نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 428

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 428 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 353105 / تحميل: 7353
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

اشترى للقراض وقع الشراء له ، ووجب الثمن عليه ، وإذا تلفت بعد الشراء فقد وقع الشراء للقراض ، ومَلَكه ربّ المال ، وإذا تلف الثمن كان الثمن على مالكه يسلّم إليه ألفاً أُخرى ليدفعها ، فإن هلكت أيضاً سلّم إليه أُخرى ، وعلى هذا.

واختلفوا في رأس مال القراض.

منهم مَنْ قال : إنّ الألفين الأوّلة والثانية تكونان رأس المال.

ومنهم مَنْ قال : الثانية خاصّةً ، والاولى انفسخ القراض فيها(١) .

وقال ابن سريج : إنّ الشراء يقع للعامل ، سواء تلفت الألف قبل الشراء أو بعده ، وحمل كلام الشافعي على عمومه(٢) .

وإنّما كان كذلك ؛ لأنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإن اشترى قبل تلفها فقد صحّ الشراء للقراض ، إلّا أنّ إذنه تناول الشراء بها أو بعدها في الثمن ، فإذا تعذّر ذلك ، فقد حصل الشراء على غير الوجه الذي أذن ، فيصير الشراء للعامل.

قال : وهذا مثل أن يعقد الحجّ عن غيره ، فيصحّ الإحرام عنه ، فإذا أفسده الأجير ، صار عنه ؛ لأنّه خالف في الإذن ، كذا هنا.

لا يقال : لو وكّل وكيلاً ودفع إليه ألفاً ليشتري له سلعةً فاشتراها وقبل أن يدفع الثمن هلك في يده ، أليس يكون الشراء للموكّل والألف عليه؟

لأنّا نقول : قال ابن سريج : في ذلك وجهان :

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، وحلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

١٢١

أحدهما : إنّه يلزم الوكيل ، كمسألتنا.

والثاني : إنّه يلزم الموكّل(١) .

والفرق بينهما : إنّه أذن العاملَ في التصرّف في ألفٍ واحدة على أنّه لا يزيد عليها ؛ لأنّ إذنه تناول المال ، ولا يلزمه أن يزيد على ذلك ، وفي الوكالة تعلّق إذنه بشراء العبد وقد اشتراه له ، فكان ثمنه عليه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ - ٢٣١.

١٢٢

١٢٣

الفصل الرابع : في التنازع‌

مسألة ٢٧٧ : لو ادّعى العامل التلفَ ، صُدّق باليمين وعدم البيّنة ، سواء ادّعاه قبل دورانه في التجارة أو بعدها(١) ؛ لأنّه أمين في المال ، كالمستودع.

والأصل فيه : إنّه يتصرّف في مال غيره بإذنه ، فكان أميناً ، كالوكيل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل الباقرَعليه‌السلام عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ قال : « ليس عليه غُرْمٌ بعد أن يكون الرجل أميناً »(٣) .

وبه قال الشافعي(٤) ، وفرّق بين العامل وبين المستعير حيث ذهب إلى أنّ المستعير ضامن(٥) : بأنّ المستعير قبضه لمنفعة نفسه خاصّةً بغير استحقاقٍ ، وهنا معظم المنفعة لربّ المال.

وفرّق أيضاً بين العامل وبين الأجير المشترك ، فإنّه عنده - على أحد القولين - ضامن ؛ لأنّ المنفعة تعجّلت له ، فكان قبضه للمال لمنفعةٍ حصلت‌

____________________

(١) الظاهر : « بعده ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٨٤ / ٨١٢.

(٤) مختصر المزني : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، البيان ٧ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٥) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢٧٣ ، الهامش (٤)

١٢٤

له ، وهنا لم تحصل له بالقبض منفعة معجّلة ، فافترقا(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ قوله مقبول في التلف ، سواء ادّعى التلف بسببٍ ظاهر أو خفيّ أو لم يذكر سبباً ، وسواء أمكنه إقامة البيّنة على السبب أو لا.

وللشافعي تفصيل(٢) تقدّم مثله في الوديعة(٣) .

مسألة ٢٧٨ : لو اختلف المالك والعامل في ردّ المال ، فادّعاه العامل وأنكره المالك ، فالأقوى : تقديم قول المالك - وهو قول أحمد ، وأحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يقبل قوله في ردّه إلى المالك ، كالمستعير ، ولأنّ صاحب المال منكر والعامل مدّعٍ ، فيُقدَّم قول المنكر مع اليمين إذا لم تكن هناك بيّنة.

والوجه الثاني لأصحاب الشافعي : إنّه يُقدَّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، ولأنّ معظم النفع لربّ المال ، والعامل كالمستودع(٥) .

ونمنع أنّه أمين في المتنازع ، ولا ينفع في غيره.

والفرق بينه وبين المستودع ظاهر ؛ فإنّ المستودع لا نفع له في الوديعة البتّة.

ونمنع أنّ معظم النفع لربّ المال. سلّمنا ، لكنّ العامل لم يقبضه إلّا لنفع نفسه ، ولم يأخذه لنفع ربّ المال.

____________________

(١) راجع : البيان ٧ : ٢٠٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ٢١٢ ، المسألة ٦٢.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٤ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، البيان ٧ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٥

مسألة ٢٧٩ : لو اختلفا في الربح ، فالقول قول العامل مع يمينه وعدم البيّنة - سواء اختلفا في أصله وحصوله بأن ادّعى المالك الربحَ وأنكر العامل وقال : ما ربحتُ شيئاً ، أو في مقداره بأن ادّعى المالك أنّه ربح ألفاً وادّعى العامل أنّه ربح مائة - لأنّه أمين.

وكذا لو قال : كنتُ ربحتُ كذا ثمّ خسرتُ وذهب الربح ، وادّعى المالك بقاءه في يده ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّه أمين ، كما لو ادّعى المستودع التلفَ ، وكما لو ادّعاه العامل في أصل المال فكذا في ربحه ، ولأنّه أمين يُقبل قوله في التلف فيُقبل في الخسارة ، كالوكيل ، وبه قال الشافعي وغيره(١) .

وأمّا لو قال العامل : ربحتُ ألفاً ، ثمّ قال : غلطتُ في الحساب ، وإنّما الربح مائة ، أو تبيّنتُ أنّه لا ربح هنا ، أو قال : كذبتُ في الإخبار بالربح خوفاً من انتزاع المال من يدي فأخبرتُ بذلك ، لم يُقبل رجوعه ؛ لأنّه أقرّ بحقٍّ عليه ثمّ رجع عنه ، فلم يُقبل ، كسائر الأقارير ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : إن كان بين يديه موسم يتوقّع فيه ربح ، قُبِل قوله : كذبتُ ليترك المال في يدي فأربح في الموسم ، بخلاف ما إذا قال : خسرتُ بعد الربح الذي أخبرتُ عنه ، فإنّه لا يُقبل ، كما لو ادّعى عليه وديعة ، فقال له : ما أودعتَ عندي شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى التلف ، لم يُقبل قوله ، أمّا لو قال : ما تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ثمّ قامت البيّنة بالإيداع ، فادّعى‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

١٢٦

التلف ، كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه ليس فيه تكذيب لقوله الأوّل ، كذا هنا(١) .

هذا إذا كانت دعوى الخسران في موضعٍ يُحتمل بأن عرض في الأسواق كساد ، ولو لم يُحتمل لم يُقبل.

مسألة ٢٨٠ : إذا اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح ثمّ اختلفا ، فقال صاحب المال : اشتريتَه للقراض ، وقال العامل : اشتريتُه لنفسي ، قُدّم قول العامل مع اليمين ، وكذا لو ظهر خسران فاختلفا ، فادّعى صاحب المال أنّه اشتراه لنفسه ، وادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض ، قُدّم قول العامل مع اليمين ؛ لأنّ الاختلاف هنا في نيّة العامل ، وهو أبصر بما نواه ، ولا يطّلع على ذلك من البشر أحد سواه ، وإنّما يكون مال القراض بقصده ونيّته - وهو أحد قولَي الشافعي(٢) - ولأنّ في المسألة الأُولى المال في يد العامل ، فإذا ادّعى ملكه فالقول قوله.

