تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189421 / تحميل: 5445
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٨

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٥١-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاءِ

الجُزْء الثامِنْ

تَأليفُ

العَلّامَةِ الحِلّي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

الباب الثاني

فيما يجب في باقي المحظورات‌

وفيه مباحث :

الأوّل : فيما يجب باللُّبْس‌

مسألة ٣٨٢ : مَنْ لبس ثوباً لا يحلّ له لُبْسه وجب عليه دم شاة ، وهو قول العلماء.

سأل سليمان بن العيص(١) الصادقَعليه‌السلام : عن المـُحْرم يلبس القميص متعمّداً ، قال : «عليه دم »(٢) .

ولأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه ، فلزمه الفدية ، كما لو ترفّه بحلق شعره.

ولا فرق في وجوب الدم بين قليل اللُّبْس وكثيره ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ صدق اللُّبْس المطلق على القليل والكثير‌

____________________

(١) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : محمد بن مسلم. وما أثبتناه من المصدر ، علماً بأنّ « محمد بن مسلم » في المصدر واقع في سند الحديث اللاحق.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٣٩.

(٣) الاُم ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٩ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

٦

واحد ، فلا يتخصّص الحكم المتعلّق عليه بأحد جزئيّاته.

وقال أبو حنيفة : إنّما يجب الدم بلباس يوم وليلة ، ولا يجب فيما دون ذلك ؛ لأنّه لم يلبس لُبْساً معتاداً ، فأشبه ما لو اتّزر بالقميص(١) .

ونمنع عدم اعتياده. ولأنّ ما ذكره تقدير ، والتقديرات إنّما تثبت بالنصّ. والتقدير بيوم وليلة تحكّم محض.

مسألة ٣٨٣ : استدامة اللُّبْس كابتدائه ، فلو لبس المـُحْرم قميصاً ناسياً ثم ذكر ، وجب عليه خلعه إجماعاً ؛ لأنّه فعل محظور ، فلزمه إزالته وقطع استدامته ، كسائر المحظورات.

وينزعه من أسفل ، ولو لم ينزعه ، وجب الفداء ؛ لأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه ، فوجبت الفدية.

وقال الشافعي : ينزعه من رأسه(٢) .

وهو غلط ؛ لاشتماله على تغطية الرأس ، المـُحرَّمة. ولأنّه قول بعض التابعين(٣) .

ويجب به الفدية إن قلنا : إنّه تغطية.

ولو لبس ذاكراً ، وجبت الفدية بنفس اللُّبْس ، سواء استدامة أو لم يستدمه ، وبه قال الشافعي(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) المجموع ٧ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠١.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٥ ، وانظر : المجموع ٧ : ٣٤٠ ، وحلية العلماء ٣ : ٣٠١.

(٤) الاُم ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

٧

وقال أبو حنيفة أوّلاً : إن استدام اللُّبْس أكثر النهار ، وجبت الفدية ، وإن كان أقلّ ، فلا.

وقال أخيراً : إن استدامة طول النهار ، وجبت الفدية ، وإلّا فلا ، لكن فيه صدقة(١) .

وعن أبي يوسف روايتان(٢) ، كقولي أبي حنيفة.

والحقّ ما قلناه ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٣) معناه : فمَنْ كان منكم مريضاً فلبس أو تطيّب أو حلق بلا خلاف ، فعلّق الفدية بنفس الفعل دون الاستدامة.

مسألة ٣٨٤ : لو لبس عامداً ، وجبت الفدية على ما تقدّم ، سواء كان مختاراً أو مضطرّاً ؛ لأنّه ترفّه بمحظور لحاجته ، فكان عليه الفداء ، كما لو حلق لأذى.

أمّا لو اضطرّ إلى لُبْس الخُفّين والجور بين ، فليلبسهما ، ولا شي‌ء عليه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وأيّ مُحْرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخُفّين إذا اضطرّ إلى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لُبْسهما »(٤) .

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ - ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٦ - ١٨٧ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦١ ، وحكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤١.

٨

ولو لبس قميصاً وعمامةً وخُفّين وسراويل ، وجب عليه لكلّ واحد فدية ؛ لأنّ الأصل عدم التداخل ، خلافاً لأحمد(١) .

ولو لبس ثم صبر ساعةً ، ثم لبس شيئاً آخر ، ثم لبس بعد ساعة اُخرى ، وجب عليه عن كلّ لِبْسةٍ كفّارة ، سواء كفّر عن المتقدّم أو لم يكفّر ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ؛ لأنّ كلّ لبسةٍ تستلزم كفّارةً إجماعاً ، والتداخل يحتاج إلى دليل.

وقال الشافعي : إن كفّر عن الأول لزمه كفّارة ثانية قولاً واحداً ، وإن لم يكفّر ، فقولان : في القديم : تتداخل ، وبه قال محمّد ، والجديد : تتعدّد ، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف(٣) .

تذنيب : لو لبس ثياباً كثيرةً دفعةً واحدة ، وجب عليه فداء واحد. ولو كان في مرّات متعدّدة ، وجب عليه لكلّ ثوب دم ؛ لأنّ لُبْس كلّ ثوب يغاير لُبْس الثوب الآخر ، فيقتضي كلّ واحد مقتضاه من غير تداخل.

ولأنّ محمد بن مسلم سأل الباقرَعليه‌السلام : عن المـُحْرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب فلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء »(٤) .

مسألة ٣٨٥ : لو لبس ناسياً أو جاهلاً ثم ذكر أو علم فنزع ، لم يكن عليه شي‌ء ، قاله علماؤنا ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر(٥) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٩ ، المسألة ٨٣.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٩ ، الوجيز ١ : ١٢٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، وحكى الأقوال الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٩ - ٣٠٠ ، المسألة ٨٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤٠.

(٥) المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٣ ، المجموع ٧ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠.

٩

لما رواه العامّة عن يعلى بن اُميّة أنّ رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو بالجعرانة وعليه جبّة وعليه أثر خلوق ، أو قال : أثر صُفْرة ، فقال : يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال : ( اخلع عنك هذه الجُبّة ، واغسل عنك أثر الخلوق - أو قال : أثر الصفرة - وأصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك )(١) .

