تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 320261 / تحميل: 5241
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

لقد كان الإمام أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام في معالي أخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الإسلامية فقد كان على جانب عظيم من سموّ الأخلاق، يقابل الصديق والعدو بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية، ورثها عن آبائه وجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي وسع الناس جميعاً بمكارم أخلاقه، وقد أثّرت مكارم أخلاقه على أعدائه والحاقدين عليه، فانقلبوا من بغضه إلى حبه والإخلاص له.(١)

ونقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيتعليهم‌السلام ، وحقده على الإمام عليعليه‌السلام ، أمر بسجن الإمام العسكريعليه‌السلام والتشديد عليه إلاّ أنّه لمّا حلّ في الحبس ورأى صاحب الحبس سمو أخلاق الإمامعليه‌السلام وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأساً على عقب، فكان لا يرفع بصره إلى الإمامعليه‌السلام إجلالاً وتعظيماً له، ولمّا خرج الإمام من عنده كان أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولاً فيه.(٢)

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : ٤٢.

(٢) أصول الكافي: ١/٥٠٨ ح ٨ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٩، ٣٣٠ وفي أعلام الورى: ٢/١٥٠ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

٢١

سماحته وكرمه

نقل المؤرخون نماذج من السيرة الكريمة للإمام العسكري عليه‌السلام نذكر بعضاً منها:

١ ـ روى الشيخ المفيد عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه‌السلام : قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل ـ يعني أبا محمد ـ فإنه قد وصف عنه سماحة.

فقلت: تعرفه ؟

قال: ما أعرفه، ولا رأيته قط.

قال: فقصدناه.

فقال لي أبي وهو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمس مئة درهم مئتا درهم للكسوة ومئتا درهم للدقيق، ومئة درهم للنفقة.

وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم، مائة اشتري بها حماراً ومائة للنفقة ومائة للكسوة، فأخرج إلى الجبل.

قال ـ أي محمد بن علي ـ فلما وافينا الباب خرج غلامه، فقال:يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه ، فلما دخلنا عليه وسلمنا، قال لأبي: ياعلي ما أخلفك عنا إلى هذا الوقت ، فقال: ياسيدي: استحييت أن ألقاك على هذا الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة، وقال: هذه خمسمئة درهم، مئتان لِلكسوة، ومئتان للدقيق، ومئة للنفقة . وأعطاني صرة وقال: هذه ثلاثمئة درهم اجعل مئة في ثمن حمار، ومئة للكسوة، ومئة للنفقة، ولا تخرج إلى الجبل، وصر إلى

٢٢

قال: فصار إلى سوار وتزوج بامرأة منها فدخله اليوم ألف دينار ومع هذا يقول بالوقف.(١)

٢ ـ وروى إسحاق بن محمد النخعي قال: حدثني أبو هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمدعليه‌السلام ضيق الحبس وكلب القيد(٢) ، فكتب إلي:(أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك) ، فأخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال، وكنت مضيقاً فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته إليه فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجّه إليّ بمئة دينار، وكتب إليّ:إذا كانت لك حاجة، فلا تستحِ ولا تحتشم واطلبها فإنك على ما تحب إن شاء الله .(٣)

٣ ـ وعن إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس قال: قعدت لأبي محمدعليه‌السلام على ظهر الطريق، فلما مرَّ بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أن ليس عندي درهم واحد، فما فوقه، ولا غذاء ولا عشاء قال: فقالعليه‌السلام :تحلف بالله كاذباً وقد دفنت مئتي دينار ؟! وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية، أعطه ياغلام ما معك ، فأعطاني غلامه مئة دينار ثم أقبل عليّ فقال:إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها ، وصدقعليه‌السلام ، وذلك أني أنفقت ما وصلني به، واضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه، وانغلقت عليّ أبواب الرزق، فنبشت الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب، فما قدرت منها على شيء.(٤)

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠٦ ح ٣ ب ١٢٤ وعنه في الإرشاد: ٢ / ٣٢٦، ٣٢٧ وعنه في كشف الغمة: ٣ / ٢٠٠.

(٢) كلب القيد: شدته وضيقه.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٨ ح ١٠ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣٠ وفي إعلام الورى: ٢/١٤٠ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

(٤) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١٤ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٢ وإعلام الورى: ٢/١٣٧ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٣، ولعلّه كان من المغضوب عليهم لدى بني العباس ولذلك لم يكفوه.

٢٣

زهده وعبادته

عُرف الإمام العسكريعليه‌السلام في عصره بكثرة عبادته وتبتّله وانقطاعه إلى الله سبحانه واشتهر ذلك بين الخاصة والعامة، حتى أنّه حينما حبس الإمامعليه‌السلام في سجن علي بن نارمش ـ وهو من أشد الناس نصباً لآل أبي طالب ـ ما كان من علي هذا إلاّ أن وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسن الناس قولاً فيه.(١)

ولما حبسه المعتمد كان يسأل السجّان ـ علي بن جرين ـ عن أحوال الإمامعليه‌السلام وأخباره في كل وقت فيخبره علي بن جرين أنّ الإمامعليه‌السلام يصوم النهار ويصلي الليل.(٢)

عن علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد عن عليّ بن عبدالغفّار قال: دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّدعليهما‌السلام .

فقال لهم صالح: وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك

ــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٥٠٨ ح ٨.

(٢) مهج الدعوات: ٢٧٥.

٢٤

انصرفوا خائبين(١) .

عن محمّد بن إسماعيل العلوي قال: دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف عندما حُبس أبو محمّد فقالوا له: ضيّق عليه، قال: وكّلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه عليّ بن بارمش واقتامش، فقد صارا من العبادة والصّلاح إلى أمر عظيم يضعان خدّيهما له، ثم أمر بإحضارهما فقال: ويحكما ما شأنكما في شأن هذا الرجل؟ فقالا: ما تقول في رجل يقوم اللّيل كلّه ويصوم النّهار ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا(٢) .

وكان يتسوّر عليه الدار جلاوزة السلطان في جوف الليل فيجدونه في وسط بيته يناجي ربّه سبحانه.

إنّ سلامة الصلة بالله سبحانه وما ظهر على يدي الإمام من معاجز وكرامات تشير إلى المنزلة العالية والشأن العظيم للإمامعليه‌السلام عند الله الذي اصطفاه لعهده والذي تجلّى في إمامته عليه‌السلام . (٣)

علمه ودلائل إمامته

وإليك شذرات من علوم الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ودلائل إمامته:

١ ـ عن أبي حمزة نصر الخادم قال: سمعت أبا محمدعليه‌السلام غير مرة يكلّم غلمانه بلغاتهم، وفيهم ترك، وروم وصقالبة، فتعجّبت من ذلك وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن ـ أي الإمام

ــــــــــــ

(١) الكافي: ١/٥١٣.

(٢) المناقب: ٢/٤٦٢.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) . البقرة(٢): ١٢٤.

٢٥

الهاديعليه‌السلام ـ ولا رآه أحد فكيف هذا ؟! أُحدّث نفسي بذلك فأقبل عليَّ وقال:إنّ الله جلّ اسمه بيّنَ حجته من ساير خلقه وأعطاه معرفة بكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأسباب والآجال والحوادث: ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق (١) .

٢ ـ وقال الحسن بن ظريف: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمدعليه‌السلام ، فكتبت إليه أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي ؟ وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّى الربع، فأغفلت ذكر الحُمّى، فجاء بالجواب:

سألتَ عن القائم إذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه‌السلام ولا يسأل البينة، وكنت أردت أن تسأل عن حمّى الرُّبع، فأنسيت فاكتب ورقة وعلّقها على المحموم فإنّه يبرأ بإذن الله إن شاء الله: ( يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) . فكتبت ذلك وعلّقته على المحموم فبرئ وأفاق.(٢)

٣ ـ وروى الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، قال: كتب أبو محمدعليه‌السلام إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوماً:إلزم بيتك حتى يحدث الحادث ، فلما قُتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث، فما تأمرني ؟ فكتب إليه:ليس هذا الحادث، الحادث الآخر . فكان من المعتز ما كان.(٣)

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣٠ وإعلام الورى: ٢/١٤٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

(٢) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١٣ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣١ وإعلام الورى: ٢/١٤٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٣ وحُمّى الرّبع: هو أن يأخذ يوماً ويترك يومين ويعود في اليوم الرابع، والآية من سورة الأنبياء: ٦٩.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٦ ح ٢ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٥ وعنه في كشف الغمة: ٣/٢٠٠ وابن «تريخة».كذا في النسخ وفي المصدر «بريحة» وقال الطريحي في المجمع «بريمة» هو: عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي العباسي الناصبي من ندماء المتوكل وقتله اثنان من الحسنيين بالكوفة قبل المعتز بأيام كما في الطبري: ٩/٣٨٨ وعنه في الكامل: ٧/٥٦، وجاء في هامش الإرشاد: ٢/٣٢٥ بهامش بريحة وابن اُترجة

٢٦

أي أن الإمامعليه‌السلام ، أشار إلى موت المعتز، فطلب من مواليه أن يلتزموا بالبقاء في بيوتهم حتى ذلك الوقت لظروف خاصة كانت تحيط بالإمامعليه‌السلام وبهم من الشدة وطلب السلطان وجلاوزته لهم.

