تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190631 / تحميل: 5453
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

النبيعليه‌السلام ، حتى بدت أنيابه ، ثم قال : ( اذهب وأطعم عيالك )(١) .

ونحوه من طريق الخاصة(٢) .

وقال النخعي والشعبي وسعيد بن جبير وقتادة : لا كفّارة عليه(٣) .

وهو خرق الإِجماع ، فلا يلتفت إليه.

إذا عرفت هذا ، فقد أجمع العلماء على وجوب القضاء مع الكفّارة ، إلّا الأوزاعي ؛ فإنّه حكي عنه أنّه إن كفّر بالعتق أو الإِطعام ، قضى ، وإن كفّر بالصيام ، لم يقض ؛ لأنّه صام شهرين(٤) .

والإِجماع يبطله ، ولا منافاة.

وللشافعي قول : إنّه إذا وجبت الكفّارة ، سقط القضاء ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، لم يأمر الأعرابي بالقضاء(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّهعليه‌السلام ، قال : ( وصُم يوماً مكانه )(٦) .

ولا فرق بين وطء الميتة والحيّة والنائمة والمكرهة والمجنونة والصغيرة والمزني بها.

مسألة ١٥ : ويفسد [ الجماع ] صوم المرأة إجماعاً ، وعليها الكفّارة مع المطاوعة‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤١ - ٤٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ - ٨١ / ٢٤٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨.

(٥) المجموع ٦ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ - ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

٤١

أحد القولين(١) - لأنّها شاركت الرجل في السبب وحكم الإِفطار ، فتشاركه في الحكم الآخر ، وهو وجوب الكفّارة.

ولعموم الروايات ؛ لقول الرضاعليه‌السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »(٢) .

وفي الآخر للشافعي : لا كفّارة عليها - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّ النبيعليه‌السلام أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ، ولم يأمر في المرأة بشي‌ء(٤) .

ولا دلالة فيه ؛ فإنّ التخصيص بالذكر لا يوجبه في الحكم ، ولجواز أن تكون مكرهةً.

فروع :

أ - لو أكره زوجته على الجماع ، وجب عليه كفّارتان ، ولا شي‌ء عليها ؛ لأنّه هتك يصدر من اثنين ، وقد استقلّ بإيجاده ، فعليه ما يوجبه من العقوبة ، وهي الكفّارتان.

وخالف الجمهور ، فقالوا : تسقط عنها وعنه ؛ لصحة صومها(٥) .

وهو لا ينافي وجوب الكفّارة ، وللرواية(٦) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

(٣) المغني ٣ : ٦١ - ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٥) اُنظر : المغني ٣ : ٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥.

٤٢

ولا قضاء عليها عندنا.

وقال أصحاب الرأي : يجب عليها القضاء. وهو قول الثوري والأوزاعي(١) .

وقال مالك : يجب على المكرهة القضاء والكفّارة(٢) .

وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر : إن كان الإِكراه بوعيد حتى فعلت ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن كان إلجاءً ، لم تفطر ، والنائمة كالملجَأة(٣) .

ب - لو وطأ المجنون ، فإن طاوعته ، فعليها كفّارة واحدة عنها ، وإن أكرهها ، فلا كفّارة على أحدهما.

ج - لو زنى بامرأة ، فإن طاوعته ، فكفّارتان عليهما معاً ، وإن أكرهها ، فعليه كفّارة.

قال الشيخ : ولا يجب عنها شي‌ء ؛ لأنّ حمله على الزوجة قياس(٤) .

وهو مشكل ؛ لأنّ الفاحشة هنا أشدّ.

د - لو أكرهته على الجماع ، فعليها كفّارة عن نفسها ، ولا شي‌ء عليه ولا عليها عنه ؛ لأنّ القابل أقلّ في التأثير من الفاعل.

مسألة ١٦ : لو وطأ امرأته أو أجنبيةً في دُبرها فأنزل ، وجب عليه القضاء والكفّارة إجماعاً‌ ، وإن لم ينزل فكذلك - وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة في رواية(٥) - لأنّه أفسد صوم رمضان بجماع في فرج ، فوجب عليه الكفّارة ، كالقُبُل.

____________________

(١و٢) المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٣) المجموع ٦ : ٣٣٦ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٥.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨‌

٤٣

ولأنّهعليه‌السلام أمر مَن قال : واقعت أهلي ، بالقضاء والكفّارة(١) ، ولم يستفصله مع الاحتمال ، فيكون عاماً.

وفي رواية عن أبي حنيفة : لا كفّارة ؛ لعدم تعلّق الحدّ به(٢) .

وهو ممنوع ، وأيضاً لا ملازمة ، كالأكل.

فروع :

أ - لو وطأ غلاماً فأنزل ، لزمته الكفّارة ، وكذا إذا لم ينزل - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وطأ عمداً وطءً يصير به جُنباً ، فوجبت الكفّارة.

وقال أبو حنيفة : لا كفّارة(٤) .

ب - لو وطأ في فرج بهيمة فأنزل ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن لم ينزل قال الشيخ : لا نص فيه ، ويجب القول بالقضاء ؛ لأنّه مجمع عليه دون الكفّارة(٥) .

ومنع ابن إدريس القضاء(٦) أيضاً.

وقال بعض العامة : تجب به الكفّارة ؛ لأنّه وطء في فرج موجب للغسل ، مفسد للصوم ، فأشبه وطء الآدمية(٧) .

ج - إن أوجبنا الكفّارة على الواطئ دُبُراً ، وجب على المفعول ؛ لاشتراكهما في السبب ، وهو : الهتك.

____________________

(١) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٤٠ الهامش (٦).

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٤) المغني : ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣.

(٥) الخلاف ٢ : ١٩١ ، المسألة ٤٢.

(٦) السرائر : ٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣.

٤٤

مسألة ١٧ : لو أنزل عند الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل ، أو استمنى بيده ، لزمه القضاء والكفّارة‌ ، وكذا لو وطأ فيما دون الفرجين فأنزل - وبه قال مالك وأبو ثور(١) - لأنّه أجنب مختاراً متعمّداً ، فكان كالمجامع.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر المفطر بالكفّارة(٢) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام ، سئل عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع »(٣) .

وعن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق ، قال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً أو يُعتق رقبة »(٤) .

وعن الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في(٥) رمضان فيسبقه الماء فينزل ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع(٦) »(٧) .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : عليه القضاء دون الكفّارة(٨) .

وقال أحمد : تجب الكفّارة في الوطء فيما دون الفرج مع الإِنزال(٩) .

وعنه في القُبلة واللمس روايتان(١٠) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٢) اُنظر : المصادر في الهامش (١) من الصفحة ٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٨١ / ٢٤٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١.

(٥) في المصدر زيادة : قضاء شهر.

(٦) في المصدر زيادة : في رمضان.

(٧) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٣.

(٨) المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٥.

(٩) المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(١٠) الشرح الكبير ٣ : ٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٤٢.

٤٥

فروع :

أ - لو نظر أو تسمّع لكلام أو حادث فأمنى ، لم يفسد صومه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لعدم تمكّنه من الاحتراز عن النظرة الاُولى.

أمّا لو كرّر النظر حتى أنزل ، فالوجه : الإِفساد.

