تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 319257 / تحميل: 5222
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تذكرة الفقهاء

الجزءالتّاسع

تأليف

العلامة الحلي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

كتاب الجهاد‌

وفيه فصول‌ :

٦

٧

الأوّل :

فيمن يجب عليه‌

مسألة ١ : الجهاد واجب بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) (١) وقال تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها »(٣) .

وفيه فضل كثير.

قال ابن مسعود : سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّ الأعمال أفضل؟ قال : « الصلاة لوقتها » قلت : ثمّ أيّ؟ قال : « برّ الوالدين » قلت : ثمّ أيّ؟ قال : « الجهاد في سبيل الله »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فوق كلّ ذي برّ برٌّ حتى يقتل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ ، وفوق كلّ ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه [ فإذا قتل أحد والديه ] فليس فوقه عقوق »(٥) .

ولا خلاف بين المسلمين في وجوبه ، ووجوبه على الكفاية عند عامّة‌

____________________

(١) البقرة : ٢١٦.

(٢) التوبة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٢٠.

(٤) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٥ : ٢٨٥ - ٢٨٦ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١١٨ / ٢٣٠٢.

(٥) التهذيب ٦ : ١٢٢ / ٢٠٩ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٨

أهل العلم(١) ، لقوله تعالى :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) (٢) وهو يدلّ على سقوط الذنب بتركه.

وحكي عن سعيد بن المسيّب أنّه واجب على الأعيان ؛ لقوله تعالى :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) (٣) (٤) .

وهي محمولة على ما إذا استنفرهم الإمام ؛ لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا استُنْفرتم فانفروا »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث السرايا ويقيم هو وأصحابه.

ومعنى وجوبه على الكفاية أنّ الخطاب به عامٌّ على جميع الناس ، فإذا قام به قوم تحصل الكفاية بجهادهم ، سقط عن الباقين.

وفروض الكفايات كثيرة مذكورة في مواضع ، وهو كلّ مهمّ ديني يريد الشرع حصوله ، ولا يقصد به عين مَنْ يتولّاه ، ومن جملته إقامة الحجج العلميّة ، والجواب عن الشبهات ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على خلاف يأتي ، والصناعات المهمّة ، كالخياطة والنساجة والبناء‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٥٩.

(٢) النساء : ٩٥.

(٣) التوبة : ٤١.

(٤) الحاوي الكبير ١٤ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٤٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، تفسير القرطبي ٣ : ٣٨.

(٥) صحيح البخاري ٤ : ١٨ و ٢٨ و ٩٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣ - ٤ / ٢٤٨٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٦ / ٢٧٧٣ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤٨ - ١٤٩ / ١٥٩٠ ، سنن البيهقي ٩ : ١٦ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٠ : ٤١٣ / ١٠٨٤٤ و ١١ : ٣٠ - ٣١ / ١٠٩٤٤.

٩

وأشباهها ، ودفع الضرر عن المسلمين ، والقضاء ، وتحمّل الشهادة ، وتجهيز الموتى ، وإنقاذ الغرقى ، وردّ السلام.

مسألة ٢ : يتعيّن الجهاد في مواضع ثلاثة :

أ - إذا التقى الزحفان وتقابل الصفّان ، حرم على مَنْ حضر الانصرافُ ، وتعيّن عليه الثبات ؛ لقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١) الآية.

ب - إذا نزل بالبلد الكفّارُ ، تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم.

ج - إذا استنفر الإمام قوماً ، وجب النفير معه ؛ لقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مالَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ) (٢) .

مسألة ٣ : والجهاد واجب في زمان دون زمان وفي مكان دون مكان.

فأمّا الزمان : فجميع أيّام السنة ما عدا الأشهر الحُرُم ؛ لقوله تعالى :( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (٣) وهي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرَّم ورجب ، فلا يبدأ المسلمون فيها بالقتال لمن يرى لها حرمة.

وأمّا المكان : فجميع البقاع إلّا الحرم ؛ لقوله تعالى :( وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) (٤) .

