نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 428

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 428 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 352443 / تحميل: 7341
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الأجساد بألفي عام(١) . وفيه نظر، لاحتمال أن يكون المراد بالأرواح الملائكة، وبالأجساد العنصريّات. كذا قيل، فليتأمّل.

لا قدمها الذاتيّ الّذي [هو] عبارة عن عدم سبق الغير على موصوفه أصلا ومطلقا، وهو من خواصّ الحقّ تعالى لا يشركه فيه شيء.

ويدلّ عليه أدلّة التوحيد المسلّمة عند المحقّقين.

والقول به تدفعه البراهين الساطعة التي أقاموها على حدوث الأجسام وأعراضها ونفوسها المتعلّقة بها، وعلى أنّه لا قديم بالذات سوى الحقّ تعالى.

فيتّضح من ذلك فساد كلمة النصارى، حيث قالوا بقدم الأقانيم الثلاثة، والثنويّة القائلين بقدم النور والظلمة، والحرنانيّين بقدم الفاعلين الباري والنفس والمنفعل غير الحيّ وهو الهيولى، والدهر والخلأ وهما غير فاعلين ولا منفعلين.

وما ذكرنا من جواز تعدّد القدماء بالقدم الدهريّ هو مذهب أكثر الحكماء، ولا دليل على امتناعه أصلا، والتفصيل مذكور في محلّه ينافي الوجيزة.

وكذا ما اخترناه من ثبوت المعدومات لا ينافي التوحيد على جميع المسالك، لأنّ القديم عندهم ما لا أوّل لوجوده، ولا مدخل للثبوت في ذلك، وقد عرفت الوجه فيما أسلفناه.

وأمّا لو جعلنا «هل» بمعنى «قد» فكذلك لو صرفنا النفي إلى القيد، ولو

__________________

(١) أنظر بصائر الدرجات: ٨٨.

٢١

صرفنا إلى المقيّد فتدلّ الآية على نفي القدم مطلقا، كما هو مسلك بعض المتكلّمين.

بوارق

الاولى: ذكر بعض الحكماء أنّ الشيئيّة إنّما هي من المعقولات الثانية الّتي ليست لها هويّات خارجيّة متأصلة بذاتها، متصوّرة بنفسها، متعقّلة أوّل الأمر، قائمة بموضوعاتها في الخارج بحيث يكون بإزائها شيء، بل هي أمر انتزاعيّ ينتزعها العقل من المهيّة حين وجودها أو ثبوتها، ومثلها الوجود والوحدة والكثرة والعلّيّة والمعلوليّة ونحو ذلك، وذلك واضح.

وبرهانه: أنّ الشيئيّة المطلقة لو كانت متأصّلة لزم أن يكون بإزائها شيء في الخارج وليس، فليس، ويتفرّع على ذلك امتناع ثبوت شيء بلا خصوص المهيّة. والتفصيل يطلب من الحكمة.

الثانية: قال الطبرسيّ رحمه الله: «لم يكن شيئا» جملة في محلّ الرفع، لأنّها صفة «حين»، والتقدير: لم يكن فيه شيئا مذكورا(١) .

أقول: ويحتمل أن يكون في محلّ النصب، لكونها حالا من «الإنسان» والرابطة هي المستتر، وهو الأولى لعدم الحاجة إلى التقدير.

الثالثة: قال بعض العارفين: إنّ الآية الشريفة تدلّ على بطلان القول بالتناسخ الّذي هو عبارة عن وجود شخص مرّة أخرى بعد وجوده في حين آخر، وهكذا لأنّه لو وجد إنسان قبل وجوده الآن لم يصدق أنّه أتى عليه، أي سبق على وجوده ومضى على ما هو إنسان بالقوّة زمان غير معيّن لم يكن فيه

__________________

(١) مجمع البيان، المجلّد ٥: ٦١١.

٢٢

شيئا مذكورا، ضرورة أنّه لو كان موجوداً مرّة أخرى كان شيئا مذكورا في حين.

وعلى بطلان القول بقدم النفوس الناطقة مطلقا دهريّا وذاتيّا، لأنّ الدهر عبارة عن زمان وجود العالم من أوّله إلى آخره، والحين بعضه، فلو كانت النفس قديمة لما صحّ القول بأنّه لقد مضى عليها حين لم يكن شيئا مذكورا.

هذا حاصل كلامه.

الرابعة: من التفسيرات المليحة، تفسير «الإنسان» في الآية بـــ«القائم المهديّ المنتظر» عجّل الله فرجه، والمذكور بالشهود، أي: قد أتى على ابن الحسن العسكريّ عليه السلام زمان لم يكن فيه مشهودا مرئيّا للناس لعدم استعدادهم لرؤيته والفوز بمشاهدته وهو زماننا هذا، زمن الغيبة الطويلة.

فأخبر الله تعالى عن ذلك الزمان بلفظ الماضي، إشارة إلى أنّه يكون لا محالة كما في قوله:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) (١) و( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) (٢) و( فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً ) (٣) .

وأمثال ذلك مطّردة في فصيح الكلمات.

هذا على تفسير «هل» بـــ«قد» وأمّا على تفسيرها بـــ«ما» فالمراد بالآية الإخبار عن لزوم الحجّة القائمة لكلّ أمّة في جميع الأعصار، فما مضت أمّة إلّا وقد أخبر نبيّها بالقائم الهادي المهديّ الّذي يجعل الأديان كلّها دينا واحدا

__________________

(١) النحل: ١.

(٢) القمر: ١.

(٣) النبأ: ١٩ ـ ٢٠.

٢٣

ويحمل الناس كلّهم على عبادة الله مخلصين له الدين، لا يشركون به شيئا.

فمعنى كونه عليه السلام «مذكورا» هو كونه بحيث يذكره كلّ نبيّ من آدم عليه السلام إلى محمّد صلّى الله عليه وآله الناسخ لجميع الأديان، والباقي دينه إلى آخر الزمان وأممهم بالذكر الحسن، وينتظرون فرجه، ويفرحون بمشاهدته، ويعتقدون بمجيئه وتمكنه من الأرض كلّها، وإن طالت المدّة، وعمّت الشدّة، ولا يشكّون في أمره، ولا يضلّون بغيره إلّا شرذمة مبتدعة.

أما طالعت أيّها الطالب، الفصل الثامن والسبعين من كتاب «مار متّى» من تلاميذ يسوع المسيح عليه السلام؟ فإنّه ذكر فيه: أنّ المسيح عليه السلام قال بعد كلام له لـمـّا سأله تلاميذه عن انقضاء الزمان ومجيء ابن الإنسان: الويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيّام، وسيكون ضيق عظيم لم يكن مثله من أوّل العالم حتّى الآن، ولا يكون ولو لا أنّ تلك الأيّام قصرت لم يخلص ذو جسد، لكن لأجل المنتجبين قصرت تلك الأيّام، حينئذ إن قال لكم: إنّ المسيح هنا أو هاهنا فلا تصدّقوا، فإن قالوا لكم: إنّه في البريّة فلا تخرجوا، وكما أنّ البرق يخرج من المشرق فيظهر في المغرب، كذلك يكون مجيء ابن البشر، وللوقت من بعد ضيق تلك الأيّام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوء، والكواكب تتساقط من السماء، وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء، وتنوح حينئذ كلّ قبائل الأرض، وترون ابن الإنسان آئبا على سحاب السماء إلى آخره.