وقال الشيخ : إن نظر إلى محلّلة ، لم يلزمه شي‌ء بالإِمناء ، وإن نظر إلى محرَّمة ، لزمه القضاء(٢) .

وقال مالك : إن أنزل من النظرة الاُولى ، أفطر ولا كفّارة ، وإن استدام النظر حتى أنزل ، وجبت عليه الكفّارة(٣) . وهو جيّد.

ب - قال أبو الصلاح : لو أصغى فأمنى ، قضاه(٤) .

ج - لو قبّل أو لمس فأمذى ، لم يفطر - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّه خارج لا يوجب الغسل ، فأشبه البول.

وقال أحمد : يفطر ، لأنّه خارج تخلّله الشهوة ، فإذا انضمّ إلى المباشرة أفطر به ، كالمني(٦) .

والفرق : أنّ المني يلتذّ بخروجه ويوجب الغسل ، بخلافه.

د - لو تساحقت امرأتان ، فإن لم تنزلا ، فلا شي‌ء سوى الإِثم ، وإن أنزلتا ، فسد صومهما.

والوجه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه إنزال عن فعل يوجب الحدّ ، فأشبه الزنا.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢ - ٢٧٣.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٢٢.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٥) المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣.

(٦) المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

٤٦

وعن أحمد روايتان(١) .

ولو ساحق المجبوب فأنزل ، فكالمجامع في غير الفرج.

ه - لو طلع الفجر وهو مجامع فاستدامه ، وجب القضاء والكفّارة‌ - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(٢) - لصدق المجامع عليه.

وقال أبو حنيفة : يجب القضاء خاصة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع(٣) .

ونمنع حكم الأصل.

و - لو نزع في الحال مع أول طلوع الفجر من غير تلوّم ، لم يتعلّق به حكم ، إلّا أن يُفرّط بترك المراعاة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(٤) - لأنّه ترك للجماع ، فلا يتعلّق به حكم الجماع.

وقال بعض الجمهور : تجب الكفّارة ، لأنّ النزع جماع يلتذّ به ، فيتعلّق به ما يتعلّق بالاستدامة(٥) .

وليس بحثنا فيه ، بل مع عدم التلذّذ.

وقال مالك : يبطل صومه ولا كفّارة ؛ لأنّه لا يقدر على أكثر ممّا فعله في ترك الجماع ، فأشبه المكره(٦) .

ونمنع وجوب القضاء.

مسألة ١٨ : ويجب بالأكل والشرب عامداً مختاراً في نهار رمضان‌ على‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٦٢ - ٦٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢.

(٢) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٣) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٦ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المجموع ٦ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

٤٧

مَن يجب عليه الصوم : القضاء والكفّارة عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو حنيفة ومالك(١) - لأنّه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه ، فوجب عليه الكفّارة ، كالجماع ؛ لما رواه الجمهور : أنّ رجلاً أفطر ، فأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق »(٣) .

وقال الشافعي : لا تجب الكفّارة ، بل القضاء خاصة - وبه قال سعيد ابن جبير والنخعي ومحمد بن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد وداود - لأصالة البراءة(٤) .

والأصل قد يخالف ؛ للدليل ، وقد بيّناه.

ولا فرق بين الرجل والمرأة والعبد والخنثى في ذلك ، ولا بين أكل المحلَّل والمحرَّم ، ولا المعتاد وغيره ، خلافاً للسيد المرتضى في الأخير(٥) ،

____________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٣٠ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، اختلاف العلماء : ٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ - ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٠١ - ١٠٢ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ - ٣٣٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، اختلاف العلماء : ٧٢ - ٧٣ ، المغني ٣ : ٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٢ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣.

(٥) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

٤٨

ولأبي حنيفة والشافعي(١) .

مسألة ١٩ : ويجب بإيصال الغبار الغليظ والرقيق إلى الحلق عمداً : القضاء والكفّارة عند علمائنا‌ ؛ لأنّه مفسد واصل الى الجوف ، فأشبه الأكل.

وما رواه سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحةً غليظةً أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب »(٢) .

مسألة ٢٠ : لو أجنب ليلاً ، وتعمّد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن أصبح جنباً في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً»(٤) .

وقال ابن أبي عقيل منّا : عليه القضاء خاصة. وهو ظاهر كلام السيد المرتضى(٥) ، وبه قال أبو هريرة والحسن البصري وسالم بن عبد الله والنخعي وعروة وطاوس(٦) .

____________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ - ٣٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٥ ، وفيهما : سليمان بن حفص المروزي.

(٣) أورده السيد المرتضى في الانتصار : ٦٣ ، والمحقق في المعتبر : ٣٠٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٢.

(٥) اُنظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥.

(٦) المغني ٣ : ٧٨ - ٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢.

٤٩

وقال الجمهور : لا قضاء ولا كفّارة ، وصومه صحيح(١) ، لقوله تعالى :( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٢) .

وما رووه عن النبيعليه‌السلام ، أنّه كان يُصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصومه(٣) .

والجواب : لا يجب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الغاية.

والرواية ممنوعة ، على أنّها محمولة على أنّه كان يقارب بالاغتسال طلوع الفجر ، لا أنّه يفعله بعده ، وإلّا لكان مداوماً لترك الأفضل وهو الصلاة في أول وقتها ؛ فإنّ قولنا : كان يفعل ، يدلّ على المداومة.

تذنيب : لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة‌ ؛ لأنّه مع ترك العزم على الغسل يسقط اعتبار النوم ، ويصير كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.

ولو نام على عزم الاغتسال ثم نام ثم انتبه ثانياً ثم نام ثالثاً على عزم الاغتسال ، واستمرّ نومه في الثالث حتى أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة أيضاً ؛ لرواية سليمان بن جعفر المروزي عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه »(٤) وهو يتناول صورة النزاع.

مسألة ٢١ : أوجب الشيخان بالارتماس القضاء والكفّارة(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ، المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٢.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٣ ، وفي الأول : سليمان بن حفص المروزي.

(٥) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠.

٥٠

واختار السيد المرتضى -رحمه‌الله - الكراهية ، ولا قضاء ولا كفّارة فيه(١) ، وبه قال مالك وأحمد(٢) .

وللشيخ قول في الاستبصار : إنّه محرَّم لا يوجب قضاءً ولا كفّارةً(٣) .

وهو الأقوى ؛ لدلالة الأحاديث(٤) على المنع ، وأصالة البراءة(٥) على سقوط القضاء والكفّارة.

وقال ابن أبي عقيل : إنّه سائغ مطلقاً. وبه قال الجمهور(٦) ، إلّا مَن تقدّم.

مسألة ٢٢ : أوجب الشيخان القضاء والكفّارة بتعمّد الكذب على الله تعالى‌ ، أو على رسوله ، أو على الأئمّةعليهم‌السلام (٧) .

وخالف فيه السيد المرتضى(٨) ، وابن أبي عقيل ، والجمهور(٩) كافّة ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة.

احتجّ الشيخان : برواية أبي بصير ، قال : سمعت الصادقعليه‌السلام ، يقول : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال : قلت : هلكنا ، قال :

____________________

(١) حكاه عنه ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

(٢) حكاه عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢.

(٣) الاستبصار ٢ : ٨٥.

(٤) اُنظر : الكافي ٤ : ١٠٦ / ١ - ٣ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٧ و ٥٨٨ ، والاستبصار ٢ : ٨٤ / ٢٥٨ - ٢٦٠.