____________________

(١) الأنفال : ١٥.

(٢) التوبة : ٣٨.

(٣) التوبة : ٥.

(٤) البقرة : ١٩١.

١٠

وقال بعض الناس من العامّة : إنّ ذلك منسوخ بجواز القتال في كلّ وقت ومكان ؛ لقوله تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) (٢) وبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن الوليد إلى الطائف في ذي القعدة(٣) .

وأصحابنا قالوا : إنّ حكم ذلك باقٍ فيمن يرى لهذه الأشهر وللحرم حرمةً ، والعامّ قد يُخصّ بغيره.

مسألة ٤ : أوجب الله تعالى في كتابه الهجرة عن بلاد الشرك‌ وبقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ) (٤) .

والناس في الهجرة على أقسام ثلاثة :

الأوّل : مَنْ تجب عليه ، وهو مَنْ كان مستضعفاً من المسلمين بين الكفّار لا يمكنه إظهار دينه ولا عذر لهم من وجود عجز عن نفقة وراحلة.

الثاني : مَنْ لا تجب عليه الهجرة من بلاد الكفّار لكن تُستحبّ لهم ، وهو كلّ مَنْ كان من المسلمين ذا عشيرة ورهط تحميه عن المشركين ، ويمكنه إظهار دينه والقيام بواجبه ، ويكون آمناً على نفسه ، كالعبّاس وإنّما استحبّ له المهاجرة لئلّا يكثر سواد المشركين.

الثالث : مَنْ تسقط عنه الهجرة لأجل عذر من مرضٍ أو ضعفٍ‌ أو‌

____________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) أحكام القرآن - للكياهراسي - ١ : ٨٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٥٨ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ١ : ١٠٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ : ٣٥١.

(٣) اُنظر : المغازي - للواقدي - ٣ : ٩٢٣ ، وتفسير الطبري ٤ : ٣١٤ ، وتاريخ الطبري ٢ : ١٧٧ ، والطبقات الكبرى - لابن سعد - ٢ : ١٥٨.

(٤) النساء : ٩٧.

١١

عدم نفقةٍ ، فلا جناح عليه ؛ لقوله تعالى :( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ) (١) لأنّهم بمنزلة المكرهين.

والهجرة باقية أبداً مادام الشرك باقياً ؛ لما روي عنهعليه‌السلام أنّه قال : « لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها »(٢) .

وقولهعليه‌السلام : « لا هجرة بعد الفتح »(٣) محمول على الهجرة من مكة ؛ لأنّها صارت دار الإسلام أبداً ، ولا هجرة بعد الفتح فاضلة كفضلها قبل الفتح ؛ لقوله تعالى :( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) (٤) الآية.

مسألة ٥ : يشترط في وجوب الجهاد اُمور ستّة : البلوغ والعقل والحُرّيّة والذكورة والسلامة من الضرر ووجود النفقة ، وليس الإسلام عندنا شرطاً لوجوب شي‌ء من فروع العبادات وإن كان شرطاً في صحّتها ، خلافاً لأبي حنيفة(٥) .

والبلوغ والعقل شرطان لوجوب سائر الفروع.

قال ابن عمر : عرضت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أُحد وأنا ابن أربع‌

____________________

(١) النساء : ٩٨.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٣ / ٢٤٧٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٠ ، مسند أحمد ٥ : ٦٥ - ٦٦ / ١٦٤٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٤ : ١٨ و ٢٨ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤٨ - ١٤٩ / ١٥٩٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٣٩ ، مسند أحمد ١ : ٣٧٤ / ١٩٩٢ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ٣٠٩ / ٣٣٩٠.

(٤) الحديد : ١٠.

(٥) اُنظر : المستصفى ١ : ٩١ ، واُصول السرخسي ١ : ٧٤.

١٢

عشرة ، فلم يجزني في المقاتلة(١) .

والعبد لا يملك نفسه ومشغول بخدمة مولاه.

