تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191743 / تحميل: 5474
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

كتاب الوصايا

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الوصية وأنها مقصورة على الثلث

في الموطأ والبخاري ومسلم عن الزهري ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه قال : جاءني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتدّ بي ، فقلت : يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي. أفأتصدق بثلثي مالي؟ ورواه مالك ، وسفيان بن عيينة ، وإبراهيم بن سعد عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه بلفظ : أتصدق. ورواه عبد العزيز ابن أبي سلمة ، ومعمر ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، بلفظ : أوصي. وكذلك رواه عروة ، وعائشة ، عن سعد. واللفظان في البخاري ومسلم. ووقع أيضا فيهما : أفأوصي بمالي كله؟ قال : «لا». قال : فالثلثين؟ قال : «لا». قال : فالنصف؟ قال : «لا». قال : فالثلث؟ قال : «الثلث ، والثلث كثير».

رجعنا إلى لفظ الموطأ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا» ، قلت : فالشطر؟ قال : «لا» ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الثلث ، والثلث كثير ، إنك أن تذر ورثتك أغنياء ، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وأنك لن تنفق نفقة تبتغي وجه الله إلا أجرت»(١) .

وفي الموطأ يحيى بن يحيى : «إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك» ، فقلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا».

زاد في مسلم : «تبتغي به وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة ، ولعلك أن تخلف حتى تنتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون. اللهم امضي لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم». لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن مات بمكة(٢) .

ذكر ابن مزين في تفسيره للموطإ : أنه أقام بمكة حتى مات ، ولم يهاجر ، فكره له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، ورثي له ، وهو وهم من ابن مزين لأن سعد بن خولة قد هاجر وشهد بدرا ، وإنما رثى له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجوعه بعد الهجرة إلى مكة ، وموته بها. ذكره البخاري وغيره ، وذكره أيضا مسلم وهو قرشي(٣) .

__________________

(١) رواه البخاري (١٢٩٦ و ٢٧٤٢ و ٣٩٣٦) ، والموطأ (٢ / ٧٦٣) ، ومسلم (١٦٢٨) ، والترمذي (٩٧٥) ، وأبو داود (٢٨٦٤).

(٢) رواه مسلم (١٦٢٨ و ٥).

(٣) انظر شرح الحديث لفؤاد عبد الباقي (١٦٢٨) في فاتحته. فإنه شرحه شرحا وافيا.

١٠١

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الأحباس

في الواضحة عن الواقدي عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : سألنا عن أول حبس حبس في الإسلام فقال قائل : أحباس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قول الأنصار(١) . وقال المهاجرون : حبس عمر بن الخطاب أول حبس كان في الإسلام ، وذلك أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم المدينة وجد أرضا واسعة : لزهرة ، وأهل رايج ، وحسيكة(٢) ، وقد كانوا جلوا عن المدينة قبل مقدم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بيسير ، ومنهم من انجلى عن أرضه بعد مقدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وتركوا أرضا واسعة فيها براح ، ومنها رديء لا تسقى يقال له : الخشاشير. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أعطى عمر بعضها : ثمغ(٣) ، ثم اشترى عمر بن الخطاب ـرضي‌الله‌عنه ـ إلى ما أعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من قوم يهود ، فكان مالا معجبا فقال عمر : يا رسول الله إن مالي مال معجب ، وأنا أحبه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حبّس أصله ، وسبّل ثمرته». ففعل عمر(٤) .

مطرف عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال : ثمغ أول صدقة تصدق بها في الإسلام وأن عمر يوم أراد أن يتصدق بها قال : أشر عليّ يا رسول الله في صدقتي كيف أصنع فيها؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حبّس أصلها ، وسبل ثمرتها»(٥) .

وعن المسور بن رفاعة عن محمد بن كعب القرظي قال : أول صدقة كانت في الإسلام صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأمواله الموقوفة. قال : فقلت : فإن الناس يقولون صدقة عمر. قال : قتل مخيريق بأحد على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يضعها حيث أراه الله ، فتصدق بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صدقة حبس ، وهي : سبعة حوائط. وإنما تصدق عمر بثمغ بعد ما رجع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر سنة سبع من الهجرة ، وكانت خيبر سنة ست(٦) .

وقال الزهري : صدقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحوائط السبعة من أموال بني النضير بعد أن رجع رسول

__________________

(١) الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ـ متروك مع سعة علمه. كما قال الحافظ في التقريب. وحصين ابن عبد الرحمن ضعفه أحمد وذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين فكأن روايته عن الصحابة مرسلة.

(٢) حسيكة : موضع في المدينة كان بها يهود من يهودها.

(٣) ثمغ : مال كان لعمر بن الخطاب فوقفه رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه النسائي (٦ / ٢٣٠) ، وابن ماجه (٢٣٩٧) ، والبيهقي (٦ / ١٦٢) من حديث عمر رضي‌الله‌عنه. وإسناده صحيح.

(٥) رواه أحمد (٢ / ١٥٦ و ١٥٧) من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما . وهو حديث صحيح.

(٦) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) ذكر صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وابن كثير (٣ / ٢٣٧) من كلام محمد بن كعب القرظي موقوفا عليه.

١٠٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أحد ففرق أموال مخيريق(١) . وعن محمد بن سهل بن أبي جثامة قال : كانت صدقات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أموال بني النضير وهي الحوائط السبعة : الأعراف ، والصافية ، والدلال ، والمثبت ، وبرقة ، وحسني ، ومشربة أم إبراهيم ، وإنما سميت : مشربة أم إبراهيم لأنها كانت تسكنها. وكان ذلك المال لسلام بن مشكم النضري(٢) .

وقال الواقدي : لم يختلف أنها سبعة حوائط وأن هذه أسماؤها.

وفي النسائي عن قتيبة بن سعيد ، عن أبي الأخوص ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن الحارث قال : ما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وأرضا جعلها في سبيل اللهعزوجل (٣) .

وقال قتيبة بن سعيد في المسند الكبير للنسائي مرة أخرى : صدقة(٤) . وكذلك ذكر النسائي أن صدقة عمر كانت من الأرض التي أصاب بخيبر. وقال في صدقة لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث ، وهي للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، ويطعم ضيفا نزل به أو صديقا غير متمول فيه(٥) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الصدقة والهبة والثواب عليها والعمرى

في موطأ مالك : أنه بلغه أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج تصدق على أبويه بصدقة ، فهلكا ، فورث ابنهما المال ، وهو : نخل. فسأل عن ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «قد أجرت في صدقتك ، وخذها بميراثك»(٦) .

وفي كتاب أقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مصنف ابن أبي شيبة ، عن جابر قال : قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في امرأة من الأنصار أعطاها ابنها حديقة من نخل فماتت ، فقال ابنها : إنما أعطيتها حياتها وله أخوة ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي لها حياتها وموتها» قال : فإني كنت تصدقت بها عليها. قال : «فذلك أبعد لك»(٧) .

__________________

(١) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) وقال : أخبرنا محمد بن عمر. حدثني الضحاك بن عثمان من الزهري قال : هذه الحوائط السبعة من أموال بني النضير.

(٢) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) وقال : أخبرنا محمد بن عمر حدثني موسى بن عمر الحارثي ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال : كانت صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أموال بني النضير. وهي سبعة. وذكرها.

(٣) رواه النسائي (٦ / ٢٢٩) من حديث عمرو بن الحارث الخزاعيرضي‌الله‌عنه وإسناده صحيح.

(٤) رواه النسائي (٦ / ٢٢٩) و (٣٥٩٤). من كلام قتيبة بن سعيدرحمه‌الله .

(٥) رواه النسائي (٦ / ٢٣٠) و (٣٥٩٩) عن عمررضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٦) رواه مالك (٣٠٠١) باب صدقة الحي عن الميت. بلاغا.

(٧) رواه ابن أبي شيبة (١٠ / ١٨٣) ، وأبو داود (٣٥٥٧) ، والبيهقي (٦ / ١٧٤) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

١٠٣

وفي الموطأ والبخاري ومسلم عن النعمان بن بشير : أن أباه أتى به إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يشهده على عبد وهبه له ، فقال : يا رسول الله إني نحلت ابني غلاما كان لي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكلّ ولدك» وفي حديث يونس ومعمر «أكل بنيك» ـ ذكره مسلم ـ «نحلته مثل هذا؟». قال : لا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فارتجعه»(١) .

وفي كتاب مسلم : «اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم»(٢) . وكانت أم النعمان : عمرة ابنة رواحة قالت لبشير : أشهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على هبتك ، وكان قد لواها سنة ، ثم وهبه لها فقالت : لا أرضى حتى تشهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أشهد على جور»(٣) . وهذا أصل في حيازة الأب لابنه الصغير ، وأما إذا وهب أو تصدق على ابنه الكبير ، أو على أجنبي فلا بد من قبض الموهوب له أو التصدق عليه. والأصل في ذلك قول أبي بكر الصديق لعائشة : لو كنت حزتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث(٤) . وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزلت ألهاكم التكاثر قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت»(٥) ، فقد شرط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصدقة الإمضاء. والإمضاء هو : الإقباض كالعارية والسلف لا يتم ذلك إلا بالقبض وكالوصية لا تتم إلا بموت الموصي.

وفي مصنف عبد الرزاق عن طاوس قال : وهب رجل هبة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأثابه ، فلم يرض فزاده قال : لا أحسبه قال ذلك إلا ثلاث مرات ، فلم يرض فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد هممت ألّا أقبل هبة» وربما قال معمر : «ألّا أقبل إلا من قرشي ، وأنصاري ، أو ثقفي»(٦) . وفي حديث أبي هريرة «أو دوسي»(٧) .

وفي الدلائل للأصيلي أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لقحة ، فأثابه بست بكرات فلم يرض ، وذكر الحديث في البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك قال : لما قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بأيديهم شيء ،

__________________

(١) رواه البخاري (٢٥٨٦) ، ومالك (٢ / ٧٥١ و ٧٥٢) ، ومسلم (١٦٢٣ و ٩) ، والنسائي (٦ / ٢٥٨) من حديث النعمان بن بشيررضي‌الله‌عنه .

(٢) رواه مسلم (١٦٢٣ و ١٣) من حديث النعمانرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري (٢٦٥٠) ، ومسلم (١٦٢٣ و ١٤) من حديث النعمانرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه عبد الرزاق (١٦٥٠٧) ، والبيهقي (٦ / ١٧٠) وإسناده صحيح.

(٥) رواه مسلم (٢٩٥٨) ، والترمذي (٢٣٤٢) ، وابن حبان (٧٠١) من حديث عبد الله بن الشخيررضي‌الله‌عنه .

(٦) رواه عبد الرزاق (١٦٥٢١) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه فذكره مرسلا.

(٧) رواه أحمد (٢ / ٢٩٢) ، والترمذي (٣٩٤٥) ، والبخاري (٥٩٦) ، وأبو داود (٣٥٣٧) من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه . وإسناده حسن.

