تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460
المشاهدات: 164425
تحميل: 4778


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 164425 / تحميل: 4778
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 8

مؤلف:
ISBN: 964-319-051-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وروى العامّة عن عليعليه‌السلام أنّه إن كان سهواً حلّت ، وإلّا فلا(١) .

ويعرف استقرار الحياة بوجود الحركة القويّة بعد قطع العنق قبل قطع المري والودجين والحلقوم ، ولو كانت ضعيفةً أو لم تتحرّك ، لم تحلّ ؛ لاجتماع فعل يدلّ على الإباحة وآخر يدلّ على التحريم ، ولأنّ الظاهر من حال الحيوان إذا قُطع رأسه من قفاه لا تبقى فيه حياة مستقرّة قبل قطع الأعضاء الأربعة.

وتكره الذباحة ليلاً في الاُضحية وغيرها ؛ لنهيهعليه‌السلام عنها(٢) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فلو ذبحها ليلاً ، أجزأه ؛ لأنّ الليل محلّ الرمي ، فكان محلّ الذبح ، كالنهار.

وقال مالك : لا تجزئه ويكون لحم شاة(٣) ؛ لقوله تعالى :( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ) (٤) والأيّام تُطلق على بياض النهار دون الليل.

وهو ممنوع ، فإنّ الأيّام إذا اجتمعت ، دخلت الليالي فيها ، ولهذا تدخل في الاعتكاف لو نذر ثلاثة أيّام.

مسألة ٦٤٩ : يستحب الأكل من الاُضحية‌ إجماعاً.

وقال بعضهم بوجوبه(٥) ؛ للآية(٦) ، فإنّه قرن الأكل بالإطعام.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٥ : ٩٩.

(٢) كما في المغني ١١ : ١١٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٥٧.

(٣) المدوّنة الكبرى ٢ : ٧٣ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٤ ، المجموع ٨ : ٣٩١ ، المغني ١١ : ١١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٧.

(٤) وردت في نسختي « ق ، ك » والطبعة الحجرية الآية ٣٤ من سورة الحج ، وهي( لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ) وأثبتنا في المتن الآية ٢٨ من نفس السورة ؛ لأجل السياق.

(٥) المغني ١١ : ١١٠ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٢ ، المجموع ٨ : ٤١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٥.

(٦) الحج : ٢٨.

٣٢١

وهو غير دالّ على الوجوب كما في قوله تعالى :( كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (١) فالإيتاء واجب دون الأكل.

ويجوز أن يأكل الأكثر ، ويتصدّق بالأقلّ.

قال الشيخ : فإن أكل الجميع ، ضمن الفقراء قدر المجزئ(٢) . وبه قال الشافعي(٣) ؛ للآية(٤) .

وقال بعض الشافعية : لا يضمن ، وتكون القربة في الذبح خاصّة(٥) .

ويستحب أن يأكل الثلث ، ويتصدّق بالثلث ، ويهدي الثلث - وهو الجديد للشافعي(٦) - لقوله تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٧) القانع : السائل ، والمعترّ : غير السائل.

وفي القديم : يأكل النصف ، ويتصدّق بالنصف(٨) ، لقوله تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) (٩) .

____________________

(١) الأنعام : ١٤١.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩٣.

(٣) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩١ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦.

(٤) الحج : ٢٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩١ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦.

(٦) الاُم ٢ : ٢١٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٨ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٢ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٧.

(٧) الحج : ٣٦.

(٨) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٨ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٢ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٧.

(٩) الحج : ٢٨.

٣٢٢

ولا ينافي الإهداء الثابت بالآية الاُخرى.

مسألة ٦٥٠ : لا يجوز بيع لحم الأضاحي‌ - وبه قال الشافعي وأكثر العامّة(١) - لأنّه بذبحه خرجت عن ملكه ، واستحقّها المساكين.

وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه وشراؤه(٢) .

ويكره بيع جلودها وإعطاؤها الجزّارين ، فإن باعها ، تصدّق بثمنه.

