نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 428

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 428 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 353208 / تحميل: 7357
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

- وكرهه ابن عمر والحسن البصري والزهري ومالك وأبو حنيفة(١) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يفعله ، فلا يجوز فعله ؛ لقولهعليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٢) .

ولأنّها فريضة ذات عدد ، فلا تجوز الزيادة عليه ، كالصلاة.

ولأنّ الكاظمعليه‌السلام سُئل عن الرجل يطوف يُقرن بين اُسبوعين ، فقال : « لا تقرن بين اُسبوعين ، كلّما طَفْتَ أسبوعاً فصلّ ركعتين »(٣) .

وقال عطاء وطاوُس وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق : لا بأس به ؛ لأنّ عائشة فَعَلته(٤) .

ولا حجّة فيه. ويحتمل أن يكون قد فَعَلَتْه في الندب.

إذا عرفت هذا ، فيجوز القران بين الطوافين في النافلة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين والطوافين في الفريضة ، فأمّا في النافلة فلا »(٥) .

وإذا جمع بين طوافين ، استحبّ أن ينصرف على وتر ، فلا ينصرف على اُسبوعين ولا على أربعة ولا على ستّة وهكذا ، بل على خمسة أو ثلاثة(٦) وهكذا ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام كان يكره أن ينصرف في الطواف إلّا على‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٨٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٥٠.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٨ - ٤١٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٥ / ٣٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ - ٢٢١ / ٧٥٩.

(٤) المغني ٣ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥.

(٥) الكافي ٤ : ٤١٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١١٥ / ٣٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٧ ، وفيها : « فلا بأس».

(٦) كذا ، والأنسب : بل على ثلاثة أو خمسة.

١٢١

وتر من طوافه(١) .

مسألة ٤٨٤ : لو شكّ هل طاف سبعة أو ثمانية ، قطع ولا شي‌ء عليه ؛ لأنّه يتيقّن حصول السبع.

ولأنّ الحلبي سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أو ثمانية ، فقال : « أمّا السبع فقد استيقن ، وإنّما وقع وهمه على الثامن فليصلّ ركعتين »(٢) .

ولو شكّ فلم يدر ستّة طاف أو سبعة أو ثمانية ، فإن كان طواف الفريضة ، أعاد ؛ لأنّه لم يتيقّن حصول السبعة.

ولو طاف أقلّ من سبعة ناسياً ، عاد ، وتمّم طوافه إن كان قد طاف أربعة أشواط ، وإن كان قد طاف دونها ، أعاد من أوّله.

ولو لم يذكر حتى رجع إلى أهله ، أمر مَنْ يطوف عنه سبعة أشواط إن كان قد طاف أقلّ من أربعة ، وإن كان قد طاف أربعة ، تمّمه.

وكذا لو أحدث في طواف الفريضة ، فإن كان قد جاوز النصف ، تطهّر وبنى ، وإن لم يبلغه ، استأنف.

ولو طاف وعلى ثوبه نجاسة عامداً ، أعاد ، ولو كان ناسياً وذكر في أثناء الطواف ، قَطَعه وأزال النجاسة أو نزع الثوب وتمّم طوافه ، ولو لم يذكر حتى فرغ منه ، نزع الثوب أو غسله وصلّى الركعتين ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف ، قال : « ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتمّ طوافه »(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١١٦ / ٣٧٧.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٤ / ٣٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٥.

١٢٢

تذنيب : ولو تحلّل من إحرام العمرة ثم أحرم بالحجّ وطاف وسعى له‌ ثم ذكر أنّه طاف مُحدثاً أحد الطوافين ولم يعلم هل هو طواف عمرة التمتّع أو طواف الحجّ ، قيل : يطوف للحجّ ويسعى له ثم يعتمر بعد ذلك عمرةً مفردة ، ويصير حجّة مفردة ؛ لاحتمال أن يكون في طواف العمرة فيبطل وقد فات وقتها ، وأن يكون للحجّ ، فيعيد ، فلهذا أوجبنا عليه إعادة طواف الحجّ وسعيه والإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ ؛ لبطلان متعته ، قاله بعض العامّة.

والوجه : أنّه يعيد الطوافين ؛ لأنّ العمرة لا تبطل بفوات الطواف.

مسألة ٤٨٥ : المريض لا يسقط عنه الطواف ، فإن تمكّن من الطواف بطهارة ، طيف به إذا لم يتمكّن من المشي أو الركوب ، وإن لم يتمكّن ، انتظر به يوم أو يومان وأزيد مع السعة ، فإن برأ ، طاف بنفسه ، وإلّا طيف عنه ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام طيف به في محمل وهو شديد المرض(١) .

وسأل إسحاقُ بن عمّار - في الصحيح - الكاظمعليه‌السلام : عن المريض يطاف عنه بالكعبة ، قال : « لا ، ولكن يطاف به »(٢) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المريض المغلوب والمغمى عليه يُرمى عنه ويُطاف به»(٣) .

ولقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما»(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٢٢ / ٣٩٨.

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٣ / ٣٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٥ / ٧٧٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٣ / ٤٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٥ / ٧٧٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٢ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٤ / ٤٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٦ / ٧٨٠.

١٢٣

وهذا محمول على أنّ الكسير لا يستمسك الطهارة ، ولو كان يستمسك ، طيف به ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « الكسير يُحمل فيطاف به ، والمبطون يُرمى ويُطاف عنه ويُصلّى عنه »(١) .

ولو مرض في الأثناء ، فإن تمكّن من الإتمام ، أتمّه ، وإلّا انتظر إلى البرء ثم يُتمّه إن كان قد تجاوز النصف ، وإلّا استأنف. هذا مع سعة الوقت ، فإن ضاق ، طيف به.

مسألة ٤٨٦ : لو حمل مُحرمٌ مُحْرماً وطاف به ونوى كلّ واحد منهما الطواف ، أجزأ عنهما‌ - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لحصول الطواف من كلّ واحد منهما.

ولأنّ حفص بن البختري سأل الصادقَعليه‌السلام : في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به هل يجزئ ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال : « نعم »(٣) .

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّه يجزئ عن المحمول. والثاني : أنّه يجزئ عن الحامل دون المحمول؛ لأنّه فعل واحد ، فإذا وقع عن الحامل لم يقع عن المحمول ؛ لأنّ الفعل الواحد لا يقع عن اثنين(٤) .

ونمنع اتّحاد الفعل ؛ لأنّ اختلاف السبب وتغاير الأمكنة ثابت في حقّ كلّ واحد منهما ، لكن لأحدهما بالذات وليس شرطاً ؛ لأنّه وافقنا على جواز‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٥ / ٤٠٩.

(٢) المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المجموع ٨ : ٢٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ١٢٥ / ٤١١.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٩ ، المجموع ٨ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٢ - ١٥٣ ، المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٦.

١٢٤

الركوب(١) .

وينتقض بالواقف بعرفة إذا حمل غيره ؛ فإنّه وافقنا على تجويزه(٢) .

مسألة ٤٨٧ : يجوز الكلام بالمباح في الطواف إجماعاً ؛ لما رواه العامّة من قولهعليه‌السلام : (الطواف بالبيت صلاة إلّا أنّكم تتكلّمون فيه )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية علي بن يقطين - في الصحيح - عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن الكلام في الطواف وإنشاد الشعر والضحك في الفريضة أو غير الفريضة أيستقيم ذلك؟ قال : « لا بأس به »(٤) .

ويستحب قراءة القرآن في الطواف ولا يكره عند علمائنا - وبه قال عطاء ومجاهد والثوري وابن المبارك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٥) - لما رواه العامّة أنّ عائشة روت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول في طوافه :( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) (٦) (٧) وهو من القرآن.

ومن طريق الخاصّة : قول الجوادعليه‌السلام : « وطواف الفريضة لا ينبغي أن تتكلّم فيه إلّا بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن »(٨) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٥١ ، فتح العزيز ٧ : ٣١٥ ، المجموع ٨ : ٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المغني ٣ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٤.

(٢) لم نجده في مظانّه.

(٣) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ نقلاً عن الترمذي والأثرم ، وفي سنن الترمذي ٣ : ٢٩٣ / ٩٦٠ بتفاوت.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤١٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٧ / ٧٨٤.