وقد ذكر الشافعي في الوكيل والموكّل إذا اختلفا في بيع شي‌ءٍ أو شراء شي‌ءٍ ، فقال الموكّل : ما بعتَه ، أو قال : ما اشتريتَه ، وقال الوكيل : بعتُ أو اشتريتُ ، قولين(٣) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦.

(٢) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، الوسيط ٣ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، و ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٢٧

واختلف أصحابه.

فمنهم مَنْ قال هنا أيضاً : قولان ، يعني في المسألة الثانية التي ظهر فيها الخسران :

أحدهما : القول قول ربّ المال ؛ لأنّ الأصل أنّه ما اشتراه لمال القراض ، والأصل عدم وقوعه للقراض ، كأحد القولين فيما إذا قال الوكيل : بعتُ ما أمرتني ببيعه ، أو اشتريتُ ما أمرتني بشرائه ، فقال الموكّل : لم تفعل.

والثاني : القول قول الوكيل ؛ لأنّه أعلم بما نواه.

ومنهم مَنْ قال هنا : القول قول العامل قولاً واحداً ، بخلاف مسألة الوكالة.

والفرق بينهما : إنّ الموكّل والوكيل اختلفا في أصل البيع والشراء ، وهنا اتّفقا على أنّه اشتراه ، وإنّما اختلفا في صفة الشراء ، فكان القولُ قولَ مَنْ باشر الشراء(١) .

ولو أقام المالك بيّنةً في الصورة الثانية ، ففي الحكم بها للشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد يشتري لنفسه بمال القراض متعدّياً ، فيبطل البيع ، ولا يكون للقراض(٢) .

مسألة ٢٨١ : لو اختلفا في قدر حصّة العامل من الربح ، فقال المالك : شرطتُ(٣) لك الثلث ، وقال العامل : بل النصف ، فالقول قول المالك مع‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، البيان ٧ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٦ ، البيان ٧ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « اشترطتُ ».

١٢٨

يمينه وعدم البيّنة ، عند علمائنا - وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ المالك منكر لما ادّعاه العامل من زيادة السدس ، والقول قول المنكر مع اليمين.

وقال الشافعي : يتحالفان ؛ لأنّهما اختلفا في عوض العقد وصفته ، فأشبه اختلاف المتبايعين في قدر الثمن ، وكالإجارة ، فإذا حلفا فسخ العقد ، واختصّ الربح والخسران بالمالك ، وللعامل أُجرة المثل عن عمله ، كما لو كان القراض فاسداً - وفيه وجه : إنّها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلّا قدر النصف ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر منه(٢) - ولو حلف أحدهما ونكل الآخَر حُكم للحالف بما ادّعاه(٣) .

وعن أحمد رواية ثانية : إنّ العامل إذا ادّعى أُجرة المثل وزيادة يتغابن الناس بمثلها فالقول قوله ، وإن ادّعى أكثر فالقول قوله فيما وافق أُجرة المثل(٤) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٢٢٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٤ / ١٧٣٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ / ٣٤٨٥.

(٤) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٥.

١٢٩

والمعتمد ما قلناه ؛ لأنّ المالك منكر ، ولأنّه اختلاف في فعله ، وهو أبصر به وأعرف ، ولأنّ الأصل تبعيّة الربح للمال ، فالقول قول مَنْ يدّعيه ، وعلى مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

مسألة ٢٨٢ : لو اختلفا في قدر رأس المال ، فقال المالك : دفعتُ إليك ألفين هي رأس المال ، وقال العامل : بل دفعتَ إلَيَّ ألفاً واحدة هي رأس المال ، قُدّم قول العامل مع اليمين.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ يُحفظ عنه من أهل العلم أنّ القول قول العامل في قدر رأس المال ، كذلك قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(١) .

لأنّ المالك يدّعي عليه قبضاً وهو ينكره ، والقول قول المنكر ، والأصل عدم القبض إلّا فيما يُقرّ به ، ولأنّ المال في يد العامل وهو يدّعيه لنفسه ربحاً ، وربّ المال يدّعيه لنفسه ، فالقول قول صاحب اليد.

ولا فرق عندنا بين أن يختلفا وهناك ربح أو لم يكن ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ الأمر كذلك إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان تحالفا ؛ لأنّ قدر الربح يتفاوت به ، فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٣ ، المغني ٥ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٤ - ١٧٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٤ - ٥٩٥ / ٣٤٨٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٠٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٩١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٤ و ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣٠

الربح(١) .

والحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم ، مع أنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفيّة العقد ، والاختلاف هنا اختلاف في القبض ، فيُصدَّق فيه النافي ، كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن ، فإنّ المصدَّق البائع.

مسألة ٢٨٣ : لو كان العامل اثنين وشرط المالك لهما نصفَ الربح بينهما بالسويّة وله النصف ، وتصرّفا واتّجرا فنضّ المال ثلاثة آلاف ، ثمّ اختلفوا فقال ربّ المال : إنّ رأس المال ألفان ، فصدّقه أحد العاملين وكذّبه الآخَر وقال : بل دفعتَ إلينا ألفاً واحدة ، لزم الـمُقرّ ما أقرّ به ، ثمّ يحلف المنكر ؛ لما بيّنّا من تقديم قول العامل في قدر رأس المال ، ويُقضى للمنكر بموجب قوله ، فالربح بزعم المنكر ألفان وقد استحقّ بيمينه منهما خمسمائة ، فتُسلّم إليه ، ويأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال ؛ لاتّفاق المالك والـمُقرّ عليه ، تبقى خمسمائة تُقسَّم بين المالك والمصدِّق أثلاثاً ؛ لاتّفاقهم على أنّ ما يأخذه المالك مِثْلا ما يأخذه كلّ واحدٍ من العاملين ، وما أخذه المنكر كالتالف منهما ، فيأخذ المالك ثلثي خمسمائة والمصدِّق ثلثها ؛ لأنّ نصيب ربّ المال من الربح نصفه ، ونصيب المصدِّق الربع ، فيقسّم بينهما على ثلاثة أسهم ، وما أخذه الحالف كالتالف ، والتالف في المضاربة يُحسب من الربح.

ولو كان الحاصل ألفين لا غير ، فادّعاها المالك رأسَ المال ، فصدّقه أحدهما وكذّبه الآخَر وادّعى أنّ رأس المال ألف والألف الأُخرى ربح ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٥ ، البيان ٧ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣.

١٣١

صُدّق المكذِّب بيمينه ، فإذا حلف أخذ ربعها مائتين وخمسين الزائدة على ما أقرّ به ، والباقي يأخذه المالك.

مسألة ٢٨٤ : لو اختلفا في جنس مال القراض ، فادّعى المالك أنّ رأس المال كان دنانير ، وقال العامل : بل دراهم ، فالقول قول العامل مع يمينه ؛ لما تقدّم من أنّه أمين.

ولو اختلفا في أصل القراض ، مثل : أن يدفع إلى رجلٍ مالاً يتّجر به ، فربح ، فقال المالك : إنّ المال الذي في يدك كان قراضاً والربح بيننا ، وقال التاجر : بل كان قرضاً علَيَّ ، ربحه كلّه لي ، فالقول قول المالك مع يمينه ؛ لأنّه ملكه ، والأصل تبعيّة الربح له ، فمدّعي خلافه يفتقر الى البيّنة ، ولأنّه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده ، فإذا حلف قُسّم الربح بينهما.

