تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189852 / تحميل: 5447
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (١) .

وما رواه العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رتّب هذه المناسك(٢) ، وقال : ( خذوا عنّي مناسككم)(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية موسى بن القاسم عن علي قال : « لا يحلق رأسه ولا يزور حتى يضحّي فيحلق رأسه ويزور متى شاء »(٤) .

وللشيخ –رحمه‌الله - قول آخر في الخلاف : ترتيب هذه المناسك مستحب وليس بفرض(٥) ، وبه قال أبو الصلاح(٦) ، وهو القول الثاني للشافعي(٧) ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى يوم النحر ، فقال له : زرت قبل أن أرمي ، فقال له : ( إرم ولا حرج ) فقال : ذبحت قبل أن أرمي ، فقال : ( إرم ولا حرج ) فما سُئل يومئذٍ عن شي‌ء قدّمه رجل ولا أخّره إلّا قال له : ( افعل ولا حرج )(٨) ولم يفصّل بين العالم والجاهل ، فدلّ على عدم الوجوب.

ومن طريق الخاصّة : رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الجوادعليه‌السلام ، قال له : جُعلت فداك إنّ رجلاً من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر وحلق قبل أن يذبح ، فقال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه طوائف من المسلمين ،

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ / ١٩٨١ ، المغني ٣ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٠.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٦ / ٧٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٤ / ١٠٠٦.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٤٥ ، المسألة ١٦٨.

(٦) الكافي في الفقه : ٢٠٠ - ٢٠١.

(٧) الاُمّ ٢ : ٢١٥ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٣ ، المجموع ٨ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٣.

(٨) صحيح البخاري ٢ : ٢١٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٤ / ٧٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٤٢ و ١٤٣ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٣٨ بتفاوت ونقيصة.

٣٤١

فقالوا : يا رسول الله ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح ، فلم يبق شي‌ء ممّا ينبغي أن يقدّموه إلّا أخّروه ، ولا شي‌ء ممّا ينبغي أن يؤخّروه إلّا قدّموه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حرج»(١) .

وهو محمول على الناسي.

وعلى القول بوجوب الترتيب فإنّه ليس شرطاً ولا تجب بالإخلال به كفّارة ؛ لأصالة البراءة ، ولما تقدّم في الأحاديث السابقة.

وقال الشافعي : إن قدّم الحلق على الذبح ، جاز ، وإن قدّم الحلق على الرمي ، وجب الدم إن قلنا : إنّه إطلاق محظور ؛ لأنّه حلق قبل أن يتحلّل ، وإن قلنا : إنّه نسك ، فلا شي‌ء عليه ، لأنّه أحد ما يتحلّل به(٢) .

وقال أبو حنيفة : إن قدّم الحلق على الذبح ، لزمه دم إن كان قارناً أو متمتّعاً ، ولا شي‌ء عليه إن كان مفرداً(٣) .

وقال مالك : إن قدّم الحلق على الذبح ، فلا شي‌ء عليه ، وإن قدّمه على الرمي ، وجب الدم(٤) .

مسألة ٦٦٤ : لو بلغ الهدي محلّه ولم يذبح ، قال الشيخ : يجوز له أن يحلق(٥) ‌، لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٦)

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٣٦ / ٧٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٤ / ١٠٠٨ ، وفيها بزيادة « لا حرج» مكرّراً.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٨٠ - ٣٨١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٦ و ١٨٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٣ ، المجموع ٨ : ٢٠٧ و ٢١٦.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٣٤٣ ، المجموع ٨ : ٢١٦.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٤١٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٣ ، المجموع ٨ : ٢١٦ ، المغني ٣ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٢.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٧٤.

(٦) البقرة : ١٩٦.

٣٤٢

وقال تعالى :( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا اشتريت اُضحيتك وقمطتها(٢) وصارت في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محلّه ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق »(٣) .

قال أبو الصلاح : يجوز له تأخير الحلق إلى آخر أيّام التشريق(٤) - وهو حسن ، لكن لا يجوز له أن يقدّم زيارة البيت عليه - وبه قال عطاء وأبو ثور وأبو يوسف(٥) ؛ لأنّ الله تعالى بيّن أوّله بقوله :( حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٦) ولم يبيّن آخره ، فمتى فَعَله أجزأه ، كالطواف للزيارة والسعي.

مسألة ٦٦٥ : يوم الأكبر هو يوم النحر.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته يوم النحر : ( هذا يوم الحجّ الأكبر )(٧) .

وسأل معاويةُ بن عمّار الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن يوم الحجّ الأكبر ) ، قال : « هو يوم النحر ، والأصغر العمرة »(٨) .

وسُمّي بالأكبر ؛ لكثرة أفعال الحجّ فيه من الوقوف بالمشعر والدفع منه إلى منى والرمي والنحر والحلق وطواف الإفاضة والرجوع إلى منى للمبيت بها ، وليس في غيره من الأيّام مثل ذلك ، وهو مع ذلك يوم عيد‌

____________________

(١) الحج : ٣٣.

(٢) قمطتها : أي شددتها بالقماط ، وهو : حبل يشدّ به قوائم الشاة للذبح. مجمع البحرين ٤ : ٢٧٠ « قمط ».

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٥ - ٢٣٦ / ٧٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٤ / ١٠٠٧.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٠١.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٩ ، المجموع ٨ : ٢٠٩.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٢١٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٣٣١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٦ / ٣٠٥٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٩٥ / ١٩٤٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٩.

(٨) الكافي ٤ : ٢٩٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٩٢ / ١٤٤٣ ، التهذيب ٥ : ٤٥٠ / ١٥٧١.

٣٤٣

ويوم الإحلال من إحرام الحجّ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب للإمام أن يخطب فيه ، ويعلّم الناس ما فيه من المناسك من النحر والإفاضة والرمي - وبه قال الشافعي وابن المنذر وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب الناس يوم النحر بمنى(٢) .

ومن طريق الخاصّة : خطبة عليعليه‌السلام يوم الأضحى(٣) .

مسألة ٦٦٦ : قد عرفت فيما سبق محظورات الإحرام ، فإذا حلق أو قصّر ، حلّ له كلّ شي‌ء‌ إن كان الإحرام للعمرة ، وإن كان للحجّ ، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا الطيب والنساء والصيد ، عند علمائنا - وبه قال مالك(٤) - لأنّ النساء محرّمة عليه إجماعاً ، فيحرم عليه الطيب ؛ لأنّه من دواعي الجماع ، فكان حراماً ، كالقُبْلة ، فيحرم عليه الصيد ؛ لقوله تعالى :( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (٥) والإحرام متحقّق بتحريم هذين.

وما رواه العامّة عن عمر ، قال : إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات وذبحتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شي‌ء إلّا الطيب والنساء(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « اعلم أنّك إذا حلقت رأسك‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٦ ، المجموع ٨ : ٨٢ و ٢١٨ - ٢١٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩١ ، المغني ٣ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٣.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٢١٥ ، المغني ٣ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٣.

(٣) نهج البلاغة - بشرح محمد عبده - ١ : ٩٨ ، مصباح المتهجّد : ٦٠٧.

(٤) المنتقى - للباجي - ٣ : ٣٠ ، الاستذكار ١٣ : ٢٢٧ / ١٨٦٧١ ، المغني ٣ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٩.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٣٥ ، المغني ٣ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٧.

٣٤٤

فقد حلّ لك كلّ شي‌ء إلاّ النساء والطيب »(١) .

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد : يحلّ له كلّ شي‌ء إلّا النساء. وبه قال ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاوس والنخعي وأبو ثور(٢) .

