تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460
المشاهدات: 164414
تحميل: 4778


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 164414 / تحميل: 4778
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 8

مؤلف:
ISBN: 964-319-051-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أفضل(١) .

وله قول ثالث : إنّ عليه الهدي لا غير ، ولا يجزئه الصيام ، وهو الرواية الثانية لأحمد(٢) .

والشافعي بنى أقواله على أقواله في الكفّارات هل الاعتبار بحال الوجوب أو الأداء؟ فإن قلنا بحال الوجوب ، أجزأه الصيام ، وإن قلنا بحال الأداء أو بأغلظ الحالين ، لزمه الهدي(٣) .

مسألة ٦١٧ : لو تعيّن عليه الصوم وخاف الضعف عن المناسك يوم عرفة ، أخّر الصوم إلى بعد انقضاء أيّام التشريق‌ ، ولو خرج عقيب أيّام التشريق ولم يصم الثلاثة ، صامها في الطريق أو إذا رجع إلى أهله ؛ للرواية(٤) الصحيحة عن الصادقعليه‌السلام . والأفضل المبادرة إلى صومها في الطريق ؛ إذ ليس السفر مانعاً.

هذا إذا لم يهلّ المحرّم ، فإذا أهلّ قبل صومها ، تعيّن عليه الهدي.

قال الشيخ : ولو لم يصم الثلاثة لا بمكّة ولا في الطريق ورجع إلى بلده وكان متمكّناً من الهدي ، بعث به ، فإنّه أفضل من الصوم.

قال : والصوم بعد أيّام التشريق يكون أداءً لا قضاءً ، فلو أحرم بالحجّ ولم يكن صام ثم وجد الهدي ، لم يجز له الصوم ، وتعيّن عليه الهدي ، فلو مات ، اشتُري الهدي من صلب ماله ؛ لأنّه دَيْنٌ(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ - ١٩٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المغني ٣ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ - ١٩٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٧ - ٥٠٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩ / ١١٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٧١.

٢٨١

ولو مات مَنْ وجب عليه الهدي ، اُخرج من صلب التركة ؛ لأنّه دَيْنٌ.

مسألة ٦١٨ : مَنْ وجب عليه بدنة في كفّارة أو نذر ولم يجد ، كان عليه سبع شياه على الترتيب عندنا‌ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(١) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتاه رجل فقال : إنّ عليّ بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها؟ فأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبتاع سبع شياه فيذبحهنّ(٢) (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء ، قال : « إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في منزله »(٤) والترتيب على عدم الوجدان يدلّ على الترتيب.

وقال أحمد في الرواية الأخرى : إنّها على التخيير ، لأنّ الشاة معدولة بسبع بدنة وهي أطيب لحماً ، فكانت أولى(٥) .

ونمنع المعادلة.

إذا عرفت هذا ، فلو لم يتمكّن من سبع شياه ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ للرواية(٦) عن الصادقعليه‌السلام . ولو وجب عليه سبع شياه ، لم تجزئه بدنة.

وفرّق أحمد بين وجوب السبع من(٧) جزاء الصيد وبين وجوبها في كفّارة محظورٍ ، فذهب إلى الجواز في الثاني ؛ لأنّ الواجب ما استيسر من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٩٣.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : فذبحهنّ. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٨ / ٣١٣٦ ، مسند أحمد ١ : ٣١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٧ / ٨٠٠ و ٤٨١ / ١٧١١.

(٥) المغني ٣ : ٥٩٣ - ٥٩٤.

(٦) المصدر في الهامش (٤).

(٧) كذا ، والظاهر : في ، بدل من.

٢٨٢

الهدي ، وهو شاة أو سُبع بدنة ، وقد كان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يشترك السبعة منهم في البقرة أو البدنة(١) . وذهب إلى المنع في الأوّل ؛ لأنّ سبعاً من الغنم أطيب لحماً من البدنة ، فلا يعدل إلى الأدنى(٢) .

ولو وجب عليه بقرة ، فالأقرب إجزاء بدنة ؛ لأنّها أكثر لحماً وأوفر.

ولو لزمه بدنة في غير النذر وجزاء الصيد ، قال أحمد : تجزئه بقرة ؛ لأنّ جابراً قال : كنّا ننحر البدنة عن سبعة ، فقيل له : والبقرة؟ فقال : وهل هي إلّا من البُدْن؟(٣) (٤) .