وقال بعض العامّة : يتحالفان ، ويكون للعامل أكثر الأمرين ممّا شُرط له أو أُجرة مثله ؛ لأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح ، فربّ المال يعترف له به ، وهو يدّعي كلّه ، وإن كان أُجرة مثله أكثر ، فالقول قوله مع يمينه في عمله ، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله ، فإذا حلف قُبِل قوله في أنّه ما عمل بهذا الشرط ، وإنّما عمل لعوضٍ لم يسلم له ، فتكون له أُجرة المثل(١) .

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بدعواه ، فالأقوى : إنّه يُحكم ببيّنة العامل ؛ لأنّ القول قول المالك ، فتكون البيّنة بيّنة العامل.

وقال أحمد : إنّهما يتعارضان ، ويُقسّم الربح بينهما نصفين(٢) .

ولو قال ربّ المال : كان بضاعةً فالربح كلّه لي ، وقال العامل : كان قراضاً ، فالأقرب : إنّهما يتحالفان ، ويكون للعامل أقلّ الأمرين من نصيبه‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧.

(٢) المغني ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٧ - ١٧٨.

١٣٢

من الربح أو أُجرة مثله ؛ لأنّه لا يدّعي أكثر من نصيبه من الربح ، فلا يستحقّ زيادةً عليه وإن كان الأقلّ أُجرة مثله ، فلم يثبت كونه قراضاً ، فيكون له أُجرة عمله.

ويحتمل أن يكون القول قولَ العامل ؛ لأنّ عمله له ، فيكون القولُ قولَه فيه.

ولو قال المالك : كان بضاعةً ، وقال العامل : كان قرضاً علَيَّ ، حلف كلٌّ منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه ، وكان للعامل أُجرة عمله لا غير.

ولو خسر المال أو تلف ، فقال المالك : كان قرضاً ، وقال العامل : كان قراضاً أو بضاعةً ، فالقول قول المالك.

وكذا لو كان هناك ربح فادّعى العامل القراضَ والمالك الغصبَ ، فإنّه يُقدّم قول المالك مع يمينه.

* * *

١٣٣

الفصل الخامس : في التفاسخ واللواحق‌

مسألة ٢٨٥ : قد بيّنّا أنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين ، كالوكالة والشركة ، بل هو عينهما ؛ فإنّه وكالة في الابتداء ، ثمّ قد يصير شركةً في الأثناء ، فلكلّ واحدٍ من المالك والعامل فسخه والخروج منه متى شاء ، ولا يحتاج فيه إلى حضور الآخَر ورضاه ؛ لأنّ العامل يشتري ويبيع لربّ المال بإذنه ، فكان له فسخه ، كالوكالة ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر الحضور كما ذكر في خيار الشرط(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإن فسخا العقد أو أحدهما ، فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال ، ولم يكن للعامل أن يشتري بعده.

وإن كان قد عمل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح فيه أخذه المالك أيضاً ، وكان للعامل أُجرة عمله إلى ذلك الوقت ، وإن كان فيه ربح أخذ رأس ماله وحصّته من الربح ، وأخذ العامل حصّته منه.

وإن لم يكن المال ناضّاً ، فإن كان دَيْناً بأن باع نسيئةً بإذن المالك ، فإن كان في المال ربح كان على العامل جبايته ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) .

____________________

(١) البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٧٧ و ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٤

وإن لم يكن هناك ربح ، قال الشيخرحمه‌الله : يجب على العامل جبايته أيضاً(١) ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّ المضاربة تقتضي ردّ رأس المال على صفته ، والديون لا تجري مجرى المال الناضّ ، فيجب(٢) عليه أن ينضّه إذا أمكنه ، كما لو كانت عروضاً فإنّه يجب عليه بيعها(٣) .

والأصل فيه : إنّ الدَّيْن ملك ناقص ، والذي أخذه كان ملكاً تامّاً ، فليردّ كما أخذ.

وقال أبو حنيفة : إن كان في المال ربح كان عليه أن يجبيه ، وإن لم يكن فيه ربح لم يجب عليه أن يقتضيه ؛ لأنّه إذا لم يكن فيه ربح لم يكن له غرض في العمل ، فصار(٤) كالوكيل(٥) .

والفرق : إنّ الوكيل لا يلزمه بيع العروض ، والعامل يلزمه.

مسألة ٢٨٦ : لو فسخ المالك القراض والحاصل دراهم مكسّرة وكان رأس المال صحاحا ، فإن قدر على إبدالها بالصحاح وزناً أبدلها ، وإلّا باعها بغير جنسها من النقد ، واشترى بها الصحاح.

ويجوز أن يبيعها بعرضٍ ويشتري به الصحاح ؛ لأنّه سعي في إنضاض المال ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه قد‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، المسألة ١٠ من كتاب القراض.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فوجب ».

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٩ ، البيان ٧ : ١٩٨ و ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، المغني ٥ : ١٨٠ - ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « فكان » بدل « فصار ».

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، البيان ٧ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، المغني ٥ : ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٣٥

يتعوّق عليه بيع العرض(١) .

ولو كان رأس المال دنانير والحاصل دراهم ، أو بالعكس ، أو كان رأس المال أحد النقدين والحاصل متاع ، فإن لم يكن هناك ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه المالك.

وللعامل أيضاً بيعه وإن كره المالك - وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق(٢) - لأنّ حقّ العامل في الربح لا يظهر إلّا بالبيع.

ولا يجب على المالك الصبر وتأخير البيع إلى موسم رواج المتاع - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حقّ المالك معجَّل.

وقال مالك : للعامل أن يؤخّر البيع إلى الموسم(٤) .

ولو طلب المالك أن يأخذه بقيمته ، جاز ، وما يبقى بعد ذلك بينهما يتقاسمانه.

وإن لم يطلب ذلك ، وطلب أن يباع بجنس رأس المال ، لزم ذلك ، ويباع منه بقدر رأس المال ، ولا يُجبر العامل على بيع الباقي.

ولو قال العامل : قد تركتُ حقّي منه فخُذْه على صفته ولا تكلّفني البيع ، فالأقرب : إنّه لا يُجبر المالك على القبول ؛ لأنّ له طلب ردّ المال كما أخذه ، وفي الإنضاض مشقّة ومئونة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨.

(٢) المغني ٥ : ١٧٩ - ١٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠.

١٣٦

إنّه يجب على المالك القبول(١) .

وقد اختلفت الشافعيّة في مأخذ الوجهين هنا وفي كيفيّة خروجهما.

فقال بعضهم : إنّ هذا مبنيّ على الخلاف في أنّه متى يملك العامل الربحَ؟ إن قلنا بالظهور ، لم يلزم المالك قبول ملكه ، ولم يسقط به طلب البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، أُجيب ؛ لأنّه لم يبق له توقّع فائدةٍ ، فلا معنى لتكليفه تحمّل مشقّةٍ(٢) .

وقال بعضهم : بل هُما مفرَّعان أوّلاً على أنّ حقّ العامل هل يسقط بالترك والإسقاط؟ وهو مبنيّ على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، لم يسقط كسائر المملوكات ، وإن قلنا بالقسمة ، سقط على أصحّ الوجهين ؛ لأنّه مَلَك أن يملك ، فكان له العفو والإسقاط كالشفعة ، فإن قلنا : لا يسقط حقّه بالترك ، لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع ، وإذا قلنا : يسقط ، ففيه خلاف - سيأتي - في أنّه هل يُكلّف البيع إذا لم يكن في المال ربح؟(٣) .

ولو قال المالك : لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عَدْلين ، أو قال : أُعطيك نصيبك من الربح ناضّاً ، فالأقوى : إنّ للعامل الامتناع ؛ لأنّه قد يجد زبوناً(٤) يشتريه بأكثر من قيمته.

وللشافعيّة وجهان بناهما قومٌ منهم على أنّ الربح متى يملك؟ إن قلنا بالظهور ، فله البيع ، وإن قلنا بالقسمة ، فلا ؛ لوصوله إلى حقّه بما يقوله المالك(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠ - ٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١.