وفي رواية اُخرى : يا رسول الله أحرمتُ بالعمرة وعليَّ هذه الجُبّة(٢) ، فلم يأمره بالفدية.

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : « مَنْ نتف إبطه أو قلّم ظُفْره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لُبْسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو مُحْرم ، ففَعَل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، ومَنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم شاة »(٣) .

ولأنّ الحجّ عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ، فكان من محظوراته ما يُفرّق بين عمده وسهوه ، كالصوم.

ولأنّ الكفّارة عقوبة تستدعي ذنباً ، ولا ذنب مع النسيان.

وقال أبو حنيفة والليث والثوري ومالك وأحمد في رواية : عليه الفدية ؛ لأنّه هتك حرمة الإحرام ، فاستوى عمده وسهوه ، كحلق الشعر وتقليم الأظفار وقتل الصيد(٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ / ١١٨٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٤ / ١٨١٩ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٤.

(٢) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ - ٨٣٧ / ٧ بتفاوت.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٩ - ٣٧٠ / ١٢٨٧.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٨ ، المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠.

١٠

ونمنع الهتك ووجود الحكم في غير الصيد.

والفرق : بأنّ الأصل يُضمن ؛ للإتلاف ، بخلاف صورة النزاع ، فإنّه ترفّه يمكن إزالته.

والمكره حكمه حكم الناسي والجاهل ؛ لأنّه غير مكلّف ، فلا يحصل منه ذنب ، فلا يستحقّ عقوبةً.

ولقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(١) ولو علم الجاهل ، كان حكمه حكم الناسي إذا ذكر.

ولو اضطرّ المـُحْرم إلى لُبْس المخيط لاتّقاء الحَرّ أو البرد ، لبس ، وعليه شاة ، للضرورة الداعية إليه ، فلو لا إباحته ، لزم الحرج ، وأمّا الكفّارة : فللترفّه بالمحظور ، فكان كحلق الرأس لأذى.

ولقول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : في المـُحْرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب فلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء »(٢) .

مسألة ٣٨٦ : مَنْ غطّى رأسه وجب عليه دم شاة إجماعاً‌ ، وكذا لو ظلّل على نفسه حال سيره - خلافاً لبعض العامّة ، وقد تقدّم(٣) - لأنّه ترفّه بمحظور ، فلزمه الفداء ، كما لو حلق رأسه.

ولأنّ محمد بن إسماعيل روى - في الصحيح - قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام : عن الظلّ للمُحْرم من أذى مطر أو شمس ، فقال : « أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى »(٤) .

____________________

(١) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤٠.

(٣) تقدّم في ج ٧ ص ٣٤١ ذيل المسألة ٢٥٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٤ / ١١٥١.

١١

ولو فَعل ذلك للحاجة أو للضرورة ، وجب عليه الفداء ؛ لأنّه ترفّه بمحظور ، فأشبه حلق الرأس لأذى.

ولا فرق بين أن يغطّي رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو غيره ، كالعمامة والخرقة ولو بطين ، أو يستره بستر وغيره.

ولو فَعَل ذلك ناسياً ، أزاله إذا ذكر ، ولا شي‌ء عليه ، لأنّ حريزاً سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحرم غطّى رأسه ناسياً ، قال : « يلقي القناع عن رأسه ، ويلبّي ، ولا شي‌ء عليه »(١) .

ولا فرق بين أن تمسّ المظلّة رأسه أو لا.

ولو توسّد بوسادة أو بعمامة مكورة ، فلا بأس.

البحث الثاني : فيما يجب بالطيب والادّهان.

مسألة ٣٨٧ : أجمع العلماء على أنّ المحرم إذا تطيّب عامداً ، وجب عليه دم ؛ لأنّه ترفّه بمحظور ، فلزمه الدم ، كما لو ترفّه بالحلق.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب إليه »(٢) .

ولا فرق بين أن يستعمل الطيب أكلاً أو إطلاءً أو صبغاً أو بخوراً ، أو في طعام إجماعاً.

ولا بأس بخلوق الكعبة وإن كان فيه زعفران ؛ لأنّ يعقوب بن شعيب سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : الـمُحْرم يصيب ثيابه الزعفران من‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ / ١٠٤٦.

١٢

الكعبة ، قال : « لا يضرّه ولا يغسله »(١) .

مسألة ٣٨٨ : لا فرق بين الابتداء والاستدامة في وجوب الكفّارة ، فلو تطيّب ناسياً ثم ذكر ، وجب عليه إزالة الطيب ، فإن لم يفعل مع القدرة ، وجب عليه الدم ؛ لأنّ الترفّه يحصل بالاستدامة كالابتداء.

والكفّارة تجب بنفس الفعل ، فلو تطيّب عامداً ثم أزاله بسرعة ، وجبت الكفّارة وإن لم يستدم الطيب ، ولا نعلم فيه خلافاً ، ووافقنا هنا(٢) أبو حنيفة وإن كان قد نازعنا في اللُّبْس(٣) .

ولا فرق في وجوب الكفّارة بين الطعام الذي فيه طيب مسّته النار أو لم تمسّه.

وقال مالك : إن مسّته النار ، فلا فدية(٤) .

وسواء بقي الطعام على وصفه من طعم أو لون أو ريح أو لم يبق.

وقال الشافعي : إن كانت أوصافه باقيةً من طعم أو لون أو رائحة ، فعليه الفدية ، وإن بقي له وصف ومعه رائحة ، ففيه الفدية قولاً واحداً ، وإن لم يبق غير لونه ولم يبق ريح ولا طعم ، قولان : أحدهما كما قلناه ، والثاني : لا فدية فيه(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٦.

(٢) في « ف » والطبعة الحجرية : فيه ، بدل هنا.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ و ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ و ١٨٩ ، الاختيار ١ : ٢١٢ و ٢١٣ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٤ ، المسألة ٩١ ، وانظر : الموطأ ١ : ٣٣٠ ، والمدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٧ ، والمنتقى ٣ : ٣٠٤ ، والتفريع ١ : ٣٢٧ ، والمغني ٣ : ٣٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٩ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٨٩.