وقال ابن عمر وعروة بن الزبير : يحلّ له كلّ شي‌ء إلّا النساء والطيب(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإذا طاف طواف الزيارة ، حلّ له الطيب ، وإذا طاف طواف النساء ، حلّت له النساء ، فثبت أنّ مواطن التحلّل ثلاثة :

الأوّل : إذا حلق أو قصّر ، حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه ، إلّا النساء والطيب وأكل الصيد.

الثاني : إذا طاف طواف الزيارة ، حلّ له الطيب.

الثالث : إذا طاف طواف النساء ، حللن له.

مسألة ٦٦٧ : يستحب لمن حلق رأسه أن يتشبّه بالمـُحْرمين قبل طواف الزيارة‌ في ترك لُبْس المخيط إلى أن يطوف طواف الزيارة ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل تمتّع بالعمرة فوقف بعرفات ووقف بالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق أيغطّي رأسه؟ قال : « لا ، حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة » قيل له : فإن كان قد فعل؟ قال : « ما أرى عليه شيئاً »(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٥ / ٨٣١ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٧ / ١٠٢٠.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٨٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٥ ، المغني ٣ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٦ ، الاستذكار ١٣ : ٢٢٨ / ١٨٦٧٤.

(٣) المغني ٣ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٧ / ٨٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٩ / ١٠٢٦.

٣٤٥

والنهي هنا للكراهة ؛ لأنّ العلاء سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - إنّي حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتّع اُطلي رأسي بالحنّاء؟ فقال : « نعم من غير أن تمسّ شيئاً من الطيب » قلت : وألبس القميص وأتقنّع؟ قال : « نعم » قلت : قبل أن أطوف بالبيت؟ قال : « نعم »(١) .

ويستحب لمن طاف طواف الزيارة أن لا يمسّ شيئاً من الطيب حتى يطوف طواف النساء ؛ لئلّا يشتغل به عن أداء المناسك. ولأنّه من دواعي شهوة النساء.

ولأنّ محمد بن إسماعيل - في الصحيح - قال : كتبت إلى الرضاعليه‌السلام : هل يجوز للمُحْرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال : « لا »(٢) وهذا النهي للكراهة ، كما تقدّم.

تذنيب : إنّما يحصل التحلّل بالرمي والحلق.

وقال بعض الشافعية : يتحلّل بدخول وقت الرمي وإن لم يرم ، كما لو فاته الوقت فإنّه يتحلّل(٣) .

وليس بجيّد ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شي‌ء إلّا النساء )(٤) علّق ذلك بالرمي دون وقته.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٧ / ٨٣٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٩ / ١٠٢٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٨ / ٨٤٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٠ / ١٠٢٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٦.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٢٧٦ / ١٨٦ و ١٨٧ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٦ ، مسند أحمد ٦ : ١٤٣ ، الفردوس ١ : ٢٧٠ / ١٠٥٠ ، المغني ٣ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٦ - ٤٦٧.

٣٤٦

٣٤٧

الفصل السابع

في بقايا أفعال الحجّ‌

وفيه مباحث :

البحث الأوّل : في زيارة البيت‌

مسألة ٦٦٨ : إذا قضى الحاجّ مناسكه بمنى من رمي جمرة العقبة وذبح الهدي والحلق أو التقصير ، رجع إلى مكّة‌ لطواف الزيارة ، وسُمّي بذلك ؛ لأنّه يرجع من منى لزيارة البيت ، ولا يقيم بمكّة ، بل يرجع منها إلى منى ، وهو ركن في الحجّ ، ويسمّى طواف الحجّ ، ولا يتمّ إلّا به إجماعاً.

قال الله تعالى :( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) .

وروى العامّة عن عائشة قالت : حججنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأفضنا يوم النحر فحاضت صفيّة ، فأراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يريد الرجل من أهله ، فقلت : يا رسول الله إنّها حائض ، قال : ( أحابستنا هي؟ ) قالوا : يا رسول الله إنّها قد أفاضت يوم النحر ، قال : ( اخرجوا )(٢) فدلّ على وجوب هذا الطواف وأنّه حابس لمن لم يأت به.

ويسمّى أيضاً طواف الإفاضة ؛ لقولهم : إنّها قد أفاضت يوم النحر ، يعني طافت طواف الزيارة. وسُمّي بذلك ؛ لأنّه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة.

____________________

(١) الحجّ : ٢٩.

(٢) أوردها كما في المتن ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٧٥ ، وبتفاوت في اللفظ في صحيح البخاري ٢ : ٢٢٠ ، وسنن أبي داود ٢ : ٢٠٨ / ٣٠٠٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٦٢ ، والموطّأ ١ : ٤١٢ / ٢٢٥.

٣٤٨

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وزُر البيت وطُفْ به اُسبوعاً تفعل كما صنعت يوم قدمت مكة »(١) .

ولأنّ الحجّ أحد النسكين ، فوجب فيه طواف ، كالعمرة.

مسألة ٦٦٩ : وهذا الطواف - كالأوّل - تجب فيه الطهارة ، والنيّة شرط فيه‌ ، كما هي شرط في طواف القدوم وفي كلّ عبادة - وبه قال إسحاق وابن المنذر(٢) - لأنّه عبادة وعمل وقد قال الله تعالى :( مُخْلِصِينَ ) (٣) .

وقالعليه‌السلام : ( الأعمال بالنيّات وإنّما لامرئ ما نوى )(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( الطواف بالبيت صلاة )(٥) .

وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي : يجزئه وإن لم ينو الفرض الذي عليه(٦) .

ويستحبّ الإتيان به يوم النحر بعد قضاء مناسك منى ؛ لما رواه العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم النحر : فأفاض إلى البيت فصلّى بمكة الظهر(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٠ / ٨٤٨.

(٢) المغني ٣ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٤ - ٤٧٥.

(٣) البيّنة : ٥.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٢ ، و ٩ : ٢٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ - ١٥١٦ / ١٩٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن النسائي ١ : ٥٨ - ٥٩ ، و ٧ : ١٣ ، مسند أحمد ١ : ٢٥ ، بتفاوت يسير.

(٥) سنن النسائي ٥ : ٢٢٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٣٤ / ١٠٩٥٥.

(٦) المغني ٣ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٥.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٣٠٧٤.

٣٤٩

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - وقد سأله محمد ابن مسلم عن المتمتّع متى يزور؟ قال : « يوم النحر »(١) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يبيت المتمتّع يوم النحر حتى يزور »(٢) .

ولو أخّره إلى الليل ، جاز ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخّر طواف الزيارة إلى الليل(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ينبغي للمتمتّع أن يزور البيت يوم النحر ومن ليلته لا يؤخّر ذلك اليوم »(٤) .

مسألة ٦٧٠ : أوّل وقت هذا الطواف : طلوع الفجر من يوم النحر‌ - وبه قال أبو حنيفة(٥) - لوجوب فعله بعد أداء المناسك المتعلّقة بيوم النحر ، فلا يتحقّق له وقت قبله.

وآخر وقته : اليوم الثاني من أيّام النحر للمتمتّع ، عند علمائنا ، ولا يجوز له التأخير عن ذلك.

وقال أبو حنيفة : آخر وقته آخر أيّام النحر(٦) .

وقال باقي العامّة : لا تحديد لآخره(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٩ / ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٠ / ١٠٣٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٩ / ٨٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٠ - ٢٩١ / ١٠٣١.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٧ / ٣٠٥٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٦٢ / ٩٢٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٩ / ٨٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩١ / ١٠٣٢.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٣٢ ، المغني ٣ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٥ ، المجموع ٨ : ٢٨٢.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٣٢ ، المغني ٣ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٦.

(٧) المغني ٣ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٥ ، المجموع ٨ : ٢٢٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣٢.

٣٥٠

وقال الشافعي : أوّل وقته من نصف ليلة النحر(١) .

ولنا : أنّه نسك في الحجّ ، فكان آخره محدوداً ، كالوقوف والرمي.