ومنع الشافعي من بيعه(٣) ، وبه قال أبو هريرة(٤) .

وقال عطاء : لا بأس ببيع اُهب الأضاحي(٥) .

وقال الأوزاعي : يجوز بيعها بآلة البيت التي تصلح للعارية ، كالقِدْر والقدوم(٦) والمنخل والميزان(٧) .

لنا : ما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أقوم على بُدْنه واُقسّم جلودها وجلالها ولا اعطي الجزّارين منها شيئاً »(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول معاوية بن عمّار - في الصحيح - أنّه سأل‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٠ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٨ ، المغني ١١ : ١١٢.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، المجموع ٨ : ٤٢٠ ، المغني ١١ : ١١٢.

(٣) المجموع ٨ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٣ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٨ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧.

(٤) المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧.

(٥) الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩.

(٦) القدوم : التي ينحت بها. لسان العرب ١٢ : ٤٧١ « قدم ».

(٧) المجموع ٨ : ٤٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧.

(٨) صحيح البخاري ٢ : ٢١٠ - ٢١١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٥٤ / ١٣١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٤١ بتفاوت يسير.

٣٢٣

الصادقَعليه‌السلام : عن الإهاب ، فقال : « تصدّق به أو تجعله مصلّى ينتفع به في البيت ولا يعطى الجزّارين »(١) .

وروى علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحّى بها أن يجعلها جراباً؟ قال : « لا يصلح أن يجعلها جراباً إلّا أن يتصدّق بثمنها »(٢) .

ولا يجوز أن يعطى الجزّار لجزارته ، لأنّ التضحية واجبة عليه مع وجوبها ، فكانت الأجرة عليه ، ويوصل ذلك إلى الفقراء ، ولو كان الجزّار فقيراً ، جاز أن يأخذ منها شيئاً لفقره ؛ لأنّه من المستحقّين.

مسألة ٦٥١ : يجوز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام وادّخارها‌ ، وقد نسخ بذلك النهي عنها.

روى العامّة عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا نأكل لحم الأضاحي بعد ثلاث ، ثم أذن لنا أن نأكل ونقدّد ونهدي إلى أهالينا(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام ثم أذن فيها ، قال : كُلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادّخروا »(٤) .

ويكره أن يُخرج شيئاً ممّا يضحّيه عن منى ، بل يفرّق بها ؛ لقول أحدهماعليهما‌السلام - في الصحيح - : « لا يخرج منه شي‌ء إلّا السنام بعد ثلاثة أيّام »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٨ / ٧٧١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ / ٩٨٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٨ / ٧٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ / ٩٨٢.

(٣) الموطّأ ٢ : ٤٨٤ / ٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥٦٢ / ٢٩ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٩١ نحوه.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٤ / ٩٧٢ بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٤ / ٩٧٤.

٣٢٤

وقال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا تخرجنّ شيئاً من لحم الهدي »(١) .

ولا بأس بإخراج لحم ما ضحّاه غيره إذا اشتراه منه أو أهداه إليه.

ويكره أن يضحّي بما يربّيه.

مسألة ٦٥٢ : إذا تعذّرت الاُضحية ، تصدّق بثمنها‌ ، فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدون ، وتصدّق بثلث الجميع ؛ لأنّ أبا الحسنعليه‌السلام وقّع إلى هشام المكاري : « انظروا إلى الثمن الأوّل والثاني والثالث فأجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه »(٢) .

وإذا اشترى شاةً تجزئ في الاُضحية بنيّة أنّها اُضحية ، قال الشيخ : تصير أضحية بذلك ، ولا يحتاج إلى قوله : إنّها أضحية ، ولا إلى نيّة مجدّدة ، ولا إلى إشعار ولا تقليد(٣) - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّه مأمور بشراء الاُضحية ، فإذا اشتراها بالنيّة ، وقعت عنها ، كالوكيل إذا اشترى لموكّله بأمره.