(٥) حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٤ - ٣٠٥ ، المسألة ٩١ ، وانظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، والمغني ٣ : ٣٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

١٣

وإذا تطيّب عامداً أو ناسياً وذكر ، وجب عليه غسله ، ويستحب له أن يستعين في غسله بحلال ، ولو غسله بيده ، جاز ؛ لأنّه ليس بمتطيّب ، بل تارك للطيب ، كالغاصب إذا خرج من الدار المغصوبة على عزم الترك للغصب.

ولأنّ النبيعليه‌السلام قال للذي رأى عليه طيباً : ( اغسل عنك الطيب )(١) ولو لم يجد ماءً يغسله به ووجد تراباً ، مسَحَه به أو بشي‌ء من الحشيش أو ورق الشجر ؛ لأنّ الواجب إزالته بقدر الإمكان.

ويقدّم غسل الطيب على الطهارة لو قصر عنهما وتيمّم ؛ لأنّ للطهارة بدلاً.

ولو أمكنه قطع رائحة الطيب بشي‌ء غير الماء ، فَعَله وتوضّأ بالماء.

ويجوز له شراء الطيب وبيعه إذا لم يشمّه ، ولا يلمسه ، كما يجوز له شراء المخيط والإِماء.

مسألة ٣٨٩ : إنّما تجب الفدية باستعمال الطيب عمداً ، فلو استعمله ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يكن عليه فدية ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال الشافعي(٢) ؛ لما رواه العامّة : أنّ أعرابيّاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة وعليه مقطّعة(٣) له وهو متضمّخ بالخلوق ، فقال : يا رسول الله أحرمت وعليَّ هذه ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( انزع الجُبّة واغسل الصفرة )(٤) ولم يأمره بالفدية.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) الاُم ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣.

(٣) مقطعة : أي ثوب قصير ، النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٨١.

(٤) سنن النسائي ٥ : ١٤٢ - ١٤٣ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٤ ، المغني ٣ : ٥٣٦ بتفاوت في اللفظ.

١٤

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ، ويتوب إليه »(١) .

مسألة ٣٩٠ : لو استعمل دهناً طيّباً ، وجب عليه دم شاة ، ولا شي‌ء على الناسي ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - في مُحْرم كانت به قرحة ، فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فَعَله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمَّد فعليه دم شاة يهريقه »(٢) ومعاوية ثقة لا يقول ذلك إلّا تلقيناً.

البحث الثالث : فيما يجب بالحلق وقصّ الظفر.

مسألة ٣٩١ : أجمع العلماء على وجوب الفدية بحلق المـُحْرم رأسه متعمّداً.

قال الله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٣) .

وروى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لكعب بن عجرة : ( لعلّك آذاك هوامّك ) قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( احلق رأسك ، وصُمْ ثلاثة أيام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو أنسك شاةً )(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٣ / ١٠٤٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٨.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ - ١٣ ، الموطّأ ١ : ٤١٧ / ٢٣٨ ، المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٩.

١٥

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مرَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ، فقال : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم ، قال : فاُنزلت هذه الآية( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (١) فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحلق رأسه ، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مُدّان ، والنسك شاة »(٢) .

مسألة ٣٩٢ : الفدية تتعلّق بحلق الرأس ، سواء كان لأذى أو غيره ؛ لدلالة الآية(٣) على وجوبها في الأذى ، ففي غيره أولى.

هذا إذا كان عالماً عامداً ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً ، فلا شي‌ء عندنا - وبه قال إسحاق وابن المنذر(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : « مَنْ نتف إبطه أو قلّم ظُفْره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لُبْسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو مُحْرم ، ففَعَل ذلك ناسياً أو جاهلاً ، فليس عليه شي‌ء ، وَمنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم شاة »(٦) .

وقال الشافعي : تجب عليه الفدية ؛ لأنّه إتلاف ، فاستوى عمده‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

(٥) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٩ - ٣٧٠ / ١٢٨٧.

١٦

وخطؤه ، كقتل الصيد(١) .

والفرق : أنّ قتل الصيد مشتمل - مع التحريم المشترك - على إضاعة المال وإتلاف الحيوان لغير فائدة.

إذا عرفت هذا ، فقد قال الشيخرحمه‌الله : الجاهل يجب عليه الفداء(٢) .

والمعتمد : ما قلناه ؛ لحديث الباقرعليه‌السلام (٣) .

وأمّا النائم فهو كالساهي ، فلو قلع النائم شعره ، أو قرّبه من النار فأحرقه ، فلا شي‌ء عليه ، خلافاً للشافعي(٤) .

مسألة ٣٩٣ : الكفّارة إمّا صيام ثلاثة أيّام ، أو صدقة على ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، وإمّا نسك ، وهو : شاة يذبحها ، ويتصدّق بلحمها على المساكين.

وهي مخيّرة عند علمائنا - وبه قال مالك والشافعي(٥) - للآية(٦) .

وقال أبو حنيفة : إنّها مخيّرة إن كان الحلق لأذى ، وإن كان لغيره ، وجب الدم عينا - وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى خيّر بشرط العذر ، فإذا عدم الشرط ، وجب زوال التخيير(٧) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٠٥ و ١١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٨ ، المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١١ ، المسألة ١٠٢.

(٣) تقدّم في ص ١٥.

(٤) لم نعثر عليه ، والقول موجود في المغني ٣ : ٥٢٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٠ من دون نسبة.

(٥) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٦٧ - ٣٦٨ و ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٢ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

١٧

والجواب : الشرط لجواز الحلق لا للتخيير.

ولأنّ الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعاً له ، والتبع لا يخالف أصله.

ولا تجب الزيادة في الصيام على ثلاثة أيّام عند عامّة أهل العلم(١) ؛ لما رواه العامّة في حديث كعب بن عُجْرة : ( احلق رأسك وصُمْ ثلاثة أيّام )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فالصيام ثلاثة أيّام »(٣) .

وقال الحسن البصري وعكرمة : الصيام عشرة أيّام. وهو قول الثوري وأصحاب الرأي(٤) .

وأمّا الصدقة : فهو إطعام البُرّ أو الشعير أو الزبيب أو التمر على ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع في المشهور - وبه قال مجاهد والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي(٥) - لما رواه العامّة في حديث كعب بن عجرة ( أو أطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « أو يتصدّق على ستّة مساكين ، والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين »(٧) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٨١ ، زاد المسير في علم التفسير ١ : ٢٠٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣.

