نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 428

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 428 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 353182 / تحميل: 7355
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فتدرع المدرعة على بدنه، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس، فأقبل يعبدالله عزّوجلّ مع الاحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه، فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى، فأوحى الله عزّوجلّ إليه: يا يحيى، أتبكي مما قد نحل من جسمك! وعزتي وجلالي لو اطلعت على النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج(١) ، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، وبدا للناظرين أضراسه، فبلغ ذلك أمه، فدخلت عليه، وأقبل زكريا واجتمع الاحبار والرهبان، فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال: ما شعرت بذلك.

فقال زكريا: يا بني، ما يدعوك إلى هذا؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني. قال: أنت أمرتني بذلك يا أبه، قال: ومتى ذلك يا بني؟ قال: ألست القائل: إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاءون من خشية الله؟ قال: بلى، فجد واجتهد وشأنك غير شأني.

فقام يحيى، فنفض مدرعته، فأخذته أمه، فقالت: أتأذن لي - يا بني - أن أتخذ لك قطعتي لبود(٢) تواريان أضراسك، وتنشفان دموعك؟ فقال لها: شأنك. فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه، وتنشفان دموعه، فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه، فحسر عن ذراعيه، ثم اخذهما فعصرهما، فتحدرت الدموع من بين أصابعه، فنظر زكريا إلى ابنه وإلى دموع عينيه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن هذا ابني، وهذه دموع عينيه، وأنت أرحم الراحمين.

وكان زكريا عليه السلام إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا، فإن رأى يحيى عليه السلام لم يذكر جنة ولا نارا، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل، وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة، فجلس في غمار الناس(٣) ، والتفت زكريا يمينا وشمالا فلم

______________

(١) في نسخة: المسوح.

(٢) اللبود: جمع لبد، وهو كل شعر أو صوف متلبد، سمي به للصوق بعضه ببعض.

(٣) غمار الناس: جمعهم المزدحم المتكاثف.

٨١

ير يحيى، فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى: أن في جهنم جبلا يقال له السكران، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان، يغضب لغضب الرحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام، في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، فرفع يحيى عليه السلام رأسه فقال: واغفلتاه من السكران، ثم أقبل هائما على وجهه، فقام زكريا عليه السلام من مجلسه فدخل على ام يحيى، فقال لها: يا ام يحيى، قومي فاطلبي يحيى، فإني قد تخوفت أن لا نراه إلا وقد ذاق الموت.

فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل، فقالوا لها: يا ام يحيى، أين تريدين؟ قالت: أريد أن أطلب ولدي يحيى، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فمضت ام يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم، فقالت له: يا راعي، هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا؟ فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا؟ قالت: نعم، ذاك ولدي، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فقال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا، ناقعا قدميه في الماء رافعا بصره إلى السماء، يقول: وعزتك مولاي، لا ذقت بارد الشراب حتى أنظر إلى منزلتي منك.

وأقبلت أمه، فلما رأته ام يحيى دنت منه، فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها، وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل، فانطلق معها حتى أتى المنزل، فقالت له ام يحيى: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف، فإنه ألين؟ ففعل، وطبخ له عدس، فأكل واستوفى ونام، فذهب به النوم فلم يقم لصلاته، فنودي في منامه: يا يحيى بن زكريا، أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري! فاستيقظ فقام فقال: يا رب اقلني عثرتي، إلهي فو عزتك لا استظل بظل سوى بيت المقدس. وقال لامه: ناوليني مدرعة الشعر، فقد علمت أنكما ستورداني المهالك. فتقدمت امه فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به فقال لها زكريا: يا ام يحيى، دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه، ولن ينتفع بالعيش.

فقام يحيى فلبس مدرعته، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس،

٨٢

فجعل يعبدالله عزّوجلّ مع الاحبار، حتى كان من أمره ما كان(١) .

٤٩/٤ - حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه الله، قال: حدّثنا عمي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعيد بن جبير، عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: معاشر الناس، من أحسن من الله قيلا، وأصدق من الله حديثا؟ معاشر الناس، إن ربكم جل جلاله أمرني أن اقيم لكم عليا علما وإماما وخليفة ووصيا، وأن أتخذه أخا ووزيرا.

معاشر الناس، إن عليا باب الهدى بعدي، والداعي إلى ربي، وهو صالح المؤمنين( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٢) .

معاشر الناس إن عليا مني، ولده ولدي، وهو زوج حبيبتي، أمره أمري، ونهيه نهيي.

معاشر الناس، عليكم بطاعته واجتناب معصيته، فإن طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي.

معاشر الناس، إن عليا صديق هذه الامة وفاروقها ومحدثها، إنه هارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها، إنه باب حطتها، وسفينة نجاتها، وإنه طالوتها وذو قرنيها.

معاشر الناس، إنه محنة الورى، والحجة العظمى، والآية الكبرى، وإمام أهل الدنيا، والعروة الوثقى.

معاشر الناس، إن عليا مع الحق، والحق معه، وعلى لسانه.

معاشر الناس، إن عليا قسيم النار، لا يدخل النار ولي له، ولا ينجو منها عدو له، إنه قسيم الجنة، لا يدخلها عدو له، ولا يزحزح عنها ولي له.

معاشر أصحابي، قد نصحت لكم، وبلغتكم رسالة ربي، ولكن لا تحبون الناصحين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم(٣) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين

______________

(١) تنبيه الخواطر ٢: ١٥٨، بحار الانوار ١٤: ١٦٥/٤.

(٢) فصلت ٤١: ٣٣.

(٣) بشارة المصطفى: ١٥٣، بحار الانوار ٣٨: ٩٣/٧.

٨٣

[ ٩ ]

المجلس التاسع

وهو يوم الجمعة

السابع عشر من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٥٠/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى، قال: حدّثنا محمّد بن سهل، قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد البلوي، قال: حدثني إبراهيم بن عبيد الله، عن أبيه، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: سادة الناس في الدنيا الاسخياء، وفي الآخرة الاتقياء(١) .

٥١/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عزّوجلّ عليه: الاجلال له في عينه، والود له في صدره، والمواساة له في ماله، وأن يحرم غيبته، وأن

______________

(١) صحيفة الامام الرضا عليه السلام: ٢٦١/١٩٩، تحف العقول: ٢١٢، روضة الواعظين: ٣٨٤، بحار الانوار ٧١: ٣٥٠/١.

٨٤

يعوده في مرضه، وأن يشيع جنازته، وأن لا يقول فيه بعد موته إلا خيرا(١) .

٥٢/٣ - حدّثنا الحسين(٢) بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن سنان، قال: حدّثنا أبوالجارود زياد بن المنذر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولاية عليّ بن أبي طالب ولاية الله، وحبه عبادة الله، واتباعه فريضة الله، وأوليائه أولياء الله، وأعداؤه أعداء الله، وحربه حرب الله، وسلمه سلم الله عزّوجلّ(٣) .

٥٣/٤ - حدّثنا عليّ بن أحمد الدقاق رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفي، عن عبيد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الحسني، عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: حدثني أبي، عن أبيه، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن عليّ ابن أبي طالب عليهم السلام، قال: مر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام برجل يتكلم بفضول الكلام، فوقف عليه، ثم قال: إنك تملي على حافظيك كتابا إلى ربك، فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك(٤) .

٥٤/٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوقي، عن شعيب، عن أبي بصير، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يحدث عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوما لاصحابه: أيكم يصوم الدهر؟ فقال سلمان (رحمة الله عليه): أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فأيكم يحيي الليل؟ فقال سلمان: أنا يا رسول الله. قال: فأيكم يختم القرآن في كل يوم؟ فقال سلمان: أنا

______________

(١) الخصال: ٣٥١/٢٧، من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٨٤٦، بحار الانوار ٧٤: ٢٢٢/٣.