والحقّ خلافه.

أمّا النذر : فإن عيّن شيئاً ، انصرف إليه ، وإن أطلق في النيّة واللفظ ، أجزأه أيّهما كان ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وفي الثانية : تتعيّن البدنة ، وهو قول الشافعي(٥) .

البحث الخامس : في الأحكام.

مسألة ٦١٩ : [ قال الشيخ : ](٦) الهدي إن كان واجباً ، لم يجزئ الواحد إلّا عن واحد‌ حالة الاختيار(٧) . وكذا مع الضرورة على الأقوى ، وبه قال مالك(٨) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥١ و ٩٥٦ / ٣٥٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٩٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥٣ نحوه.

(٤و٥) المغني ٣ : ٥٩٤.

(٦) زيادة يقتضيها السياق وكما في منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٧٤٨.

(٧) الخلاف ، كتاب الضحايا ، المسألة ٢٧.

(٨) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٦٩ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، المغني ٣ : ٥٩٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤.

٢٨٣

ويتعيّن الصوم على الفاقد منهم ؛ للاحتياط ، ولقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « تجزئ البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزئ بمنى إلّا عن واحد »(١) .

وللشيخرحمه‌الله قول آخر : إنّه تجزئ مع الضرورة عن سبعة وعن سبعين(٢) ؛ لما رواه العامّة عن جابر ، قال : كنّا نتمتّع مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حمران - في الحسن - قال : عزّت البُدْنُ سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار ، فسُئل الباقرعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « اشتركوا فيها » قال : قلت : كم؟ قال: « ما خفّ فهو أفضل » فقال : قلت : عن كم تجزئ؟ فقال : « عن سبعين »(٤) .

ويحتمل أن يقال : إن ملك واحد الثمن ، وجب عليه أن يهدي عن نفسه ويأمر العاجز عن الثمن وبعضه بالصوم. ولو تمكّن كلّ واحد منهم على بعض الثمن بحيث يحصل الهدي ، جاز الاشتراك ؛ لأنّه أنفع للفقراء من الصوم.

وقال سوادة القطان للصادقعليه‌السلام : إنّ الأضاحي قد عزّت علينا ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا جزوراً فانحروها فيما بينكم » قلنا : فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا بقرةً فيما بينكم » قلنا : فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا شاةً فاذبحوها فيما بينكم » قلنا : تجزئ عن سبعة؟ قال :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨ / ٦٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ / ٩٤٠.

(٢) النهاية : ٢٥٨ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٧٢ ، الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٥.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٦ / ٣٥٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٦ - ٤٩٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٠٩ / ٧٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ / ٩٤٨.

٢٨٤

« نعم وعن سبعين »(١) .

وقال الشافعي : يجوز للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة ، سواء كان واجباً أو تطوّعاً ، وسواء أراد جميعهم القربة ، أو بعضهم وأراد الباقون اللحم(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجوز اشتراك السبعة في البدنة والبقرة إذا كانوا متقرّبين كلّهم ، تطوّعاً كان أو فرضاً ، ولا يجوز إذا لم يُردْ بعضهم القربة(٣) .

والشيخ –رحمه‌الله - اشترط في الخلاف اجتماعهم على قصد التقرّب ، سواء كانوا متطوّعين أو مفترضين أو بالتفريق ، وسواء اتّفقت مناسكهم بأن كانوا متمتّعين أو قارنين أو افترقوا(٤) .

إذا عرفت هذا ، فقد شرط علماؤنا في المشتركين أن يكونوا أهل خوان واحد ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد »(٥) .

وأمّا التطوّع : فيجزئ الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار ، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعاً.

مسألة ٦٢٠ : الهدي إمّا تطوّع ، كالحاجّ أو المعتمر إذا ساق معه هدياً

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٩ / ٧٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ / ٩٤٧.

(٢) الأُمّ ٢ : ٢٢٢ ، مختصر المزني : ٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤ - ٣٧٥ ، فتح العزيز ٨ : ٦٥ - ٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٣١ - ١٣٢ و ١٤٤ ، المغني ٣ : ٥٩٤ - ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٨ : ٦٦ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٤٤١ - ٤٤٢ ، المسألة ٣٤١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٨ / ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ / ٩٤٢.