(٢) الموطأ ١ : ٤١٧ / ٢٣٨ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢ - ١٣ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ١٠٩ / ٢٢٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٤ / ١٥٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٥٧.

(٤) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٨١ ، زاد المسير في علم التفسير ١ : ٢٠٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣ ، المحلّى ٧ : ٢١٢.

(٥) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٣ ، المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٤ / ١١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٨.

١٨

وفي رواية اُخرى لنا - وهو قول بعض علمائنا(١) ، والحسن وعكرمة والثوري وأصحاب الرأي(٢) - أنّ الصدقة على عشرة مساكين ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام »(٣) .

والرواية مرسلة(٤) .

ولا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب الفدية وإن اختلف مقدارها على ما يأتي ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقالت الظاهرية : لا فدية في شعر غير الرأس(٦) ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٧) .

وهو يدلّ بمفهوم اللقب ولا حجّة فيه ، والقياس يدلّ عليه ، وهو من اُصول الأدلّة عندهم ، فإنّ إزالة شعر الرأس وشعر غيره اشتركا في الترفّه.

مسألة ٣٩٤ : لو نتف إبطيه جميعاً ، وجب عليه دم شاة ، وفي نتف الواحد إطعام ثلاثة مساكين ؛ لأنّ الدم في الرأس إنّما يجب بحلقه أو بما يسمّى حلق الرأس ، وهو غالباً مساوٍ للإبطين.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ حلق رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شي‌ء عليه ، ومَنْ فَعَله متعمّداً فعليه دم »(٨) .

____________________

(١) المحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٩٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، المحلّى ٧ : ٢١٢ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ١١٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٧.

(٤) كذا ، والحديث مسند ، وانظر منتهى المطلب ٢ : ٨١٥.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ١١٥ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣.

(٧) البقرة : ١٩٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٦١ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٣٣٩ / ١١٧٤ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٢.

١٩

وقال الصادقعليه‌السلام : في مُحْرم نتف إبطه : « يطعم ثلاثة مساكين »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : إنّه محمول على مَنْ نتف إبطاً واحداً ، والأوّل على مَنْ نتف إبطيه جميعاً(٢) .

ولو مسّ رأسه أو لحيته فسقط منهما شي‌ء من الشعر ، أطعم كفّاً من طعام ، ولو فَعَل ذلك في وضوء الصلاة ، فلا شي‌ء عليه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم إذا مسّ لحيته ، فوقع منها شعر : « يطعم كفّاً من طعام أو كفّين »(٣) .

وسأل رجلٌ الصادقَعليه‌السلام : إنّ المـُحْرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة والشعرتان ، فقال : « ليس عليه شي‌ء( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٤) »(٥) .

مسألة ٣٩٥ : لو حلق لأذى ، اُبيح له ذلك ، ويتخيّر بين التكفير قبل الحلق وبعده ؛ لما رواه العامّة عن الحسين بن عليعليهما‌السلام : اشتكى رأسه فأتى عليعليه‌السلام ، فقيل له : هذا الحسين يشير إلى رأسه ، فدعا بجزور فنحرها ثم حلقه وهو بالسعيا(٦) (٧) .

ولأنّها كفّارة ، فجاز تقديمها ، كالظهار.

ولو خلّل شعره فسقطت شعرة ، فإن كانت ميتةً ، فالوجه : عدم الفدية ، ولو كانت ثابتة ، وجبت الفدية ، ولو شكّ ، فالأصل عدم الضمان.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٦.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٠٠ ذيل الحديث ٦٧٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٦٩ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٦٧.

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٩ / ١١٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٧٠.

(٦) السعيا - بوزن يحيى - : وادٍ بتهامة قرب مكة. معجم البلدان ٣ : ٢٢١.

(٧) المغني ٣ : ٥٣١.

٢٠

ولو قلع جلدة عليها شعر ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّ زوال الشعر بالتبعية ، فلا يكون مضموناً ، كما لو قطع أشفار عيني غيره ، فإنّه لا يضمن أهدابهما.

مسألة ٣٩٦ : اختلف قول الشيخ -رحمه‌الله - في المحرم هل له أن يحلق رأس المـُحِلّ؟ فجوّزه في الخلاف‌ ولا ضمان - وبه قال الشافعي وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبو ثور(١) - لأصالة براءة الذمّة(٢) .

وقال في التهذيب : لا يجوز - وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وأوجبا عليه الضمان ، وهو عند أبي حنيفة صدقة(٣) - لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يأخذ الحرام من شعر الحلال »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالشاة تصرف إلى المساكين ، ولا يجوز له أن يأكل من اللحم شيئاً ؛ لأنّها كفّارة ، فيجب دفعها إلى المساكين ، كغيرها من الكفّارات.

ولما رواه ابن بابويه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث كعب ( والنسك شاة لا يطعم منها أحد إلّا المساكين )(٥) .

مسألة ٣٩٧ : أجمع علماء الأمصار على أنّ المـُحْرم ممنوع من قصّ أظفاره‌ ، وتجب فيه الفدية عند عامّة أهل العلم(٦) - وبه قال حمّاد ومالك‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢٠٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١١ - ٣١٢ ، المسألة ١٠٣.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ذيل الحديث ١١٧٨ والحديث ١١٧٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٨ - ٢٢٩ ذيل الحديث ١٠٨٤.

(٦) المغني ٣ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢.

٢١

والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وعطاء في إحدى الروايتين(١) - لأنّه أزال ما منع من إزالته لأجل التنظيف والترفّه ، فوجبت الفدية ، كحلق الشعر.

وفي الرواية الاُخرى عن عطاء : أنّه لا كفّارة ؛ لأنّ الشرع لم يرد فيه بفدية(٢) .

ونمنع عدم ورود الشرع على ما يأتي ، والقياس يدلّ عليه.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب في الظفر الواحد مُدٌّ من طعام عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد والشافعي في أحد أقواله(٣) - لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - : عن رجل قلّم ظفراً من أظافيره وهو مُحْرم ، قال : « عليه في كلّ ظفر قيمة مُدَّ من طعام حتى يبلغ عشرة »(٤) .

والثاني للشافعي : عليه درهم.