وقال الشافعي في الجديد : لا تصير اُضحية إلّا بقوله : قد جعلتها اُضحية ، أو : هي اُضحية ، وما أشبهه - وفي القديم : تصير اُضحية بالنيّة مع الإشعار أو التقليد - لأنّها إزالة ملك على وجه القربة ، فلا تؤثّر فيها النيّة المقارنة للشراء ، كما لو اشترى عبداً بنيّة العتق(٥) .

إذا ثبت هذا ، فإذا عيّن الاُضحية بما يصحّ به التعيين ، زال ملكه عنها.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٥ / ٩٧٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٨٠٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩٠.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٣٧٤ ، المجموع ٨ : ٤٢٦ ، المغني ١١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠.

(٥) روضة الطالبين ٢ : ٤٧٧ ، المجموع ٨ : ٤٢٣ و ٤٢٥ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٠ - ١٠١ ، المغني ١١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠.

٣٢٥

وهل له إبدالها؟ قال أبو حنيفة ومحمد : نعم له ذلك ، ولا يزول ملكه عنها(١) .

وقال الشافعي : لا يجوز له إبدالها ، وقد زال ملكه عنها(٢) . وبه قال أبو يوسف وأبو ثور(٣) ، وهو ظاهر كلام الشيخ(٤) ؛ لما روي عن عليعليه‌السلام أنّه قال : « مَنْ عيّن اُضحيةً فلا يستبدل بها»(٥) .

واحتجّ أبو حنيفة : بأنّ النبيعليه‌السلام أهدى هدايا فأشرك عليّاًعليه‌السلام فيها(٦) ، وهو إنّما يكون بنقلها إليه.

ويجوز أن يكونعليه‌السلام وقت السياق نوى أنّها عنه وعن عليعليه‌السلام .

فعلى قول التعيين يزول ملكها عن المالك ، ويفسد بيعها ، ويجب ردّها مع بقائها ، وإن تلفت ، فعلى المشتري قيمتها أكثر ما كانت من حين قبضها إلى حين التلف ، وعلى البائع أكثر الأمرين من قيمتها إلى حين التلف أو مثلها يوم التضحية. وكذا لو أتلفها أو فرّط في حفظها فتلفت ، أو ذبحها قبل وقت الاُضحية. هذا اختيار الشافعي(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٢ : ١٣ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦١ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١.

(٢) روضة الطالبين ٢ : ٤٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١ ، المغني ١١ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٢.

(٣) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١ ، المغني ١١ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٢.

(٤) الخلاف ٦ : ٥٥ ، المسألة ١٦ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩١.

(٥) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب الضحايا ، ذيل المسألة ١٦ ، والماوردي في الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٢.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٣٠٧٤.

(٧) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨١ ، المجموع ٨ : ٣٧١ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٠.

٣٢٦

وقال الشيخرحمه‌الله : قيمتها يوم التلف(١) . وبه قال أبو حنيفة(٢) ، لأنّه أتلف الأضحية ، فلزمه قيمتها ، كالأجنبي.

واحتجّ الشافعي : بأنّها اُضحية مضمونة عليه لحقّ الله تعالى وحقّ المساكين ، لوجوب نحرها وتفرقة لحمها ، ولا يجزئه دفعها إليهم قبل ذلك ، فلو كانت قيمتها يوم التلف عشرة ثم زادت قيمة الأضاحي فصارت عشرين ، وجب شراء أضحية لعشرين ليوفي حقّ الله تعالى وهو نحرها ، بخلاف الأجنبي ، فإنّه لا يلزمه حقّ الله تعالى فيها. وفيه قوّة.

فإن أمكنه أن يشتري بها أضحيتين ، كان عليه إخراجهما معا.

ولو فضل جزء حيوان يجزئ في الأضحية - كالسّبع - فعليه شراؤه ، لإمكان صرفه في الأضحية ، فلزمه ، كما لو أمكنه أن يشتري به جميعا. ولو تصدّق بالفاضل ، جاز ، لكنّ الأوّل أفضل. ولو قصر الفاضل عن السّبع ، تصدّق به.