٢٨٥

بنيّة أنّه ينحره بمنى أو بمكّة من غير أن يشعره أو يقلّده ، فهذا لم يخرج عن ملك صاحبه ، بل له التصرّف فيه كيف شاء من بيع أو غيره. ولو تلف ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإمّا واجب ، وهو قسمان : أحدهما : واجب بنذر أو عهد أو يمين ، والثاني واجب ، وهو قسمان : أحدهما : واجب بنذر أو عهد أو يمين ، والثاني واجب بغيرها ، كهدي التمتّع وما وجب بترك واجبٍ أو فعل محظور.

والواجب بالنذر وشبهه قسمان :

أحدهما : أن يطلق النذر ، فيقول : لله عليَّ أن اُهدى بدنة ، مثلاً ، ويكون حكمه حكم ما وجب بغير النذر.

والثاني : أن يعيّنه ، مثل : لله عليَّ أن اُهدى هذه البدنة ، فيزول ملكه عنها ، وينقطع تصرّفه عنها ، وهي أمانة للمساكين في يده ، وعليه أن يسوقها إلى المنحر.

ويتعلّق الوجوب بعين المنذور دون ذمّة الناذر ، بل يجب عليه حفظه وإيصاله إلى المحلّ ، فإن تلف بغير تفريط أو سُرق ، أو ضلّ كذلك ، فلا ضمان.

وأمّا الواجب المطلق - كهدي التمتّع وجزاء الصيد والنذر غير المعيّن - فإمّا أن يسوقه وينوي به الواجب من غير أن يعيّنه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه عنه إلّا بذبحه ودفعه إلى أهله ، وله التصرّف فيه بما شاء من أنواع التصرّف ، كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك ؛ لعدم تعلّق حقّ الغير به.

فإن عطب ، تلف من ماله ، وإن عاب ، لم يجزئه ذبحه ، وعليه الهدي الذي كان واجباً عليه؛ لشغل ذمّته ، فلا تبرأ إلّا بإيصاله إلى مستحقّه ،

٢٨٦

كالمديون إذا حمل الدَّيْن إلى صاحبه فتلف قبل وصوله إليه.

وإمّا أن يعيّن الواجب عليه بالقول ، فيقول : هذا الواجب عليَّ ، فإنّه يتعيّن الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمّة منه ، ويكون مضموناً عليه ، فإن عطب أو سُرق أو ضلّ ، عاد الواجب إلى ذمّته ، كالمديون إذا باع صاحب الدَّيْن سلعة به فتلفت قبل التسليم ، فإنّ الدَّيْن يعود إلى ذمّته.

وإذا ثبت أنّه يتعيّن بالقول فإنّه يزول ملكه عنه وينقطع تصرّفه ، وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، ولا يجوز له بيعه ولا إخراج بدله ، فإن وَصَل نَحَره ، وإلّا سقط التعيين ، ووجب(١) عليه إخراج الذي في ذمّته ، ولا نعلم خلافاً في ذلك كلّه ، إلّا من أبي حنيفة : فإنّه قال : يجوز له إخراج بدله(٢) ؛ لأنّ القصد نفع المساكين.

ويبطل بأنّه يرجع إلى أصله بالإبطال.

وسأل محمد بن مسلم - في الصحيح - أحدهماعليهما‌السلام : عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب ، قال : « إن كان تطوّعاً فليس عليه غيره ، وإن كان جزاءً أو نذراً فعليه بدله »(٣) .

مسألة ٦٢١ : لو ذبح الواجب غير المعيّن فسُرق أو غُصب بعد الذبح ، فالأقرب : الإجزاء‌ - وبه قال أحمد والثوري وبعض أصحاب مالك ، وأصحاب الرأي(٤) - لأنّه أدّى الواجب عليه ، فبرئ منه ، كما لو فرّقه ؛ لأنّ‌

____________________

(١) في الطبعة الحجرية : ويجب.

(٢) المغني ٣ : ٥٨٠ ، المجموع ٨ : ٣٦٧ - ٣٦٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٢١٥ / ٧٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٩ / ٩٥٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٥.

٢٨٧

الواجب هو الذبح ، والتفرقة ليست واجبةً ، لأنّه لو خُلّي بينه وبين الفقراء أجزأه وإن لم يفرّقه عليهم ، ولهذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا نحر : ( مَنْ شاء فليقتطع )(١) .

