تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192121 / تحميل: 5479
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء »(١) .

ولأنّ هذا العقد يلحقه الفسخ بتعذّر العوض ، فكان له الفسخ ، كما لو تعذّر المـُسْلَم فيه. ولأنّه لو شرط في البيع رهناً فعجز عن تسليمه ، استحقّ البائع الفسخ وهو وثيقة بالثمن ، فالعجز عن تسليم الثمن إذا تعذّر أولى.

وقال أبو حنيفة : ليس للحاكم أن يحجر عليه ، وليس للبائع الرجوع في عينه ، بل يكون أُسوة الغرماء ؛ لتساويهم في سبب الاستحقاق ، فيتساوون في الاستحقاق. ولأنّ البائع كان له حقُّ الإمساك لقبض الثمن فلمّا سلّمه قبل قبضه فقد أسقط حقّه من الإمساك ، فلم يكن له أن يرجع في ذلك بالإفلاس ، كالمرتهن(٢) .

والبائع وإن ساوى الغرماء في السبب لكن اختلفوا في الشرط ، فإنّ بقاء العين شرط لملك(٣) الفسخ ، وهو موجود في حقّ مَنْ وجد متاعه دون مَنْ لم يجده.

والفرقُ : أنّ الرهن مجرّد الإمساك على سبيل الوثيقة وليس ببدلٍ ، وهنا(٤) هو(٥) بدل عنها(٦) ، فإذا تعذّر استيفاؤه ، رجع إلى المـُبدل(٧) .

قال أحمد : لو أنّ حاكماً حكم أنّه(٨) أُسوة الغرماء ثمّ رفع(٩) إلى‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٥ و ٢٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٣.

(٣) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « تملّك » بدل « لملك ».

(٤) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « رهنا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) هو ، أي الثمن.

(٦) أي : عن العين.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في البدل » بدل « إلى المبدل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٨) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له » بدل « أنّه ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٩) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رجع » بدل « رفع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

٨١

حاكمٍ يرى العمل بالحديث(١) ، جاز له نقض حكمه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو مات المفلس قبل القسمة ، فإن كان في التركة وفاء للديون ، اختصّ صاحب العين بماله ، وإلّا كان أُسوةَ الغرماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن مات فهو أُسوة الغرماء »(٣) وغالب الإفلاس إنّما يكون مع قصور المال عن الديون على ما سلف(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية أبي ولّاد عن الصادقعليه‌السلام ، وقد سلفت(٥) .

ومالكُ لم يفصّل ، بل أطلق القول بأنّ الغريم لا يختصّ بعين ماله في صورة الميّت ، بل يشارك الغرماء ؛ لما تقدّم(٦) من الرواية.

وقد بيّنّا أنّ الإفلاس إنّما يكون مع القصور.

ولأنّه إذا مات انتقل الملك إلى الورثة فمَنَع ذلك الرجوعَ ، كما لو باعه المشتري ثمّ أفلس(٧) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الوارث يقوم مقام المورّث ، ولهذا تتعلّق به ديونه ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالرجوع » بدل « بالحديث ». وما أثبتناه كما في المصدر. والمراد بالحديث حديث ابن خلدة الزرقي ، المتقدّم في ص ٧٩.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٣)

(٤) في ص (٦)

(٥) في ص ٨.

(٦) آنفاً.

(٧) راجع : الهامش (١) من ص ٨ ، المسألة ٢٥٩.

٨٢

بخلاف ما لو باعه.

مسألة ٣٢٧ : وهذا الخيار يثبت للبائع والمـُقرض والواهب بشرط الثواب‌. وبالجملة ، كلّ معاوضة ، سواء وجد غير هذه العين ، أو لم يوجد سواها ؛ للعموم(١) .

والأقرب : أنّ هذا الخيار على الفور - وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد(٢) - لأنّ الأصل عدم الخيار ، فيكون الأصل عدم بقائه لو وُجد. ولأنّه خيار يثبت في البيع لنَقْصٍ في العوض ، فكان على الفور ، كالردّ بالعيب والخلف(٣) والشفعة. ولأنّ القول بالتراخي يؤدّي إلى الإضرار بالغرماء من حيث إنّه يؤدّي إلى تأخير حقوقهم.

والثاني : أنّه على التراخي ؛ لأنّه حقّ رجوع لا يسقط إلى عوض ، فكان على التراخي ، كالرجوع في الهبة(٤) .

وما قلناه أشبه من خيار الهبة.

فعلى ما اخترناه من الفوريّة لو علم بالحجر ولم يفسخ ، بطل حقّه من الرجوع.

وقال بعض الشافعيّة : يتأقّت بثلاثة أيّام ، كما هو أحد أقوال الشافعي في خيار المعتقة تحت الرقيق وفي الشفعة(٥) .

____________________

(١) راجع : الهامش (٤) من ص ٧٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، الوسيط ٤ : ٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣ ، منهاج الطالبين : ١٢٢ ، المغني ٤ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الحلب » بدل « الخلف ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٨٣

مسألة ٣٢٨ : لا يفتقر هذا الخيار إلى إذن الحاكم‌ ، بل يستبدّ به الفاسخ من غير الحاجة إلى حكم الحاكم ؛ لأنّه ثابت بالسنّة الصحيحة ، فصار كخيار المرأة فسخَ النكاح ، والعتق.

ولوضوح الحديث ذهب بعض الشافعيّة إلى أنّه لو حكم حاكمٌ بالمنع من الفسخ ، نقض حكمه(١) .

وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يفتقر إلى حكم الحاكم وإذنه ؛ لأنّه فسخٌ مختلفٌ فيه ، كالفسخ بالإعسار(٢) .

مسألة ٣٢٩ : الفسخ قد يحصل بالقول ، كما ينعقد البيع به. وصيغة الفسخ : فسخت البيع ، ونقضته ، ورفعته.

ولو اقتصر على قوله : رددت الثمن ، أو : فسخت البيع ، فيه إشكال أقربه : الاكتفاء به ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : لا يكتفى بذلك ؛ لأنّ حقّ الفسخ أن يضاف إلى العقد المرسل ، ثمّ إذا انفسخ العقد ، ثبت مقتضاه(٣) .

وقد يحصل بالفعل ، كما لو باع صاحب السلعة سلعتَه ، أو وهبها ، أو دفعها.

وبالجملة ، إذا تصرّف فيها تصرّفاً يدلّ على الفسخ ، كوطئ الجارية المبيعة ، على الأقوى ؛ صوناً للمسلم عن فاسد التصرّفات ، وتكون هذه التصرّفات تدلّ على حكمين : الفسخ ، والعقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

والأصحّ عنده : أنّه لا يحصل الفسخ بها ، وتلغو هذه التصرّفات(٤) .

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ - ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٦ ، الحاوي =

٨٤

واعلم أنّ حقّ الرجوع للبائع لا يثبت على الإطلاق بالإجماع ، بل هو مشروط بأُمور يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

ولا يختصّ الرجوع بالبيع على ما تقدّم(١) ، بل يثبت في غيره من المعاوضات ، وإنّما يظهر الغرض بالنظر في أُمور ثلاثة : العوض المتعذّر تحصيله ، والعرض(٢) المسترجع ، والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس.

النظر الأوّل : في العوض

يشترط في العوض أمران : الحلول ، وتعذّر استيفائه بسبب الإفلاس ، فلو كان الثمن مؤجَّلاً ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّه لا مطالبة له في الحال ، فكيف يفسخ البيع اللازم بغير موجب!؟ وإلّا لحلّ الأجل بالفلس على ما تقدّم(٣) .

ولو حلّ الأجل قبل انفكاك الحجر ، فالأقرب : أنّه لا يشارك صاحبه الغرماء ؛ لسبق تعلّق حقّهم بالأعيان ، بخلاف ما لو ظهر دَيْنٌ حالّ سابق ، فإنّه يشارك الغرماء ، فعلى هذا ليس لصاحب الدَّيْن الذي قد حلّ الرجوعُ في عين ماله ، سواء كان الحاكم قد دفعها في بعض الديون أو لا.

مسألة ٣٣٠ : لو كانت أمواله وافيةً بالديون ، لم يجز الحجر عندنا ،

____________________

= الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(١) في ص ٨٢ ، المسألة ٣٢٧.