(٤) راجع : ج ١٤ - من هذا الكتاب - ص ١٦١ ، الهامش (٥)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٧

وقطع بعضهم على الثاني ، وقال : إذا غرس المستعير في أرض العارية ، كان للمعير أن يتملّكه بالقيمة ؛ لأنّ الضرر مندفع عنه بأخذ القيمة ، فهنا أولى(١) .

والأصل ممنوع.

ثمّ اختلفوا ، فالذي قطع به محقّقوهم أنّ الذي يلزمه بيعه وإنضاضه قدر رأس المال خاصّةً ، أمّا الزائد فحكمه حكم عرضٍ آخَر يشترك فيه اثنان ، لا يكلّف واحد منهما بيعه ؛ لأنّه في الحقيقة مشترك بين المالك والعامل ، ولا يلزم الشريك أن ينضّ مال شريكه ، ولأنّ الواجب عليه أن ينضّ رأس المال ليردّ عليه رأس ماله على صفته ، ولا يوجد هذا المعنى في الربح.

وإذا باع بطلب المالك أو بدونه ، باع بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال ، ولو لم يكن من جنسه باعه بما يرى من المصلحة إمّا برأس المال أو بنقد البلد ، فإن اقتضت بيعه بنقد البلد باعه به ، وحصل به رأس المال(٢) .

مسألة ٢٨٧ : لو لم يكن في المال ربح ، ففي وجوب البيع على العامل وإنضاض المال لو كلّفه المالك إشكال ينشأ : من أنّ غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلى حقّه منه ، فإذا لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه تعباً بلا فائدة ، ومن أنّ العامل في عهدة أن يردّ المال كما أخذه ؛ لئلّا يلزم المالك في ردّه إلى ما كان مئونة وكلفة.

وللشافعيّة وجهان(٣) كهذين.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٨

وهل للعامل البيع لو رضي المالك بإمساك المتاع؟ إشكال ينشأ : من أنّه قد يجد زبوناً يشتريه بزيادةٍ ، فيحصل له ربحٌ ما ، ومن أنّ المالك قد كفاه مئونة البيع ، وهو شغل لا فائدة فيه.

وللشافعيّة وجهان(١) .

والثاني عندي أقوى ؛ لأنّ المضارب إنّما يستحقّ الربح إلى حين الفسخ ، وحصول راغبٍ يزيد إنّما حصل بعد فسخ العقد ، فلا يستحقّها العامل.

وقال بعضهم : إنّ العامل ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ قطعاً ، وله أن يبيع بأكثر ممّا يساويه عند الظفر بزبونٍ(٢) .

وتردّد بعضهم في ذلك ؛ لأنّ هذه الزيادة ليست ربحاً في الحقيقة ، وإنّما هو رزق يساق إلى مالك العروض(٣) .

وعلى القول بأنّه ليس للعامل البيع إذا أراد المالك إمساك العروض أو اتّفقا على أخذ المالك العروض ثمّ ظهر ربح بارتفاع السوق ، فهل للعامل نصيبٌ فيه ؛ لحصوله بكسبه ، أو لا ؛ لظهوره بعد الفسخ؟ الأقوى : الثاني ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٢٨٨ : يرتفع القراض بقول المالك : « فسختُ القراض » و « رفعتُه » و « أبطلتُه » وما أدّى هذا المعنى ، وبقوله للعامل : « لا تتصرّف بعد هذا » أو « قد أزلتُ يدك عنه » أو « أبطلتُ حكمك فيه » وباسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٣٩

ولو باع المالك ما اشتراه العامل للقراض ، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع ، وإن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع ، كما أنّ الموكّل لو باع ما وكّل في بيعه ، فإنّ الوكيل ينعزل ، كذا العامل هنا ؛ لأنّه في الحقيقة وكيلٌ خاصّ ، ولو لم يقصد شيئاً منهما احتُمل حمله على الأوّل وعلى الثاني.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو حبس العامل ومنعه من التصرّف ، أو قال : لا قراض بيننا ، فالأقرب : الانعزال.

مسألة ٢٨٩ : القراض من العقود الجائزة يبطل بموت المالك أو العامل أو جنون أحدهما أو إغمائه أو الحجر عليه للسفه ؛ لأنّه متصرّف في مال غيره بإذنه ، فهو كالوكيل.

ولا فرق بين ما قبل التصرّف وبعده.

فإذا مات المالك ، فإن كان المال ناضّاً لا ربح فيه أخذه الوارث ، وإن كان فيه ربح اقتسماه.

وتُقدَّم حصّة العامل على جميع الغرماء ، ولم يأخذوا شيئاً من نصيبه ؛ لأنّه يملك الربح بالظهور ، فكان شريكاً للمالك ، وليس لربّ المال شي‌ء من نصيبه ، فهو كالشريك ، ولأنّ حقّه متعلّق بعين المال دون الذمّة ، فكان مقدَّماً ، كحقّ الجناية ، ولأنّه متعلّق بالمال قبل الموت ، فكان أسبق ، كحقّ الرهن.

وإن كان المال عرضاً ، فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الصالح الفهامة، الثقة المطلع والحافظ المتتبع، الشيخ محمد الشامي الدمشقي ثم المصري ».

٣ - وقال المفتيصدر الدين خان في ( منتهى المقال ): « قال الشيخ الامام العالم العلامة، أفضل المحققين والمحدّثين محمد الشامي، في باب الدليل على مشروعية السفر، وشدّ الرحال لزيارة سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والرد على من زعم أن شدّ الرحل لزيارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصية: قد تقدم أنه انعقد الإجماع على تأكّد زيارته ».

٤ - وقال المولويحسن زمان: « وقال العلامة الحافظ الشامي صاحب السيوطي، في السيرة المسماة بسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العبادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ومشروعية السفر لزيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمجاد قد ألّف فيها الشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ كمال الدين ابن الزملكاني، والشيخ أبو داود سليمان كتاب الانتصار، وابن جملة، وغيرهم من الأئمة »(١) .

(٩٨)

تحسين أبي الحسن ابن عرّاق الكناني

وقد حكم بحسنه أبو الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني قال: « حديث أنا دار الحكمة وعلي بابها. ابن بطة نع مرطب حب عد خط. و في لفظ: أنا مدينة الفقه، و آخر: أنا مدينة العلم. وفيه جماعة كثيرة مجروحون ومجاهيل، تعقب بأنه أخرجه الحاكم والترمذي، وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه الحاكم وصحّحه، وخالف أبو الفرج ابن الجوزي فذكره في الموضوعات.

والصواب خلاف قوليهما معاً، وأن الحديث من قسم الحسن، لا يرتقي إلى

____________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن. وله ترجمة في شذرات الذهب ٨ / ٢٥٠.

٢٤١

الصحة ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً، لكن هذا هو المعتمد. وكذا حسّنه العلائي »(١) .

ترجمته:

١ - رحمة الله السندي في خطبة ( مختصر تنزيه الشريعة ): « شيخنا الامام الحافظ العلامة، عالم المدينة النبوية في زمانه، الشيخ علي بن محمد بن العراق، ولي الخلّاق المشهور في الآفاق ».

٢ - العيدروس: « اعلم أن في قلبي حسرة عظيمة، إذ لم يتيسر لي الوقوف على تواريخ جماعة من الأعيان المشهورين، كطائفة من الأولياء الكرام، وجملة من العلماء الأعلام، مثل شيخ الشيوخ على الاطلاق الشيخ محمد بن عراق وولديه الشيخ الامام العلامة علي والشيخ الفاضل عبد النافع »(١) .

قال: « فكان من كبار أهل العلم وله جملة مصنفات »(٢) .

٣ - الصديق حسن خان القنوجي: في ( أبجد العلوم ): « الشيخ علي بن محمد ابن عراق عالم المدينة المنورة، وخطيب مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان نائباً مناب أبيه في العلم والعمل والتقوى، له تصانيف مفيدة، منها كتاب: تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة، لخصه تلميذه الشيخ رحمة الله السندي، وهو في غاية اللطف من الاختصار ».