وقال الشافعي : عليه الإعادة ؛ لأنّه لم يوصل الحقّ إلى مستحقّه ، فأشبه ما لو لم يذبحه(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّه مع الذبح والتخلية يحصل فعل الواجب ، بخلاف المقيس عليه.

ولو عيّن بالقول الواجبَ غير المعيَّن ، تعيّن ، فإن عطب أو عاب ، لم يجزئه ؛ لأنّ الواجب في الذمّة هدي سليم ولم يوجد ، فيرجع الهدي إلى ملكه يصنع به ما شاء من بيع وهبة وأكل وغيرها - وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : وإذا أهديت هدياً واجباً فعطب فانحره بمكانه إن شئت ، واهده إن شئت ، وبِعْه إن شئت وتقوَّ به في هدي آخر(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي - الحسنة - قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي‌

____________________

(١) المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٢١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٤١ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٥٠ ، مشكل الآثار ٢ : ١٣٢ ، المغني ٣ : ٥٧٥ - ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٥ وفيها : ( اقتطع ) بدل ( فليقتطع ).

(٢) المجموع ٧ : ٥٠١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٥.

(٣) المجموع ٨ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٨ ، المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٥ - ٥٧٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٨٨ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢٣٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٤٥.

(٤) المغني ٣ : ٥٧٦.

٢٨٨

آخر؟ قال : « يبيعه ويتصدّق بثمنه ويهدي هدياً آخر »(١) .

وقال مالك : يأكل ويُطْعم مَنْ أحبَّ من الأغنياء والفقراء ، ولا يبيع منه شيئاً(٢) .

والأولى ذبحه وذبح ما وجب في ذمّته معاً ، فإن باعه ، تصدّق بثمنه ؛ لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هديه؟ قال : « لا يبيعه ، وإن باعه تصدّق بثمنه وليهد آخر»(٣) .

وأوجب أحمد في رواية ذبحه(٤) .

والأقرب : حمل الرواية على الاستحباب.

ولو عيّن معيباً عمّا في ذمّته عيباً لا يجزئه ، لم يجزئه ؛ لأنّ الواجبَ السليمُ ، فلا يخرج عن العهدة بدونه ، ولا يلزمه ذبحه ، بخلاف ما لو عيّن السليم.

إذا عرفت هذا ، فإنّ تعيين الهدي يحصل بقوله : هذا هدي ، أو بإشعاره وتقليده مع نيّة الهدي ، وبه قال الثوري وإسحاق(٥) . ولا يحصل بالشراء مع النيّة ولا بالنيّة المجرّدة في قول أكثر العلماء(٦) .

وقال أبو حنيفة : يجب الهدي ويتعيّن بالشراء مع النيّة(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣٠.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣١ بتفاوت يسير.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٦.

(٥ و ٦ ) المغني ٣ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠.

(٧) المغني ٣ : ٥٧٧.

٢٨٩

وليس بجيّد ؛ لأصالة عدم التعيين.

مسألة ٦٢٢ : لو سُرق الهدي من حرز ، أجزأ عن صاحبه‌ ، وإن أقام بدله فهو أفضل ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن رجل اشترى اُضحية فماتت أو سُرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شي‌ء»(١) .

ولو عطب الهدي في مكان لا يجد مَنْ يتصدّق عليه فيه ، فلينحره ، وليكتب كتاباً ويضعه عليه ليعلم المارّ به أنّه صدقة ؛ لأنّ عمر بن حفص الكلبي سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على مَنْ يتصدّق به عليه ولا مَن يُعْلمه أنّه هدي ، قال : « ينحره ويكتب كتاباً ويضعه عليه ليعلم مَنْ يمرّ به أنّه صدقة »(٢) .

ولأنّ تخليته بغير ذبح تضييع له.