والثالث : ثُلْث دم ؛ لأنّ الدم عنده يجب في ثلاثة أظفار(٥) .

إذا ثبت هذا ، ففي الظفرين مُدّان ، وفي الثلاثة ثلاثة أمداد ، وهكذا يزيد في كلّ ظُفْر مُدٌّ إلى أن يستوعب القصّ أظفار يديه معاً ، فيجب عليه دم شاة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة من الدم ، فلا يثبت إلّا بدليل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة »(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٧٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٥٣٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧.

(٣) المغني ٣ : ٥٣٢ ، الاُم ٢ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

٢٢

وفي حديث الحلبي عنهعليه‌السلام « مدّ في كلّ إصبع ، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة »(١) .

وقال أبو حنيفة : إن : قلّم خمس أصابع من يد واحدة ، لزمه الدم ، ولو قلّم من كلّ يد أربعة أظفار ، لم يجب عليه دم ، بل الصدقة. وكذا لو قلّم يداً واحدة إلّا بعض الظفر لم يجب الدم.

وبالجملة : فالدم عنده إنّما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة - وهو رواية لنا(٢) - لأنّه لم يستكمل منفعة اليد من التزيين والإرفاق الكامل ، بل تحصل بالشين في أعين الناس ، بخلاف اليد الواحدة(٣) .

وهو حجّة لنا ؛ فإنّ الإرفاق والتزيين إنّما يحصلان بتقليم اليدين معاً أو الرِّجْلين معاً ، لا بإحدى اليدين أو إحدى الرِّجلين.

وقال الشافعي : إن قلّم ثلاثة أظافير في مجلس واحد ، وجب الدم ، ولو كانت في ثلاثة أوقات متفرّقة ، ففي كلّ ظفر الأقوال الثلاثة. ولا يقول : إنّه يجب الدم عند التكامل ، وفي أصحابه من قال : عليه دم. وليس هو المذهب عندهم ؛ لأنّ الثلاثة جمع يقع عليها اسمه ، فأشبه ما لو قلّم خمساً من كلّ واحدة أو العشرة(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥٢.

(٢) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المغني ٣ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٨ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠.

(٤) انظر : المغني ٣ : ٥٣٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، والمجموع ٧ : ٣٦٩ و ٣٧٦ ، و ٣٨٠ - ٣٨١ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ و ٣١٠ ، المسألتان ١٠٠ و ١٠١.

٢٣

ونمنع تعلّق الدم بما يقع عليه اسم الجمع ، ولا عبرة به مع النصّ.

وقال محمّد : إذا قصّ خمسة أظفار من يدين أو رجلين أو منهما أو من واحدة منهما ، وجب الدم ؛ لأنّه ربع وزيادة ، فأشبه قصّ يد واحدة أو رِجْل واحدة(١) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل.

فروع :

أ - الكفّارة تجب على كلّ مَنْ قلّم متعمّداً‌ ، ولا شي‌ء على الناسي ولا الجاهل عند علمائنا - وبه قال إسحاق وابن المنذر وأحمد(٢) - لما تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت مُحْرمٌ جاهلاً به إذا كنت مُحْرماً في حجّك ولا عمرتك إلّا الصيد عليك الفداء بجهل كان أو عمد »(٣) الحديث.

ب - لو قصّ بعض الظفر ، وجب عليه ما يجب في جميعه.

ج - لو قصّ أظفار يديه ورجليه معاً ، فإن اتّحد المجلس ، وجب دم واحد ، وإن كان في مجلسين ، وجب دمان.

روى أبو بصير - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قلت له : فإن قلّم أظافير رجليه ويديه جميعاً ، قال : « إن كان فَعَل ذلك في مجلس واحد ، فعليه دم ، وإن كان فَعَله متفرّقاً في مجلسين ، فعليه دمان »(٤) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٧٦.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١.

٢٤

د - مَنْ أفتى غيره بتقليم ظفره ، فقلّمه فأدماه ، وجب على المفتي دم شاة‌ ، لأنّه الأصل في إراقة الدم.

ولأنّ إسحاق الصيرفي سأل الكاظمَعليه‌السلام : أنّ رجلاً أحرم فقلّم أظفاره ، وكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصّه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم ، فقصّه فأدماه ، قال : « على الذي أفتاه شاة »(١) .

البحث الرابع : في جزاء قتل هوامّ الجسد وقطع الشجر.

مسألة ٣٩٨ : يجب برمي القملة عن جسد المـُحْرم أو قتلها كفٌّ من طعام‌ - وبه قال عطاء(٢) - لأنّه حصل به الترفّه والتنظّف ، فوجب عليه الفداء ، كحلق الرأس.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن فعل(٣) شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يتصدّق بمهما كان(٥) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٦.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) في المصدر : « وإن قتل ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

٢٥

وقال مالك : حفنة من طعام(١) .

وقال طاوُس وسعيد بن جبير وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين : لا شي‌ء عليه ؛ لأنّ ابن عباس سُئل : عن مُحْرم ألقى قملة ثم طلبها فلم يجدها ، فقال : تلك ضالّة لا تبتغى(٢) .

ولا دلالة فيه على عدم الفدية.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفّارة تجب في العمد والسهو والخطأ ، كالصيد. وللرواية(٣) .

مسألة ٣٩٩ : يحرم قطع شجرة الحرم في قول العلماء كافّة ، وتجب في الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها قيمة ، قاله الشيخ(٤) .

وأوجب الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي الضمان ، وهو مروي عن ابن عباس وعطاء(٥) .

لقولهعليه‌السلام : ( ولا يعضد شجرها )(٦) .

ولقول ابن عباس : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) تقدّمت في صدر المسألة.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٤.

(٥) الاُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٤ و ٤٩٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

٢٦

شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نَزْعها ، نَزَعها ، وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين »(١) .

والرواية مرسلة.

وقال مالك : لا ضمان فيه ؛ لأنّ قطع شجر الحلّ لا يوجب الجزاء على المـُحْرم ، فكذا قطع شجر الحرم ؛ لأنّ ما حرم بالإِحرام لا يتفاوت ، كالصيد(٢) .

والجواب : أنّ هتك حرمة الحرم يحصل في الفرع(٣) دون الأصل ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فالضمان ما قلناه عندنا وعند مَنْ أوجبه من العامّة ، إلّا أصحاب الرأي ؛ فإنّهم أوجبوا القيمة في الجميع ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش(٤) .