١٠٤

وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام ويكفوهم العمل والمؤنة ، وكانت أمه أمّ أنس بن مالك أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة ، فكانت أعطت أم أنس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عذاقا فأعطاهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد.

قال ابن شهاب : فأخبرني أنس بن مالك : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر ، وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم ، فردّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمه يعني أم أنس بن مالك عذاقها وأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه رواه مسلم أيضا ، وزاد أنه أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله(١) .

قال ابن شهاب : وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما توفي أبوه ، فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعتقها ، ثم أنكحها زيد بن حارثة ، ثم توفيت بعد ما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة أشهر.

قال الواقدي : واسمها بركة ولم يرو هذا الحديث عن الزهري أحد إلا يونس. وقع هذا في طرة كتاب الأصيلي في الموطأ : عن جابر بن عبد الله أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيما رجل أعمر عمرى(٢) له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث»(٣) .

وفي كتاب مسلم عن جابر من رواية يحيى ، عن مالك ، ولم يذكر أبدا.

وفيه عن يحيى ومحمد وصح عن الليث ، عن ابن سهل ، عن أبي سلمة ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها ، وهي لمن أعمر وعقبه»(٤) .

وفي حديث آخر عن إسحاق بن إبراهيم ، وعبد بن حميد ، واللفظ لعبد قالا : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، قال : إنما العمرى التي أجازها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تقول هي لك ولعقبك ، فأما إذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها(٥) .

__________________

(١) رواه البخاري (٢٦٣٠) ، ومسلم (١٧٧١) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

(٢) عمرى : يقال أعمرته دارا أو أرضا ، إذا أعطيته إياها وقلت له : هي لك عمري أو عمرك : فإذا مات رجعت إليه.

(٣) رواه مالك (٢ / ٧٥٦) و (٢٩٥٣) من حديث جابررضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٤) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢١) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

(٥) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٣) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

١٠٥

قال معمر : وكان الزهري يفتي به ، وروى أبو سلمة عن جابر قال : «قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهى له بتلة(١) لا يجوز للمعطى فيها شرط ولا ثنيا». قال أبو سلمة : لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ، فقطعت المواريث شرطه(٢) .

وفي حديث آخر عن جابر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العمرى لمن وهبت له»(٣) . قال ابن أبي زيد : ومعنى قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ترجع إلى الذي أعطاها» إنما ذلك ما بقي أحد من عقب المعمر ، فإذا انقرضوا رجعت العمرى إلى صاحبها.

وقولهعليه‌السلام : «فإنها للذي يعطاها» يعني : النفع ، لا الأصل ، ودل ذلك أنه ليس كوارث الأصل أن الزوجة لا تدخل فيه ، ولا من ليس من العقب المعروف ، وعمرتك إنما هو مأخوذ من العمر ، ولا فرق بين أجل مضروب وعمر مشترط. وبهذا جرى العمل بالمدينة ، وبه أخذ مالك انتهى قول ابن أبي زيد.

وتأوّل الشافعي وغيره الحديث المذكور أن العمرى إذا كانت للمعمر ولعقبه أنها لا ترجع إلى المعمر وإن انقرض المعمر وعقبه وليس ذلك في الحديث مكتوبا.

وقد روي عن أبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل : أن العمرى كالهبة ، وهي ملك لمن أعمرها كانت معقبة أو لم تكن شرط المعمّر أن ترجع إليه أو لم يشترط ، وشرطه باطل لا ترجع إليه أبدا ويبيعها المعمّر إن شاء كسائر ماله.

فصح في العمرى ثلاثة أقوال : قول أبي حنيفة ، والشافعي ، ومالك ، ومن ذكر معهم. كما قضى طارق بشهادة جابر والثالث من فرق بين المعقبة وحياة المعمر خاصة فقال في المعقبة : لا ترجع أبدا إلى المعمر ، وإذا لم تكن معقبة ترجع إليه إذا مات المعمر ، واللهعزوجل أعلم بما أراد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا أن في كتاب مسلم عن جابر أيضا قال : أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ثم توفّي وتوفيت بعده ، وتركت ولدا ، وله أخوة بنون للمعمرة ، فقال ولد المعمرة : رجع الحائط إلينا ، وقال بنو المعمر : بل كان لأبينا حياته وبعد موته ، فاختصموا إلى طارق ـ مولى عثمان ـ فدعا جابرا فشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حكم بالعمرى لصاحبها ، فقضى بذلك طارق ، ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره ذلك ، وأخبره بشهادة جابر ، فقال عبد الملك : صدق جابر فأمضى ذلك طارق. وإن ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم. وليس في هذا الحديث أنها أعمرت ابنها وعقبه كما وقع في الأحاديث المتقدمة(٤) .

__________________

(١) بتلة : أي عطية ماضية غير راجعة إلى الواهب.

(٢) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٤) ، والنسائي (٦ / ٢٧٦) و (٢٧٤٧) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٥) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٨) من حديث جابررضي‌الله‌عنه .

١٠٦

وقد تقدم عن جابر أنه قال : إذا قال هي لك ما عشت فإنما ترجع إلى صاحبها الذي أعمرها.

وفي رواية مسدد عن يحيى عن سفيان عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن جابر : أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة له حياتها فماتت ، وذكر الحديث كما ذكره مسلم وهذا يقوي مذهب مالك(١) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في المشبهات

في الموطأ والبخاري ومسلم عن عائشة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها قالت : كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص : أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك. قالت : فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال : ابن أخي ـ قد كان عهد إليّ فيه ـ فقام عبد بن زمعة وقال : أخي وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه. فتساوقا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي ، وقد كان عهد إليّ فيه. وقال عبد بن زمعة : أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو لك يا عبد بن زمعة» ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة بنت زمعة : «احتجبي منه» لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص ، قالت : فما رآها حتى لقي اللهعزوجل (٢) . وكانت سودة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يذكر مالك هذا في الموطأ.

في هذا الحديث من الفقه : إنفاذ وصية الكافر لأن عتبة مات كافرا ، وذلك أنه هو الذي. كسر رباعيتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في يوم أحد ، فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا ، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا. ذكره عبد الرزاق في مصنفه ، وكذلك ذكر ابن أبي حثمة : أنه مات كافرا.

وفيه : استلحاق الأخ ، وفي ذلك اختلاف ولا خلاف في استلحاق الابن وفيه حجة المالك في الحكم بقطع الذرايع لأن قطع الذرايع أن يمنع من المباح لئلا يوقع في الحرام ، ومثل قول اللهعزوجل :( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ ) [النّور : الآية ٣١]. ومثل نهيه تعالى المؤمنين أن يقولوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «راعنا» ، وهم لا يريدون الإذاية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنهاهم الله عن ذلك بسبب قول اليهود للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : راعنا يريدون بذلك : يا أرعن.

ومثل هذا نهى الله أهل السبت عن الصيد فيه ، فأخذ بعضهم حيتانا في غير السبت فجعل كصيدهم في السبت وعذبوا على ذلك.

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٥٥٧) من حديث جابررضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٢) رواه البخاري (٢٠٥٣) ، ومسلم (١٤٥٧) ، والموطأ (٢ / ٧٣٩) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

١٠٧

فكذلك حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة : أن ابن زمعة أخوها إذ ولد على فراش أبيها ، وجعله أجنبيا في أن لا يراها فحكم بحكمين : حكم في الظاهر ، وحكم في الباطن ، واتبع الشافعي في ذلك إبطال الحكم بقطع الذرايع ، وأن يكون حكما واحدا حتى قال : إن للرجل أن يمنع زوجته من رؤية أخيها. وأن قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احتجبي عنه» إنما هو على وجه التنزه والاختيار ، وهذا خلاف لما أمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عائشة في أفلج أخي ابن القعيس ، إذ قال لها : «إنه عمّك فليلج عليك»(١) ، وكان عمها من الرضاعة ، فكيف أن يمنع المرأة من رؤية أخيها.

وأدخل البخاري هذا الحديث في باب تفسير المشبهات مع الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(٢) . وهو أيضا يقوي مذهب مالك ، ويخالف قول الشافعي.

وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وللعاهر الحجر» يعني : نفي الولد عن الزاني ، وأنه لا شيء له فيه ، ولا ينسب إليه. كقول العرب : بفمك الحجر. أي : لا شيء لك.

وقال الداودي : للعاهر الحجر : يعني الرجم للزاني المحصن ، ومذهب الشافعي أن الحرام لا يحرّم الحلال ، وكذلك قال : إن أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة بالاحتجاب تنزه واختيار ، ومذهب أبي حنيفة أن الزنا يحرم ـ واختلف في ذلك قول مالك ـ فمرة قال : إن الحرام لا يحرّم الحلال ، ومرة قال : إنه يحرّم ، والأغلب من مذهبه ومذهب أصحابه أنه لا يحرّم.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في العتق والوصية بالقرعة وحكم

ذات الزوج والتدبير وأمهات الأولاد والكتابة

في مصنف عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال : شهدت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقضي بالدين قبل الوصية ، وأنتم تقولون : من بعد وصية يوصي بها أو دين(٣) .

ولا خلاف بين العلماء أن الدين قبل الوصية.

في الموطأ وغيره عن الحسن ، وعن محمد بن سيرين : أن رجلا في زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق عبيدا له ستة عند موته ، فأسهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد(٤) .

__________________

(١) رواه البخاري (٥٢٣٩) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

(٢) رواه أحمد (١ / ٢٠٠) ، والترمذي (٢٥١٨) ، والنسائي (٨ / ٣٢٧) ، وابن حبان (٧٢٢) من حديث الحسن ابن عليرضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٣) رواه عبد الرزاق (١٩٠٣) ، وأحمد (١ / ٧٩) ، والترمذي (٢٠٩٥) ، وأبو يعلى (٣٠٠) وإسناده حسن من حديث عليرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه مالك (٢ / ٧٧٤) و (٢٧٢٠) وهو حديث مرسل. ورجاله ثقات ووصله مسلم (١٦٦٨) ، والترمذي (١٣٦٤) من حديث عمران بن الحصينرضي‌الله‌عنه .

١٠٨

قال مالك : وقد بلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم. وهذا الحديث مسند في غير الموطأ عن الحسن وابن سيرين عن عمران بن حصين ، وقال فيه : فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك وقال : «لقد هممت ألّا أصلي عليه».

وفي مصنف عبد الرزاق فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أدركته ما دفن مع المسلمين» ، فأقرع بينهم فأعتق اثنين ، واسترقّ أربعة(١) .

وفي حديث آخر : أنّ امرأة من الأنصار أعتقت ستة أعبد ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بستة أقداح ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين(٢) .

وفي غير المصنف أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء اعتق اثنين ، وأرقّ أربعة(٣) .

قال إسماعيل : وهذا يدل أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قوّمهم. وقال سليمان بن موسى : لم يبلغني أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قوّمهم فإن صح قول سليمان فمعناه أن قيمتهم كانت سواء وإلا فلا بد من التقويم لئلا يزاد على الثلث. ويسند أيضا الحديث الأول عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب مسلم عن عمران بن حصين.