ولو ضلّ الهدي فاشترى مكانه غيره ثم وجد الأوّل ، تخيّر بين ذبح أيّهما شاء ، فإن ذبح الأوّل ، جاز له بيع الأخير ، وإن ذبح الأخير ، لزمه ذبح الأوّل أيضاً إن كان قد أشعره ، وإن لم يكن أشعره ، جاز له بيعه - وبه قال عمر وابنه وابن عباس ومالك والشافعي وإسحاق(٣) - لما رواه العامّة عن عائشة أنّها أهدت هديين فأضلّتهما ، فبعث إليها ابن الزبير هديين ، فنحَرَتْهما ، ثم عاد الضالّان فنحرتهما ، وقالت : هذه سنّة الهدي(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٣ - ٤٩٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٧ - ٢١٨ / ٧٣٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٨ / ٧٣٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧ ، المجموع ٨ : ٣٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧ ، وبتفاوت في اللفظ في سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٢ / ٢٩ وسنن البيهقي ٥ : ٢٤٤.

٢٩٠

ومن طريق الخاصّة : رواية أبي بصير أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل اشترى كبشاً فهلك منه ، قال : « يشتري مكانه آخر » قلت : [ فإن اشترى مكانه آخر ](١) ثم وجد الأوّل؟ قال : « إن كانا جميعاً قائمين فليذبح الأوّل وليبع الأخير ، وإن شاء ذَبَحه ، وإن كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه »(٢) .

وقال أصحاب الرأي : يصنع بالأوّل ما شاء(٣) .

وأمّا نحر الأوّل مع الإشعار : فلرواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل أن يشعرها أو يقلّدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : « إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها وإن كان أشعرها نحرها »(٤) .

مسألة ٦٢٣ : لو غصب شاةً فذبحها عن الواجب عليه ، لم يجزئه ، سواء رضي المالك أو لم يرض ، وسواء عوّضه عنها أو لم يعوّضه ؛ لأنّه لم يكن ذبحه قربة ، بل كان منهيّاً عنه ، فلا يكون خارجاً عن العهدة به.

وقال أبو حنيفة : يجزئه مع رضى المالك(٥) .

ولو ضلّ الهدي فوجده غيره ، فإن ذَبَحه عن نفسه ، لم يجزئ عن واحد منهما ؛ لعدم النيّة من صاحبه ، ولا يجزئ عنه ولا عن الذابح ؛ لأنّه منهيّ عنه.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٨ - ٢١٩ / ٧٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٧١ / ٩٦١.

(٣) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٢١٩ / ٧٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧١ - ٢٧٢ / ٩٦٢.

(٥) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٧.

٢٩١

وإن ذَبَحه عن صاحبه ، فإن ذَبَحه بمنى ، أجزأ عنه ، وبغيرها لا يجزئ ؛ لرواية منصور بن حازم - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام : في رجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : « إن كان نحره بمنى ، فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه ، وإن كان نحره في غير منى ، لم يجزئ عن صاحبه »(١) .

وينبغي لواجد الضالّ أن يعرّفه ثلاثة أيّام ، فإن عرفه صاحبه ، وإلّا ذَبَحه عنه ؛ لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : « إذا وجد الرجل هدياً فليعرّفه يوم النحر واليوم الثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثالث »(٢) .

ولو اشترى هدياً وذبحه فعرفه غيره وذكر أنّه هديه ضلّ عنه ، وأقام بيّنةً بذلك ، كان له لحمه ، ولا يجزئ عن واحد منهما ، أمّا عن صاحبه : فلعدم النيّة منه ومن الذابح ، وأمّا عن المشتري : فلانتفاء ملكه ، ولصاحبه الأرش ؛ للرواية(٣) .

وإذا عيّن هدياً صحيحاً عمّا في ذمّته فهلك ، أو عاب عيباً يمنع الإجزاء بغير تفريط ، لم يلزمه أكثر ممّا كان واجباً في ذمّته ؛ لأنّ الزائد لم يجب في الذمّة ، وإنّما تعلّق بالعين ، فسقط بتلفها.

ولو أتلفه أو فرّط فتلف ، قال قوم : يجب مثل المعيّن ؛ لأنّ الزائد تعلّق به حقّ الله تعالى ، فإذا فوّته ، لزمه ضمانه ، كالهدي المعيّن ابتداءً(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٥ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢١٩ / ٧٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٢ / ٩٦٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٥ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٢ / ٩٦٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٦ - ٥٧٧.

٢٩٢

وفيه نظر.

مسألة ٦٢٤ : إذا ولدت الهدية ، وجب نحر ولدها أو ذبحه ، سواء عيّنه ابتداءً أو عيّنه بدلاً عن الواجب في ذمّته ؛ لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام أنّه أتاه رجل ببقرة قد أولدها ، فقال : « لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها ، فإذا كان يوم الأضحى ضحّيت بها وولدها عن سبعة»(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً » قلت : أشرب من لبنها وأسقي ، قال : « نعم »(٢) .