(٢) في نسخة: الحسن.

(٣) بحار الانوار ٤٠: ٤/٥.

(٤) بحار الانوار ٧١: ٢٧٦/٤.

٨٥

يا رسول الله. فغضب بعض أصحابه، فقال: يا رسول الله، إن سلمان رجل من الفرس، يريد أن يفتخر علينا معاشر قريش، قلت: أيكم يصوم الدهر؟ فقال: أنا، وهو أكثر أيامه يأكل. وقلت: أيكم يحيي الليل؟ فقال: أنا، وهو أكثر ليله نائم. وقلت: أيكم يختم القرآن في كل يوم؟ فقال: أنا، وهو أكثر نهاره صامت.

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: مه يا فلان، أنى لك بمثل لقمان الحكيم، سله فإنه ينبئك. فقال الرجل لسلمان: يا أبا عبدالله، أليس زعمت أنك تصوم الدهر؟ فقال: نعم. فقال: رأيتك في أكثر نهارك تأكل! فقال: ليس حيث تذهب، إني أصوم الثلاثة في الشهر، وقال الله عزّوجلّ:( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (١) وأصل شعبان بشهر رمضان، فذلك صوم الدهر، فقال: أليس زعمت أنك تحيي الليل؟ فقال: نعم. فقال: أنت أكثر ليلك نائم! فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: من بات على طهر فكأنما أحيا الليل كله، فأنا أبيت على طهر. فقال: أليس زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم؟ قال: نعم، قال: فأنت أكثر أيامك صامت! فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن، مثلك في أمتي مثل سورة التوحيد( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) (٢) فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثا فقد ختم القرآن، فمن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الايمان، والذي بعثني بالحق يا علي، لو أحبك أهل الارض كمحبة أهل السماء لك لما عذب أحد بالنار، وأنا أقرأ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) في كل يوم ثلاثا مرات. فقام وكأنه قد ألقم حجرا(٣) .

______________

(١) الانعام ٦: ١٦٠.

(٢) الاخلاص ١١٢: ١.

(٣) فضائل الاشهر الثلاثة: ٤٩/٢٥، معاني الاخبار: ٢٣٤/١، بحار الانوار ٢٢: ٣١٧/٢، و ٧٦: ١٨١/١.

٨٦

٥٥/٦ - حدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبدالله بن المغيرة الكوفي، قال: حدّثنا جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة، من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عزّوجلّ أصلح الله له فيما بينه وبين الناس(١) .

٥٦/٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن محمّد ابن عيسى، عن منصور، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: ليس يتبع الرجل بعد موته من الاجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنها، فهي يعمل بها بعد موته، وولد صالح يستغفر له(٢) .

٥٧/٨ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن سلمة الاهوازي، عن إبراهيم بن محمّد، قال: حدّثنا أبوالحسين عليّ بن المعلى الاسدي، قال أنبئت عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنه قال: إن لله بقاعا تسمى المنتقمة، فإذا أعطى الله عبدا مالا لم يخرج حق الله عزّوجلّ منه، سلط الله عليه بقعة من تلك البقاع، فأتلف ذلك المال فيها، ثم مات وتركها(٣) .

٥٨/٩ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، وسعد بن عبدالله، عن عمران بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن

______________

(١) الخصال: ١٢٩/١٣٣، ثواب الاعمال: ١٨١، بحار الانوار ٧١: ١٨١/٣٦.

(٢) تحف العقول: ٣٦٣، بحار الانوار ١٠٤: ٩٩/٨٠.

(٣) معاني الاخبار: ٢٣٥/١، من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٩٩/٩٠٤، بحار الانوار ٩٦: ١١/١٤.

٨٧

النعمان، عن محمّد بن فضيل، عن غزوان الضبي، قال: أخبرني عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: أنا حجة الله، وأنا خليفة الله، وأنا صراط الله، وأنا باب الله، وأنا خازن علم الله، وأنا المؤتمن على سر الله، وأنا إمام البرية بعد خير الخليقة محمّد نبي الرحمة صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

٥٩/١٠ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدّثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، قال: حدثني سليمان بن مقبل المديني، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في مسجد قبا وعنده نفر من أصحابه، فلما بصر بي تهلل وجهه وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه تبرق، ثم قال: إلي يا علي، إلي يا علي، فما زال يدنيني حتى ألصق فخذي بفخذه، ثم أقبل على أصحابه، فقال: معاشر أصحابي، أقبلت إليكم الرحمة بإقبال علي أخي إليكم.

معاشر أصحابي، إن عليا مني وأنا من علي، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي ووصيي، وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، من أطاعه أطاعني، ومن وافقه وافقني، ومن خالفه خالفني(٢) .

٦٠/١١ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، قال: حدّثنا أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويدخل

______________

(١) بحار الانوار ٣٩: ٣٣٥/١.

(٢) بحار الانوار ٤٠: ٤/٦.

٨٨

جنة عدن منزلي، ويمسك قضيبا غرسه ربي عزّوجلّ، ثم قال له: كن فيكون(١) ، فليتول عليّ بن أبي طالب، وليأتم بالاوصياء من ولده، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، إلى الله أشكو أعداءهم من امتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وايم الله ليقتلن بعدي ابني الحسين، لا أنالهم الله شفاعتي(٢) .

و صلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة فكان.

(٢) بحار الانوار ٤٤: ٢٥٧/٦.

٨٩

[ ١٠ ]

المجلس العاشر

وهو يوم الثلاثاء

لعشر بقين من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٦١/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن سيف التمار، عن أبي بصير، قال: قال الصادق أبوعبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام: إن العبد لفي فسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة، فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عزّوجلّ إلى ملكيه: إني قد عمرت عبدي عمرا، فغلظا وشددا وتحفظا، واكتبا عليه قليل عمله وكثيره، وصغيره وكبيره(١) .

٦٢/٢ - وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّوجلّ:( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ) (٢) فقال: توبيخ لابن ثماني عشرة سنة(٣) .

٦٣/٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا

______________

(١) الكافي ٨: ١٠٨/٨٤، الخصال: ٥٤٥/٢٤، بحار الانوار ٧٣: ٣٨٨/٥.

(٢) فاطر ٣٥: ٣٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١: ١١٨/٥٦١.

٩٠

محمّد بن الحسن الصفار، عن سلمة بن الخطاب، عن عليّ بن الحسن، عن أحمد بن محمّد المؤدب، عن عاصم بن حميد، عن خالد القلانسي، قال: قال الصادق جعفر ابن محمّد عليهما السلام: يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع إليه كتابه، ظاهره مما يلي الناس، لا يرى إلا مساوئ، فيطول ذلك عليه، فيقول: يا رب، أتأمر بي إلى النار! فيقول الجبار جل جلاله: يا شيخ، إني أستحيي أن أعذبك وقد كنت تصلي في دار الدنيا، اذهبوا بعبدي إلى الجنة(١) .

٦٤/٤ - حدّثنا محمّد بن علي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن أبي القاسم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمر العدني بمكة، عن أبي العباس بن حمزة، عن أحمد بن سوار، عن عبيد(٢) الله بن عاصم، عن سلمة، بن وردان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم، تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تبارك وتعالى بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات، وما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم، إلا ناداه ربه عزّوجلّ: جلست إلى حبيبي، وعزتي وجلالي لاسكننك الجنة معه ولا ابالي(٣) .

٦٥/٥ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني المكتب، قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفي، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى الحبال الطبري، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الخشاب، قال: حدّثنا محمّد بن محصن، عن يونس بن ظبيان، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إن الناس يعبدون الله عزّوجلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفا(٤) من النار فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني أعبده حبا له عزّوجلّ فتلك

______________

(١) الخصال: ٥٤٦/٢٦، بحار الانوار ٨٢: ٢٠٤/٤.

(٢) في نسخة: عبد.