(٢) أي المعوّض.

(٣) في ص ١٦ ، المسألة ٢٦٣.

٨٥

وهو الظاهر من مذهب الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يجوز الحجر عليه(٢) .

فعلى تقدير جواز الحجر لو حجر ، فهل لصاحب العين الرجوع في عينه؟ للشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه يصل إلى الثمن.

والثاني : أنّه يرجع ؛ لأنّه لو لم يرجع لما أمن أن يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذه(٣) .

وهذان الوجهان عندنا ساقطان ؛ لأنّهما فرع الحجر وقد منعناه.

مسألة ٣٣١ : لو ترك الغرماء لصاحب السلعة الثمن ليتركها ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يلزمه القبول‌ ، وكان له أخذ عينه(٤) - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لما فيه من تحمّل المنّة ، ولعموم الخبر(٦) ، ولأنّه ربما يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذ.

وللشافعيّة فيه وجهٌ آخَر : أنّه لا يبقى له الرجوع في العين ، تخريجاً‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٩ - ٤٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٦٥ ، المسألة (٤)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٦) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ - ٢٨٧ / ٣٥٢٠ و ٣٥٢٢.

٨٦

ممّا إذا حجر عليه الحاكم وفي ماله وفاء(١) .

وقال مالك : ليس له الرجوع في العين ؛ لأنّ ذلك إنّما جُعل له لما يلحقه من النقص في الثمن ، فإذا بذل له ، لم يكن له الرجوع ، كما إذا زال العيب من المبيع ، لم يكن له ردّه(٢) .

ويمكن أن نقول : إن كان المدفوع من مال المفلس ، لم يجب القبول ؛ لإمكان تجدّد غريمٍ آخَر ، فلا يأمن من مزاحمته ، فكان له الرجوعُ في العين.

وإن كان من مال الغرماء أو تبرّع به أجنبيٌّ ، فإنّه لا يجب عليه الإجابة أيضاً ؛ لأنّه تبرّع بدفع الحقّ غير مَنْ هو عليه ، فلم يُجبر صاحب الحقّ على قبضه ، كما لو أعسر الزوج بالنفقة فبذل غيره النفقة ، أو عجز المكاتب فبذل عنه متبرّعٌ ما عليه لسيّده.

والوجه أن نقول : إذا دفع الغرماء من خالص أموالهم ثمن السلعة وكان في السلعة زيادة بأن غلا سعرها أو كثر الراغبون إليها ويرجى لها صعود سعرٍ ، كان على صاحب السلعة أخذ ما بذله الغرماء ؛ لما فيه من انتفاعهم بالسلعة ، بخلاف التبرّع عن الزوج والمكاتب ؛ إذ لا حقّ لهم في المعوّض ، والغرماء لهم حقٌّ في المعوّض ، فكان لهم ذلك ؛ لما في منعهم من الإضرار بالمفلس ، وهو منفيّ.

مسألة ٣٣٢ : إذا أوجبنا عليه أخذ ما بذله الغرماء من مالهم(٣) ، أو أجابهم إليه تبرّعاً منه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر‌ ، لم يشارك صاحب السلعة فيما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٣٧ ، الذخيرة ٨ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٣) في « ج » : « أموالهم ».

٨٧

أخذه منهم ، أمّا لو كان المدفوع من مال المفلس وخصّوه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر ، شاركه فيما أخذه.

ولو دفع الغرماء الثمن إلى المفلس من مالهم فبذله للبائع ، لم يكن له الفسخُ ؛ لأنّه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ ، كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه ، ملك الثمن.

ولو أسقط الغرماء حقّهم عنه فتمكّن من الأداء ، أو وُهب له مالٌ فأمكنه الأداء منه ، أو غلت أعيان أمواله فصارت قيمتها وافيةً بحقوق الغرماء بحيث يمكن أداء الثمن كلّه ، لم يكن للبائع الفسخُ ؛ لزوال سببه ، ولأنّه أمكنه الوصول إلى ثمن سلعته من المشتري ، فلم يكن له الفسخ ، كما لو لم يفلس.

ولو دفع الغرماء إلى المفلس من عين ماله قدر الثمن ليدفعه إلى البائع ، لم يجب على البائع القبول حذراً من ظهور آخَر.

مسألة ٣٣٣ : لو مات المشتري المفلس ، لم يزل الحجر عن المال ، بل يتأكّد‌ ، فإنّه لو مات غير محجور عليه ، حُجر عليه ، فلو قال وارثه للبائع والسلعة باقية : لا ترجع حتى أُقدّمك على الغرماء ، لم يلزمه القبول أيضاً ؛ لما ذكرناه من محظور ظهور غريمٍ آخَر.

ولو قال : أُؤدّي الثمن من مالي ، فالوجه : أنّ عليه القبول ، ولم يكن له الفسخ ؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث ، فله تخليص المبيع ، وكما أنّ المديون لو دفع الثمن إلى [ البائع ](١) ، لم يكن له الفسخ ، كذا وارثه.

هذا على تقدير أن يكون المديون قد خلّف وفاءً ، أمّا إذا لم يخلّف‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المشتري ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٨٨

وفاءً ، فإنّه لا اختصاص له بالعين على ما بيّنّاه.

مسألة ٣٣٤ : لو امتنع المشتري من تسليم الثمن مع يساره ، أو هرب أو مات وهو مليٌّ‌ فامتنع الوارث من دفع الثمن ، فإن كان الثمن حالّاً ولم تُسلّم السلعة إلى المشتري ، فإنّه يتخيّر البائع بعد ثلاثة أيّام في الفسخ والصبر عندنا خاصّةً.

ولو كان البائع قد سلّم السلعة إلى المشتري ، لم يكن له الفسخ وإن تعذّر عليه ثبوته(١) أو مطله أو شبه ذلك - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه لم يوجد عيب الإفلاس ، ويمكن التوصّل إلى الاستيفاء بالسلطان ، فإن فُرض عجْزٌ ، كان نادراً لا عبرة به.

والثاني : أنّ له الفسخ ؛ لتعذّر الوصول إلى الثمن(٣) .

مسألة ٣٣٥ : لو باع السلعة وضمن المشتري ضامنٌ بالثمن‌ ، فإن كان البائع قد رضي بضمانه ، انتقل حقّه عن المشتري إلى الضامن ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل وقد رضي بانتقال المال من ذمّة المشتري إلى ذمّة الضامن ، فبرئت ذمّة المشتري ، ولم يكن للبائع الرجوعُ في العين ، سواء تعذّر عليه الاستيفاء من الضامن أو لا.

ولو لم يرض البائع بضمانه ، لم يكن بذلك الضمان اعتبارٌ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا اعتبار لإذن المشتري في الضمان عندنا ، بل متى ضمن ورضي البائع صحّ الضمان ، سواء ضمن بإذن المشتري أو تبرّع بالضمان عنه.

____________________

(١) أي : ثبوت التسليم. والظاهر : « إثباته ».

(٢ و ٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ - ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

٨٩

وقال الشافعي : إن ضمن بإذن المشتري ، فلا رجوع للبائع في العين ؛ لأنّه ليس بمتبرّعٍ على المشتري ، والوصول من يده كالوصول من يد المشتري. وإن ضمن بغير إذنه ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يرجع ، كما لو تبرّع متبرّعٌ بالثمن.

والثاني : أنّه لا يرجع ؛ لأنّ الحقّ قد تقرّر في ذمّته ، وتوجّهت المطالبة عليه ، بخلاف المتبرّع(١) .

تذنيب : لو أُعير [ من ](٢) المشتري ما يرهنه بالثمن ، صحّ‌ ، ولم يكن له الرجوعُ في العين ؛ لإمكان إيفائه من الدَّيْن بالرهن.

وللشافعي الخلافُ السابق في الضمان(٣) .

مسألة ٣٣٦ : لو انقطع جنس الثمن ، فإن جوّزنا الاعتياضَ عنه إذا كان في الذمّة والاستبدالَ ، فلا تعذّر في استيفاء عوضٍ عنه ، ولم يكن للبائع فسخ البيع.

وإن منعنا من الاعتياض ، فهو كانقطاع المـُسْلَم فيه ، والمـُسْلَم فيه إذا انقطع ، كان أثره ثبوت حقّ الفسخ - وهو أصحّ قولي الشافعي. وفي الثاني : الانفساخ ، وهو أضعف قوليه(٤) - فكذا هنا.