وسأل معاويةُ بن عمّار - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن المتمتّع متى يزور البيت؟ قال : « يوم النحر أو من الغد ، ولا يؤخّر ، والمفرد والقارن ليسا سواء موسّع عليهما »(٢) .

ولو أخّر المتمتّع زيارة البيت عن اليوم الثاني من يوم النحر ، أثم ولا كفّارة عليه ، وكان طوافه صحيحاً.

أمّا القارن والمفرد : فيجوز لهما تأخير طواف الزيارة والسعي إلى آخر ذي الحجّة ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن زيارة البيت تؤخّر إلى اليوم الثالث ، قال : « تعجيلها أحبّ إليّ ، وليس به بأس إن أخّره »(٣) .

وفي رواية اُخرى : « موسّع للمفرد أن يؤخّره »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فقد وردت رخصة في جواز تقديم الطواف والسعي على الخروج إلى منى وعرفات - وبه قال الشافعي(٥) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ قدّم شيئاً قبل شي‌ء فلا حرج )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : رواية يحيى الأزرق(٧) أنّه سأل أبا الحسنعليه‌السلام :

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٢٠ و ٢٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٩ - ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٩١ - ١٠٣٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٠ / ٨٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٩١ - ١٠٣٣.

(٤) الكافي ٤ : ٥١١ - ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٥١ - ٢٥٢ / ٨٥٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٢ / ١٠٣٧.

(٥) المغني ٣ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٢.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٨١ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٧٢ نقلاً عن سعيد في سننه.

(٧) في المصدر : صفوان بن يحيى الأزرق.

٣٥١

عن امرأة تمتّعت بالعمرة إلى الحجّ ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر ، أيصلح لها أن تُعجّل طوافها طواف الحجّ قبل أن تأتي منى؟ قال : « إذا خافت أن تضطرّ إلى ذلك فعلت »(١) .

إذا ثبت هذا ، فالأولى التقييد للجواز بالعذر.

مسألة ٦٧١ : يستحب أن يغتسل ويُقلّم أظفاره ويأخذ من شاربه ويدعو إذا وقف على باب المسجد‌ ، كطواف القدوم ، وغير ذلك من المستحبّات ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخُذْ من شاربك وزُر البيت وطُفْ به اُسبوعاً تفعل كما صنعت يوم قدمت مكّة »(٢) .

ويجوز أن يغتسل من منى ويأتي مكّة ، فيطوف بذلك الغسل ؛ للرواية(٣) ، وأن يغتسل نهاراً ويطوف ليلاً ما لم ينقضه بحدث أو نوم ، فإن نقضه ، أعاده مستحبّاً ليطوف على غسل ، للرواية(٤) .

ويستحبّ الغسل للمرأة ، كالرجل ؛ لأنّ الحلبي سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟ فقال : « نعم إنّ الله تعالى يقول :( طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (٥) فينبغي للعبد أن لا يدخل إلّا وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذى وتطهّر »(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٨ / ١٣٨٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٠ و ٢٥٠ / ٨٠٨ و ٨٤٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٠ - ٢٥١ / ٨٤٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٥١ / ٨٥٠.

(٥) إنّ الآية في سورة البقرة : ١٢٥ هكذا( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ) إلى آخر ما في المتن ، وفي سورة الحج : ٢٦ هكذا( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) .

(٦) التهذيب ٥ : ٢٥١ / ٨٥٢.

٣٥٢

ثم يقف على باب المسجد ويدعو بالمنقول ويدخل المسجد ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله ، فإن لم يستطع ، استلمه بيده وقبَّل يده ، فإن لم يتمكّن ، استقبله وكبّر ودعا كما تقدّم في طواف القدوم ، كلّ ذلك مستحبٌّ ، ثم يطوف واجباً سبعة أشواط طواف الزيارة يبدأ بالحجر ويختم به ، فإذا أكمله ، صلّى ركعتي الطواف واجباً في مقام إبراهيمعليه‌السلام ، ثم يرجع إلى الحجر الأسود ، فيستلمه إن استطاع ، وإلّا استقبله وكبّر مستحبّاً ، ثم يخرج إلى الصفا واجباً ، ويسعى بينه وبين المروة كما صنع في وقت قدومه في الكيفية ، فإذا فرغ من السعي ، أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النساء ، ثم يرجع إلى البيت فيطوف طواف النساء اُسبوعاً - كما تقدّم - واجباً ، ويصلّي ركعتيه في مقام إبراهيمعليه‌السلام واجباً ، فإذا أكمله ، حلّت له النساء ، ولهذا سُمّي طواف النساء.

مسألة ٦٧٢ : السعي عقيب طواف الحجّ ركن في الحجّ عندنا‌ واجباً فيه ؛ لما تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - قلت : فرجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : « يعيد السعي » قلت : فاته ذلك حتى خرج(١) ، قال : « يرجع فيعيد السعي ، إنّ هذا ليس كرمي الجمار ، إنّ الرمي سنّة ، والسعي بين الصفا والمروة فريضة »(٢) .

وبين العامّة خلاف في وجوبه واستحبابه(٣) .

وهل يشترط في التحلّل الثاني السعي؟ أو يحصل عقيب طواف‌

____________________

(١) في الاستبصار والموضع الأوّل من التهذيب : قلت : فإنّه يخرج ( خرج ).

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٠ / ٤٩٢ ، و ٢٨٦ / ٩٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ / ٨٢٩.

(٣) اُنظر : المغني ٣ : ٤١٠.

٣٥٣

الزيارة قبله؟ الأقرب : عدم الاشتراط ؛ لأنّهم : علّلوا التحلّل بطواف الزيارة(١) ، وليس السعي جزءاً من مسمّاه.

وبين العامّة خلاف ، فمَنْ قال : إنه فرض ، لم يحصل التحلّل إلّا به ، ومَنْ قال : إنه سنّة ، ففي التحلّل قبله وجّهان : أحدهما : التحلّل ؛ لأنه لم يبق شي‌ء من واجّبات الحجّ عندهم ، والثاني : عدمه ؛ لأنه من أفعال الحجّ ، فيأتي به في إحرام الحجّ ، كالسعي في العمرة(٢) .

مسألة ٦٧٣ : طواف النساء واجب - عند علمائنا‌ أجمع - على الرجال والنساء والخصيان من البالغين وغيرهم - وأطبقت العامّة على عدم وجوبه(٣) - لما رواه العامّة عن عائشة قالت : فطاف الذين أهلّوا بالعمرة وبين الصفا والمروة ثم حلّوا ثم طافوا طوافا آخر(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضاعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٥) قال : « هو طواف النساء »(٦) .

وهذا الطواف واجب في الحجّ والعمرة المبتولة ، عند علمائنا أجمع ؛ لأنّ إسماعيل بن رباح سأل أبا الحسنعليه‌السلام : عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال « نعم »(٧) .

____________________

(١) اُنظر على سبيل المثال : التهذيب ٥ : ٢٥٢ / ٨٥٣.

(٢) المغني ٣ : ٤٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٧.

(٣) كما في الخلاف ٢ : ٣٦٣ ، المسألة ١٩٩.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٥٣ ، ذيل الحديث ١٧٨١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٥ ، المغني ٣ : ٤٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٨.

(٥) الحجّ : ٢٩.

(٦) ورد الحديث كما في المتن عن الإمام الصادقعليه‌السلام في التهذيب ٥ : ٢٥٣ / ٨٥٥ ، وبتفاوت عن الإمام أبي الحسنعليه‌السلام في التهذيب ٥ : ٢٥٢ - ٢٥٣ / ٨٥٤.

(٧) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٥٣ / ٨٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣١ / ٨٠١.

