف وسائر المناسك.

مسألة ٥٩٤ : وقت استقرار وجوب الهدي إحرام المتمتّع بالحجّ‌ - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٤) .

ولأنّ المجعول غاية يكفي وجود أوّله ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٥) .

وقال مالك : يجب إذا وقف بعرفة - وهو قول أحمد في الرواية الاُخرى - لأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ إنّما يحصل بعد وجود الحجّ منه ، ولا يحصل ذلك إلّا بالوقوف ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحجّ عرفة )(٦) .

____________________

(١) فتح العزيز ٨ : ٨٦ ، المغني ٣ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٣.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) البقرة : ١٨٧.

(٦) سنن الترمذي ٣ : ٢٣٧ / ٨٨٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ١٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٦٤ و ٢ : ٢٧٨.

٢٥٥

ولأنّه قبل ذلك معرَّض للفوات ، فلا يحصل التمتّع(١) .

وقال عطاء : يجب إذا رمى جمرة العقبة - وهو مروي عن مالك - لأنّه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه(٢) .

ونمنع كون التمتّع إنّما يحصل بالوقوف ، بل بالإحرام يتلبّس بالحجّ.

على أنّ قولهعليه‌السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه(٣) ، يُعطي التلبّس به من أوّل أفعال العمرة.

والتعريض للفوات لا يقتضي عدم الإيجاب. وكون وقت الذبح بعد رمي جمرة العقبة لا يستلزم كون وقت وجوبه ذلك.

إذا عرفت هذا ، فوقت ذبحه أو نحره يوم النحر - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نحر يوم النحر وكذا أصحابه(٥) ، وقالعليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٦) .

ولأنّ ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه الاُضحية ، فلا يجوز فيه ذبح هدي التمتّع كقبل التحلّل من العمرة.

أمّا مَنْ ساق هدياً في العشر ، فإن كان قد أشعره أو قلّده ، فلا ينحره‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المجموع ٧ : ١٨٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ - ٤٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٨ ، المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

٢٥٦

إلّا بمنى يوم النحر ، وإن لم يكن قد أشعره ولا قلّده ، فإنّه ينحره بمكّة إذا قدم في العشر ؛ لما رواه مسمع - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا دخل بهديه في العشر ، فإن كان أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم النحر بمنى ، وإن لم يقلّده ولم يشعره فينحره بمكّة إذا قدم في العشر »(١) .

وكذا لو كان تطوّعاً ، فإنّه ينحره بمكّة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إن كان واجباً نحره بمنى ، وإن كان تطوّعاً نحره بمكّة ، وإن كان قد أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى »(٢) .

ولأنّا قد بيّنّا أنّ الذبح إنّما يجب بمنى ، وهو إنّما يكون يوم النحر.

وقال عطاء وأحمد في رواية : يجوز له نحره في شوّال ، وإن قدم في العشر ، لم ينحره إلّا بمنى يوم النحر(٣) .

وقال الشافعي : يجوز نحره بعد الإحرام قولاً واحداً ، وفيما قبل ذلك بعد حلّه من العمرة قولان:

أحدهما : المنع ؛ لأنّ الهدي يتعلّق به عمل البدن ، وهو تفرقة اللحم ، والعبادات البدنية لا تُقدّم على وقت وجوبها.

وأصحّهما عندهم : الجواز ؛ لأنّه حقٌّ ماليّ تعلّق بشيئين : الفراغ من العمرة والشروع في الحجّ ، فإذا وجد أحدهما ، جاز إخراجه ، كالزكاة.

ولا خلاف بين الشافعية في أنّه لا يجوز تقديمه على العمرة(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٧ / ٧٩٩ بتفاوت يسير وتقديم وتأخير في بعض الألفاظ.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٨ بتفاوت.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٦٨ - ١٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٥١ - ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

٢٥٧

مسألة ٥٩٥ : أيّام النحر بمنى أربعة أيّام : يوم النحر وثلاثة بعده ، وفي غيرها من الأمصار ثلاثة أيام : يوم النحر ويومان بعده - وبه قال عليعليه‌السلام ، والحسن وعطاء والأوزاعي والشافعي وابن المنذر(١) - لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أيّام [ التشريق ](٢) كلّها منحر )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : « أربعة أيّام » وسألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال : « ثلاثة أيّام » فقلت : ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين ، إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ قال : « نعم »(٤) .

وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد : في الأمصار يوم واحد ، وبمنى ثلاثة(٥) .

وقال أحمد : يوم النحر ويومان بعده - وبه قال مالك والثوري ، وروي عن ابن عباس وابن عمر - لأنّ اليوم الرابع لا يصلح للرمي ، فلا يصلح للذبح(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٩٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : « العشر » وما أثبتناه من المصدر ، وكما في منتهى المطلب - للمصنّفرحمه‌الله - ٢ : ٧٣٩.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ و ٩ : ٢٩٦ ، وفي الموضعين منه : « ذبح » بدل « منحر ».

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣ / ٦٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٤ / ٩٣٠.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠.

(٦) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٩٩.

٢٥٨

والملازمة ممنوعة.

فرعان :

أ : يجب تقديم الذبح على الحلق بمنى‌ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح »(١) .

ولو أخّره ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ، ولو كان عامداً ، أثم وأجزأ ، وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجّة جاز.

ب : قال أكثر فقهاء العامّة : يجزئ ذبح الهدي في الليالي المتخلّلة‌ لأيّام النحر(٢) .

البحث الثالث : في صفات الهدي.

مسألة ٥٩٦ : يجب أن يكون الهدي من بهيمة الأنعام : الإبل أو البقر أو الغنم ، إجماعاً.

قال تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) (٣) .

وأفضله البُدْن ثم البقر ثم الغنم ؛ لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة )(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٧ ، وفيه : « تبدأ » التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٩.

(٢) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٧ - ٥٥٨ ، المجموع ٨ : ٣٩١.

(٣) الحجّ : ٢٨.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٣ - ٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٢ / ٨٥٠ ، الموطّأ ١ : ١٠١ / ١.

٢٥٩

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - في المتمتّع : « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة »(١) .

ولأنّ الأكثر لحما أكثر نفعا ، ولهذا أجزأت البدنة عن سبع شياه.

مسألة ٥٩٧ : ولا يجزئ في الهدي إلّا الجذع من الضأن والثنيّ من غيره‌. والجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر ، وثنيّ المعز والبقر ما لَه سنة ودخل في الثانية ، وثنيّ الإبل ما لَه خمس ودخل في السادسة - وبه قال مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي(٢) - لما رواه العامّة عن اُم بلال بنت هلال عن أبيها أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يجوز الجذع من الضأن أضحية )(٣) .

وعن أبي بردة بن نيار(٤) ، قال : يا رسول الله إنّ عندي عناقاً جذعاً هي خيرٌ من شاتَيْ لحم؟ فقال : ( تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « يجزئ من الضأن الجذع ، ولا يجزئ من المعز إلّا الثنيّ »(٦) .

وسأل حمّادُ بن عثمان الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن أدنى ما‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٧ ، وفيه : « وأخفضه شاة ».

(٢) المغني ٣ : ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٥ ، المجموع ٨ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٢.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٩ / ٣١٣٩ ، مسند أحمد ٦ : ٣٦٨.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : أبي بردة بن يسار. وما أثبتناه هو الصحيح وكما في المصادر.

(٥) المغني ٣ : ٥٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٦ / ٢٨٠٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٢٣ بتفاوت في اللفظ فيهما.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٦ / ٦٨٩.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460