(٥) أي : ولدلالة أصالة البراءة

(٦) المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٤٨.

(٧) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠.

(٨) جُمل العلم والعلم ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٢.

(٩) كما في المعتبر : ٣٠٢.

٥١

« ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى الأئمّةعليهم‌السلام »(١) .

والإِفطار يستلزم الكفّارة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما يطيق »(٢) .

وهي محمولة على المفطرات الخاصة ، والحديث الأول اشتمل على ما هو ممنوع عندهم ، وهو : نقض الوضوء ، فيحمل على المبالغة.

مسألة ٢٣ : والقضاء الواجب هو يوم مكان يوم خاصة عند عامة العلماء(٣) .

وحكي عن ربيعة أنّه قال : يجب مكان كلّ يوم اثنا عشر يوماً(٤) .

وقال سعيد بن المسيب : إنّه يصوم عن كلّ يوم شهراً(٥) .

وقال إبراهيم النخعي ووكيع : يصوم عن كلّ يوم ثلاثة آلاف يوم(٦) .

والكلّ باطل ؛ لقولهعليه‌السلام للمجامع : ( وصُم يوماً مكانه )(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « ويصوم يوماً بدل يوم »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٥٤ / ٩ ، معاني الأخبار : ١٦٥ ، باب معنى قول الصادقعليه‌السلام : الكذبة تفطر الصائم ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٠١ - ١٠٢ باب من أفطر متعمّداً من غير عذر الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٣) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩.

(٤) كما في المغني ٣ : ٥٢ ، وحلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٥ و ٦ ) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

٥٢

مسألة ٢٤ : والكفّارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً على التخيير عند أكثر علمائنا‌(١) ، وبه قال مالك(٢) ؛ لما رواه أبو هريرة : أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً »(٤) و « أو » للتخيير.

وقال ابن أبي عقيل : إنّها على الترتيب - وبه قال أبو حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي(٥) - لقولهعليه‌السلام للواقع على أهله : ( هل تجد رقبة تعتقها؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ )(٦) .

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »(٧) .

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٤ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ ، والجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢١٢ ، وسلّار في المراسم : ١٨٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٨٦.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٢ و ٧٨٣ / ٨٣ و ٨٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ٩٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤١ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

٥٣

ولا دلالة ؛ لأنّ إيجاب الرقبة لا ينافي التخيير بينها وبين غيرها ، وإيجاب العتق لا ينافي إيجاب غيره.

وقال الحسن البصري : إنّه مخيّر بين عتق رقبة ونَحر بدنة(١) ؛ لما رواه العامة عن جابر بن عبد الله عن النبيعليه‌السلام ، أنّه قال : « مَن أفطر يوماً في شهر رمضان في الحضر فليُهد بدنة ، فإن لم يجد فليُطعم ثلاثين صاعاً »(٢) .

ورواية ضعيف فلا يعوّل عليه.

وللسيد المرتضى -رحمه‌الله - قولان : أحدهما : أنّها على الترتيب ، والثاني: أنّها على التخيير(٣) .

وعن أحمد روايتان(٤) .

والتخيير عندنا أولى ؛ لموافقة براءة الذمّة.

تذنيب :

الأولى الترتيب‌ ؛ لما فيه من الخلاص عن الخلاف ، ولاشتماله على العتق الذي هو أفضل الخصال.

مسألة ٢٥ : صوم الشهرين متتابع عند علمائنا أجمع‌ - وهو قول عامة أهل العلم(٥) - لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ النبيعليه‌السلام ، قال لِمَنْ واقَعَ أهلَه : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )(٦) .

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ١٩١ / ٥٤.

(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٦ ، وفي الانتصار : ٦٩ القول بالتخيير.

(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٦) أوعزنا إلى مصادرها في الهامش (١) من صفحة ٤٠.

٥٤

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « أو يصوم شهرين متتابعين »(١) .

ولأنّها كفّارة فيها صوم شهرين ، فكان متتابعاً ، كالظهار والقتل(٢) .

وقال ابن أبي ليلى : لا يجب التتابع(٣) ؛ لما روى أبو هريرة أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يكفِّر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً(٤) . ولم يذكر التتابع ، والأصل عدمه.

وحديثنا أولى ؛ لأنّه لفظ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحديثكم لفظ الراوي ، ولأنّ الأخذ بالزيادة أولى.

مسألة ٢٦ : الواجب في الإِطعام مُدٌّ لكلّ مسكين‌ ، قدره رطلان ورُبع بالعراقي ، والواجب خمسة عشر صاعاً - وبه قال الشافعي وعطاء والأوزاعي(٥) - لما رواه العامة في حديث المـُجامع ، أنّه اُتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بمِكتَل فيه خمسة عشر صاعاً من تَمر ، فقال : ( خُذها وأطعم عيالك )(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الرحمن عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، قال : « عليه خمسة عشر صاعاً ، لكلّ مسكين مُدٌّ بمُدِّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ / ٥٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠ ، والفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨.

(٢) أي : كفّارة الظهار والقتل.

(٣) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ - ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٢ بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١٢ بتفاوت يسير في الأخير.

٥٥

وقال الشيخرحمه‌الله : لكلّ مسكين مُدّان من طعام(١) .

والأصل براءة الذمة.

وقال أبو حنيفة : من البُرّ ، لكلّ مسكين نصفُ صاع ، ومن غيره صاع(٢) ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث سلمة بن صخر : ( وأطعم وَسقاً من تَمر )(٣) .

وهو ضعيف ؛ لأنّه مختلف فيه.

وقال أحمد : مُدٌّ من بُرّ و(٤) نصف صاع من غيره(٥) ؛ لما رواه أبو زيد المدني قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، للمُظاهر : ( أطعم هذا فإنّ مُدَّي شعيرٍ مكان مُدّ بُرٍّ(٦) .

وليس محلّ النزاع.

مسألة ٢٧ : قد بيّنّا أنّ الكفّارة مخيّرة‌ ، وعلى القول بالترتيب لو فقدت الرقبة فصام ثم وجد الرقبة في أثنائه ، جاز له المضيّ فيه ، والانتقال الى الرقبة أفضل ؛ لأنّ فرضه انتقل بعجزه الى الصيام وقد تلبّس به ، فكان الواجب إتمامه ، وسقط وجوب العتق ، كالمتيمّم يسقط عنه الوضوء بشروعه في الصلاة.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧١.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٢٦٥ / ٢٢١٣ ، مسند أحمد ٤ : ٣٧.

(٤) في المصدر : أو. وهو الصحيح.

(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٦.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٢.

٥٦

ولأنّه بعد الرقبة(١) تعيّن عليه الصوم ، فلا يزول هذا الحكم بوجود الرقبة ، كما لو وجدها بعد إكمال الصوم.

وقال أبو حنيفة والمزني : لا يجزئه الصوم ، ويكفّر بالعتق - وللشافعي قولان(٢) - لأنّه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل ، فيبطل حكم البدل ، كالمتيمّم يرى الماء(٣) .

وليس حجّةً ؛ فإنّ المتيمّم بعد الدخول في الصلاة يمضي فيها ، ولا يبطل تيمّمه ، أمّا قبلها(٤) فلا ، والفرق : أنّه لم يتلبّس بما فعل التيمّم له ، فلم يظهر له حكم.