ومن الطبيعي أن موت الخليفة يعقبه غالباً اضطراب في الوضع يمكّن معارضيه من التحرك والتنقل بسهولة.

٤ ـ وروى الشيخ الكلينيرضي‌الله‌عنه عن علي بن محمد عن الحسن بن الحسين قال: حدثني محمد بن الحسن المكفوف قال: حدثني بعض أصحابنا عن بعض فصّادي العسكر ـ أي سامراء ـ من النصارى: أن أبا محمدعليه‌السلام بعث إلي يوماً في وقت صلاة الظهر فقال لي:

إفصد (١) هذا العرق ، قال: وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد فقلت في نفسي، ما رأيت أمراً أعجب من هذا يأمرني أن أفصد في وقت وليس بوقت فصد، والثانية عرق لا أفهمه، ثم قال لي:انتظر وكن في الدار ، فلما أمسى دعاني فقال لي:سرّح الدم فسرّحت، ثم قال لي:أمسك فأمسكت، ثم قال لي:كن في الدار ، فلما كان نصف الليل أرسل إلي وقال لي:سرّح الدم ، قال: فتعجبت أكثر من عجبي الأول وكرهت أن أسأله: قال: فسرحت فخرج دم أبيض كأنه الملح: قال: ثم قال لي:احبس ، فحبست. ثم قال:كن في الدار (٢) ، فلما أصبحت قدم إلي تخت ثياب وخمسين ديناراً وقال:خذها واعذر وانصرف فصرت إلى بختيشوع وقلت له القصة ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها

ــــــــــــ

(١) الفصد: شق العرق، يستخرج دمه ; لسان العرب، ابن منظور: ١٠ / ٢٧٠، طبع بيروت، إحياء التراث.

(٢) الكافي: ١ / ٥١٢.

٢٧

نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصة ذكراً في العالم فلم نجد.

ثم قال بختيشوع: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول، فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى، فخرجت وناديته فأشرف عليّ فقال من أنت ؟ قلت صاحب بختيشوع. قال: أمعك كتابه ؟ قلت: نعم فأرخى لي زنبيلاً، فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته وقال: أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت: نعم، قال: طوبى لأمك، وركب بغلاً، وسرنا، فوافينا(سرّ من رأى) وقد بقي من الليل ثلثه، قلت: أين تحب ؟ دار أستاذنا أم دار الرجل ـ أي دار الإمام الحسن العسكري ـ ؟ قال: دار الرجل، فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأول ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود وقال: أيكما راهب دير العاقول ؟ فقال: أنا جعلت فداك، فقال انزل، وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلين، وأخذ بيده ودخلا فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج الراهب، وقد رمى بثياب الرهبانية ولبس ثياباً بيضاً وأسلم فقال: خذني الآن إلى دار أستاذك، فصرنا إلى باب بختيشوع، فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال، ما الذي أزالك عن دينك ؟

قال: وجدت المسيح وأسلمت على يده، قال: وجدت المسيح ؟! قال: أو نظيره، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات.(١)

٥ ـ وعن أبي علي المطهري أنه كتب إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلى الحج وأنه يخاف العطش إن مضى، فكتبعليه‌السلام :امضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله ، فمضوا سالمين(ولم يجدوا عطشاً)(٢) والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــ

(١) الخرائج والجرايح: ١ / ٤٢٢. وبحار الأنوار: ٥ / ٢٦٢.

(٢) الكافي: ١/٥٠٧، والمناقب: ٢/٤٦٤.

٢٨

الباب الثاني

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيهعليهما‌السلام .

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام

نسبه الشريف

هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام (١) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وأمه أم ولد يقال لها: حديث. أو سليل، وكانت من العارفات الصالحات.(٢) وذكر سبط بن الجوزي: أن اسمها سوسن. (٣)

محل الولادة وتأريخها

ولد الإمام أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام ـ كما عليه أكثر المؤرخين ـ في شهر ربيع الآخر سنة(٢٣٢هـ) من الهجرة النبوية المشرفة في المدينة المنورة.

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١ / ٥٠٣.

(٢) الإرشاد: ١ / ٣١٣.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٢٤.

٢٩

ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف من حيث اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها.

فمنهم من قال أنّ ولادته كانت سنة(٢٣٠هـ)(١) وقال آخرون إنها كانت سنة(٢٣١ هـ )(٢) أو سنة(٢٣٢هـ)(٣) أو سنة(٢٣٣هـ)(٤) .

وروي أنها كانت في السادس من ربيع الأوّل أو السادس أو الثامن أو العاشر من ربيع الآخر أو في رمضان(٥) .

ولا نرى غرابة في هذا الاختلاف، فربما يعزى إلى إجراءات كان الإمام الهاديعليه‌السلام يقوم بها من أجل المحافظة على حياة الإمام العسكري عليه‌السلام أو يكون لغير هذا من أسباب تعزى إلى ملابسات تأريخية خاصة.

ألقابهعليه‌السلام وكناه

أطلق على الإمامين علي بن محمد والحسن بن عليعليهما‌السلام (العسكريّان) لأنّ المحلة التي كان يسكنها هذان الإمامان ـ في سامراء ـ كانت تسمى عسكر(٦) .

و(العسكري) هو اللقب الذي اشتهر به الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام . وله ألقاب أخرى، نقلها لنا المحدّثون، والرواة، وأهل السير وهي: الرفيق، الزكي، الفاضل، الخالص، الأمين، والأمين على سرّ الله، النقي، المرشد إلى

ــــــــــــ

(١) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: ٧ / ١٢٦.

(٢) تذكرة الخواص: ٣٢٤، وكشف الغمة: ٣/ ١٩٢ عن ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول.

(٣) وفيات الأعيان: ٢ / ٩٤.

(٤) دلائل الإمامة: ٢٢٣.

(٥) راجع حياة الإمام العسكري(دراسة تحليلية تاريخية علمية): ٥٨ ـ ٥٩.

(٦) بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٣٥.

٣٠

الله، الناطق عن الله، الصادق، الصامت، الميمون، الطاهر، المؤمن بالله، وليّ الله، خزانة الوصيين، الفقيه، الرجل، العالم(١) .

وكل منها له دلالته الخاصّة على مظهر من مظاهر شخصيته وكمال من كمالاته.

وكان يكنّى بابن الرضا. كأبيه وجدّه، وكنيته التي اختص بها هي:(أبو محمد).

ملامحه

وصف أحمد بن عبيد الله بن خاقان ملامح الإمام الحسن العسكري بقوله: إنه أسمر، أعين(٢) ، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، له جلالة وهيبة(٣) . وقيل: إنّه كان بين السمرة والبياض(٤) .

النشأة وظروفها

نشأ الإمام أبو محمدعليه‌السلام في بيت الهداية ومركز الإمامة الكُبرى، ذلك البيت الرفيع الذي أذهب الله عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيراً. وقد وصف الشبراوي هذا البيت الذي ترعرع فيه هذا الإمام العظيم قائلاً:

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ١ / ٣٠٧، إثبات الهداة: ١ / ٦٥١، ٥٤٤، ٤٦٩، الشيعة والرجعة: ١ / ٨٨.

وحياة الإمام العسكري: ٢٣ ـ ٢٨(للشيخ محمد جواد الطبسي. والألقاب الثلاثة الأخيرة هي الألقاب التي وردت في الكتب الرجالية باعتبار ورودها في أسانيد الروايات والتي كانت تلاحظ فيها ظروف النقل والرواية.

(٢) الأعين: الواسع العين.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٣ ح ١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢١، وفي كمال الدين: ١/٤٠ بطريق آخر، وعن الكليني أو المفيد في إعلام الورى: ٢/١٤٧، وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/١٩٧، وعن كمال الدين والإرشاد والإعلام في بحار الأنوار: ٣٢٦ ـ ٣٣٠.

(٤) بحار الأنوار: ٥٠ / ٣٢٨ وأخبار الدول: ١١٧.

٣١

فللّه درّ هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف، وناهيك به من فخار، وحسبُك فيه من علوّ مقدار، فهم جميعاً في كرم الأرومة وطِيب الجرثومة كأسنان المشط; متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون، فياله من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماء عُلاً ونُبلاً، وسما على الفرقدين منزلةً ومحلاًّ، واستغرق صفات الكمال فلا يستثنى فيه بـ «غير» ولا بـ «إلاّ»، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف فاستوى الأوّل والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم، والله يرفعه، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه، وكم ضيّعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيّعه»(١) .

لقد ظفر الإمام أبو محمد بأسمى صور التربية الرفيعة وهو يترعرع في بيت زكّاه الله وأعلى ذكره ورفع شأنه حيث ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ... ) (٢) ، ذلك البيت الذي رفع كلمة الله لتكون هي العليا في الأرض وقدّم القرابين الغالية في سبيل رسالة الله.

وقطع الإمام الزكي شوطاً من حياته مع أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام لم يفارقه في حلّه وترحاله، وكان يرى فيه صورة صادقة لمُثل جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما كان يرى فيه أبوه أنّه امتداد الرسالة والإمامة فكان يوليه أكبر اهتمامه، ولقد أشاد الإمام الهاديعليه‌السلام بفضل ابنه الحسن العسكري قائلاً:«أبو محمد ابني أصحّ آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غريزةً وأوثقهم حجة. وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها» (٣) ، والإمام الهادي بعيد عن

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري(دراسة وتحليل): ١٠٣ عن الإتحاف بحبّ الأشراف: ٦٨.