وقريب من ذلك ما في كتاب «مارلوقا» و «مار مرقص» من تلاميذ عيسى عليه السلام.

٢٤

وعنه أيضا قد أخبر الله في «التوراة» وغيرها من الكتب السماويّة، فكان عليه السلام مذكورا في جميع الأعصار في كلّ أمّة إلى ذلك العصر، فإنّه مذكور في لسان أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله برفيع الذكر إلى زمان حضوره عليه السلام فيذكر فيه بذكر مناسب لذلك الزمان على التفصيل المذكور في كتب أخبارنا.

ويدلّ على ذلك التفسير، تفسير «الإنسان» في قوله:( الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) (١) بـــ«القائم عليه السلام» أيضا. أي: الله بصفته الرحمانيّة لقد علّم محمّدا القرآن وأمر أمّته بما فيه ظاهرا، وخلق القائم عليه السلام الّذي من نسله وعلّمه بيان حقائق القرآن، وأجاز له الحكم بباطنه في زمانه، كما قال:( إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ) (٢) فزمان البيان متأخّر عن زمان القرآن، لمكان «ثمّ» الدالّة على التراخي قطعا.

وقريب من ذلك التفسير، تفسير «الإنسان» بـــ«عليّ عليه السلام» فإنّه كان مذكورا في جميع الأعصار والدهور بنوع من الذكر، وكان مع كلّ نبيّ من آدم إلى محمّد بصور مختلفة، كما قال: نحن نظهر في كلّ زمان على صورة.

ويدلّ على ذلك أيضا ما بيّنه عليه السلام في بعض خطبه المشهورة، كما لا يخفى على من تتبّعها.

__________________

(١) الرحمن: ١ ـ ٤.

(٢) القيامة: ١٧ ـ ١٩.

٢٥

ويدلّ على ذلك التفسير، تفسير «الإنسان» في قوله:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) (١) بـــ«عليّ عليه السلام». أي: حمل «عليّ» الولاية الخاصّة واتّصف بها، وكان مظلوما لتصدّي غيره الغير المستحقّ لبعض خواصّها، مجهول القدر والمقام بين أكثر الناس.

فإنّهم لو كانوا عرفوه بالنورانيّة والروحانيّة لما اختاروا غيره عليه، وما جعلوا غيره متبوعا!

فإنّ مقامه عليه السّلام مقام ساذجيّ لا يدركه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان سوى الإجمال منه، كدرك الأدنى مقام الأعلى، وذلك واضح، فمن أدرك مقامه عليه السّلام ورتبته في القرب ولو إجمالا لا يصطفي عليه غيره بحقيقة الإيمان، فإعراضهم عنه عليه السّلام ونصبهم غيره دليل بيّن على أنّهم ما عرفوا نورانيّته فضلّوا ولم يهتدوا سبيلا.

وهذا التفسير أيضا ممّا لم يذكره أحد من المفسّرين، فاغتنم وكن من الشاكرين.

قال الله جلّ برهانه:( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) .

أقول: ليس المراد من «الإنسان» في تلك الآية المشيّة التي عبّر عنها بـــ«الإنسان» في الآية المتقدّمة، لأنّها كما عرفت ما خلقت من النطفة، بل

__________________

(١) الأحزاب: ٧٢.

٢٦

خلقها الله من نفسها، وخلق الأشياء كلّها منها وبها، وهي بأجمعها راجعة إليها، ساجدة لها، متحيّرة فيها، مقبلة عليها، فهي الحاكمة على الكلّ في الكلّ، والمشهودة في الكلّ للكلّ، والمحيطة بالكلّ، والسارية في الكلّ.

فالكلّ بوجودها قائمون، وفي اكتناه مقامها متحيّرون، فهي العلّة الثانويّة لوجود كلّ شيء، والمبدأ لخلق كلّ شيء، كما قال:( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ) (١) .

وقال عليه السّلام: إنّ الله خلق الأشياء بالمشيّة(٢) .

ولعلّ هذا هو السرّ في تكرار لفظ «الإنسان» مع أنّ المقام مقام الإضمار، كما لا يخفى.

نعم يحتمل كونها مرادة منه في تلك الآية أيضا بملاحظة أنّه تعالى أراد أن يخبر عن الخلق الجديد الثانويّ للمشيّة، وهو إبرازها في الهيكل الناسوتيّ العنصريّ الجسمانيّ، أي لقد أتى على المشيّة حين من الدهر كانت روحانيّة ساذجيّة غير مكبولة بالجسد العنصريّ، ثمّ ألبسناها لباس العنصريّات، وخلقناها من النطفة، وهي ماء الرجل والمرأة.

وأكثر المفسّرين لقد فسّروا «الإنسان» بولد آدم عليه السّلام خاصّة نظرا إلى أنّهم خلقوا من النطفة الكذائيّة دون آدم عليه السّلام، فإنّه خلق من صلصال من طين على التفصيل المسطور في كتب الأخبار.

وبعضهم بجميع أفراد البشر، فيشمل آدم عليه السّلام أيضا نظرا إلى أنّ

__________________

(١) النساء: ١، الأعراف: ١٨٩، الزمر: ٦.

(٢) الكافي ١: ١١٠.

٢٧

باب التغليب واسع، ولا يخفى أنّه لا حاجة إلى ذلك الاعتذار لو فسّرت النطفة بالمادّة منيّا كانت أو غيرها، وسيأتي إلى ذلك الإشارة إن شاء الله.

بوارق

الاولى: في نسبته تعالى خلق الإنسان إلى نفسه إشارة إلى ما هو المقرّر في مقامه، من أنّ الممكن الحادث محتاج إلى المؤثّر القديم، فلا يمكن له الوجود بنفسه من غير تأثير المؤثّر الواجب.

وادّعى جماعة من الحكماء على ذلك أنّه ضروريّ أوّليّ، فإنّ العقل بعد تصوّر الممكن من حيث يتساوى طرفاه بالنظر إلى ذاته، وتصوّر المؤثّر المرجّح لأحد الطرفين على الآخر يجزم بأنّ الممكن محتاج في حصول الوجود أو العدم إلى المرجّح ويحكم ببداهة ذلك.

وبعضهم جعلوا بطلان وجود الممكن بنفسه من غير حاجة إلى العلّة القديمة نظريّا، واستدلّوا عليه بوجوه كثيرة لا يخلو بعضها عن وهن.

منها: أنّ مهيّة الممكن تقتضي تساوي الطرفين، ووقوع أحدهما بلا مرجّح مستلزم لرجحانه، وهو مناف للفرض.

ومنها: أنّ الواجب ما كان بذاته منشأ لانتزاع الوجود من غير حاجة إلى العلّة، والممتنع ما كان ذاته منشأ لانتزاع العدم من غير حاجة إلى شيء آخر، والممكن ما ليس ذاته منشأ لانتزاع شيء من الوجود والعدم، بل طريان كلّ منهما له محتاج إلى ضمّ علّة، فلو كان ذاته بذاته منشأ لانتزاع الوجود من غير حاجة إلى ضمّ علّة لزم كونه واجبا، فإنّ المستغني بنفس ذاته عن العلّة مطلقا هو الواجب القديم الّذي يعبّر عنه المشّائيّون بالوجود الحقيقيّ.

٢٨

والإشراقيّون بالنور العينيّ.

والمتألّهون بمنشأ انتزاع الموجوديّة.