(٥) المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٢ ، المجموع ٨ : ٤٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٤٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣١.

(٦) البقرة : ٢٠١.

(٧) المغني ٣ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠١.

(٨) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٧ / ٧٨٥.

١٢٥

وقال مالك : إنّها مكروهة. وهو مروي عن عروة والحسن(١) .

وعن أحمد روايتان(٢) .

ويستحب الدعاء في أثناء الطواف والإكثار من ذكر الله تعالى.

ويجوز له الشرب في الطواف ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرب في الطواف(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام : هل نشرب ونحن في الطواف؟ قال : « نعم »(٤) .

تذنيب : قال الشيخ في الخلاف : الأفضل أن يقال : طواف وطوافان وثلاثة أطواف ، وإن قال : شوطاً وشوطين وثلاثة أشواط ، جاز. وقال الشافعي : أكره ذكر الشوط. وبه قال مجاهد(٥) .

مسألة ٤٨٨ : لا يجوز الطواف وعلى الطائف بُرْطُلَّة(٦) في طواف العمرة ؛ لاشتماله على تغطية الرأس وهو مُحْرم ، أمّا في طواف الحجّ فإنّه مكروه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تطوفنّ بالبيت وعليك بُرْطُلَّة »(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام ليزيد بن خليفة : « قد رأيتك تطوف حول الكعبة‌

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤٣ ، المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠١.

(٢) المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠١.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٤٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٥ ، التهذيب ٥ : ١٣٥ / ٤٤٤.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٢٢ ، المسألة ١٢٨ ، وانظر : الاُم ٢ : ١٧٦ ، والمجموع ٨ : ٤١ و ٥٥ ، والمنتقى - للباجي - ٢ : ٢٨٥.

(٦) البُرْطُلَّة : قلنسوة. لسان العرب ١١ : ٥١. « برطل ».

(٧) الكافي ٤ : ٤٢٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٤ / ٤٤٢.

١٢٦

وعليك بُرْطُلَّة ، لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زيّ اليهود »(١) .

والشيخ -رحمه‌الله - أطلق المنع(٢) ، والتفصيل الذي ذكرناه أجود.

مسألة ٤٨٩ : مَنْ نذر أن يطوف على أربع ، قال : الشيخرحمه‌الله : يجب عليه طوافان : اُسبوع ليديه ، واُسبوع لرجليه(٣) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع ، قال : تطوف اُسبوعاً ليديها واُسبوعاً لرجليها »(٤) .

وفي الطريق ضعف.

وقال ابن إدريس : يبطل النذر ؛ لأنّه غير مشروع ، فلا ينعقد(٥) . وهو حسن.

مسألة ٤٩٠ : طواف الحجّ ركن فيه ، وهو واجب بالإجماع.

قال الله تعالى :( وَلْيَطَّوَّفُوا ) (٦) .

قال ابن عبد البرّ : أجمع العلماء على أنّ هذه الآية فيه(٧) .

وما رواه العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عن صفيّة لمـّا حاضت : ( أحابستنا هي؟ ) قالوا : يا رسول الله إنّها قد أفاضت يوم النحر ، قال : ( اخرجوا )(٨) فدلّ على وجوب الطواف ، وأنّه حابس لمن لم يأت به.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « على المتمتّع بالعمرة إلى‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٣٤ / ٤٤٣.

(٢) النهاية : ٢٤٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٩.

(٣) النهاية : ٢٤٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٦٠ ، التهذيب ٥ : ١٣٥ ذيل الحديث ٤٤٥.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٥ / ٤٤٦ ، والكافي ٤ : ٤٣٠ / ١٨.

(٥) السرائر : ١٣٥.

(٦) الحجّ : ٢٩.

(٧ و ٨ ) المغني ٣ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٥.

١٢٧

الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة »(١) .

ولأنّه أحد النسكين ، فكان الطواف فيه ركناً ، كالعمرة.

إذا عرفت هذا ، فإن أخلّ به عامداً ، بطل حجّه ، وإن أخلّ به ناسياً ، وجب عليه أن يعود ويقضيه ، فإن لم يتمكّن ، استناب فيه.

وقال الشافعي : إن كان قد طاف طواف الوداع ، أجزأ عنه ، وإلّا وجب عليه الرجوع ، ولا تحلّ له النساء حتى يطوفه وإن طال زمانه وخرج وقته(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلو نسي طواف النساء ، لم تحلّ له النساء حتى يزور البيت ويأتي به ، ويجوز له أن يستنيب فيه ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت » وقال : « يأمر أن يقضى عنه إن لم يحجّ ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره »(٣) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٥ ( باب ما على المتمتّع من الطواف ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٣٥ / ١٠٤.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٨١ - ٣٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٢ ، المجموع ٨ : ٢٢٠.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٩.

١٢٨

١٢٩

الفصل الرابع

في السعي والتقصير‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في مقدّماته ، وهي عشرة(١) كلّها مندوبة :

الأوّل : الطهارة ، وهي مستحبّة في السعي غير واجبة ، عند علمائنا - وهو قول عامّة العلماء(٢) - للأصل.

ولما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعائشة حين حاضت : ( اقضي ما يقضي الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت )(٣) .

وعن عائشة واُمّ سلمة قالتا : إذا طافت المرأة بالبيت وصلّت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّا الطواف ، فإنّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل »(٥) .

الثاني : استلام الحجر الأسود قبل السعي‌ إذا صلّى ركعتي الطواف‌

____________________

(١) عدّد المصنّف –قدس‌سره - منها هنا ستّة اُمور.

(٢) المغني ٣ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٠ - ٤٢١.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٨١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٣ / ١١٩ ، سنن النسائي ١ : ١٨٠ ، مسند أحمد ٦ : ٣٩ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١.

(٤) المغني ٣ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١ نقلاً عن الأثرم.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٤ / ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ / ٨٤١.

١٣٠

إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَل ذلك(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبِّلْه واستلمه أو(٢) أشر إليه فإنّه لا بدّ من ذلك »(٣) .

الثالث : الشرب من ماء زمزم وصبّ الماء على الجسد من الدلو المقابل للحجر الأسود ، والدعاء ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا فرغ الرجل من طوافه وصلّى ركعتين فليأت زمزم فيستقي منه ذَنُوباً أو ذنوبين فليشرب منه وليصبّ على رأسه وظهره وبطنه ، ويقول حين يشرب : اللهم اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كلّ داء وسقم ، ثم يعود إلى الحجر الأسود »(٤) .

وعن الصادق والكاظمعليهما‌السلام - في الصحيح - : « وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر »(٥) .

الرابع : الخروج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود بالسكينة والوقار‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

روى الشيخ - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : « ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي ، وعليك السكينة والوقار »(٦) .

الخامس : الصعود على الصفا إجماعاً ، إلّا مَنْ شذّ ذهب إلى وجوبه ؛

____________________

(١) سنن النسائي ٥ : ٢٢٨ - ٢٢٩.

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : و. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ / ٤٧٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٣٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ / ٤٧٧.

(٥) التهذيب ٥ : ١٤٥ / ٤٧٨.

(٦) التهذيب ٥ : ١٤٦ / ٤٨١.

١٣١

فإنّه لا يصحّ السعي حتى يصعد إلى الصفا والمروة بقدر ما يستوفي السعي بينهما ؛ لأنّه لا يمكنه استيفاء ما بينهما إلّا بذلك ، فيجب كوجوب غسل جزء من الرأس وصيام جزء من الليل(١) .

وهو خطأ ؛ لأنّه يمكنه الاستيفاء بأن يجعل عقبه ملاصقاً للصفا وأصابع رجليه ملاصقةً للمروة وبالعكس في الرجوع.

واستحبابه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « فاصعد الصفا حتى تنظر إلى البيت ، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فاحمد الله وأثن عليه »(٢) الحديث.

السادس : حمد الله على الصفا والثناء عليه واستقبال الكعبة ورفع يديه والدعاء وإطالة الوقوف على الصفا‌ ، لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « واحمد الله وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك »(٣) الحديث.

قال الصادقعليه‌السلام : « وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسّلاً »(٤) .