ونمنع الصغرى.

البحث الخامس : فيما يجب بالفسوق والجدال.

مسألة ٤٠٠ : المـُحْرم إذا جادل صادقاً مرّةً أو مرّتين ، لم يكن عليه شي‌ء من الكفّارة‌ ؛ للأصل ، ويتوب ، فإن جادل ثلاثاً صادقاً ، وجب عليه دم شاة ؛ لارتكابه المحظور والمنهي عنه في قوله تعالى :( وَلا جِدالَ ) (٥) وهو يتناول الصادق والكاذب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا جادل فوق مرّتين‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٢) بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥.

(٣) الفرع هنا شجر الحرم باعتبار أنّه جُعل مقيساً على الأصل وهو شجر الحِلّ.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦.

(٥) البقرة : ١٩٧.

٢٧

فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة »(١) .

ولو جادل مرّةً كاذباً ، وجب عليه دم شاة ، فإن جادل مرّتين ، كان عليه بقرة ، فإن جادل ثلاثاً كاذباً ، كان عليه جزور ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا جادل الرجل وهو مُحْرم وكذب متعمّداً فعليه جزور »(٢) .

هذا كلّه إذا فَعَله متعمّداً ، فإن فَعَله ساهياً ، لم يكن عليه شي‌ء.

مسألة ٤٠١ : الجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يقول : لا لعمري ، وهو مُحْرم ، قال : « ليس بالجدال ، إنّما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله ، وأمّا قوله : لاها ، فإنّما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه ، فلا بأس به ، وأمّا قوله : لا بل شانيك ، فإنّه من قول الجاهلية »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهل الجدال مجموع اللفظتين ، أعني « لا والله » و « بلى والله » أو إحداهما؟ الأقرب : الثاني.

وأمّا الفسوق : فهو الكذب ، ولا شي‌ء فيه ؛ للأصل.

ولأنّ محمّد بن مسلم والحلبي قالا للصادقعليه‌السلام : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : « لم يجعل الله له حدّاً ، يستغفر الله ويلبّي »(٤) .

البحث السادس : فيما يجب بالاستمتاع.

مسألة ٤٠٢ : مَنْ وطئ امرأته وهو مُحْرم عالماً بالتحريم‌ عامداً قبل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ / ١١٥٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨.

٢٨

الوقوف بالموقفين فسد حجّه بإجماع العلماء كافّة ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحْرمان ، فقال : أفسدت حجّك ، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون ، وحلِّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك ، واهديا هدياً ، فإن لم تجدا ، فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم(١) .

[ وفي حديث ابن عباس ](٢) : ويتفرّقان من حيث يُحْرمان حتى يقضيا حجّهما(٣) .

قال ابن المنذر : قول ابن عباس أعلى شي‌ء روي فيمن وطئ في حجّه(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة ، قال : سألته عن مُحْرم غشي امرأته وهي مُحْرمة ، فقال : « جاهلين أو عالمين؟ » قلت : أجبني عن الوجهين جميعاً ، فقال : « إن كانا جاهلين ، استغفرا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين ، فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه ، فُرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : « الاُولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والاُخرى عليهما عقوبة »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد ، والحجّ من قابل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٣ - ٣٢٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢.

٢٩

ويكفّر ببدنة ، وإذا انتهيا إلى المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا ، فُرّق بينهما بأن لا يخلوا بأنفسهما إلّا ومعهما ثالث محترم حتى يقضيا مناسك القضاء إن حجّا على ذلك الطريق - وممّن قال بوجوب الفدية : ابن عباس وطاوُس وعطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور(١) لأنّه وطئ في إحرامٍ تامّ عامداً ، فوجب به عليه بدنة ، كما لو وطئ بعد الوقوف بالموقفين.

ولرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل محرم وقع على أهله ، فقال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة ، ويُفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحجّ من قابل »(٢) .

وقال أبو حنيفة : تجب عليه شاة - وقال الثوري وإسحاق : تجب عليه بدنة ، فإن لم يجد ، فشاة(٣) - لأنّه معنى يتعلّق به وجوب القضاء ، فلا يتعلّق به وجوب البدنة ، كالفوات(٤) .

وهو باطل ؛ للفرق ، فإنّ الفوات لا تجب فيه الشاة بالإجماع ، بخلاف الإفساد ، وإذا ثبت الفرق ، بطل الإلحاق.

مسألة ٤٠٣ : يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد‌ عند علمائنا - وهو قول‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٧ و ٤١٤ و ٤١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤١٦.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المجموع ٧ : ٤١٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦.

٣٠

عامّة العلماء(١) - لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٢) وهو يتناول الفاسد.

ولما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وعمر وابن عباس وأبي هريرة أنّهم قالوا : مَنْ أفسد حجّه يمضي في فاسدة ، ويقضي من قابل(٣) . ولم يعرف لهم مخالف ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك »(٤) .

وقالت الظاهرية : يخرج من إحرامه ، ولا يجب عليه الإتمام ؛ لقولهعليه‌السلام : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو مردود )(٥) (٦) .

والجواب : المضيّ في الفاسد مأمور به.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه القضاء في السنة المـُقْبلة على الفور وجوباً عند علمائنا - وبه قال الشافعي(٧) - لما رواه العامّة : أنّ رجلاً أفسد حجّه ، فسأل عمر ، فقال : يقضي من قابل ، وسأل ابن عباس ، فقال كذلك ،

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، المحلّى ٧ : ١٩٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥.

(٥) كتاب السّنة - لابن أبي عاصم - ١ : ٢٨ / ٥٢ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٣ : ٩١ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٤٣ - ١٣٤٤ / ١٨ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٦ و ١٨٠ و ٢٥٦.

(٦) المحلّى ٧ : ١٨٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠.

٣١

وسأل ابن عمر ، فقال كذلك(١) ، ولم يوجد لهم مخالف ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم في المسألة السابقة(٢) .

ولأنّه لمـّا دخل في الإحرام تعيّن عليه ، فيجب أن يكون قضاؤه متعيّناً.