النظر الثاني : في المعاوضة.

يُعتبر في المعاوضة - التي يملك فيها المفلس - شرطان : سَبْقُ المعاوضة على الحَجْر ، وكونها محضَ معاوضةٍ ، فلو باع من المفلس شيئاً بعد الحجر عليه ، فالأقرب : الصحّة على ما تقدّم(٥) .

____________________

(١ و ٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) في ص ٢٧ ، المسألة ٢٧٣.

٩٠

وهل يثبت له حقّ الفسخ والرجوع في العين؟ خلافٌ سبق(١) . فإن قلنا : لا رجوع ، تحقّق شرط سَبْق المعاوضة على الحجر ، وإلّا فلا.

ولو آجر الإنسان دارَه وسلّمها إلى المستأجر وقبض الأُجرة ثمّ أفلس وحُجر عليه ، فالإجارة مستمرّة بحالها لا سبيل للغرماء عليها ، كالرهن يختصّ به المرتهن.

فإن انهدمت الدار في أثناء المدّة وفُسخت الإجارة فيما بقي منها ، ضارَب المستأجر مع الغرماء بحصّة ما بقي منها إن كان الانهدام قبل قسمة المال بينهم.

وإن كان بعد القسمة ، فالأقوى : أنّه يضارب أيضاً - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه دَيْنٌ أُسند إلى عقدٍ سابق على الحجر ، وهو الإجارة ، فصار كما لو انهدمت(٣) قبل القسمة.

وفي الآخَر : أنّه لا يضارب ؛ لأنّه دَيْنٌ حدث بعد القسمة ، فصار كما لو استقرض(٤) .

ويضعَّف بأنّ السبب متقدّم ، فيكون مسبَّبه كالمتقدّم.

مسألة ٣٣٧ : لو باعه جاريةً بعبدٍ وتقابضا ثمّ أفلس مشتري الجارية‌ وحُجر عليه وهلكت الجارية في يده ثمّ وجد بائعها بالعبد عيباً فردّه ، فله طلب قيمة الجارية قطعاً.

والأقرب في الطلب : أنّه يضارب كسائر أرباب الديون ، وهو أصحّ‌

____________________

(١) في ص ٣٣ ، ضمن المسألة ٢٨٠.

(٢ و ٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « انهدم ». والظاهر ما أثبتناه.

٩١

وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يقدّم على سائر الغرماء بقيمتها ؛ لأنّه أدخل في مقابلتها عبداً في مال المفلس(١) .

وهذان الوجهان يخالفان الوجهين في رجوع مَنْ باع منه بعد الحجر عليه(٢) شيئاً بالثمن إذا قلنا : لا يتعلّق بعين متاعه ، فإنّا في وجهٍ نقول : يضارب. وفي وجهٍ نقول : يصبر إلى أن يستوفي الغرماء حقوقهم ، ولا نقول بالتقدّم بحال.

والفرق : أنّ الدَّيْن هناك حادث بعد الحجر ، وهنا مستند إلى سببٍ سابق على الحجر ، فإذا انضمّ إليه إدخال شي‌ء في ملك المفلس ، أثّر في التقديم على أحد القولين(٣) .

مسألة ٣٣٨ : قد بيّنّا اشتراط التمحّض للمعاوضة فيها‌ ، فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح بتعذّر استيفاء العوض ، وهو ظاهر على معنى أنّ المرأة لا تفسخ النكاح بتعذّر استيفاء الصداق ، ولا الزوج الخلعَ ولا العافي عن القصاص الصلحَ بتعذّر استيفاء العوض.

وللشافعي قولٌ بتسلّط المرأة على الفسخ بتعذّر استيفاء الصداق(٤) وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وكذا ليس للزوج فسخُ النكاح إذا لم تسلّم المرأة نفسَها ، وتعذّر الوصول إليها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٢) كلمة « عليه » من « ث ، ج ، ر ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠.

(٤) الأُم ٥ : ٩١ ، مختصر المزني : ٢٣٢ ، الحاوي الكبير ١١ : ٤٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ١٠ : ٥٣ ، روضة الطالبين ٦ : ٤٨٣.

٩٢

أمّا إذا انفسخ النكاح من جهتها فسقط صداقها ، أو طلّقها قبل الدخول فسقط نصفه وبقي نصفه فاستحقّ الزوج الرجوعَ بما دفعه أو بنصفه فأقلّ وعين الصداق موجودة ، فهو أحقّ بعين ماله ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحقّ به »(١) .

مسألة ٣٣٩ : إذا أفلس المـُسْلَم إليه قبل توفية مال السَّلَم ، فأقسامه ثلاثة :

أ : أن يكون رأس المال باقياً بحاله‌ ، فللمُسْلِم فسخُ العقد والرجوع إلى رأس ماله ، كما في البائع. وإن أراد أن يضارب مع الغرماء بالمـُسْلَم فيه ولا يفسخ ، أُجيب إليه.

ب : أن يكون بعض رأس المال باقياً وبعضه تالفاً‌ ، وحكمه حكم ما لو تلف بعض المبيع دون بعضٍ ، وسيأتي.

ج : أن يكون رأس المال تالفاً‌ ، فالأقرب أنّه لا ينفسخ السَّلَم بمجرّد ذلك ، كما لو أفلس المشتري بالثمن والمبيع تالف ، بخلاف الانقطاع ؛ فإنّه هناك إذا فسخ ، رجع إلى رأس المال بتمامه، وهنا إذا فسخ ، لم يكن له [ إلّا ](٢) المضاربة برأس المال. ولو لم يفسخ ، لضارَب بالمـُسْلَم فيه ، وهذا [ أنفع ؛ إذ الغالب ](٣) زيادة قيمة المـُسْلَم فيه على رأس المال ، فحينئذٍ‌

____________________

(١) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٩٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٠٧ ، وبتفاوت يسير في صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، وصحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، وسنن البيهقي ٦ : ٤٥.

(٢) الزيادة يقتضيها السياق ، وكما هي مقتضى قول المصنّفقدس‌سره في قواعد الأحكام ٢ : ١٤٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقع إذا تعالت ». وهي تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

٩٣

[ يُقوَّم ](١) المـُسْلَم فيه ، ويضارب المُسْلِم بقيمته مع الغرماء ، فإذا عُرفت حصّته ، نُظر إن كان في المال من جنس الـمُسْلَم فيه ، أخذ منه بقدر نصيبه ، وإن لم يكن ، اشتري له من جنس حقّه ، ويبقى له الباقي في ذمّة المفلس ، وليس له أن يأخذ القيمة إذا لم يكن من جنس الحقّ ؛ لأنّه يأخذ بدل المـُسْلَم فيه. وهو(٢) أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ للمُسْلِم فسخَ العقد والمضاربة(٣) مع الغرماء برأس المال ؛ لأنّه تعذّر عليه الوصول إلى تمام حقّه ، فليمكَّن من فسخ السَّلَم ، كما لو انقطع جنس المـُسْلَم فيه(٤) .

وليس عندي بعيداً من الصواب.

وعلى هذا فهل يجي‌ء قول بانفساخ السَّلَم كما لو انقطع جنس المُسْلَم فيه؟

قال بعض الشافعيّة : نعم ، إتماماً للتشبيه(٥) .

وقال بعضهم : لا ؛ لإمكان حصوله باستقراضٍ وغيره ، بخلاف الانقطاع(٦) .

وإذا كان رأس المال تالفاً وانقطع جنس الـمُسْلَم فيه ، فالأقوى أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقدم ». وهي تصحيف ، والمثبت هو الصحيح.

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « وهذا ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المعاوضة » بدل « المضاربة ». وما أثبتناه من المصادر.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

٩٤

يثبت له حقّ الفسخ ؛ لأنّ سببه ثابت ، وهو الانقطاع ، فإنّه سبب للفسخ في حقّ غير المحجور عليه ففي حقّه أولى ، ولأنّ ما يثبت في حقّ غير المحجور عليه يثبت في حقّ المحجور عليه كالردّ بالعيب.