والصوفيّة بمرتبة الأحديّة وحضرة الجمعيّة وعين الكافور والوحدة الحقيقيّة وغير ذلك، واللازم باطل، فلا بدّ من كونه مفتقرا إلى علّة، وهو المطلوب.

ومنها: أنّ الممكن ما لم يترجّح لم يوجد، لأنّ ذلك هو قضيّة الإمكان، وذلك الترجّح أمر حادث لم يكن فيكون وجوديّا، فلا بدّ له من محلّ، وليس هو الأثر لتأخّره عن الترجّح، فيكون هو المؤثّر، وهو المطلوب.

ولهم أدلّة أخرى مذكورة في الكتب المبسوطة في الحكمة.

ويدلّ على ذلك أيضا بعض ما دلّ على وجوب وجود صانع حكيم، كدليل الدور ونحوه. ولسنا نحن بصدد التفصيل.

ثمّ هل الممكن كما يحتاج في وجوده إلى العلّة يحتاج في بقائه إليها أم لا، مسألة خلافيّة متفرّعة على أنّ علّة احتياج الممكنات إلى المؤثّر هل هي الإمكان أو الحدوث، فمن قال بالأوّل ـ كما هو المشهور ـ قال بالأوّل، ومن قال بالثاني قال بالثاني، إذ لا حدوث حال البقاء فلا احتياج.

دليل المشهور: أنّ العقل حاكم بأنّ الممكن ما يتساوى وجوده وعدمه، وما كان كذلك فهو محتاج إلى المرجّح المغاير حتى يرجّح أحد الطرفين، فيعلم منه أنّ علّة الحاجة في الواقع هي الإمكان، حيث رتّب العقل الاحتياج على تساوي الوجود والعدم، وأنّه قد يتصوّر الممكن ولا يحصل العلم باحتياجه إلى المؤثّر ما لم يلاحظ إمكانه حتّى لو فرض حادث واجب بالذات يحكم باستغنائه عن المؤثّر.

٢٩

وبعد ثبوت أنّ علّة الحاجة هي الإمكان يتّضح القول بأنّ الممكن الباقي حال بقائه محتاج إلى المؤثّر، فإنّ الإمكان لازم لمهيّة الممكن غير منفكّ عنها حال البقاء أيضا، فإنّ الممكن إنّما يصير ممكنا بوصف الإمكان بالضرورة، فمتى تحقّق العلّة وهي الإمكان يتحقّق المعلول وهو الحاجة بالبديهة، ضرورة وجوب تحقّق المعلول بتحقّق علّته التامّة. وذلك واضح.

واستدلّ الآخرون بأنّ تأثير المؤثّر في الباقي محال، لأنّه إن أفاد الوجود الّذي كان حاصلا يلزم تحصيل الحاصل، وإن أفاد أمرا متجدّدا لم يكن التأثير في الباقي، بل في ذلك الأمر المتجدّد، وبأنّ البناء كما يبقى بعد فناء البنّاء، كذلك يجوز أن يبقى الممكن من غير احتياج إلى المؤثّر.

وأجيب عن الأوّل بأنّ المؤثّر يؤثّر في استمرار الوجود وبقائه، فإنّ الحاصل بالحدوث ليس إلّا الوجود في زمانه، وحصول شيء في زمان لا يوجب حصول استمراره وبقائه، فإبقاء الوجود وإدامته من المؤثّر وهو غير حصول نفس الوجود.

وعن الثاني بأنّ الكلام في العلّة الموجدة وليس البنّاء موجدا للنباء، وإنّما هو علّة لحركات الآلات، وتلك الحركات علل عرضيّة معدّة لأوضاع مخصوصة بين تلك الآلات، وتلك الأوضاع مفاضة من علل فاعليّة غير تلك الحركات المستندة إلى حركة يد البنّاء.

ويتّضح من ذلك كلّه أنّ الغنيّ المطلق عن كلّ شيء هو الذات الأحديّة، فإنّها في مقامها الجليل ورتبتها الجليلة غير مفتقرة إلى شيء في الذاتيّة والوجود والبقاء التي هي شيء واحد بحقيقة الواحديّة في عالم الحقّ، لأنّ

٣٠

ذلك من لوازم العينيّة المسلّمة، وأنّ غيرها من الأشياء الممكنة محدثة بأمرها، موجودة بإفاضة الوجود منها إليها لها، باقية بإدامة رحمتها بها بحيث لو كان فيض الحقّ منقطعا عنها في أوّل الأمر لما كانت شيئا مذكورا.

وكذا لو انقطع الفيض الآن لما يبقى شيء. ونعم ما قيل: إنّ الممكن بالنسبة إلى فيض الحقّ كالمستضيء في مقابلة الشمس إذا حجب عنها زال ضوؤه وصار مظلما.

الثانية: في تعليق «الخلق» على «الإنسان» وإيقاعه عليه إشعار بأنّ المهيّات غير مجعولات بجعل الجاعل، كما هو مذهب بعض الحكماء.

والدليل على ذلك الإشعار أنّ تعليق أمر على الشيء فرع ثبوت ذلك الشيء، فقوله( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ) (١) معناه إنّا أوجدنا مهيّة الإنسان الثابتة، وألبسناها لباس الوجود، وأصبغناها بذلك الصبغ، كما يفعل الصبّاغ بالثوب، فالمهيّة شيء ثابت أزلا، والوجود شيء آخر يعرضها عروض الوصف بالموصوف.

كذا قد يخطر بالبال، وللمناقشة فيه مجال، لأنّ تعليق الأمر على شيء يتصوّر على وجهين :

الأوّل: أن يكون ذلك الأمر من الأوصاف الصرفة التي ينفكّ عن الموصوف المتصوّر، كزينة البيت، وصبغ الثوب، ونحو ذلك.

والثاني: أن يكون من الأوصاف اللازمة المقارنة التي هي في نفس الأمر مقدّمات وشرائط للشيء، كبناء البيت، ونسج الثوب.

__________________

(١) الإنسان: ٢.

٣١

ولا يخفى أنّ الأمر المعلّق إذا كان من الأوّل يجب ثبوت المعلّق عليه قبل التعليق، ولا يستلزم المقارنة، فإنّك إذا قلت: صبغت الثوب، يفهم منه ثبوت الثوب أوّلا حتّى يصبغ، وإذا كان من الثاني فلا يستلزم الثبوت السابق، بل التعليق يدلّ على المقارنة، فإنّك إذا قلت: بنيت البيت، يفهم منه أنّ ثبوت البيت قارن بناءه، وذلك واضح.

ولعلّ «الخلق» من ذلك القبيل، أي أوجدنا الإنسان وجعلنا مهيّته مهيّة مقارنة لوجوده، بمعنى أنّا جعلنا المهيّة المعقولة موجودة في الخارج بالجعل البسيط الّذي [هو] عبارة عن موجوديّة المهيّة في الخارج من غير أن تكون شيئا ثابتا في نفسها قبل ذلك، فيصبغها الجاعل بصبغ الوجود، كفعل الصبّاغ.

والحاصل أنّ فعل الحقّ للمهيّة وجعله لها هو بعينه إيجادها في الخارج، واتّصافها بالوجود مقارن لثبوتها، بل لا تمايز بينهما في الخارج حينئذ أصلا.

نعم يحصل التمايز بالتحليل العقليّ، وهما في غير خزينة العقل شيء واحد ثابتان في آن واحد، ألا ترى أنّ المتحرّك إذا تحرّك لا يجعل الحركة ولا شيئا آخر حركة، بل يفعل الحركة، وبمجرّد فعله لها تصير موجودة.