ولأنّ التيمّم لا يرفع الحدث بل يستره ، فإذا وجد الماء ، ظهر حكمه ، بخلاف الصوم ؛ فإنّه يرفع حكم الجماع بالكلية.

مسألة ٢٨ : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً‌ ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما وجد ، أو صام ما استطاع ، فإن لم يتمكّن ، استغفر الله تعالى ولا شي‌ء عليه ، قاله علماؤنا ؛ لما رواه العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال للمجامع : ( اذهب فكُله أنت وعيالك )(٥) ولم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال ، ولو كان الوجوب ثابتاً في ذمته ، لأمَره بالخروج عنه عند قدرته.

ومن طريق الخاصة : قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فخُذه فأطعمه عيالك واستغفر الله عزّ وجل )(٦) .

____________________

(١) أي : بعد فقدان الرقبة.

(٢) المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، الاُم ٥ : ٢٨٣ ، مختصر المزني : ٢٠٦ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٠ : ٥٠٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٩٨ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، مختصر المزني : ٢٠٦.

(٤) في « ف » : قبله.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ - ٧٨٢ / ١١١١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ - ٨١ / ٢٤٥ ، والكافي ٤ : ١٠٢ / ٢.

٥٧

ولأنّ الكفّارة حقٌّ من حقوق الله تعالى على وجه البدل ، فلا يجب مع العجز ، كصدقة الفطر.

وقال الزهري والثوري وأبو ثور : إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة ، كانت الكفّارة ثابتةً في ذمّته - وهو قياس قول أبي حنيفة(١) - لأنّ النبيعليه‌السلام ، أمَر الأعرابي أن يأخذ التمر ويكفّر عن نفسه ، بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة ، وهو يقتضي وجوب الكفّارة مع العجز.

ولأنّه حقُّ لله تعالى في المال ، فلا يسقط بالعجز ، كسائر الكفّارات(٢) .

وليس حجّةً ؛ لأنّهعليه‌السلام ، دفع ( التمر )(٣) تبرّعاً منه ، لا أنّه واجب على العاجز. وحكم الأصل ممنوع.

وقال الأوزاعي : تسقط الكفّارة عنه(٤) . وللشافعي قولان(٥) . وعن أحمد روايتان(٦) .

فروع :

أ - حدّ العجز عن التكفير : أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلاً عن قوته وقوت عياله ذلك اليوم.

ب - لا يسقط القضاء بسقوط الكفّارة مع العجز ، بل يجب القضاء مع القدرة عليه ، فإن عجز أيضاً عنه ، سقط ؛ لعدم الشرط ، وهو : القدرة.

ج - اختلفت عبارة الشيخين هنا ، فقال المفيدرحمه‌الله : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً متتابعات ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : البُرّ. والصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٧٢.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٦) المغني ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢.

٥٨

أطاق ، أو فليصُم ما استطاع(١) . فجعل الصدقة مرتّبةً على العجز عن صوم ثمانية عشر.

والشيخ -رحمه‌الله - عكس ، فقال : إن لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة فليتصدّق بما تمكّن منه ، فإن لم يتمكّن من الصدقة ، صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر ، صام ما تمكّن منه(٢) .

د - أطلق الشيخ -رحمه‌الله - صوم ثمانية عشر يوماً(٣) .

والمفيد والمرتضى - رحمهما الله - قيّداها بالتتابع(٤) .

ورواية سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسنعليه‌السلام ، من قوله : « إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار وكفّارة اليمين »(٥) يدلّ على قول الشيخرحمه‌الله تعالى.

ه- لو عجز عن صيام شهرين ، وقدر على صوم شهر مثلاً ، ففي وجوبه أو الاكتفاء بالثمانية عشر يوماً إشكال.

أمّا في الصدقة ، فلو عجز عن إطعام ستين ، وتمكّن من إطعام ثلاثين ، وجب قطعاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فإن لم يتمكّن تصدّق بما استطاع )(٦) .

وكذا الإِشكال لو تمكّن من صيام شهر وإطعام ثلاثين هل يجبان أم لا؟

مسألة ٢٩ : وإنّما تجب الكفّارة في صوم تعيّن وقته إمّا بأصل الشرع ، كرمضان ، أو بغيره ، كالنذر المعيّن‌ ، وتجب أيضاً في قضاء رمضان بعد الزوال‌

____________________

(١) المقنعة : ٥٥.

(٢ و ٣ ) النهاية : ١٥٤.

(٤) المقنعة : ٥٥ ، جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ / ٣٨٢.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر الحديثية لأبناء العامّة ، ونحوه من طريق الخاصة عن الإِمام الصادقعليه‌السلام ، في الكافي ٤ : ١٠١ و ١٠٢ / ١ و ٣ والفقيه ٢ : ٧٢ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٥ و ٢٠٦ / ٥٩٤ و ٥٩٦ ، والاستبصار ٢ : ٩٥ و ٩٦ / ٣١٠ و ٣١٣.

٥٩

لا قبله ، وفي الاعتكاف عند علمائنا.

وأطبقت العلماء على سقوط الكفّارة فيما عدا رمضان(١) ، إلّا قتادة ؛ فإنّه أوجب الكفّارة في قضاء رمضان(٢) .

أمّا قضاء رمضان : فلأنّه عبادة تجب الكفّارة في أدائها ، فتجب في قضائها كالحجّ.

ولما رواه بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال ، فلا شي‌ء عليه إلّا يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين »(٣) .

وأمّا النذر المعيّن : فلتعيّن زمانه كرمضان.

ولأنّ القاسم الصيقل كتب اليهعليه‌السلام : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً لله تعالى ، فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة؟

فأجابه : « يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة »(٤) .

وأمّا الاعتكاف الواجب : فلأنّه كرمضان في التعيين.

ولأنّ زرارة سأل الباقرعليه‌السلام عن المعتكف يجامع ، فقال : « إذا فعل فعليه ما على المظاهر»(٥) .

مسألة ٣٠ : قد بيّنا أنّه فرقٌ بين أن يفطر في قضاء رمضان قبل الزوال وبعده‌ ، فتجب الكفّارة لو أفطر بعده ، ولا تجب لو أفطر قبله.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ - ٢٧٩ / ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٦ / ٨٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٩ ( باب المعتكف يجامع أهله ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بعد ذلك من أدنى الحرم. وكذا لو أفرد عن غيره أو تمتّع أو قرن ثم اعتمر من أدنى الحِلّ ، كلّ هذا لا دم عليه ؛ لتركه الإحرام من الميقات بلا خلاف.

وأمّا إن أفرد عن غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحِلّ ، قال الشافعي في القديم : عليه دم(١) .

وقال أصحابه : على هذا لو اعتمر عن غيره ثم حجّ عن نفسه فأحرم بالحجّ من جوف مكّة ، فعليه دم ؛ لتركه الإحرام من الميقات(٢) .

وعندنا أنّه لا دم عليه ؛ للأصل.

ولو اعتمر في أشهر الحجّ ولم يحج في ذلك العام بل حجَّ من العام المقبل مفرداً له عن العمرة ، لم يجب الدم ؛ لأنّه لا يكون متمتّعاً ، وهو قول عامّة العلماء ، إلّا قولاً شاذّاً عن الحسن البصري فيمن اعتمر في أشهر الحجّ فهو متمتّع حجَّ أو لم يحجّ(٣) .