٣٥٤

ولا فرق بين الخصيّ والمرأة والرجل في وجوب طواف النساء ؛ لأنّ الحسين بن يقطين(١) سأل الكاظمَعليه‌السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال : « نعم عليهم الطواف كلّهم »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فكلّ إحرام يجب فيه طواف النساء إلّا إحرام العمرة غير المفردة ، وكلّ طواف لا بدّ له من سعي يتعقّبه إلّا طواف النساء.

مسألة ٦٧٤ : ولو ترك الحاجّ أو المعتمر مفرداً طواف النساء ، لم يحللن له ، ويجب عليه العود مع المكنة ليطوفه ، فإن لم يتمكّن ، أَمَرَ مَنْ يطوف عنه طواف النساء ، فإذا طاف النائب عنه ، حلّت له النساء.

ولو مات قبل طوافه ، طاف عنه وليّه بعد موته ؛ لأنّه أحد المناسك الواجبة ، فيأتي به.

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : « يرسل فيُطاف عنه فإن توفّي قبل أن يُطاف عنه فليطف عنه وليّه»(٣) .

وإنّما قلنا بالاستنابة مع تعذّر إمكان الرجوع ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - : عن رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة ، قال : « لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت » قلت : فإن لم يقدر؟ قال : « يأمر مَنْ يطوف عنه »(٤) .

وعلى تحريم النساء قبل فعله رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى‌

____________________

(١) في المصدر : الحسين بن علي بن يقطين.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٣ - ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٥٥ - ٨٦٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٥ - ٢٥٦ / ٨٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٥٦ / ٨٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٩.

٣٥٥

إهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره ، فأمّا ما دام حيّاً فلا يصحّ أن يقضى عنه ، وإن نسي الجمار فليسا سواءً ، لأنّ الرمي سنّة والطواف فريضة »(١) .

البحث الثاني : في الرجوع إلى منى‌

مسألة ٦٧٥ : إذا قضى الحاجّ مناسكه بمكّة من طواف الزيارة وصلاة ركعتيه والسعي وطواف النساء وصلاة ركعتيه ، وجب أن يرجع إلى منى‌ للمبيت بها ليالي التشريق ، وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، عند علمائنا - وبه قال عطاء وعروة وإبراهيم ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) - لما رواه العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص للعباس بن عبد المطّلب أن يبيت بمكّة ليالي منى من أجل سقايته(٣) .

قال ابن عباس : لم يرخّص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأحد يبيت بمكّة إلاّ للعباس من أجل سقايته(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا فرغت من طوافك للحجّ وطواف النساء فلا تبيت إلّا بمنى إلّا أن يكون شغلك في‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٥ / ٨٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٧.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤٧ ، الوجيز ١ : ١٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٨٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٢١٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٥٣ / ١٣١٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٩ / ٣٠٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٩٩ / ١٩٥٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٧٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٨٢.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٩ / ٣٠٦٦ ، المغني ٣ : ٤٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٢ - ٤٨٣.

٣٥٦

نسكك ، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى »(١) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : إنّه مستحب لا واجب - وبه قال الحسن البصري(٢) - لقول ابن عباس : إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت(٣) .

ولأنّه قد حلّ من حجّه ، فلم يجب عليه المبيت بموضع معيّن ، كليلة الحصبة(٤) .

ولا حجّة في قول ابن عباس خصوصاً وقد نقل عنه : لا يبيتنّ أحد من وراء العقبة من منى ليلاً(٥) .

والفرق بين ليلة الحصبة وغيرها ؛ لبقاء بعض المناسك عليه في غيرها.

مسألة ٦٧٦ : لو ترك المبيت بمنى ، وجب عليه عن كلّ ليلة شاة‌ إلّا أن يخرج من منى بعد نصف الليل أو يبيت بمكّة مشتغلاً بالعبادة ، فلو ترك المبيت ليلةً ، وجب عليه شاة ، فإن ترك ليلتين ، وجب شاتان ، فإن ترك الثالثة وكان ممّن اتّقى ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّ له النفر في الأوّل ، إلّا أن تغرب الشمس يوم الثاني عشر وهو بمنى.

ولو لم يكن قد اتّقى أو نفر بعد الغروب ، وجب عليه شاة اُخرى ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم )(٦) وقد بيّنّا أنّ المبيت بمنى نسك.

ومن طريق الخاصّة : رواية جعفر بن ناجية ، قال : سألت الصادقَعليه‌السلام :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٦ / ٨٦٨.

(٢ - ٤ ) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٨٢.

(٥) المغني ٣ : ٤٨٢.

(٦) أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢٣٣ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٩٨.

٣٥٧

عمّن بات ليالي منى بمكّة ، فقال : « عليه ثلاثة من الغنم يذبحهنّ »(١) .

وقال أبو حنيفة : لا شي‌ء عليه إذا ترك المبيت(٢) .

وقال الشافعي : إذا ترك المبيت ليلة واحدة ، وجب عليه مُدٌّ. وفيه قولان : أحدهما : يجب عليه درهم ، والآخر : ثلث دم. وهل الدم واجب أو مستحبٌّ؟ قولان(٣) .

ويجوز النفر في اليوم الثاني من أيّام التشريق لمن اتّقى ، فلا يجب المبيت الليلة الثالثة.

والاتّقاء : اجتناب النساء والصيد في إحرامه.

إذا عرفت هذا ، فلو أراد المتّقي في الأوّل ، جاز له ما لم تغرب الشمس وهو بمنى - وبه قال الشافعي(٤) - لقوله تعالى :( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٥) .

أمّا لو غربت الشمس ، وجب عليه المبيت والرمي في الثالث ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٦) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٦ ، التهذيب ٥ : ٢٥٧ / ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٢ / ١٠٣٩.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩١ ، المغني ٣ : ٤٨٢.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٥ و ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٩٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤٨ و ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٩.

(٥) البقرة : ٢٠٣.

(٦) الوجيز ١ : ١٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤٨ و ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٧ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٤٧ ، المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٠.

٣٥٨

وقال أبو حنيفة : يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر(١) .

إذا ثبت هذا ، فالواجب الكون ليالي التشريق ، ولا عبادة عليه زائدةً على غيرها من الليالي إجماعاً.

والأفضل أن لا يخرج من منى إلّا بعد طلوع الفجر. ويجوز له أن يأتي مكة أيّام منى لزيارة البيت تطوّعاً.

والأفضل المقام بمنى إلى انقضاء أيّام التشريق ؛ لأنّ ليث المرادي سأل الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يأتي مكّة أيّام منى بعد فراغه من زيارة البيت ، فيطوف بالبيت تطوّعاً ، فقال : « المقام بمنى أفضل وأحبّ إليَّ »(٢) .

مسألة ٦٧٧ : رُخّص للرعاة المبيت في منازلهم وترك المبيت بمنى‌ ما لم تغرب الشمس عليهم في منى ، فإنّه يلزمهم المبيت بها إجماعاً

روى العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر(٣) .

وكذلك أهل سقاية العباس ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص لأهل سقاية العباس أن يدعوا المبيت بمنى.

وقد قيل : إنّه إذا غربت الشمس على أهل سقاية العباس بمنى أن يَدَعوا المبيت بمنى ، بخلاف الرعاة ؛ لأنّ شغل أهل السقاية ثابت ليلاً ونهاراً ، وشغل الرعاة بالنهار(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٠٠ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٥ / ١٠٥٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٩٣ ، وفي سنن أبي داوُد ٢ : ٢٠٢ / ١٩٧٥ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٨٩ - ٢٩٠ / ٩٥٥ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٠ / ٣٠٣٧ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٥٠ نحوه.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٩٤ ، المجموع ٨ : ٢٤٨.

٣٥٩

والأقرب : أنّ مَنْ شاركهم في العذر - كمن له مريض بمكّة يحتاج أن يعلّله ، أو مال بها يخاف ضياعه - يترخّص كترخّصهم.