وعن علي بن النعمان - رفعه - قال : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم يقول »(٥) وذكر الدعاء.

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا »(٦) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٥ ، المجموع ٨ : ٦٤ - ٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٦.

(٢ و ٣ ) الكافي ٤ : ٤٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٦ / ٤٨١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٣٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٦ / ٤٨١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٣٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٤٧ / ٤٨٢.

(٦) التهذيب ٥ : ١٤٧ / ٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ / ٨٢٧.

١٣٢

ولو لم يتمكّن من إطالة الوقوف والدعاء بالمنقول ، دعا بما تيسّر.

قال بعض أصحابنا : كنت في قفاء الكاظمعليه‌السلام على الصفا أو على المروة وهو لا يزيد على حرفين : « اللّهم إنّي أسألك حسن الظنّ بك على كلّ حال ، وصدق النيّة في التوكّل عليك »(١) .

البحث الثاني : في الكيفية.

مسألة ٤٩١ : يجب في السعي النيّة ؛ لأنّه عبادة‌ وقد قال الله تعالى :( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٢) .

ولقولهعليه‌السلام : ( لا عمل إلّا بنيّة )(٣) .

وهي شرط فيه يبطل السعي بالإخلال بها عمداً وسهواً.

ويجب فيها تعيين الفعل وأنّه سعي عمرة متمتّع بها أو مفردة أو سعي الحجّ الواجب أو الندب ، حجّة الإسلام أو غيرها ، والتقرّب إلى الله تعالى.

مسألة ٤٩٢ : يجب فيه الترتيب بأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة‌ إجماعاً - إلّا من أبي حنيفة(٤) - لما رواه العامّة عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وبدأ بالصفا ، وقال : ( ابدؤوا بما بدأ الله تعالى به )(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٣ / ٩ ، التهذيب ٥ : ١٤٨ / ٤٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ / ٨٢٨.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٧ ، المجموع ٨ : ٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٦.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٨ ، وبتفاوت يسير في صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢١٦ / ٨٦٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، وسنن الدار قطني ٣ : ٢٥٤ / ٨١ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٩٣.

١٣٣

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين فرغ من طوافه وركعتيه قال : ابدؤوا بما بدأ الله به ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول :( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) (١) »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « تبدأ بالصفا وتختم بالمروة »(٣) .

مسألة ٤٩٣ : يجب أن يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط‌ يحتسب ذهابه من الصفا إلى المروة شوطاً وعوده من المروة إلى الصفا آخر ، هكذا سبع مرّات ، عند علمائنا أجمع - وهو قول عامّة العلماء(٤) - لما رواه العامّة عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبّت(٥) قدماه رمل في بان الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، فلمـّا كان آخر طوافه على المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، فلمـّا كان آخر طوافه على المروة قال : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة )(٦) وهذا يقتضي أنّه آخر طوافه.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الشيخ : « طُفْ بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة»(٧) .

وقال أبو بكر الصيرفي من الشافعية : يحتسب سعيه من الصفا إلى‌

____________________

(١) البقرة : ١٥٨.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤٥ / ٤٨١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٤ - ٤٣٥ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١٤٨ / ٤٨٧.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٩ ، المجموع ٨ : ٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٧.

(٥) أي : انحدرت. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٣ « نصب ».

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦.

(٧) التهذيب ٥ : ١٤٨ / ٤٨٧.

١٣٤

المروة ومنها إلى الصفا شوطاً واحداً(١) .

مسألة ٤٩٤ : يجب السعي بين الصفا والمروة في المسافة التي بينهما ، فلا يجوز الإخلال بشي‌ء منها ، بل يلصق عقبه بالصفا في الابتداء وأصابع رجليه به في العود وبالعكس في المروة. ولا تحلّ له النساء حتى يكمله.

ولا يجب الصعود على الصفا ولا المروة - خلافاً لبعض الشافعية ، وقد تقدّم(٢) - لقوله تعالى :( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) (٣) .

قال المفسّرون : أراد بينهما. وهو يصدق وإن لم يصعد عليهما.

ويستحب له أن يسعى ماشياً ، ويجوز الركوب إجماعاً.

ولما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طاف راكباً بالبيت وبالصفا والمروة(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي - الحسنة - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن السعي بين الصفا والمروة على الدابّة ، قال : « نعم وعلى المحمل »(٥) .

وقال معاوية بن عمّار : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكباً ، قال : « لا بأس والمشي أفضل »(٦) .

مسألة ٤٩٥ : يستحب أن يمشي من الصفا إلى المنارة ، وأن يُهرول ما بين المنارة وزقاق العطّارين ثم يمشي من زقاق العطّارين إلى المروة ، ولو‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٧ ، المجموع ٨ : ٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٦.

(٢) تقدّم في الأمر الخامس من مندوبات السعي في ص ١٣٠.

(٣) البقرة : ١٥٨.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٧٦ - ١٧٧ / ١٨٧٩ و ١٨٨٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٠.

(٥) الكافي ٤ : ٤٣٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٥٥ / ٥١١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٣٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٥٥ / ٥١٢.

١٣٥

كان راكباً ، حرّك دابّته في موضع الهرولة إجماعاً.

روى العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سعى بين الصفا والمروة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ثم انحدر ماشياً وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة ، وهي طرف المسعى ، واسع ملأ فروجك وقُلْ : بسم الله الله أكبر وصلّى الله على محمد وآله ، وقُلْ : اللّهم اغفر وارحم واعْفُ عمّا تعلم وأنت الأعزّ الأكرم ، حتى تبلغ المنارة الاُخرى ، وكان المسعى أوسع ممّا هو اليوم ، ولكنّ الناس ضيّقوه ، ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة »(٢) الحديث.

ولأنّ موضع الرمل من وادي محسّر ، فاستحبّ قطعه بالهرولة ، كما يستحب قطع وادي محسّر. ويستحب الدعاء حالة السعي.

ولو ترك الرمل ، لم يكن عليه شي‌ء إجماعاً.

روى العامّة عن ابن عمر ، قال : إن أسْعَ بين الصفا والمروة فقد رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسعى ، وإن أمْشِ فقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي وأنا شيخ كبير(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول سعيد الأعرج : سألتُ الصادقَعليه‌السلام : عن رجل ترك شيئاً من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة ، قال : « لا شي‌ء عليه »(٤) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١٧ / ٨٦٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٥ / ٨٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٩٨.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤٨ / ٤٨٧.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٩٥ / ٢٩٨٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٩٩ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ١٨٢ / ١٩٠٤ بتقديم وتأخير.

(٤) الكافي ٤ : ٤٣٦ / ٩ ، التهذيب ٥ : ١٥٠ - ١٥١ / ٤٩٤.

١٣٦

وليس على النساء رمل ولا صعود على الصفا والمروة ؛ لأنّ ترك ذلك أستر.

ولو نسي الرجل الرمل حتى يجوز موضعه ثم ذكر ، فليرجع القهقرى إلى المكان الذي يرمل فيه.

البحث الثالث : في الأحكام.

مسألة ٤٩٦ : السعي واجب وركن من أركان الحجّ والعمرة‌ يبطلان بالإخلال به عمداً ، عند علمائنا أجمع - وبه قال عروة ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحسن(٣) بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا قال : سُئل أبو عبد اللهعليه‌السلام : عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنّة؟ فقال : « فريضة »(٤) .

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام : في رجل ترك السعي متعمّداً ، قال : « لا حجّ له »(٥) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤١٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٥ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ١ : ٤٨ ، تفسير القرطبي ٢ : ١٨٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٠.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢٥٥ / ٨٦.

(٣) في التهذيب : الحسين.

(٤) الكافي ٤ : ٤٣٥ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٤٩ / ٤٩٠.

(٥) الكافي ٤ : ٤٣٦ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ١٥٠ / ٤٩١ ، وفيهما : « عليه الحجّ من قابل » بدل « لا حجّ له ».

١٣٧

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : إنّه مستحب لا يجب بتركه دم. وهو مروي عن ابن الزبير وابن سيرين(١) .