وله فائدة هنا ؛ فإنّ ما يخصّه لو فسخ ، لصُرف إليه في الحال عن جهة رأس المال ، وما يخصّه لو لم يفسخ ، لم يُصرف إليه ، بل يُوقف إلى أن يعود المُسْلَم فيه فيشتري به.

مسألة ٣٤٠ : لو قُوِّم الـمُسْلَم فيه فكانت قيمته - مثلاً - عشرين ، فأفرزنا(١) من المال للمُسْلِم(٢) عشرةً ؛ لكون الديون ضِعْف المال ، ثمّ رخص السعر قبل الشراء فكانت العشرة تفي بثمن جميع الـمُسْلَم فيه ، فالأقرب : أنّه يشترى به جميع حقّه ويسلّم إليه ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بيوم(٣) القسمة.

والموقوف وإن لم يملكه المُسْلِم لكنّه صار كالمرهون بحقّه وانقطع حقّه عن غيره من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم إليه لم يتعلّق بشي‌ء ممّا عند الغرماء ، فكان حقّه في ذمّة المفلس.

ولا خلاف في أنّه لو فضل الموقوف عن جميع حقّ الـمُسْلِم ، كان الفاضل للغرماء ، وليس له أن يقول : الزائد قد زاد لي ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّا نردّ الموقوف إلى ما يخصّه باعتبار قيمة الأجزاء فتُصرف إليه خمسة ، والخمسة الباقية تُوزّع عليه وعلى باقي الغرماء ؛ لأنّ الموقوف لم يدخل في ملك الـمُسْلِم ، بل هو باقٍ على ملك المفلس ، وحقّ الـمُسْلِم‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة إضافة « له » وحذفناها لزيادتها.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المسلم ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يوم ». والمثبت هو الصحيح.

٩٥

في الحنطة(١) ، لا في ذلك الموقوف ، فإذا صارت القيمة عشرةً ، فليس دَيْنه إلّا ذلك(٢) .

ولا استبعاد فيه.

ولو غلا السعر وكُنّا قد أوقفنا العشرة ولم يوجد القدر الذي أسلم فيه إلّا بأربعين ، فعلى الأوّل لا يزاحمهم ، وليس له إلّا ما وقف له ، وهو العشرة يشتري له بها ربع حقّه ، ويبقى الباقي في ذمّة المفلس. وعلى الوجه [ الثاني ](٣) ظهر أنّ الدَّيْن أربعون ، فيسترجع من سائر الحصص ما تتمّ به حصّة الأربعين.

مسألة ٣٤١ : إذا ضرب الغرماء على قدر رؤوس أموالهم وأخذ الـمُسْلِم ممّا خصّه قدراً من الـمُسْلَم فيه‌ وارتفع الحَجْر عنه ثمّ حدث له مالٌ وأُعيد الحَجْر واحتاجوا إلى الضرب ثانياً ، قوّمنا الـمُسْلَم فيه ، فإن اتّفقت قيمته الآن والقيمة السابقة ، فذاك ، وإلّا فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة.

وإن نقصت ، فالاعتبار بالقيمة الثانية أو بالأقلّ؟ الأقرب : الأوّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

ولو كان الـمُسْلَم فيه ثوباً أو عبداً ، فحصّة الـمُسْلِم يشترى به شقصٌ منه ، للضرورة ، فإن لم يوجد ، فللمُسْلِم الفسخُ.

مسألة ٣٤٢ : الإجارة نوعان :

الأوّل : ما تتعلّق بالأعيان‌ ، كالأرض المعيّنة للزرع ، والدار للسكنى ،

____________________

(١) ذكر الحنطة من باب المثال ، حيث لم يسبق لها ذكر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الأوّل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

٩٦

والعبد للخدمة ، والدابّة للحمل.

ثمّ في كلّ واحدٍ من القسمين(١) إمّا أن يفلس المستأجر أو المؤجر.

فلو استأجر(٢) أرضاً أو دابّةً ثمّ أفلس قبل تسليم الأُجرة وقبل مضيّ شي‌ء من المدّة ، كان للمؤجر فسخ الإجارة ، تنزيلاً للمنافع في الإجارة منزلة الأعيان في البيع ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٣) .

وحكى الجويني قولاً آخَر للشافعي : إنّه لا يثبت الرجوع بالمنافع ، ولا تُنزّل منزلة الأعيان القائمة ؛ إذ ليس لها وجود مستقرّ(٤) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : للمؤجر الخيار في فسخ الإجارة والرجوع بالعين والمنافع ، وفي إمضاء الإجارة والضرب مع الغرماء بالأُجرة.

فإن كانت العين المستأجرة فارغةً ، آجرها الحاكم على المفلس ، وصرف الأُجرة إلى الغرماء.

ولو كان التفليس بعد مضيّ بعض المدّة ، فللمؤجر فسخ الإجارة في المدّة الباقية ، والمضاربة مع الغرماء بقسط المدّة الماضية من الأُجرة المسمّاة ، بناءً على أنّه إذا باع عبدين فتلف أحدهما ثمّ أفلس ، يفسخ البيع في الباقي ، ويضارب بثمن التالف ، وبه قال الشافعي(٥) ، خلافاً لأحمد حيث يذهب أنّه إذا تلف بعض المبيع ، لم يكن للبائع الرجوعُ في البعض الباقي ، كذا هنا إذا مضى بعض المدّة ، كان بمنزلة تلف بعض المبيع(٦) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « من النوعين ».

(٢) من هنا شرع المصنّفقدس‌سره فيما يتعلّق بالقسم الأوّل. ويأتي القسم الثاني في ص ١٠١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦ - ٥٠٧.

(٦) المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦.

٩٧

ويُحتمل فسخ العقد في الجميع إذا مضى بعض المدّة ، ويضرب بقسط ما حمل من أُجرة المثل.

مسألة ٣٤٣ : لو أفلس مستأجر الدابّة وحُجر عليه في خلال الطريق ففسخ المؤجر ، لم يكن له طرح متاعه في البادية المهلكة‌ ، ولا في موضعٍ غير محترز ، بل يجب عليه نقله إلى مأمن بأُجرة المثل لذلك النقل من ذلك المكان ، ويقدّم به على الغرماء ؛ لأنّه لصيانة المال وحفظه وإيصاله إلى الغرماء ، فأشبه أُجرة الكيّال والحمّال وأُجرة المكان المحفوظ فيه ، فإذا وصل إلى المأمن ، وَضَعه عند الحاكم.

ولو وَضَعه على يد عَدْلٍ من غير إذن الحاكم ، فوجهان.

وكذا لو استأجر لحمل متاع فحمل بعضه.

فروع :

أ - لو كان المأمن في صوب المقصد ، وجب المضيّ إليه.

وهل للمؤجر تعجيل الفسخ في موضع العلم بالحجر ، أو يجب عليه الصبر إلى المأمن؟ الأقرب : الأوّل ؛ لأنّ الحجر سبب في تخييره بين الفسخ والإمضاء ، وقد وُجد السبب ، فيوجد المسبّب.

ويُحتمل الثاني ؛ لأنّه يجب عليه المضيّ إلى المأمن ، سواء فسخ أو لا ، فلا وجه لفسخه.

ب - تظهر الفائدة فيما لو كان الأجر(١) في نقله من موضع الحجر إلى موضع المأمن مخالفاً لما يقع له بعد التقسيط من المسمّى‌ ، فإن قلنا : له الفسخ ، ففسخ ، كان له أُجرة المثل إلى المأمن ، سواء زادت عن القسط من المسمّى أو نقصت أو ساوته. وإن قلنا : ليس له الفسخ ، فله القسط من‌

____________________

(١) في « ث » والطبعة الحجريّة : « الأُجرة ».

٩٨

المسمّى.

ج - لو قلنا : ليس له الفسخ ، أو قلنا : له الفسخ ، ولم يفسخ ، هل يقدّم بقسط النقل من موضع الحجر إلى المأمن من المسمّى؟ إشكال‌ ينشأ : من أنّه مستمرّ على الإجارة السابقة التي يجب الضرب بمسمّاها مع الغرماء ، فلم يقدّم على باقي الغرماء في هذا القسط ، كما لم يقدّم في القسط للنقل من مبدأ المسافة إلى موضع الحجر ، ومن أنّ له النقل من المخافة إلى المأمن بأُجرة مقدّمة ، فيجب تقديم هذا القسط من المسمّى.