ولو كان المتلف أجنبيّا ، فعليه القيمة يوم الإتلاف ، فإن أمكن أن يشتري بها أضحية أو أكثر ، فعلى ما تقدّم ، وإلاّ جاز شراء جزء حيوان الأضحية ، فإن قصر ، تصدّق به ، ولا شي‌ء على المضحّي ، لأنه غير مفرّط.

ولو تلفت الاُضحية في يده أو سُرقت من غير تفريط ، لم يضمن ، وقد سأل معاويةُ بن عمّار الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل اشترى اُضحية فماتت أو سُرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شي‌ء »(٣) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩١.

(٢) المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٠ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٥ ، المجموع ٨ : ٣٧١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٣ - ٤٩٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٧ - ٢١٨ / ٧٣٣.

٣٢٧

والفرق بينه وبين منذور العتق لو أتلفه أو تلف بتفريطه ، فإنّه ظاهر لا يضمنه ؛ لأنّ الحقّ في الاُضحية للفقراء وهم باقون بعد تلفها ، والحقّ في عتق العبد له ، فإذا تلف ، لم يبق مستحقّ لذلك ، فسقط الضمان ، فافترقا.

ولو اشترى شاةً وعيّنها للاُضحية ثم وجد بها عيباً ، لم يكن له ردّها ؛ لزوال ملكه عنها ، ويرجع بالأرش ، فيصرفه في المساكين ، ولو أمكنه أن يشتري به حيواناً أو جزءاً منه مجزئاً في الاُضحية ، كان أولى.

مسألة ٦٥٣ : إذا عيّن اُضحيّةً ، ذبح معها ولدها‌ ، سواء كان حملاً حال التعيين أو حدث بعد ذلك ؛ لأنّ التعيين معنى يزيل الملك عنها ، فاستتبع الولد ، كالعتق.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لا يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بولدها ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) ، لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام لـمّا رأى رجلاً يسوق بدنةً معها ولدها ، فقال : « لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فاحلبها ما لا يضرّ بولدها »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٤ ، المجموع ٨ : ٣٦٧ ، المغني ١١ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٣ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٨٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١.

٣٢٨

وقال أبو حنيفة : لا يحلبها ، ويرشّ على الضرع الماء حتى ينقطع اللبن ؛ لأنّ اللبن متولّد من الاُضحية ، فلم يجز للمضحّي الانتفاع به ، كالولد(١) .

والفرق : إمكان حمل الولد إلى محلّه ، بخلاف اللبن.

والأفضل أن يتصدّق به.

ويجوز له ركوب الأضحية ؛ لقوله تعالى :( لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٢) .

مسألة ٦٥٤ : إذا أوجب اُضحيةً بعينها وهي سليمة فعابت عيباً يمنع الإجزاء من غير تفريط ، لم يجب إبدالها‌ ، وأجزأه ذبحها ، وكذا حكم الهدايا ؛ لأصالة براءة الذمّة. ولأنّها لو تلفت لم يضمنها فكذا أبعاضها.

وقال أبو حنيفة : لا تجزئه(٣) .

ولو كانت واجبة عليه على التعيين ثم حدث بها عيب لمعالجة الذبح ، أجزأه أيضاً ، وبه قال أبو حنيفة استحسانا(٤) .

وقال الشافعي : لا يجزئه(٥) .

أمّا لو نذر اُضحيةً مطلقة فإنّه تلزمه سليمة من العيوب ، فإن عيّنها في شاة بعينها ، تعيّنت ، فإن عابت قبل أن ينحرها عيباً يمنع الإجزاء - كالعور - لم تجزئه عن التي في ذمّته ، وعليه إخراج ما في ذمّته سليماً من العيوب.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، المغني ١١ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٥.

(٢) الحجّ : ٣٣.