في هذا الحديث من الفقه : إنفاذ الوصية بالثلث ، وفيه العتق بالقرعة ، وفيه أن من عال على الثلث صرف إلى الثلث. وفيه أن بتل العتق في المرض كالوصية ، وفيه أن الحاكم يقوّم بنفسه ما كان بحضرته ولا يوليه غيره.

وفيه : أن يحكم بين الرجل وعبده فيما يدعو إليه العبد من حقوقه على سيده.

وفيه إجازة الوصية بالثلث لغير القرابة ، بخلاف ما روي عن طاوس وغيره : أن من أوصى لغير قرابته ولم يوص لهم لم تبطل وصيته. وقالت طائفة : من أوصى لغير قرابته أعطي ثلث الوصية لقرابته.

في مصنف عبد الرزاق عن عكرمة : «قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا وصية لوارث ، ولا يجوز لامرأة في مالها شيء إلا بأذن زوجها»(٤) .

__________________

(١) رواه عبد الرزاق (١٦٧٤٩) ، والبيهقي (١٠ / ٢٨٦) من حديث عمران بن الحصينرضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(٢) رواه عبد الرزاق (١٦٧٥١) ، والبيهقي (١٠ / ٢٨٦) عن ابن جريج. قال : أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول : سمعت ابن المسيب يقول : اعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها عند الموت لم يكن لها مال غيرهم فأتي في ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فأقرع بينهم فأعتق اثنين.

(٣) رواه النسائي (٤ / ٦٤) من حديث عمران بن الحصينرضي‌الله‌عنه . وهو حديث صحيح.

(٤) رواه عبد الرزاق (١٦٦٠٨) من حديث عكرمةرضي‌الله‌عنه . وفيه جهالة الرجل الراوي عن عكرمةرضي‌الله‌عنه . بلفظ : (قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ليس لذات زوج وصية في مالها شيئا إلا بإذن زوجها).

١٠٩

وفي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه باع مدبرا لرجل. وفي حديث آخر لمسلم : لم يكن له مال غيره.

وفي كتاب ابن شعبان عن جابر قال : أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين ، فباعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بثمانمائة درهم ، فأعطاه وقال : «اقض دينك وأنفق على عيالك»(١) .

وتأول مالك وغيره أن الحديث الأول هو أصح. إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه باع المدبر بعد موت الذي دبّره أو في حياته لدين عليه قبل التدبير.

قال ابن أبي زيد : حديث جابر يدل على أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما باع المدبر في دين لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا به ، فقال : «من يشتره؟» فلما بطل أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يبعه لغير معنى لم يبق إلا أنه حكم وأنه لينفذ ما لزم.

وقد روي عن جابر أنه قال : لم يكن له مال غيره ، فمات. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يشتره؟» واختلف فيه. عن جابر فروي أنه أعتق رجل ، وروي أنه دبر.

وفي مختصر ابن أبي زيد : روى الخدري أنهم لما أصابوا سبيا يوم أوطاس قالوا : يا رسول الله ما ترى في العزل فإنا نحب الثمن. دليل أنها إذا ولدت بطل الثمن. وهذا دليل بيّن مع ما روي أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في أم إبراهيم : «أعتقها ولدها»(٢) .

وفي الواضحة عن ابن المسيب : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد وقال : «لا يجعلن في وصية ، ولا دين». قال مسلم : قلت لسعيد بن المسيب : كيف كان رأي عمر في عتق أمهات الأولاد؟ قال : ليس عمر أعتقهن ، وإنما أمر بعتقهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «وأن لا يخرجن في ثلث ، ولا يبعن في دين»(٣) .

وفي كتاب رجال الموطأ للبرقي عن سعيد بن عبد العزيز : أن مارية أم إبراهيم اعتدت ثلاثة أشهر. قال البرقي : وتوفيت سنة ست عشرة. وفي الحديث الثابت : أن بريرة دخلت على عائشة تستعينها شيئا. وفي حديث آخر في البخاري : جاءت تستعينها وعليها خمس أواق نجّمت في خمس سنين(٤) . وجميع الأحاديث عن عروة عن عائشة إلا حديثا واحدا عن عمرة عن عائشة.

__________________

(١) رواه أحمد (٣ / ٣٠٥) ، وأبو داود (٣٩٥٧) ، والنسائي (٧ / ٣٠٤) ، والطحاوي في مشكل الآثار (٤٩٣٢) وانظر طرقه هناك.

(٢) رواه ابن ماجه (٢٥١٦) ، والبيهقي (١٠ / ٣٤٦) من حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما وإسناده ضعيف.

(٣) رواه البيهقي (١٠ / ٣٤٤) وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال الحافظ في التقريب : ضعيف في حفظه. وهو رجل صالح.

(٤) رواه البخاري (٢٥٦٠) في العتق من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

١١٠

وفي الموطأ والبخاري فقالت عائشة : إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم ويكون لي ولاؤك فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت ذلك لهم ، فأبوا عليها ، فجاءت من عند أهلها ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعد فقالت لعائشة : إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا على أن يكون الولاء لهم. فسمع ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أخبرته عائشة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق» ، ففعلت عائشة ، ثم قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أما بعد : فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله! كلّ شرط ليس في كتاب الله ـ وفي حديث آخر في الموطأ : ما كان من شرط ليس في كتاب الله ـ فهو باطل ، وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق»(١) .

معنى قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل شرط ليس في كتاب الله» أي : خالف كتاب الله ، ومعنى قوله لعائشة : «اشترطي لهم الولاء» أي : اشترطي عليهم الولاء. قال اللهعزوجل :( أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) [الرّعد : الآية ٢٥]. أي عليهم.

وقد تقدم ما فيه من السنن في الأمة تعتق تحت زوج في كتاب الطلاق وإنما اشترتها عائشة بعد أن عجزت عن كتابتها. قاله مطرف وغيره.

وفي كتاب ابن شعبان : أول مكاتب في الإسلام كان سلمان الفارسي كاتب أهله على مائة ودية(٢) نجّمها لهم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا غرستها فاذنّي» ، فلما غرسها آذنه ، فدعا له فيها فلم تمت منها ودية واحدة(٣) . وقد قيل إن أول مكاتب في الإسلام كان يكنى : أبا مؤمّل ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعينوا أبا مؤمل» فأعين فقضى كتابته ، وفضلت عنده فضلة فاستفتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أنفقها في سبيل الله».

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في عتق من مثّل به أو لطم وجهه

في المدوّنة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : كان لزنباغ عبد يسمى : سندرا ، أو ابن سندر ، فوجده يقبّل جارية له فأخذه وجدع أذنه وأنفه ، فأتى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأرسل إلى زنباغ فقال : «لا تحملوهم ما لا يطيقون ، وأطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، وما

__________________

(١) رواه البخاري (٢١٦٨) عن ابن المسيب ، ومسلم (١٥٠٤) ، والموطأ (٢ / ٧٨٠) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

(٢) رواه الحاكم (٢ / ١٦) وصححه ووافقه الذهبي من حديث بريدةرضي‌الله‌عنه . ورواه أحمد في المسند (٥ / ٣٥٤) والبزار رقم (٢٦ ٢٧). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ٣٣٧) وقال : رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.

(٣) الودية «غصن» يخرج من النخل ثم يقطع منه فيغرس.

١١١

كرهتم فبيعوا ، وما رضيتم فأمسكوا ، ولا تعذبوا خلق الله». ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مثّل به ، أو أحرق بالنار فهو حر ، وهو مولى لله ورسوله». فأعتقه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فقال : يا رسول الله أوص بي فقال : «أوصي بك كل مسلم»(١) .

وفي كتاب مسلم عن سويد بن مقرن : أن جارية له لطمها إنسان ، فقال له سويد : أما علمت أن الصورة محرّمة ، لقد رأيتني وإني لسابع أخوة لي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وما لنا غير خادم واحد ، فعمد أحدنا فلطمه فأمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نعتقه. وذكر الحديث(٢) .

وزاد في حديث آخر : أنهم قالوا : يا رسول الله ليس لنا غيره ، قال : «استخدموه فإذا استمتعتم به فخلوا سبيله»(٣) ، وقال عبد الله ابن عمر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ضرب غلاما له حدا لم يأته ، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه»(٤) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في اللقطة

في الموطأ والبخاري ومسلم : أن رجلا جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله عن اللقطة فقال : «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرّفها سنة ، فإن جاء صاحبها ، وإلا فشأنك بها». قال فضالة : والغنم؟ قال : «لك أو لأخيك أو للذئب» ، وفي غير الكتب «فردّ على أخيك ضالته». قال فضالة : الإبل ، قال في البخاري ومسلم : فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى احمرت وجنتاه ، أو احمر وجهه. وفي حديث : فتغير وجهه وقال : «ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ، ترد الماء ، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها»(٥) . ذكر ابن عبد البر هذه الزيادة من غير رواية مالك : «فردّ على أخيك ضالته». قال الطحاوي : ولم يوافق مالكا أحد من العلماء على قوله في الشاة الضالة إن أكلها لم يضمنها إذا وجدها في موضع مخوف. قال : واحتجاجه بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي لك أو لأخيك أو للذئب» لا معنى له ، لأن قوله لك لم يرد به التمليك لأن الذئب يأكلها على ملك صاحبها.

وفي البخاري ومسلم عن سويد بن غفلة قال : لقيت أبيّ بن كعب فقال : وجدت صرّة فيها مائة دينار فأتيت بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال «عرّفها حولا» ، فعرّفتها فلم أجد من يعرفها ، ثم أتيته بها فقال : «احفظ وعاءها وعددها ووكاءها ، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها» ، فاستمتعت بها

__________________

(١) رواه ابن سعد (٧ / ٣٥٠) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدهرضي‌الله‌عنهم . وهو حديث حسن.

(٢) رواه مسلم (١٦٥٨ و ٣٣) من حديث سويد بن مقرّنرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه مسلم (١٦٥٨ و ٣١) من حديث سويد بن مقرّنرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه مسلم (١٦٥٧) في الإيمان من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما .

(٥) رواه البخاري (٩١ و ٢٤٢٧ و ٢٤٢٨) ، ومسلم (١٧٣٢) ، والموطأ (٢ / ٧٥٧) من حديث زيد بن خالد الجهني.

١١٢

فلقيته بعد بمكة فقال : لا أدري بعد ثلاثة أحوال أو حولا واحدا(١) . وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس خطيبا : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «إن الله حبس عن مكة الفيل ـ هكذا في البخاري في رواية الأصيلي ـ وفي رواية القابسي : القتل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يعضد شجرها». وفي حديث آخر : «ولا يعضد عضاهها». وفي آخر : «لا يختلى شوكها ، ولا تحلّ لقطتها». وفي آخر : «لا تحل ساقطتها إلا لمنشد». وفي آخر : «إلا لمعرّف ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقيد» ، فقال العباس : إلا الإذخر فإنه لقبورنا وصاغتنا(٢) .