(٢) النور(٢٤): ٣٧.

(٣) أصول الكافي: ١/٣٢٧ ح ١١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣١٩ وإعلام الورى: ٢/١٣٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/١٩٦، وعن بعضها في أعيان الشيعة ٤ ق ٣: ٢٩٥ وعنه في حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٣.

٣٢

المحاباة والاندفاع العاطفي مثله في ذلك آبائه المعصومين.

وقد لازم الإمام أبو محمدعليه‌السلام أباه طيلة عقدين من الزمن وهو يشاهد كل ما يجري عليه وعلى شيعته من صنوف الظلم والاعتداء. وانتقل الإمام العسكريعليه‌السلام مع والده إلى سرَّ من رأى(سامراء) حينما وُشي بالإمام الهاديعليه‌السلام عند المتوكل حيث كتب إليه عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي: «يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام ـ أي علي الهاديعليه‌السلام ـ فأشخصه عن المدينة مع يحيى بن هرثمة حتى صار إلى بغداد، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقّيه، فرأى تشوّق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل، ودخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سرَّ من رأى»(١) .

ولقد أسرف المتوكّل العباسي في الجور والاعتداء على الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام ففرض عليه الإقامة الجبرية في سامرّاء وأحاط داره بالشرطة تحصي عليه أنفاسه وتمنع العلماء والفقهاء وشيعته من الاتصال به، وقد ضيّق المتوكّل على الإمام في شؤونه الاقتصادية أيضاً، وكان يأمر بتفتيش داره بين حين وآخر، وحمله إليه بالكيفية التي هو فيها.

وكان من شدّة عداء المتوكّل لأهل البيتعليهم‌السلام أن منع رسميًّا من زيارة قبر الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام بكربلاء، وأمر بهدم القبر الشريف الذي كان مركزاً من مراكز الإشعاع الثوري في أرض الإسلام.

وكانت كل هذه الظروف المريرة هي الظروف التي عاشها الإمام الزكي أبو محمد العسكريعليه‌السلام وهو في نضارة العمر وغضارة الشباب فكَوَتْ

ــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٨٤.

٣٣

نفسه آلاماً وأحزاناً وقد عاش تلك الفترة في ظل أبيه وهو مروّع فذابت نفسه أسىً وتقطّعت ألماً وحسرة(١) .

وكان استشهاد والده(سنة ٢٥٤هـ) وتقلّد الإمامة بعده وكانت فترة إمامته أقصر فترة قضاها إمام من أئمة أهل البيت الأطهار وهم أصح الناس أبداناً وسلامة نفسيّة وجسديّة. قد استشهد وهو بعد لمّا يكمل العقد الثالث من عمره الشريف، إذ كان استشهاده في سنة(٢٦٠هـ)(٢) فتكون مدة إمامتهعليه‌السلام ست سنين. وهذه المدة القصيرة تعكس لنا مدى رعب حكّام الدولة العباسية منه ومن دوره الفاعل في الأمة لذا عاجلوه بعد السجن والتضييق بدس السم له وهو لم يزل شاباً في الثامنة أو التاسعة والعشرين من عمره الميمون.(٣)

ولا بد من الإشارة إلى أنّ المنقول التاريخي عن الإمام العسكريعليه‌السلام في ظل حياة والده الإمام علي الهاديعليه‌السلام ومواقفهما لا يتعدى الولادة والوفاة والنسب الشريف وحوادث ومواقف يسيرة لا تتناسب ودور الإمامعليه‌السلام الذي كان يتمثل في حفظ الشريعة والعمل على إبعاد الأمة عن الانحراف ومواجهة التحديات التي كانت تواجهها من قبل أعداء الإسلام.

غير أن مجموعة من الروايات التي نقلها لنا بعض المحدثين تشير إلى أمور مهمّة من حياة الإمام العسكريعليه‌السلام ، وقد أشار الإمام العسكري نفسه إلى صعوبة ظرفه بقولهعليه‌السلام :«ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما مُنيتُ به من شك هذه العصابة فيّ» .(٤)

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٤.

(٢) الإرشاد: ٢ / ٣١٥، وعنه في بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٣٦.

(٣) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٢٢.

(٤) تحف العقول: ٥١٧.

٣٤

وهذا شاهد آخر على حراجة الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بالإمامين العسكريين علي بن محمد والحسن بن عليعليهما‌السلام والتي كانت تحتم إبعاد الإمام العسكري من الأضواء والاتصال بالعامة إلاّ في حدود يسمح الظرف بها أو تفرضها ضرورة بيان منزلته وإمامته وعلو مكانته وإتمام الحجة به على الخواص والثقاة من أصحابه، كل ذلك من أجل الحفاظ على حياته من طواغيت بني العباس.

وإن ما ورد منه في وفاة أخيه محمد يعدّ مؤشراً آخر يضاف إلى قول الإمامعليه‌السلام ويدل على صعوبة الظرف الذي كان يعيشه الإمامان وحالة الاستعداء التي كانت تفرضها السلطة عليهما، فعند وفاة محمد بن علي الهاديعليه‌السلام ـ كما يروي الكليني عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس ـ حيث قال: «إنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسنعليه‌السلام وقد بسط في صحن داره والناس جلوس حوله فقالوا: قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب ومن بني العباس وقريش مئة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس إذ نظرنا إلى الحسن بن عليعليه‌السلام قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه فنظر إليه أبو الحسنعليه‌السلام بعد ساعة من قيامه ثم قال له:«يابني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً» .

فبكى الحسنعليه‌السلام واسترجع وقال:«الحمد لله رب العالمين، وإيّاه أسأل تمام نعمه لنا فيك وإنا لله وإنا إليه راجعون» .

فسألنا عنه فقيل لنا: هذا الحسن إبنه وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين

٣٥

سنة أو أرجح فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه»(١) .

ونلاحظ أن سؤال جماعة عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وفي هذه المناسبة الأليمة التي حضرها أعيان الناس دليل قوي على مدى تكتّم الإمام الهادي على ولده العسكريعليهما‌السلام ، خصوصاً وهو قد بلغ العشرين من مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام عمره الشريف.

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

تنقسم حياة الإمام العسكريعليه‌السلام إلى مرحلتين متميزتين:

المرحلة الأولى: هي الأيام التي قضاها الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في ظلال إمامة أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام والتي تقرب من(٢٢ سنة) حيث تنتهي باستشهاد أبيه سنة(٢٥٤هـ ).

ولا نملك صورة تفصيلية عن هذين العقدين من الزمن فيما يخص حياة الإمام الحسن العسكري سوى بضعة حوادث تتلخص في صور من خشيته لله منذ صباه وعلاقته الحميمة بأخويه محمد والحسين ثم رزؤه بأخيه محمد، ثم زواجه ونصّ الإمام الهادي على إمامته، ثم تجهيزه لأبيه حين وفاته صلوات الله عليه.

ولا بد لنا أن نلمّ بأحداث عصر الإمام الهاديعليه‌السلام ومواقفه منها كي نستطيع أن نخرج بصورة واضحة عن الظروف التي أحاطت بالإمام العسكريعليه‌السلام في المرحلة الثانية من حياته كي يتسنى لنا تقويمها ودراسة نشاطاتهعليه‌السلام في عصر إمامته الذي لا نجد عصراً أقصر منه ولا أشد حراجة بالنسبة للإمام نفسه ولشيعته ولأهدافه.

ــــــــــــ

(١) الكافي: كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام ، الحديث رقم ٨.

٣٦

المرحلة الثانية: هي أيام إمامته حتى استشهاده والتي تبدأ من سنة(٢٥٤هـ) وحتى سنة استشهاده(٢٦٠هـ) وهي مرحلة حافلة بأحداث مهمة على الرغم من قصرها.

وقد عاصر فيها كُلاًّ من المعتزّ(٢٥٥ هـ ) والمهتدي(٢٥٦ هـ ) والمعتمد(٢٧٩ هـ )

وتبرز مدى أهميتها حينما نتصوّر أهمية مرحلة الغيبة التي كان لا بد للإمام الحسن العسكريعليه‌السلام أن يقوم بالتمهيدات اللازمة فيها لنقل شيعة أهل البيتعليهم‌السلام من مرحلة الحضور إلى مرحلة الغيبة التي يُراد من خلالها حفظ الإمام المعصوم وحفظ شيعته وحفظ خطّهم الرسالي من الضياع والانهيار والاضمحلال، حتّى تتهيّأ الظروف الملائمة لثورة أهل البيت الربّانية على كل صروح الظلم والطغيان وتحقيق جميع أغراض الرسالة الإلهية الخالدة على وجه الأرض من خلال دولة العدالة العالمية لأهل البيتعليهم‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيهعليهما‌السلام

كان شخوص الإمام الهادي مع ابنه الحسن العسكريعليه‌السلام من المدينة سنة(٢٣٤هـ)(١) ، ورافقه خلال مدة تواجده في سامرّاء البالغة عشرين سنة فيكون قد عاش الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في ظل أبيه اثنين وعشرين سنة حيث استشهد أبوه الإمام الهاديعليه‌السلام سنة(٢٥٤هـ).