وللشافعي وجهان(١) .

[ و ](٢) الأقرب : أنّه لا تختصّ رخصة أهل السقاية بالعبّاسيّة - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ المعنى يعمّهم وغيرهم.

وقال مالك وأبو حنيفة : إنّها تختصّ بأولاد العباس(٤) .

البحث الثالث : في الرمي.

مسألة ٦٧٨ : يجب على الحاجّ الرمي في كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث‌ كلّ جمرة بسبع حصيات من الجمار الملتقط من المشعر.

فأوّل وقت الرمي يوم النحر ، وهو مختصّ بجمرة العقبة خاصّة قبل الذبح ، كما تقدّم.

وأمّا الجمار الثلاث : فأوّل وقت رميها الحادي عشر من شهر ذي الحجّة ، وهو أوّل أيّام التشريق ، ثم في الثاني عشر ، ثم في الثالث عشر ، وهو ثالث أيّام التشريق ، فيرمي في كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة. ويبدأ بالاُولى من الجمرات ، وهي أبعد الجمرات من مكّة.

ويستحب أن يرميها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفاً ، ويكبّر مع كلّ حصاة ، ويدعو ، ثم يقوم عن يسار الطريق ويستقبل القبلة ويحمد الله ويثني عليه ويصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يتقدّم‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٩٤ ، المجموع ٨ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٠.

(٢) أضفناها لأجل السياق.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٩٤ ، المجموع ٨ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٦.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٩٤.

٣٦٠

قليلاً ويدعو ، ثم يقوم عن يسار الطريق ويستقبل القبلة ويحمد الله ويُثني عليه ويُصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يتقدّم قليلاً ويدعو ، ثم يرمي الجمرة الثانية الوسطى ، ويصنع عندها كما صنع عند الاُولى ، ويقف ويدعو بعد الحصاة السابعة ، ثم يمضي إلى الثالثة - وهي جمرة العقبة - يختم بها الرمي ، فيرميها كالأوّلتين ، إلّا أنّه لا يقف عندها ، ولا نعلم فيه خلافاً.

روى العامّة عن عائشة ، قالت : أفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من آخر يومه حين صلّى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة ، ويقف عند الاُولى والثانية ، فيطيل القيام ويتضرّع ، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس وقُلْ كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، وابدأ بالجمرة الاُولى ، وارمها عن يسارها في بطن المسيل وقُلْ كما قلت يوم النحر ثم قُمْ عن يسار الطريق ، فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم تقدّم قليلاً ، فتدعو وتسأله أن يتقبّل منك ، ثم تقدّم أيضاً وافعل ذلك عند الثانية واصنع كما صنعت بالاُولى وتقف وتدعو الله كما دعوت ، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار ولا تقف عندها »(٢) .

مسألة ٦٧٩ : أوّل وقت الرمي في هذه الأيّام كلّها من طلوع الشمس إلى غروبها‌ ، قاله أكثر علمائنا(٣) - وبه قال طاوُس وعكرمة(٤) - لما رواه‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٢ : ٢٠١ / ١٩٧٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٤٨.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٠ - ٤٨١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٦ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٦٦ ، والمبسوط ١ : ٣٧٨ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٧٥.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

٣٦١

العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلّى الظهر(١) ، ومعلومٌ أنّهعليه‌السلام كان يبادر إلى فعل الفريضة في أوّل وقتها ، فدلّ على أنّ الرمي قبل الزوال.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها »(٢) .

وللشيخ -رحمه‌الله - قول آخر في الخلاف : لا يجوز الرمي إلّا بعد الزوال(٣) ، وهو قول الفقهاء الأربعة(٤) ، إلّا أنّ أبا حنيفة جوّز الرمي يوم النفر قبل الزوال استحساناً(٥) .

إذا ثبت هذا ، فالرمي عند الزوال أفضل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ارم في كلّ يوم عند الزوال»(٦) وبعد الزوال في الأداء أفضل.

ورُخّص للعليل والخائف والرعاة والعبيد الرمي ليلاً لحاجتهم.

وقال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل »(٧) .

وفي الموثّق عنهعليه‌السلام « رُخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلاً »(٨) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٤ / ٣٠٥٤.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٤ ، والتهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩١ ، وفيه : « رمي الجمار » بدل « الرمي ...».

(٣) الخلاف ٢ : ٣٥١ ، المسألة ١٧٦.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٣ ، الوجيز ١ : ١٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ - ٣٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

(٦) الكافي ٤ : ٤٨٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٧.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٥.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٦.

٣٦٢

مسألة ٦٨٠ : يجب الترتيب بين الجمار الثلاث ، فلو نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الاُولى ، أعاد على الوسطى وجمرة العقبة. وكذا لو بدأ بالوسطى ورمى الثلاث ، لم يجزئه إلّا الاُولى. ولو رمى جمرة العقبة ثم الاُولى ثم الوسطى ، أعاد على جمرة العقبة خاصّةً. وبالجملة يعيد على ما يحصل به الترتيب عند علمائنا - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(١) - لأنّ النبيعليه‌السلام رتّبها في الرمي ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - في رجل رمى الجمار منكوسة : « يعيد على الوسطى وجمرة العقبة »(٣) .

ولأنّه نسك متكرّر ، فيشترط فيه الترتيب ، كالسعي.

وقال الحسن البصري وعطاء وأبو حنيفة : لا يجب الترتيب ؛ لأنّها مناسك متكرّرة في أمكنة متفرّقة في وقت واحد ليس بعضها تابعاً لبعض ، فلا يشترط فيها الترتيب ، كالرمي والذبح(٤) .

ونمنع حكم الأصل ، ويبطل بالطواف والسعي.

مسألة ٦٨١ : يجب أن يرمي كلّ جمرة بسبع حصيات كملاً‌ ، فلا يجوز له الإخلال بواحدة منها - وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى بسبع حصيات(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ ، وانظر : المغني ٣ : ٤٨٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٨٨.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٥ / ٩٠٣.

(٤) المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤ ، المجموع ٨ : ٢٣٩ ، المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨.

٣٦٣

ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الأعلى عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل رمى الجمرة بست حصيات ووقعت واحدة ، قال : « يعيدها إن شاء من ساعته وإن شاء من الغد إذا أراد الرمي ، ولا يأخذ من حصى الجمار »(١) .

وقال أحمد في الرواية الثانية : يجوز أن ينقص حصاة أو حصاتين لا أزيد(٢) - وبه قال مجاهد وإسحاق(٣) - لما رواه ابن أبي نجيح ، قال : سُئل طاوُس عن رجل ترك حصاة ، قال : يتصدّق بتمرة أو لقمة ، فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : إنّ أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد ، قال سعد : رجعنا من الحجّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعضنا يقول : رميت بست ، وبعضنا يقول : رميت بسبع ، فلم يعب ذلك بعضنا على بعض(٤) .

ولا حجّة فيه ؛ لجواز أن يكون الترك لسهو ، وحكاية الحال لا عموم لها.

مسألة ٦٨٢ : قد بيّنّا وجوب الترتيب في رمي الجمار‌ ، فلو رمى الاُولى بأقلّ من أربع حصيات ثم رمي الثانية والثالثة ، لم يحصل الترتيب ، سواء كان عمدا أو سهواً.

وكذا لو رمى الاُولى بسبع ثم رمى الثانية بثلاث ثم أكمل الثالثة ، فيجب أن يكمل الناقصة ثم يعيد على الاُخرى.

ولو رمى السابقة بأربع فما زاد ثم رمى ما بعدها سهواً ، حصل له الترتيب ، ووجب عليه إكمال ما نسيه في السابقة.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ٤٨٥ - ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨.

(٤) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٩ ، وانظر سنن النسائي ٥ : ٢٧٥.