وقال أبو حنيفة : هو واجب وليس بركن إذا تركه وجب عليه دم - وهو مذهب الحسن البصري والثوري - لقوله تعالى :( فَلا جُناحَ ) (٢) ورفع الجناح دليل عدم وجوبه(٣) .

وهو غلط ؛ فإنّ رفع الجناح لا يستلزم عدم الوجوب.

ولو ترك السعي ناسياً ، أعاده لا غير ، ولا شي‌ء عليه ، فإن كان قد خرج من مكّة ، عاد للسعي ، فإن لم يتمكّن ، أمر مَنْ يسعى عنه ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام : رجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : « يعيد السعي » قلت : فإنّه خرج ، قال : « يرجع فيعيد السعي إنّ هذا ليس كرمي الجمار ، الرمي سنّة والسعي بين الصفا والمروة فريضة »(٤) .

وسأل زيد الشحّام الصادقعليه‌السلام : عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله ، فقال : « يطاف عنه »(٥) .

مسألة ٤٩٧ : قد سبق(٦) وجوب ترتيب السعي بأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة‌ ، فلو عكس فبدأ بالمروة وختم بالصفا ، أعاد السعي ؛ لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف.

____________________

(١) المغني ٣ : ٤١٠ ، المجموع ٨ : ٧٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٥.

(٢) البقرة : ١٥٨.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٠ ، المغني ٣ : ٤١٠ و ٤١١ ، المجموع ٨ : ٧٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ١٨٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٠ / ٤٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ / ٨٢٩.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٠ / ٤٩٣.

(٦) سبق في المسألة : ٤٩٢.

١٣٨

وما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة »(١) .

إذا عرفت هذا ، فلو طاف سبعة أشواط وشكّ فيما بدأ به ، فإن كان في آخر السابع على الصفا ، أعاد السعي من أوّله ؛ لأنّه يكون قد بدأ من المروة.

وقالت العامّة : يسقط الشوط الأوّل ، ويبني على أنّه بدأ من الصفا ، فيضيف إليه آخر(٢) .

وهو غلط ؛ لما بيّنّا من الأخبار الدالّة على وجوب البدأة بالصفا ، والإعادة على مَنْ بدأ بالمروة.

وكذا لو تيقّن عدد الأشواط فيما دون السبعة وشكّ في المبدأ ، فإن كان في المزدوج على الصفا ، صحّ سعيه ؛ لأنّه يكون قد بدأ به ، وإن كان على المروة ، أعاد ، وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض.

مسألة ٤٩٨ : لو سعى أقلّ من سبعة أشواط ولو خطوةً ، وجب عليه الإتيان بها ، ولا يحلّ له ما يحرم على المـُحْرم قبل الإتيان به ، فإن رجع إلى بلده ، وجب عليه العود مع المكنة وإتمام السعي ؛ لأنّ الموالاة لا تجب فيه إجماعاً.

ولو لم يذكر حتى واقع أهله أو قصّر أو قلّم ، كان عليه دم بقرة وإتمام السعي ؛ لما رواه سعيد بن يسار ، قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : رجل متمتّع سعى بين الصفا والمروة ستّة أشواط ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنّه‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٥.

(٢) المغني ٣ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٠ ، المجموع ٨ : ٧٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٠.

١٣٩

قد فرغ منه وقلّم أظافيره وأحلّ ثم ذكر أنّه سعى ستّة أشواط ، فقال لي : « يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط؟ فإن كان يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط فليعد وليُتمّ شوطاً وليُرق دماً » فقلت : دم ما ذا؟ قال : « بقرة » قال : « وإن لم يكن حفظ أنّه سعى ستّة أشواط فليبتدئ السعي حتى يُكمله سبعة أشواط ثم ليُرق [ دم ](١) بقرة »(٢) .

ولو لم يُحصّل عدد الأشواط ، استأنف السعي.

مسألة ٤٩٩ : لا يجوز الزيادة على سبعة أشواط ، فإن زاد عمداً ، استأنف السعي ، وإن كان سهواً ، طرح الزيادة واعتدّ بالسبعة ، وإن شاء أكمل أربعة عشر شوطاً ؛ لأنّها عبادة ذات عدد ، فأبطلتها الزيادة عمداً ، كالصلاة والطواف.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذلك السعي »(٣) .

ويدلّ على طرح الزيادة مع السهو : قول الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال : « إن كان خطأً طرح واحداً واعتدّ بسبعة »(٤) .

وعلى جواز إتمام أربعة عشر شوطاً : قول أحدهماعليهما‌السلام - في الصحيح - : « وكذلك إذا استيقن أنّه سعى ثمانية أضاف إليها ستّة »(٥) .

مسألة ٥٠٠ : يجوز أن يجلس الإنسان في أثناء السعي للاستراحة‌

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٣ / ٥٠٤.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٩ / ٨٣١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٣٦ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٥٢ / ٤٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ / ٨٣٢.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٢ - ١٥٣ / ٥٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٠ / ٨٣٥.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فاس من أرض المغرب، وأخذ العلم بها، واتسعت معرفته وكملت فضيلته، ورحل إلى الحرمين ومصر والشام وكان واسع الفضل، له مشاركة تامة في سائر العلوم ».

٤ - صديق حسن خان القنوجي بنحو ما تقدم(١) .

والجدير بالذكر أن الشهاب أحمد المقري من شيوخ مشايخ والد ( الدهلوي ) الذين حمد الله باتصال سنده إليهم، ووصفهم « بالمشايخ الأجلة الكرام والأئمة القادة الأعلام، والمشاهير بالحرمين المحترمين، والمجمع على فضلهم من بين الخافقين ».

(١١١)

رواية ابن باكثير المكي

ورواه أحمد بن الفضل بن محمد باكثير المكي الشافعي حيث قال: « وعنه - أي عن عليرضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه. أخرجه أبو عمرو »(٢) .

ترجمته:

وذكرنا ترجمة ابن باكثير واعتبار كتابه المذكور في مجلد ( حديث الولاية ) ومن مصادر ترجمته: ( خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١ ).

____________________

(١). التاج المكلل: ٣٢٤.

(٢). وسيلة المآل في مناقب الآل - مخطوط.

٢٦١

(١١٢)

رواية الشيخاني القادري

ورواه محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري حيث قال: « روى الامام أحمد في الفضائل والترمذي مرفوعاً: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. ولهذا كان ابن عباس يقول: من أتى العلم فليأت الباب وهو عليرضي‌الله‌عنه »(١) .

الصراط السوي

ويظهر اعتبار كتاب ( الصراط السوي ) هذا من كلام مؤلّفه في صدره، فإنه قال بعد التحميد والتصلية « أما بعد، فإنّ العمل بغير العلم وبال، والعلم بغير العمل خيال، ولا يقبض العلم إلّا بموت العلماء كما في الحديث المتفق على صحته في رواية عبد الله بن عمر: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بموت العلماء، كلّما ذهب عالم ذهب بما معه، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا.

واعلم أن الفحول قد قبضت والوعول قد هلكت، وانقرض زمان العلم وخمدت جمرته وهزمته كرة الجهل وعلت دولته، حتى لم يبق من الكتب التي يعتمد عليها في ذكر الأنساب إلّا بعض الكتب المؤلَّفة التي صنّفها أصحاب البدعة كما ستقف على أسمائها في تضاعيف الكتاب ان شاء الله تعالى، يلوح لك شرارها من

____________________

(١). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.