وقد عاش الظروف المأساوية القاسية التي كان يعيشها الإمام الهاديعليه‌السلام وشيعته والتي كانت تفرضها السلطة الغاشمة على الإمامعليه‌السلام وأتباعه من أجل إيقاف نشاط الإمام ونشاط أتباعه أو تحديده وتطويقه لئلاّ يتسع نشاط مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام وتنتشر آثارهم بين جميع أبناء الأمة الإسلامية ذلك النشاط الذي قد يؤدي إلى المواجهة معها ; لذا فهي كانت تعمد إلى الاضطهاد والسجن والنفي والمتابعة وهي وسائل السلطات الجائرة على امتداد تاريخ الإنسان.

١ ـ طفولة متميّزة

روي أن شخصاً مرّ بالحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام وهو واقف مع

ــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري: ٧ / ٥١٩.

٣٧

أترابه من الصبيان، يبكي، فظنّ ذلك الشخص أن هذا الصبيّ يبكي متحسّراً على ما في أيدي أترابه، ولذا فهو لا يشاركهم في لعبهم، فقال له: أشتري لك ما تلعب به ؟، فردّ عليه الحسنعليه‌السلام :«لا، ما للّعب خُلِقنا» .

وبهر الرجل فقال له: لماذا خلقنا ؟ فأجابهعليه‌السلام :«للعلم والعبادة» .

فسأله الرجل: من أين لك هذا ؟، فأجابهعليه‌السلام : من قوله تعالى( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ) .

وبهت الرجل ووقف حائراً، وانطلق يقول له: ما نزل بك، وأنت صغير لا ذنب لك ؟!!

فأجابهعليه‌السلام :«إليك عنّي، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار، فلا تتقد إلاّ بالصغار، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنّم» (١) .

وروي عن محمّد بن عبد الله أنه قال: وقع أبو محمدعليه‌السلام وهو صغير في بئر الماء وأبو الحسنعليه‌السلام في الصلاة، والنسوان يصرخن، فلمّا سلّم قال:لا بأس . فرأوه وقد ارتفع الماء إلى رأس البئر وأبو محمد على رأس الماء يلعب بالماء (٢) .

٢ ـ عصر الإمام الهاديعليه‌السلام

عاصر الإمام الهاديعليه‌السلام مدة إمامته ستّة من خلفاء بني العباس، المعتصم منذ سنة(٢٢٠ ـ ٢٣٢ هـ ) والمتوكل(٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ) حيث قتل على يد الأتراك، ثم جاءت أيام المنتصر ـ وكانت مدّة خلافته ستة أشهر ويومين، ثم المستعين(٢٤٨ ـ ٢٥٢هـ) كما عاصر الشطر الأكبر من خلافة

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٢ ـ ٢٣ عن جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: ١٥٥.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٤٥١ ح ٣٦ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٧٤.

٣٨

المعتز(٢٥٢ ـ ٢٥٥هـ) حيث كان استشهاد الإمام الهاديعليه‌السلام سنة(٢٥٤هـ)(١) ، وفي هذا العام تولى مهام الإمامة ابنه الحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام .

وكانت الظروف التي تمر بها الدولة العباسية بعد تولي المتوكل ظروفاً صعبة جداً، إذ إنها كانت تعد مؤشراً على ضعفها، وتشكل بدايةً لانحلالها، فالحروب الداخلية والخارجية من جهة، والقتال بين أبناء الخلفاء على كرسي الحكم من جهة أخرى كالذي حصل بين المستعين والمعتز والذي أدّى إلى تولي المعتز وخلع الأول عام(٢٥٢هـ)(٢) . كل واحد من هذه الصراعات كان له تأثيره المباشر في إيجاد الضعف والانحلال.

وتمثّلت الأحداث الداخلية أيضاً بنشاط الخوارج والذي كان نشاطاً قوياً فعالاً مدعماً بالمال والسلاح بقيادة مادر الشاري، وهناك أيضاً الثورات والانتفاضات العلوية إلى جانب نزاعات الطامعين في السلطة.

كما ان الدولة كانت تعاني من سوء الحالة الاقتصادية نتيجة للبذخ والإسراف الذي كانت تعيشه رجالات البلاط والوزراء وحاشيتهم، وفي أيام المتوكل قام المتوكّل بهدم قبر الإمام الحسينعليه‌السلام (٣) ، ومَنَعَ القاصدين لزيارته عن زيارته; لأن المتوكل كان يتجاهر بعدائه لآل أبي طالب ومطاردتهم، ولم يرد تجاه تلك الأحداث أي تعليق من قبل الإمام الهاديعليه‌السلام ، ويمكن أن يقال: «إنه لم يرد إلينا عن موقف الإمامعليه‌السلام مع الخلفاء شيء سوى ما جاء عن موقفه من المتوكل وهو أقل القليل».(٤)

ــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري: ٧ أحداث سنة ٢٣٤ وسنة ٢٥٤ هـ.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٧٦.

(٣) تاريخ ابن الوردي: ١ / ٢١٦.

(٤) تاريخ الغيبة الصغرى: ١١٧.

٣٩

وكانت للإمام الهاديعليه‌السلام منزلة سامية ومكانة رفيعة القدر لدى أهل المدينة لإحسانه إليهم وعلاقته القوية معهم، فلمّا أشخصه المتوكل وأرسل يحيى ابن هرثمة لجلب الإمام من المدينة إلى سامراء عام(٢٣٤هـ) اضطرب الناس وضجّوا كما يروي يحيى بن هرثمة نفسه حيث قال: «فذهبت إلى المدينة فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً، ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ـ أي الإمام الهاديعليه‌السلام ـ وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا، فجعلت أسكّنهم، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتّشتُ منزله فلم أجد إلاّ مصاحف وأدعية، وكتب علم، فعظم في عيني»(١) .

وتعكس هذه الرواية لنا حجم ما كان يؤديه الإمام الهاديعليه‌السلام من دور في المدينة والذي نتج عنه حصول روابط ووشائج قوية تصل الأمة به كما كانت توصله بالأمة، وربما كان المتوكل قد وقف على هذا التأثير البالغ للإمامعليه‌السلام فكان سبباً لإبعاده عن المدينة المنوّرة إلى سامراء التي أسسها العباسيون أنفسهم والتي عُرفت بميول أهلها والذين كان أغلبهم من الأتراك إلى العباسيين أوّلاً، بالإضافة إلى ما عرفوا به من تطرّف في التوجه إلى السيطرة والسلطة ثانياً.

٣ ـ مواقف الإمام الهاديعليه‌السلام تجاه الأحداث

يتضح لنا من خلال الإجراءات التي قام بها المتوكل العباسي تجاه الإمام الهاديعليه‌السلام أنّ حركة الإمام وقيامه بمهامّه إزاء الأمة وخاصّته ـ وهي القواعد

ــــــــــــ

(١) تذكرة الخواص: ٣٦٠ عن علماء السير.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

للمراوضة على الأمان أمّنوهم ، ولهذا لو لم يتّفق بينهم أمر ، كان عليهم أن يردّوهم إلى مأمنهم.

مسألة ٥٨ : لو قالوا : أمِّنوا على ذرّيّتنا ، فأمّنوهم على ذلك ، فهم آمنون‌ وأولادهم وأولاد أبنائهم وإن سفلوا ؛ لعموم اسم الذرّيّة جميع هؤلاء.

والأقرب : دخول أولاد البنات ؛ لقوله تعالى :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ - إلى قوله -وَعِيسى ) (١) .

ولأنّ الذرّيّة اسم للفرع المتولّد من الأصل ، والأب والاُمّ أصلان في إيجاد الولد ، بل التولّد والتفرّع في جانب الاُمّ أرجح ؛ لأنّ ماء الفحل يصير مستهلكاً في الرحم وإنّما يتولّد منها بواسطة ماء الفحل.

ولو قالوا(٢) : أمِّنونا على أولادنا ، ففي دخول أولاد البنات إشكال.

مسألة ٥٩ : لو قالوا : أمِّنونا على إخوتنا ولهم إخوة وأخوات ، فهم آمنون ، لتناول اسم الإخوة الذكر والاُنثى عند الاجتماع.

قال الله تعالى :( وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً ) (٣) .

ولا تدخل الأخوات بانفرادهنّ ؛ لأنّ اسم الذكور لا يتناولهنّ منفردات.

وكذا لو قالوا : أمِّنونا على أبنائنا ، دخل فيه الذكور والإناث ولا يتناول الإناث بانفرادهنّ إلّا إذا كان المضاف إليه أبا القبيلة ، والمراد به النسبة إلى القبيلة.

ولو تقدّم من المستأمن لفظ يدلّ على طلب الأمان(٤) لهنّ ، انصراف‌

____________________

(١) الأنعام : ٨٤ و ٨٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قال ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) النساء : ١٧٦.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « الإناث » بدل « الأمان ». وما أثبتناه هو الصحيح.

١٠١

الأمان إليهنّ وإن كان بلفظ الذكور ، مثل : ليس لي إلّا هؤلاء البنات والأخوات وأمّنوني على بنيّ و(١) إخوتي.

ولو قالوا(٢) : أمّنونا على آبائنا ، ولهم آباء واُمّهات ، دخلوا جميعاً في الأمان ؛ لتناول اسم الآباء لهما.

قال الله تعالى :( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) (٣) .

وكذا لو كان لهم(٤) أب واحد واُمّهات شتّى ؛ لتناول الاسم للجميع من حيث الاستعمال.

وهل يدخل الأجداد في الآباء؟ الأولى ذلك ؛ لأنّ الأب يطلق عليه من حيث إنّه أب الأب ، ويكفي في الإضافة أدنى ملابسة.