ولو تلفت المعيّنة ابتداء أو بتعيينه ، وجب إقامة بدلها ، ووجب ذبح الولد ؛ لأنّه تبعها في الوجوب حالة اتّصاله بها ، ولم يتبعها في زواله ؛ لأنّه منفصل عنها ، فكان كولد المعيبة إذا ردّها المشتري بالعيب ، لم يبطل البيع في الولد.

مسألة ٦٢٥ : يجوز ركوب الهدي بحيث لا يتضرّر به‌ - وبه قال الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( اركبها بالمعروف إذا ألجِئْت إليها حتى تجد ظهراً )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( لَكُمْ

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٨١ نقلاً عن سعيد والأثرم ، ونحوه في سنن البيهقي ٥ : ٢٣٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١.

(٣) الاُم ٢ : ٢١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٦ - ٣٧٧ ، المجموع ٨ : ٣٦٨ ، المغني ٣ : ٥٨١ - ٥٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩٦١ / ٣٧٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٧ / ١٧٦١ ، سنن النسائي ٥ : ١٧٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٦.

٢٩٣

فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (١) قال : « إن احتاج إلى ظهرها(٢) ركبها من غير أن يعنف بها ، وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها »(٣) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا يجوز ؛ لتعلّق حقّ الفقراء بها(٤) .

ونمنع عموم التعلّق.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بها ولا بولدها ؛ لرواية العامّة عن عليعليه‌السلام : « ولا تشرب [ من ] لبنها إلّا ما فضل عن ولدها »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها »(٦) .

ولأنّ بقاء اللبن في الضرع مضرّ له.

ولو شرب ما يضرّ بالاُم أو بالولد ، ضمن.

ولو كان بقاء الصوف على ظهرها يضرّ بها ، أزاله ، وتصدّق به على الفقراء ، وليس له التصرّف فيه ، بخلاف اللبن ؛ لأنّ اللبن لم يكن موجوداً وقت التعيين ، فلا يدخل فيه ، كالركوب وغيره من المنافع.

مسألة ٦٢٦ : هدي التمتّع من السنّة أن يأكل صاحبه منه‌ - وبه قال ابن عمر وعطاء والحسن وإسحاق ومالك وأحمد وأصحاب الرأي(٧) - لقوله‌

____________________

(١) الحجّ : ٣٣.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : ظهورها. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٢ - ٤٩٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٢.

(٤) المغني ٣ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٨١ نقلاً عن سعيد والأثرم ، ونحوه في سنن البيهقي ٥ : ٢٣٧.

(٦) الكافي ٤ : ٤٩٢ - ٤٩٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٢.

(٧) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٦.

٢٩٤

تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (١) .

وما رواه العامّة عن مسلم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر من كلّ بدنة ببضعة ، فجعلت في قِدْرٍ فأكل هو وعليعليه‌السلام من لحمها وشربا من مرقها(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا ذبحت أو نحرت فكُلْ وأطعم كما قال الله تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٣) »(٤) .

وقال الشافعي : لا يأكل منه ؛ لأنّه هدي وجب بالإحرام ، فلم يجز الأكل منه ، كدم الكفّارة(٥) .

وهو قياس فلا يعارض القرآن ، مع الفرق ؛ فإنّ دم التمتّع دم نسك ، بخلاف الكفّارة.

وينبغي أن يقسّم أثلاثاً : يأكل ثُلثه ، ويهدي ثُلثه ، ويتصدّق على الفقراء بثُلثه ، ولو أكل دون الثلث جاز.

وقد روى سيف التمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : « إنّ سعد ابن عبد الملك قدم حاجّاً فلقي أبي ، فقال : إنّي سُقْتُ [ هدياً ](٦) فكيف أصنع؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثاً ، وأطعم القانع والمعترّ ثُلثاً ، وأطعم المساكين ثُلثاً »(٧) الحديث.

واختلف علماؤنا في وجوب الأكل واستحبابه ، وعلى الوجوب‌

____________________

(١) الحجّ : ٣٦.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨.