د - لو كان النقل إلى المأمن إنّما هو في منتهى مسافة الإجارة ، وجب النقل إليه.

ويجي‌ء الاحتمالان في أنّ المؤجر هل له الفسخ أم لا؟ لكن احتمال عدم الفسخ هنا أقوى منه في الأوّل.

ه- لو كان النقل إلى المأمن إنّما يحصل بأُجرة مساوية للنقل إلى المقصد أو أكثر ، فالأولى وجوب النقل إلى المقصد‌ ، وعدم تخييره في الفسخ ، بل يجب عليه إمضاء العقد.

وهل يقدّم بالقسط للنقل من موضع الحجر إلى المقصد من المسمّى أم لا؟ إشكال.

و - لو كان المأمن في صوب المقصد وصوب مبدأ المسافة على حدٍّ واحد‌ أو تعدّدت مواضع الأمن وتساوت قُرْباً وبُعْداً ، فإن كانت أُجرة الجميع واحدةً ، نُظر إلى المصلحة ، فإن تساوت ، كان له سلوك أيّها شاء ، لكنّ الأولى سلوك ما يلي المقصد ؛ لأنّه مستحقّ عليه في أصل العقد. وإن اختلفت الأُجرة ، سلك أقلّها أُجرةً.

وإن تفاوتت المصلحة ، فإن اتّفقت مصلحة المفلس والغرماء في‌

٩٩

شي‌ء واحد ، تعيّن المصير إليه. وإن اختلفت ، فالأولى تقديم مصلحة المفلس.

مسألة ٣٤٤ : لو فسخ المؤجر للأرض إجارتها ؛ لإفلاس المستأجر ، فإن كانت فارغةً ، أخذها ، فإن كان قد مضى من المدّة شي‌ء ، كان كما تقدّم(١) ، وينبغي أن يكون الماضي من الزمان له وَقْعٌ بحيث يقسط المسمّى عليه ، فيرجع في الباقي من المدّة بقسطه.

وإن كانت الأرض مشغولةً بالزرع ، فإن كان الزرع قد استُحصد ، فله المطالبة بالحصاد وتفريغه(٢) .

وإن لم يكن استُحصد ، فإن اتّفق الغرماء والمفلس على قطعه ، قُطع. وإن اتّفقوا على التبقية إلى الإدراك ، فلهم ذلك بشرط أن يقدّموا المؤجر بأُجرة المثل لبقيّة المدّة - محافظةً للزرع - على الغرماء.

وإن اختلفوا فأراد بعضُهم القطعَ وبعضُهم التبقيةَ ، فالأولى مراعاة ما فيه المصلحة حتى لو كانت الأُجرة تستوعب الحاصل وتزيد عليه ، قُطع ، وإلّا فلا ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخَر يُنظر إن كانت له قيمة لو قُطع ، أُجيب مَنْ يريد القطع من المفلس والغرماء ؛ إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ، ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو.

ولا بأس به عندي.

فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أُجرة المدّة الماضية ، فهو أحد الغرماء ، فله طلب القطع.

____________________

(١) في ص ٩٦ ، ضمن المسألة ٣٤٢.

(٢) كذا ، والظاهر : « تفريغها ». أي تفريغ الأرض.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

الوداع ؛ لأنّهما عبادتان ، فلا يتداخلان. ومَنْ أوجب الدم بترك طواف الوداع من العامّة اختلفوا ، فالأكثر أنّ القريب - وهو ما نقص عن مسافة التقصير - يرجع ويطوف للوداع ، والبعيد يبعث بالدم.

ولو رجع البعيد وطاف للوداع ، قال بعضهم : لا يسقط الدم ؛ لاستقراره ببلوغ مسافة القصر. وقال بعضهم : يسقط ؛ لأنّه واجب أُتي به ، فلا يجب بدله(١) .

ولو خرج من مكّة ولم يودّع ، يكون قد ترك الأفضل عندنا ، فلو رجع لطواف الوداع ، كان له ذلك إجماعاً ، فإن رجع وهو قريب لم يخرج من الحرم ، فلا بحث ، وإن خرج وقد بَعُد عن الحرم ، لم يجز له أن يتجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ؛ لأنّه ليس من أهل الأعذار ، فحينئذٍ يطوف للعمرة لإحرامه ويسعى ، ولا يجب عليه طواف الوداع عندنا. ولو رجع من دون الميقات ، أحرم من موضعه.

مسألة ٦٩٥ : وطواف الوداع سبعة أشواط كغيره ، ويستلم الحجر الأسود واليماني في كلّ شوط ، فإن تعذّر ، افتتح به وختم به ، ويأتي المستجار ، ويصنع عنده كما صنع يوم قدوم مكّة ، ويدعو ويلصق بطنه بالبيت ، ويحمد الله ويثني عليه ، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ركعتي الطواف.

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب وتقول : المسكين على بابك فتصدّق عليه بالجنّة »(٢) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٩١ - ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٤ - ٥٠٥.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦٢.

٣٨١

ويستحب له أن يشرب من زمزم إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا أفاض نزع(١) هو لنفسه بدلو من بئر زمزم ولم ينزع معه أحد ، فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج »(٣) .

مسألة ٦٩٦ : الحائض لا طواف عليها للوداع ولا فدية عليها‌ بإجماع فقهاء الأمصار. ويستحب لها أن تودّع من أدنى باب من أبواب المسجد ، ولا تدخله إجماعاً.

وروي عن عمر وابنه أنّهما قالا : تقيم الحائض لطواف الوداع(٤) .

وليس بمعتمد ؛ لما رواه العامّة : أنّ اُم سليم بنت ملحان استفتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر ، فأذن لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أرادت الحائض أن تودّع البيت فلتقف على أدنى باب من أبواب المسجد فلتودّع البيت »(٦) .

____________________

(١) نزعت الدلو : إذا أخرجتها. النهاية - لابن الأثير - ٥ : ٤١ « نزع ».

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه ، والموجود في المصادر التالية في صفة حجّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا : ثم

أفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البيت فصلّى بمكّة الظهر ، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال : ( انزعوا بني عبد المطلب ، فلو لا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ) فناولوه دلواً فشرب منه. صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ ذيل الحديث ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٤٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٤٦ - ١٤٧.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ - ٢٨١ / ٩٥٧.

(٤) المغني ٣ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٥.

(٥) الموطّأ ١ : ٤١٣ / ٢٢٩.

(٦) الكافي ٤ : ٤٥٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٨ / ١٣٨٣.

٣٨٢

ولأنّ إلزامها بالمقام مشقّة عظيمة.

والمستحاضة تودّع بطواف ، ولو فقدت الماء تيمّمت وطافت.

ولو طهرت الحائض قبل مفارقة بنيان مكّة ، استحبّ لها العود والاغتسال والطواف. وأوجبه الموجبون ، وإن كان بعد مفارقة البنيان ، لم تعد إجماعاً ؛ للمشقّة ، بخلاف مَنْ خرج متعمّداً ، فإنّه يعود ما لم يبلغ مسافة القصر ؛ لأنه ترك واجباً ، فلا يسقط بمفارقة البنيان ، وها هنا لم يجب ، فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن ، كما يجب على المسافر إتمام الصلاة في البنيان ، ولا يجب بعد الانفصال.

مسألة ٦٩٧ : يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يشتري بدرهم تمراً يتصدّق به‌ ليكون كفّارة لما دخل عليه حال الإحرام من فعل حرام أو مكروه.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « يستحبّ للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتى يشتريا بدرهم تمراً يتصدّقان به لما كان منهما في إحرامهما ، ولما كان في حرم الله عزّ وجلّ »(١) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٠ / ١٤٣٠.

٣٨٣

المقصد الرابع

في اللواحق‌

وفيه فصول:‌

٣٨٤

٣٨٥

الأول

في الحصر والصدّ‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في الصدّ.

مسألة ٦٩٨ : الحصر عندنا هو المنع من تتمّة أفعال الحجّ بالمرض خاصّة ، والصدّ بالعدوّ ، وعند العامّة هما واحد من جهة العدوّ(١) . والأصل عدم الترادف.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « المحصور غير المصدود ، فإنّ المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له »(٢) .

والقارن إذا اُحصر ، فليس له أن يتمتّع في القابل ، بل يفعل مثل ما دخل فيه.