(٣) بحار الانوار ١: ١٩٨/١.

(٤) في نسخة: فرقا.

٩١

عبادة الكرام، وهو الامن، لقوله عزّوجلّ:( وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) (١) ، ولقوله عزّوجلّ:( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (٢) فمن أحب الله أحبه الله، ومن أحبه الله عزّوجلّ كان من الآمنين(٣) .

٦٦/٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن ابي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبدالله بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: حسب المؤمن من الله نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله عزّوجلّ(٤) .

٦٧/٧ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم المؤدب، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد بن بشار، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن درست بن أبي منصور الواسطي، عن عبد الحميد بن أبي العلاء، عن ثابت بن دينار، عن سعد بن طريف الخفاف، عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أنا خليفة رسول الله ووزيره ووارثه، أنا أخو رسول الله ووصيه وحبيبه، أنا صفي رسول الله وصاحبه، أنا ابن عم رسول الله وزوج ابنته وأبو ولده، أنا سيد الوصيين ووصي سيد النبيين، أنا الحجة العظمى والآية الكبرى والمثل الاعلى وباب النبي المصطفى، أنا العروة الوثقى، وكلمة التقوى، وأمين الله تعالى ذكره على أهل الدنيا(٥) .

٦٨/٨ - حدّثنا أحمد بن هارون رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن جعفر بن جامع، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن هارون بن الجهم، عن

______________

(١) النمل ٢٧: ٨٩.

(٢) آل عمران ٣: ٣١.

(٣) الخصال: ١٨٨/٢٥٩، علل الشرائع: ١٢/٨، بحار الانوار ٧٠: ١٧/٩، و: ٢٠٤/١٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٨٤٧، الخصال: ٢٧/٩٦، بحار الانوار ٧١: ٤١٤/٣٣، ويأتي في المجلس (٥٨) الحديث (١٣).

(٥) بحار الانوار ٣٩: ٣٣٥/٢.

٩٢

الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة(١) .

٦٩/٩ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن العباس بن معروف، عن محمّد بن يحيى الخزاز، عن طلحة بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أتاني جبريل من قبل ربي جل جلاله، فقال: يا محمّد، إن الله عزّوجلّ يقرئك السلام ويقول: بشر أخاك عليا بأني لا اعذب من تولاه، ولا أرحم من عاداه(٢) .

٧٠/١٠ - حدّثنا محمّد بن أحمد الاسدي البردعي، قال: حدثتنا رقية بنت إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيها، عن آبائه عليهم السلام: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت(٣) .

٧١/١١ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثني أحمد(٤) بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبدالله، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، قال: حدّثنا عبدالله بن صالح بن أبي سلمة النصيبيني، قال: حدّثنا أبوعوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة، قالت: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال: هذا سيد العرب، فقلت: يا رسول الله، ألست سيد العرب؟ قال: أنا

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٢٥٣/٣٢.

(٢) بحار الانوار ٣٩: ٢٩٧/١٠٠.

(٣) الخصال: ٢٥٣/١٢٥، تحف العقول: ٥٦، بحار الانوار ٧: ٢٥٨/١.

(٤) زاد في النسخ: بن محمّد، والصواب ما أثبتناه، انظر: معجم رجال الحديث ٢: ٣٦٣، الجامع في الرجال: ١٩٦، وللسند نظائر في مصنفات الشيخ الصدوق، منها: الخصال: ٣٦١/٥١، و ٣٦٢/٥٢، و ٤٠٧/٦، و ٤٧٨/٤٦، التوحيد: ١٧٨/١١، و ١٩٤/٨، و ٢٧٧/٣.

٩٣

سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، فقلت: وما السيد؟ قال: من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي(١) .

٧٢/١٢ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقاق، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين القاضي العلوي العباسي، قال: حدثني الحسن بن عليّ الناصر (قدس الله روحه)، قال: حدثني أحمد بن رشيد(٢) ، عن عمه أبي معمر سعيد بن خثيم، عن أخيه معمر، قال: كنت جالسا عند الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، فجاء زيد بن عليّ بن الحسين عليه السلام فأخذ بعضادتي الباب، فقال له الصادق عليه السلام: يا عم، أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة. فقالت له أم زيد: والله ما يحملك على هذا القول غير الحسد لابني. فقال عليه السلام: يا ليته حسد، يا ليته حسد، ثلاثا. ثم قال: حدثني أبي، عن جدي عليهما السلام: أنه يخرج من ولده رجل يقال له زيد، يقتل بالكوفة، ويصلب بالكناسة، يخرج من قبره نبشا، تفتح لروحه أبواب السماء، يبتهج به أهل السماوات، تجعل روحه في حوصلة طير أخضر يسرح في الجنة حيث يشاء(٣) .

٧٣/١٣ - حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، قال: حدّثنا الاشعث بن محمّد الضبي، قال: حدثني شعيب بن عمر، عن أبيه، عن جابر الجعفي، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام وعنده زيد أخوه عليه السلام، فدخل عليه معروف بن خربوذ المكي، فقال أبوجعفر عليه السلام: يا معروف، أنشدني من طرائف ما عندك، فأنشده:

لعمرك ما إن أبومالك

بوان ولا بضعيف قواه

ولا بألد(٤) لدى قوله

يعادي الحكيم إذا ما نهاه

______________

(١) معاني الاخبار: ١٠٣/١، ٢، بحار الانوار ٣٨: ٩٣/٨.

(٢) في نسخة: رشد.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥٠/٤، بحار الانوار ٤٦: ١٦٨/١٢.

(٤) الالد: الخصيم المعاند الذي لا يميل إلى الحق.

٩٤

ولكنه سيد بارع

كريم الطبائع حلو نثاه(١)

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه

قال: فوضع محمّد بن عليّ عليهما السلام يده على كتفي زيد وقال: هذه صفتك يا أبا الحسين(٢) .

وصلّى الله على ومحمّد وآله

______________

(١) النثا: ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيئ.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥١/٥، بحار الانوار ٤٦: ١٦٨/١٤.

٩٥

[ ١١ ]

المجلس الحادي عشر

وهو يوم الجمعة

لست بقين من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٧٤/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الناس في آخر جمعة من شعبان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله، ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزيد الله فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عزّوجلّ عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى.

فقيل له: يا رسول الله، ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائما. فقال: إن الله تبارك

٩٦

وتعالى كريم، يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر إلا على مذقة(١) من لبن يفطر بها صائما، أو شربه من ماء عذب، أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه، وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره إجابة والعتق من النار، ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، أما اللتان ترضون الله بهما: فشهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله حوائجكم والجنة، وتسألون الله فيه العافية وتتعوذون به من النار(٢) .

٧٥/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن إسحاق بن محمّد، عن حمزة بن محمّد، قال: كتبت إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام: لم فرض الله عزّوجلّ الصوم؟ فورد في الجواب: ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير(٣) .

٧٦/٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: أخبرنا أحمد بن صالح بن سعد التميمي، قال: حدّثنا موسى ابن داود، قال: حدّثنا الوليد بن هشام، قال: حدّثنا هشام بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي، قال: دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم باكيا، فسلم فرد عليه السلام، ثم قال: ما يبكيك يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله، إن بالباب شابا طري الجسد، نقي اللون، حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك.

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أدخل علي الشاب يا معاذ. فأدخله عليه، فسلم فرد

______________

(١) المذقة: الطائفة من اللبن الممزوج بالماء.

(٢) فضائل الاشهر الثلاثة: ٧١/٥١، من لا يحضره الفقيه ٢: ٥٨/٢٥٤، الخصال: ٢٥٩/١٣٥، ثواب الاعمال: ٦٦، التهذيب ٣: ٥٧/١٩٨، و ٤: ١٥٢/٤٢٣، بحار الانوار ٩٦: ٣٥٩/٢٦.