وكذا الخطّاط إذا خطّ لا يجعل الخطّ ولا شيئا آخر خطّا، بل يفعل الخطّ، وبمجرد فعله يصير موجودا في الخارج.

وهكذا، لا الجعل المركّب الّذي [هو] عبارة عن جعل الماهيّة إيّاها أوّلا، ثمّ إطراء الوجود عليها بحيث يكون كلّ منهما متميّزا عن الآخر، فإنّ

٣٢

ذلك باطل للزوم الجبر المنفيّ عقلا وشرعا، ولاستلزام وقوع الشكّ في كونها مهيّة عند الشكّ في وجود المؤثّر الجاعل. وهو باطل، فتأمّل.

وهنا مسلك آخر لبعض الحكماء، وهو أنّ الماهيّات قديمة أزليّة ثابتة بنفسها من نفسها غير مجعولة بجعل الجاعل، ولا تأثير للباري فيها لأزليّتها، وإنّما الباري خلعها خلعة الوجود، وصبغها بصبغ الوجود، كما قال:( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ) (١) فزمان الإيجاد غير زمان الثبوت متأخّر عنه، كيف وهي الحقائق الأزليّة الّتي أشار إليها عليّ عليه السلام في دعاء «سهم الليل» حيث قال: أللّهمّ إنّي أسألك بالحقائق الأزليّة(٢) إلى آخره، فتأمّل.

فقوله:( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ) معناه: إنّا أبدعنا وجوده وأثّرنا فيه لا في مهيّته، والقول بأنّ الوجود أمر اعتباريّ لا يصلح، لكونه أثرا للمؤثّر ممّا لا نفهمه.

والحاصل أنّه تعالى لقد أشار في تلك الآية إلى تأثيره الاختراعيّ بالنسبة إلى الوجود خاصّة، وهو التأثير الإبداعيّ على هذا المسلك، لا بالنسبة إلى المهيّة لأزليّتها، وبعض الحكماء يطلقون التأثير الاختراعيّ على إفاضة الأثر على قابل كالصور والأعراض على المادّة القابلة، والإبداعيّ على إيجاد الأليس عن الليس المطلق.

الثالثة: قال بعض العارفين: إنّ التقديم مع التأكيد والتقرير في قوله: ( إِنَّا

__________________

(١) البقرة: ١٣٨.

(٢) انظر: البلد الأمين: ٣٤٩، مصباح الكفعميّ: ٢٦٥.

٣٣

خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ) مفيد للحصر، وفيه إشارة إلى دفع ما يتوهّم من إسناد التصوير إلى المصوّرة، فإنّ الفطرة السليمة تشهد بأنّ المصوّرة مركّبة كانت أو بسيطة لا تمكّن لها من هذا التصوير العجيب والتشكيل البديع الغريب، فإنّ البنيّة البهيّة الإنسيّة خلقت بوجه يترتّب عليها بأجزائها منافع شتّى.

وقد أشار الحكماء إلى خمسة آلاف منها، وقالوا: إنّ الحدس الصائب يحكم بأنّ الّذي لم يدرك من منافعها أكثر بكثير ممّا أدرك.

قال جالينوس في آخر كتابه لشرح منافع الأعضاء: إنّي بعد ما عرفت هذه المنافع تنبّهت بأنّ خلق الإنسان وأعضائه ليس باتّفاق، بل روعي فيه تلك المنافع ومصالح أخرى ليس إلّا فعل حكيم خبير قدير. انتهى.

ثمّ إنّ الغزاليّ أسند أفعال المصوّرة، بل أفعال القوى كلّها إلى الملائكة، وإنّي أستفيد من هذه الآية وغيرها ردّ هذا أيضا، فإنّ من تفطّن بها تأكيدا وحصرا وعرف أنّ الإنسان في العلم والعرفان أكثر من الملك بكثير، ونبّه بأنّ الخالق الفاعل لهذا التصوير عليم بالمنافع خبير حكيم، علم أنّه ليس ذلك إلّا فعل فاعل الكلّ ومصوّره، وأنا أرى أنّه كما يستفاد من إتقان العقل وأحكامه علم العقل كما قرّروه واستدلّوا به على علمه تعالى، كذلك يستفيد اللبيب البصير الخبير من حال إتقان المصنوع كيفيّة وكمّيّة علم الصانع، بل كثيرا من صفاته. انتهى ملخّص كلامه.

وحاصله يرجع إلى ما قرّرناه من افتقار الممكن إلى المؤثّر الواجب، ومن أنّ الممكن لا يجوز أن يصير منشأ لوجود نفسه، فلا يمكن أن يصير منشأ لوجود غيره إلّا بالتوسيط، ومن أنّ فاقد الشيء لا يصلح لأن يكون موجدا له، كما قيل:

٣٤

ذات نايافته از هستى بخش

كى تواند كه شود هستى بخش

ولكن ما استفاده من بطلان التفويض والتوسيط فغير مستفاد، لأنّ الشيء كثيرا ما يستند إلى العلّة التامّة، فيقال: أثمر الله، وأنبت الله.

ولا ريب في أنّ الله هو العلّة لجميع العلل، فكيف ينكر عليه في نسبته الخلق إلى ذاته خاصّة مع الحصر، كيف ونسبة الشيء إلى غير العلّة التامّة من العلل المعدّة مجازيّة، يقال: أثمر الشجر، وأنبتت الأرض، وإن صحّت تلك النسبة أيضا.

ألا ترى إلى قوله تعالى:( وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ) (١) وقوله:( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (٢) كيف نسب التوفّي تارة إلى نفسه، وتارة إلى الملك.

ولا ريب أنّ الأوّل حقيقيّ، كما قال:( هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (٣) وإن كان بواسطة الغير.

ألا ترى أنّ الأشياء كلّها خلقت من المشيّة مع أنّه ينسب الخلق إلى الحقّ، كما قال:( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (٤) وربّما ينسب إلى المشيّة، نظرا إلى كونها واسطة، كما قال عليه السلام: أنا خالق السماوات والأرض بإذن ربّي.

وذلك واضح، فليس في الآية دلالة على أنّ الله خلق الإنسان بمباشرة ذاته من غير أن يفوّض إفاضة الوجود إليه إلى غير، وإن كان القول بالتفويض

__________________

(١) النحل: ٧٠.

(٢) السجدة: ١١.

(٣) غافر: ٦٨.

(٤) الزمر: ٦٢.

٣٥

بذلك المعنى باطلا بدليل آخر، وهنا أبحاث كثيرة لا يسعها المقام، ولا يتحمّلها أكثر الأنام.

الرابعة: يحتمل أن يكون المراد من النطفة ما هو المنشأ للوجود وهو المشيّة الأزليّة الّتي هي العلّة لوجود الأشياء الممكنة كما عرفت، وتخصيص الإنسان بالذكر لأنّ له من المقام والشرف ما ليس لغيره من الأشياء الّتي خلقت من المشيّة وبها.

وفي توصيف النطفة بالأمشاج الّتي هي الأطوار المختلفة إشارة إلى تطوّرات المشيّة وتحوّلاتها وترقّياتها وتعرّجاتها في حدّ ذاتها، فإنّها لا تزال يفيض الحقّ إليها في جميع الأحوال والأعصار بحسب ما يعلمه من المصلحة والقوّة.