مسألة ٦٩٩ : إذا أحرم الحاجّ ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة‌ ، فإذا صدّه المشركون أو غيرهم عن الوصول إلى مكّة بعد إحرامه ، ولا طريق له سوى موضع الصدّ ، أو كان له طريق لا تفي نفقته بسلوكه ، تحلّل بالإجماع.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧١.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧.

٣٨٦

قال الله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) أي : إذا اُحصرتم فتحلّلتم أو أردتم التحلّل فما استيسر من الهدي ؛ لأنّ نفس الإحصار لا يوجب هدياً.

وروى العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه يوم حُصروا في الحديبية - وهي اسم بئر خارج الحرم - أن ينحروا ويحلقوا ويحلّوا(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « المصدود تحلّ له النساء »(٣) .

وسواء كان الإحرام للحجّ أو العمرة وبأيّ أنواع الحجّ أحرم جاز له التحلّل مع الصدّ ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) - لعموم الآية(٥) .

ولأنّها نزلت في صدّ الحديبيّة ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه مُحْرمين بعمرة فتحلّلوا جميعاً.

وقال مالك : المعتمر لا يتحلّل ؛ لأنّه لا يخاف الفوات(٦) .

ولو كان له طريق غير موضع الصدّ ، فإن كان معه نفقة تكفيه ، لم يكن له التحلّل ، واستمرّ على إحرامه ، ووجب عليه سلوكها وإن بعدت ، سواء خاف الفوات أو لا.

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، المغني ٣ : ٣٧٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ - ٣٠٥ / ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧.

(٤) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، الاُمّ ٢ : ١٦٢ ، مختصر المزني : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، المجموع ٨ : ٢٩٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٧.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥.

٣٨٧

فإن كان مُحرماً بعمرة لم تفت ، فلا يجوز له التحلّل ، وإن كان بحجٍّ ، صبر حتى يتحقّق الفوات ثم يتحلّل بعمرة ، وليس له قبله التحلّل والإتيان بالعمرة بمجرّد خوف الفوات ، لأنّ التحلّل إنّما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات ، وهذا غير مقصود هنا ، فإنّه يجب أن يمضي على إحرامه في ذلك الطريق ، فإذا أدرك الحجّ ، أتمّه ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة وقضاه.

ولو قصرت نفقته ، جاز له التحلّل ؛ لأنّه ممنوع مصدود ولا طريق له سوى موضع المنع لعجزه عن الباقي ، فيتحلّل ويرجع إلى بلده.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ورجع إلى المدينة »(١) .

مسألة ٧٠٠ : المصدود يتحلّل بالهدي ونيّة التحلّل خاصّةً.

أمّا الهدي : فعليه فتوى أكثر العلماء(٢) ، للآية(٣) .

قال الشافعي : لا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٤) نزلت في حصر الحديبيّة(٥) .

ولأنّهعليه‌السلام حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ، ورجع إلى المدينة(٦) ، وفِعْلُه بيان للواجب.

ولأنّه اُبيح له التحلّل قبل أداء نسكه ، فكان عليه الهدي ، كالفوات.

وقال ابن إدريس من علمائنا : الهدي مختصّ بالمحصور لا بالصدّ(٧) ؛

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢.

(٢) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٣و٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢.

(٧) كذا ، والظاهر : المصدود.

٣٨٨

لأصالة البراءة ، ولقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (١) أراد : بالمرض ؛ لأنّه يقال : أحصره المرض وحصره العدوّ(٢) . وبه قال مالك ؛ لأنّه تحلّل اُبيح له من غير تفريط فأشبه مَنْ أتمّ حجّه(٣) .

والفرق : أنّ مَنْ أتمّ حجّه لم يبق عليه شي‌ء من النسك ، فتحلّله لأداء مناسكه ، بخلاف المصدود الذي لم يتم نسكه.

وأمّا النيّة : فلأنّه خروج من إحرام ، فيفتقر إليها ، كالداخل فيه. ولأنّ الذبح إنّما يختصّ بالتحلّل بالنيّة. ولأنّه عمل فيفتقر إلى النيّة ، وبه قال الشافعي(٤) .

ولو نوى التحلّل قبل الهدي ، لم يتحلّل ، وكان على إحرامه حتى ينحر الهدي ؛ لأنّه اُقيم مقام أفعال الحجّ ، فلا يحلّ له ، كما لا يتحلّل القادر على أفعال الحجّ قبل فعلها ، ولا فدية عليه في نيّة التحلّل ؛ لعدم تأثيرها في العبادة ، فإن فَعَل شيئاً من محظورات الإحرام قبل الهدي ، فعليه الفداء ؛ لأنّه مُحْرم فَعَل محظوراً في إحرام صحيح ، فكان عليه فديته ، كالقادر.

مسألة ٧٠١ : لا بدل لهدي التحلّل‌ ، فلو عجز عنه وعن ثمنه ، لم ينتقل إلى غيره ، ويبقى على إحرامه ، ولو تحلّل لم يحلّ - وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٥) - لقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) السرائر : ١٥١.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ و ٣٥٧ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٣ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠.

(٤) فتح العزيز ٨ : ١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٤.

(٥) تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ ، فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ - ٣٥٧.

٣٨٩

اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (١) ولو كان الصوم أو الإطعام بدلاً ، لجاز الحلق قبل الهدي.

ولأنّ الهدي اُقيم مقام الأعمال ولو قدر على الأعمال لم يتحلّل إلّا بها ، فإذا عجز لا يتحلّل إلّا ببدلها.

والقول الثاني للشافعي - وهو الصحيح عندهم - : إنّه يتحلّل في الحال ، فينتقل إلى صوم التعديل في قول ، وفي آخر : إلى الإطعام ، وفي ثالث : إلى الصوم ، ويحلّ به ، وهو أن يقوّم شاة وسط بالطعام ، فيصوم بإزاء كلّ مُدٌّ يوماً ، وفي رابع : يتخيّر بين الإطعام والصيام(٢) .

وعلى قوله الأوّل بعدم الانتقال يكون في ذمّته ، ففي جواز التحلّل حينئذٍ له قولان : أحدهما : أنّه يبقى مُحْرماً إلى أن يهدي ، والثاني - وهو الأشبه - أنّه يحلّ ثم يهدي إذا وجد(٣) .

وقال أحمد : إنّه ينتقل إلى صيام عشرة أيّام(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإذا ذبح هل يجب عليه الحلق أو التقصير أم لا؟ قال أحمد في إحدى الروايتين : لا بدّ من أحدهما ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حلق يوم الحديبيّة(٥) (٦) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٤.

(٤) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ ، فتح العزيز ٨ : ٨٠.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤.

(٦) المغني ٣ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٥.

٣٩٠

ويحتمل العدم ؛ لأنّه تعالى ذكر الهدي وحده ، ولم يشرط سواه.

إذا ثبت هذا ، فلو كان المصدود قد ساق هدياً في إحرامه قبل الصدّ ثم صُدّ ، ففي الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل قولان : أحدهما : الاكتفاء ؛ لقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (١) .

وقيل : لا بدّ من هدي آخر للسياق كما لو لم يسق.

مسألة ٧٠٢ : لا يختصّ مكان ولا زمان لنحر هدي التحلّل‌ وذبحه في المصدود ، بل يجوز نحره في موضع الصدّ ، سواء الحلّ والحرم ، ومتى صدّ جاز له الذبح في الحال ، والإحلال ؛ لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (٢) ولم يعيّن زماناً خصوصاً مع الإتيان بالفاء - وبه قال مالك والشافعي(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نحر بالحديبيّة(٤) ، وهي خارج الحرم.

ولأنّه يؤدّي إلى تعذّر الحلّ ؛ لتعذّر وصول الهدي محلّه مع مقاومة العدوّ.

وقال الصادقعليه‌السلام : « المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه »(٥) .

وقال الحسن وابن مسعود والشعبي والنخعي وعطاء وأبو حنيفة : لا ينحر إلّا بالحرم يبعث به ويواطئ مَنْ بعثه معه على نحره في وقت يتحلّل فيه ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٦) ثمّ‌

____________________

(١ و ٢ ) البقرة : ١٩٦.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، التمهيد ١٢ : ١٥٠ و ١٥ : ٢١٤ ، فتح العزيز ٨ : ١٧ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤ و ٢١٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٣٠٥ / ١٥١٣.