٢٦٢

بعيد كالسراب، لكونها فارغة عن الصدق والصواب، وذلك إما لاندراس محبة آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قلوب الصالحين من أهل السنة والعياذ بالله من تلك الفتنة، أو لنقص في الايمان وترداد في اليقين، أو لشين فاحش وكلم في أمر الدين، والدليل على ذلك أني سمعت من جماعة لا يعبأ الله بها أنهم يسبّون الأشراف القاطنين بمكة المشرفة والمدينة المنورة من بني الحسن والحسين فأجبتها بقول القائل:

لو كلّ كلبٍ عوى لقّمته حجراً

لأصبح الصّخر مثقالاً بدينار

ثم نودي في سري في الروضة بين القبر الشريف والمنبر بالانتصار لأهل البيت، فشرعت عند ذلك في كتاب أذكر فيه مناقب أهل البيت على ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة على وجه الاختصار، وأذكر فيه إن شاء الله تعالى مع ذكر كل واحد من أئمة أهل البيت من كان معاصراً لهم من أصحابهم وأعدائهم، كما ترى ذلك إن شاء الله تعالى قريباً، وسميته ( الصراط السوي في مناقب آل النبي ) ولقد أجاد من قال ارتجالاً فيه شعراً حسناً:

هذا كتاب نفيس قد حوى درراً

في مدح آل رسول الله والشرف

أنعم به من كتاب تحفة برزت

ما مثلها في خبايا الدهر من تحف

فغنّ به صاح واغنم في مطالعه

واستخرج الجوهر المكنون في الصدف

يزول عنك العنا والهمّ سائره

وفيه تهدى صراطاً غير مختلف

فهو الصراط السوي في الاسم شهرته

تأليف محمود تالي منهج السّلف

القادري طريقاً في مسالكه

الشافعي اتباعاً للعهود وفي »

(١١٣)

إثبات الشيخ عبد الحق الدهلوي

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ) بصدد

٢٦٣

إثبات حديث مدينة العلم ما نصه: « واعلم أن المشهور من لفظ الحديث في هذا المعنى: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقد تكلّم النقّاد فيه، واصله من أبي الصلت وكان شيعياً، وقد تكلّم فيه، وصحّح هذا الحديث الحاكم، وحسّنه الترمذي وضعّفه آخرون، ونسبه إلى الوضع طائفة، ونحن ننقل ما ذكره علماؤنا في ذلك بعباراتهم، وإنْ كانت مشتملة على التكرار فنقول:

قال الشيخ مجد الدين الشيرازي اللغوي صاحب القاموس في نقد الصحيح: حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات من عدّة طرق، وجزم ببطلان الكلّ، وقال مثل ذلك جماعة، وعندي في ذلك نظر كما سنبيّنه، والمشهور بروايته أبو الصلت عبد السّلام بن صالح الهروي عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعبد السلام هذا ضعّفوه جدّاً واتّهم بالرفض.

ومع ذلك فقد روى عباس بن محمد الدوري في سؤالاته عن يحيى بن معين أنه سأله عن أبي الصلت هذا فوثّقه فقال: أليس قد حدّث عن أبي معاوية: أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ فقال: قد حدّث به عن أبي معاوية محمد بن جعفر الفيدي. وكذلك روى صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة، وأبو الصلت أحمد ابن محمد بن محرز عن يحيى بن معين أيضاً، وفي رواية أبي الصلت ابن محرز قال يحيى في هذا الحديث: هو من حديث أبي معاوية أخبرني ابن نمير قال حدّث به أبو معاوية قديماً ثم كفَّ عنه، وكان أبو الصلت الهروي رجلاً موسراً يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ - يعني فخصّه أبو معاوية بهذا الحديث - فقد برئ عبد السلام عن عهدة هذا الحديث، وأبو معاوية الضرير حافظ يحتجُّ بأفراده كابن عيينة وغيره، وليس هذا الحديث من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول بل هو مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث أرأف أمتي أبوبكر الحديث.

وقد حسّنه الترمذي وصحّحه غيره، ولم يأت من تكلّم على حديث أنا مدينة العلم بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين، والحكم عليه بالوضع باطل قطعاً، وإنما أمسك أبو معاوية عن روايته شائعاً لغرابته لا لبطلانه، إذ لو

٢٦٤

كان كذلك لم يحدّث به أصلاً مع حفظه وإتقانه.

وللحديث طريق اُخرى رواها الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى الفزاري عن محمد بن عمر الرومي عن شريك بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي عبد الله الصنابحي عن عليرضي‌الله‌عنه : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها. وتابعه أبو مسلم الكجي وغيره على روايته عن محمد بن عمر الرومي. ومحمد هذا روى عنه البخاري في غير الصحيح، ووثّقه ابن حبان وضعّفه أبو داود.

وقال الترمذي بعد سياق الحديث: هذا حديث غريب وقد روى بعضهم هذا عن شريك ولم يذكروا فيه الصنابحي، ولا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك.

قلت: فلم يبق الحديث من أفراد الرومي، وشريك احتج به مسلم وعلّق له البخاري ووثّقه ابن معين والعجلي وزاد حسن الحديث، وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحداً قط أورع في علمه من شريك، فعلى هذا يكون مفردة حسناً. ولا يرد عليه رواية من أسقط الصنابحي منه، لأن سويد بن غفلة تابعي مخضرم، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وسمع منهم، فيكون ذكر الصنابحي فيه من باب المزيد في متصل الأسانيد.

والحاصل: إن الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفاً، فضلاً عن أن يكون موضوعاً، ولم أجده لمن ذكره في الموضوعات طعناً مؤثراً في هذين السندين. وبالله التوفيق. إنتهى كلام الشيخ مجد الدين ».

ثم نقل الشيخ عبد الحق الدهلوي كلام السخاوي في ( المقاصد الحسنة ).

وصوّب هذين الكلامين.

وقد فسّر الحديث وبيّن معناه في ( أشعة اللمعات ) وقال: « والأصل في رواية هذا الحديث هو أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، وهو شيعي ولكنّه

٢٦٥

صدوق، وكان يكرم المشايخ »(١) .

وقد ذكر « مدينة العلم » في أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، وهو أيضاً دليل على ثبوت هذا الحديث عنده.

ترجمته:

وتوجد ترجمة الشيخ عبد الحق الدهلوي في الكتب المؤلّفه بتراجم علماء الهند، مثل ( تذكرة الأبرار ) و ( مرآت آفتاب نما ) و ( اتحاف النبلاء ) و ( سبحة المرجان بذكر آثار هندوستان ).

قالغلام علي آزاد: « مولانا الشيخ عبد الحق الدهلوي، هو المتضلّع من الكمال الصوري والمعنوي، والعاشق الصادق من عشاق الجمال النبوي، رزق من الشهرة قسطاً جزيلاً، وأثبت المؤرخون ذكره إجمالاً وتفصيلاً، وفي قبة مزاره بدهلي لوح من الحجر نقشت عليه فذلكة من أحواله بالفارسية، وأنا أترجمها بالعربية: هو من مبادئ الشعور شدّ نطاقه على طاعة الحق وطلب العلم، وقريباً من أوان البلوغ تناول الأكثر من العلوم الدينية، وفرغ من تحصيله كلّها وله اثنان وعشرون سنة، وحفظ القرآن وجلس على مسند الافادة، وفي عنفوان الشباب أخذته جذبة إلهية فقطع علاقة محبته عن الخلّان والأوطان، وتوجّه إلى الحرمين وأقام بتلك الأماكن مدّة، وصحب بها أقطاب الزمان والأولياء الكبار مع بركات وافرة، واستقر به اثنين وخمسين سنة في جمعيّة الظاهر والباطن، واشتغل بتكميل الأولاد والطالبين، ونشر العلوم لا سيما الحديث الشريف، بحيث لم يتيسر مثله لأحد من العلماء السابقين واللاحقين في ديار الهند، وصنّف في العلوم خصوصاً في الحديث كتباً معتبرة اعتنى بها علماء الزمان وجعلوها دستوراً لعملهم، وتصانيفه من الكبار والصغار بلغت مائة مجلّد. ولد في المحرم سنة ٩٥٨ وتوفي سنة ١٠٥٢. تمّت

____________________

(١). أشعة اللمعات ٤ / ٦٦٦.

(٢). مدارج النبوة - فصل اسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٦٦

الترجمة »(١) .

وقال اللكهنوي: « الشيخ الامام العالم العلامة المحدّث الفقيه شيخ الاسلام وأعلم العلماء الأعلام وحامل راية العلم والعمل في المشايخ الكرام، أول من نشر علم الحديث بأرض الهند تصنيفاً وتدريساً »(٢) .