(٣) الكافي ٤: ١٨١/٦، من لا يحضره الفقيه ٢: ٤٣/١٩٤، بحار الانوار ٩٦: ٣٦٩/٥٠.

٩٧

عليه السلام، ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟ قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذني الله عزّوجلّ ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلا سيأخذني بها، ولا يغفر لي أبداً.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هل أشركت بالله شيئا؟ قال: أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا. قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟ قال: لا، فقال: النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي، قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الارضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق. قال: فإنها أعظم من الارضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات السبع ونجومها ومثل العرش والكرسي. قال: فإنها أعظم من ذلك.

قال: فنظر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليه كهيئة الغضبان ثم قال: ويحك يا شاب، ذنوبك أعظم أم ربك. فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان ربي! ما شئ أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم! قال الشاب: لا والله، يا رسول الله، ثم سكت الشاب.

فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك. قال: بلى، أخبرك أني كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الاموات وأنزع الاكفان، فماتت جارية من بعض بنات الانصار، فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليها الليل، أتيت قبرها فنبشتها، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها، وتركتها متجردة على شفير قبرها، ومضيت منصرفا، فأتاني الشيطان، فأقبل يزينها لي ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب، ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني

٩٨

أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار، فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا، فما ترى لي يا رسول الله؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار، فما أقربك من النار! ثم لم يزل صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول ويشير إليه، حتى أمعن من بين يديه، فذهب فأتى المدينة، فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها، ولبس مسحا(١) ، وغل يديه جميعا إلى عنقه، ونادى: يا رب، هذا عبدك بهلول، بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزل مني ما تعلم. يا سيدي يا رب، إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائبا، فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي، سيدي ولا تبطل دعائي، ولا تقنطني من رحمتك.

فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي، فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي، فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم:( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ) يعني الزنا( أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان( ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ ) يقول عزّوجلّ: أتاك عبدي يا محمّد تائبا فطردته، فأين يذهب، وإلى من يقصد، ومن يسأل أن يغفر له ذنبا غيري؟ ثم قال عزّوجلّ:( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان( أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ

______________

(١) المسح: كساء من شعر.

٩٩

تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (١) .

فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، خرج هو يتلوها ويتبسم، فقال لاصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب؟ فقال معاذ: يا رسول الله، بلغنا أنه في موضع كذا وكذا.

فمضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه إلى عنقه، وقد اسود وجهه، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء وهو يقول: سيدي، قد أحسنت خلقي، وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي، أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي، وأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري، إلى الجنة تزفني، أم إلى النار تسوقني؟ اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والارض، ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر لي خطيئتي، أم تفضحني بها يوم القيامة؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع، وصفت فوقه الطير، وهم يبكون لبكائه، فدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأطلق يديه من عنقه، ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول، أبشر فإنك عتيق الله من النار. ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم لاصحابه: هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول، ثم تلا عليه ما أنزل الله عزّوجلّ فيه وبشره بالجنة(٢) .

٧٧/٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال حدّثنا أحمد بن صالح، عن حكيم بن عبد الرحمن، قال: حدثني مقاتل بن سليمان، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا علي، أنت مني بمنزلة هبة الله من آدم، وبمنزلة سام من نوح، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم،

______________

(١) آل عمران ٣: ١٣٥، ١٣٦.

(٢) بحار الانوار ٦: ٢٣/٢٦.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فاس من أرض المغرب، وأخذ العلم بها، واتسعت معرفته وكملت فضيلته، ورحل إلى الحرمين ومصر والشام وكان واسع الفضل، له مشاركة تامة في سائر العلوم ».

٤ - صديق حسن خان القنوجي بنحو ما تقدم(١) .

والجدير بالذكر أن الشهاب أحمد المقري من شيوخ مشايخ والد ( الدهلوي ) الذين حمد الله باتصال سنده إليهم، ووصفهم « بالمشايخ الأجلة الكرام والأئمة القادة الأعلام، والمشاهير بالحرمين المحترمين، والمجمع على فضلهم من بين الخافقين ».

(١١١)

رواية ابن باكثير المكي

ورواه أحمد بن الفضل بن محمد باكثير المكي الشافعي حيث قال: « وعنه - أي عن عليرضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه. أخرجه أبو عمرو »(٢) .

ترجمته:

وذكرنا ترجمة ابن باكثير واعتبار كتابه المذكور في مجلد ( حديث الولاية ) ومن مصادر ترجمته: ( خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١ ).

____________________

(١). التاج المكلل: ٣٢٤.

(٢). وسيلة المآل في مناقب الآل - مخطوط.

٢٦١

(١١٢)

رواية الشيخاني القادري

ورواه محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري حيث قال: « روى الامام أحمد في الفضائل والترمذي مرفوعاً: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. ولهذا كان ابن عباس يقول: من أتى العلم فليأت الباب وهو عليرضي‌الله‌عنه »(١) .

الصراط السوي

ويظهر اعتبار كتاب ( الصراط السوي ) هذا من كلام مؤلّفه في صدره، فإنه قال بعد التحميد والتصلية « أما بعد، فإنّ العمل بغير العلم وبال، والعلم بغير العمل خيال، ولا يقبض العلم إلّا بموت العلماء كما في الحديث المتفق على صحته في رواية عبد الله بن عمر: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بموت العلماء، كلّما ذهب عالم ذهب بما معه، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا.

واعلم أن الفحول قد قبضت والوعول قد هلكت، وانقرض زمان العلم وخمدت جمرته وهزمته كرة الجهل وعلت دولته، حتى لم يبق من الكتب التي يعتمد عليها في ذكر الأنساب إلّا بعض الكتب المؤلَّفة التي صنّفها أصحاب البدعة كما ستقف على أسمائها في تضاعيف الكتاب ان شاء الله تعالى، يلوح لك شرارها من

____________________

(١). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.

٢٦٢

بعيد كالسراب، لكونها فارغة عن الصدق والصواب، وذلك إما لاندراس محبة آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قلوب الصالحين من أهل السنة والعياذ بالله من تلك الفتنة، أو لنقص في الايمان وترداد في اليقين، أو لشين فاحش وكلم في أمر الدين، والدليل على ذلك أني سمعت من جماعة لا يعبأ الله بها أنهم يسبّون الأشراف القاطنين بمكة المشرفة والمدينة المنورة من بني الحسن والحسين فأجبتها بقول القائل:

لو كلّ كلبٍ عوى لقّمته حجراً

لأصبح الصّخر مثقالاً بدينار

ثم نودي في سري في الروضة بين القبر الشريف والمنبر بالانتصار لأهل البيت، فشرعت عند ذلك في كتاب أذكر فيه مناقب أهل البيت على ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة على وجه الاختصار، وأذكر فيه إن شاء الله تعالى مع ذكر كل واحد من أئمة أهل البيت من كان معاصراً لهم من أصحابهم وأعدائهم، كما ترى ذلك إن شاء الله تعالى قريباً، وسميته ( الصراط السوي في مناقب آل النبي ) ولقد أجاد من قال ارتجالاً فيه شعراً حسناً:

هذا كتاب نفيس قد حوى درراً

في مدح آل رسول الله والشرف

أنعم به من كتاب تحفة برزت

ما مثلها في خبايا الدهر من تحف

فغنّ به صاح واغنم في مطالعه

واستخرج الجوهر المكنون في الصدف

يزول عنك العنا والهمّ سائره

وفيه تهدى صراطاً غير مختلف

فهو الصراط السوي في الاسم شهرته

تأليف محمود تالي منهج السّلف

القادري طريقاً في مسالكه

الشافعي اتباعاً للعهود وفي »

(١١٣)

إثبات الشيخ عبد الحق الدهلوي

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ) بصدد

٢٦٣

إثبات حديث مدينة العلم ما نصه: « واعلم أن المشهور من لفظ الحديث في هذا المعنى: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقد تكلّم النقّاد فيه، واصله من أبي الصلت وكان شيعياً، وقد تكلّم فيه، وصحّح هذا الحديث الحاكم، وحسّنه الترمذي وضعّفه آخرون، ونسبه إلى الوضع طائفة، ونحن ننقل ما ذكره علماؤنا في ذلك بعباراتهم، وإنْ كانت مشتملة على التكرار فنقول:

قال الشيخ مجد الدين الشيرازي اللغوي صاحب القاموس في نقد الصحيح: حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات من عدّة طرق، وجزم ببطلان الكلّ، وقال مثل ذلك جماعة، وعندي في ذلك نظر كما سنبيّنه، والمشهور بروايته أبو الصلت عبد السّلام بن صالح الهروي عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعبد السلام هذا ضعّفوه جدّاً واتّهم بالرفض.