(٣) المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٠.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٢ : ١٧ ، المجموع ٨ : ٤٠٤ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٤.

(٥) المجموع ٨ : ٤٠٤ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٤.

٣٢٩

ولو عيّن اُضحيةً ابتداءً وبها ما يمنع من الاُضحية الشرعية - كالعور - أخرجها على عيبها ، لزوال ملكه عنها بالنذر ولم تكن اُضحيةً ، بل صدقة واجبة ، فيجب ذبحها ، ويتصدّق بلحمها ، ويثاب على الصدقة لا على الاُضحية.

ولو عيّنها معيبةً ثم زال عيبها بأن سمنت بعد العجاف ، فإنّها لا تقع موقع الاُضحية ؛ لأنّه أوجب ما لا يجزئ عن الاُضحية ، فزال ملكه عنها ، وانقطع تصرّفه حال كونها غير اُضحية ، فلا تجزئ ؛ لأنّ الاعتبار حالة الإيجاب ، لزوال الملك به ، ولهذا لو عابت بعد التعيين ، لم يضرّه ذلك ، وأجزأ عنه. وكذا لو كانت معيبةً فزال عيبها ، لم تجزئه.

مسألة ٦٥٥ : لو ضلّت الاُضحية المعيّنة من غير تفريط ، لم يضمن ؛ لأنّها أمانة ، فإن عادت قبل فوات أيّام التشريق ، ذبحها ، وكانت أداءً ، وبعد فواتها يذبحها قضاءً ، قاله الشيخ(١) ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يذبحها بل يسلّمها إلى الفقراء ، فإن ذبحها ، فرّق لحمها ، وعليه أرش النقصان بالذبح(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي ، ولهذا لا يكفي شراء اللحم ، فلا يسقط بفوات وقته ، كتفرقة اللحم ، وذلك بأن يذبحها في أيّام التشريق ثم يخرج قبل تفريقها ، فإنّه يفرّقها بعد ذلك.

احتجّ : بأنّ الذبح موقّت ، فسقط بفوات وقته ، كالرمي والوقوف(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩٢ ، وانظر : الخلاف ٦ : ٥٩ ، المسألة ٢٠.

(٢) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٠ - ١١١ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٧.

(٣) المغني ١١ : ١١٦ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١١.

(٤) اُنظر : المغني ١١ : ١١٦.

٣٣٠

والفرق : أنّ الاُضحية لا تسقط بفوات الوقت ، بخلاف الرمي والوقوف.

ولو أوجب اُضحيةً في عام فأخّرها إلى قابل ، كان عاصياً ، وأخرجها قضاءً.

ولو ذبح اُضحية غيره ، المعيّنة ، أجزأت عن صاحبها ، وضمن الأرش - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي ، فإذا فَعَله شخصٌ بغير إذن المضحّي ، ضمن ، كتفرقة اللحم.

وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه شي‌ء ؛ لأنّ الاُضحية أجزأت عنه ووقعت موقعها ، فلم يجب على الذابح ضمان الذبح ، كما لو أذن له(٢) .

والفرق : أنّ مع عدم الإذن يعصي فيضمن.

وقال مالك : لا تقع موقعها ، وتكون شاة لحم يلزم صاحبها بدلها ، ويكون له أرشها ؛ لأنّ الذبح عبادة ، فإذا فَعَلها غيرُه بغير إذنه ، لم تصح ، كالزكاة(٣) .

ونمنع احتياجها إلى نيّة كإزالة النجاسة ، بخلاف الزكاة ، ولأنّ القدر المخرج في الزكاة لم يتعيّن إلّا بإخراج المالك ، بخلاف المعيّنة.

وإذا أخذ الأرش ، صَرَفَه إلى الفقراء ؛ لأنّه وجب لنقص في الاُضحية المتعيّنة لهم ، ويتخيّر بين الصدقة به وشراء حيوان أو جزء للاُضحية.