وقال أبو حنيفة : لا يدخلون(٥) ؛ لأنّ اسم الأب لا يتناول الأجداد حقيقةً ولا بطريق التبعيّة؛ لأنّهم اُصول الآباء يختصّون باسم خاصّ ، فلا يتناولهم اسم الآباء على وجه التبعيّة لفروعهم.

ولو قالوا : أمّنونا على أبنائنا ، دخل فيه أبناء الأبناء أيضاً ؛ لأنّ اسم الابن يتناول ابن الابن ؛ لأنّه طلب الأمان لمن يضاف إليه بالنبوّة ، إلّا أنّه ناقص في الإضافة والنسبة إليه ؛ لأنّه يضاف إليه بواسطة الابن ، لأنّه متفرّع عنه ومتولّد بواسطة الابن ؛ والإضافة الناقصة كافية في إثبات الأمان ؛ لأنّه يحتاط في إثباته ؛ لأنّ موجبه حرمة الاسترقاق ، والشبهة ملحقة بالحقيقة في موضع الاحتياط ، بخلاف الوصيّة ؛ فإنّ الشبهة فيها غير كافية في‌

____________________

(١) في « ق » : « أو » بدل « و ».

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : قال. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) النساء : ١١.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « له » بدل « لهم ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٥) الفتاوى الهنديّة ٢ : ١٩٩ - ٢٠٠‌

١٠٢

الاستحقاق ؛ لثبوت مزاحمة الوارث(١) .

وهذا كلّه إنّما هو بلسان العرب ، فالحكم متعلّق به مع استعماله ، لكنّا قد بيّنّا أنّ صيغة الأمان يكفي فيها أيّ لغة كانت ، فلو كان بعض اللغات يتناول ما أخرجناه في بعض هذه الصور وطلب الأمان بتلك اللغة ، دخل فيه ما أخرجناه.

وكذا لو اعتقد المشرك دخول مَنْ أخرجناه في الأمان حتى خرج بهم ، لم يجز التعرّض لهم ؛ لأنّهم دخلوا إلينا بشبهة الأمان ، فيردّون إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حَرْباً.

مسألة ٦٠ : يصحّ عقد الأمان للمرأة على قصد العصمة عن الاسترقاق‌ - وهو أحد وجهي الشافعي(٢) - للأصل ، ولأنّه غرض مقصود ، ويصحّ على سبيل التبعيّة فجاز على سبيل الاستقلال.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّه تابع(٣) .

وإذا أمَّن الأسير مَنْ أسره ، فهو فاسد ؛ لأنّه كالمكرَه ، إلّا أن يعلم اختياره في ذلك.

ولو أمّن غيره ، جاز - وللشافعيّة وجهان(٤) - ويلزمه حكمه وإن لم يلزم غيره ، فلو أمّنهم وأمّنوه بشرط أن لا يخرج من دارهم ، لزمه الخروج مهما قدر ، قالت الشافعيّة : و(٥) إن حلف بالطلاق والعتاق والأيمان المغلّظة ، لكن يكفّر عن يمينه ودعه يقع طلاقه وعتاقه ، فلا رخصة في المـُقام حيث‌

____________________

(١) في « ق » : الورّاث.

(٢ و ٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٤.

(٥) الواو وصليّة.

١٠٣

يذلّ(١) المسلم ولكن عند الخروج لا يغتالهم إن أمّنهم(٢) .

ولو اتبعه قوم ، فله دفعهم وقتالهم دون غيرهم. ولو شرطوا عليه الرجوع ، لم يلزمه. ولو شرط إنفاذ مال ، لم يلزمه. وإن كان قد اشترى منهم شيئاً ولزمه الثمن ، وجب إنفاذه.

وإن أكره على الشراء ، فعليه ردّ العين ، قاله الشافعي في الجديد.

وقال في القديم : يتخيّر بين ردّ العين أو الثمن ؛ إذ يقف العقد على إجازته(٣) .

مسألة ٦١ : لو قال : اعقدوا الأمان على أهل حصني على أن أفتحه لكم ، فأمّنوه على ذلك ، فهو آمن وأهل الحصن آمنون.

وقال الحنفيّة : أموالهم كلّها في‌ءٌ ؛ لأنّ الأمان بشرط فتح الباب لا تدخل فيه الأموال لا بالتنصيص ولا التبعيّة للنفوس ؛ لأنّه لم تبق للمسلمين حينئذٍ فائدة في فتح الباب ، وإنّما قصدوا بذلك التوسل(٤) إلى استغنام أموالهم(٥) .

ولو قال : اعقدوا لي الأمان على أهل حصني على أن أدلّكم على طريق موضع كذا ، ففَعَلوا ففتحوا الباب ، فجميع النفوس والأموال تدخل في الأمان ؛ لأنّ شرط الأمان هنا جرى على الدلالة لا على فتح الباب ، فيكون كلامه بياناً أنّه يدلّهم ليتمكّنوا في الدار في حصنه مع أهل الحصن ، فتدخل الأموال تبعاً للنفوس ؛ لأنّه لا يمكنهم المقام فيه إلّا بالمال ، بخلاف الصورة‌

____________________

(١) في المصدر : يبذل. وفي « ق » : بذل.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٥.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٦.

(٤) كذا ، ولعلّها : التوصّل.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفرة لدينا.

١٠٤

الاُولى ؛ لأنّ في اشتراط فتح الباب دلالةً على أنّ الذين يتناولهم(١) الأمان غير مقرّين بالسكنى في الحصن ، وإنّما تدخل الأموال في الأمان ؛ لأنّ التمكّن من المقام يكون بالأموال ، وإذا انعدم السكنى لم تدخل الأموال في الأمان.

ولو قال : اعقدوا لي الأمان على أن تدخلوا فيه فتصلّوا ، دخل الأموال في الأمان ؛ لأنّ فيه تصريحاً بفائدة فتح الباب ، وهو الصلاة فيه دون إزعاج أهله ، وقد يرغب المسلمون في الصلاة في ذلك المكان إمّا لينتقل الخبر بأنّ المسلمين صلّوا جماعةً في الحصن الفلاني فيدخل الرعب في قلوب باقي المشركين ، أو ليكونوا قد عبدوا الله في مكان لم يعبده في ذلك المكان أهله ، ومكان العبادة شاهدة للمؤمن يوم القيامة.

ولو قال : أمِّنوني على قلعتي أو مدينتي ، فأمَّنوه ، دخل المال والأنفس فيه وإن كان تنصيص الأمان إنّما هو عليهما لا غير ؛ لأنّ المقصود من هذا الأمان بقاء القلعة والمدينة على ما كانتا عليه عرفاً ويكون هو المتصرّف والمتغلّب ، وليس غرضه إبقاء عين القلعة أو المدينة مع إفناء أهلهما ونهب الأموال.

ولو قال : أمِّنوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن ، فهو آمن على ما طلب ، ويكون الباقي فيئاً. ولو لم يف ماله بالألف ، لم يكن له زيادة على ماله. ولو لم يكن له دراهم ولكنّه كان له عروض ، أعطى من ذلك ما يساوي ألفاً ؛ لأنّه شرط في الأمان جزءاً من ماله والأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال : أمِّنوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن ، فهو آمن على ما طلب ، ويكون الباقي فيئاً. ولو لم يف ما له بالألف ، لم يكن له زيادة على ما له. ولو لم يكن له دراهم ولكنّه كان له عروض ، أعطى من ذلك ما يساوي ألفاً ، لأنّه شرط في الأمان جزءاً من ماله والأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال : عليّ ألف درهم من دراهمي ، ولا دراهم له ، كان لغواً ؛ لأنّه شرط جزءاً من دراهمه ولا دراهم له ، فلا يصادف الأمان محلّاً ، فيكون لغواً.

____________________

(١) في « ق ، ك» : تناولهم.

١٠٥

البحث السادس : في الأحكام.

مسألة ٦٢ : قد بيّنا أنّ مَنْ عقد أماناً لكافرٍ ، وجب عليه الوفاء به ، ولا يجوز له الغدر ، فإن نقضه ، كان غادراً آثماً ، ويجب على الإمام منعه عن النقض إن عرف بالأمان.

إذا عرفت هذا فلو عقد لحربيّ(١) الأمان ليسكن دار الإسلام ، وجب الوفاء له ، ودخل مالُه تبعاً له في الأمان وإن لم يذكره ؛ لأن الأمان يقتضي الكفّ عنه ، وأخذ ماله يوجب دخول الضرر عليه ، فيكون نقضاً للأمان ، وهو حرام. ولو شرط الأمان لماله ، كان ذلك تأكيداً.

ولو دخل الحربيّ دار الإسلام بغير أمان ومعه متاع ، فهو حَرْبٌ لا أمان له في نفسه ولا في ماله ، إلّا أن يعتقد أنّ دخوله بمتاعه على سبيل التجارة أمان له ، فإنّه لا يكون أماناً ، ويردّ إلى مأمنه.

ولو ركب المسلمون في البحر فاستقبلهم فيه تجّار كفّار من أرض العدوّ يريدون بلاد الإسلام ، قال بعض العامّة : لم يقاتلوا ولم يعرّضوا(٢) . وفيه نظر.