(٣) الحجّ : ٣٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٣ / ٧٥١.

(٥) الاُم ٢ : ٢١٧ ، المجموع ٨ : ٤١٧ ، المغني ٣ : ٥٨٣ - ٥٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٩٠.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٢٣ / ٧٥٣.

٢٩٥

لا يضمن بتركه ، بل بترك الصدقة ؛ لأنّه المطلوب الأصلي من الهدي.

ولو أخلّ بالإهداء ، فإن كان بسبب أكله ، ضمن ، وإن كان بسبب الصدقة ، فلا.

مسألة ٦٢٧ : لا يجوز له الأكل من كلّ هدي واجب غير هدي التمتّع ، بإجماع علمائنا - وبه قال الشافعي(١) . لأنّ جزاء الصيد بدل ، والنذر جعل لله تعالى ، والكفّارة عقوبة ، وكلّ هذه لا تناسب جواز التناول.

وللرواية : قال الصادقعليه‌السلام : « كلّ هدي من نقصان الحجّ فلا تأكل [ منه ](٢) وكلّ هدي من تمام الحجّ فكُلْ »(٣) .

وعن أحمد رواية تناسب مذهبنا ؛ لأنّه جوّز الأكل من دم المتعة والقران(٤) .

ودم القران عندنا غير واجب ، فيجوز الأكل منه ، وهو قول أصحاب الرأي(٥) .

وعن أحمد رواية ثالثة : أنّه لا يأكل من النذر وجزاء الصيد ، ويأكل ممّا سواهما ، وبه قال ابن عمر وعطاء والحسن البصري وإسحاق(٦) .

وقال ابن أبي موسى : لا يأكل أيضاً من الكفّارة ، ويأكل ممّا سوى هذه الثلاثة(٧) . وهو قول مالك(٨) .

____________________

(١) الاُمّ ٢ : ٢١٧ ، المجموع ٨ : ٤١٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٩٠.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ / ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٣ / ٩٦٧.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٦ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٩٠ ، المحلّى ٧ : ٢٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣.

(٦) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، المحلّى ٧ : ٢٧١.

(٧) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣.

(٨) بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٩٠ ، المحلّى ٧ : ٢٧١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣.

٢٩٦

وأمّا هدي التطوّع : فيستحب الأكل منه إجماعاً ؛ للآية(١) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أكل هو وعليعليه‌السلام من هديهما(٢) .

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعاً فلا شي‌ء عليه »(٣) .

وينبغي أن يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويتصدّق بثلثه ، كهدي التمتّع ، وهو القديم للشافعي ، وله آخر : أنّه يأكل النصف ويتصدّق بالنصف(٤) .

والآية(٥) تقتضي الأكل وإطعام صنفين ، فاستحبّت التسوية.

ولو أكل الجميع في التطوّع ، لم يضمن ، وهو قول بعض الشافعيّة(٦) .

وقال باقيهم : يضمن. واختلفوا ، فقال بعضهم : يضمن القدر الذي لو تصدّق به أجزأه. وقال بعضهم : يضمن قدر النصف أو الثلث على الخلاف(٧) .

ولو لم يأكل من التطوّع ، لم يكن به بأس إجماعاً.

ولو أكل ما مُنع من الأكل منه ، ضمنه بمثله لحماً ؛ لأنّ الجملة مضمونة بمثلها من الحيوانات فكذا أبعاضها.

____________________

(١) الحجّ : ٣٦.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٥ - ٧٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٣ - ٩٧٠.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٣٨٠ ، وانظر : حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٦ ، والمجموع ٨ : ٤١٥ ، والمغني ١١ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٨٧.

(٥) الحجّ : ٣٦.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٣٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦.

٢٩٧

ولو أطعم غنيّاً ممّا له الأكل منه ، كان جائزاً ؛ لأنّه يسوغ له أكله ، فيسوغ له إهداؤه.

ولو باع منه شيئاً أو أتلفه ، ضمنه بمثله ؛ لأنّه ممنوع من ذلك ، كما مُنع من عطيّة الجزّار.

ولو أتلف أجنبي منه شيئاً ، ضمنه بقيمته ؛ لأنّ المتلف من غير ذوات الأمثال ، فلزمته قيمته.