ولأنّ الحجّ واجب على الفور ، والتقدير أنّه لم يقع ؛ إذ الفاسد لا يُخرج المكلّف عن عهدة التكليف.

واختلف أصحاب الشافعي على قولين : أحدهما كما قلناه.

والثاني أنّه على التراخي ؛ لأنّ الأداء واجب على التراخي ، فالقضاء أولى ، فإنّ الصوم يجب على الفور ، وقضاؤه على التراخي(٣) .

ونمنع التراخي في الأداء ، وقد سبق(٤) .

مسألة ٤٠٤ : المرأة الموطوءة إذا كانت مُحْرمةً ، فإن طاوعت الزوج ، فسد حجّها ، ووجب إتمامه وبدنة والحجّ من قابل ، وإن أكرهها ، لم يكن عليها شي‌ء ، وتحمّل عنها البدنة خاصّةً - وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيّب والنخعي والضحّاك ومالك والحكم وأحمد(٥) - لوجود المقتضي - وهو الإِفساد - في حقّها ، كوجوده في حقّه ، فتساويه في العقوبة.

ولما رواه علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام : عن‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) من رواية زرارة.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٩.

(٤) سبق في ج ٧ ص ١٧ ، المسألة ٨.

(٥) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١.

٣٢

رجل مُحْرم واقع أهله ، فقال : « قد أتى عظيماً » قلت : أفتني ، قال : « استكرهها أو لم يستكرهها؟ » قلت : أفتني فيهما جميعاً ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها ، فعليه بدنة ، وعليها بدنة ، ويفترقا من المكان الذي كان فيه ما كان حتّى ينتهيا إلى مكّة ، وعليهما الحجّ من قابل لا بُدّ منه »(١) .

وقال الشافعي : يجزئهما هدي واحد - وبه قال عطاء وأحمد في إحدى الروايتين - لأنّه جماع واحد ، فلم يوجب أكثر من بدنة ، كرمضان(٢) .

ونمنع الحكم في الأصل ؛ لقول ابن عباس : أهد ناقةً ، ولْتُهْدِ ناقةً(٣) .

ولأنّها أحد المجامعين من غير إكراه ، فلزمها بدنة ، كالرجل.

فروع :

أ - لو كانت المرأة مُحلّةً ، لم يتعلّق بها شي‌ء ، ولا يجب عليها كفّارة ولا حجّ ، ولا على الرجل بسببها ؛ لأنّه لم تحصل منها جناية في إحرام ، فلا عقوبة عليها.

ب - لو أكرهها - وهي مُحْرمة - على الجماع ، وجب عليه بدنتان : إحداهما عن نفسه ، والاُخرى عنها ؛ لأنّ البدنتين عقوبة هذا الذنب ، وقد صدر بالحقيقة عنه ، فكانت العقوبة عليه ، وبه قال عطاء ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ - ٣١٨ / ١٠٩٣.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٥ ، المجموع ٧ : ٣٩٥ ، المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١.

٣٣

وقال في الاُخرى : لا شي‌ء عليه عنها. وبه قال إسحاق وأبو ثور وابن المنذر(١) .

وعنه ثالثة : أنّ البدنة عليها(٢) .

وهو خطأ ؛ لما مرّ.

ولا يجب عليها حجّ ثانٍ ولا عليه عنها ، بل يحجّ عن نفسه في القابل ، لبقاء حجّتها على الصحّة.

ج - إذا كانت مطاوعةً ، وجب عليها قضاء الحجّ ؛ لما قلناه.

ونفقة الحجّ عليها لا على الزوج.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّ عليه غرامة الحجّ لها(٣) .

وهو غلط ؛ فإنّ نفقة الأداء لم تكن عليه ، فكذا القضاء.

احتجّوا : بأنها غرامة تعلّقت بالوطء ، فكانت على الزوج كالمهر(٤) .

والجواب : أنّ المهر عوض بُضْعها ، أمّا الكفّارة فإنّها عقوبة.

وعلى هذا فثمن ماء غسلها عليها خاصّة ، خلافاً لهم(٥) .

مسألة ٤٠٥ : يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلى أن يقضيا المناسك‌ إن حجّا على ذلك الطريق - وبه قال الشافعي في القديم ، وأحمد(٦) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وعمر‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٣ و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨.

٣٤

وعثمان وابن عباس(١) ، ولا مخالف لهم ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم(٢) في حديث زرارة : « وإن كانا عالمين فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ».

واختلف أصحاب الشافعي على وجهين : أحدهما كما قلنا ، والثاني : أنّه مستحب(٣) .

وقال مالك : يفترقان من حيث يُحْرمان - ونقله في الموطّأ(٤) عن عليعليه‌السلام - لأنّ التفريق إنّما يكون لخوف مواقعة الوطء ، وذلك يوجد بإحرامهما(٥) .

والجواب : أنّ التفريق في جميع المسافة مشقّة عظيمة ، فاقتصر على موضع مواقعة المحظور ؛ لأنّه الذي به يحصل الداعي إلى الوطء.

وقال أبو حنيفة : لا أعرف هذه التفرقة ؛ لأنّه لو وطئها في رمضان ، لم يجب التفريق بينهما في قضائه ، فكذا هنا(٦) .

والجواب : التفريق في الصوم مشقّة ؛ لأنّ السكنى يجمعهما.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧.

(٢) تقدّم في المسألة ٤٠٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٥١.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢.

٣٥

ولأنّ القضاء في رمضان لا يتعيّن ، وهنا متعيّن.

ولأنّ مشقّة إفساد قضاء رمضان أقلّ كثيراً من المشقّة هنا ، فكان الاحتراز هنا عمّا يفسده أشدّ من الاحتراز هناك.

إذا عرفت هذا ، فإنّ التفريق ينبغي أن يكون في القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا حتى يقضيا المناسك.

والروايات تعطي التفريق أيضاً في الحجّة الاُولى من ذلك المكان حتى يأتيها بها فاسدة أيضاً.

وهو جيّد ؛ لأنّ التحريم في الفاسد ثابت كالصحيح ، فوجبت التفرقة.

وحدّ الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما ، بل متى اجتمعا كان معهما ثالث مُحترم ؛ لأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام على المواقعة ، كمنع التفريق.