وأهل العلم كافّة على خلافه ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (٤) وهو يقتضي الموالاة بينهما.

ولأنّ الإجماع واقع على أنّ من اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم حجَّ من عامه ذلك ، فليس بمتمتّع ، فهذا أولى ؛ لكثرة التباعد بينهما.

مسألة ٥٨٢ : قد بيّنّا أنّ المتمتّع بعد فراغه من العمرة لا ينبغي له أن يخرج من مكّة حتى يأتي بالحجّ ؛ لأنّه صار مرتبطاً به ؛ لدخولها فيه ؛ لقولهعليه‌السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه(٥) .

____________________

(١ و ٢ ) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٨١ ، المسألة ٥٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ - ٤٧.

٢٤١

وقال الله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (١) .

فلو خرج من مكّة بعد إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه ، صحّ له أن يتمتّع ، ولا يجب عليه تجديد عمرة ، وإن عاد(٢) في غير الشهر ، اعتمر اُخرى ، وتمتّع بالأخيرة ، ووجب عليه الدم بالأخيرة.

ولا يسقط عنه الدم ؛ لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٣) وما تقدّم من الأحاديث الدالّة على صحّة العمرة إن رجع في الشهر الذي خرج فيه ، ووجوب إعادتها إن رجع في غيره ، وعلى التقديرين يجب الدم.

وقال عطاء والمغيرة وأحمد وإسحاق : إذا خرج إلى سفر بعيد تقصر الصلاة في مثله ، سقط عنه الدم ؛ لقول عمر : إذا اعتمر في أشهر الحجّ ثم أقام ، فهو متمتّع ، فإن خرج ورجع ، فليس بمتمتّع(٤) .

وهو محمول على مَنْ رجع في غير الشهر الذي خرج فيه ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقال الشافعي : إن رجع إلى الميقات ، فلا دم عليه(٥) .

وقال أصحاب الرأي : إن رجع إلى مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا(٦) .

وقال مالك : إن رجع إلى مصره أو إلى غيره أبعد من مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا(٧) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) في « ق ، ك ‍» : وإن دخل.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٠٢ و ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ١٤٧ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٦) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٢ ، المغني ٣ : ٥٠٢ - ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

٢٤٢

وقال الحسن : هو متمتّع وإن رجع إلى بلده. واختاره ابن المنذر(١) .

مسألة ٥٨٣ : إنّما يجب الدم على مَنْ أحلّ من إحرام العمرة ، فلو لم يحلّ وأدخل إحرام الحجّ عليها ، بطلت المتعة ، وسقط الدم ، وبه قال أحمد(٢) .

قالت عائشة : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عام حجّة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، فقدمت مكّة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( انقضى رأسك وامتشطي وأهلّي بالحجّ ودعي العمرة ) قالت : ففعلت فلمـّا قضينا الحجّ أرسلنا مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه ، فقال : هذا مكان عمرتك(٣) .

قال عروة : فقضى الله حجّها وعمرتها ولم يكن في شي‌ء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة(٤) .

ولأنّ الهدي إنّما يجب على المتمتّع ، والتقدير بطلان متعته.

أمّا المكّي لو تمتّع وجوّزناه فإنّه يجب عليه الهدي.

ولو دخل الآفاقي متمتّعاً إلى مكّة ناوياً للإقامة بها بعد تمتّعه ، فعليه دم المتعة ، أجمع عليه العلماء ؛ للآية(٥) ، وبالعزم على الإقامة لا يثبت له حكمها.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣٢.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٢٢١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٠ / ١٢١١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٣ / ١٧٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨.

(٤) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ ، وانظر صحيح مسلم ٢ : ٨٧٢ ذيل الحديثين ١١٥ و ١١٧.

(٥) البقرة : ١٩٦.

٢٤٣

ولو كان مولده ومنشؤه بمكّة ، فخرج منتقلاً مقيماً بغيرها ثم عاد إليها متمتّعاً ناوياً للإقامة أو غير ناوٍ لها ، فعليه دم المتعة - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق(١) - لأنّ حضور المسجد الحرام إنّما يحصل بنيّة الإقامة وفعلها ، وهذا إنّما نوى الإقامة إذا فرغ من أفعال الحجّ ؛ لأنّه إذا فرغ من عمرته فهو ناوٍ للخروج إلى الحجّ ، فكأنّه إنّما نوى أن يقيم بعد أن يجب الدم.

مسألة ٥٨٤ : الآفاقي إذا ترك الإحرام من الميقات ، وجب عليه الرجوع إليه والإحرام منه‌ مع القدرة ، فإن عجز ، أحرم من دونه لعمرته ، فإذا أحلّ ، أحرم بالحجّ من عامه وهو متمتّع ، وعليه دم المتعة ، ولا دم عليه لإحرامه من دون الميقات ؛ لأنّه تركه للضرورة.

قال ابن المنذر وابن عبد البرّ : أجمع العلماء على أنّ مَنْ أحرم في أشهر الحجّ بعمرة وأحلّ منها ولم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالاً ثم حجّ من عامه أنّه متمتّع عليه دم المتعة(٢) .

وقال بعض العامّة : إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه وبين مكّة أقلّ من مسافة القصر فأحرم منه ، فلا دم عليه للمتعة ؛ لأنّه من حاضري المسجد الحرام(٣) .

وليس بجيّد ، فإنّ حضور المسجد إنّما يحصل بالإقامة به ونيّة الإقامة ، وهذا لم تحصل منه الإقامة ولا نيّتها.

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٣١ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٨ و ١٣٠ - ١٣١ ، المجموع ٧ : ١٧٥ ، المغني ٣ : ٥٠٤ - ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠ - ٢٥١.

٢٤٤

ولقوله تعالى :( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) وهو يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنى به ، وهذا ليس بساكن.

مسألة ٥٨٥ : الهدي إنّما يجب على المتمتّع‌ ، وهو المـُحْرم بالعمرة في أشهر الحجّ ، فإن أحرم بها في غيرها ، فليس بمتمتّع ، ولا دم عليه إجماعاً لا نعلم فيه خلافاً إلّا قولين نادرين :

أحدهما : قول طاوُس : إذا اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم أقام حتى يحضر الحجّ ، فهو متمتّع(٢) .

والثاني : قول الحسن : من اعتمر بعد النحر فهي عمرة تمتّع(٣) .

قال ابن المنذر : لا نعلم أحداً قال بواحد من هذين القولين(٤) .

أمّا لو أحرم في غير أشهر الحجّ ثم أحلّ منها في أشهره ، فلذلك لا يصحّ له التمتّع بتلك العمرة ، وبه قال أحمد وجابر وإسحاق والشافعي في أحد القولين(٥) .

وقال في الآخر : عمرته في الشهر الذي يطوف فيه. وبه قال الحسن والحكم وابن شبرمة والثوري(٦) .

وقال طاوُس : عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم(٧) .

وقال عطاء : عمرته في الشهر الذي يحلّ فيه. وبه قال مالك(٨) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢ و٣ ) المغني ٣ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٤) المغني ٣ : ٥٠١ - ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٥ - ٧ ) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٨) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٢٨.