مسألة ٦٢٨ : الدماء الواجبة بنصّ القرآن أربعة : دم التمتّع ، قال الله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) ودم الحلق ، وهو مخيّر ، قال الله تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٢) وهدي الجزاء على التخيير ، قال الله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٣) وهدي الإحصار ، قال الله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٤) ولا بدل له ، للأصل.

مسألة ٦٢٩ : قد سلف أنّ ما يُساق في إحرام الحجّ يُذبح أو يُنحر بمنى ، وما يُساق في إحرام العمرة يُنحر أو يُذبح بمكّة ، وما يلزم من فداء يُنحر بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنى إن كان حاجّاً.

وتجب تفرقته على مساكين الحرم ، وهو مَنْ كان في الحرم من أهله أو من غيره من الحاجّ وغيرهم ممّن يجوز دفع الزكاة إليه. وكذا الصدقة‌

____________________

(١ و ٢ ) البقرة : ١٩٦.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) البقرة : ١٩٦.

٢٩٨

مصرفها مساكين الحرم. أمّا الصوم فلا يختصّ بمكان دون غيره إجماعاً.

ولو دفع إلى مَنْ ظاهره الفقر فبان غنيّاً ، فالوجه : الإجزاء ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وما يجوز تفريقه في غير الحرم لا يجوز دفعه إلى فقراء أهل الذمّة - وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور(٢) - لأنّه كافر فيمنع من الدفع إليه ، كالحربي.

وقال أصحاب الرأي : يجوز(٣) .

ولو نذر هدياً مطلقاً أو معيّناً وأطلق مكانه ، وجب صرفه في فقراء الحرم.

وجوّز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء ، كما لو نذر الصدقة بشاة(٤) .

وهو باطل ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٥) .

ولأنّ إطلاق النذر ينصرف إلى المعهود شرعاً ، وهو الحرم.

ولو عيّن موضعه غير الحرم ممّا ليس فيه صنم أو شي‌ء من أنواع الكفر ، كبيوت البِيَع والكنائس ، جاز ؛ لما رواه العامّة أنّ رجلاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إنّي نذرت أن أنحر ببوانة(٦) ، قال : ( أبِها صنمٌ؟ ) قال : لا ، قال : ( أوفِ بنذرك )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظمعليه‌السلام في رجل جعل لله عليه بدنة‌

____________________

(١ - ٣ ) المغني ٣ : ٥٨٩.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٥ ، المغني ٣ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨١.

(٥) الحجّ : ٣٣.

(٦) بُوانة : هضبة وراء يَنبُع ، قريبة من ساحل البحر. معجم البلدان ١ : ٥٠٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٢ ، وبتفاوت في اللفظ في سنن أبي داود ٣ : ٢٣٨ / ٣٣١٣ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٦٨٨ / ٢١٣١ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٦٦.

٢٩٩

ينحرها بالكوفة في شكره ، فقال : « عليه أن ينحرها حيث جعل الله عليه وإن لم يكن سمّى موضعاً نحرها في فناء الكعبة »(١) .

ولو كان إلى موضع منهيّ عنه ، لم يجب عليه ؛ لأنّه نذر في معصية.

ولو لم يتمكّن من إيصاله إلى المساكين بالحرم ، لم يلزمه إيصاله إليهم. ولو تمكّن من إنفاذه ، وجب.

مسألة ٦٣٠ : يستحب إشعار الإبل‌ بأن يشقّ صفحة سنامها من الجانب الأيمن ويلطخه بالدم ليعلم أنّه صدقة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

وقال عامّة أهل العلم بمشروعية إشعار الإبل والبقر(٢) أيضاً.

لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : فتلت قلائد هدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم أشعرها وقلّدها(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في كيفية إشعار البُدْن : « تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن »(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز الإشعار ؛ لأنّه مُثْلة ، ولاشتماله على إيلام الحيوان(٥) .

ولا حجّة فيه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَله لغرض صحيح ، فأشبه الكي‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٩ / ٨٠٦ بتفاوت في اللفظ.

(٢) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٢ - ٢٤٣ ، المجموع ٨ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٨ : ٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٠ ، وصحيح البخاري ٢ : ٢٠٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٥ بتفاوت يسير.

(٥) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٢ ، فتح العزيز ٨ : ٩٣ ، المجموع ٨ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٣١٢ ، الاستذكار ١٢ : ٢٦٩ / ١٧٥٨٦.

٣٠٠