وله ترجمة في: شذرات الذهب ٨ / ٣٣٧، الكواكب السائرة ٢ / ١٩٧.

____________________

(١). تنزيه الشريعة ١ / ٣٧٧.

(٢). النور السافر في أعيان القرن العاشر: ٨٤.

٢٤٢

(٩٩)

تحسين ابن حجر المكّي

وحكم بحسنه شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المكي في عدة من مصنفاته:

قال في ( الصواعق ) في أحاديث فضائل عليعليه‌السلام : « التاسع - أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، والطبراني والحاكم والعقيلي في الضعفاء وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي والحاكم عن عليرضي‌الله‌عنه ، قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. وفي رواية: فمن أراد العلم فليأت الباب. و في أخرى عند الترمذي عن علي قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها و في أخرى عند ابن عدي: علي باب علمي

وصوّب بعض محققي المتأخرين المطّلعين من المحدثين أنه حديث حسن ومر الكلام عليه »(١) .

وقال في ( المنح المكية شرح القصيدة الهمزية ) -: « وكعليرضي‌الله‌عنه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في الحديث الحسن - خلافاً لمن زعم وضعه - أنا مدينة العلم وعلي بابها، ومن ثمّ قال ابن عباسرضي‌الله‌عنه : جميع ما آثرته لكم من التفسير فإنما هو من علي كرّم الله وجهه ».

وقال « إن لهم فيه أربعة آراء: صحيح وهو ما ذهب إليه الحاكم ويوافقه قول الحافظ العلائي وحسن وهو التحقيق، ويوافقه قول شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: رجاله رجال الصحيح إلّا عبد السلام الهروي فإنه

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٧٣.

٢٤٣

ضعيف عندهم انتهى وسبقه الى آخر كلامه الحافظ العلائي فقال: الهروي هذا تكلّموا فيه كثيراً انتهى.

ويعارض ذلك تعقيب أبي زرعة على حديثه، ونقل الحاكم عن يحيى بن معين: أنه وثقه، فثبت أنه حسن مقارب للصحيح بما علمت من قول ابن حجر أنّ رواته كلهم رواة الصحيح إلّا الهروي، وأن الهروي وثّقه جماعة وضعّفه آخرون.

وضعيف أي بناء على رأى من ضعف الهروي.

وموضوع وعليه كثيرون أئمة حفاظ كالقزويني وابن الجوزي، وجزم ببطلان جميع طرقه الذهبي في ميزانه وغيره.

وهؤلاء - وإن كانوا أئمة أجلّاء، لكنهم - تساهلوا تساهلاً كثيراً كما علم مما قررته، وكيف ساغ الحكم بالوضع مع ما تقرر أن رجاله كلّهم رجال الصحيح إلّا واحداً فمختلف فيه، ويجب فيه تأويل كلام القائلين بالوضع، بأنّ ذلك لبعض طرقه لا كلّها، وما أحسن قول بعض الحفاظ في أبي معاوية أحد رواته المتكلم فيهم بما لا يسمع: هو ثقة مأمون من كبار المشايخ وحفاظهم، وقد تفرد به عن الأعمش فكان ما ذا؟ وأي استحالة في أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول مثل هذا في حق علي ...».

وقال في ( تطهير الجنان ) مدافعاً عن معاوية « السادس - خروجه على علي كرّم الله وجهه ومحاربته له، مع أنه الامام الحق بإجماع أهل الحل والعقد والأفضل والأعدل والأعلم بنص الحديث الحسن - لكثرة طرقه، خلافاً لمن زعم وضعه، ولمن زعم صحته، ولمن أطلق حسنه -: أنا مدينة العلم وعلي بابها. قال الأئمة الحفاظ: لم يرد لأحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم من الفضائل والمناقب والمزايا ما ورد لعلي كرّم الله وجهه »(١) .

____________________

(١). تطهير الجنان: ٧٤ هامش الصواعق.

٢٤٤

قال: « قال ابن عباس: « وهذا - أي كون عليرضي‌الله‌عنه يخبر بالأشياء المغيبة فيقع كما أخبر - لما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره - أي بالمغيبات - فيخبر بها علي كرّم الله وجهه كما أخبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ومن استند إخباره إلى إخبار الصادق لا يكون إلّا صادقاً، وفي هذه منقبة علية جدّاً لعلي كرّم الله وجهه لما أتحفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به من العلوم الغيبية، ولذا كان باب مدينة العلم النبوي وأمين السرّ العلوي ».

وفي ( فتاواه ): « وسئلرضي‌الله‌عنه : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وأبوبكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها. هل الحديث صحيح أم لا؟

فأجاب بقوله: الحديث رواه صاحب مسند الفردوس وتبعه ابنه بلا اسناد، عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه مرفوعاً، وهو حديث ضعيف، كحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقتها، وهو ضعيف أيضاً.

وأما حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فهو حديث حسن، بل قال الحاكم: صحيح - وقول البخاري: ليس له وجه صحيح والترمذي: منكر، وابن معين: كذب، معترض - وان ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وتبعه الذهبي وغيره على ذلك ».

ترجمته:

١ - الشعراني في ( لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ).

٢ - الخفاجي في ( ريحانة الألباء ٢١١ - ٢١٢ ).

٣ - العيدروس في ( النور السافر ٢٨٧ - ٢٩٨ ).

٤ - الشرقاوي في ( التحفة البهية في طبقات الشافعية ).

٥ - القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ).

٦ - عبد الحق الدهلوي في ( ما ثبت بالسنة ).

٢٤٥

٧ - الدهان المكي في ( كفاية المتطلع ).

٨ - ابن سالم البصري في ( الإِمداد في علوّ الاسناد ).

٩ - الشنواني في ( الدرر السنية في الأسانيد الشنوانية ).

١٠ - ( الدهلوي ) في ( رسالة أصول الحديث ).

ولعبد القادر بن أحمد الفاكهي: ( كتاب في فضائل شيخه ابن حجر الهيتمي ) كما في ( البدر الطالع ١ / ١٠٩ ) بترجمته.

(١٠٠)

رواية المتقي الهندي

وقال علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي: « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. عق، عد، طب، ك، عن ابن عباس، عد، ك عن جابر »(١) .

« أنا مدينة العلم وعلي بابها. أبو نعيم في المعرفة، عن علي.

« أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه. طب، عن ابن عباس »(٢) .

وقال المتقي: « قال الترمذي وابن جرير معاً: ثنا إسماعيل بن موسى السري أنبأ محمد بن عمر الرومي عن شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن الصنابحي عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. حل. قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي نسخة: منكر، وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك ولم يذكروا فيه الصنابحي ولم يعرف هذا الحديث

____________________

(١). كنز العمال ١٢ / ٢٠١.

(٢). كنز العمال ١٢ / ٢١٢.

٢٤٦

عن أحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس. إنتهى.

وقال ابن جرير: هذا خبر صحيح سنده، وقد يجب أن يكون هذا على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح لعلتين، إحداهما: أنه خبر لا يعرف له مخرج عن علي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا من هذا الوجه. والأخرى: أن سلمة ابن كهيل عندهم ممن لا يثبت بنقله حجة.

وقد وافق علياً في هذا الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيره: ثنا محمد ابن إبراهيم الفزاري، ثنا عبد السلام بن صالح الهروي، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها. ثنا إبراهيم بن موسى الرازي - وليس بالفرا - ثنا أبو معاوية بإسناده مثله. هذا الشيخ لا أعرفه ولا سمعت منه غير هذا الحديث. إنتهى كلام ابن جرير.