وقد روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبايع الحُرّ على الإسلام والجهاد ، ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد(٢) .

ولافتقار المجاهد إلى مال يملكه بحيث يصرفه في نفقته وزاده وحمله وسلاحه ، والعبد لا يملك شيئاً ، فهو أسوأ حالاً من الفقير.

والنساء لا يجب عليهنّ الجهاد ؛ لضعفهنّ عن القيام ، ولهذا لا يُسهم لهنّ. ولا يجب على الخنثى المشكل ؛ لعدم العلم بذكوريّته ، فلا يجب مع الشكّ في شرطه.

والمراد من السلامة من الضررِ السلامةُ من المرض والعمى والعرج ، قال الله تعالى :( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) (٣) .

ولا يسقط عن الأعور ولا عمّن عرجه يسير يتمكّن معه من الركوب والمشي من غير مشقّة ، ولا عمّن مرضه يسير لا يمنعه عنهما ، كوجع الضرس والصداع اليسير ، وإنّما يسقط عن ذي العرج الفاحش والمرض الكثير.

وأمّا وجود النفقة : فهو شرط ؛ لقوله تعالى :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (٤) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٠ / ٢٥٤٣ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٦١.

(٢) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٦١.

(٣) الفتح : ١٧.

(٤) التوبة : ٩١.

١٣

ويشترط في النفقة الكفاية له ولعائلته مدّة غيبته ، ووجود سلاح يقاتل به ، وراحلة إن احتاج إليها ؛ لقوله تعالى :( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) (١) .

ولو أخرج الإمام معه العبيدَ بإذن ساداتهم ، والنساءَ والصبيانَ ، جاز الانتفاع بهم في سقي الماء والطبخ ومداواة الجرحى ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يُخرج معه اُمّ سليم وغيرها من نساء الأنصار(٢) .

ولا يخرج المجنون ؛ لعدم النفع به.

مسألة ٦ : وأقلّ ما يفعل الجهاد في كلّ عام مرّة واحدة.

قال الله تعالى :( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٣) أوجب بعد انسلاخ الأشهر الحُرُم الجهادَ. والأصل عدم التكرار.

ولأنّ الجزية تجب على أهل الذمّة في كلّ عام ، وهي بدل عن النصرة ، فكذلك مُبْدلها ، وهو الجهاد.

ولأنّ تركهم أكثر من ذلك يوجب تقويتهم وتسلّطهم ، فيجب في كلّ عام إلّا من عذر ، مثل أن يكون بالمسلمين ضعف في عددٍ أو عُدّةٍ أو ينتظر الإمام مدداً يستعين به أو يكون في الطريق مانع أو عدم علف يحتاجون إليه أو عدم ماء أو يحسن رأي العدوّ في الإسلام ويطمع في إسلامهم إن أخّر قتالهم ونحو ذلك ممّا يرى المصلحة معه بترك القتال ، فيجوز تركه بهدنة‌

____________________

(١) التوبة : ٩٢.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٤٠ و ٤١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤٤٣ / ١٨١٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١٨ / ٢٥٣١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٢ / ٢٨٥٦ ، سنن الترمذي ٤ : ١٣٩ / ١٥٧٥.

(٣) التوبة : ٥.

١٤

وغير هدنة ، فقد صالح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قريشاً عشر سنين وأخّر قتالهم حتى نقضوا عهده ، وأخّر قتال قبائل من العرب بغير هدنة(١) .

ولو احتاج الإمام إلى القتال في عام أكثر من مرّة ، وجب ذلك ؛ لأنّه فرض كفاية ، فوجب منه ما دعت الحاجة إليه.

مسألة ٧ : الغزو في البحر أفضل من غزو البرّ ؛ لما فيه من عظم المشقّة وكثرة الخطر ، فإنّه بين خطر العدوّ وخطر الغرق ، ولا يتمكّن من الفرار إلّا مع أصحابه ، وقد روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « شهيد البحر مثل شهيدَي البرّ »(٢) .