مسألة ٦٥٦ : تجزئ الاُضحية عن سبعة ، وكذا الهدي المتطوّع به ، سواء كان الجميع متقرّبين أو بعضهم يريد اللحم ، وسواء كانوا أهل بيت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨٢ - ٤٨٣ ، المغني ١١ : ١١٨.

(٢) المغني ١١ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢.

(٣) المغني ١١ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢ - ١١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٧.

٣٣١

واحد أو لم يكونوا ، وبه قال الشافعي ومالك ، إلّا أنّ مالكاً اشترط كونهم أهل بيت واحد(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز إذا كانوا كلّهم متقرّبين(٢) . وقد سلف(٣) .

والعبد القنّ والمدبَّر واُمّ الولد والمكاتب المشروط لا يملكون شيئاً ، فإن ملّكهم مولاهم شيئاً ، ففي ثبوت ذلك قولان : الأقوى : العدم ، فلا تجوز لهم اُضحية.

وعلى قول ثبوته يجوز لهم أن يضحّوا ، ولو ضحّوا من غير إذن سيّدهم ، لم يجز.

ولو انعتق بعضه وملك بجزء الحُرّيّة اُضحية ، جاز له أن يضحّي بها من غير إذن.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٣ ، المغني ١١ : ١١٩.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٤٤ ، المغني ١١ : ١١٩ - ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٣.

(٣) تقدّم في ص ٢٨٢ ، المسألة ٦١٩.

٣٣٢

٣٣٣

الفصل السادس

في الحلق والتقصير‌

مسألة ٦٥٧ : إذا ذبح الحاجّ هديه ، وجب عليه الحلق أو التقصير بمنى يوم النحر‌ ، عند علمائنا ، وهو نسك عندنا - وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقوله تعالى :( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٢) ولو لم يكن نسكاً ، لم يصفهم الله تعالى به ، كالطيب واللُّبْس.

ولما رواه العامّة عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصّروا )(٣) والأمر للوجوب.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك »(٤) والأمر للوجوب أو للقدر الدالّ على استحقاق الثواب ، فيكون عبادةً لا مباحاً صرفاً.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله داوم عليه هو وأصحابه وفعلوه في حجّهم وعمرتهم ، ولو لم يكن نسكاً لم يداوموا عليه ولا خلوا به في أكثر الأوقات‌

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٣ : ٣١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ١٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ٢٠٥ و ٢٠٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٦٧.

(٢) الفتح : ٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨٠٨.

٣٣٤

ولم يفعلوه إلّا نادراً ، لأنّه لم يكن عبادة لهم فيداوموا عليه ، ولا فيه فضل فيفعلوه.

وقال الشافعي وأحمد [ في الرواية الاُخرى ](١) : أنّه إطلاق محظور لا نسك ؛ لقولهعليه‌السلام لمـّا سعى بين الصفا والمروة : ( مَنْ كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة )(٢) وأمره بالحلّ عقيب السعي يقتضي عدم وجوب الحلق والتقصير(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ المعنى : فليحلّ بالتقصير أو الحلق.

مسألة ٦٥٨ : يتخيّر الحاجّ بين الحلق والتقصير أيّهما فَعَل أجزأه ، عند أكثر علمائنا(٤) - وبه قال أبو حنيفة(٥) - لقوله تعالى :( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٦) والجمع غير مراد ، فيتعيّن التخيير.

وما رواه العامّة من أنّه كان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْ قصّر ولم ينكرعليه‌السلام عليه(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية : اللّهم اغفر للمحلّقين ، مرّتين ، قيل : وللمقصّرين‌

____________________

(١) أضفناها لأجل السياق.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ - ١٠٢٤ / ٣٠٧٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ٢٠٥ و ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٦٧.

(٤) منهم ابن إدريس في السرائر : ١٤١ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٩٢.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤.

(٦) الفتح : ٢٧.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٢١٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٥ / ١٣٠١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥٦ / ٩١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٣.

٣٣٥

يا رسول الله؟ قال : وللمقصّرين »(١) .