ومع ذلك فقد روى عباس بن محمد الدوري في سؤالاته عن يحيى بن معين أنه سأله عن أبي الصلت هذا فوثّقه فقال: أليس قد حدّث عن أبي معاوية: أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ فقال: قد حدّث به عن أبي معاوية محمد بن جعفر الفيدي. وكذلك روى صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة، وأبو الصلت أحمد ابن محمد بن محرز عن يحيى بن معين أيضاً، وفي رواية أبي الصلت ابن محرز قال يحيى في هذا الحديث: هو من حديث أبي معاوية أخبرني ابن نمير قال حدّث به أبو معاوية قديماً ثم كفَّ عنه، وكان أبو الصلت الهروي رجلاً موسراً يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ - يعني فخصّه أبو معاوية بهذا الحديث - فقد برئ عبد السلام عن عهدة هذا الحديث، وأبو معاوية الضرير حافظ يحتجُّ بأفراده كابن عيينة وغيره، وليس هذا الحديث من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول بل هو مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث أرأف أمتي أبوبكر الحديث.

وقد حسّنه الترمذي وصحّحه غيره، ولم يأت من تكلّم على حديث أنا مدينة العلم بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين، والحكم عليه بالوضع باطل قطعاً، وإنما أمسك أبو معاوية عن روايته شائعاً لغرابته لا لبطلانه، إذ لو

٢٦٤

كان كذلك لم يحدّث به أصلاً مع حفظه وإتقانه.

وللحديث طريق اُخرى رواها الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى الفزاري عن محمد بن عمر الرومي عن شريك بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي عبد الله الصنابحي عن عليرضي‌الله‌عنه : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها. وتابعه أبو مسلم الكجي وغيره على روايته عن محمد بن عمر الرومي. ومحمد هذا روى عنه البخاري في غير الصحيح، ووثّقه ابن حبان وضعّفه أبو داود.

وقال الترمذي بعد سياق الحديث: هذا حديث غريب وقد روى بعضهم هذا عن شريك ولم يذكروا فيه الصنابحي، ولا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك.

قلت: فلم يبق الحديث من أفراد الرومي، وشريك احتج به مسلم وعلّق له البخاري ووثّقه ابن معين والعجلي وزاد حسن الحديث، وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحداً قط أورع في علمه من شريك، فعلى هذا يكون مفردة حسناً. ولا يرد عليه رواية من أسقط الصنابحي منه، لأن سويد بن غفلة تابعي مخضرم، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وسمع منهم، فيكون ذكر الصنابحي فيه من باب المزيد في متصل الأسانيد.

والحاصل: إن الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفاً، فضلاً عن أن يكون موضوعاً، ولم أجده لمن ذكره في الموضوعات طعناً مؤثراً في هذين السندين. وبالله التوفيق. إنتهى كلام الشيخ مجد الدين ».

ثم نقل الشيخ عبد الحق الدهلوي كلام السخاوي في ( المقاصد الحسنة ).

وصوّب هذين الكلامين.

وقد فسّر الحديث وبيّن معناه في ( أشعة اللمعات ) وقال: « والأصل في رواية هذا الحديث هو أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، وهو شيعي ولكنّه

٢٦٥

صدوق، وكان يكرم المشايخ »(١) .

وقد ذكر « مدينة العلم » في أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، وهو أيضاً دليل على ثبوت هذا الحديث عنده.

ترجمته:

وتوجد ترجمة الشيخ عبد الحق الدهلوي في الكتب المؤلّفه بتراجم علماء الهند، مثل ( تذكرة الأبرار ) و ( مرآت آفتاب نما ) و ( اتحاف النبلاء ) و ( سبحة المرجان بذكر آثار هندوستان ).

قالغلام علي آزاد: « مولانا الشيخ عبد الحق الدهلوي، هو المتضلّع من الكمال الصوري والمعنوي، والعاشق الصادق من عشاق الجمال النبوي، رزق من الشهرة قسطاً جزيلاً، وأثبت المؤرخون ذكره إجمالاً وتفصيلاً، وفي قبة مزاره بدهلي لوح من الحجر نقشت عليه فذلكة من أحواله بالفارسية، وأنا أترجمها بالعربية: هو من مبادئ الشعور شدّ نطاقه على طاعة الحق وطلب العلم، وقريباً من أوان البلوغ تناول الأكثر من العلوم الدينية، وفرغ من تحصيله كلّها وله اثنان وعشرون سنة، وحفظ القرآن وجلس على مسند الافادة، وفي عنفوان الشباب أخذته جذبة إلهية فقطع علاقة محبته عن الخلّان والأوطان، وتوجّه إلى الحرمين وأقام بتلك الأماكن مدّة، وصحب بها أقطاب الزمان والأولياء الكبار مع بركات وافرة، واستقر به اثنين وخمسين سنة في جمعيّة الظاهر والباطن، واشتغل بتكميل الأولاد والطالبين، ونشر العلوم لا سيما الحديث الشريف، بحيث لم يتيسر مثله لأحد من العلماء السابقين واللاحقين في ديار الهند، وصنّف في العلوم خصوصاً في الحديث كتباً معتبرة اعتنى بها علماء الزمان وجعلوها دستوراً لعملهم، وتصانيفه من الكبار والصغار بلغت مائة مجلّد. ولد في المحرم سنة ٩٥٨ وتوفي سنة ١٠٥٢. تمّت

____________________

(١). أشعة اللمعات ٤ / ٦٦٦.

(٢). مدارج النبوة - فصل اسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٦٦

الترجمة »(١) .

وقال اللكهنوي: « الشيخ الامام العالم العلامة المحدّث الفقيه شيخ الاسلام وأعلم العلماء الأعلام وحامل راية العلم والعمل في المشايخ الكرام، أول من نشر علم الحديث بأرض الهند تصنيفاً وتدريساً »(٢) .

ومن آيات جلالة عبد الحق الدهلوي وعظمته كونه من شيوخ الشيخ حسن العجيمي، والعجيمي من مشايخ شاه ولي الله الدهلوي السبعة الذين يحمد الله على اتّصال سنده بهم

وقال شاه ولي الله في ( المقدمة السنية ): « ومن عجيب صنع الله أنه كما تراكم في عهد هذين ( يعني أكبر شاه وجهانكير شاه ) من الفتن الدهماء ما لم يرو معشاره في عصور القدماء، فكذلك لم ير مثل عهدهما في اجتماع الأولياء أصحاب الآيات الظاهرة والكرامات الباهرة، والعلماء أصحاب التصانيف المفيدة والتواليف المجيدة، كالسيد عبد الوهاب البخاري، وشاه محمد خيالي صاحب الآيات العجيبة والشيخ عبد العزيز حامل لواء الجشتية في زمانه، والخواجة باقي ناشر الطريقة النقشبندية في أقطار الهند، والشيخ عبد الحق، له شرحان على المشكاة، وشرح على سفر السعادة للشيخ مجد الدين الفيروزآبادي، وله جذب القلوب إلى ديار المحبوب في تاريخ المدينة المنورة، وغيرها من الرسائل المفيدة، كلّهم بمحروسة دهلي ».