مسألة ٦٣ : لو دخل الحربيّ دار الإسلام بتجارة معتقداً أنّه أمان ، فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه ، ويُعامل بالبيع والشراء ، ولا يُسأل عن شي‌ء ، وإن لم تكن معه تجارة وقال : جئت مستأمنا ، لم يقبل منه ، ويكون الإمام مخيّراً فيه. وبه قال الأوزاعي والشافعي(٣) .

ولو كان ممّن ضلّ الطريق أو حَمَلته الريح في المـَرْكب إلينا ، كان فيئاً.

وقيل : يكون لآخذه(٤) .

ولو دخل دار الإسلام بأمان ، دخل أمان ماله ، فلو عاد إلى دار الحرب‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : الحربيّ.

(٢ - ٤) المغني ١٠ : ٤٣٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٥.

١٠٦

بنيّة الرجوع إلى دار الإسلام ، فالأمان باقٍ ؛ لأنّه على نيّة الإقامة في دار الإسلام ، وإن كان للاستيطان في دار الحرب ، بطل في نفسه دون ماله ؛ لأنّه بدخوله دار الإسلام وأخذ الأمان ثبت الأمان في ماله الذي معه ، فإذا بطل في نفسه بمعنى لم يوجد في المال - وهو الدخول في دار الحرب - بقي الأمان في ماله ، لاختصاص المقتضي بالنفس. أمّا لو أخذه معه إلى دار الحرب ، فإنّه ينتقض الأمان فيه كما ينتقض في نفسه. ولو لم يأخذه فأنفذ في طلبه ، بعث به إليه تحقيقاً للأمان فيه. ويصحّ تصرّفه فيه ببيع وهبة وغيرهما.

ولو مات في دار الحرب أو قُتل ، انتقل إلى وارثه ، فإن كان مسلماً ، ملكه مستقرّاً ، وإن كان حربيّاً ، انتقل إليه وانتقض فيه الأمان - وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّه مال لكافر لا أمان بيننا وبينه في نفسه ولا في ماله ، فيكون كسائر أموال أهل الحرب.

وقال أحمد : لا يبطل الأمان ، بل يكون باقياً - وبه قال المزني ، وللشافعيّة قولان - لأنّ الأمان حقٌّ لازم متعلّق بالمال ، فإذا انتقل إلى الوارث ، انتقل بحقّه ، كسائر الحقوق من الرهن والضمان والشفعة(٢) .

ونمنع ملازمته للمال ؛ لأنّ الأمان تعلّق بصاحبه وقد مات ، فيزول الأمان المتعلّق به.

مسألة ٦٤ : إذا مات الحربيّ في دار الحرب وقد أخذ الأمان لإقامته‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٧.

(٢) المغني ١٠ : ٤٣٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٧ ، مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ ، الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨١.

١٠٧

في دار الإسلام وأقام بها ، تبعه ماله ، وزوال الأمان عنه بموته كما قلناه ، فينتقل إلى الإمام خاصّة من الفي‌ء ؛ لأنّه لم يوجف عليه بخَيْلٍ ولا ركاب ، ولا اُخذ بالسيف ، فهو بمنزلة ميراث مَنْ لا وارث له.

ونقل المزني عن الشافعي أنّه يكون غنيمةً(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه لم يؤخذ بالقهر والغلبة.

وينتقل المال إلى وارث الحربيّ ، سواء كان الوارث في دار الإسلام أو في دار الحرب ، فإن كان الوارث حربيّاً في الدارين ، صار فيئاً للإمام على ما قلناه.

وقال الشافعي في أحد الوجهين : لا ينتقل إلى وارثه في دار الإسلام ؛ لأنّه مع اختلاف الدارين يسقط الميراث(٢) . وليس بجيّد.

وكذا الذمّي إذا مات وله ولد في دار الإسلام وولد في دار الحرب ، كان ميراثه لهما.

ولو كان له ولد في دار الإسلام ، صار ماله له ، ولو كان في دار الحرب ، انتقل ماله إليه ، وصار فيئاً.

ولو دخل دار الإسلام فعقد أماناً لنفسه ثمّ مات في دار الإسلام وله مال ، فإن كان وارثه مسلماً ، ملكه ، وإن كان كافراً في دار الحرب ، انتقل المال إليه ، وصار فيئاً ؛ لأنّه مال لكافرٍ لا أمان بيننا وبينه ، فيكون فيئاً.

وقال بعض الشافعيّة : يردّ إلى وارثه. واختلفوا على طريقين ، منهم‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٢٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦.

(٢) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ - ٤٧٧ ، والمهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٥ ، وحلية العلماء ٧ : ٧٢٤.

١٠٨

مَنْ قال : فيه للشافعي قولان ، كما لو مات في دار الحرب. ومنهم مَنْ قال هنا : يردّ قولاً واحداً؛ لأنّه إذا رجع إلى دار الحرب فقد بطل أمانه ، وهنا مات وأمانه باقٍ ، وحينئذٍ ينتقل إلى الإمام ؛ لأنّه لم يوجف عليه بِخَيْلِ ولا ركاب. وكذا لو لم يكن له وارث(١) .

مسألة ٦٥ : لو كان للحربيّ أمان فترك ماله ونقض الأمان ولحق بدار الحرب ، فإنّ الأمان باقٍ في ماله ، فإن رجع ليأخذ ماله ، جاز سبيه.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ، ويكون الأمان ثابتاً ؛ لأنّا لو سبيناه أبطلنا ملكه ، وأسقطنا حكم الأمان في ماله(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ثبوت الأمان لمالِه لا يثبت له الأمان ، كما لو دخل إلى دار الإسلام بأمان ثم خرج إلى دار الحرب ، فإنّ الأمان باقٍ في المال دونه ، وكما لو أدخل مالَه بأمانٍ وهو في دار الحرب ، فإنّ الأمان لا يثبت له لو دخل دار الإسلام ويثبت لمالِه.

ولو اُسر الحربي الذي لمالِه أمان ، لم يزل الأمان عن ماله.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يمنّ عليه الإمام أو يسترقّه أو يفاديه أو يقتله ، فإن قتله ، انتقل إلى وارثه المسلم إن كان ، وإلّا فإلى الحربي وصار فيئاً ، فإن فاداه أو منّ عليه ، ردّ ماله إليه ، وإن استرقّه ، زال ملكه عنه ؛ لأنّ المملوك لا يملك شيئاً وصار فيئاً ، وإن اُعتق بعد ذلك ، لم يردّ إليه ، وكذا لو مات لم يردّ على ورثته ، سواء كانوا مسلمين أو كفّار ؛ لأنّه لم يترك شيئاً.

مسألة ٦٦ : إذا دخل المسلم أرض العدوّ بأمان فسرق شيئاً ، وجب‌

____________________

(١) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ - ٤٧٧ ، والمهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٥ ، وحلية العلماء ٧ : ٧٢٤.

(٢) لم نعثر عليه في المصادر المتوفّرة لدينا.

١٠٩

عليه ردّه على(١) أربابه ؛ لأنّهم أعطوه الأمان بشرط أن يترك خيانتهم وإن لم يكن ذلك مذكوراً صريحاً ، فإنّه معلوم من حيث المعنى.

ولو أسر المشركون مسلماً ثمّ أطلقوه بأمانٍ على أن يقيم في دارهم ويسلمون من خيانته ، حرمت عليه أموالهم بالشرط ، ولا يجوز عليه المـُقام مع القدرة على الهجرة.

ولو لم يؤمّنوه ولكن استرقّوه واستخدموه ، فله الهرب وأخذ ما أمكنه من مالهم ؛ لأنّهم قهروه على نفسه ولم يملكوه بذلك ، فجاز له قهرهم.

ولو أطلقوه على مال ، لم يجب الوفاء به ، لأنّ الحرّ لا قيمة له.

ولو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض من حربيّ مالاً وعاد إلينا ودخل صاحب المال بأمانٍ ، كان عليه ردّه إليه ؛ لأنّ مقتضى الأمان الكفّ عن أموالهم.

ولو اقترض حربيّ من حربيّ مالاً ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان ، كان عليه ردّه إليه ، لأنّ الأصل وجوب الردّ ، ولا دليل على براءة الذمّة منه.

ولو تزوّج الحربيّ بحربيّة وأمهرها مهراً ، وجب عليه ردّه عليها.

وكذا لو أسلما معاً وترافعا إلينا ، فإنّا نُلزم الزوج المهر إن كان ممّا يصحّ للمسلمين تملّكه ، وإلّا وجب عليه قيمته خاصّة(٢) .

ولو تزوّج الحربيّ بحربيّة ثمّ أسلم الحربيّ خاصّة والمهر في ذمّته ، لم يكن للزوجة مطالبته به ، لأنّها أهل حرب ولا أمان لها على هذا المهر.

وكذا لو ماتت ولها ورثة كفّار ، لم يكن لهم أيضاً المطالبة به ؛ لما مرّ في الزوجة. ولو كان الورثة مسلمين ، كان لهم المطالبة به.

ولو ماتت الحربيّة ثمّ أسلم الزوج بعد موتها ، كان لوارثها المسلم‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إلى » بدل « على ».

(٢) كلمة « خاصّة » لم ترد في « ق ، ك». وعليها في الطبعة الحجريّة علامة نسخة بدل.

١١٠

مطالبة الزوج بالمهر ، وليس للحربيّ(١) مطالبته به. وكذا لو أسلمت قبله ثمّ ماتت ، طالَبَه وارثها المسلم دون الحربيّ.