وقد أورد ابن الجوزي في الموضوعات حديث علي وابن عباس. وأخرج ك حديث ابن عباس وقال: صحيح الإِسناد، وروى خط في تاريخه عن يحيى بن معين: أنه سئل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح، وقال عد في حديث ابن عباس: إنه موضوع، وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: قد قال ببطلانه أيضاً الذهبي في الميزان وغيره، ولم يأتوا في ذلك بعلّة قادحة سوى دعوى الوضع دفعاً بالصّدر.

وقال الحافظ ابن حجر في لسانه: هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم، أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع. وقال في فتوى: هذا الحديث أخرجه ك في المستدرك وقال: إنه صحيح، وخالفه ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وقال: إنه كذب.

والصّواب خلاف قولهما معاً وأن الحديث من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً، ولكنْ هذا هو المعتمد في ذلك. إنتهى.

٢٤٧

وقد كنت أجيب بهذا الجواب دهراً، إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في تهذيب الآثار مع تصحيح ك‍ لحديث ابن عباس فاستخرت الله وجزمت بارتقاء الحديث عن مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة. والله أعلم »(١) .

ترجمته:

ذكر جماعة ترجمة المتقي وآيات علوّ درجته ومقامه، ومنهم:

١ - عبد الحق الدهلوي في ( أخبار الأخيار ٢٤٥ ).

٢ - العيدروس اليمني في ( النور السافر ٣١٥ ).

٣ - غلام علي آزاد في ( سبحة المرجان ٤٣ ).

٤ - حاجي خليفة في ( كشف الظنون ٢ / ١٥١٨ ).

وللشيخ عبد القادر الفاكهي كتاب ( القول النقي في مناقب المتقي ).

كما للشيخ عبد الوهاب المتقي القادري كتاب ( إتحاف التقي في فضل الشيخ علي المتقي ).

(١٠١)

رواية الوصّابي الشافعي

ورواه إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني الشافعي في كتاب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: « الباب التاسع في فضل علمهرضي‌الله‌عنه وعنه - أي عن عليرضي‌الله‌عنه - إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرجه أبو نعيم في المعرفة »(٢) .

____________________

(١). كنز العمال ١٥ / ١٢٩ - ١٣٠.

(٢). الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

٢٤٨

قال: « وعنه - أي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب، أخرجه الحاكم في المستدرك، والخطيب في المفترق والمتفق »(١)

(١٠٢)

تحسين محمد طاهر الفتني

وقال محمد طاهر الفتني: « أنا مدينة العلم وعلي بابها. أورده من حديث علي وابن عباس وجابر: قلت: قد تعقّب العلائي على ابن الجوزي في حكمه بوضعه، فإنه ينتهي طرقه إلى درجة الحسن، فلا يكون ضعيفاً فضلاً عن أن يكون موضوعاً. وقال ابن حجر: صحّحه الحاكم وخالفه ابن الجوزي فكذّبه، والصواب خلاف قولهما، والحديث حسن لا صحيح ولا كذب »(٢) .

قال: « له متابعات، فمن حكم بكذبه فقد أخطأ »(٣) .

ترجمته:

١ - العيدروس في حوادث سنة ٩٨٦: « وفيها استشهد الرجل الصالح العلامة جمال الدين محمد طاهر الملقّب بملك المحدثين الهنديرحمه‌الله آمين، على يد المبتدعة من فرقتي الرافضة السبّابة والمهدويّة القتّاله، وسبب ذلك أنه كان يناقرهم ويناظرهم ويريدهم يرجعون إلى الحق، ويتركون ما هم عليه من الضلالة والزندقة، وكان هذا دأبه أبداً، وجرى له معهم وقائع كثيرة وقهرهم في مجالس عديدة، وأظهر فضائحهم وكشف خزعبلاتهم وردعهم، وأدحض حجتهم

____________________

(١). نفس المصدر - مخطوط.

(٢). تذكرة الموضوعات: ٩٥.

(٣). نفس المصدر: ٩٦.

٢٤٩

وأبطلها وبالغ في الرد عليهم والتحذير عنهم، حتى قال بكفرهم وجزم بخروجهم من الدين والمنهج القويم وضلالهم عن الصراط المستقيم، وأراد إعدام هذا المذهب القبيح رأساً، وسعى في ذلك سعياً بليغاً، وأراد التوصّل إلى سلطان الزمان لذلك، فاحتالوا عليه حتى قتلوه قبل أن يصل إلى ذلك، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

وهو الذي أشار إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمزيّة في الرؤيا التي رآها الشيخ المتقي السابقة، وناهيك بها من منقبة عليّة، وكان على قدمٍ من الصلاح والورع والتبحّر في العلم »(١) .

٢ - عبد الحق الدهلوي بمثل ما تقدم(٢) .

٣ - غلام علي آزاد بقوله: « مولانا الشيخ محمد طاهر الفتني هو خادم الأحاديث المقدسة وناصر السنن المؤسسة »(٣) .

٤ - صديق حسن خان القنوجي بقوله: « صار رأساً في العلوم الحديثية والأدبية، ورحل إلى الحرمين الشريفين وأدرك علماءهما ومشايخهما سيما الشيخ علي المتقي وقد ذكر الشيخ عبد الحق الدهلوي ترجمته في أخبار الأخيار، وذكرتها أنا في إتحاف النبلاء، وأيضاً أفردت ترجمته في رسالة مستقلة »(٤) .

(١٠٣)

رواية ميرزا مخدوم الشيرازي

وقد ذكره عباس بن معين الدين الشهير بميرزا مخدوم الجرجاني ثم

____________________

(١). النور السافر ٣٦١.

(٢). أخبار الاخيار: ٢٦٨.

(٣). سبحة المرجان ٤٣ - ٤٤.

(٤). أبجد العلوم ٨٩٥.

٢٥٠

الشيرازي في ( نواقض الروافض ) في الفصل الثاني « في فضائل علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه » حديث أورد طائفة من أحاديث فضائله ومناقبهعليه‌السلام ، قائلاً: « و عن علي: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرجه الترمذي ».

(١٠٤)

رواية العيدروس اليمني

وروى شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني حديث مدينة العلم حيث قال:

« وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، والطبراني والحاكم والعقيلي في الضعفاء وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي والحاكم عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. وفي رواية: فمن أراد العلم فليأت الباب، و في أخرى عند الترمذي عن علي: أنا دار الحكمة وعلي بابها و في أخرى عند ابن عدي: علي باب علمي »(١) .

وقد ذكر العيدروس قصيدة ابن جابر الأندلسي مستحسناً إياها بقوله: « ولله درّ ابن جابر الأندلسي حيث قال:

وإن علياً كان سيف رسوله

وصاحبه السامي لمجد مشيّد

وصهر النبي المجتبى وابن عمه

أبا الحسنين المحتوي كلَّ سؤدد

وخير نساء الغر زوجته غدت

وحسبك هذا سؤدد المسوّد

وزوّجه رب السماء من سمائه

وناهيك تزويجاً من العرش قد بري

فباتا وحلي الزهد خير حلاهما

وقد آثرا بالزاد من جاء يجتدي

فأثمرت الجنات من حلل ومن

حلاهما رعيا لذاك التزهد

____________________

(١). العقد النبوي والسر المصطفوي - مخطوط.