وقتال أهل الكتاب أفضل من قتال غيرهم وقد روى العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأمّ خلاد : « إنّ ابنكِ له أجر شهيدين » قالت : ولِمَ ذاك يا رسول الله؟ قال : « لأنّه قتله أهل الكتاب »(٣) .

والأولى أن يبدأ بقتال مَنْ يلي دار الإسلام ؛ لقوله تعالى :( قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ ) (٤) إلّا أن يكون الخوف من الأبعد أكثر فيبدأ بهم.

والجهاد في ابتداء الإسلام لم يكن واجباً ، بل منعهم الله تعالى منه وأمر المسلمين بالصبر على أذى الكفّار والاحتمال منهم على ما قال تعالى :( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ - إلى قوله تعالى -وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢٨ ، المغني ١٠ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٦٣.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٨ / ٢٧٧٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٨ : ٢٠٠ - ٢٠١ - ٧٧١٦.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٥ - ٦ / ٢٤٨٨ ، سنن البيهقي ٩ : ١٧٥.

(٤) التوبة : ١٢٣.

١٥

ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (١) ثمّ لمـّا قويت شوكة الإسلام أذن الله تعالى في قتال مَنْ يقاتل ، فقال( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) (٢) ثمّ أباح ابتداء القتال في غير الأشهر الحُرُم ثمّ أمر به من غير شرط في حقّ مَنْ لا يرى حرمةً للحرم والأشهر الحُرُم بقوله تعالى :( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) (٣) .

وكان فرض الجهاد في المدينة على الكفاية في ابتداء الوجوب عندنا ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : أنّه كان فرض عين(٤) .

وأمّا بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فالكفّار إن كانوا قاطنين في بلادهم غير قاصدين لقتال المسلمين ، فالجهاد لهم فرض كفاية لا فرض عين ، وإلّا لتعطّلت المعايش.

والكفاية تحصل بشيئين :

أحدهما : أن يبعث الإمام في كلّ ثغر جماعة يقومون بحرب من بإزائهم من الكفّار ويحصل بهم القصد من امتناع دخولهم إلينا ، وينبغي أن يحتاط بأحكام الحصون وحفر الخنادق ونحوها ويرتّب في كلّ ناحية أميرا قيّما بأمور الجهاد وحراسة المسلمين.

والثاني : أن يدخل(٥) دار الكفّار غازياً بنفسه أو يبعث جيشاً يؤمّر عليهم مَنْ فيه كفاية ؛ اقتداءً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث كان يبعث السرايا‌

____________________

(١) آل عمران : ١٨٦.

(٢) البقرة : ١٩٠.

(٣) البقرة : ١٩١.

(٤) الحاوي الكبير ١٤ : ١١٠ و ١١١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٤٤ ، منهاج الطالبين : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٠.

(٥) أي الإمام.

١٦

والجيوش(١) .

وأقلّه في كلّ سنة مرّة ، وما زاد فهو أفضل.

وقال بعض الشافعيّة : تجب إدامته بحسب الإمكان بحيث لا يبقى إلّا مسلم أو مسالم(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الغالب أنّ الأموال والعدد لا توفّي تجهيز الجيوش أكثر من مرّة واحدة في السنة.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَل ذلك ، فإنّ غزاة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة ، وغزاة أُحد في الثالثة ، وغزاة ذات الرقاع في الرابعة ، وغزاة الخندق في الخامسة ، وغزاة بني المصطلق في السادسة ، وفتح خيبر في السابعة ، وفتح مكة في الثامنة ، وغزاة تبوك في التاسعة(٣) .

وإن لم يستقرّ الكفّار في بلادهم بل قصدوا بلدةً من بلاد المسلمين(٤) . قاصدين لها ، فالوجه أنّ الوجوب لا يتعيّن(٥) وصفه ، بل يكون فرضَ كفاية - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٦) - فإن قام به البعض ، وإلّا وجب على الأعيان. ويستوي في ذلك الغني والفقير والحُرّ والعبد ، ولا يحتاج إلى إذن سيّده. والثاني : أنّه فرض عين(٧) .