ولقول الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم يقع على أهله ، قال : « يفرّق بينهما ، ولا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محلّه »(١) .

مسألة ٤٠٦ : لو وطئ ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يفسد حجّه ، ولا شي‌ء عليه - وبه قال الشافعي في الجديد(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء »(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١١٠٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٨ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المغني ٣ : ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢١.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢.

٣٦

ولأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ، فافترق وطء العامد والناسي فيها ، كالصوم.

وقال الشافعي في القديم : يفسد حجّه ، وتجب الفدية كالعامد - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء ، فاستوى عمده وسهوه كالفوات.

ولأنّه من محظورات الإحرام ، فاستوى عمده وسهوه ، كقتل الصيد(١) .

والفرق : أنّ الفوات ترك ركن ، فاستوى عمده وسهوه ، كغيره من الاُصول.

وجزاء الصيد ضمان الإتلاف ، وذلك يستوي في الاُصول عمده وسهوه.

تذنيب : لو اُكره على الجماع ، لم يفسد حجّه ، ولا كفّارة عليه عندنا - وللشافعي قولان كالناسي(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( وما استكرهوا عليه )(٣) .

ولأنّ الإكراه يرفع الفساد في حقّ المرأة ، فكذا في حقّ الرجل ، لعدم الفرق بينهما.

مسألة ٤٠٧ : لا فرق بين الوطء في القُبُل والدُّبُر من المرأة والغلام في وجوب الكفّارة وإفساد الحجّ‌ - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، المغني ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢١.

(٢) المجموع ٧ : ٣٤١ - ٣٤٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٨.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٣٧

ومحمّد(١) - لأنّه وطء في فرج يوجب الغسل ، فيوجب الإفساد ، كالقُبُل.

وللروايات الدّالة على إيجاب ما ذكرنا على مَنْ واقع أو غشي امرأته ، وهو صادق في المتنازع.

وقال أبو حنيفة : لا يفسد بالوطء في الدُّبُر - رواه عنه أبو ثور - لأنّه وطء لا يتعلّق به الإحصان والإحلال ، فأشبه الوطء فيما دون الفرج(٢) .

والفرق : أنّ وطء ما دون الفرج لا يوجب الغسل ، وليس كبيرةً في حقّ الأجنبية ، ولا يوجب مهراً ولا حدّاً ولا عدّة ، بخلاف المتنازع.

قال الشيخرحمه‌الله : من أصحابنا مَنْ قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دُبُرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ. وبه قال الشافعي(٣) .

ومنهم مَنْ قال : لا يتعلّق الفساد إلّا بالوطء في قُبُل المرأة.

وقال أبو حنيفة : إتيان البهيمة لا يفسده ، والوطء في الدُّبُر على روايتين : المعروف : أنّه يفسده.

واستدلّ على الأوّل : بطريقة الاحتياط ، وعلى الثاني : ببراءة الذمّة(٤) .

وهو يدلّ على تردّد الشيخ في تعلّق الإفساد بوطء دُبُر المرأة والغلام.

وجزم في المبسوط بتعلّق الفساد بوطء دُبُر المرأة(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤.

(٣) في الطبعة الحجرية زيادة : ومنهم من قال : لا يتعلّق به فساد الحجّ. وفي النسخ « ف ، ط ، ن » مضافا إلى ذلك زيادة : وبه قال الشافعي. ولم ترد في المصدر.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، المسألة ٢١٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٦.

٣٨

وأمّا إتيان البهائم : فقال مالك وأبو حنيفة : لا يفسد به الحجّ ؛ لأنّه انعقد صحيحاً ، فلا يفسده إلّا دليل شرعي ، ولم يثبت(١) .

وقال الشافعي : يفسد الحجّ(٢) .

مسألة ٤٠٨ : لو استمنى بيده ، قال الشيخرحمه‌الله : حكمه حكم المجامع ، إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، فسد حجّه ، ووجب عليه بدنة(٣) ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل أبا الحسنعليه‌السلام : ما تقول في مُحْرم عبث بذكره فأمنى ، قال : « أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو مُحْرم : بدنة والحجّ من قابل »(٤) .

ولأنّه هتك حرمة الإحرام بالإنزال على وجه أبلغ من الوطء ؛ لاقترانه(٥) في القبح ، فكان مساوياً له في العقوبة.

وقال ابن إدريس : لا يفسد الحجّ ، وتجب البدنة ؛ للأصل الدالّ على براءة الذمّة ، خرج وجوب الكفّارة ، للإجماع ، فيبقى الباقي على أصله(٦) .

مسألة ٤٠٩ : لو وطئ فيما دون الفرج وأنزل ، وجب عليه بدنة ، ولا يفسد حجّه وإن كان قبل الموقفين - وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٧) - لأنّه جماع ، فوجبت الفدية ، كالفرج.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٤٢١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ و ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢.

(٣) النهاية : ٢٣١ ، التهذيب ٥ : ٣٢٤ ذيل الحديث ١١١٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٤ / ١١١٣.

(٥) الظاهر - كما في هامش الطبعة الحجرية - : لمشابهته إيّاه.

(٦) السرائر : ١٢٩.

(٧) المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨.

٣٩

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج ، قال : « عليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »(١) .

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم يقع على أهله ، قال : « إن كان أفضى إليها ، فعليه بدنة ، والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها ، فعليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »(٢) .

ولأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحجّ ، فلم يفسد الحج ، كالتقبيل.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : تجب عليه بدنة ، ويفسد حجّه - وبه قال الحسن وعطاء ومالك وإسحاق - لأنّها عبادة يفسدها الوطء ، فأفسدها الإنزال عن مباشرة ، كالصيام(٣) .

والفرق : أنّ الصوم يخالف الحجّ في المفسدات.

وقال الشافعي وأصحاب الرأي : عليه شاة ؛ لأنّه مباشرة فيما دون الفرج ، فأشبه القُبْلة(٤) .

والفرق : أنّه أفحش ذنباً من القبلة ، فالعقوبة فيه أشدّ.

ولو لم ينزل ، قال العامّة : تجب الشاة(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٨ - ٣١٩ / ١٠٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٣ - ٣٧٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٣٠ - ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٧ : ٢٩١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨.

(٥) المغني ٣ : ٣٣٠.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460