ولو دخل المسلم أو الحربيّ دار الحرب مستأمناً فخرج بمالٍ من مالهم اشترى به شيئاً ، لم يتعرّض له ، سواء كان مع المسلم أو الذميّ ؛ لأنّه أمانة معهم ، وللحربيّ أمان.

ولو دفع الحربيّ إلى الذمي في دار الإسلام شيئاً وديعةً ، كان في أمانٍ إجماعاً.

مسألة ٦٧ : إذا خلّى المشركون أسيراً مسلماً من أيديهم واستحلفوه على أن يبعث إليهم فداءً عنه ، أو يعود إليهم ، فإن كان كرهاً ، لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فدية إجماعاً ؛ لأنّه مكره ، وإن ( لم يكن مكرهاً )(٢) لم يجب الوفاء بالمال - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه حُرُّ لا يستحقّون بدله ، فلا يجب الوفاء بشرطه.

وقال عطاء والحسن والزهري والنخعي والثوري والأوزاعي وأحمد : يجب الوفاء به ؛ لقوله تعالى :( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) (٤) (٥) .

وليس حجّةً ؛ لأنّه ليس على إطلاقه إجماعاً ، بل المعتبر فيه المصلحة الدينيّة.

ولو عجز عن المال ، لم يجز له الرجوع إليهم ، سواء كان رجلاً أو امرأةً.

أمّا المرأة : فأجمعوا على تحريم رجوعها إليهم.

____________________

(١) أي : الوارث الحربيّ.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : لم يكره.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٣ ، المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٠.

(٤) النحل : ٩١.

(٥) المغني ١٠ : ٥٣٩ - ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٠ - ٥٦١.

١١١

وأمّا الرجل : فعندنا كذلك - وبه قال الحسن البصري والنخعي والثوري والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الرجوع إليهم معصية ، فلا يلزمه بالشرط ، كما لو كان امرأةً.

وقال الزهري والأوزاعي وأحمد في رواية(٢) : يلزمه الرجوع ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عاهد قريشاً على ردّ مَنْ جاءه مسلماً(٣) (٤) . وهو ممنوع.

مسألة ٦٨ : المستأمن إذا نقض العهد ورجع إلى داره ، فما خلّفه عندنا من وديعة ودَيْنٍ فهو باقٍ في عهدة الأمان إلى أن يموت.

وللشافعي أربعة أوجه : أحدها : أنّه في‌ءٌ. والثاني : أنّه في أمانه إلى أن يموت ، فإن مات فهو في‌ءٌ. والثالث : أنّه في أمانه ، فإن مات فهو لوارثه. الرابع : أنّه في أمانه ؛ لأنّ عقد الأمان للمال مقصود ، وإلّا فينتقض أيضاً تابعاً لنفسه(٥) .

والرقّ كالموت في الرقيق ، فإن قلنا : يبقى أمانه بعد الرقّ ، فلو عتق ردّ عليه ، ولو مات رقيقاً ، فهو في‌ءٌ ؛ إذا لا إرث من الرقيق.

وفيه قول آخر لهم مخرَّجٌ : إنّه لورثته(٦) .

ومهما جعلناه للوارث فله أن يدخل بلادنا لطلبه من غير عقد أمان ، وهذا(٧) العذر يُؤمّنه ، كقصد(٨) السفارة.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦١ ، الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : في إحدى الروايتين.

(٣) سنن البيهقي ٩ : ١٤٤.

(٤) المغني ١٠ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦١.

(٥ و ٦) الوجيز ٢ : ١٩٦.

(٧) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : ولهذا. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٨) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : لقصد. وما أثبتناه هو الصحيح‌.

١١٢

البحث السابع : في التحكيم.

مسألة ٦٩ : إذا حصر الإمام بلداً ، جاز أن يعقد عليهم أن ينزلوا على حكمه ، فيحكم فيهم بما يراه هو أو بعض أصحابه إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأجابهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذلك(١) .

وهل يجوز للإمام إنزالهم على حكم الله تعالى؟ قال علماؤنا بالمنع - وبه قال محمد بن الحسن(٢) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « إذا حاصرتم حصنا أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم الله فلا تنزلوهم ، فإنّكم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم ، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم ما رأيتم »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم ولكن انزلهم على حكمي ثمّ اقض بينهم بعدُ بما شئتم فإنّكم إن أنزلتموهم على حكم الله لم تدروا تصيبوا حكم الله فيهم أم لا »(٤) .

ولأنّ حكم الله تعالى في الرجال : القتل أو المنّ أو المنّ أو الاسترقاق أو المفاداة ، وفي النساء : الاسترقاق أو المنّ ، فيكون مجهولاً ، فكان الإنزال‌

____________________

(١) المغازي - للواقدي - ٢ : ٥١٢ ، صحيح البخاري ٥ : ١٤٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٨ - ١٣٨٩ / ١٧٦٨ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٤ : ٤٢٥ / ١٨٦٧٧ ، مسند أحمد ٣ : ٤٠١ / ١٠٧٨٤ و ٤٨٤ - ١١٢٨٣ و ٧ : ٢٠٤ - ٢٠٥ / ٢٤٥٧٣ ، المغني ١٠ : ٥٣٧.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٧.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٨ / ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ - ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٤ / ٢٨٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٩٢ / ٢٢٥٢١ نحوه.

(٤) الكافي ٥ : ٢٩ - ٣٠ / ٨ ، التهذيب ٦ : ١٣٩ / ٢٣٢.

١١٣

على حكم الله مجهولاً ، فكان باطلاً.

وقال أبو يوسف : يجوز ذلك ؛ لأنّ حكم الله تعالى معلوم ، لأنّه في حقّ الكفرة : القتل في المقاتلين ، والاسترقاق في ذراريهم ، والاستغنام في أموالهم(١) .

ونحن نقول : حكم الله تعالى معلوم في حقّ قوم ممتنعين ومع الظهور عليهم ، أمّا في حقّ قوم ممتنعين تركوا منعتهم باختيارهم فمجهول.

مسألة ٧٠ : يجوز أن ينزلوا على حكم الإمام أو بعض أصحابه فيحكم فيهم بما يرى بلا خلاف ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجاب بني قريظة لمـّا رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم بقتل الرجال وسبي الذراري ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لقد حكم بما حكم الله تعالى به فوق سبعة أرقعة »(٢) .

قال الخليل : الرقيع اسم سماء هذه الدنيا ، ويقال : كلّ واحدة رقيع للاُخرى ، فهي أرقعة(٣) .

مسألة ٧١ : يشترط في الحاكم سبعة : الحُرّيّة والإسلام والبلوغ والعقل والذكوريّة والفقه والعدالة. فالعبد ليس مظنّةً للفراغ في نظر اُمور الناس وكيفيّة القتال وما يتعلّق به من المصالح ؛ لاشتغال وقته بخدمة مولاه. والكافر لا شفقة له في حقّ المسلمين ولا يؤمن عليهم. والصبي جاهل بالاُمور الخفيّة المنوطة بالحرب ، وكذا المجنون. والمرأة قاصرة النظر قليلة المعرفة بمواقع الحروب ومصالحها(٤) . والجاهل قد يحكم بما لا يجوز شرعاً. والفاسق ظالم فيدخل تحت قوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٥) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٧.

(٢) المغازي - للواقدي - ٢ : ٥١٢ ، المغني ١٠ : ٥٣٨.

(٣) العين ١ : ١٥٧.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : مصالحه. والصحيح ما أثبتناه.

(٥) هود : ١١٣.

١١٤

ولا يشترط الفقه بجميع المسائل ، بل بما يتعلّق بالجهاد.

ويجوز أن يكون أعمى - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ المقصود رأيه دون بصره ، والرأي لا يفتقر إلى البصر.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٢) ؛ لأنّه لا يصلح للقضاء.

والفرق : احتياج القاضي إلى معرفة المتداعين بالبصر ، مع أنّا نمنع الحكم في الأصل.

وكذا يجوز أن يكون محدوداً في القذف مع التوبة ؛ لاجتماعه الشرائط ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

ويجوز على حكم أسير معهم مسلم ؛ لارتفاع القهر بالردّ إليه.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٤) ؛ لأنّه مقهور. وهو ممنوع.

ولو كان المسلم عندهم أو عندنا حَسَن الرأي فيهم ، احتمل الجواز على كراهيّة ؛ لأنّه جامع للصفات ، والمنع ؛ للتهمة.

ولو نزلوا على حكم رجل غير معيّن ويتعيّن باختيارهم ، جاز ، فإن اختاروا مَنْ يجوز حكمه ، قبل ، وإلّا فلا ، وبه قال أبو حنيفة(٥) .

وقال الشافعي : لا يجوز إسناد الاختيار إليهم ، لأنّهم قد يختارون من لا يصلح للتحكيم ، أمّا لو جعلوا اختيار التعيين إلى الإمام ، جاز إجماعا ، لأنّه لا يختار إلاّ من يصلح للتحكيم(٦) .

ويجوز أن يكون الحاكم اثنين إجماعاً ، فإن اتّفقا ، جاز. ولو مات أحدهما ، لم يحكم الآخر إلّا بعد الاتّفاق عليه أو تعيين غيره. ولو اختلفا ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٢ ، المغني ١٠ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٦.

(٢ - ٤) الفتاوى الهندية ٢ : ٢٠٢.

(٥) بدائع الصنائع ٧ : ١٠٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٢.

١١٥

لم ينفذ حكم أحدهما إلّا أن يتّفقا.

ويجوز أن يكون الحاكم أكثر من اثنين إجماعاً.