____________________

(١) اُنظر على سبيل المثال : سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٣ / ٢٨٥٧ و ٢٨٥٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١١.

(٣) اُنظر على سبيل المثال : تاريخ الطبري ٢ : ١٣١ و ١٨٧ و ٢٢٦ - ٢٢٧ و ٢٣٣ و ٢٦٠ و ٢٩٨ و ٣٦٦.

(٤) في « ق ، ك » : بلاد الإسلام. وفي الطبعة الحجريّة : بلد المسلمين.

(٥) أي : أنّ الوجوب لا يصير عينيّاً. وفي « ك » : « لا يتغيّر » بدل « لا يتعيّن ».

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٥ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤١٦ ، منهاج الطالبين : ٣٠٧.

١٧

فإن حصلت المقاومة من غير مرافقة العبيد ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّ الحكم كذلك ؛ لتقوى القلوب وتعظم الشوكة وتشتدّ النكاية في الكفّار. والثاني : أنّه لا ينحلّ الحجر عنه ؛ لأنّ في الأحرار غنيةً عنهم(١) .

ولو أحوج الحال إلى الاستعانة بالنساء ، وجب.

ولو لم يتمكّن أهل البلد من التأهّب والتجمّع ، فمَنْ وقف عليه كافر أو كفّار وعلم أنّه يُقتل ، وجب عليه المدافعة عن نفسه بقدر ما يمكنه ، سواء الذكر والاُنثى ، والحُرّ والعبد ، السليم والأعمى والأعرج ، ولو لم يعلم القتل بل جوّز السلامة وأن يؤسر إن استسلم وإن امتنع قُتل ، وجب عليه الاستسلام ؛ فإنّ الأسر يحتمل معه الخلاص.

ولو امتدّت الأيدي إلى المرأة ، وجب عليها الدفع وإن قُتلت ؛ لأنّ المكره(٢) على الزنا لا تحلّ له المطاوعة(٣) .

والبلاد القريبة من تلك البلدة يجب عليهم النفور إليها مع عجز أهلها لا مع عدم العجز ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : أنّه يجب(٤) .

وأمّا البلاد البعيدة : فإن احتيج إلى مساعدتهم ، وجب عليهم النفور ، وإلّا فلا.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما ، عدم الوجوب على مَنْ بعد عن مسافة القصر. و [ الثاني : ](٥) يجب على الأقربين فالأقربين إلى أن يكفّوا ويأمن أهل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٦.

(٢) كذا ، والأنسب بسياق العبارة : لأنّ مَنْ اُكره.

(٣) أي : لا تحلّ له المطاوعة لدفع القتل.

(٤) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

١٨

البلدة(١) .

وينبغي للأقربين التثبّت إلى لحوق الآخرين مع احتمال الحال ذلك.

ولا يشترط وجدان الركوب فيمن يكون بلده دون مسافة القصر مع قدرته.

وأمّا مَنْ بعد إلى مسافة القصر : فللشافعيّة وجهان : عدم الاشتراط ؛ لشدّة الخطب ، وثبوته كالحجّ(٢) . وكذا الوجهان في اشتراط الزاد(٣) .

مسألة ٨ : لو نزل الكفّار في خراب أو على جبل في دار الإسلام بعيد عن البلدان ، احتمل مساواته لنزولهم في البلد ، لأنّه من دار الإسلام ، وعدمه ، لأنّ الديار تشرف بسكون المسلمين.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

ولو أسروا مسلماً أو جماعةً من المسلمين ، فالوجه : أنّه كدخول دار الإسلام ؛ لأنّ سبب حرمة دار الإسلام حرمة المسلمين ، فالاستيلاء على المسلمين أعظم من الاستيلاء على دارهم.

ويحتمل المنع ؛ لأنّ إعداد الجيش وتجهيز الجند لواحد يقع في الأسر بعيد.

وللشافعيّة وجهان(٥) .

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧.

(٢) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧.