وفي حديث أبي هريرة لقبورنا وبيوتنا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إلا الإذخر» ، فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال : أكتب لي يا رسول الله. قال : فكتب له هذه الخطبة التي سمعها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

فيمن قال حائطي صدقة في سبيل الله إنه على الأقارب

وتوقيف مال الغائب والتوكيل على القسمة

في الموطأ والبخاري ومسلم عن أنس قال : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله إليه : بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس : فلما نزلت هذه الآية :( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) [آل عمران : الآية ٩٢]. قام أبو طلحة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إن الله يقول في كتابه( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) [آل عمران : الآية ٩٢]. وإن أحب أموالي إلى بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بخ ذلك مال رابح ـ ويروى رابح ـ ذلك مال رائح قد سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه(٤) . وفي حديث آخر للبخاري : «اجعلها لفقراء قرابتك». قال أنس : فجعلها لحسّان بن

__________________

(١) رواه البخاري (٢٤٢٦ و ٢٤٣٧) ، ومسلم (١٧٢٣) ، وأبو داود (١٧١٠) من حديث سويد بن غفلةرضي‌الله‌عنه .

(٢) رواه البخاري (١١٢ و ٢٤٣٤) ، ومسلم (١٣٥٥) ، وأبو داود (٢٠١٧) من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري (٢٤٣٤) ، ومسلم (١٣٥٥ (٤٤٧) ، والترمذي رقم (١٤٠٥).

(٤) رواه البخاري (١٤٦١ و ٢٣١٨) ، ومسلم (٩٩٨) ، والموطأ (٢ / ٩٩٥ و ٩٩٦) ، وأبو داود (١٦٨٩) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

١١٣

ثابت ، وأبيّ بن كعب ، وكانا أقرب إليه مني(١) .

وفيه من الفقه أن من قال داري صدقة ولم يبين : للفقراء أو غيرهم فهو جائز ويضعها في الأقربين أو حيث أراد. وقال بعضهم : لا يجوز حتى يبيّن لمن ، والأول أصح.

وفيه إذا تصدق بأرض ولم يبيّن الحد فهي جائزة إذا كانت مشهورة وهذا كله في البخاري.

في موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن طلحة عن عبيد الله بن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي واسمه زيد بن كعب أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير ، فذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه» ، فجاء البهزي ـ وهو صاحبه ـ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شأنكم بهذا الحمار. فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة بين الرويبة والعرج إذا ظبي واقف في ظل وفيه سهم فزعم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر رجلا يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه(٢) . فيه من الفقه : إباحة أكل الصيد للمحرم إذا لم يصدّ من أجله وهبة المشاع ، بخلاف قول أبي حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وفضل أبي بكر ـرضي‌الله‌عنه ـ على جميع الصحابة ، وحرز مال الغائب والتوكيل على القسمة ، وقبول الإمام الهدية.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الودائع والأمانات

في أحكام ابن زياد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس على أمين غرم»(٣) . وقال أهل العلم : إلا أن يعدي. وفي غير الأحكام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «على كل يد رد ما قبضت»(٤) ، وتأول ذلك بعض العلماء : أن الأمانة تضمن لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم على كل يد قيم ، ولقول اللهعزوجل :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) [النّساء : الآية ٥٨].

وذكر ابن سلام وغيره : أن هذه الآية نزلت في ولاية الكعبة إذ طلب العباس من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) رواه البخاري معلقا باب رقم (١٠) باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ، ومن الأقارب بعد رقم (٢٧٥١) في الوصايا. وقد قال الحافظ في الفتح : وقد أخرجه ابن خزيمة ، والطحاوي جميعا عن أبي مرزوق. وأبو نعيم في (المستخرج) من طريقه والبيهقي من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري بتمامه.

(٢) رواه مالك في الموطأ (١١٣٩) ، والنسائي (٥ / ١٨٢ و ١٨٣) و (٧ / ٢٠٥) وإسناده صحيح. قال الحافظ في الفتح (٤ / ٢٨) : أخرجه مالك وأصحاب السنن. وصححه ابن خزيمة وغيره.

(٣) لم نجده بهذا اللفظ.

(٤) رواه أبو داود (٣٥٦١) ، والترمذي (١٢٦٦). من حديث الحسن عن سمرة. والحسن مختلف في سماعه من سمرة. وقال الترمذي : هذا حديث حسن بلفظ (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).

١١٤

مفتاح الكعبة ، فأنزل اللهعزوجل :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) [النّساء : الآية ٥٨] ، فدفع المفتاح إلى عثمان بن طلحة. وفي حديث آخر : إلى شيبة بن عثمان ، والقول الأول قول مالك وهو أشهر.

وروي أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم نادى : «أين عثمان؟» فتطاول له عثمان بن عفان فقال : «أين عثمان بن طلحة؟» وكان عثمان بن طلحة قصيرا فحمله رجل من بني الحضرمي فدفع إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح ، وكان مغطى فغطاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «دونكموها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا يظلمكموها إلا ظالم»(١) .

وفي رواية أخرى : «إلا كافر». وكان ذلك عام حجة الوداع ، وكان طلحة والد عثمان هذا قتله علي بن أبي طالب يوم أحد مبارزة ، فصار المفتاح عند أم ولده سلافة أم عثمان بن طلحة. واختلف أبو حنيفة والشافعي ومالك في تحليف الأمين إذا ادعى التلف ، فقال أبو حنيفة والشافعي : يحلف وإن كان أمينا ، وقال مالك : لا يحلف إلا أن يكون متهما.

قال ابن المنذر في الأشراف : اليمين أصح وأحسن. وروى ابن نافع عن مالك في (المبسوط) : إذا ادعى المقارض أن المال تلف أو بعضه حلف كان متهما أو غير متهم ، وبه قال ابن المواز.

وفي الواضحة : لا يحلف إلا أن يكون متهما أو غير أمين.

وفي المبسوط في تلف الوديعة كذلك يحلف على كل حال ، وكذلك في المدونة لابن القاسم عن مالك يحلف متهما كان أو غير متهم.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في ضمان العارية التي يغلب عليها

في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلن في أرضهن ، وهن غير مهاجرات ، وأزواجهن حين أسلمن كفار ، منهن : بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية ، فأسلمت يوم الفتح ، وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام ، فبعث إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عمه وهو : وهب بن عمير برداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمانا لصفوان بن أمية ، ودعاه رسول الله إلى الإسلام وأن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله وإلا سيّره شهرين ، فلما

__________________

(١) رواه ابن ابي شيبة (١٤ / ٤٧٨). وابن كثير في التفسير باب قوله تعالى( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (ج / ١ / ٥١٥) وقال ابن كثير. وقال محمد بن اسحاق في غزوة الفتح : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل بمكة واطمأن. وذكره. وصفية بنت شيبة ـ قال الحافظ في التقريب : لها رؤية. حدثت عن عائشة وغيرها. وفي البخاري التصريح بسماعها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم . ومحمد بن جعفر بن الزبير قال الحافظ : ثقة.

١١٥

قدم صفوان إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بردائه ناداه على رءوس الناس فقال : يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني للقدوم عليك ، فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل لك أن تسير أربعة أشهر» ، ثم إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج قبل هوازن بحنين ، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعير أداة وسلاحا عنده ، فقال صفوان : أطوعا أم كرها؟ قال : «بل طوعا» ، فأعاره الأداة والسلاح الذي عنده.

وفي رواية يحيى : ثم رجع وهو غلط. والصواب ثم خرج ـ وكذلك سائر الرواة ـ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ، ولم يفرق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت امرأته عنده بذلك النكاح ، وكان بين إسلامهما نحوا من شهر(١) .

وفي مصنف عبد الرزاق عن بعض بني صفوان بن أمية قال : استعار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان عاريتين : إحداهما بضمان والأخرى بغير ضمان(٢) .

وفي السير وغيرها ، وذكره ابن شعبان : أن العارية كانت مائة درع بما يكفيها من السلاح ، وزعموا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل. وفي كتاب النسائي : حملها على ثلاثين جملا(٣) ، وفي غير الموطأ : أن صفوان بن أمية قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سأله السلاح : أغصبا يا محمد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل عارية مؤداة»(٤) ، فأصحاب الكلام يرون العارية في ضمان المستعير حتى يؤديها إلى صاحبها وإن تلفت وعرف تلفها لم يسقط الضمان لظاهر الحديث. ومالك ـرحمه‌الله ـ وغيره أيضا يقولون : إذا قامت بينة بهلاك العارية سقط الضمان ، فإن كانت مما لا يغاب عليه : كالحيوان ، فلا ضمان عليه ، وهو مصدّق في ادعاء التلف مع يمينه ما لم يظهر كذبه.

وفي مصنف أبي داود أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا صفوان هل عندك من سلاح؟» قال : أعارية أم غصب؟ قال : «بل عارية» ، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا ، وغزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لصفوان : «إنا فقدنا من دروعك أدراعا فهل نغرم لك» ، فقال : لا يا رسول الله لأن في قلبي اليوم ما لم

__________________

(١) رواه مالك (٢ / ٥٤٣ و ٤٤٤) بلاغا وإسناده منقطع ـ قال ابن عبد البرّ : لا أعلمه يتصل من وجه صحيح.

وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن شهاب إمام أهلها. وشهده هذا الحديث أقوى من إسناده. وقد روى بعضه مسلم.

(٢) رواه عبد الرزاق (١٤٧٨٩) وفيه جهالة الرجل. الراوي عنه معمر رحمه‌الله.

(٣) رواه النسائي (٥٧٧٦) و (٥٧٧٧) ، والدارقطني (٣ / ٣٩) من حديث يعلى بن أمية رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٤) رواه الدارقطني (٣ / ٣٩ و ٤٠) من حديث يعلى بن أمية وهو حديث حسن.

١١٦

يكن يومئذ. وقال أبو داود : وكان أعاره إياها قبل أن يسلم(١) . وفي الدلائل للأصيلي قال مالك : لا ضمان في عارية إلا ما يغاب ويخفى هلاكه فإن علم هلاكه بغير سبب المستعير فلا ضمان عليه. وقال أبو حنيفة : لا ضمان في عارية خفي هلاكها أو لم يخف. وقال الشافعي : تضمن العارية على كل حال ، وإن قيل أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «على اليد رد ما أخذت». قيل : هذا الحديث يروى عن الحسن ، عن سمرة ، والحسن عن سمرة غير حجة أيضا فإن الحسن لا يرى تضمين العارية ، فإن قيل : إن في حديث صفوان بل عارية مضمونة فيقال لهم : لو ثبت هذا اللفظ ما لزم أن تكون العارية بذلك مضمونة كما كان. زعم الشافعي أن استعارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان قبل إسلام صفوان فالتزم له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ضمان العارية لمكان الوفاء منه لصفوان ، ولما أعطاه من ألزمه في نفسه وما لزم به لأهل الكفر لا يستدل به في أحكام الدين.