٢٤٥

وقال أبو حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحجّ ، فليس بمتمتّع ، وإن طاف الأربعة في أشهر الحجّ ، فهو متمتّع(١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه أتى بنسك لا تتمّ العمرة إلّا به في غير أشهر الحجّ ، فلا يكون متمتّعاً ، كما لو طاف في غير أشهر الحجّ أو طاف دون الأربعة فيها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكّة حتى يحضر الحجّ فعليه شاة ، ومَنْ تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاور حتى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة »(٢) .

مسألة ٥٨٦ : المملوك إذا حجّ بإذن مولاه متمتّعاً ، لم يجب عليه الهدي‌ ولا على مولاه إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٣) .

وفي قول شاذّ للشافعي : يجب على مولاه أن يهدي عنه ؛ لتضمّن إذنه لذلك(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ فرض غير الواجد الصومُ ، ولا فاقد كالعبد.

ولأنّ الحسن العطّار سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أعليه أن يذبح عنه؟ قال : « لا ، لأنّ الله تعالى يقول :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٥) »(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٧ ( باب من يجب عليه الهدي ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٨ / ٩٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٩ / ٩١٣.

(٣) النحل : ٧٥.

(٤) المجموع ٧ : ٥٤.

(٥) النحل : ٧٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٠ / ٦٦٥ ، و ٤٨٢ / ١٧١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٣.

٢٤٦

إذا ثبت هذا ، فإنّ المولى يتخيّر بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، عند علمائنا - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(١) - لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (٢) وبتقدير تمليك المولى يصير موسراً.

ولأنّ جميل بن دراج قال - في الصحيح - : سأل رجلٌ الصادقعليه‌السلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع ، قال : « فمُرْه فليصم وإن شئت فاذبح عنه »(٣) .

وفي الرواية الاُخرى عن أحمد : لا يجزئه الذبح عنه ، ويلزمه الصوم عيناً - [ وبه ](٤) قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي - لأنّه غير مالك ، ولا سبيل له إلى التملّك ، لأنّه لا يملك بالتمليك ، فصار كالعاجز الذي يتعذّر عليه الهدي ، فيلزمه الصوم(٥) .

مسألة ٥٨٧ : الواجب على المملوك من الصوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله‌ ، كالحُرّ - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٦) - لعموم قوله تعالى :( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) (٧) ولأنّه صوم وجب لحلّه من إحرامه قبل إتمامه ، فكان عشرة أيّام ، كصوم الحُرّ.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : يصوم عن كلّ مدّ من قيمة الشاة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٧٠ - ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٠ - ٢٠١ / ٦٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٥.

(٤) أضفناها لأجل السياق.

(٥) المغني ٣ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٨ - ٥٢٩ ، مختصر المزني : ٧٠ ، المجموع ٧ : ٥٤.

(٦) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٧) البقرة : ١٩٦.

٢٤٧

يوماً ، والمعسر في الصوم كالعبد يجب عليه ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجع(١) .

وقال بعض العامّة : يجب لكل مدّ من قيمة الشاة يوم(٢) .

ويبطل بالآية(٣) . وبقول عمر لهبّار بن الأسود : فإن وجدت سعةً فاهد ، وإن لم تجد سعةً فصُمْ ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعت(٤) .

ولو لم يذبح مولى المملوك عنه ، تعيّن عليه الصوم ، ولا يجوز لمولاه منعه عن الصوم ؛ لأنّه صوم واجب ، فلا يحلّ له منعه عنه ، كرمضان.

ولو اُعتق المملوك قبل الوقوف بالموقفين ، أجزأ عن حجّة الإسلام ، ووجب عليه الهدي إن تمكّن ، وإلّا الصوم.

ولو لم يصم العبد إلى أن تمضي أيّام التشريق ، فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه ، ولا يأمره بالصوم ، ولو أمره به ، لم يكن به بأس.

مسألة ٥٨٨ : إنّما يجب الهدي على المتمكّن منه أو من ثمنه‌ إذا وجده بالشراء ، ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي على المتمكّن منه أو من ثمنه إذا وجده بالشراء ، ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي ، بل ينتقل إلى الصوم ؛ لأنّ رجلاً سأل الرضاعليه‌السلام : عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ وفي عيبته ثياب ، له أن يبيع من ثيابه شيئاً ويشتري بدنة؟ قال : « لا ، هذا يتزيّن به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئاً »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ القدرة تعتبر في موضعه ، فمتى عدمه في‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٣٨ / ٨٠٢ بتفاوت يسير.

٢٤٨

موضعه ، جاز له الانتقال إلى الصيام وإن كان قادراً عليه في بلده ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّ وجوبه موقّت ، وما كان وجوبه موقّتاً اعتبرت القدرة عليه في موضعه ، كالماء في الطهارة إذا عدم في مكانه انتقل إلى التراب.

ولو تمتّع الصبي ، وجب على وليّه أن يذبح عنه ؛ للعموم ، فإن لم يجد ، فليصم عنه عشرة أيّام ؛ للآية(١) .

ولقول أبي نعيم : تمتّعنا فأحرمنا ومعنا صبيان ، فأحرموا ولبّوا كما لبّينا ولم يقدروا(٢) على الغنم، قال : « فليصم عن كلّ صبي وليُّه »(٣) .

البحث الثاني : في كيفية الذبح.

مسألة ٥٨٩ : يجب في الذبح والنحر النيّة ؛ لأنّه عبادة ، وكلّ عبادة بنيّة ، لقوله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٤) .

ولأنّ جهات إراقة الدم متعدّدة ، فلا يتخلّص المذبوح هدياً إلّا بالقصد.

ويجب اشتمالها على جنس الفعل وجهته من كونه هدياً أو كفّارة أو غير ذلك ، وصفته من وجوب أو ندب ، والتقرّب إلى الله تعالى.

ويجوز أن يتولّاها عنه الذابح ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه كغيره من الأفعال.

مسألة ٥٩٠ : وتختصّ الإبل بالنحر ، فلا يجوز ذبحها ، والبقر والغنم بالذبح ، فلا يجوز نحرها‌؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ منحور مذبوح حرام ،

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) في المصدر : ولم نقدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨ / ٨٠١ وفيه : عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن أعين قال : تمتّعنا ، إلى آخره.

(٤) البيّنة : ٥.

٢٤٩

وكلّ مذبوح منحور حرام »(١) .

ويستحب أن يتولّى الحاجّ بنفسه الذبح أو النحر ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نحر هديه بنفسه(٢) .

ولما رواه العامّة عن غرفة بن الحارث الكندي ، قال : شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع واُتي بالبُدْن ، فقال : ( ادع لي أبا حسن ) فدُعي له عليعليه‌السلام ، فقال : ( خُذْ بأسفل الحربة ) وأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأعلاها ، ثم طعنا بها البُدْن(٣) . وإنّما فعلا ذلك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أشرك عليّاًعليه‌السلام في هديه(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « وكان الهدي الذي جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء عليعليه‌السلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منها ستّاً وستّين ، ونحر عليعليه‌السلام أربعاً وثلاثين »(٥) .