وقال الشيخان رحمهما الله : إن كان الحاجّ صرورة ، وجب الحلق ، وكذا مَنْ لبّد شعره في الإحرام وإن لم يكن صرورةً(٢) . وبه قال الحسن البصري ومالك والشافعي والنخعي وأحمد وإسحاق(٣) ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( مَنْ لبّد فليحلق )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر ، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام »(٥) .

وهو محمول على الندب.

وقال ابن عباس : من لبّد أو ضفر أو عقّد أو فتل أو عقص فهو على ما نوى ، يعني أنّه إن نوى الحلق فليحلق ، وإلّا فلا يلزمه(٦) .

وتلبيد الشعر في الإحرام : أن يأخذ عسلاً أو صمغاً ، ويجعله في رأسه لئلّا يقمل أو يتّسخ.

إذا عرفت هذا ، فالحلق أفضل إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( رحم الله المحلّقين ) ثلاثاً ، ثم قال : ( والمقصّرين ) مرّةً(٧) . وزيادة الترحّم تدلّ على الأولويّة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٣ / ٨٢٢.

(٢) المقنعة : ٦٦ ، النهاية : ٢٦٢ - ٢٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٣٤ ، المجموع ٨ : ٢٠٦ و ٢١٨.

(٤) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٥ ، الكامل - لابن عدي - ٥ : ١٨٧٠.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٣ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٤٣ / ٨١٩.

(٦) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٦ / ٣١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٢ / ٣٠٤٤.

٣٣٦

والحلق للملبّد والصرورة آكد فضلاً من غيرهما.

والمرأة لا حلق عليها ، ويجزئها من التقصير قدر الأنملة ؛ لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تحلق المرأة رأسها »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « تقصّر المرأة من شعرها لمتعتها(٢) مقدار الأنملة»(٣) .

ويجزئ من التقصير ما يقع عليه اسمه ؛ لأصالة براءة الذمة ، وسواء قصّر من شعر رأسه أو من لحيته أو من شاربه.

مسألة ٦٥٩ : يجب في الحلق والتقصير : النيّة ؛ لأنّه نسك عندنا لا إطلاق محظور.

ويستحب لمن يحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا بالحلاّق ، فأخذ شقّ رأسه الأيمن فحلقه ، فجعل يقسم بين مَنْ يليه الشعرة والشعرتين ثم أخذ شقّ رأسه الأيسر فحلقه ، ثم قال : ( هاهنا أبو طلحة؟ ) فدفعه إلى أبي طلحة(٤) .

ومن طريق الخاصّة : عن الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : أنّه أمر الحلّاق أن يدع الموسى على قرنه الأيمن ثم أمره أن يحلق وسمّى هو وقال : « اللّهم أعطني بكلّ شعرة نوراً يوم القيامة »(٥) .

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٢٥٧ / ٩١٤ ، سنن النسائي ٨ : ١٣٠.

(٢) في المصدر : لعمرتها.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٤.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ / ١٩٨١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٦.

٣٣٧

مسألة ٦٦٠ : مَنْ لا شعر على رأسه لا حلق عليه إجماعاً ، بل يمرّ الموسى على رأسه إجماعاً.

ولأنّ رجلاً من خراسان قدم حاجّاً وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي ، فاستفتي له الصادقعليه‌السلام ، فأمر أن يلبّى عنه ويمرّ الموسى على رأسه فإنّ ذلك يجزئ عنه(١) .

إذا عرفت هذا ، فقال أبو حنيفة : إنّ هذا الإمرار واجب ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )(٢) وهذا لو كان له شعر ، لوجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأوّل(٣) .

وقول الصادقعليه‌السلام يدلّ عليه ، فإنّ الإجزاء إنّما يستعمل في الواجب.

وقال أكثر العامّة : إنّه للاستحباب ؛ لأنّ محلّ الحلق الشعر ، فيسقط بفوات محلّه(٤) .