وروى قاسم بن أصبغ عن ابن وضاح عن سحنون عن ابن قيس عن حمزة بن أبي حمزة الضبي يرفع الحديث إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من بنى في ربع قوم بإذنهم فأرادوا إخراجه فله قيمته ومن بنى في ربع قوم بغير إذنهم فليس له إلا النقض»(٢) . وتكلّم في عمرو بن قيس وحمزة الضبي.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في المواريث

في معاني القرآن للنحاس : روى جابر بن عبد الله الأنصاري : أن امرأة سعد بن الربيع أتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن زوجي قتل معك ، وإنما يتزوج النساء للمال. وخلّفني وخلف ابنتين وأبا وهو الربيع ، فأخذ الأب المال فدعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ادفع إليها الثمن وإلى البنتين : الثلثين ولك ما بقي»(٣) .

وذكر محمد بن سحنون في كتاب الفرائض من تأليفه أنها لما قالت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد علمت أن النساء إنما ينكحن لأموالهن. قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد يرى الله مكانهما وإن يشأ أنزل فيهما» ، فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أياما ، ثم أرسل إلى امرأة سعد أن تعالي فقد أنزل الله فيك وفي ابنتيك ، فتلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ) [النّساء : الآية ١١]. فأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الزوجة : الثمن ،

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٥٦٣) عن أناس من آل عبد الله بن صفوان وإسناده صحيح.

(٢) رواه الدارقطني (٤ / ٢٤٣) ، والبيهقي (٦ / ٩١) ، وابن عدي (٥ / ٨) ترجمة عمر بن قيس المكي. وفي إسناده عمر بن قيس قال الدارقطني : تركه أحمد والنسائي. وقال يحيى : ليس بثقة. وقال البخاري : منكر الحديث.

(٣) ذكره النحاس في معاني القرآن. من حديث جابررضي‌الله‌عنه بدون سند ويشهد له ما بعده.

١١٧

والابنتين : الثلثين ، والأب ما بقي. قال : فهذا أول ميراث قسم في الإسلام ، ميراث : سعد بن الربيع الأنصاري. أخبرنيه سحنون عن ابن وهب ، عن داود بن قيس ، وغيره عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله : أن امرأة سعد(١) .

وفي البخاري : قال هذيل بن شرحبيل : سئل أبو موسى عن رجل توفّي ، وترك ابنة ، وابنة ابن ، وأختا ، فقال : للابنة النصف ، وللأخت النصف ، وائت ابن مسعود فسيتابعني. فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، أقضي بينهم بما قضى به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت ، فأتيا أبا موسى فأخبراه بقول ابن مسعود فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم(٢) .

وفي البخاري ومسلم عن ابن عباس : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأول رجل ذكر»(٣) . وتأول هذا عند أهل العلم في العصبة الذين لا يرثون إلا أن يكونوا رجالا مثل : العمّات والأعمام ، وبني الأخوة ، وبني الأعمام ، وإنما يؤخذ ما بقي من هؤلاء الرجال دون النساء ، وأما لو ترك الميت ابنة وأختا شقيقة كان للابنة النصف ، والنصف بين الأخوين للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك ابنة وأخا وأختا للأب. الجواب فيها سواء ، ولا يقال في هذا : الذكر أولى من أخته. وفي غير البخاري ومسلم عن ابن عباس وابن الزبير في ابنة وأخت قالا : للابنة النصف ، وللعصبة النصف ، ولا شيء للأخت. قيل لابن عباس : إن ابن عمر كان يرى للابنة النصف ، وللأخت النصف. فقال ابن عباس : أنتم أعلم أم الله؟ قال معمر : فلم أدر ما وجه ذلك حتى أتيت ابن طاوس فأخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عباس يقول : قال اللهعزوجل :( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) [النّساء : الآية ١٧٦]. قال ابن عباس : فقلتم أنتم أن لها النصف وإن كان له ولد.

قال ابن طاوس : كان أبي يذكر عن ابن عباس عن رجل عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها شيئا ، وكان طاوس لا يرضى ذلك الرجل ، وكان يشك فيها فلا يقول فيها شيئا(٤) .

__________________

(١) رواه أحمد (١٤٧٩٨) ، والترمذي (٢٠٩٢) ، وأبو داود (٢٨٩١ و ٢٨٩٢) ، والبيهقي (٦ / ٢١٦) و (٢٢٩) ، والدارقطني (٤ / ٧٨ و ٧٩) ، والحاكم (٤ / ٣٣٣) من حديث جابررضي‌الله‌عنه . وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل. قال الحافظ : صدوق في حديثه لين يقال تغير بآخره. أقول : وللحديث شواهد يتقوى بها.

(٢) رواه البخاري (٦٧٣٦ و ٦٧٤٢). من حديث أبي مولىرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري (٦٧٣٥) ، ومسلم (١٦١٥) ، وأبو داود (٢٨٩٨) من حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما .

(٤) ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) وقال : وقد نقل ابن جرير وغيره عن عبد الله بن الزبير وابن عباس أنهما كانا يقولان وذكره. هكذا بدون سند (ج / ١ / ٥٩٣).

١١٨

وفي الموطأ عن ابن شهاب عن عثمان بن أبي إسحاق بن حرشة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال أبو بكر : ما لك في كتاب الله من شيء ، وما علمت لك في سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاها السدس ، فقال أبو بكر : هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة ، فأنفذ لها أبو بكر الصديق ، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها : ما لك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك ، وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ، ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها(١) .

وفي مصنف عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم قال : حدّثت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أطعم ثلاث جدات السدس ، قلت لإبراهيم : وما هنّ؟ قال : جدتا أبيه أم أمه وأم أبيه وجدته أم أمه(٢) .

وفي كتاب الفرائض من ديوان محمد بن سحنون قال : حدثني أبو محمد بن عمر عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب أنه قال : قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن الأخ للأب والأم أولى من الأخ للأب ، ثم الأخ للأب أولى من ابن الأخ للأب والأم ، فإذا كان بنو الأب والأم وبنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب والأم أولى من بني الأب ، وإذا كان بنو الأب أرفع من بني الأب والأم بأب فبنو الأب أولى ، وإذا استووا في النسب فبنو الأب والأم أولى من الأب.

قال : وقد قضى أن العم للأب والأم أولى من العم للأب ، وأن العم للأب أولى من بني العم للأب والأم ، فإذا كان بنو الأب والأم وبنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب والأم أولى من بني الأب ، ولا يرث عم ولا ابن عم مع أخ ولا ابن أخ وقضى أنه ما كان له عصبة من المجردين فلهم ميراثه على فرائضهم في كتاب الله تعالى(٣) .

قال محمد بن سحنون : وهذا الحديث مجمع عليه عند العلماء. روى حماد بن سلمة : أن ثابت بن الدحداح مات ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعاصم بن عدي : «هل تعلم له نسبا في العرب؟» فقال : لا إن عبد المنذر تزوج أخته فولدت له أبا لبابة ، وهو ابن أخته(٤) . من كتاب محمد بن النصر

__________________

(١) رواه مالك (٢ / ٥١٣) ، والترمذي (٢١٠١) ، وأبو داود (٢٨٩٤) وإسناده منقطع رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي بكر مرسلة. وحديث الباب يدل على أن فرض الجدة السدس. وكذلك فرض الجدتين والثلاث. وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي. وانظر (الفتح) (١ / ١٢ / ١٥ و ١٦).

(٢) رواه عبد الرزاق (١٩٠٧٩) ، والبيهقي (٦ / ٢٣٦) ، والدارمي (٢ / ٣٥٨) (٢٩٧٧) من طريق منصور عن إبراهيم بن زيد النخعي. وإسناده معضل.

(٣) هذا حديث منقطع. وفي إسناده ابن جريج قال الحافظ. كان يرسل ويدلس.

(٤) رواه البيهقي (٦ / ٢١٥). وإسناده منقطع.

١١٩

المروزي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ولا وارث له إلا خاله كتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له»(١) .

حدثنا وكيع عن أبي خالد عن الشعبي أن مولى لابنة حمزة توفي وترك ابنته وابنة حمزة ، فأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف(٢) .

قال الشعبي. لا أدري أكان هذا قبل الفرائض أم بعدها ، وابنة حمزة إنما أخرجها علي من مكة سنة سبع عام عمرة القضاء ، والفرائض إنما نزلت بعد أحد بقليل.

قال ابن أبي نصر وقال بعضهم : إنما خرجت من مكة وهي غير مدرك فإن كان ذلك فقد أمكن إدراكها وعتقها وموت مولاها في هذه المدة بعد نزول الفرائض. وفي هذا رد على من يورثه بالرد. وقد روي أن المولى كان لحمزة والصحيح كان لابنته. روى وائلة بن الأسقع أبو صافة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ترث المرأة ثلاثة مواريث : عتيقها ولقيطها والولد الذي لاعنت له»(٣) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

بالولد للفراش ومن استلحق بعد موت أبيه

من كتاب ابن نصر(٤) المروزي : اتفق أهل العراق والحجاز والشام ومصر : على أن الزاني لا يلحق به نسب ، وكان إسحاق بن راهواه يذهب إلى أن المولود من الزنا إن لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه فلا يرثه ، إذا ادّعاه الزاني ألحق به ، وتأول قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر»(٥) على ذلك ، واحتج بما روي عن الحسن في رجل زنى بامرأة فولدت ولدا فادعى ولدها قال : يجلد ، ويلزمه الولد.

__________________

(١) رواه البيهقي (٦ / ٢١٤) مطولا ، والترمذي (٢١٠٤) في الفرائض وهو حديث حسن.

(٢) رواه البيهقي (٦ / ٢٤١). وإسناده منقطع.

(٣) رواه البيهقي (٦ / ٢٤٠). وفي إسناده عمر بن روبة وقال : هذا غير ثابت. قال : البخاري عمر بن روبة التغلبي عن عبد الواحد النصري فيه نظر. بلفظ (تحوز المرأة ثلاثة مواريث لقيطها. وعتيقها. وولدها الذي لا عنت له). ورواه الحاكم في المستدرك (٤ / ٣٤١) وقال الذهبي في التلخيص : هو من السنن الأربع من طريق عمر بن روبة عن عبد الواحد بن عبد الله عن واثلةرضي‌الله‌عنه .

(٤) ابن نصر : هو أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه العابد العالم. كان عالما بالحديث والفقه ـ قال أبو محمد الثقفي : سمعت جدي يقول : جالست أبا عبد الله المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم. توفيرحمه‌الله سنة (٢٩٤ ه‍ (

(٥) رواه البخاري (٦٨١٨) ، ومسلم (١٤٥٨) ، والترمذي رقم (١١٥٧) من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه .

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

يجزئ من أسنان الغنم في الهدي ، فقال : « الجذع من الضأن » قلت : فالمعز؟ قال : « لا يجوز الجذع من المعز » قلت : ولِمَ؟ قال : « لأنّ الجذع من الضأن يلقح ، والجذع من المعز لا يلقح»(١) .