٣٦٤

ولو كان النقص عمداً ، بطل الترتيب وإن كان قد رمى أربعاً فما زاد ؛ لأنّ الأكثر يقوم مقام الشي‌ء مع النسيان.

وقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - في رجل رمى الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع ، قال : « يعيد رميهنّ جميعاً بسبع سبع » [ قلت : ](١) فإن رمى الاُولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع ، قال : « يرمي الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع ، ويرمي جمرة العقبة بسبع» قلت : فإنّه رمى الجمرة الاُولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع ، قال : « يعيد فيرمي الاُولى بثلاث والثانية بثلاث ، ولا يعيد على الثالثة »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلو رمى بستّ وضاعت واحدة ، فليُعدْها وإن كان من الغد ، ولا يسقط وجوبها ؛ للرواية(٣) .

ولو علم أنّه قد أخلّ بحصاة ولم يعلم من أيّ الجمار هي ، فليرم الثلاث بثلاث حصيات ؛ ليحصل يقين البراءة.

ولقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - في رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة فلم يدر من أيّهنّ نقص ، قال : « فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة » وإن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيّتهنّ هي ، قال : « يأخذ من تحت قدميه حصاة يرمي بها » قال : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل ، فأعد مكانها ، وإن هي أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت في الجمار أجزأك »(٤) .

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٥ - ٢٦٦ / ٩٠٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٣ - ٤٨٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ - ٢٦٧ / ٩٠٧.

٣٦٥

ويجب أن يرمي السبع في سبع مرّات ، فإن رماها دفعةً أو أقلّ من سبعة ، لم يجزئه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى بسبع حصيات في سبع مرّات وقال : ( خذوا عنّي مناسككم )(١) .

مسألة ٦٨٣ : يجوز الرمي راكباً والمشي أفضل‌ ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى الجمار راكباً(٢) ، وكذا أبو جعفر الثاني الجوادعليه‌السلام (٣) .

وقال الشافعي : يرمي في اليوم الأخير راكباً ، وفي الأوّلين ماشياً(٤) ؛ لأنّ النفر يتعقّب الرمي في الثالث ، فإذا كان راكباً ، مضى عقيب الرمي وفي الأوّلين يكون مقيماً.

ويستحب أن يأخذ الحصى في كفّه ويأخذ منها ويرمي ، ويكبّر عند رمي كلّ حصاة ، والمقام بمنى أيّام التشريق ، وأن يرمي الجمرة الاُولى عن يمينه ، ويقف ويدعو ، وكذا الثانية ، ويرمي الثالثة مستدبراً للقبلة مقابلاً لها ، ولا يقف عندها ، فلو أخلّ بشي‌ء من ذلك ، لم يكن عليه شي‌ء ، لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما نقل عن الثوري : أنّه لو ترك الوقوف والدعاء ، أطعم شيئاً ، وإن أراق دماً، كان أحبّ(٥) .

مسألة ٦٨٤ : يجوز الرمي عن كلّ ذي عذر‌ ، كالعليل والمبطون والمغمى عليه والصبي ومَنْ أشبههم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - :

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ / ١٢٩٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٤ / ٨٩٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٠٦ ، المجموع ٨ : ١٨٣ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ٤٢١.

(٥) المجموع ٨ : ٢٨٣ ، المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٦.

٣٦٦

« الكسير والمبطون يُرمى عنهما » قال : « والصبيان يُرمى عنهم »(١) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام : في رجل اُغمي عليه ، فقال : « يُرمى عنه الجمار »(٢) .

وقال الكاظمعليه‌السلام في المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار : « يرمى عنه »(٣) .

وسأل إسحاقُ بن عمّار الكاظمَعليه‌السلام : عن المريض يُرمى عنه الجمار؟ قال : « نعم يحمل إلى الجمرة ويُرمى عنه »(٤) .

مسألة ٦٨٥ : لو نسي رمي يوم بعض الجمرات أو جميعها ، أعاده من الغد ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته ، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة ، وهي للأمس ، والاُخرى عند زوال الشمس »(٥) .

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّ رمي كلّ يوم محدود الأوّل والآخر ، ففي السقوط بفوات وقته وجهان : أحدهما : السقوط ؛ لأنّ فوات الوقت المحدود يسقط الفعل المتعلّق به.

والثاني : أنّ الجميع كاليوم الواحد ، فيعيد في اليوم الثاني والثالث ما‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٤ ، التهذيب ٥ : ٢٨٦ / ٩١٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣.

٣٦٧

فاته قبله(١) .

ونمنع التحديد أوّلاً ؛ لأنّهم رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ، ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر(٢) ، ولو كان محدوداً ، لما سوّغ التأخير حتى يصير قضاءً.

وأمّا إذا فاته رمي يوم كملاً ، فقد قلنا بوجوب قضائه في غده.

وللشافعي ثلاثة أقوال : أحدها : السقوط إلى الدم. والثاني : القضاء والدم ، كقضاء رمضان إذا أخّره إلى رمضان آخر. والثالث : القضاء ولا شي‌ء عليه ، كالوقوف إذا أخّره إلى الليل(٣) .

والأصل براءة الذمّة من الدم.

ويستحب أن يرمي ما فاته بالأمس بكرةً ؛ للمبادرة إلى القضاء ، والذي ليومه عند الزوال ؛ لأنّه وقت الفضيلة.

ويجب الترتيب يبدأ بقضاء الفائت ثم يعقب بالحاضر ، فلو بدأ برمي يومه ، لم يقع الذي لأمسه ؛ لعدم إرادته ، ولا الذي ليومه ؛ لوجوب الترتيب ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : سقوط الترتيب(٤) .

ولو رمى جمرة واحدة بأربع عشرة حصاة : سبعاً ليومه ، وسبعاً لأمسه ، بطلت الاُولى.

ولو فاته رمي يومين ، قضاه يوم الثالث مرتّباً. ولو فاته حصاة أو‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٢ - ٤٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٤٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٩٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٠٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٩.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٠٣ ، المجموع ٨ : ٢٤٠.

٣٦٨

حصاتان أو ثلاث حتى خرجت أيّام التشريق ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإن رماها في القابل ، كان أحوط.

وقال الشافعي : إن ترك واحدة ، فعليه مُدٌّ ، وإن ترك اثنتين ، فمُدّان ، وإن ترك ثلاثاً ، فدمٌ إن كان ذلك من الجمرة الأخيرة ، وإن كان من الأوّلتين ، بطل الرمي(١) .

والأصل براءة الذمّة.

مسألة ٦٨٦ : لو نسي الجمار كلّها في الأيّام بأجمعها حتى جاء مكّة ، وجب عليه الرجوع إلى منى وإعادة الرمي‌ إن كانت أيّام التشريق لم تخرج ، وإن خرجت ، قضاه من قابل في أيّام التشريق ، أو يأمر مَنْ يقضي عنه الرمي ، ولا دم عليه ، لأنّه مكلّف بالرمي ، فلا يخرج عن العهدة إلّا به ، ولا كفّارة ؛ لأصالة البراءة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فإن لم يحجّ رمى عنه وليّه ، فإن لم يكن له وليّ ، استعان رجلاً من المسلمين يرمي عنه ، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا أيّام التشريق »(٢) .

ولو أخّر رمي جمرة العقبة يوم النحر ، أعادها في ثاني أيّام النحر - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - لأنّه رمي فات وقته ، فكان عليه قضاؤه ، كرمي أيّام التشريق.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٤ / ٩٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٧ / ١٠٦٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٧.

٣٦٩

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل أفاض من جَمْع حتى انتهى إلى منى ، فعرض له [ عارض ](١) فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين : مرّة لما فاته ، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه »(٢) .