ومن آيات جلالة عبد الحق الدهلوي وعظمته كونه من شيوخ الشيخ حسن العجيمي، والعجيمي من مشايخ شاه ولي الله الدهلوي السبعة الذين يحمد الله على اتّصال سنده بهم

وقال شاه ولي الله في ( المقدمة السنية ): « ومن عجيب صنع الله أنه كما تراكم في عهد هذين ( يعني أكبر شاه وجهانكير شاه ) من الفتن الدهماء ما لم يرو معشاره في عصور القدماء، فكذلك لم ير مثل عهدهما في اجتماع الأولياء أصحاب الآيات الظاهرة والكرامات الباهرة، والعلماء أصحاب التصانيف المفيدة والتواليف المجيدة، كالسيد عبد الوهاب البخاري، وشاه محمد خيالي صاحب الآيات العجيبة والشيخ عبد العزيز حامل لواء الجشتية في زمانه، والخواجة باقي ناشر الطريقة النقشبندية في أقطار الهند، والشيخ عبد الحق، له شرحان على المشكاة، وشرح على سفر السعادة للشيخ مجد الدين الفيروزآبادي، وله جذب القلوب إلى ديار المحبوب في تاريخ المدينة المنورة، وغيرها من الرسائل المفيدة، كلّهم بمحروسة دهلي ».

(١١٤)

رواية السيد محمد ماه عالم

وقد نصّ السيّد محمد ابن السيد جلال ماه عالم ابن السيد حسن البخاري

____________________

(١). سبحة المرجان: ٥٢.

(٢). نزهة الخواطر ٥ / ٢٠١.

٢٦٧

على صحة حديث مدينة العلم، حيث قال في ذكر مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام في ( تذكرة الأبرار ): « فضائله أكثر من أن تحصر، ويعجز البيان عن الإِحاطة بكمالاته، تتجلى رفعة نسبه الشريف من الخبر المعتبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا وعلي من نور واحد » وعظمة حسبه من قوله: « أخي في الدنيا والآخرة » ووفور علمه من الحديث الصحيح: « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وسعة جوده من قوله تعالى:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً ) وآثار شجاعته من: « لا فتى إلّا علي ولا سيف إلّا ذو الفقار » وأخبار فضيلته من: « لمبارزة علي بن أبي طالب يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي ».

وفيه: « ذكر سيد السادات: السيد علي ابن السيد جعفر البخاري: ينتهي نسبه إلى باب مدينة العلم عليرضي‌الله‌عنه وعن جميع أولاده ».

(١١٥)

إثبات الله بن عبد الرحيم

وقد أثبت الله بن عبد الرحيم بن بينا الحكيم الجشتي العثماني حديث مدينة العلم في كتابه ( سير الأقطاب ) ضمن فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

(١١٦)

إثبات عبد الرحمن الجشتي

وكذا أثبت عبد الرحمن بن عبد الرسول بن قاسم الجشتي حديث أنا مدينة

٢٦٨

العلم في ( مرآة الأسرار ) بترجمة سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

مرآة الأسرار

وقد اعتمد على كتاب ( مرآة الاسرار ) ونقل عنه شاه ولي الله الدهلوي في ( الانتباه في سلاسل أولياء الله ) ورشيد الدين خان الدهلوي في ( ايضاح لطافة المقال ).

(١١٧)

إثبات الجفري

وقال شيخ بن علي بن محمد الجفري في ( كنز البراهين الكسبية والأسرار الألوهية الغيبية لسادات مشايخ الطريقة العلوية ): « و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب ».

ترجمته:

ذكرنا ترجمة الجفري هذا في مجلد ( حديث الطير ).

(١١٨)

تحسين العزيزي

وقد أفتى بحسنه علي بن أحمد بن محمد بن إبراهيم العزيزي حيث قال:

« أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » يؤخذ منه أنه

٢٦٩

ينبغي للعالم أن يخبر الناس بفضل من عرف فضله، ليأخذوا عنه العلم « عق عد طب ك عن ابن عباس عدك عن جابر » ابن عبد الله. قال الشيخ: حديث حسن لغيره، أي باعتبار طرقه »(١) .

ترجمته:

ترجم له محمد أمين المحبي بقوله: « علي العزيزي البولاقي الشافعي، كان إماماً فقيهاً محدّثاً حافظاً متقناً ذكياً، سريع الحفظ بعيد النسيان، مواظباً على النظر والتحصيل، كثير التلاوة سريعها، متودّداً متواضعاً، كثير الاشتغال بالعلم، محبّاً لأهله خصوصاً أهل الحديث، حسن الخلق والمحاضرة، مشاراً إليه في العلم، شارك النور الشبراملسي في كثير من شيوخه وأخذ عنه واستفاد منه، وكان يلازمه في دروسه الأصليّة والفرعيّة وفنون العربية، وله مؤلفات كثيرة نقله فيها يزيد على تصرفه، منها: شرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلّدات، وحاشية على شرح التحرير للقاضي زكريا، وحاشية على شرح الغاية لابن قاسم في نحو سبعين كراسة، وأخرى على شرحها للخطيب، وكانت وفاته ببولاق في سنة سبعين وألف وبها دفن، والعزيزي بفتحة ومعجمتين مكسورتين بينهما ياء تحتية نسبة للعزيزية من الشرقية بمصر »(٢) .

(١١٩)

إثبات النور الشبراملسي

وقال أبو الضياء نور الدين علي بن علي الشبراملسي القاهري الشافعي في

____________________

(١). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٦٣.

(٢). خلاصة الاثر ٣ / ٢٠١.

٢٧٠

حاشيته على ( المواهب اللّدنية ) المسماة بـ ( تيسير المطالب السنية ) في ذكر أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « قوله: « مدينة العلم » روى الترمذي وغيره مرفوعاً: أنا مدينة العلم وعلي بابها. والصواب أنه حديث حسن كما قاله الحافظ العلائي وابن حجر ».

ترجمته:

١ - المحبي بقوله: « علي بن علي أبو الضيا نور الدين الشبراملسي الشافعي القاهري، خاتمة المحققين وولي الله تعالى، محررّ العلوم النقلية وأعلم أهل زمانه، لم يأت مثله في دقة النظر وجودة الفهم وسرعة استخراج الأحكام من عبارات العلماء، وقوة التأني في البحث واللطف والحلم والإِنصاف، بحيث أنه لم يعهد منه أنه أساء إلى أحد من الطلبة بكلمةٍ حصل له منها تعب، بل كان غاية ما يقول إذا تغيّر من أحد من تلامذته: الله يصلح حالك يا فلان، وكان شيخاً جليلاً عالماً عاملاً، وكان زاهداً في الدنيا، لا يعرف أحوال أهلها ولا يتردّد إلى أحد منهم إلّا في شفاعة خير، وكان إذا مرَّ في السوق تتزاحم الناس مسلمها وكافرها على تقبيل يده، ولم ينكر أحد من علماء عصره وأقرانه فضله، بل جميع العلماء إذا أشكلت عليهم مسألة يراجعونه فيها فيبيّنها لهم على أحسن وجه وأتمّه.

وقال فيه العلامة سريّ الدين الدروري: لا يكلّمه أحد إلّا علاه في كلّ فن، وكان يقول: ما في الجامع إلّا الأعمى ويشير إليه، وكان سريّ الدين هذا فريد عصره في العلوم النظرية.

... ولازمه لأخذ العلم عنه أكابر علماء عصره، كالشيخ شرف الدين ابن شيخ الإسلام، والشيخ زين العابدين، ومحمد البهوتي الحنبلي، ويس الحمصي ومنصور الطوخي، وعبد الرحمن المحلي، والشهاب البشبيشي، والسيد أحمد الحموي، وعبد الرزاق الزرقاني، وغيرهم ممّن لا يحصى ولم يشتهر من مؤلّفاته إلّا حاشيته على المواهب اللّدنية في خمس مجلَّدات ضخام »(١) .

____________________

(١). خلاصة الأثر ٣ / ١٧٤ - ١٧٧.