(١١٤)

رواية السيد محمد ماه عالم

وقد نصّ السيّد محمد ابن السيد جلال ماه عالم ابن السيد حسن البخاري

____________________

(١). سبحة المرجان: ٥٢.

(٢). نزهة الخواطر ٥ / ٢٠١.

٢٦٧

على صحة حديث مدينة العلم، حيث قال في ذكر مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام في ( تذكرة الأبرار ): « فضائله أكثر من أن تحصر، ويعجز البيان عن الإِحاطة بكمالاته، تتجلى رفعة نسبه الشريف من الخبر المعتبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا وعلي من نور واحد » وعظمة حسبه من قوله: « أخي في الدنيا والآخرة » ووفور علمه من الحديث الصحيح: « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وسعة جوده من قوله تعالى:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً ) وآثار شجاعته من: « لا فتى إلّا علي ولا سيف إلّا ذو الفقار » وأخبار فضيلته من: « لمبارزة علي بن أبي طالب يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي ».

وفيه: « ذكر سيد السادات: السيد علي ابن السيد جعفر البخاري: ينتهي نسبه إلى باب مدينة العلم عليرضي‌الله‌عنه وعن جميع أولاده ».

(١١٥)

إثبات الله بن عبد الرحيم

وقد أثبت الله بن عبد الرحيم بن بينا الحكيم الجشتي العثماني حديث مدينة العلم في كتابه ( سير الأقطاب ) ضمن فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

(١١٦)

إثبات عبد الرحمن الجشتي

وكذا أثبت عبد الرحمن بن عبد الرسول بن قاسم الجشتي حديث أنا مدينة

٢٦٨

العلم في ( مرآة الأسرار ) بترجمة سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

مرآة الأسرار

وقد اعتمد على كتاب ( مرآة الاسرار ) ونقل عنه شاه ولي الله الدهلوي في ( الانتباه في سلاسل أولياء الله ) ورشيد الدين خان الدهلوي في ( ايضاح لطافة المقال ).

(١١٧)

إثبات الجفري

وقال شيخ بن علي بن محمد الجفري في ( كنز البراهين الكسبية والأسرار الألوهية الغيبية لسادات مشايخ الطريقة العلوية ): « و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب ».

ترجمته:

ذكرنا ترجمة الجفري هذا في مجلد ( حديث الطير ).

(١١٨)

تحسين العزيزي

وقد أفتى بحسنه علي بن أحمد بن محمد بن إبراهيم العزيزي حيث قال:

« أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » يؤخذ منه أنه

٢٦٩

ينبغي للعالم أن يخبر الناس بفضل من عرف فضله، ليأخذوا عنه العلم « عق عد طب ك عن ابن عباس عدك عن جابر » ابن عبد الله. قال الشيخ: حديث حسن لغيره، أي باعتبار طرقه »(١) .

ترجمته:

ترجم له محمد أمين المحبي بقوله: « علي العزيزي البولاقي الشافعي، كان إماماً فقيهاً محدّثاً حافظاً متقناً ذكياً، سريع الحفظ بعيد النسيان، مواظباً على النظر والتحصيل، كثير التلاوة سريعها، متودّداً متواضعاً، كثير الاشتغال بالعلم، محبّاً لأهله خصوصاً أهل الحديث، حسن الخلق والمحاضرة، مشاراً إليه في العلم، شارك النور الشبراملسي في كثير من شيوخه وأخذ عنه واستفاد منه، وكان يلازمه في دروسه الأصليّة والفرعيّة وفنون العربية، وله مؤلفات كثيرة نقله فيها يزيد على تصرفه، منها: شرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلّدات، وحاشية على شرح التحرير للقاضي زكريا، وحاشية على شرح الغاية لابن قاسم في نحو سبعين كراسة، وأخرى على شرحها للخطيب، وكانت وفاته ببولاق في سنة سبعين وألف وبها دفن، والعزيزي بفتحة ومعجمتين مكسورتين بينهما ياء تحتية نسبة للعزيزية من الشرقية بمصر »(٢) .

(١١٩)

إثبات النور الشبراملسي

وقال أبو الضياء نور الدين علي بن علي الشبراملسي القاهري الشافعي في

____________________

(١). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٦٣.

(٢). خلاصة الاثر ٣ / ٢٠١.

٢٧٠

حاشيته على ( المواهب اللّدنية ) المسماة بـ ( تيسير المطالب السنية ) في ذكر أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « قوله: « مدينة العلم » روى الترمذي وغيره مرفوعاً: أنا مدينة العلم وعلي بابها. والصواب أنه حديث حسن كما قاله الحافظ العلائي وابن حجر ».

ترجمته:

١ - المحبي بقوله: « علي بن علي أبو الضيا نور الدين الشبراملسي الشافعي القاهري، خاتمة المحققين وولي الله تعالى، محررّ العلوم النقلية وأعلم أهل زمانه، لم يأت مثله في دقة النظر وجودة الفهم وسرعة استخراج الأحكام من عبارات العلماء، وقوة التأني في البحث واللطف والحلم والإِنصاف، بحيث أنه لم يعهد منه أنه أساء إلى أحد من الطلبة بكلمةٍ حصل له منها تعب، بل كان غاية ما يقول إذا تغيّر من أحد من تلامذته: الله يصلح حالك يا فلان، وكان شيخاً جليلاً عالماً عاملاً، وكان زاهداً في الدنيا، لا يعرف أحوال أهلها ولا يتردّد إلى أحد منهم إلّا في شفاعة خير، وكان إذا مرَّ في السوق تتزاحم الناس مسلمها وكافرها على تقبيل يده، ولم ينكر أحد من علماء عصره وأقرانه فضله، بل جميع العلماء إذا أشكلت عليهم مسألة يراجعونه فيها فيبيّنها لهم على أحسن وجه وأتمّه.

وقال فيه العلامة سريّ الدين الدروري: لا يكلّمه أحد إلّا علاه في كلّ فن، وكان يقول: ما في الجامع إلّا الأعمى ويشير إليه، وكان سريّ الدين هذا فريد عصره في العلوم النظرية.

... ولازمه لأخذ العلم عنه أكابر علماء عصره، كالشيخ شرف الدين ابن شيخ الإسلام، والشيخ زين العابدين، ومحمد البهوتي الحنبلي، ويس الحمصي ومنصور الطوخي، وعبد الرحمن المحلي، والشهاب البشبيشي، والسيد أحمد الحموي، وعبد الرزاق الزرقاني، وغيرهم ممّن لا يحصى ولم يشتهر من مؤلّفاته إلّا حاشيته على المواهب اللّدنية في خمس مجلَّدات ضخام »(١) .

____________________

(١). خلاصة الأثر ٣ / ١٧٤ - ١٧٧.

٢٧١

٢ - الشرقاوي في ( التحفة البهيّة في طبقات الشافعية ) بقوله: « شيخ مشايخ الاسلام، ملك العلماء الأعلام، الشيخ نور الدين علي الشبراملسي المكنى بأبي الضيا، كانرضي‌الله‌عنه على خلقٍ عظيم ونفع عميم، وكان في التواضع والأدب وعدم دعوى العلم على جانب عظيم، ولم يزل يطلب العلم على مشايخه ويحضر دروسهم حتى قال له الشيخ محمد الشوبري: إلى متى تطلب العلم على المشايخ وتحضر دروسهم، ألزمتك بالجلوس لإِقراء العلم في الدروس ونفع الطلبة. فامتثل كلامه وقرأ العلم وانتفع الناس به، وألَّف كتباً كثيرة

وكان إماماً في سائر العلوم الشرعية والعقلية من فقهٍ وحديثٍ وتفسيرٍ وأصولٍ ومعانٍ وبيانٍ ونحوٍ وصرفٍ وقراآت وغير ذلك من العلوم الدينية، وكان الغالب عليه علم الوهب اللّدني.