ألا ترى أنّ للنطفة تحوّلات وتنقّلات بحسب الاستعداد. وإن فسّرنا «الإنسان» بمحمّد صلّى الله عليه وآله حينئذ، ففيه إشارة إلى مبادئ حاله صلّى الله عليه وآله ونهاية مآله.

أي لقد ترقّينا بمقام محمّد، بأن جعلناه إنسانا كاملا في الأنس بالحقّ، والفوز بنور الصدق بحيث لا مقام أعلى من مقامه، ولا معراج أرفع من معراجه، بعد ما كان في أوّل الأمر غير كامل واقعا موقع النطفة المستعدّة لتلك المرتبة، وذلك في زمان تشكّله بشكل آدم عليه السّلام، فإنّه في تلك الصورة له مقام النطفة. وهكذا إلى أن برز في هيكله الشريف الّذي كان عليه في زمانه بعد وساطة سائر المراتب كمرتبة نوح وإبراهيم وعيسى وموسى عليهم السّلام.

٣٦

ولقد أشار إلى تلك المراتب والتحوّلات بقوله:( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (١) ويناسب ذلك التفريع في قوله:( فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) أي جعلنا محمّدا في ذلك الهيكل الشريف والمقام المنيف، سميعا لكلماتنا المنزّلة، قابلا للحقائق الّتي ما اطلعنا على علمها أحدا من العالمين، بصيرا بآياتنا الجماليّة والجلاليّة، والبوارق الجذبيّة، والبارقات الكشفيّة الّتي لا يستطيع لها مادّة سوى مادّته الشريفة الّتي استعدّت من الأزل.

وهنا مطالب مكنونة لم يعثر عليها سوى العارفين، ولسنا نذكرها لما فيه من مظنّة ضلالة الغافلين.

وقيل: «النطفة» هي ماء الرجل الخارج من الصلب، وماء المرأة الخارج من الترائب، فما كان من عظم وعصب وقوّة فمن نطفة الرجل، وما كان من لحم ودم فمن المرأة.

وعن بعض الحكماء أنّ المراد بها العناصر المعروفة، أي ركّبنا الإنسان من تلك العناصر على التفصيل المقرّر في مقامه.

و «الأمشاج» إمّا جمع لمشج ومشيج، كالخلط والخليط، والجمع أخلاط، وإمّا مفرد بمعنى المشيج، فيستقيم التوصيف، كما في الثوب الأكياس، أي نطفة مختلطة من الماءين.

وقيل: أي نطفة أطوار متغيّرة من حال إلى حال، طورا علقة، وطورا

__________________

(١) المؤمنون: ١٢ ـ ١٤.

٣٧

مضغة، وطورا عظاما، إلى أن صار إنسانا.

وقيل: مختلفة اللون، فإنّ نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة خضراء وصفراء.

وقيل: أي نطفة مشجت بدم الحيض، فإذا حبلت ارتفع الحيض. والكلّ محتمل.

الخامسة: قال الطبرسيّ رحمه الله: «نبتليه» في موضع نصب على الحال(١) . انتهى.

أقول: هذا على المذهب المشهور متعيّن، وأمّا على مذهب من أجاز تقديم الوصف على الموصوف سيّما في مقام يراعى فيه السجع فالتعيين لا دليل عليه، فيحتمل كونه في موضع النصب على الوصفيّة لقوله:( سَمِيعاً بَصِيراً ) بل هو الأقوم لأنّه لا وجه للابتلاء قبل جعله سميعا بصيرا، إذ المراد به هو الاختبار بالتكليف ليظهر حاله من السعادة والشقاوة إلّا على تفسير «الإنسان» بمحمّد صلّى الله عليه وآله والنطفة الأمشاج بمراتب المشيّة، فإنّه صلّى الله عليه وآله لقد اختبر بالتكاليف في تلك المراتب السابقة بحسبها، وفي المرتبة الأخيرة الّتي هي نهاية المراتب بحسبها.

والإخبار عن جعله سميعا بصيرا بحسب تلك الرتبة لا ينفي كونه سميعا بصيرا في غيرها من المراتب بحسبها، فإنّ للإنسان الواحد تكاليف مختلفة في الأزمنة المختلفة. وذلك واضح.

والتكاليف الّتي اختبر الله بها محمّدا إمّا تعمّ التكاليف الّتي كلّف بها

__________________

(١) مجمع البيان، المجلّد ٥: ٦١١.

٣٨

لأجل نفسه من الطاعات والرياضات وما كلّف به لأجل الخلق كالدعوة إلى الإيمان والأمر بالعمل بما في القرآن، كما قال( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) (١) .

ولقد كان محمّد عبده الخاصّ ورسوله الّذي اصطفاه واختبره بجميع أنواع الاختبارات، فوجده قويّا لحمل التكاليف، جليدا في طاعة الخالق، صابرا على كلّ ما يصيبه في سبيل المرضاة، راضيا بجميع ما جرى عليه، كما قال:( إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) فأعطاه من الشرف والمقام ما لم يعط أحدا من العالمين، حيث قال( فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً ) (٣) أي للكلمات الإلهيّة، والتغنّيات اللاهوتيّة، والترنّيات الهاهوتيّة، والتفرّدات الملكوتيّة الإنسيّة( بَصِيراً ) أي بمشاهدة الأنوار القدسيّة، والشعاشع الجذبانيّة، واللوامع الربّانيّة.

ثمّ لا يخفى أنّ الابتلاء في ذلك الكلام وغيره ممّا نطق به القرآن ليس على حقيقته، إذ حقيقة الابتلاء هو طلب الاطّلاع على المجهول، ولا يتصوّر جهل على الحقّ الموصوف بجميع صفات الكمال على أكمل الاتّصاف.

كيف ولا يعزب عن علمه شيء، وهو بكلّ شيء عليم.

كيف وهو العالم بما كان قبل أن يكون، والمطّلع على أحوال كلّ شيء قبل خلق كلّ شيء، فلا شيء إلّا وهو العالم به قبل وجوده، والمطّلع على جميع أحواله قبل شهوده، ولا تغيير في علمه أصلا.

__________________

(١) المائدة: ٦٧.

(٢) القلم: ٤.

(٣) الإنسان: ٢.

٣٩

كيف ويعلم بكلّ شيء قبل خلقه كما يعلم به بعد خلقه، وذلك من الواضحات الّتي قد برهنّا عليها في بعض فوائدنا الشريفة.

بل المراد منه إتمام الحجّة على الخلق، وإعلامهم بما هم عليه من السعادة والشقاوة، فإنّ السعيد هو المفطور على السعادة في بطن أمّه، أي في قابليّته الأزليّة، وكذلك الشقيّ مذوّت على الشقاوة من أوّل الأمر، ولكن لـمـّا كان الفريقان لم يعلما بما هم عليه أوجدهم الله وابتلاهم بالتكاليف، وأرسل إليهم النبيّين مبشّرين ومنذرين ليطّلعوا على أحوالهم، ولئلّا يكون لهم على الله حجّة يوم القيامة، الّذي هو يوم بروز حقائق كلّ شيء بما هي عليه، وهو اليوم المشهود فيه خفايا ذوات كلّ شيء، كما قال:( ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) (١) وقال:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) (٢) وهنا أبحاث كثيرة لا يفهمها كثير من الأنام.