مسألة ٦٦١ : لو ترك الحلق والتقصير معاً حتى زار البيت ، فإن كان عامداً ، وجب عليه دم شاة ، وإن كان ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ، وعليه إعادة الطواف والسعي ؛ لأنّه نسك أخّره عمداً عن محلّه ، فلزمه الدم.

ولأنّ محمد بن مسلم سأل الباقرعليه‌السلام : في رجل زار البيت قبل أن يحلق ، فقال : « إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي فإنّ عليه دم شاة »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٤ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٨.

(٢) صحيح البخاري ٩ : ١١٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٨١ / ٢٠٤ ، مسند أحمد ٢ : ٥٠٨.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، المغني ٣ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٩ ، المجموع ٨ : ٢١٢.

(٤) المغني ٣ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨٠٩.

٣٣٨

وسأل محمّدُ بن حمران الصادقعليه‌السلام : عن رجل زار البيت قبل أن يحلق ، قال : « لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً »(١) .

وسأل علي بن يقطين - في الصحيح - الكاظمَعليه‌السلام : عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتى زارت البيت وطافت وسعت من الليل ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : « لا بأس يقصّر ويطوف للحجّ ثم يطوف للزيارة ثم قد حلّ من كلّ شي‌ء »(٢) .

مسألة ٦٦٢ : لو رحل من منى قبل الحلق ، رجع وحلق بها أو قصّر‌ واجباً مع الاختيار ، ولو لم يتمكّن من الرجوع ، حلق مكانه ، وردّ شعره إلى منى ليدفن هناك ، ولو لم يتمكّن ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّه قد ترك نسكاً واجباً ، فيجب عليه الإتيان به وتداركه مع المكنة.

وسأل الحلبي - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى ، قال : « يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً »(٣) .

[ وعن أبي بصير ، قال : سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : « فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصّر ، ](٤) وعلى الصرورة أن يحلق »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨١٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ / ١٠١١.

(٤) حيث إنّ قولهعليه‌السلام الآتي : « وعلى الصرورة أن يحلق » ليس من تتمّة رواية الحلبي ، السابقة ، وإنّما من تتمّة رواية أبي بصير ، فلذلك أثبتنا صدرها في المتن من التهذيب والاستبصار.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ / ١٠١٢.

٣٣٩

وقال الصادقعليه‌السلام في رجل زار ولم يحلق رأسه ، قال : « يحلقه بمكّة ، ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شي‌ء »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإذا حلق رأسه بمنى ، استحبّ له أن يدفن شعره بها ، لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « كان علي بن الحسينعليهما‌السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ويقول : كانوا يستحبّون ذلك » ، قال : وكان الصادقعليه‌السلام يكره أن يخرج الشعر من منى ويقول : « مَنْ أخرجه فعليه أن يردّه »(٢) .

مسألة ٦٦٣ : يستحب لمن حلق رأسه أو قصّر أن يقلّم أظفاره ويأخذ من شاربه‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

قال ابن المنذر : ثبت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا حلق رأسه قلّم أظفاره(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخُذْ من شاربك »(٤) .

ووقت الحلق يوم النحر إجماعاً ، فلا يجوز قبله.

قال الله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٥) .

ويجب أن يؤخّره عن الذبح والرمي ، فيبدأ بالرمي ثم الذبح ثم الحلق واجباً ، عند أكثر علمائنا(٦) - وبه قال مالك والشافعي في أحد القولين ، وأبو حنيفة وأحمد(٧) - لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٢ / ٨١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ / ١٠١٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٢ / ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ / ١٠١٤.

(٣) المغني ٣ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٦ ، المجموع ٨ : ٢١٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ - ٨٠٨.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ١٨٠ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٩٢.

(٧) اُنظر حلية العلماء ٣ : ٣٤٣ ، والمجموع ٨ : ٢٠٧ ، وفتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، والمغني ٣ : ٤٧٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٧٠.

٣٤٠