(٤) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧ - ٤١٨.

(٥) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٨.

١٩

ولو كانوا على القرب من دار الإسلام وتوقّعنا استخلاص الاُسراء لو مشينا إليهم ، وجب. ولو توغّلوا في دار الكفر ولم يمكن التسارع إليهم ، انتظرنا الإمكان.

مسألة ٩ : الجهاد قسمان :

أحدهما : أن يكون للدعاء إلى الإسلام ، ولا يجوز إلّا بإذن الإمام العادل أو مَنْ نصبه لذلك ، عند علمائنا أجمع ؛ لأنّه أعرف بشرائط الدعاء وما يدعوهم إليه من التكاليف دون غيره.

قال بشير : قلت للصادقعليه‌السلام : رأيتُ في المنام أنّي قلتُ لك : إنّ القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، فقلتَ : نعم ، هو كذلك ، فقال الصادقعليه‌السلام : « هو كذلك هو كذلك »(١) .

وقال أحمد : يجب مع كلّ إمام برّ وفاجر ؛ لرواية أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الجهاد واجب عليكم مع كلّ إمام(٢) برّاً كان أو فاجراً »(٣) (٤) .

وهو محمول على القسم الثاني من نوعي الجهاد ، مع أنّ أبا هريرة طُعن في حديثه ، ولهذا أدّبه عمر(٥) على كثرة حديثه ، ولو لا التهمة في حديثه لما فعل عمر به ذلك ، خصوصاً مع معارضته للكتاب العزيز حيث‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٣٤ / ٢٢٦.

(٢) في المصادر : أمير.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ١٨ / ٢٥٣٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٥٦ / ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢١ و ٨ : ١٨٥.

(٤) المغني ١٠ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٦٦.

(٥) شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - ٤ : ٦٧ - ٦٨.

٢٠

يقول :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) (١) والفاجر ظالم.

ووجوب هذا القسم على الكفاية على ما تقدّم ، فينبغي للإمام أو نائبه اعتماد النصفة بينهم ، فلا يكرّر الغزو على قوم دون قوم.

والثاني : أن يدهم المسلمين العدوُّ ، فيجب على الأعيان عند قوم وعلى الكفاية عند آخرين ، وقد سبق(٢) .

مسألة ١٠ : قد عرفت أن ردّ السلام واجب على الكفاية على الجماعة ، وهو فرض عين على الواحد ، فابتداؤه مستحبّ. ولا يستحبّ على المصلّي عند بعض الشافعيّة ولا على مَنْ يقضي حاجته ولا في الحمّام(٣) .

ولو أجاب الجميع دفعةً واحدة ، كانوا مؤدّين فرض كفاية ، كما يلحقهم الذمّ بأجمعهم لو تركوا.

ولو تعاقبوا ، فالوجه : أن الفرض يسقط بالأوّل.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ المتأخّر يكون مؤدّياً لفرض كفاية(٤) . وليس بجيّد.

ولو سلّم على شخص أو جماعة فردّ عليه غيرهم ، لم يسقط الفرض عمّن سلّم عليه. وابتداء السلام سنّة على الكفاية.

ولو سلّم واحد من جماعة على واحد من جماعة اُخرى ، كفى ذلك

____________________

(١) هود : ١١٣.

(٢) سبق في المسألة ١.

(٣) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣.

(٤) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. وقال الرافعي والنووي - واللفظ للأوّل - : وإن أجاب الجميع ، كانوا مؤدّين للفرض سواء أجابوا معاً أو على التعاقب.

اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٠ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٢٨.

٢١

لإقامة السنّة.

ولو سلّم في بعض الأحوال التي لا يستحبّ فيها السلام ، فالوجه : وجوب الردّ ؛ عملاً بالعموم ، خلافاً للشافعيّة(١) .

وإذا سلّم على المصلّي ، وجب عليه الجواب.

وقالت الشافعيّة : لا يجيب حتى يفرغ من الصلاة ، ويجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة(٢) .