هذا على المذهب المختار، وأمّا على مذهب من زعم أنّ الله تعالى لا يعلم بالشيء إلّا بعد حصوله في الخارج، ولا يلمع نور علمه على الشيء إلّا بعد البروز، كما لا ينوّر الشمس مكانا إلّا بعد رفع الحاجب المانع عن الاستضاءة والاستنارة، فالابتلاء على حقيقته، فإنّه تعالى على ذلك يريد أن يطّلع على ما لم يحط به علمه.

ولا يخفى سخافة ذلك المذهب، كما فصّلنا وجهها في بعض تحقيقاتنا.

السادسة: قد استفاد بعض العارفين من قوله: ( فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) أنّ الإنسان بمزاجه في تركيبه استعدّ لهذه القوى، فإنّ في «الفاء» المفيدة

__________________

(١) هود: ١٠٣.

(٢) الطارق: ٩.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

(٤)

رواية الخوارزمي

فقد قال ما نصه: « حدثنا سيّد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إليّ من همدان - حدثنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله ابن عبدوس الهمداني كتابة، أخبرنا الشيخ أبو طاهر الحسين بن علي بن سلمةرضي‌الله‌عنه - من مسند زيد بن عليرضي‌الله‌عنه ، - حدثنا الفضل بن الفضل ابن العباس، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن سهل، حدّثنا محمد بن عبد الله البلدي، حدثني إبراهيم بن عبيد الله بن العلا، حدثني أبي عن زيد بن عليرضي‌الله‌عنه عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال:

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتحت خيبر: لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ على ملأٍ من المسلمين إلّا أخذوا من تراب نعليك وفضل طهورك يستشفون به.

ولكنْ حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك. وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي. أنت تؤدّي ديني وتقتل على سنتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك غداً على الحوض خليفتي وتذود عنه المنافقين، وأنت أول من يرد على الحوض، وأنت أول داخل الجنة من أمتي، وإن شيعتك على منابر من نور رواء مرويين مبيضّة وجوههم حولي، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنة جيراني. وإن عدوّك ظماء مظمئون مسودّة وجوههم مقمحون، حربك حربي وسلمك سلمي، وسرك سري وعلانيتك علانيتي، وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي.

وإن ولدك ولدي، ولحمك لحمي، ودمك دمي. وإن الحق معك، والحق

٣٨١

على لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك، والإِيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي. وإن الله عزّ وجلّ أمرني أن أبشرّك أنك وعترتك في الجنة وأن عدوك في النار، لا يرد الحوض عليّ مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك.

قال علي: فخررت له سبحانه وتعالى ساجداً، وحمدته على ما أنعم به علي من الإسلام والقرآن، وحبّبني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

(٥)

رواية العطّار الهمداني

وأما رواية الحفاظ أبي العلاء العطّار فستعلمها من عبارة الكنجي، فإنه من أعلام سند روايته.

(٦)

رواية الصالحاني

وأما رواية أبي حامد الصالحاني فتعلم من عبارة ( توضيح الدلائل )، فقد نقل عنه الحديث.

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين. وعنه القندوزي في الينابيع: ٦٣.

٣٨٢

(٧)

رواية الكنجي

وأما رواية الكنجي الشافعي فقد قال ما نصه: « أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن بركة الكتبي، أخبرنا الحافظ أبو العلاء الهمداني، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني، حدثنا أبو طاهر الحسين بن علي بن سلمة عن مسند زيد بن عليرضي‌الله‌عنه ، حدثنا الفضل بن الفضل بن العباس » إلى آخره(١) ، كما تقدم في الخوارزمي.

(٨)

رواية شهاب الدين أحمد

وأما رواية شهاب الدين أحمد فهي: « عن زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعنهم، قال قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتحت خيبر: لولا أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم

رواه الامام الحافظ الصالحاني وقال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي نصر بدانكفاد بقراءتي عليه قال: حدثنا الحسن بن أحمد قال: أخبرنا الامام الحافظ العالم الرباني أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني بسنده إلى زيد بن علي. فذكر سنده

____________________

(١). كفاية الطالب: ٢٦٤.

٣٨٣

ورواه أيضاً الإِمام أبو سعد في شرف النبوة بتغيير يسير في اللفظ وزيادة هي: ليس أحد من الأمة يتقدّمك، وأن أمير المؤمنين علياً كرم الله تعالى وجهه خرَّ ساجداً، ثم قال: الحمد لله الذي أنعم عليَّ بالاسلام، وهداني بالقرآن، وحبّبني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين، إحساناً منه وتفضّلاً.

أقول: هذا حديث جامع يدخل فيه أشتات أبواب المناقب، ويشتمل أسباب خصائص الفضائل وعلو المراتب، قد رواه أجلة الثقات من أهل السنة وعناه أدلة الثقاة، ولله الفضل والمنة، والمراد من إيراده في هذا الباب كما خطّه قلمي لفظة: وتقاتل على سنتي والايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي »(١) .

(٩)

رواية القندوزي

وأما رواية القندوزي فهي: « الموفق بن أحمد قال: أخبرنا سيّد الحفاظ أبو منصور » إلى آخر ما تقدم في الخوارزمي(٢) .

____________________

(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.

(٢). ينابيع المودة: ٦٣.

٣٨٤

(١٣)

عيبة علمي وبابي الذي أوتى منه

ومن رواته:

١ - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني.

٢ - أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد الخوارزمي.

٣ - أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي.

٤ - أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي.

٥ - أبو المجامع صدر الدّين الحموئي.

٦ - حسام الدين أبو عبد الله حميد المحلي.

٧ - السيد شهاب الدين أحمد.

٨ - محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.

٩ - سليمان بن إبراهيم البلخي القندوزي.

٣٨٥

(١)

رواية أبي نعيم

رواه أبو نعيم الاصفهاني بإسناده عن ابن عباس - حيث قال: « حدثنا أبو الفرج أحمد بن جعفر النسائي قال: حدثنا محمد بن جرير قال: حدّثنا عبد الله بن داهر الرازي قال: حدّثني أبي داهر بن يحيى الأحمري المقري قال: حدّثنا الأعمش عن عباية، عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

وقال: يا أم سلمة، إشهدي واسمعي: هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وعيبة علمي بابي الذي أوتي منه، والوصي على الأموات من أهل بيتي، أخي في الدنيا وخديني في الآخرة، ومعي في السّنام الأعلى »(١) .

(٢)

رواية الخوارزمي

ورواه الموفّق بن أحمد المكي الخوارزمي في ( المناقب ) بقوله: « أنبأني مهذب الأئمة هذا قال: أنبأنا محمد بن علي الشاهد قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المقري - قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا حبيب بن الحسن قال: حدثنا

____________________

(١). منقبة المطهرين أهل بيت محمد سيد الاولين والآخرين - مخطوط.

٣٨٦

عبدالله بن أيوب القرني قال: حدّثنا زكريا بن يحيى المنقري قال: حدّثنا إسماعيل ابن عباد المدني، عن شريك، عن منصور، عن ابراهيم بن علقمة، عن عبد الله قال:

خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند زينب بنت جحش، فأتى بيت أم سلمة - وكان يومها من رسول الله - فلم يلبث أن جاء عليرضي‌الله‌عنه فدقّ الباب دقّاً خفيفاً، فاستثبت رسول الله الدقّ وأنكرته أمّ سلمة، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قومي فافتحي له الباب. فقالت: يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب فأتلقاه بمعاصمي وقد نزلت فيَّ آية من كتاب الله بالأمس؟ فقال - كالمغضب -: إنّ طاعة الرسول طاعة الله، ومن عصى الرسول فقد عصى الله. إنّ بالباب رجلاً ليس بالنزق ولا الخرق، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. ففتحت له الباب، فأخذ بعضادتي الباب، حتى إذا لم يسمع حسّاً ولا حركة، وصرت إلى خدري - استأذن فدخل.