مسألة ٥٩٨ : ويجب أن يكون تامّاً‌ ، فلا تجزئ العوراء ، ولا العرجاء البيّن عرجها ، ولا المريضة البيّن مرضها ، ولا الكسيرة(٢) التي لا تُنقي(٣) ، وقد وقع الاتّفاق بين العلماء على اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع.

روى العامّة عن البراء بن عازب ، قال : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن عرجها ، والكسيرة التي لا تنقي )(٤) أي التي لا مخّ لها لهزالها.

وأمّا المريضة فقيل : هي الجرباء ؛ لأنّ الجرب يفسد اللحم(٥) .

والوجه : اعتبار كلّ مرض يؤثّر في هزالها وفساد لحمها ، ومعنى البيّن عورها : أي التي انخسفت عينها وذهبت ، فإنّ ذلك ينقصها ؛ لأنّ شحمة العين عضو يستطاب أكله(٦) . والبيّن عرجها : لا تتمكّن من السير مع الغنم ولا تشاركها في العلف والرعي فتهزل.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٦ / ٦٩٠.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : الكبيرة ، وكذا في نظيرها الآتي في رواية البراء ابن عازب. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) أي : التي لا مخّ لها لضعفها وهزالها ، كما سيأتي ، والنقي : المخّ. النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١١٠ « نقا ».

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٩٧ / ٢٨٠٢.

(٥) القائل هو الخرقي من الحنابلة. اُنظر الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨.

(٦) في الطبعة الحجريّة : أكلها.

٢٦١

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام : ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يضحّى بالعرجاء البيّن عرجها ، ولا بالعوراء البيّن عورها ، ولا بالعجفاء ، ولا بالجرباء(١) ، ولا بالجذّاء ، وهي المقطوعة الاُذن ، ولا بالعضباء ، وهي المكسورة القرن »(٢) .

ولو كانت العوراء غير مخسوفة العين ، احتمل المنع ، لعموم الخبر ، وكما وقع الاتّفاق على منع ما اتّصف بواحدة من الأربع فكذا ينبغي على ما فيه نقص أكثر ، كالعمياء.

ولا يعتبر مع العمى انخساف العين إجماعاً ، لأنّه يخلّ بالمشي مع الغنم(٣) والمشاركة في العلف أكثر من إخلال العور.

مسألة ٥٩٩ : العضباء - وهي مكسورة القرن - لا تجزئ‌ إلّا إذا كان القرن الداخل صحيحاً ، فإنّه يجوز التضحية به - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمّار وسعيد بن المسيّب والحسن(٤) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام وعمّار(٥) ، ولم يظهر لهما مخالف من الصحابة.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في المقطوعة القرن أو المكسورة القرن : « إذا كان القرن الداخل صحيحاً فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعاً »(٦) .

ولأنّ ذلك لا يؤثّر في اللحم ، فأجزأت ، كالجمّاء.

وقال باقي العامّة : لا تجزئ - وقال مالك : إن كان يدمي ، لم يجز ،

____________________

(١) في المصدر : ولا بالخرماء.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٣ / ٧١٦.

(٣) في « ق ، ك » : النعم.

(٤ و ٥ ) المغني ٣ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٢١٣ / ٧١٧.

٢٦٢

وإلّا جاز(١) - لما رووه عن عليعليه‌السلام ، قال : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يضحّى بأعضب الاُذن والقرن »(٢) (٣) .

وهو محمول على ما كسر داخله.

وأمّا العضباء - وهي التي ذهب نصف اُذنها أو قرنها - فلا تجزئ ، وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

وكذا لا تجزئ عندنا ما قُطع ثلث اُذنها - وبه قال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الاُخرى(٥) - لأنّ ما قطع بعض اُذنها يصدق عليها أنّها مقطوعة الاُذن ، فتدخل تحت النهي.

مسألة ٦٠٠ : لا بأس بمشقوقة الاُذن أو مثقوبتها‌ إذا لم يكن قد قطع من الاُذن شي‌ء ؛ لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « اُمرنا أن نستشرف العين والاُذن(٦) ولا نضحّي بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء ».

قال زهير : قلت لأبي إسحاق : ما المقابلة؟ قال : يقطع طرف الاُذن ، قلت : فما المدابرة؟ قال : يقطع من مؤخّر الاُذن ، قلت : فما الخرقاء؟ قال : تشقّ الاُذن ، قلت : فما الشرقاء؟ قال : تشقّ اُذنها للسمة(٧) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٥١ / ٣١٤٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٩٠ / ١٥٠٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٨ / ٢٨٠٥ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٢٤ ، مسند أحمد ١ : ٨٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٩٦ و ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٨٥ ، المغني ٣ : ٥٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨.

(٥) النتف ١ : ٢٤٠ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٨٥ ، المغني ٣ : ٥٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨.

(٦) أي : نتأمّل سلامتهما من آفةٍ تكون بهما. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٤٦٢ « شرف ».

(٧) المغني ٣ : ٥٩٧ - ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٧ - ٩٨ / ٢٨٠٤ ، وفي سنن النسائي ٧ : ٢١٦ و ٢١٧ بدون الذيل.

٢٦٣

ومن طريق الخاصّة : قول عليعليه‌السلام : « أَمَرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأضاحي أن نستشرف العين والاُذن ، ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة »(١) .

يقال : استشرفت الشي‌ء : إذا رَفَعْتَ بصرَك تنظر إليه ، وبَسَطْتَ كفَّك فُويق حاجبك كأنّك تستظلّ من الشمس.

وسُئل أحدهماعليهما‌السلام عن الأضاحي إذا كانت الاُذن مشقوقةً أو مثقوبةً بسمة ، فقال : « ما لم يكن مقطوعاً فلا بأس »(٢) .

مسألة ٦٠١ : لا يجزئ الخصيّ عند علمائنا‌ ؛ لما رواه العامّة عن أبي بردة أنّه قال : يا رسول الله عندي جذعة من المعز ، فقال : ( تجزئك ولا تجزئ أحداً بعدك )(٣) .

قال أبو عبيد : قال إبراهيم الحربي : إنّما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي دون الجذع من المعز ؛ لأنّ جذع الضأن يلقح ، بخلاف جذع المعز(٤) وهذا المقتضي موجود في الخصي.

ومن طريق الخاصّة : رواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الاُضحية بالخصي ، قال : « لا »(٥) .

ولأنّه ناقص ، فلا يكون مجزئاً.

وقال بعض العامّة : إنّه يجزئه(٦) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٣ / ١٤٤٩ ، والتهذيب ٥ : ٢١٢ / ٧١٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٣ / ٧١٨.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٩٦ - ٩٧ / ٢٨٠٠ و ٢٨٠١ ، المغني ٣ : ٥٩٥ نقلاً بالمعنى.

(٤) المغني ٣ : ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٢١٠ - ٢١١ / ٧٠٧.

(٦) المغني ٣ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٢ : ١١ ، المجموع ٨ : ٤٠١.

٢٦٤

قال الشيخ : لو ضحّى بالخصيّ ، وجب عليه الإعادة إذا قدر عليه(١) ؛ لأنّه غير المأمور به ، فلا يخرج به عن العهدة.

ولأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل - في الصحيح - الكاظمعليه‌السلام عن الرجل يشتري الهدي ، فلمـّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب ولم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجوز في الهدي هل يجزئه أم يعيد؟ قال : « لا يجزئه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه »(٢) .

ويكره الموجوء - وهو مرضوض الخصيتين - لما روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ضحّى بكبشين أملحين موجوءين ، رواه العامّة(٣) .

وأمّا مسلول البيضتين : فالأقوى أنّه كالخصيّ.

وأمّا الجمّاء - وهي التي لم يخلق لها قرن - تجزئ.

قال بعض العامّة : لا تجزئ ؛ لأنّ عدم القرن أكثر من ذهاب بعضه(٤) .

ونمنع الحكم في الأصل.

والأقرب : إجزاء البتراء ، وهي مقطوعة الذنب ، وكذا الصمعاء ، وهي التي لم يخلق لها اُذن ، أو كان لها اُذن صغيرة ؛ لأنّ فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصاً في قيمة الشاة ولا في لحمها.

مسألة ٦٠٢ : المهزولة - وهي التي ليس على كليتها شي‌ء من الشحم - لا تجزئ‌ ، لأنّه قد منع من العرجاء لأجل الهزال فالمهزولة أولى بالمنع.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وإن اشتراه وهو يعلم أنّه مهزول لم يجزئ‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١١ ، النهاية : ٢٥٨ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٧٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١١ / ٧٠٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٩٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٥ / ٢٧٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٣ - ١٠٤٤ / ٣١٢٢.

(٤) المغني ٣ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٠.

٢٦٥

عنه »(١) .

وروى الفضيل ، قال : حججت بأهلي سنة ، فعزّت الأضاحي ، فانطلقت فاشتريت شاتين بالغلاء ، فلمـّا ألقيت إهابهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال ، فأتيته فأخبرته ذلك ، فقال : « إن كان على كليتيها شي‌ء من الشحم أجزأت »(٢) .

ويستحب أن تكون سمينةً تنظر في سواد وتمشي في سواد وتبرك في سواد - قيل : أن تكون هذه المواضع منها سوداً ، وقيل : يكون سميناً له ظلّ يمشي فيه ويأكل فيه وينظر فيه - لأنّ محمد بن مسلم روى - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد وينظر في سواد »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو اشترى هدياً على أنّه سمين فوجده مهزولاً ، أجزأ عنه ، وكذا لو اشتراه على أنّه مهزول فخرج سميناً ، أجزأه أيضاً ؛ للامتثال.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وإن اشترى الرجل هدياً وهو يرى أنّه سمين ، أجزأ عنه وإن لم يجده سميناً ، وإن اشترى وهو يرى أنّه مهزول فوجده سميناً ، أجزأ عنه ، وإن اشتراه وهو يعلم أنّه مهزول ، لم يجزئ عنه »(٤) .

ولو اشترى هدياً ثم أراد(٥) أن يشتري أسمن منه ، فليشتره وليبع الأوّل إن أراد ؛ لأنّه لم يتعيّن للذبح.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١١ - ٢١٢ / ٧١٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٢ / ٧١٤ بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٥ / ٦٨٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢١١ - ٢١٢ / ٧١٢.

(٥) في الطبعة الحجرية : ثم عنّ له ، بدل ثم أراد.

٢٦٦

ولقول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - في رجل اشترى شاةً ثم أراد أن يشتري أسمن منها ، قال : « يشتريها ، فإذا اشترى باع الاُولى » ولا أدري شاةً قال أو بقرة(١) .

ولو اشترى هدياً ثم وجد به عيباً ، لم يجزئ عنه(٢) ، قاله الشيخ في التهذيب(٣) ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمَعليه‌السلام - في الصحيح - عن الرجل يشتري الاُضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها هل يجزئ عنه؟ قال : « نعم إلّا أن يكون هدياً واجباً فإنّه لا يجوز ناقصاً »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو اشتراه على أنّه تامٌّ فوجده ناقصاً ، لم يجزئ عنه.