والثاني : السقوط ، ولا تكون أيّام التشريق وقتاً له ؛ لأنّه يخالفها ، فلا يتعلّق رمي يوم النحر إلّا بجمرة العقبة ، فهو كجنس آخر ، بخلاف بعض الأيّام مع بعض(٣) .

ويستحب للنائب في الرمي عن المريض والصبي وشبهه أن يضع الحصى في كفّ المنوب.

والمغمى عليه إن كان قد أذن لغيره في الرمي قبل إغمائه ، لم يبطل إذنه ، ولو زال عقله قبل الإذن ، جاز له أن يرمي عنه أيضاً ؛ للعموم. فإن زال العذر والوقت باقٍ ، فالأقرب عدم وجوب الإعادة.

ووقت الرمي في الأداء والقضاء للمختار بعد طلوع الشمس إلى غروبها.

مسألة ٦٨٧ : يستحب التكبير بمنى أيّام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة وفي غيرها عقيب عشر‌ أوّلها ظهر يوم النحر ؛ لاشتغاله قبل ذلك بالتلبية ، ويستوي هو والحلال في ابتداء المدّة ، إلّا أنّ الـمُحْرم يكبّر عقيب خمس عشرة صلاة ، والـمُحلّ عقيب عشر على ما قلناه.

قال الله تعالى :( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (٤) .

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٧.

(٤) البقرة : ١٨٥.

٣٧٠

واختلف علماؤنا في وجوبه ، فقال به السيّد المرتضى(١) ؛ للأمر ( به ، والأمر للوجوب )(٢) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « التكبير واجب في دُبُر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق »(٣) .

وقال الشيخرحمه‌الله : إنّه مستحب(٤) ؛ للأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام في الرجل ينسى أن يكبّر أيّام التشريق ، قال : « إن نسي حتى قام من موضعه فليس عليه شي‌ء »(٥) .

إذا ثبت هذا ، فلا تكبير عقيب النوافل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « التكبير في كلّ فريضة ، وليس في النافلة تكبير أيّام التشريق »(٦) .

والرواية الاُولى ضعيفة السند.

وصورة التكبير هنا أن يقول : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » رواه زرارة في الصحيح عن الباقر(٧) عليه‌السلام .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا »(٨) .

____________________

(١) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٤٥.

(٢) ما بين القوسين من الطبعة الحجرية.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٩ / ١٠٧٠.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٩ / ١٠٧١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٩ / ٩٢١.

(٨) الكافي ٤ : ٥١٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٢.

٣٧١

مسألة ٦٨٨ : يستحب للإمام أن يخطب بعد الظهر يوم الثالث من أيّام النحر ، وهو الثاني من أيّام التشريق ، وهو النفر الأوّل ، فيودّع الحاج ويُعلمهم أنّ مَنْ أراد التعجيل ممّن اتّقى فله ذلك - وبه قال الشافعي وأحمد وابن المنذر(١) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب وسط أيّام التشريق(٢) ، يعني يوم النفر الأوّل.

وقال أبو حنيفة : لا يستحب ذلك ؛ لأنّه من أيّام التشريق ، فلا يستحب فيه كغيره من اليومين(٣) .

والفرق : حاجة الناس إلى معرفة التعجيل ، وأنّ مَنْ تأخّر حتى تغيب الشمس يلزمه المبيت والوداع وكيفيّته ، بخلاف اليومين.

البحث الرابع : في النفر من منى.

مسألة ٦٨٩ : إذا رمى الحاجّ الجمار الثلاث في اليوم الأوّل من أيّام التشريق وفي الثاني ، جاز له النفر من منى ، ويسقط عنه رمي الثالث إن كان قد اتّقى النساء والصيد في إحرامه ، بإجماع العلماء.

ولا فرق في جواز النفر الأوّل بين أهل مكّة وغيرهم ممّن يريد المقام بمكّة أو لا يريد ، وهو قول عامّة العلماء(٤) ؛ لعموم الآية(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥١ ، المغني ٣ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٩٧ / ١٩٥٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٧ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥١.

(٣) المغني ٣ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٨.

(٤) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٨٤ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣.

(٥) البقرة : ٢٠٣.

٣٧٢

ولما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( أيّام منى ثلاثة ، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ، ومَنْ تأخّر فلا إثم عليه )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس ، فإن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده »(٢) .

ولأنّه دفع من مكان ، فاستوى فيه أهل مكّة وغيرهم ، كالدفع من عرفة ومزدلفة.

وقال أحمد : لا ينبغي لمن أراد المقام بمكة أن يتعجّل(٣) .

وقال مالك : مَنْ كان من أهل مكّة وله عذر ، فله أن يتعجّل في يومين ، فإذا أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحجّ ، فلا ؛ لقول عمر : مَنْ شاء من الناس كلّهم أن ينفر في النفر الأوّل إلّا آل خزيمة فلا ينفروا إلّا في النفر الأخير(٤) .

وقول عمر ليس حجّةً ، ويُحمل على أنّهم لم يتّقوا ، لا على أنّهم من أهل مكّة.

مسألة ٦٩٠ : إنّما يجوز النفير في النفر الأوّل لمن اتّقى النساء والصيد في إحرامه‌ ، فلو جامع في إحرامه أو قتل صيداً فيه ، لم يجز له أن ينفر في الأوّل ، ووجب عليه المقام بمنى والنفر في الثالث من أيّام التشريق ؛ لأنّه تعالى شرط الاتّقاء(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ / ١٩٤٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٣ / ٣٠١٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥٢ ، مسند أحمد ٤ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ١٤١٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٣.

(٣) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣.

(٤) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣.

(٥) البقرة : ٢٠٣.

٣٧٣

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل »(١) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام ، في قوله تعالى :( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) (٢) قال : « يتّقي الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر الأخير»(٣) .

وفي رواية عن الباقرعليه‌السلام أنّه : « لمن اتّقى الرفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإذا نفر في الأوّل نفر بعد الزوال ، ولا ينفر قبله ، إلّا لضرورة أو حاجة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس ، وإن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده »(٥) .

والأقرب أنّه على الاستحباب.

أمّا النفر الثاني : فيجوز قبل الزوال إجماعاً.

وإنّما يجوز النفر في الأوّل إذا لم تغرب الشمس وهو بمنى ، فإن غربت يوم النفر الأوّل وهو بمنى ، وجب عليه المبيت تلك الليلة بمنى ، عند علمائنا - وبه قال ابن عمر وجابر بن زيد وعطاء وطاوُس ومجاهد وأبان بن عثمان‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٣ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٢.

(٢) البقرة : ٢٠٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤١٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤١٦.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ١٤١٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٣.

٣٧٤

ومالك والشافعي والثوري وإسحاق وأحمد وابن المنذر(١) - لقوله تعالى :( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ) (٢) واليوم اسم النهار ، فمن أدركه الليل لم يتعجّل في يومين.

وما رواه العامّة عن عمر : من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر الناس(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل فبتّ [ بمنى ](٤) فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح »(٥) .

وقال أبو حنيفة : له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ؛ لأنّه لم يدخل وقت رمي اليوم الأخير ، فجاز له النفر ، كما قبل الغروب(٦) .

والفرق أنّه قبل الغروب يتعجّل في اليومين ، وهاهنا بعد خروجهما.

ولو دخل عليه وقت العصر ، جاز له أن ينفر في الأوّل.

ومنع الحسن البصري منه(٧) . وليس بجيّد.

ولو رحل من منى فغربت الشمس وهو راحل قبل انفصاله منها ، فالأقرب : عدم وجوب المبيت ؛ لمشقّة الرفع والحطّ. ولو كان مشغولاً

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٤٩.

(٢) البقرة : ٢٠٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٨٤ ، المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٨ وفيها : حتى ينفر مع الناس.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٧٢ / ٩٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧.

(٧) المجموع ٨ : ٢٨٤.