وعندنا يجيب بمثل ما سلّم عليه ، فيقول في الجواب : السلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام.

وأمّا مَنْ يقضي الحاجة ، فالقرب منه ومكالمته بعيد عن الأدب والمروءة.

وأمّا الحمّام : فإنّه موضع التنظيف والدلك ، فلا تليق التحيّة بحالهم.

والمشغول بالأكل إن كانت اللقمة في فيه واحتاج في المضغ والبلع إلى زمان يمنعه عن الجواب ، لم يسنّ التسليم عليه ، وأمّا بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة اُخرى في فيه(٣) فلا منع.

وبعض الشافعيّة منع مطلقاً(٤) . وبعضهم سوّغه مطلقاً(٥) .

ولا يمنع المعامل وقت المعاملة والمساومة من التسليم عليه ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣ ، المغني ١ : ٧٤٧ ، التفسير الكبير ١٠ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ و ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣ ، المجموع ٤ : ١٠٣ ، المغني ١ : ٧٤٧ و ٧٤٨.

(٣) في « ق » : فمه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ - ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣.

٢٢

أغلب أحوال الناس ذلك.

ولا بدّ في السلام وجوابه من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع.

وصيغته : السلام عليكم. ويقوم مقامه : سلام عليكم. ولو قال : عليكم السلام ، لم يكن مسلماً ، إنّما هي صيغة جواب. ويراعى صيغة الجمع وإن كان السلام على واحد خطاباً له. ولو أخلّ بصيغة الجمع ، حصل أصل السنّة.

وصيغة الجواب : وعليكم السلام. ولو قال : وعليك السلام ، للواحد ، جاز. ولو ترك حرف العطف وقال : عليكم السلام ، فهو جواب ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) .

ولو تلاقى اثنان فسلّم كلّ واحد منهما على الآخر ، وجب على كلّ واحد منهما جواب الآخر ، ولا يحصل الجواب بالسلام وإن ترتّب السلامان.

ولو قال المجيب : وعليك ، ففي كونه جواباً نظر من حيث إنّه لا تعرّض للسلام فيه ، ومن حيث إنّه يكون جواباً للعطف ورجوعاً إلى قول : السلام. ولو قال : عليكم ، لم يكن جواباً.

وكمال السلام أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكمال الجواب أن يقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وينبغي أن يكون الجواب متّصلاً بالسلام ليعدّ جواباً له ، كما في قبول الإيجاب في العقود.

ولو ناداه من وراء ستر أو حائط وقال : السلام عليكم يا فلان ، أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٩.

٢٣

كتب كتاباً وسلّم فيه عليه ، أو أرسل رسولاً فقال : سلِّم على فلان ، فبلغه الكتاب والرسالة ، قال بعض الشافعية : يجب عليه الجواب ؛ لأنّ تحيّة الغائب إنّما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة ، وقد قال تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) (١) الآية(٢) .

والوجه أنّه إن سمع النداء ، وجب الجواب ، وإلّا فلا.

وما يعتاده الناس من السلام عند القيام ومفارقة الجماعة دعاء لا تحيّة يستحبّ الجواب عنه ولا يجب.

ويكره أن يخصّ طائفة من الجمع بالسلام. ولو سلّم عليه جماعةٌ فقال : وعليكم السلام ، وقصد الردّ عليهم جميعاً ، جاز ، وسقط الفرض في حقّ الجميع.

ويستحبّ أن يسلّم الراكب على الماشي ، والقائم على الجالس ، والطائفة القليلة على الكثيرة. ولا يكره أن يبتدئ الماشي والجالس.

ولو سلّم على الأصمّ ، أتى باللفظ ؛ لقدرته عليه ، وأشار باليد ليحصل الإفهام. ولو لم يضمّ الإشارة ، لم يستحقّ الجواب. وكذا في جواب الأصمّ ينبغي أن يجمع بين اللفظ والإشارة.

وسلام الأخرس بالإشارة معتدّ به ، وكذا ردّه السلام.