فقال رسول الله: أتعرفينه؟ قلت: نعم، هذا علي بن أبي طالب. قال: صدقت. سجيّته من سجيّتي، ولحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة علمي.

إسمعي واشهدي: وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي. إسمعي واشهدي: لو أن عبداً عبد الله ألف عام من بعد ألف عام بين الركن والمقام، ثمّ لقى الله مبغضاً لعليرضي‌الله‌عنه لأكبّه الله يوم القيامة على منخريه في نار جهنم ».

وقال الخوارزمي: « أنبأني أبو العلاء هذا، أخبرنا الحسن بن أحمد المقري قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الفرج أحمد بن جعفر النسائي » إلى آخر ما تقدم في أبي نعيم.

٣٨٧

(٣)

رواية الرّافعي

ورواه عبد الكريم الرافعي في ( التدوين في أخبار قزوين ) حيث قال: « كتب إلينا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي - وقرأت على يوسف بن عمر بسماعه منه - قال: ثنا أبو الفضل أحمد بن حسن خيرون، أنبأ أبو علي أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان، ثنا أبوبكر بن كامل، ثنا القاسم بن العباس، ثنا زكريا بن يحيى الحراز، ثنا إسماعيل بن عبّاد، ثنا شريك عن منصور عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيت زينب » بنحو ما تقدم إلى آخره.

(٤)

رواية الكنجي

ورواه أبو عبد الله الكنجي بقوله: « أخبرنا المعمَّر أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الكاشغري، أخبرنا الشيخان ابن النبطي والكاغذي، قال أبو الفتح أخبرنا أبو الفضل ابن خيرون، وقال أبو المظفر أخبرنا أبوبكر أحمد بن علي الطريثيثي قالا: أخبرنا أبو علي ابن شاذان، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، أخبرنا الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفارسي الفسوي في مشيخته، حدثنا أبو طاهر محمد بن قسيم الحضرمي، حدثنا حسن بن حسين العرني، حدثني يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير

٣٨٨

عن ابن عباس قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّ سلمة: هذا علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي. يا أم سلمة: هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ووعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتى منه. أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في المقام الأعلى، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين »(١) .

وقال الكنجي الشافعي: « الباب السادس والثمانون: في أن خلق عليرضي‌الله‌عنه مثل خلق النبي: أخبرنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن [ أبي ] الحسن الأرجي بدمشق، عن الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر بن علي السّلامي، أخبرنا محمد بن علي بن عبيد الله، ثنا عمي أحمد بن عبيد الله، حدثنا أبو الحسين بن الصواف، حدثنا عبد الله بن أبي سفيان، حدثنا محمد بن الكديمي، حدثنا زكريا ابن يحيى، حدثنا إسماعيل بن عبّاد عن شريك النخعي، عن سعيد بن زيد قال: خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيت زينب حتى دخل بيت أم سلمة - وكان يومها من رسول الله - فلم يلبث أن جاء علي بن أبي طالب فدقّ الباب » إلى آخر ما تقدم(٢) .

(٥)

رواية الحموئي

ورواه صدر الدّين الحموئي بسنده عن ابن درستويه عن الفسوي عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، كما تقدم

____________________

(١). كفاية الطالب: ١٦٧.

(٢). المصدر: ١٩٨.

٣٨٩

في الكنجي(١) .

(٦)

رواية المحلي

ورواية حميد المحلي تعلم من كلام الأمير الصنعاني الآتي.

(٧)

رواية شهاب الدين أحمد

ورواه السيد شهاب الدين أحمد في ( توضيح الدلائل ) عن ابن عباس، كما تقدم.

(٨)

رواية الأمير الصنعاني

ورواه محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في ( الروضة الندية - شرح التحفة العلوية ) حيث قال: « ذكر الفقيه العلامة حميدرحمه‌الله في شرحه بعضاً من الروايات في الخوارج ولم يستوف كما سقناه، إلّا أنه ذكر ما لم نذكره فيما مضى، وذكر بسنده الى ابن عباس قال: كان ابن عباس جالساً بمكة يحدّث الناس على شفير زمزم، فلما انقضى حديثه نهض إليه رجل من القوم فقال: يا ابن عباس، إنّي رجل من أهل الشام. قال: أعوان كلّ ظالم إلّا من عصم الله منكم، سل عما

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ١٤٩.

٣٩٠

بدالك قال: يا ابن عباس إني جئت أسألك عن علي بن أبي طالب وقتله أهل لا إله إلّا الله لم يكفروا بقبلة ولا حج ولا صيام رمضان. فقال له: ثكلتك أُمّك سلْ عما يعنيك قال: يا عبد الله ما جئتك أضرب من حمص لحج ولا عمرة، ولكن أتيتك لتخرج لي أمر علي وفعاله. فقال ويحك إن علم العالم صعب لا يحتمل، ولا تقربه القلوب ( إلى أن نقل عن ابن عباس أنه قال في خطاب الشامي ) فاجلس حتى أخبرك الذي سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاينته:

إن رسول الله تزوّج بنت جحش فأولم، وكانت وليمته الحيس، وكان يدعو عشرة عشرة من المؤمنين، فكانوا إذا أصابوا من طعام نبي الله استأنسوا إلى حديثه فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة أيام ولياليها، ثم تحوّل إلى بيت أم سلمة بنت أمية - وكان ليلتها وصبحها ويومها من رسول الله - فلما تعالى النهار وانتهى علي إلى الباب، فدقه دقاً خفيفاً، فعرف رسول الله دقّه وأنكرته أم سلمة، فقال: يا أم سلمة قومي وافتحي الباب

فقال الشامي: فرّجت عني يا ابن عباس، أشهد أن علياً مولاي ومولى كل مسلم ».

(٩)

رواية القندوزي

ورواه القندوزي عن الخوارزمي بسنده عن ابن عباس. وعن الحمويني بسنده عن ابن مسعود ».

أقول: ويؤيد هذاالحديث:

١ - قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في كلام له « أنا عيبة العلم أنا أوبة الحلم » رواه صاحب ( توضيح الدلائل ) وقد تقدّم النص الكامل له في الكتاب.

٣٩١

٢ - قولهعليه‌السلام في خطبة له في وصف آل محمد: « هم موضع سره ولجأ أمره وعيبة علمه » رواها باختصار القندوزي في ( ينابيع المودة - ٥٢٠ ).

٣ - قول سيدنا علي بن الحسينعليه‌السلام : « نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم ونحن عيبة علمه » وسيأتي نصّه قريباً.

٣٩٢

(١٤)

وهو بابي الذي أوتى منه

ومن رواته:

١ - أبوبكر أحمد بن موسى بن مردويه.

٢ - أبو القاسم علي بن الحسن ابن عساكر.

٣ - أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي.