٢٥١

وما ضرّ من قد بات والصوف لبسه

وفي السندس الغالي سوف يغتدي

وقال رسول الله إني مدينة

من العلم وهو الباب والباب فاقصد»(١)

كما أورد قصيدة أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن السقاف، وقد نظم في أحد أبياتها حديث مدينة العلم وهو ذا:

« ومن سرّ باب العلم أكرم حلة

علي العلى أكرم بذاك المهذّب »(٢)

ترجمته:

١ - عبد القادر بن شيخ العيدروس ترجمة مطولة هذا ملخّصها: « وفي ليلة السبت لخمس وعشرين خلت من رمضان سنة تسعين: توفي الشيخ الكبير والعلم الشهير القطب العارف بالله شيخ بن عبد الله العيدروس بأحمدآباد، ودفن بها في صحن داره، وعليه قبة عظيمة، وكان مولده سنة تسع عشرة وتسعمائة ولقد صار بحمد الله شيخ زمانه باتفاق عارفي وقته، وقد ألهم الله أهله حيث سموه شيخاً قبل أوانه ووقته ومن شيوخه شيخ الإسلام الحافظ شهاب الدين ابن حجر الهيثمي المصري، والفقيه الصالح العلّامة عبد الله بن أحمد باقشير الحضرمي، وله من كلٍ منهما إجازة، في جماعة آخرين يكثر عددهم، واجتمع بالعلامة الديبع بزبيد، وأما مقروّاته فكثيرة جداً، ومن تصانيفه العقد النبوي والسر المصطفوي ومناقبه وكراماته ليس هذا محلّها، وقد أفردها غير واحد من العلماء بالتصنيف »(٣) .

٢ - ووصفه الشيخاني القادري لدى النقل عن كتابه بـ « الشيخ الامام والغوث الهمام، بحر الحقائق والمعارف السيد السند والفرد الأمجد الشريف الحسيني »(٤) .

____________________

(١). العقد النبوي والسر المصطفوي - مخطوط.

(٢). نفس المصدر.

(٣). النور السافر ٣٧٢.

(٤). الصراط السوى - مخطوط.

٢٥٢

(١٠٥)

رواية جمال الدين المحدّث الشيرازي

وقال جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي المعروف بجمال الدين المحدّث: « الحديث السادس عشر عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم - وفي رواية: أنا دار الحكمة - وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

وقال المحدّث الشيرازي في مقدمة كتابه: « وبعد: فيقول العبد الفقير إلى الله الغني، عطاء الله بن فضل الله المشتهر بجمال الدين المحدّث الحسيني، أحسن الله أحواله وحقق بجوده العميم آماله: هذه أربعون حديثاً في مناقب أمير المؤمنين وإمام المتقين، ويعسوب المسلمين ورأس الأولياء والصدّيقين، ومبيّن مناهج الحق واليقين، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب، المتصدّق بخاتمه في المحراب، فارس ميدان الطعان والضراب، المخصوص بكرامة الأخوة والانتجاب، المنصوص عليه بأنه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب ».

وقد وصفه عليه الصلاة والسلام بمثل هذه العبارات في صدر كتابه الآخر ( تحفة الأحباء من مناقب آل العبا ).

كما أثبته في كتاب ( روضة الاحباب ) عند بيان مقام أمير المؤمنينعليه‌السلام ومنزلته العلمية

____________________

(١). الاربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.

٢٥٣

روضة الأحباب

وكتابه ( روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب ) من الكتب المشتهرة في الآفاق في التاريخ والسيرة، وقد اعتمد عليه المؤرّخون وصرحوا باعتباره واستندوا إلى رواياته، منهم غياث الدين خواند أمير في ( حبيب السير ) والديار بكري في ( الخميس ) وعبد الحق الدهلوي في ( مدارج النبوة ) وشاه ولي الله والد ( الدهلوي ) في ( إزالة الخفا )، وقد ذكره حاجي خليفة في ( كشف الظنون )(١) .

(١٠٦)

إثبات أبي العصمة محمد معصوم السمرقندي

وقد أثبت أبو العصمة محمد معصوم بابا السمرقندي في رسالته ( الفصول الأربعة ) حديث مدينة العلم واحتج به، حيث قال في الفصل الثاني في الجواب على قضية غصب فدك: « وبعد التسليم بصحة ما قيل من شهادة الأمير بذلك، فإنه لا يلزم على القاضي قبول تلك الشهادة، مع أن الشريعة المطهّرة صريحة في عدم قبولها، وهذا من الأدلة على كذب هذه الرواية، إذ لا يتصور من حضرة الأمير كرّم الله وجهه مع اختصاص شرف « أنا مدينة العلم وعلي بابها » به أن يقدم على مثل هذه الشهادة، ومن هذا القبيل شهادة الحسنين رضي الله عنهما ».

(١٠٧)

رواية علي القاري

وقال علي بن سلطان محمد الهروي المعروف بالقاري في ( شرح الفقه

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ٩٢٢.

٢٥٤

الأكبر ) بشرح قول الماتن « ثم علي بن أبي طالب » ما نصه:

« أي ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي، وهو المرتضى زوج فاطمة الزهرا وابن عم المصطفى، والعالم في الدرجة العليا، والمعضلات التي سأله كبار الصحابة ورجعوا إلى فتواه فيها فضائل كثيرة شهيرة، تحقّق قولهعليه‌السلام : أنا مدينة العلم وعلي بابها، و قولهعليه‌السلام : أقضاكم علي »(١) .

وقال في ( المرقاة ): « ثم اعلم أن حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها رواه الحاكم في المناقب من مستدركه من حديث ابن عباس وقال: صحيح. وتعقّبه الذهبي فقال: بل هو موضوع، وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا فيه، وقال يحيى بن معين: لا أصل له، وكذا قال أبو حاتم ويحيى بن سعيد، وقال الدارقطني: ثابت، ورواه الترمذي في المناقب من جامعه وقال: إِنه منكر، وكذا قال البخاري وقال: إنه ليس له وجه صحيح، وأورده ابن الجوري في الموضوعات، وقال ابن دقيق العيد: هذا الحديث لم يثبتوه، وقيل: إنه باطل.

لكن قال الحافظ أبو سعيد العلائي: الصّواب إنه حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف، فضلاً عن أن يكون موضوعاً. ذكره الزركشي، وسئل الحافظ العسقلاني عنه فقال: إنه حسن لا صحيح كما قال الحاكم ولا موضوع كما قال ابن الجوزي. وقال السيوطي: وقد بسطت كلام العلائي والعسقلاني في التعقبات التي على الموضوعات »(٢) .

ترجمته:

١ - المحبي: « علي بن محمد السلطان الهروي المعروف بالقاري الحنفي نزيل مكة، وأحد صدور العلم، فرد عصره، الباهر السمت في التحقيق وتنقيح

____________________

(١). شرح الفقه الأكبر: ١١٣.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٧١.

٢٥٥

العبارات، وشهرته كافية عن الإطراء في وصفه إشتهر ذكره وطار صيته، وألّف التآليف الكثيرة اللطيفة التأدية، المحتوية على الفضائل الجليلة »(١) .

٢ - الشوكاني: « قال العصامي في وصفه: الجامع للعلوم العقلية والنقلية والمتضلّع في السنّة النبوية، أحد جماهير الأعلام ومشاهير أولي الحفظ والأفهام - ثم قال - لكنه امتحن بالاعتراض على الأئمة لا سيّما الشافعي وأصحابه، واعترض على الامام مالك بن أنس في إرساله يديه، ولهذا تجد مؤلَّفاته ليس عليها نور العلم، ولهذا نهى عن مطالعتها كثير من العلماء والأولياء إنتهى.

وأقول: هذا دليل على علوّ منزلته، فإن المجتهد شأنه أن يبيّن ما يخالف الأدلة الصحيحة ويعترضه، سواء كان قائله عظيماً أو حقيراً، فتلك شكاة ظاهر عنك عارها. وكان وفاة صاحب الترجمة سنة ١٠١٤ »(٢) .

٣ - صديق حسن خان القنوجي في ( اتحاف النبلاء ) وقال: « تآليفه مقبولة ومتداولة بين أهل العلم، فما معنى ليس عليها نور العلم؟ ».

وقد اعتمد أقواله واستند إليها كبار العلماء المتأخرين عنه، كالفاضل الرشيد، وشاه سلامة الله، والمولوي حيدر علي. كما أن جماعة رووا كتبه بالأسانيد المتصلة إلى مؤلّفها القاري، كتاج الدين الدّهان، ومحمد عابد السندي

(١٠٨)

رواية عبد الرؤف المناوي

ورواه عبد الرؤف بن تاج العارفين المناوي الشافعي في كتبه ففي

____________________

(١). خلاصة الأثر ٣ / ١٨٥.