٢٧١

٢ - الشرقاوي في ( التحفة البهيّة في طبقات الشافعية ) بقوله: « شيخ مشايخ الاسلام، ملك العلماء الأعلام، الشيخ نور الدين علي الشبراملسي المكنى بأبي الضيا، كانرضي‌الله‌عنه على خلقٍ عظيم ونفع عميم، وكان في التواضع والأدب وعدم دعوى العلم على جانب عظيم، ولم يزل يطلب العلم على مشايخه ويحضر دروسهم حتى قال له الشيخ محمد الشوبري: إلى متى تطلب العلم على المشايخ وتحضر دروسهم، ألزمتك بالجلوس لإِقراء العلم في الدروس ونفع الطلبة. فامتثل كلامه وقرأ العلم وانتفع الناس به، وألَّف كتباً كثيرة

وكان إماماً في سائر العلوم الشرعية والعقلية من فقهٍ وحديثٍ وتفسيرٍ وأصولٍ ومعانٍ وبيانٍ ونحوٍ وصرفٍ وقراآت وغير ذلك من العلوم الدينية، وكان الغالب عليه علم الوهب اللّدني.

توفي يوم الخميس ثامن عشر شوال من شهور سنة ١٠٨٧، ودفن بتربة المجاورين، بجواز تربة الشيخ حسن الشرنبلاني ».

٣ - رضي الدين الشامي في ( تنضيد العقود السنية ) في حوادث السنة المذكورة: « وفي هذه السنة توفي العالم العلّامة شيخ الاسلام نور الدين بن علي الشبراملسي. كان رئيس العلماء ومقدّم الفضلاء، وانتهت إليه رياسة العلم بمصر وغيرها ».

كما ذكر اسمه في كتب الإِجازات والشيوخ بكل احترام وتبجيل مثل ( كفاية المتطلع ) و ( الإِمداد بمعرفة علوّ الإِسناد ) و ( رسالة الشيخ أحمد النخلي )

(١٢٠)

إثبات التاج السنبهلي

وقد أثبته الشيخ تاج الدين السنبهلي في رسالة له في ( الأشغال النقشبندية ) حيث ذكر شيوخه في الطريقة قائلاً:

٢٧٢

« وهذه الطريقة العلية النقشبندية أخذها الفقير الحقير الكامل في النقصان، والعاجز في معرفة الرحمن تاج الدين السنبهلي، عن مهدي الزمان الخواجا محمد الباقي، وهو أخذها عن المولى خواجكي أمكنكي وهو أخذها عن المولى درويش محمد، وهو عن المولى محمد الزاهد، وهو عن الغوث الأعظم الخواجا عبيد الله أحرار، وهو عن شيخ الشيوخ يعقوب الجرخي وهو عن الخواجا الكبير الخواجة بهاء الدين المعروف بنقشبند، وهو عن السيد أمير كلال، وهو عن الخواجا محمد بابا سهامي، وهو عن حضرة العزيزان الخواجا علي الرامتيني، وهو عن الخواجا محمود الخيرفعنوي، وهو عن الخواجا ريوكري وهو عن الخواجة عبد الخالق الغجدواني، وهو عن الشيخ يوسف بن يعقوب بن أيوب الهمداني، وهو عن أبي علي الفارمدي، وهو عن أبي الحسن الخرقاني.

والشيخ أبو علي له نسبة الخدمة [ الخرقة ] والصحبة والاستفاضة بالشيخ أبي القاسم الكركاني أيضاً، وحيث كان عند المحققين أن الشيوخ ثلاثة: شيخ الخرقة وشيخ الذكر وشيخ الصحبة. وشيخ الصحبة أتم وأكمل في الارتباط وهو الشيخ الحقيقي، لا جرم أوردنا نسبة الشيخ أبي القاسم الذي انتهى بها السلوك للشيخ أبي علي، وبين الشيخ أبي القاسم إلى الإِمام علي بن موسى الرضا ست وسائط: الشيخ أبو عثمان المغربي، وأبو علي الكاتب، وأبو علي الرودباري، وسيد الطائفة الجنيد البغدادي، والسري السقطي، ومعروف الكرخي،رضي‌الله‌عنه تعالى عنهم.

ولمعروف قدّس الله سرّه نسبة أخرى يتصل بها إلى داود الطائي عن حبيب العجمي، عن الحسن البصري قدس الله أسرارهم، وتمام نسبته إلى باب مدينة العلم معروف ومشهور.

وها أنا الآن أرجع إلى رأس الكلام فاعلم: أن الشيخ أبا الحسن الخرقاني أخذ عن روحانية أبي يزيد البسطامي، كنسبة أويس قدس الله سره من منبع الأنوار عليه أفضل الصلاة والسلام وأكمل التحيات، وهكذا نسبة سلطان

٢٧٣

العارفين إلى روحانية جعفر الصادق، والمعروف من خدمته وصحبته غير صحيح، والإِمام جعفر الصادق مع وجود أنوار وراثة آبائه الكرام يتصل لجدّه لأُمه القاسم ابن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، وهو من الفقهاء السبعة في التابعين، كان من أكملهم في علم الظاهر والباطن، وهو منسوب إلى سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه ، وسلمان مع تشرّفه بصحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ الطريقة عن الصدّيق رضي الله تعالى عنه، وهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والطريقة الأُخرى للامام جعفر أباً عن جدٍ إلى باب مدينة العلم معروفة ».

السنبهلي و رسالته:

ورسالة السنبهلي هذه من الرسائل المعتبرة لدى أهل السنة، قال شاه ولي الله والد ( الدهلوي ) في ( الانتباه في سلاسل أولياء الله ): « يقول كاتب الحروف: إن للشيخ تاج الدين السنبهلي خليفة حضرة الخواجا محمد باقي رسالة وجيزة في باب الأشغال النقشبندية، وكان والدي العظيم يمدحها جدّاً، وكان قد استنسخها بخطه عن نسخة لبعض أصحاب الشيخ تاج الدين، وكان يرشد الطالبين إلى العمل بها، ولقد قرأتها عنده بحثاً ودراية، وقد أحببت ذكرها هنا كاملة، وبالله التوفيق » ثم ذكر شاه ولي الله الرسالة بكاملها في كتابه.

ومن مفاخر السنبهلي - هذا - كونه من مشايخ شاه ولي الله في الطريقة، بل هو من مشايخ عبد الله بن سالم البصري الذي هو أحد المشايخ السبعة الذين يفتخر ولي الله الدهلوي باتصال سنده إليهم، ويثني عليهم غاية الثناء في ( الانتباه ).

٢٧٤

(١٢١)

رواية الكردي الكوراني

وقال إبراهيم بن حسن الكردي الكوراني الشهرزوري الشافعي في كتاب ( النبراس لكشف الإِلتباس الواقع في الأساس ) ما نصه:

« والصلاة والسلام على محمد النبي المختار لتبليغ الرسالة إلى الثقلين لاستيداء شكر نعمته، وعلى أخيه ووصيه وباب مدينة علمه المنزّل منزلة هارون إلّا النبوة و ولي عهده بعده في أمته.

أمّا أخوّته ففي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أخي في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأما أنه باب مدينة علمه ففي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، والترمذي والحاكم عن علي.

وأمّا أنّه منزَّل منزلة هارون ففي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، رواه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص، والامام أحمد والبزار عن أبي سعيد الخدري، والطبراني عن أسماء بنت عميس، وأم سلمة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة، وعلي، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم.

واحتج المؤلَّف بهذا الحديث على إمامة علي رضي الله تعالى عنه في الفصل الثالث من كتاب الإِمامة، وسيجيء الكلام عليه إنْ شاء الله تعالى، وإنه لا دلالة فيه على ما ذكروه ».

٢٧٥

ترجمته:

١ - المرادي: « إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشهراني الشافعي، نزيل المدينة المنورة، الشيخ الامام العالم العلّامة خاتمة المحققين عمدة المسندين، العارف بالله تعالى، صاحب المؤلَّفات العديدة، الصوفي النقشبندي المحقق المدقّق، الأثري المسند النسابة أبو الوقت برهان الدين، ولد في شوال سنة خمس وعشرين، وألف وطلب العلم بنفسه، ورحل إلى المدينة المنورة وتوطّنها وأخذ بها عن جماعة من صدور العلماء، واشتهر ذكره وعلا قدره، وهرعت إليه الطالبون من البلدان القاصية للأخذ والتلقّي عنه، ودرّس بالمسجد الشريف النبوي، وألَّف مؤلفاتٍ نافعة عديدة تنوف عن المائة، وكان جبلاً من جبال العلم، بحراً من بحور العرفان. توفي يوم الأربعاء بعد العصر ثامن عشري شهر ربيع الثاني سنة إحدى ومائة وألف، بمنزلة ظاهر المدينة المنورة، ودفن بالبقيعرحمه‌الله تعالى »(١) .