(١)

رواية ابن مردويه

أما رواية أبي بكر ابن مردويه الاصبهاني فهذا نصها على ما نقل: « حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن داهر: قال حدثني أبي عن الأعمش عن عباية الأسدي عن ابن عباس قال: ستكون فتنة فمن أدركها - أو فإنْ أدركها أحد منكم - فعليه بخصلتين، كتاب الله وعلي بن أبي طالب، فإنّي سمعت رسول الله

٣٩٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - وهو آخذ بيد علي بن أبي طالب -: هذا أوّل من آمن بي وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، وهو الصّديق الأكبر وهو بابي الذي أوتى منه ».

(٢)

رواية ابن عساكر

وأما رواية ابن عساكر، فقد ذكرها الكنجي، وإليك نص كلامه:

(٣)

رواية الكنجي

في الباب الرابع والأربعين من كتابه: « أخبرنا العلّامة مفتي الشام أبو نصر محمد بن هبة الله القاضي، أخبرنا أبو القاسم الحافظ، أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أخبرنا أبو القاسم ابن مسعدة، أخبرنا أبو عبد الرحمن بن عمرو الفارسي، أخبرنا أبو أحمد ابن عدي، حدثنا علي بن سعيد بن بشير، حدثنا عبد الله بن داهر الرازي، حدثنا أبي عن الأعمش عن عباية عن ابن عباس قال: ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعلي بن أبي طالب هكذا أخرجه محدّث الشّام في فضائل علي في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاثمائة من كتابه بطرق شتى »(١) .

____________________

(١). كفاية الطالب ١٧٨ - ١٨٨.

٣٩٤

(١٥)

علي بن أبي طالب باب حطّة

ومن رواته:

١ - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني.

٢ - أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي.

٣ - السيد علي بن شهاب الهمداني.

٤ - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي.

٥ - عبد الوهاب بن محمد رفيع البخاري.

٦ - أحمد بن محمد - ابن حجر المكي.

٧ - علي بن حسام الدين المتقي.

٨ - شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني.

٩ - علي بن أحمد العزيزي الشافعي.

١٠ - ميزا محمد بن معتمد خان البدخشاني.

١١ - محمد صدر العالم.

١٢ - محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.

٣٩٥

١٣ - أحمد بن عبد القادر العجيلي.

١٤ - سليمان بن إبراهيم القندوزي.

(١)

رواية الدّارقطني

أما رواية الدارقطني، فستعلمها من نقل السيوطي وابن حجر والمتقي وغيرهم.

(٢)

رواية الديلمي

وأمّا الديلمي، فقد رواه عن ابن عباس في كتاب ( فردوس الأخبار ) حيث قال: « ابن عباس: علي باب حطة من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً ».

(٣)

رواية الهمداني

وأمّا الهمداني، فقد رواه في ( روضة الفردوس ) وفي ( المودة في القربى ) كذلك عن ابن عباس باللفظ المتقدم.

٣٩٦

(٤)

رواية السيوطي

وأما السيوطي فرواه بقوله: « علي باب حطة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كافراً. قط في الأفراد »(١) .

وهو الحديث التاسع والثلاثون من ( القول الجلي ).

(٥)

رواية ابن حجر

وأما ابن حجر المكي، فرواه عن الدارقطني في ( الصواعق ) حيث جعله الحديث الرابع والثلاثين من مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

(٦)

رواية المتقي

وأما المتقي، فقد رواه بقوله: « علي بن أبي طالب باب حطة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً. قط في الأفراد عن ابن عباس »(٣) .

____________________

(١). الجامع الصغير ٢ / ٦٦.

(٢). الصواعق المحرقة: ٧٥.

(٣). كنز العمال ١٢ / ٢٠٣.

٣٩٧

(٧)

رواية العيدروس

وأما العيدروس، فرواه عن الدارقطني عن ابن عباس كذلك(١) .

(٨)

رواية العزيزي

وأما العزيزي، فقال في شرحه: « علي باب حطة - أي طريق حط الخطايا، من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً. يحتمل أن المراد الحثّ على اتّباعه والزجر عن مخالفته. وقال المناوي: أي إنه تعالى كما جعل لبني اسرائيل دخولهم الباب متواضعين خاشعين سبباً للغفران، جعل الاهتداء بهدي علي سبباً للغفران. وهذا نهاية المدح. وقال العلقمي: أشار إلى قوله تعالى( وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ ) أي قولوا حط عنا ذنوبنا، وارتفعت على معنى مسألتنا أو أمرنا. فعلىرضي‌الله‌عنه ومن اقتدى به واهتدى بهديه وتبعه في أحواله وأقواله كان مؤمناً كامل الإِيمان. قط الأفراد عن ابن عباس »(٢) .

____________________

(١). العقد النبوي والسر المصطفوي - مخطوط.

(٢). السراج المنير - شرح الجامع الصغير - ٢ / ٤١٧.

٣٩٨

(٩)

رواية الأمير الصنعاني

وأما الأمير الصنعاني فقد قال:

قل من المدح بما شئت فلم

تأت فيما قلته شيئاً فريّا

كلّ من رام يداني شأوه

في العلى فاعدده روماً أشعبيا

هذه فذلكة لما تقدم من فضائله، كأنه قال: إذا قد عرفت أنه أحرز كل كمال وبذ في كل فضيلة كملة الرجال، فقلت ما شئت في مدحه. كأن تمدحه بالعبادة فإنه بلغ رتبتها العليّة. وبالشجاعة فإنه أنسى من سبقه من أبطال البرية، وبالزهادة فإنّه إمامها الذي به يقتدى، وبالجود فإنه الذي إليه فيه المنتهى. وبالجملة، فلا فضيلة إلّا وهو حامل لوائها ومقدَّم أمرائها. فقل في صفاته ما انطلق به اللسان، فلن يعيبك في ذلك إنسان.

وفي هذا إشارة إلى عدم انحصار فضائله كما قد أشرنا إليه سابقاً، وكيف تحصر لنا وقد قال إمام المحدثين أحمد بن حنبل: إنه ما ثبت لأحد من الفضائل الصحيحة مثل ما ثبت للوصيعليه‌السلام . وقد علم أن كتب السنة قد شرقت وغربت وبلغت مبلغ الرياح، فلا يمكن حصرها. ولنشر إلى ما لم نورده سابقاً.

فمن ذلك: إنه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة الرأس من البدن. كما أخرجه الخطيب من حديث البراء. و الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مني بمنزلة رأسي من بدني. ومن ذلك: إنه باب حطّة كما أخرجه الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي باب حطة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ».

٣٩٩

(١٦)

علي بن أبي طالب باب الدين

ومن رواته:

١ - أبو شجاع شيرويه الديلمي

٢ - السيد علي الهمداني.

٣ - سليمان القندوزي البلخي.

روى القندوزي في ( ينابيع المودة ) عن كتاب ( السبعين ) للسيّد علي الهمداني: « الحديث الأربعون - عنه - أي عن ابن عباس - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي ابن أبي طالب باب الدين. من دخل فيه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً. رواه صاحب الفردوس »(١) .

ويؤيد هذاالحديث : قول أم الخير بنت حريش بن سراقة البارقي، في كلام لها في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فإلى أين تريدون - يرحمكم الله - عن ابن عم رسول الله وصهره وأبي سبطيه؟ خلق من طينته وتفرّغ من نبعته وجعله

____________________

(١). ينابيع المودة ٢٣٦.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428