٣٧٥

بالتأهّب فغربت الشمس ، فالأقرب : لزوم المقام.

ولو رحل قبل الغروب ثم عاد لأخذ متاع ، أو اجتياز ، أو زيارة ، لم يلزمه المقام ، فلو بات بمنى ، احتمل لزوم الرمي ؛ لدخوله عليه فيها.

ويجوز لمن نفر في الأوّل إتيان مكّة والإقامة بها ؛ لعموم الترخّص.

وقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل ثم يقيم بمكّة»(١) .

وينبغي للإمام أن ينفر قبل الزوال في النفر الأخير ، ويصلّي الظهر بمكّة ليُعلم الناس كيفية الوداع ، ولا بأس أن يقيم الإنسان بمنى بعد النفر ؛ لأنّه فرغ من أداء مناسكه ، ولا يلزمه إتيان مكّة ، لكن يستحب ليطوف للوداع. وإذا نفر في الأوّل ، سقط عنه رمي الثالث إجماعاً.

ويستحب له دفن الحصى المختصّ بذلك اليوم بمنى.

وأنكره الشافعي(٢) .

مسألة ٦٩١ : يستحب للحاج أن يصلّي في مسجد الخيف بمنى ، وسفح كلّ جبل يسمّى خيفاً ، وكان مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند المنارة التي في وسط المسجد ، وفوقها إلى القبلة نحواً من ثلاثين ذراعاً ، وعن يمينها ويسارها كذلك ، فمن استطاع أن يكون مصلّاه فيه فليفعل.

ويستحب أن يصلّي فيه ست ركعات.

قال الصادقعليه‌السلام : « صلّ ستّ ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة »(٣) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨٩ / ١٤٢٥ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ / ٩٣٨.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٤٩.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٩ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ / ٩٤٠.

٣٧٦

ويستحب لمن ينفر في النفر الثاني أن يأتي المحصّب ، وينزل به ، ويصلّي في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، ويستريح فيه قليلاً ، ويستلقي على قفاه ، وليس للمسجد اليوم أثر ، فيستحب نزول المحصّب والاستراحة فيه قليلاً ؛ لأنّ العامّة رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه نزل فيه وصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان أبي ينزلها ثم يرتحل »(٢) .

واختلفوا في أنّه نسك(٣) ، والنزاع لفظي ؛ للإجماع على أنّه يثاب عليه ، وأنّه لا يعاقب بتركه.

البحث الخامس : في الرجوع إلى مكّة.

مسألة ٦٩٢ : إذا قضى الحاجّ مناسكه بمنى ، استحبّ له العود إلى مكّة لطواف الوداع ، ويستحب له دخول الكعبة.

قال الباقرعليه‌السلام : « الدخول فيها دخول في رحمة الله ، والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور ما سلف من ذنوبه »(٤) .

ويستحب لمريد دخول الكعبة الاغتسال والدعاء والتحفّي.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ولا تدخلها بحذاء ، وتقول » إلى آخر الدعاء(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٢١٠ / ٢٠١٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٥ / ٩٤١.

(٣) اُنظر : المجموع ٨ : ٢٥٢ - ٢٥٣ ، والمغني ٣ : ٤٨٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٩٨ - ٤٩٩.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٧٥ - ٢٧٦ / ٩٤٤.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٧٦ / ٩٤٥.

٣٧٧

ثم يصلّي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الاُولى حم ، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن ، ويصلّي في زوايا البيت ويدعو بالمنقول قائماً مستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي يرفع يديه ويلتصق به ، ثم يتحوّل إلى الركن اليماني فيفعل مثل ذلك ثم يفعل ذلك بباقي الأركان ثم ليخرج.

ويتأكّد استحباب دخولها للصرورة ، فلا ينبغي له تركه ، ويدخله بسكينة ووقار.

وتكره الفريضة جوف الكعبة.

روى معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا تصلّ المكتوبة في الكعبة ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخل الكعبة في حجّ ولا عمرة ولكنّه دخلها في الفتح فتح مكة ، وصلّى ركعتين بين العمودين ومعه اُسامة بن زيد »(١) .

ويستحب الدعاء عند الخروج من الكعبة بالمنقول.

مسألة ٦٩٣ : يستحب وداع البيت إجماعاً.

روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت »(٣) .

هذا إذا أراد الخروج من مكّة ، ولو نوى الإقامة ، فلا وداع عليه.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ / ١١٠١.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٣ / ١٣٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٠ / ٣٠٧٠ ، سنن أبي داود : ٢ : ٢٠٨ / ٢٠٠٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٧٢ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ / ٩٥٧.

٣٧٨

واختلفت العامّة ، فقال الشافعي وأحمد : لا وداع عليه ، سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده ؛ لأنّه غير مفارق(١) .

وقال أبو حنيفة : إن نوى الإقامة بعد أن حلّ له النفر ، لم يسقط عنه طواف الوداع(٢) .

والوجه : الأوّل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت»(٣) .

مسألة ٦٩٤ : يستحب الوداع بطواف سبعة أشواط ، وليس هذا الطواف واجباً ، ولا يجب بتركه دم ، عند علمائنا - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأصالة البراءة ، ولسقوطه عن الحائض ، فلا يكون واجباً.

ولأنّ هشام بن سالم سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عمّن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله ، فقال : « لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه »(٥) .

والقول الثاني للشافعي : أنّه نسك واجب يجب بتركه الدم(٦) - وبه قال الحسن والحكم وحماد والثوري وإسحاق وأحمد وأبو ثور(٧) - لقول ابن عباس : اُمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت إلّا أنّه خُفّف عن المرأة الحائض(٨) .

____________________

(١) المجموع ٨ : ٢٥٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٠.

(٢) المغني ٣ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٠.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ / ٩٥٧.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المجموع ٨ : ٢٥٤ ، المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦١.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ - ٢١٣ ، المجموع ٨ : ٢٥٤ ، تفسير القرطبي ١٢ : ٥٢.

(٧) المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١.

(٨) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٣ / ١٣٢٨ ، المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١.

٣٧٩

والأمر هنا للاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ولا خلاف في أنّه ليس بركن في الحجّ ، ولهذا سقط عن الحائض ، بخلاف طواف الزيارة.

ووقته بعد فراغ المرء من جميع إشغاله ليكون البيت آخر عهده.

وإذا طاف للوداع وصلّى ركعتيه ، فإن انصرف ، فلا بحث ، وإن أقام بعد ذلك على زيارة صديق أو شراء متاع أو شبه ذلك ، قال الشافعي : لا يجزئه الأوّل ، ويعيد طوافاً آخر ، وإن قضى حاجةً في طريقه من أخذ الزاد وشبهه ، لم يؤثّر ذلك في وداعه - وبه قال أحمد وعطاء ومالك والثوري وأبو ثور - لأنّه بالإقامة يخرج عن كون فعله وداعاً(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يعيد الوداع وإن أقام شهرين وأكثر ؛ لأنّه طاف للوداع بعد ما حلّ له النفر ، فأجزأه ، كما لو نفر عقيبه(٢) .

وهذا البحث عندنا ساقط ؛ لأنّه مستحبّ عندنا.

ولو كان منزله في الحرم ، قال أبو ثور : عليه الوداع(٣) . وهو قياس قول مالك(٤) وظاهر مذهبنا ؛ لأنّهم ينفرون ويخرجون من مكة ، فاستحبّ لهم الوداع كغيرهم.

وقال أصحاب الرأي : لا وداع عليهم. وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٥) .

ولو أخّر طواف الزيارة حتى يخرج ، لم يسقط استحباب طواف‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤١٣ ، المجموع ٨ : ٢٥٥ ، المغني ٣ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٢.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣١٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٢.

(٥-٣) المغني ٣ : ٤٩٠.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460