مسألة ٦٠٣ : الإناث من الإبل والبقر أفضل من الذكران ، والذكران من الضأن والمعز أولى ، ولا خلاف في جواز العكس في البابين ، إلّا ما روي عن ابن عمر أنّه قال : ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك ، وإن أنحر اُنثى أحبّ إليَّ(٥) .

ولا تصريح فيه بالمنع ، والآية عامّة في قوله تعالى :( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) (٦) .

وروى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أهدى جملاً لأبي جهل في أنفه بُرَة(٧) من فضّة(٨) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٢ / ٧١٣.

(٢) في « ق ، ك » : لم يجزئه.

(٣) التهذيب ٥ : ٢١٣ ذيل الحديث ٧١٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٢١٣ - ٢١٤ / ٧١٩.

(٥) المغني ٣ : ٥٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤١.

(٦) الحجّ : ٣٦.

(٧) البُرَة : حلقة تجعل في لحم الأنف. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٢٢ « بره ».

(٨) سنن أبي داود ٢ : ١٤٥ / ١٧٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٠.

٢٦٧

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « أفضل البُدْن ذوات الأرحام من الإبل والبقر »(١) .

وقد تجزئ الذكورة من البُدْن والضحايا من الغنم الفحولة.

ويكره التضحية بالجاموس وبالثور ؛ لقول لأبي بصير : سألته عن الأضاحي ، فقال : « أفضل الأضاحي في الحجّ الإبل والبقر ذوو الأرحام ، ولا يضحّى بثور ولا جمل »(٢) .

ويستحب أن يكون الهدي ممّا عُرّف به - وهو الذي اُحضر عرفة عشيّة عرفة - إجماعاً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يضحّى إلّا بما قد عرّف به »(٣) .

ومنع ابن عمر وسعيد بن جبير من التضحية بما لم يعرَّف به(٤) .

والأصل عدم الوجوب ، وسأل سعيدُ بن يسار الصادقَعليه‌السلام : عمّن اشترى شاة لم يعرَّف بها ، قال : « لا بأس عُرّف بها أو لم يُعرّف »(٥) .

ولو أخبر البائع بالتعريف ، قُبل منه ؛ لأنّ سعيد بن يسار سأل الصادقَعليه‌السلام : إنّا نشتري الغنم بمنى ولسنا ندري هل عُرّف بها أم لا؟ فقال : « إنّهم لا يكذبون ، لا عليك ضحّ بها »(٦) .

تذنيب : قال مالك في هدي المجامع : إن لم يكن ساقه ، فليشتره من مكّة ثم ليخرجه إلى الحِلّ ، وليسقه إلى مكّة(٧) .

فاشترط فيه الجمع بين‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٤ / ٦٨٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٤ / ٦٨٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٦ - ٢٠٧ / ٦٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٦.

(٤) اُنظر : الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٧ / ٦٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٧ / ٦٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٩.

(٧) الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩.

٢٦٨

الحِلّ والحرم ، ولم يوافقه أحد.

لنا : الأصل براءة الذمّة ، ولأنّ القصد اللحم ونفع المساكين به ، وهو لا يقف على ما ذكره ، ولا دليل على قوله.

البحث الرابع : في البدل.

مسألة ٦٠٤ : إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه ، انتقل إلى البدل عنه ، وهو صوم عشرة أيّام : ثلاثة أيّام في الحجّ متتابعات ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) (١) .

وتعتبر القدرة على الهدي في مكانه ، فمتى عدمه في موضعه ، انتقل إلى الصوم وإن كان قادراً عليه في بلده ؛ لأنّ وجوبه موقّت ، وما كان ذلك اعتبرت القدرة عليه في موضعه ، كالماء في الطهارة إذا عدمه في موضعه ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٦٠٥ : ولو لم يجد الهدي ووجد ثمنه ، فأكثر علمائنا(٢) على أنّه يضع الثمن عند مَنْ يثق به‌ من أهل مكّة ليشتري له به هدياً ويذبحه عنه في بقية ذي الحجّة ، فإن خرج ذو الحجّة ولم يجد ، اشترى له في ذي الحجّة في العام المقبل ؛ لأنّ وجدان الثمن بمنزلة وجدان العين ، كواجد ثمن الماء ، مع أنّ النصّ ورد :فإن لم تجدوا ماء (٣)

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) منهم ابنا بابويه كما في الفقيه ٢ : ٣٠٤ ، والشيخ المفيد في المقنعة : ٦١ ، والسيّد المرتضى في الانتصار : ٩٣ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٥٤ ، والمبسوط ١ : ٣٧٠.

(٣) الآية في سورتي النساء : ٤٣ والمائدة : ٦:( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) .

٢٦٩

وكذا وجدان ثمن الرقبة في العتق ؛ لأنّ التمكّن يحصل باعتبار الثمن هناك ، ويصدق عليه أنّه واجد للثمن ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام في متمتّع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : « يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة ويأمر مَنْ يشتري له ويذبح عنه وهو يجزئ عنه ، فإن مضى ذو الحجّة أخّر ذلك إلى قابل [ من ] ذي الحجّة »(١) .

مسألة ٦٠٦ : لو فقد الهدي والثمن ، انتقل إلى الصوم ، ويستحب أن تكون الثلاثة في الحجّ يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، عند علمائنا - وبه قال عطاء وطاوُس والشعبي ومجاهد والحسن والنخعي وسعيد بن جبير وعلقمة وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي(٢) - لأنّ هذه الأيّام أشرف من غيرها ، ويوم عرفة أفضل من غيره من أيّام ذي الحجّة ، فكان صومه أولى.

ولقول الصادقعليه‌السلام في متمتّع لا يجد الهدي : « فليصم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة»(٣) ولرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « صوم الثلاثة الأيّام إن صامها فآخرها يوم عرفة »(٤) .

وقال الشافعي : آخرها يوم التروية - وهو محكي عن ابن عمر‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٨ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧ / ١٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٠ / ٩١٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤١ - ٣٤٢ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨ - ٣٩ / ١١٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٤ / ٧٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ / ١٠٠٣ ، وفيهما عن محمد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام .

٢٧٠

وعائشة ، ومرويّ عن أحمد - لأنّ صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب(١) .

وجوابه : أنّ ذلك لموضع الحاجة.

مسألة ٦٠٧ : لو فاته هذه الثلاثة ، صامها بعد أيّام منى‌ ، ولا يسقط عنه الصوم لفواته في العشر - وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عمر وعائشة وعروة بن الزبير والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه صوم واجب ، فلا يسقط بفوات وقته ، كرمضان.

ولرواية رفاعة ، قال : سألت الصادقعليه‌السلام : فإنّه قدم يوم التروية ، قال : « يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق » قلت : لم يقم عليه جمّالُه ، قال : « يصوم يوم الحصبة وبعده يومين » قال : قلت : وما الحصبة؟ قال : « يوم نفره » قلت : يصوم وهو مسافر!؟ قال : « نعم أفليس هو يوم عرفة مسافراً؟ إنّا أهل البيت نقول ذلك ، لقول الله عزّ وجلّ :( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٣) يقول : في ذي الحجّة »(٤) .

وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوُس ومجاهد : إذا فاته الصوم في العشر ، لم يصمه بعده ، واستقرّ الهدي في ذمّته ، لقوله تعالى :( فِي الْحَجِّ ) (٥) .

ولأنّه بدل موقّت ، فيسقط بخروج وقته ، كالجمعة(٦) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٥٣ ، المجموع ٧ : ١٨٦ ، المغني ٣ : ٥٠٧ - ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ، المجموع ٧ : ١٨٦ و ١٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٠ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٥.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٦ - ٥٠٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ - ٣٩ / ١١٤.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١.

٢٧١

والآية تدلّ على وجوبه في الحجّ ، أي في أشهر الحجّ ، وذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ.

وقياسهم باطل ؛ لأنّ الجمعة ليست بدلاً ، وسقطت ؛ لأنّ الوقت جعل شرطاً لها كالجماعة.

مسألة ٦٠٨ : ويجوز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحجّ ، وقد وردت رخصة في جواز صومها من أوّل العشر إذا تلبّس بالمتعة - وبه قال الثوري والأوزاعي(١) - لأنّ إحرام العمرة أحد إحرامي التمتّع ، فجاز الصوم بعده وبعد الإحلال منه ، كإحرام الحجّ.

وقد روى زرارة عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « مَنْ لم يجد الهدي وأحبَّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أوّل العشر فلا بأس بذلك »(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجوز صومها إذا أحرم بالعمرة. وهو رواية عن أحمد(٣) .

وعنه رواية اُخرى : إذا أحلّ من العمرة(٤) .

وقال مالك والشافعي : لا يجوز إلّا بعد الإحرام بالحجّ - وبه قال إسحاق وابن المنذر ، وهو مروي عن ابن عمر - لقوله تعالى :( ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٥) .

ولأنّه صوم واجب ، فلا يجوز تقديمه على وقت وجوبه ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٥ / ٧٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ / ١٠٠٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، المجموع ٧ : ١٩٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٥ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٩ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩.

(٤) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢.

(٥) البقرة : ١٩٦.

٢٧٢

كرمضان(١) .

والآية لا بدّ فيها من تقدير ؛ فإنّ الحجّ أفعال لا يصام فيها ، إنّما يصام في وقتها أو في أشهرها ؛ لقوله تعالى :( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) (٢) .

والتقديم جائز إذا وجد السبب ، كتقديم التكفير على الحنث عنده.

إذا عرفت هذا ، فلا يجوز تقديم صومها على إحرام العمرة إجماعاً ، إلّا ما روي عن أحمد أنّه يجوز تقديم صومها على إحرام العمرة(٣) .

وهو خطأ ؛ لأنّه تقديم للواجب على وقته وسببه ، ومع ذلك فهو خلاف الإجماع.

مسألة ٦٠٩ : ولا يجوز أن يصوم أيّام التشريق بمنى في بدل الهدي وغيره ، عند علمائنا‌ - وبه قال عليعليه‌السلام ، والحسن وعطاء وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين ، والشافعي في الجديد(٤) - لما رواه العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن صيام ستّة أيّام : يوم الفطر والأضحى وأيّام التشريق واليوم الذي يشكّ فيه من رمضان(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الصدوق عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه بعث بديل ابن ورقاء الخزاعي على جمل أورق ، وأمره أن يتخلّل الفساطيط وينادي‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، المجموع ٧ : ١٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٩.

(٢) البقرة : ١٩٧.

(٣) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢.

(٤) المغني ٣ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ، الوجيز ١ : ١٠٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ - ٤١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٣ و ٤٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٥٤ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٠.

(٥) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٧ / ٦.

٢٧٣

في الناس أيّام منى : « ألا لا تصوموا ، إنّها أيّام أكل وشرب وبعال »(١) .

وسأل معاويةُ بن عمّار الصادقَعليه‌السلام عن الصيام أيّام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا »(٢) .

وقال الشافعي في القديم : يجوز صيامها. وهو رواية عن أحمد ، وبه قال ابن عمر وعائشة ومالك وإسحاق(٣) ؛ لما رواه ابن عمر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيّام التشريق(٤) .

وهو ضعيف السند.