توفي يوم الخميس ثامن عشر شوال من شهور سنة ١٠٨٧، ودفن بتربة المجاورين، بجواز تربة الشيخ حسن الشرنبلاني ».

٣ - رضي الدين الشامي في ( تنضيد العقود السنية ) في حوادث السنة المذكورة: « وفي هذه السنة توفي العالم العلّامة شيخ الاسلام نور الدين بن علي الشبراملسي. كان رئيس العلماء ومقدّم الفضلاء، وانتهت إليه رياسة العلم بمصر وغيرها ».

كما ذكر اسمه في كتب الإِجازات والشيوخ بكل احترام وتبجيل مثل ( كفاية المتطلع ) و ( الإِمداد بمعرفة علوّ الإِسناد ) و ( رسالة الشيخ أحمد النخلي )

(١٢٠)

إثبات التاج السنبهلي

وقد أثبته الشيخ تاج الدين السنبهلي في رسالة له في ( الأشغال النقشبندية ) حيث ذكر شيوخه في الطريقة قائلاً:

٢٧٢

« وهذه الطريقة العلية النقشبندية أخذها الفقير الحقير الكامل في النقصان، والعاجز في معرفة الرحمن تاج الدين السنبهلي، عن مهدي الزمان الخواجا محمد الباقي، وهو أخذها عن المولى خواجكي أمكنكي وهو أخذها عن المولى درويش محمد، وهو عن المولى محمد الزاهد، وهو عن الغوث الأعظم الخواجا عبيد الله أحرار، وهو عن شيخ الشيوخ يعقوب الجرخي وهو عن الخواجا الكبير الخواجة بهاء الدين المعروف بنقشبند، وهو عن السيد أمير كلال، وهو عن الخواجا محمد بابا سهامي، وهو عن حضرة العزيزان الخواجا علي الرامتيني، وهو عن الخواجا محمود الخيرفعنوي، وهو عن الخواجا ريوكري وهو عن الخواجة عبد الخالق الغجدواني، وهو عن الشيخ يوسف بن يعقوب بن أيوب الهمداني، وهو عن أبي علي الفارمدي، وهو عن أبي الحسن الخرقاني.

والشيخ أبو علي له نسبة الخدمة [ الخرقة ] والصحبة والاستفاضة بالشيخ أبي القاسم الكركاني أيضاً، وحيث كان عند المحققين أن الشيوخ ثلاثة: شيخ الخرقة وشيخ الذكر وشيخ الصحبة. وشيخ الصحبة أتم وأكمل في الارتباط وهو الشيخ الحقيقي، لا جرم أوردنا نسبة الشيخ أبي القاسم الذي انتهى بها السلوك للشيخ أبي علي، وبين الشيخ أبي القاسم إلى الإِمام علي بن موسى الرضا ست وسائط: الشيخ أبو عثمان المغربي، وأبو علي الكاتب، وأبو علي الرودباري، وسيد الطائفة الجنيد البغدادي، والسري السقطي، ومعروف الكرخي،رضي‌الله‌عنه تعالى عنهم.

ولمعروف قدّس الله سرّه نسبة أخرى يتصل بها إلى داود الطائي عن حبيب العجمي، عن الحسن البصري قدس الله أسرارهم، وتمام نسبته إلى باب مدينة العلم معروف ومشهور.

وها أنا الآن أرجع إلى رأس الكلام فاعلم: أن الشيخ أبا الحسن الخرقاني أخذ عن روحانية أبي يزيد البسطامي، كنسبة أويس قدس الله سره من منبع الأنوار عليه أفضل الصلاة والسلام وأكمل التحيات، وهكذا نسبة سلطان

٢٧٣

العارفين إلى روحانية جعفر الصادق، والمعروف من خدمته وصحبته غير صحيح، والإِمام جعفر الصادق مع وجود أنوار وراثة آبائه الكرام يتصل لجدّه لأُمه القاسم ابن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، وهو من الفقهاء السبعة في التابعين، كان من أكملهم في علم الظاهر والباطن، وهو منسوب إلى سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه ، وسلمان مع تشرّفه بصحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ الطريقة عن الصدّيق رضي الله تعالى عنه، وهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والطريقة الأُخرى للامام جعفر أباً عن جدٍ إلى باب مدينة العلم معروفة ».

السنبهلي و رسالته:

ورسالة السنبهلي هذه من الرسائل المعتبرة لدى أهل السنة، قال شاه ولي الله والد ( الدهلوي ) في ( الانتباه في سلاسل أولياء الله ): « يقول كاتب الحروف: إن للشيخ تاج الدين السنبهلي خليفة حضرة الخواجا محمد باقي رسالة وجيزة في باب الأشغال النقشبندية، وكان والدي العظيم يمدحها جدّاً، وكان قد استنسخها بخطه عن نسخة لبعض أصحاب الشيخ تاج الدين، وكان يرشد الطالبين إلى العمل بها، ولقد قرأتها عنده بحثاً ودراية، وقد أحببت ذكرها هنا كاملة، وبالله التوفيق » ثم ذكر شاه ولي الله الرسالة بكاملها في كتابه.

ومن مفاخر السنبهلي - هذا - كونه من مشايخ شاه ولي الله في الطريقة، بل هو من مشايخ عبد الله بن سالم البصري الذي هو أحد المشايخ السبعة الذين يفتخر ولي الله الدهلوي باتصال سنده إليهم، ويثني عليهم غاية الثناء في ( الانتباه ).

٢٧٤

(١٢١)

رواية الكردي الكوراني

وقال إبراهيم بن حسن الكردي الكوراني الشهرزوري الشافعي في كتاب ( النبراس لكشف الإِلتباس الواقع في الأساس ) ما نصه:

« والصلاة والسلام على محمد النبي المختار لتبليغ الرسالة إلى الثقلين لاستيداء شكر نعمته، وعلى أخيه ووصيه وباب مدينة علمه المنزّل منزلة هارون إلّا النبوة و ولي عهده بعده في أمته.

أمّا أخوّته ففي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أخي في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأما أنه باب مدينة علمه ففي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، والترمذي والحاكم عن علي.

وأمّا أنّه منزَّل منزلة هارون ففي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، رواه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص، والامام أحمد والبزار عن أبي سعيد الخدري، والطبراني عن أسماء بنت عميس، وأم سلمة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة، وعلي، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم.

واحتج المؤلَّف بهذا الحديث على إمامة علي رضي الله تعالى عنه في الفصل الثالث من كتاب الإِمامة، وسيجيء الكلام عليه إنْ شاء الله تعالى، وإنه لا دلالة فيه على ما ذكروه ».

٢٧٥

ترجمته:

١ - المرادي: « إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشهراني الشافعي، نزيل المدينة المنورة، الشيخ الامام العالم العلّامة خاتمة المحققين عمدة المسندين، العارف بالله تعالى، صاحب المؤلَّفات العديدة، الصوفي النقشبندي المحقق المدقّق، الأثري المسند النسابة أبو الوقت برهان الدين، ولد في شوال سنة خمس وعشرين، وألف وطلب العلم بنفسه، ورحل إلى المدينة المنورة وتوطّنها وأخذ بها عن جماعة من صدور العلماء، واشتهر ذكره وعلا قدره، وهرعت إليه الطالبون من البلدان القاصية للأخذ والتلقّي عنه، ودرّس بالمسجد الشريف النبوي، وألَّف مؤلفاتٍ نافعة عديدة تنوف عن المائة، وكان جبلاً من جبال العلم، بحراً من بحور العرفان. توفي يوم الأربعاء بعد العصر ثامن عشري شهر ربيع الثاني سنة إحدى ومائة وألف، بمنزلة ظاهر المدينة المنورة، ودفن بالبقيعرحمه‌الله تعالى »(١) .