(٢). البدر الطالع ١ / ٤٤٥.

٢٥٦

( كنوز الحقائق ): « أنا مدينة العلم وعلي بابها. ط »(١) .

وفي ( فيض القدير ) بشرح حديثٍ: « عن باب مدينة العلم وربان سفينة الفهم، سيّد الحنفاء زين الخلفاء، ذي القلب العقول واللسان السؤل بشهادة الرسول، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب القائل فيه المصطفى: من كنت مولاه فعلي مولاه والقائل هو: لو شئت لأوقرت لكم من تفسير الفاتحة سبعين وقراً، والقائل: أنا عبد الله وأخو رسوله والصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كاذب »(٢) .

وقال شارحاً حديث مدينة العلم: « فإن المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلّها، ولا بدّ للمدينة من باب، فأخبر أن بابها هو علي كرّم الله وجهه، فمن أخذ طريقه دخل المدينة ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى، وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمؤالف والمعادي والمخالف، وخرّج الكلاباذي: إن رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال: سل علياً هو أعلم مني، فقال: أريد جوابك فقال: ويحك كرهت رجلاً كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغره بالعلم غراً، وكان أكابر الصحب يعترفون له بذلك، وكان عمررضي‌الله‌عنه يسأله عما أشكل عليه، جاءه رجل فسأله فقال: ههنا علي فاسأله، فقال: أريد أن أسمع منك يا أمير المؤمنين فقال: قم لا أقم الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان، وصح عنه من طرق أنه كان يتعوّذ من قوم ليس هو فيهم، حتى أمسكه عنده ولم يولّه شيئا من البعوث لمشاورته في المشكل. وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي؟ فقال: لا والله. وقال الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي، ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه، يرفع الله من القلوب

____________________

(١). كنوز الحقائق - هامش الجامع الصغير ١ / ٨٠.

(٢). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ / ٥١ - ٥٢.

٢٥٧

الحجاب حتى يتحقق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء. إلى هنا كلامه »(١) .

وقد أفتى بحسن الحديث في ( التيسير ) حيث قال بعد شرحه إياه « وهو حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف، فضلاً عن كونه موضوعاً، ووهم ابن الجوزي »(٢) .

ترجمته:

ترجم له المحبي ترجمةً حافلةً هذا ملخّصها: « الامام الكبير، الحجة الثبت القدوة، صاحب التصانيف السائرة، وأجل أهل عصره من غير ارتياب، وكان إماماً فاضلاً زاهداً عابداً، قانتاً خاشعاً له، كثير النفع، وكان متقرباً بحسن العمل مثابراً على التسبيح والأذكار، صابراً صادقاً، وقد جمع من العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها ما لم يجتمع في أحدٍ ممّن عاصره. ولّي تدريس المدرسة الصالحية فحسده أهل عصره، وكانوا لا يعرفون مزية علمه لانزوائه عنهم، ولما حضر الدّرس فيها ورد عليه من كلّ مذهب فضلاؤه منتقدين عليه، وشرع في إقراء مختصر المزني، ونصب الجدل في المذاهب، وأتى في تقريره بما لم يسمع من غيره، فأذعنوا لفضله وصار أجلاء العلماء يبادرون لحضوره، وأخذ عنه منهم خلق كثير، وتآليفه كثيرة. وبالجملة، فهو أعظم علماء هذا التاريخ آثاراً، ومؤلفاته غالباً متداولة كثيرة النفع، وللناس عليها تهافت زائد ويتغالون في أثمانها، وأشهرها شرحاه على الجامع الصغير، وشرح السيرة المنظومة للعراقي.

وكانت ولادته في سنة ٩٥٢، وتوفي ١٠٣١ »(٣) .

وقد روى كتبه ونقل عنها كبار العلماء كما في ( مقاليد الأسانيد ) و ( الامداد

____________________

(١). فيض القدير ٣ / ٤٦.

(٢). التيسير في شرح الجامع الصغير ١ / ٣٧٧.

(٣). خلاصة الاثر ٢ / ٤١٢ - ٤١٦.

٢٥٨

بمعرفة علوّ الأسناد ) و ( أسانيد أحمد النخلي المكي ) و ( غرة الراشدين ) و ( ازالة الغين ). وقد مدح ( الدهلوي ) كتابه ( فيض القدير ) في ( أصول الحديث ).

(١٠٩)

إثبات الملّا يعقوب البنباني

وقد سلّم الملّا يعقوب البنباني اللّاهوري ثبوت هذا الحديث في ( عقائده ) وان ناقش في مدلوله وسيأتي نص كلامه في محله.

ترجمته:

ترجم له صاحب ( نزهة الخواطر )(١) ووصفه بالشيخ العالم المحدث، أحد الرجال المشهورين في الفقه والحديث والفنون الحكمية، ثم نقل الثناء عليه عن ( الأفق المبين في أحوال المقربين ) و ( مرآة آفتاب نما ) وذكر مؤلفاته وأرخّ وفاته بسنة ١٠٩٨.

وقد نقل ( الدهلوي ) مناقشته في دلالة حديث الثقلين معتمداً عليها في حاشية ( التحفة الاثنا عشرية ). وقد ذكرناها وبيّنا ما فيها في مجلَّد ( حديث الثقلين ).

(١١٠)

إثبات المقري الأندلسي

وقد أثبت أبو العباس أحمد بن محمد المقري الأندلسي حديث مدينة

____________________

(١). نزهة الخواطر ٤ / ٢٨٥.

٢٥٩

العلم، إذ نقل الأبيات المذكورة في الوجه (١٠٤) من قصيدة ابن جابر الأندلسي ثم قال « وهذا ما وقفت عليه من هذه القصيدة الفريدة، وليس بيدي الآن ديوان شعره حتى أكتبها بكمالها، فإنها مناسبة لهذا الباب الذي جعلناه ختماً للكتاب، كما لا يخفى »(١) .

ترجمته:

١ - الشهاب الخفاجي: « العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد المقري المغربي المالكي نزيل مصر، فاضل لغر المناقب مشرق، وبدر لعلو همته سار من المغرب للمشرق، وهو رفيق السداد وبيت مجده منتظم الأسباب ثابت الأوتاد، وهو - كما قيل - فيه دمث من غير خفر، ولين جانب من غير خور، ذو رأي يرد اللبن في الضرع والنار في الزند، وله آثار يثنى عليها ثناء النسيم على الند، وأدب امتزج باللطف امتزاج الماء بالخمر، وفيصل حكم رفع به التنازع بين زيد وعمرو، وهو لفقه مالك أكرم سيد مالك، وقد بوّاه الله في الحديث تكرمة بين العلياء والسند، وجدٌّ في إرث المجد بغير كلالة عن أكرم أب وجد »(٢) .

٢ - المحيي: « حافظ المغرب جاحظ البيان، ومن لم ير نظيره في جودة القريحة وصفاء الذهن وقوة البديهة، وكان آية باهرة في علم الكلام والتفسير والحديث، ومعجزاً باهراً في الأدب والمحاضرات، وله المؤلفات الشائعة »(٣) .

٣ - رضي الدين الشامي في ( تنضيد العقود السنية ) بترجمة الشريف المبارك ابن الشريف نامي: « فصل في الحوادث المتعلقة بدولة صاحب الترجمةرحمه‌الله إلى عام وفاته: ففي سنة ثنتين وأربعين بعد الألف توفي العالم العلامة الشيخ أحمد المقري المالكي صاحب التصانيف الجمة والعلوم الكثيرة، ولد بتلمسان وسكن

____________________

(١). نفح الطيب ٤ / ٦٠٣.

(٢). ريحانة الألبا ٢٩٣ - ٢٩٧.

(٣). خلاصة الأثر ١ / ٣٠٢ - ٣١١.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428