ولو كان أحدهما كافراً ، لم يجز ؛ لأنّ الكافر لا يُركن إليه لا حالة الجمع ولا الانفراد.

ولو مات الحاكم الواحد قبل الحكم ، لم يحكم غيره إلّا أن يتّفقوا على مَنْ يقوم مقامه ، فإن اتّفقوا ، ردّوا إلى مأمنهم.

ولو رضوا بتحكيم فاقد أحد الشرائط ورضي به الجيش ونزلوا على ذلك إلينا ثمّ ظهر عدم صلاحيته ، لم يحكم ، وردّوا إلى مأمنهم ، ويكونون على الحصار كما كانوا.

مسألة ٧٢ : وينفذ ما يحكم به الحاكم(١) ما لم يخالف مشروعاً ، ويشترط أن يكون الحظّ للمسلمين. فإن حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرّيّة وغنيمة المال ، نفذ إجماعاً ، كقضيّة سعد(٢) ، وإن حكم باسترقاق الرجال وسبي النساء والولدان وأخذ الأموال ، جاز أيضاً ، وإن حكم بالمنّ وترك السبي بكلّ حال ، جاز أيضاً إذا رآه حظّاً ؛ لأنّه قد يكون مصلحة للمسلمين ، وكما يجوز للإمام أن يمنّ على الاُسارى مع المصلحة جاز للحاكم.

وإن حكم بعقد الذمّة وأداء الجزية ، جاز ؛ لأنّهم رضوا به ، فينفذ كغيره من الأحكام ، وهو أحد قولي الشافعي(٣) .

وفي الآخر : لا يلزم ؛ لأنّ عقد الذمّة عقد معاوضة ، فلا يثبت إلّا بالتراضي ، ولهذا لا يسوغ للإمام إجبار الأسير على إعطاء الجزية(٤) .

____________________

(١) في « ق » : الحَكَم.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ١١٣ ، الهامش (٢)

(٣ و ٤) الوجيز ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

١١٦

والفرق : أنّ الأسير لم يرض بفعل الإمام وهؤلاء قد رضوا.

وإن حكم عليهم بالفداء ، جاز كما جاز للإمام.

ولو حكم بالمنّ على الذرّيّة ، قال بعض العامّة : لا يجوز ؛ لأنّ الإمام لا يملك المنّ على الذرّيّة إذا سبوا فكذا الحاكم(١) .

وقال بعضهم : يجوز ؛ لأنّهم لم يتعيّنوا للسبي ، بخلاف من سبي ، فإنّه يصير رقيقاً بنفس السبي(٢) .

وإن حكم على مَنْ أسلم بالاسترقاق ومَنْ أقام على الكفر بالقتل ، جاز. ولو أراد أن يسترقّ بعد ذلك مَنْ أقام على الكفر ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّه لم يدخل على هذا الشرط. وإن أراد أن يمنّ عليه ، جاز ؛ لأنّه ليس فيه إبطال شي‌ء شرطهُ ، بل فيه إسقاط ما كان شرطاً من القتل.

ولو حكم بالقتل وأخذ الأموال وسبي الذرّيّة ورأى الإمام أن يمنّ على الرجال أو على بعضهم ، جاز ؛ لأنّ سعداً حكم على بني قريظة بقتل الرجال ، ثمّ إنّ ثابت بن قيس الأنصاري سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يهب له الزبير ابن باطا اليهودي من بني قريظة ففَعَل(٣) ، بخلاف مال الغنيمة إذا حازه المسلمون ؛ فإنّ ملكهم قد استقرّ عليه.

مسألة ٧٣ : إذا نزلوا على حكم الحاكم فأسلموا قبل حكمه ، عصموا أموالهم ودماءهم وذراريهم من الاستغنام والقتل والسبي ؛ لأنّهم أسلموا وهُمْ أحرار لم يسترقّوا وأموالهم لم تغنم.

ولو أسلموا بعد الحكم عليهم ، فإن حكم بقتل الرجال وسبي الذراري ونهب الأموال ، نفذ الحكم إلّا القتل ؛ فإنّهم لا يُقتلون ؛ لقولهعليه‌السلام :

____________________

(١ - ٣) المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٧.

١١٧

« أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلّا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم »(١) .

ولو أراد الإمام استرقاقهم بعد الإسلام ، لم يجز ؛ لأنّهم ما نزلوا على هذا الحكم ، بل وجب القتل بالحكم وسقط بالإسلام.

وقال بعض العامّة : يجوز استرقاقهم كما لو أسلموا بعد الأسر(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الأسير قد ثبت للإمام استرقاقه.

ويكون المال على ما حكم به من الاستغنام ، وتسترقّ الذرّيّة.

وإذا حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرّيّة وأخذ المال ، كان المال غنيمةً ، ويجب فيه الخُمْس ؛ لأنّه اُخذ بالقهر والسيف.

مسألة ٧٤ : لو دخل حربيٌّ إلينا بأمانٍ فقال له الإمام : إن رجعت إلى دار الحرب ، وإلّا حكمت عليك حكم أهل الذمّة ، فأقام سنة ، جاز أن يأخذ منه الجزية.

وإن قال له : اخرج إلى دار الحرب ، فإن أقمت عندنا صيّرت نفسك ذميّاً ، فأقام سنة ، ثمّ قال : أقمت لحاجة ، قُبِل قوله ، ولم يجز أخذ الجزية منه ، بل يردّ إلى مأمنه ، لأصالة براءة الذمّة.

قال الشيخ : وإن قلنا : إنّه يصير ذمّيّاً ، كان قويّاً ؛ لأنّه خالف الإمام(٣) .

ولو حكم الحاكم بالردّ ، لم يجز ؛ لأنّه غير مشروع وقد قلنا : إنّ حكم الحاكم يشترط فيه المشروعيّة.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٢ ، ونحوه في صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، وسنن أبي داوُد ٣ : ٤٤ / ٢٦٤٠ ، وسنن النسائي ٥ : ١٤ ، وسنن الدارمي ٢ : ٢١٨.

(٢) المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٧.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٦.

١١٨

ولو اتّفقوا على حاكم جامع للشرائط ، جاز أن يحكم إجماعا ، كما تقدّم ، ولا يجب عليه الحكم سواء قبل التحكيم أو لم يقبله ، بل يجوز له أن يخرج نفسه من الحكومة ، لأنّه دخل باختياره ، فجاز أن يخرج باختياره.

ولو حكم الحاكم بغير السائغ ، لم ينفذ ، فإن رجع وحكم بالسائغ ، فالوجه نفوذه ، لأنّ الأوّل لا اعتبار به في نظر الشرع ، فلا يخرجه عن الحكومة ، كما لو وكّله المالك في بيع سلعة بألف فباعها بخمسمائة ثمّ باعها بألف.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز حكمه استحساناً(١) .

وينفذ حكم الحاكم على الإمام ، فليس للإمام أن يقضي بما فوقه ، وله أن يقضي بما دونه ، فإنه قضى بغير القتل ، فليس للإمام القتل ، وإن قضى بالقتل ، فهل له الاسترقاق وفيه ذلّ مؤبّد؟ للشافعيّة وجهان(٢) .

وكذا الوجهان لو حكم بقبول الجزية فهل يجبرون وهو عقد مراضاة؟ فإن قلنا : يلزمهم ، فمنعهم كمنع أهل الذمّة الجزية(٣) .

ولو حكم بالإرقاق فأسلم واحد منهم قبل الإرقاق ، ففي جواز إرقاقه للشافعيّة وجهان(٤) .

وكذا الخلاف في كلّ كافر لا يرقّ بنفس الأسر إذا أسلم قبل الإرقاق(٥) .

ولو شرط أن يسلّم إليه مائة نفر فعدّ مائةً ، قتلناه ؛ لأنّه وفّى المائة.

____________________

(١) الفتاوى الهندية ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

(٥) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٣ - ٤٨٤.

١١٩

الفصل الرابع

في الغنائم‌

وفيه بابانَ :

الأوّل : في أقسامها.

الغنيمة هي الفائدة المكتسبة سواء اكتسبت برأس مال وشبهه ، كأرباح التجارات والزراعات والصناعات وغيرها ، أو اكتسبت بالقتال والمحاربة ، وقد مضى(١) حكم الأوّل ، والبحث هنا في القسم الثاني.

وأقسامه ثلاثة : ما يُنقل ويُحوّل ، كالأمتعة والأقمشة والدوابّ والنقدين وغيرها ، وما لا يُنقل ولا يُحوّل ، كالأراضي ، وما هو سبي ، كالنساء والأطفال.

البحث الأوّل : فيما يُنقل ويُحوّل.

مسألة ٧٥ : الغنيمة من دار الحرب ما اُخذت بالغلبة والحرب وإيجاف الخيل والركاب.

وأمّا الفي‌ء فهو مشتقّ من « فاء يفي‌ء » إذا رجع ، والمراد به في قوله تعالى :( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) (٢) ما حصل ورجع عليه من غير قتالٍ ولا إيجافٍ بخيل ولا ركاب ، وما هذا حكمه فهو للرسولعليه‌السلام خاصّةً ولمن قام بعده من الأئمّةعليه‌السلام دون غيرهم.

وما يؤخذ بالفزع ، مثل أن ينزل المسلمون على حصنٍ أو قلعةٍ

____________________

(١) مضى في ج ٥ ص ٤٢٠.

(٢) الحشر : ٦.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466