٢ - الشيخ أحمد النخلي في ( رسالته في الأسانيد ) في ذكر شيوخه: « ومنهم العالم العلّامة الحبر الهمام، من حكت أفكاره في صحة الاستنباط المتقدمين في جميع الفنون، فكانت مصنفاته جديرة بأن تكتب بماء العيون، وأن يبذل في تحصيلها المال والأهل والبنون: الشيخ برهان الدين أبو الفضائل إبراهيم بن حسن الكردي الكوراني الشافعي الصوفي، نزيل المدينة المشرفة وعالمها، نفعنا الله تعالى به والمسلمين، ورحمه رحمة واسعة في الدنيا والآخرة. آمين »(٢) .

٣ - سالم البصري في ( الإِمداد بمعرفة علوّ الاسناد ) في ذكر مشايخ والده قائلاً: « ومنهم: العلّامة المحقق إبراهيم بن حسن الكوراني المدني ».

٤ - فخر الدين الاورنقابادي لدى النقل عنه « قال زبدة المحدثين عمدة المحققين، مشيّد قواعد الطريقة، الجامع بين الشريعة والحقيقة، سالك الصراط

____________________

(١). سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ١ / ٥.

(٢). بغية الطالبين: ٤٥.

٢٧٦

المستقيم، الشيخ إبراهيم الكردي، شيخ شيخ صاحب المقامات العلية والكرامات الجلية الشيخ ولي الله المحدِّث، سلمه الله تعالى وأبقاه، في فن الحديث ».

٥ - المولوي حسن زمان في كتابه ( فخر الحسن ): « والكردي هذا كان آية من آيات الله تعالى في الأصلين والفروع الفقهية وعلوم الصوفيّة، وكان في عصره إليه النظر والإِشارة في أقطار الأرض كلّها في سائر ما ذكر، وكانت ترد عليه المسائل من الخافقين فيجيب عنها ويجعلها رسائل، وله في جميع هذه الفنون تحرير كثير عديم النظير تعرف منها براعة علمه وغزارة فضله »

هذا، والكردي من مشايخ شاه ولي الله الدهلوي، وهذا نص كلامه في ( الارشاد إلى مهمات الاسناد ): « فصل - قد اتصل سندي والحمد لله بسبعة من المشايخ الجلّة الكرام، الأئمة القادة الأعلام، من المشهورين بالحرمين المحترمين، المجمع على فضلهم من بين الخافقين: الشيخ محمد بن العلاء البابلي، والشيخ عيسى المغربي الجعفري، والشيخ محمد بن محمد بن سليمان الرداني المغربي، والشيخ إبراهيم بن الحسن الكردي المدني، والشيخ حسن بن علي العجيمي المكي، والشيخ أحمد بن محمد النخلي المكي، والشيخ عبد الله بن سالم البصري ثم المكي، ولكل واحد منهم رسالة جمع هو فيها أو جمع له فيها أسانيده المتنوعة في علوم شتى ».

والجدير بالذكر: إن ( الدهلوي ) قد استند إلى كلام للكردي - هذا - في كتابه ( التحفة ) في الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) الآية.

فاستدلاله بكلامه هناك وإعراضه عن كلامه هنا بالنسبة إلى حديث مدينة العلم عجيب.

٢٧٧

(١٢٢)

إثبات الكردي البصري

ولقد أثبت الشيخ إسماعيل بن سليمان الكردي البصري حديث مدينة العلم جازماً به، في كتابه ( جلاء النظر في دفع شبهات ابن حجر ) بصدد إبطال نسبة ابن تيمية الناصب العنيد الخطأ إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذا نص عبارته بعد كلامه له:

« وإيّاك والاغترار بظواهر الآثار والأحوال من التزيّى بزي آثار الفقر، كلبس المرقعات وحمل العكاز وغير ذلك، لأنها ليست نافعة لمن اتصف بها وهو ليس على شيء من المعرفة بالله، بل قد يكون المتّصف بها صاحب انتقاد على المشايخ بنظره إلى نفسه، حيث أنه يرى حقيقة الأمر عنده دون غيره، وكثير من أهل هذا الشأن هلكوا في أودية الحيرة، لأنهم اعتراهم الجهل المركّب فلا يدرون ولا يدرون أنهم لا يدرون، كابن تيمية، وابن المقري، والسعد التفتازاني، وابن حجر العسقلاني وغيرهم، فإن اعتراضهم على معاصريهم وعلى من سبق من الموتى دال على حصرهم طريق الحق عندهم لا غير.

وقد زاد ابن تيمية بأشياء، ومن جملتها ما ذكره الفقيه ابن حجر الهيتميرحمه‌الله في فتاواه الحديثية عن بعض أجلاء عصره: إنه سمعه يقول - وهو على منبر جامع الجبل بالصالحية - أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه له غلطات، وأيّ غلطات، وأن سيدنا عليرضي‌الله‌عنه أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان، فيا ليت شعري من أن يحصل لك الصواب إذ أخطأ عمر وعلي رضي الله عنهما بزعمك؟

أما سمعت قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق سيدنا عليرضي‌الله‌عنه : أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ ».

٢٧٨

(١٢٣)

رواية الزرقاني المالكي

وقال محمد بن عبد الباقي بن يوسف الأزهري الزرقاني المالكي، بشرح أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« مدينة العلم. كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه الترمذي والحاكم وصحّحه وغيرهما عن علي، والحاكم أيضاً والطبراني وأبو الشيخ وغيرهم عن ابن عباس. والصّواب أنه حديث حسن كما قاله الحفاظان العلائي وابن حجر، لا موضوع كما زعم ابن الجوزي، ولا صحيح كما قال الحاكم، لكن في المحدّثين من يسمي الحسن صحيحاً »(١) .

ترجمته:

ترجم له المرادي قائلاً « محمد الزرقاني ابن عبد الباقي بن يوسف الأزهري المالكي الشهير بالزرقاني، الامام المحدِّث والناسك النحرير الفقيه العلّامة، أخذ عن والده وعن النور علي الشبراملسي، وعن الشيخ محمد البابلي وغيرهم، وله من المؤلّفات: شرح على الموطأ، وشرح على المواهب وغير ذلك. وأخذ عن الشيخ محمد بن خليل العجلوني الدمشقي، والجمال عبد الله الشبراويّ. وكانت وفاته سنة ١١٢٢ رحمه ‌الله تعالى »(٢) .

____________________

(١). شرح المواهب اللدنية ٣ / ١٤٣.

(٢). سلك الدرر ٤ / ٣٢ - ٣٣.

٢٧٩

شرح المواهب

قال في ( كشف الظنون ): « وشرح المواهب المولى العلامة خاتمة المحدّثين محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري المالكي المتوفى سنة ١١٢٢، شرحا حافلا في أربعة مجلّدات، جمع فيه أكثر الأحاديث المرويّة في شمائل المصطفى صلّى الله تعالى عليه وسلّم وسيره وصفاته الشريفة، جزاه الله خيرا ورحمه رحمة واسعة »(١) .

وقد ذكره زيني دحلان في مصادر ( سيرته ) ونصّ على أن « هذه الكتب هي أصح الكتب المؤلَّفة في هذا الشأن ».

كما أشار مؤلفه الزرقاني في صدر الكتاب باعتباره

(١٢٤)

إثبات سالم البصري

وقال سالم بن عبد الله بن سالم البصري الشافعي في ( الامداد بمعرفة علوّ الاسناد ):

« وأمّا سلسلة الطريقة النقشبندية فقد أخذها الشيخ الوالد حفظه الله تعالى عن شيخه عبد الله باقشير، وهو أخذها عن الشيخ العارف تاج الدين العثماني النقشبندي وهو عن الخواجا محمد باقي » إلى آخر ما تقدم في الوجه (١٢٠).

ترجمته:

والشيخ سالم بن عبد الله البصري من مشايخ إجازات كبار العلماء،

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٨٩٦.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428