وفي رواية : « ساق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة بدنة ، فجعل لعليُّعليه‌السلام منها أربعاً وثلاثين ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً طبخها في قدر ، وأكلا منها وتحسّيا من المرق ، وافتخر عليعليه‌السلام على أصحابه وقال : مَنْ فيكم مثلي وأنا شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هديه؟ مَنْ فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هديي بيده؟ »(٦) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٥.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٤٩ / ١٧٦٦.

(٤) المصادر في الهامش (٢).

(٥) التهذيب ٥ : ٤٥٧ / ١٥٨٨ ، وفي الكافي ٤ : ٢٤٧ / ٤ بتفاوت يسير.

(٦) الفقيه ٢ : ١٥٣ - ١٥٤ / ٦٦٥.

٢٥٠

ولو لم يُحسن الذباحة ، ولّاها غيره ، واستحبّ له أن يجعل يده مع يد الذابح ، وينوي الذابح عن صاحبها ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه. ويستحب له أن يذكره بلسانه ، فيقول بلسانه : أذبح عن فلان بن فلان ، عند الذبح ، والواجب القصد بالنيّة.

ولو نوى بقلبه عن صاحبها وأخطأ فتلفّظ بغيره ، كان الاعتبار بالنيّة ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها ، أتجزئ عن صاحب الضحيّة؟ فقال : « نعم إنّما له ما نوى »(١) .

مسألة ٥٩١ : يستحب نحر الإبل قائمة من الجانب الأيمن‌ قد رُبطت يدها ما بين الخفّ إلى الركبة ثم يطعن في لبَّتها ، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر(٢) - لقوله تعالى :( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (٣) .

وقال المفسّرون في قوله تعالى :( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٤) : أي قياماً(٥) .

وما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها(٦) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٦ / ١٤٦٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٨ بتفاوت يسير.

(٢) أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٨٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٥٩ ، المجموع ٩ : ٨٥ ، المغني ٣ : ٤٦٢ و ١١ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥١ و ١١ : ٥٤.

(٣ و ٤ ) الحجّ : ٣٦.

(٥) تفسير الطبري ١٧ : ١١٨ ، مجمع البيان ٤ : ٨٦ ، تفسير القرطبي ١٢ : ٦١.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٤٩ / ١٧٦٧.

٢٥١

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الصباح الكناني : سألت الصادقعليه‌السلام : كيف تُنحر البدنة؟ قال : « تُنحر وهي قائمة من قِبَل اليمين »(١) .

وعن أبي خديجة قال : رأيت الصادقعليه‌السلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى ، ثم يقوم من جانب يدها اليمنى ويقول : « بسم الله والله أكبر ، هذا منك ولك ، اللّهم تقبّل منّي » ثم يطعن في لبَّتها ثم يخرج السكّين بيده ، فإذا وجبت جنوبها قطع موضع الذبح بيده(٢) .

وهذا القيام مستحب لا واجب إجماعاً.

ولو خاف نفورها ، أناخها ونحرها باركةً.

مسألة ٥٩٢ : يجب توجيه الذبيحة إلى القبلة ، خلافاً للعامّة(٣) ، وسيأتي في موضعه. ويستحب الدعاء بالمنقول. ويمرّ السكّين ، ولا ينخعها حتى تموت.

وتجب التسمية عند علمائنا ؛ لقوله تعالى :( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٤) وقوله تعالى :( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٥) .

ولو نسي التسمية ، حلّ أكله ؛ لرواية ابن سنان - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « إذا ذبح المسلم ولم يسمّ ونسي فكُلْ من ذبيحته وسمّ الله على ما تأكل »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٨ ، وفي التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٤ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٥ بتفاوت يسير.

(٣) المغني ٣ : ٤٦٣ ، المجموع ٨ : ٤٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٨٠.

(٤) الحجّ : ٣٦.

(٥) الأنعام : ١٢١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٧.

٢٥٢

مسألة ٥٩٣ : يجب النحر أو الذبح في هدي التمتّع بمنى‌ ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( منى كلّها منحر )(١) والتخصيص بالذكر يدلّ على التخصيص في الحكم.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر ، فقال : « إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى »(٢) .

وقال أكثر العامّة : إنّه مستحب ، وإنّ الواجب نحره بالحرم - وقال بعض العامّة : لو ذبحه في الحِلّ وفرّقه في الحرم ، أجزأه(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( كلّ منى منحر ، وكلّ فجاج مكّة منحر وطريق)(٤) (٥) .

ونحن نقول بموجبه ؛ لأنّ بعض الدماء ينحر بمكّة ، وبعضها ينحر بمنى.

ولو ساق هدياً في الحجّ ، نحره أو ذبحه بمنى ، وإن كان قد ساقه في العمرة ، نحره أو ذبحه بمكّة قبالة الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لأنّ‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ / ١٩٣٥ و ١٩٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٣ / ٣٠٤٨ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٨.

(٣) فتح العزيز ٨ : ٨٦.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ - ١٩٤ / ١٩٣٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٣ / ٣٠٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٦ بتفاوت يسير ، ونصّه في المغني والشرح الكبير. اُنظر الهامش التالي.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ٨ : ٨٦ ، المجموع ٨ : ١٩٠.

٢٥٣

شعيب العقرقوفي سأل الصادقَعليه‌السلام : سُقْتُ في العمرة بدنةً فأين أنحرها؟ قال : « بمكّة » قلت: فأيّ شي‌ء اُعطي منها؟ قال : « كُلْ ثلثاً واهد ثلثاً وتصدّق بثلث »(١) .

وأمّا ما يلزم المـُحْرم من فداءٍ عن صيدٍ أو غيره ، يذبحه أو ينحره بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنى إن كان حاجّاً ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢) وقال تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٣) في جزاء الصيد.

وقال أحمد : يجوز في موضع السبب - وقال الشافعي : لا يجوز إلّا في الحرم(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبيّة(٥) ، ولم يأمره ببعثه إلى الحرم(٦) .

وروى الأثرم وأبو إسحاق الجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر ، قال : كنت مع عليّ والحسين بن عليّعليهما‌السلام ، فاشتكى حسين بن عليّعليهما‌السلام بالسقيا ، فأومأ بيده إلى رأسه ، فحلقه عليعليه‌السلام ، ونحر عنه جزوراً بالسقيا(٧) .

وأمْرُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبيّة لا يستلزم الذبح بها. ونمنع الرواية الثانية.

وما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه به ، وبه قال الشافعي‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٠٢ / ٦٧٢.

(٢) الحجّ : ٣٣.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٨٧ - ٨٨ ، المغني ٣ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٢ / ١٨٥٦.

(٦) المغني ٣ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٨٧ - ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧.

٢٥٤

وأحمد(١) .

وقال مالك وأبو حنيفة : إذا ذبحها في الحرم ، جاز تفرقة لحمها في الحِلّ(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه أحد مقصودي النسك ، فلم يجز في الحِلّ ، كالذبح. ولأنّ المقصود من ذبحه بالحرم التوسعةُ على مساكينه ، وهذا لا يحصل بإعطاء غيرهم. ولأنّه نسك يختصّ بالحرم ، فكان جميعه مختصّاً به ، كالطواف وسائر المناسك.

مسألة ٥٩٤ : وقت استقرار وجوب الهدي إحرام المتمتّع بالحجّ‌ - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لقوله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٤) .

ولأنّ المجعول غاية يكفي وجود أوّله ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٥) .