٢ - الشيخ أحمد النخلي في ( رسالته في الأسانيد ) في ذكر شيوخه: « ومنهم العالم العلّامة الحبر الهمام، من حكت أفكاره في صحة الاستنباط المتقدمين في جميع الفنون، فكانت مصنفاته جديرة بأن تكتب بماء العيون، وأن يبذل في تحصيلها المال والأهل والبنون: الشيخ برهان الدين أبو الفضائل إبراهيم بن حسن الكردي الكوراني الشافعي الصوفي، نزيل المدينة المشرفة وعالمها، نفعنا الله تعالى به والمسلمين، ورحمه رحمة واسعة في الدنيا والآخرة. آمين »(٢) .

٣ - سالم البصري في ( الإِمداد بمعرفة علوّ الاسناد ) في ذكر مشايخ والده قائلاً: « ومنهم: العلّامة المحقق إبراهيم بن حسن الكوراني المدني ».

٤ - فخر الدين الاورنقابادي لدى النقل عنه « قال زبدة المحدثين عمدة المحققين، مشيّد قواعد الطريقة، الجامع بين الشريعة والحقيقة، سالك الصراط

____________________

(١). سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ١ / ٥.

(٢). بغية الطالبين: ٤٥.

٢٧٦

المستقيم، الشيخ إبراهيم الكردي، شيخ شيخ صاحب المقامات العلية والكرامات الجلية الشيخ ولي الله المحدِّث، سلمه الله تعالى وأبقاه، في فن الحديث ».

٥ - المولوي حسن زمان في كتابه ( فخر الحسن ): « والكردي هذا كان آية من آيات الله تعالى في الأصلين والفروع الفقهية وعلوم الصوفيّة، وكان في عصره إليه النظر والإِشارة في أقطار الأرض كلّها في سائر ما ذكر، وكانت ترد عليه المسائل من الخافقين فيجيب عنها ويجعلها رسائل، وله في جميع هذه الفنون تحرير كثير عديم النظير تعرف منها براعة علمه وغزارة فضله »

هذا، والكردي من مشايخ شاه ولي الله الدهلوي، وهذا نص كلامه في ( الارشاد إلى مهمات الاسناد ): « فصل - قد اتصل سندي والحمد لله بسبعة من المشايخ الجلّة الكرام، الأئمة القادة الأعلام، من المشهورين بالحرمين المحترمين، المجمع على فضلهم من بين الخافقين: الشيخ محمد بن العلاء البابلي، والشيخ عيسى المغربي الجعفري، والشيخ محمد بن محمد بن سليمان الرداني المغربي، والشيخ إبراهيم بن الحسن الكردي المدني، والشيخ حسن بن علي العجيمي المكي، والشيخ أحمد بن محمد النخلي المكي، والشيخ عبد الله بن سالم البصري ثم المكي، ولكل واحد منهم رسالة جمع هو فيها أو جمع له فيها أسانيده المتنوعة في علوم شتى ».

والجدير بالذكر: إن ( الدهلوي ) قد استند إلى كلام للكردي - هذا - في كتابه ( التحفة ) في الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) الآية.

فاستدلاله بكلامه هناك وإعراضه عن كلامه هنا بالنسبة إلى حديث مدينة العلم عجيب.

٢٧٧

(١٢٢)

إثبات الكردي البصري

ولقد أثبت الشيخ إسماعيل بن سليمان الكردي البصري حديث مدينة العلم جازماً به، في كتابه ( جلاء النظر في دفع شبهات ابن حجر ) بصدد إبطال نسبة ابن تيمية الناصب العنيد الخطأ إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذا نص عبارته بعد كلامه له:

« وإيّاك والاغترار بظواهر الآثار والأحوال من التزيّى بزي آثار الفقر، كلبس المرقعات وحمل العكاز وغير ذلك، لأنها ليست نافعة لمن اتصف بها وهو ليس على شيء من المعرفة بالله، بل قد يكون المتّصف بها صاحب انتقاد على المشايخ بنظره إلى نفسه، حيث أنه يرى حقيقة الأمر عنده دون غيره، وكثير من أهل هذا الشأن هلكوا في أودية الحيرة، لأنهم اعتراهم الجهل المركّب فلا يدرون ولا يدرون أنهم لا يدرون، كابن تيمية، وابن المقري، والسعد التفتازاني، وابن حجر العسقلاني وغيرهم، فإن اعتراضهم على معاصريهم وعلى من سبق من الموتى دال على حصرهم طريق الحق عندهم لا غير.

وقد زاد ابن تيمية بأشياء، ومن جملتها ما ذكره الفقيه ابن حجر الهيتميرحمه‌الله في فتاواه الحديثية عن بعض أجلاء عصره: إنه سمعه يقول - وهو على منبر جامع الجبل بالصالحية - أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه له غلطات، وأيّ غلطات، وأن سيدنا عليرضي‌الله‌عنه أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان، فيا ليت شعري من أن يحصل لك الصواب إذ أخطأ عمر وعلي رضي الله عنهما بزعمك؟

أما سمعت قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق سيدنا عليرضي‌الله‌عنه : أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ ».

٢٧٨

(١٢٣)

رواية الزرقاني المالكي

وقال محمد بن عبد الباقي بن يوسف الأزهري الزرقاني المالكي، بشرح أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« مدينة العلم. كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه الترمذي والحاكم وصحّحه وغيرهما عن علي، والحاكم أيضاً والطبراني وأبو الشيخ وغيرهم عن ابن عباس. والصّواب أنه حديث حسن كما قاله الحفاظان العلائي وابن حجر، لا موضوع كما زعم ابن الجوزي، ولا صحيح كما قال الحاكم، لكن في المحدّثين من يسمي الحسن صحيحاً »(١) .

ترجمته:

ترجم له المرادي قائلاً « محمد الزرقاني ابن عبد الباقي بن يوسف الأزهري المالكي الشهير بالزرقاني، الامام المحدِّث والناسك النحرير الفقيه العلّامة، أخذ عن والده وعن النور علي الشبراملسي، وعن الشيخ محمد البابلي وغيرهم، وله من المؤلّفات: شرح على الموطأ، وشرح على المواهب وغير ذلك. وأخذ عن الشيخ محمد بن خليل العجلوني الدمشقي، والجمال عبد الله الشبراويّ. وكانت وفاته سنة ١١٢٢ رحمه ‌الله تعالى »(٢) .

____________________

(١). شرح المواهب اللدنية ٣ / ١٤٣.

(٢). سلك الدرر ٤ / ٣٢ - ٣٣.

٢٧٩

شرح المواهب

قال في ( كشف الظنون ): « وشرح المواهب المولى العلامة خاتمة المحدّثين محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري المالكي المتوفى سنة ١١٢٢، شرحا حافلا في أربعة مجلّدات، جمع فيه أكثر الأحاديث المرويّة في شمائل المصطفى صلّى الله تعالى عليه وسلّم وسيره وصفاته الشريفة، جزاه الله خيرا ورحمه رحمة واسعة »(١) .

وقد ذكره زيني دحلان في مصادر ( سيرته ) ونصّ على أن « هذه الكتب هي أصح الكتب المؤلَّفة في هذا الشأن ».

كما أشار مؤلفه الزرقاني في صدر الكتاب باعتباره

(١٢٤)

إثبات سالم البصري

وقال سالم بن عبد الله بن سالم البصري الشافعي في ( الامداد بمعرفة علوّ الاسناد ):

« وأمّا سلسلة الطريقة النقشبندية فقد أخذها الشيخ الوالد حفظه الله تعالى عن شيخه عبد الله باقشير، وهو أخذها عن الشيخ العارف تاج الدين العثماني النقشبندي وهو عن الخواجا محمد باقي » إلى آخر ما تقدم في الوجه (١٢٠).

ترجمته:

والشيخ سالم بن عبد الله البصري من مشايخ إجازات كبار العلماء،

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٨٩٦.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428