(٦) البقرة : ١٩٦.

٣٩١

قال :( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) (٢) .

والآية في حقّ غير المصدود ، ولا يمكن قياس المصدود عليه ؛ لأنّ تحلّله في الحِلّ ، وتحلّل غيره في الحرم.

مسألة ٧٠٣ : لو صُدّ عن مكّة قبل الموقفين ، فهو مصدود‌ إجماعاً ، يجوز له التحلّل. ولو صُدّ عن الموقفين ، فكذلك عندنا - وبه قال الشافعي(٣) - لعموم الآية(٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : ليس له أن يتحلّل ، وليس بمصدود ، بل إن قدر على الأداء ، أدّى، وإن دام العجز حتى مضى الوقت ، فحكمه حكم مَنْ فاته الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ؛ لأنّ العجز في الحرم ليس مثل العجز خارج الحرم(٥) .

ويبطل بقوله [ تعالى ] :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٦) وهو عامّ.

ولو مُنع عن أحد الموقفين ، قال الشيخرحمه‌الله : إنّه مصدود(٧) أيضاً.

ولو مُنع بعد الوقوف بالموقفين عن العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها فلا صدّ ، وقد تمّ حجّه فيتحلّل ويستنيب مَنْ يرمي عنه.

____________________

(١) الحج : ٣٣.

(٢) المغني ٣ : ٣٧٦ - ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، التمهيد ١٢ : ١٥٠ و ١٥ : ٢١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠ - ٣٥١ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٩ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٧٢.

(٣) فتح العزيز ٨ : ٦٠ ، المجموع ٨ : ٣٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٩.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) فتح العزيز ٨ : ٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٩.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٣.

٣٩٢

ولو صُدّ بعد الوقوف بالموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، تحلّل أيضاً ؛ لأنّ الصدّ يفيد التحلّل من جميعه فمن بعضه أولى. وله أن يبقى على إحرامه ، فإن لحق أيّام منى ، رمى وحلق وذبح ، وإن لم يلحق ، أمر مَنْ ينوب عنه في ذلك ، فإذا تمكّن ، أتى مكة فطاف طواف الحجّ وسعى وتمّ حجّه أيضاً ، ولا قضاء عليه ، وإن لم يُقم على إحرامه حتى يطوف ويسعى وتحلّل ، كان عليه الحجّ من قابل ليأتي بأركان الحجّ من الطواف والسعي ، أمّا لو طاف وسعى ومُنع من المبيت بمنى والرمي ، فإنّ حجّه تامّ ؛ لما تقدّم.

ولو تمكّن من المبيت(١) وصُدّ عن الموقفين أو عن أحدهما ، جاز له التحلّل ؛ للعموم(٢) ، فإن لم يتحلّل وأقام على إحرامه حتى فاته الوقوف ، فقد فاته الحجّ ، وعليه التحلّل(٣) بعمرة ، ولا دم عليه لفوات الحجّ.

وهل يجوز له فسخ نيّة الحجّ إلى العمرة قبل الفوات؟ إشكال ، قال به بعض الجمهور(٤) ؛ لأنّا أبحنا له ذلك من غير صدّ ، فمعه أولى. ولا دم عليه.

ولو طاف وسعى للقدوم ثم صُدّ حتى فاته الحجّ ، طاف وسعى ثانياً لعمرة اُخرى ، ولا يجتزئ بالأوّل ؛ لأنّه لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها بل يجتزئ بالإحرام الأوّل ، ولا يجدّد إحراماً آخر ، وبه قال أحمد والشافعي وأبو ثور(٥) .

____________________

(١) أي : المبيت بمنى. والظاهر أنّها تصحيف البيت.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) في الطبعة الحجرية : وعليه أن يتحلّل.

(٤) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦.

٣٩٣

وقال مالك : يخرج إلى الحِلّ ، فيفعل ما يفعله المعتمر(١) .

وقال الزهري : لا بدّ أن يقف بعرفة(٢) .

وقال محمد بن الحسن : لا يكون محصراً بمكّة(٣) .

مسألة ٧٠٤ : إذا تحلّل وفاته الحجّ ، وجب عليه القضاء في القابل‌ إن كان الحجّ الفائت واجباً ، كحجّة الإسلام والنذر وغيره ، ولا يجب قضاء النفل عند علمائنا. وكذا العمرة يجب قضاء الواجب منها ، كعمرة الإسلام والنذر وغيره ، ولو كانت نفلاً ، لم يجب القضاء ؛ لأصالة براءة الذمّة.

وقال الشافعي : لا قضاء عليه بالتحلّل ، فإن كانت حجّة تطوّع أو عمرة تطوّع ، لم يلزمه قضاؤها بالتحلّل ، وإن كانت حجّة الإسلام أو عمرته وكانت قد استقرّت في ذمّته قبل هذه السنة ، فإذا خرج منها بالتحلّل ، فكأنّه لم يفعلها ، وكان باقياً في ذمّته على ما كان عليه ، وإن وجبت في هذه السنة ، سقط وجوبها ولم يستقرّ ؛ لفقدان بعض شرائط الحجّ ، فحينئذٍ التحلّل بالصدّ لا يوجب القضاء بحال(٤) . وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين(٥) .

وقال أبو حنيفة : إذا تحلّل ، لزمه القضاء ، ثم إن كان إحرامه بعمرة مندوبة ، قضاها واجباً ، وإن كان بحجّة مندوبة فاُحصر ، تحلّل ، وعليه أن يأتي بحجّة وعمرة ، وإن كان قرن بينهما فاُحصر وتحلّل ، لزمه حجّة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٧.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٥٦ - ٥٧ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، فتح العزيز ٨ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٥٥.

٣٩٤

وعمرتان : عمرة لأجل العمرة ، وحجّة وعمرة لأجل الحجّ(١) .

ويجي‌ء على مذهبه : إذا أحرم بحجّتين ، فإنّه ينعقد بهما ، وإنّما ينتقص عن أحدهما إذا أخذ في السير ، فإن اُحصر قبل أن يسير ، تحلّل منهما ، ولزمه حجّتان وعمرتان(٢) .

مسألة ٧٠٥ : لا فرق بين الصدّ العامّ - وهو الذي يصدّه المشركون وأصحابَه - وبين الصدّ الخاصّ ، كالمحبوس بغير حقّ ومأخوذ اللصوص وحده ؛ لعموم النّص(٣) ، ووجود المقتضي لجواز التحلّل ، وكذا يجب القضاء في كلّ موضع يجب فيه الصدّ العامّ ، وما لا يجب هناك لا يجب هنا - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأصالة البراءة ، والعمومات. وفي الثاني : يجب القضاء(٥) .

والمحبوس بدَيْنٍ إن كان قادراً على أدائه ، فليس بمصدود ، وليس له التحلّل ، وإن كان عاجزاً ، تحلّل. وكذا يتحلّل لو حُبس ظلماً.

ولو كان عليه دَيْنٌ مؤجّل يحلّ قبل قدوم الحاجّ فمنعه صاحبه من الحجّ ، كان له التحلّل ؛ لأنّه معذور ؛ لعجزه.

ولو أحرم العبد مطلقاً أو الزوجة تطوّعاً بغير إذن السيّد والزوج ، كان لهما منعهما من الإتمام ، وتحلّلا من غير دم.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٢ - ١٨٣ ، فتح العزيز ٨ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩.

(٢) كما في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤ و ٥ ) الوجيز ١ : ١٣٠ ، فتح العزيز ٨ : ٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨.

٣٩٥

وكلّ موضع جوّزنا فيه التحلّل من إحرام الحجّ يجوز التحلّل من إحرام العمرة ، وهو قول أكثر العلماء(١) ، خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لا يحلّ من إحرام العمرة ؛ لأنّها لا تفوت(٢) .

مسألة ٧٠٦ : يستحب له تأخير الإحلال ؛ لجواز زوال العذر ، فإذا أخّر وزال العذر قبل تحلّله ، وجب عليه إتمام نسكه‌ إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٣) .

ولو خشي الفوات ، لم يتحلّل ، وصبر حتى يتحقّق ثم يتحلّل بعمرة.