وقال مالك : يجب إذا وقف بعرفة - وهو قول أحمد في الرواية الاُخرى - لأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ إنّما يحصل بعد وجود الحجّ منه ، ولا يحصل ذلك إلّا بالوقوف ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحجّ عرفة )(٦) .

____________________

(١) فتح العزيز ٨ : ٨٦ ، المغني ٣ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٣.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) البقرة : ١٨٧.

(٦) سنن الترمذي ٣ : ٢٣٧ / ٨٨٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ١٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٦٤ و ٢ : ٢٧٨.

٢٥٥

ولأنّه قبل ذلك معرَّض للفوات ، فلا يحصل التمتّع(١) .

وقال عطاء : يجب إذا رمى جمرة العقبة - وهو مروي عن مالك - لأنّه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه(٢) .

ونمنع كون التمتّع إنّما يحصل بالوقوف ، بل بالإحرام يتلبّس بالحجّ.

على أنّ قولهعليه‌السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه(٣) ، يُعطي التلبّس به من أوّل أفعال العمرة.

والتعريض للفوات لا يقتضي عدم الإيجاب. وكون وقت الذبح بعد رمي جمرة العقبة لا يستلزم كون وقت وجوبه ذلك.

إذا عرفت هذا ، فوقت ذبحه أو نحره يوم النحر - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نحر يوم النحر وكذا أصحابه(٥) ، وقالعليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٦) .

ولأنّ ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه الاُضحية ، فلا يجوز فيه ذبح هدي التمتّع كقبل التحلّل من العمرة.

أمّا مَنْ ساق هدياً في العشر ، فإن كان قد أشعره أو قلّده ، فلا ينحره‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المجموع ٧ : ١٨٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ - ٤٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٨ ، المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

٢٥٦

إلّا بمنى يوم النحر ، وإن لم يكن قد أشعره ولا قلّده ، فإنّه ينحره بمكّة إذا قدم في العشر ؛ لما رواه مسمع - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا دخل بهديه في العشر ، فإن كان أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم النحر بمنى ، وإن لم يقلّده ولم يشعره فينحره بمكّة إذا قدم في العشر »(١) .

وكذا لو كان تطوّعاً ، فإنّه ينحره بمكّة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إن كان واجباً نحره بمنى ، وإن كان تطوّعاً نحره بمكّة ، وإن كان قد أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى »(٢) .

ولأنّا قد بيّنّا أنّ الذبح إنّما يجب بمنى ، وهو إنّما يكون يوم النحر.

وقال عطاء وأحمد في رواية : يجوز له نحره في شوّال ، وإن قدم في العشر ، لم ينحره إلّا بمنى يوم النحر(٣) .

وقال الشافعي : يجوز نحره بعد الإحرام قولاً واحداً ، وفيما قبل ذلك بعد حلّه من العمرة قولان:

أحدهما : المنع ؛ لأنّ الهدي يتعلّق به عمل البدن ، وهو تفرقة اللحم ، والعبادات البدنية لا تُقدّم على وقت وجوبها.

وأصحّهما عندهم : الجواز ؛ لأنّه حقٌّ ماليّ تعلّق بشيئين : الفراغ من العمرة والشروع في الحجّ ، فإذا وجد أحدهما ، جاز إخراجه ، كالزكاة.

ولا خلاف بين الشافعية في أنّه لا يجوز تقديمه على العمرة(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٧ / ٧٩٩ بتفاوت يسير وتقديم وتأخير في بعض الألفاظ.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٨ بتفاوت.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٦٨ - ١٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٥١ - ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢.

٢٥٧

مسألة ٥٩٥ : أيّام النحر بمنى أربعة أيّام : يوم النحر وثلاثة بعده ، وفي غيرها من الأمصار ثلاثة أيام : يوم النحر ويومان بعده - وبه قال عليعليه‌السلام ، والحسن وعطاء والأوزاعي والشافعي وابن المنذر(١) - لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أيّام [ التشريق ](٢) كلّها منحر )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : « أربعة أيّام » وسألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال : « ثلاثة أيّام » فقلت : ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين ، إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ قال : « نعم »(٤) .

وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد : في الأمصار يوم واحد ، وبمنى ثلاثة(٥) .

وقال أحمد : يوم النحر ويومان بعده - وبه قال مالك والثوري ، وروي عن ابن عباس وابن عمر - لأنّ اليوم الرابع لا يصلح للرمي ، فلا يصلح للذبح(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٩٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : « العشر » وما أثبتناه من المصدر ، وكما في منتهى المطلب - للمصنّفرحمه‌الله - ٢ : ٧٣٩.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ و ٩ : ٢٩٦ ، وفي الموضعين منه : « ذبح » بدل « منحر ».

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣ / ٦٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٤ / ٩٣٠.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠.

(٦) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٩٩.

٢٥٨

والملازمة ممنوعة.

فرعان :

أ : يجب تقديم الذبح على الحلق بمنى‌ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح »(١) .

ولو أخّره ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ، ولو كان عامداً ، أثم وأجزأ ، وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجّة جاز.

ب : قال أكثر فقهاء العامّة : يجزئ ذبح الهدي في الليالي المتخلّلة‌ لأيّام النحر(٢) .

البحث الثالث : في صفات الهدي.

مسألة ٥٩٦ : يجب أن يكون الهدي من بهيمة الأنعام : الإبل أو البقر أو الغنم ، إجماعاً.

قال تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) (٣) .

وأفضله البُدْن ثم البقر ثم الغنم ؛ لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة )(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٧ ، وفيه : « تبدأ » التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٩.

(٢) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٧ - ٥٥٨ ، المجموع ٨ : ٣٩١.

(٣) الحجّ : ٢٨.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٣ - ٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٢ / ٨٥٠ ، الموطّأ ١ : ١٠١ / ١.

٢٥٩

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - في المتمتّع : « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة »(١) .

ولأنّ الأكثر لحما أكثر نفعا ، ولهذا أجزأت البدنة عن سبع شياه.

مسألة ٥٩٧ : ولا يجزئ في الهدي إلّا الجذع من الضأن والثنيّ من غيره‌. والجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر ، وثنيّ المعز والبقر ما لَه سنة ودخل في الثانية ، وثنيّ الإبل ما لَه خمس ودخل في السادسة - وبه قال مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي(٢) - لما رواه العامّة عن اُم بلال بنت هلال عن أبيها أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يجوز الجذع من الضأن أضحية )(٣) .

وعن أبي بردة بن نيار(٤) ، قال : يا رسول الله إنّ عندي عناقاً جذعاً هي خيرٌ من شاتَيْ لحم؟ فقال : ( تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « يجزئ من الضأن الجذع ، ولا يجزئ من المعز إلّا الثنيّ »(٦) .

وسأل حمّادُ بن عثمان الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن أدنى ما‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٧ ، وفيه : « وأخفضه شاة ».

(٢) المغني ٣ : ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٥ ، المجموع ٨ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٢.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٩ / ٣١٣٩ ، مسند أحمد ٦ : ٣٦٨.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : أبي بردة بن يسار. وما أثبتناه هو الصحيح وكما في المصادر.

(٥) المغني ٣ : ٥٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٦ / ٢٨٠٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٢٣ بتفاوت في اللفظ فيهما.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٦ / ٦٨٩.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460