مسألة ٦١٠ : لو لم يصمها بعد أيّام التشريق ، جاز صيامها طول ذي الحجّة أداءً لا قضاءً‌ - وبه قال الشافعي ومالك(٥) - لأنّه صوم واجب ، فلا يسقط بفوات وقته كرمضان.

ولرواية زرارة - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « مَنْ لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك »(٦) .

وقال أبو حنيفة : إذا فاته الصوم بخروج يوم عرفة ، سقط الصوم واستقرّ الهدي في ذمّته ؛ لقوله تعالى :( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٧) (٨) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٠٢ - ٣٠٣ / ١٥٠٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٥٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٣ و ٤٤٥ ، المغني ٣ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٨٦ / ٢٩.

(٥) فتح العزيز ٧ : ١٧٣ - ١٧٤ ، المجموع ٧ : ١٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٠.

(٦) الفقيه ٢ : ٣٠٣ / ١٥٠٨.

(٧) البقرة : ١٩٦.

(٨) أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٥ ، فتح العزيز ٧ : ١٧٤.

٢٧٤

وليس حجّةً ؛ لدلالتها على الوجوب في أشهر الحجّ ، لا على السقوط بعد انقضاء عرفة.

ولا يجوز صوم هذه الأيّام الثلاثة إلّا في ذي الحجّة بعد التلبّس بالمتعة.

ولو خرج ذو الحجّة وأهلّ الـمُحرَّم ، سقط فرض الصوم ، واستقرّ الهدي في ذمّته - وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّه صوم فات وقته ، فيسقط إلى مُبْدله ، كالجمعة.

ولما رواه منصور - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « مَنْ لم يصم في ذي الحجّة حتّى يهلّ هلال الـمُحرَّم فعليه دم شاة ، وليس له صوم ، ويذبح بمنى »(٢) .

وقال الشافعي : لا يسقط الصوم ، ولا تجب الشاة ، لأنّه صوم يجب بفواته القضاء ، فلم تجب به كفّارة ، كصوم رمضان(٣) .

ونمنع وجوب القضاء.

وقال أحمد : يجوز الصوم ، ولا يسقط بفوات وقته ، لكن يجب عليه دم شاة(٤) .

مسألة ٦١١ : يجب صوم الثلاثة متتابعاً إلّا في صورة واحدة ، وهي أنّه إذا فاته قبل يوم التروية ، فإنّه يصوم يوم التروية وعرفة ويفطر يوم العيد ثم‌

____________________

(١) اُنظر أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٥ ، وفتح العزيز ٧ : ١٧٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٩ / ١١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٨ / ٩٨٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٧٣ - ١٧٤ ، المجموع ٧ : ١٩٣ ، المغني ٣ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٤.

(٤) المغني ٣ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، فتح العزيز ٧ : ١٧٤ ، المجموع ٧ : ١٩٣.

٢٧٥

يصوم يوماً آخر بعد انقضاء أيّام التشريق.

ولو صام غير هذه الأيّام ، وجب فيها تتابع الثلاثة ، ولا يجوز تخلّل الإفطار بين اليومين والثالث إلّا في الصورة التي ذكرناها.

ولم يوجب العامّة(١) التتابع.

والاحتياط ينافيه ؛ لأنّ الأمر ينبغي المسارعة إليه بقدر الإمكان ، وهو إنّما يتحقّق بالتتابع.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يصوم الثلاثة الأيّام متفرّقة »(٢) .

وقالعليه‌السلام فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة : « يجزئه أن يصوم يوماً آخر »(٣) .

وأمّا السبعة : فلا خلاف في جواز تفريقها ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن صوم السبعة اُفرّقها؟ قال : « نعم »(٤) .

مسألة ٦١٢ : أوجب علماؤنا التفريق بين الثلاثة والسبعة ؛ لأنّهم أوجبوا صوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة في بلده - وبه قال الشافعي في حرملة ، ونقله المزني عنه(٥) - لقوله تعالى :( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) (٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٤ ، فتح العزيز ٧ : ١٩٠ ، المجموع ٧ : ١٩٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٢ / ٧٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٠ / ٩٩٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣١ / ٧٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩ / ٩٩١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٣ / ٧٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨١ / ٩٩٨.

(٥) فتح العزيز ٧ : ١٧٤ - ١٧٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٥ ، تحفة الفقهاء ١ : ٤١٢ ، مختصر المزني : ٦٤.

(٦) البقرة : ١٩٦.

٢٧٦

وما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل : ( فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله )(١) .

ومن طريق الخاصّة : رواية علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : « ولا يجمع الثلاثة والسبعة جميعاً »(٢) .

والقول الثاني للشافعي : يصوم إذا فرغ من أيّام الحجّ. وبه قال أبو حنيفة وأحمد - وحكي عن الشافعي أنّه يصوم إذا خرج من مكّة سائراً في الطريق ، وبه قال مالك - لأنّ كلّ مَنْ لزمه صوم وجاز له أن يؤدّيه إذا رجع إلى وطنه جاز قبل ذلك ، كقضاء رمضان(٣) .

والقياس لا يعارض الكتاب والحديث.

مسألة ٦١٣ : هذه السبعة تصام إذا رجع إلى أهله ، وإن أقام بمكّة ، انتظر وصول الناس إلى بلده ، أو مضيّ شهر ثم يصومها ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَنْ كان متمتّعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بمكّة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهراً ثم صام »(٤) .

وقال مالك وأبو حنيفة : يصوم بعد مضيّ أيّام التشريق(٥) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧ و ٢٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٥ / ٩٥٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨١ / ٩٩٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المجموع ٧ : ١٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٥ ، المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ - ٣٤٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٤ / ٧٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٢ - ٢٨٣ / ١٠٠٢.

(٥) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ١ : ١٣١ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٨ - ٢٩٩ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١.

٢٧٧

وقال عطاء ومجاهد : يصومها في الطريق. وهو قول إسحاق(١) .

وقال ابن المنذر : يصومها إذا رجع إلى أهله(٢) . وللشافعي ثلاثة أقوال تقدّمت في المسألة السابقة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ التفريق بين صوم الثلاثة والسبعة واجب ، لما تقدّم.

ولو لم يصم الثلاثة وأقام بمكة حتى مضى شهر ، أو وصل أصحابه إلى بلده ، لم يجب عليه التفريق ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الثاني : يجب عليه التفريق.

وفي كيفيّته أربعة أقوال : أحدها : يفصل بقدر المسافة وأربعة أيّام ، وثانيها : بأربعة أيّام ، وثالثها : قدر المسافة ، ورابعها : يفصل بيوم(٣) .

مسألة ٦١٤ : لو مات مَنْ وجب عليه الصوم ولم يصم ، فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شي‌ء من العشرة ، سقط الصوم‌ ، ولا يجب على وليّه القضاء عنه ، ولا الصدقة عنه - وهو قول أكثر العامّة والشافعي في أحد القولين(٤) - لأنّه غير واجد للهدي ، فلا يجب عليه ، ولا قادر على الصوم ، فلا يجب أيضاً عليه. نعم يستحب للوليّ القضاء عنه.

ولو تمكّن من صيام العشرة وأهمل ، قال الشيخ : يقضي الوليّ عنه ثلاثة أيّام وجوباً ، ولا يجب قضاء السبعة(٥) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ - ٣٤٣.

(٢) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٨ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٨٣ - ١٨٥ ، المجموع ٧ : ١٨٨ - ١٨٩.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٩٣ ، المجموع ٧ : ١٩٢ ، المغني ٣ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٧٠.

٢٧٨

وقال ابن إدريس : يجب قضاء السبعة أيضاً(١) . وهو المعتمد - وهو أحد قولي الشافعي(٢) - لأنّه صوم واجب لم يفعله ، فوجب على وليّه القضاء عنه ، كرمضان.

ولرواية معاوية بن عمّار ، قال : « مَنْ مات ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليّه »(٣) .

ولو لم يتمكّن من صيام السبعة ، لم يجب على الوليّ قضاؤها.

وفي القول الثاني للشافعي : يتصدّق الوليّ عنه(٤) ، وهو قول العامّة.

إذا عرفت هذا ، فلو تمكّن الحاجّ من صوم السبعة بعد رجوعه إلى أهله ، وجب عليه صيامها ، ولا تجزئ الصدقة عنها ؛ لأنّ الصدقة بدل ، فلا تجزئ مع التمكّن من فعل الـمُبْدل عنه ، كالتيمّم.

مسألة ٦١٥ : لو تلبّس بالصوم ثم أيسر أو وجد الهدي ، لم يجب عليه الهدي ، بل استحبّ له - وبه قال الحسن وقتادة ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لقوله تعالى( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ) (٦) مقتضاه وجوب الصوم على غير الواجد ، وهذا غير واجد ، والانتقال إلى الهدي يحتاج إلى دليل.

____________________

(١) السرائر : ١٣٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١٩٣ - ١٩٤ ، المجموع ٧ : ١٩٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٩ / ١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠ / ١١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦١ / ٩٢١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٩٣ - ١٩٤ ، المجموع ٧ : ١٩٢.

(٥) المغني ٣ : ٥١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٩ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٥ ، الوجيز ١ : ١١٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٧ ، المحلّى ٧ : ١٤٥.

(٦) البقرة : ١٩٦.

٢٧٩

وظاهر كلام الشيخ : اشتراط صيام ثلاثة أيّام(١) ، وبه قال حمّاد والثوري(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجب عليه الانتقال إلى الهدي ، وكذا إذا وجد الهدي بعد أن صام ثلاثة أيّام قبل يوم النحر [ و ](٣) إن وجده بعد أن مضت أيّام النحر ، أجزأه الصوم وإن لم يتحلّل ؛ لأنّه قد مضى زمان التحلّل ، لأنّه وجد الـمُبْدل قبل فراغه من البدل ، فأشبه المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء تيمّمه ، وإذا وجد الهدي قبل يوم النحر فقد وجد الـمُبْدل قبل حصول المقصود بالبدل ، وهو التحلّل(٤) .

والفرق : أنّ المقصود من التيمّم الصلاة ، وليس مقصوداً في نفسه ، والصوم عبادة مقصودة يجب ابتداءً بالشرع لا كغيرها.

مسألة ٦١٦ : لو أحرم بالحجّ ولم يصم ثم وجد الهدي ، تعيّن عليه الذبح ، ولا يجزئه الصوم - وبه قال أحمد في إحدى الروايتين ، والشافعي في بعض أقواله(٥) - لأنّه قدر على الـمُبْدل قبل شروعه في البدل ، فلزمه الانتقال إليه ، كالمتيمّم إذا وجد الماء ، ولحصول يقين البراءة مع الذبح ، بخلاف الصوم.

وقال الشافعي في بعض أقواله : فرضه الصوم ، وإن أهدى كان‌

____________________

(١) النهاية : ٢٥٦ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٧١.

(٢) المغني ٣ : ٥١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١.

(٣) أضفناها لأجل السياق.

(٤) أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٥ ، المحلّى ٧ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٩.

(٥) المغني ٣ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ - ١٩٢ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، المحلّى ٧ : ١٤٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460