فلو صابر ففات الحجّ ، لم يكن له التحلّل بالهدي بل بعمرة ، ويقضي واجباً إن كان واجباً ، وإلّا فلا.

ولو فات الحجّ ثم زال الصدّ بعده ، قال بعض العامّة : يتحلّل بالهدي ، وعليه هدي آخر للفوات(٤) .

وقال الشيخرحمه‌الله : يتحلّل بعمرة ، ولا يلزمه دم لفوات الحجّ(٥) .

ولو غلب على ظنّه انكشاف العدوّ قبل الفوات ، جاز له أن يتحلّل ؛ للعموم(٦) ، لكنّ الأفضل البقاء على إحرامه ، فإن فات الوقوف ، أحلّ بعمرة.

ولو أفسد حجّه فصُدّ ، كان عليه بدنة ، ودم التحلّل ، والحجّ من قابل.

ولو انكشف العدوّ في وقت يتّسع لاستئناف القضاء ، وجب ، وهو‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٣.

(٦) البقرة : ١٩٦.

٣٩٦

حجّ يقضي لسنته ، ولو ضاق الوقت ، قضى من قابل.

وإن لم يتحلّل من الفاسد ، فإن زال الصدّ والحجّ لم يفت ، مضى في الفاسد ، وتحلّل ، كالصحيح ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة ، وتلزمه بدنة للإفساد ، ولا شي‌ء عليه للفوات. والقضاء من قابل واجب ، سواء كان الحجّ واجباً أو ندباً.

ولو كان العدوّ باقياً ، فله التحلّل ، فإذا تحلّل ، لزمه دم التحلّل وبدنة الإفساد ، والقضاء من قابل ، وليس عليه أكثر من قضاء واحد.

ولو صُدّ فأفسد حجّه ، جاز له التحلّل ؛ للعموم(١) ، وعليه دم التحلّل ، وبدنة للإفساد ، والحجّ ، ويكفيه قضاء واحد.

مسألة ٧٠٧ : ينبغي للمُحْرم أن يشترط على ربّه حالة الإحرام‌ - خلافاً لمالك(٢) - فإذا شرط في ابتداء إحرامه أن يحلّ متى مرض ، أو ضاعت نفقته أو نفدت ، أو منعه ظالم ، أو غير ذلك من الموانع ، فإنّه يحلّ متى وجد ذلك المانع.

وفي سقوط هدي التحلّل قولان.

والشرط لا يؤثّر في سقوط القضاء إن كان الحجّ واجباً ، خلافاً لبعض العامّة(٣) .

وينبغي أن يشترط ما لَه فائدة. ولو قال : أن تحلّني حيث شئت ، فليس له ذلك.

ولو قال : أنا أرفض إحرامي واُحلّ ، فلبس وذبح الصيد [ وعمل‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٥ ، المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٩.

٣٩٧

غيرهما ](١) من تروك الإحرام من غير صدّ أو حصر ، لم يحلّ ، ووجبت الكفّارة ؛ لأنّ الإحرام لا يفسد برفضه ؛ لأنّه عبادة لا يخرج منها بالفساد ، فلا يخرج منها برفضها ، بخلاف سائر العبادات التي يخرج منها بإفسادها ، كالصلاة.

وإن وطئ قبل الموقفين ، أفسد حجّه ، ووجب إتمامه ، وبدنة ، والحجّ من قابل ، سواء كان الوطء قبل ما فَعَله من الجنايات أو بعده ، فإنّ الجناية على الإحرام الفاسد توجب الجزاء ، كالجناية على الإحرام الصحيح ، وليس عليه لرفضه شي‌ء ، لأنّه مجرّد نيّة لم تؤثّر شيئاً.

مسألة ٧٠٨ : العدوّ الصادّ إن كان مسلماً ، فالأولى الانصراف عنه‌ ؛ لأنّ في قتاله مخاطرةً بالنفس والمال ، إلّا أن يدعوهم الإمام أو نائبه إلى قتالهم ، ويجوز قتالهم ؛ لأنّهم تعدّوا على المسلمين بمنعهم الطريق. وإن كانوا مشركين ، لم يجب على الحاجّ قتالهم.

قال الشيخرحمه‌الله : وإذا لم يجب قتالهم ، لم يجز ، سواء كانوا قليلين أو كثيرين(٢) .

وللشافعي قول بوجوب القتال(٣) إذا لم يزد عدد الكفّار على الضّعف(٤) .

والوجه : أنّه إذا(٥) غلب ظنّ المسلمين بالغلبة ، جاز قتالهم ، ويجوز‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : وغيره. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٤.

(٣) في الطبعة الحجرية : قتالهم.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٥ ، المجموع ٨ : ٢٩٥.

(٥) في « ق ، ك » : إن.

٣٩٨

تركه ، فيتحلّل الحاجّ.

ولو ظنّ المسلمون الانقهار ، لم يجز قتالهم ؛ لئلّا يغزوا بالمسلمين ، فلو احتاج الحاجّ إلى لُبْس السلاح وما تجب فيه الفدية لأجل الحرب ، جاز ، وعليهم الفدية ، كما لو لبسوا(١) لدفع الحرّ والبرد. ولو قتلوا أنفساً(٢) وأتلفوا مالاً ، لم يضمنوا.

ولو قتل المسلمون صيد الكفّار ، كان عليهم الجزاء لله ، ولا قيمة للكفّار ؛ إذ لا حرمة لهم.

ولو بذل العدوّ الطريق وكانوا معروفين بالغدر ، جاز التحلّل والرجوع ، وإلّا فلا. ولو طلب العدوّ مالاً لتخلية الطريق ، فإن لم يوثق بهم ، لم يجب بذله إجماعاً ، لبقاء الخوف ، وإن كانوا مأمونين ، فإن كثر ، لم يجب ، بل يكره إن كان العدوّ كافراً ؛ لما فيه من الصغار وتقوية الكفّار ، وإن قلّ ، قال الشيخ : لا يجب بذله(٣) ، كما لا يجب في ابتداء الحجّ بذل مال ، بل يتحلّل.

مسألة ٧٠٩ : إذا تحلّل المصدود بالهدي ، فإن كان الحجّ واجباً ، قضى ما تحلّل منه ، إن كان حجّاً ، وجب عليه حجّ لا غير - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه اُحصر عن الحجّ ، فلا يلزمه غيره ، كمن اُحصر عن العمرة لا يلزمه غيرها.

وقال أبو حنيفة : يجب عليه حجّ وعمرة معاً ؛ لأنّ المصدود فائت‌

____________________

(١) في الطبعة الحجرية : لبس.

(٢) كذا ، والظاهر : نفساً.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٤.

(٤) مختصر المزني : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٢ ، فتح العزيز ٨ : ٥٧ ، المجموع ٨ : ٣٠٦.

٣٩٩

الحجّ ، وفائت الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ، فإذا لم يأت بأفعال العمرة في الحال ، يجب عليه قضاؤها(١) .

ونمنع مساواة الصدّ لفائت الحجّ.

والصدّ قد يتحقّق في العمرة - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٣) ذكر ذلك عقيبهما ، فينصرف إلى كلّ منهما.

وسُئل ابن مسعود عن معتمر لُدغ ، فقال : ابعثوا عنه هدياً ، فإذا ذُبح عنه فقد حلّ(٤) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا صُدّ كان معتمراً(٥) .

وقال مالك : لا يتحقّق ؛ لأنّه ليس للعمرة وقت معلوم ، فيمكنه اللبث إلى أن يزول الإحصار ثم يؤدّي(٦) .

وهو يستلزم الحرج ؛ لعدم العلم بالغاية.

مسألة ٧١٠ : إذا صُدّ عن المضيّ إلى مكّة أو الموقفين ، كان له التحلّل بالهدي‌ على ما تقدّم(٧) .

هذا إذا منع من المضيّ ، دون الرجوع والسير في صوب آخر ، وأمّا إذا أحاط العدوّ بهم من جميع الجهات كلّها ، فكذلك عندنا - وهو أصحّ‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٢ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٦.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٧.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) شرح معاني الآثار ٢ : ٢٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢١.

(٥) فتح العزيز ٨ : ٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢١٦.

(٦) اُنظر : فتح العزيز ٨ : ٤ ، والمغني ٣ : ٣٧٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٧) تقدّم في المسألة ٧٠٣.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460