ولا يجب على الصبي ردّ السلام ؛ لأنّه ليس مكلّفاً. ولو سلّم على جماعة فيهم صبي فردّ الصبي ، لم يسقط الفرض بجوابه. ولو سلّم الصبي ،

____________________

(١) النساء : ٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٨ ، الأذكار - للنووي - : ٢٦١ ، التفسير الكبير ١٠ : ٢١٥.

٢٤

فالأقرب وجوب الردّ عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

وسلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال. ولو سلّم رجل على امرأة أو بالعكس ، فإن كان بينهما زوجيّة أو محرميّة أو كانت عجوزاً خارجةً عن مظنّة الفتنة ، ثبت استحقاق الجواب ، وإلّا فلا.

ويستحبّ لمن دخل دار نفسه أن يسلّم على أهله. وكذا مَنْ دخل مسجداً أو بيتاً لا أحد فيه يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ولا يسلّم على أهل الذمّة ابتداء. ولو سلّم عليه ذمّيّ أو من لم يعرفه فبان ذمّيّا ، ردّ بغير السلام بأن يقول : هداك الله ، أو : أنعم الله صباحك ، أو : أطال الله بقاءك. ولو ردّ بالسلام ، لم يزد في الجواب على قوله : وعليك.

والتحيّة بتقبيل اليد وانحناء الظهر لا أصل له في الشرع ، لكن لا يمنع الذمّيّ من تعظيم المسلّم بهما. ولا يكره التعظيم بهما لزهد وعلم وكبر سنٍّ. وروي أنّ أعرابيّاً قعد عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستحسن كلامه ، فاستأذنه في أن يقبّل وجهه ، فأذن له ، ثمّ استأذن في أنّ(٢) يقبّل يده ، فأذن له ، ثمّ استأذنه في أن يسجد له ، فلم يأذن له(٣) .

وتستحبّ المصافحة.

ويكره للداخل أن يطمع في قيام القوم لكن يستحبّ لهم أن يكرموه.

والأقرب : جواز السلام بالفارسيّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣١.

(٢) في الطبعة الحجرية : ثم استأذنه إن.

(٣) أورده - كما في المتن - الرافعي في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٥ ، ورواه الحاكم في المستدرك ٤ : ١٧٢ ، وأبو نعيم في دلائل النبوّة ٢ : ٥٠٢ - ٥٠٣ / ٢٩١ نحوه.

٢٥

مسألة ١١ : روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « حقّ المؤمن على المؤمن ستّ : أن يسلّم عليه إذا لقيه ، وأن يجيبه إذا دعاه ، وأن يسمّته إذا عطس ، وأن يعوده إذا مرض ، وأن يشيّع جنازته إذا مات ، وأن لا يظنّ فيه إلّا خيراً »(١) .

واستحباب التسميت على الكفاية. وإنّما يستحبّ إذا قال العاطس : الحمد لله ، فيقول المسمّت له : يرحمك الله ، أو ما شابهه. ويكرّر التسميت إذا تكرّر العطس إلّا أن يكون لمرض ، فيقول : عافاك الله.

ويستحبّ للعاطس أن يجيبه ، فيقول : يغفر الله لك ، وشبهه. ولا يجب الجواب هنا ، بخلاف ردّ السلام ؛ لأنّ التسميت إنّما هو للعاطس ولا عطاس بالمسمّت ، والتحيّة تشمل الطرفين.

وتستحبّ زيارة القادم ومعانقته ؛ فإنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عانق جعفراً -رحمه‌الله - لمـّا قدم من الحبشة(٢) .

مسألة ١٢ : يسقط فرض الجهاد بالعجز ، وهو قسمان‌ : حسّيٌّ ، كالمرض والفقر والصبا والجنون والاُنوثة والعرج المانع من المشي‌ سواء قدر على الركوب أو لا ؛ لأنّ الدابّة قد تهلك.

وللشافعيّة وجه : أنّ العرج لا يؤثّر في حقّ الراكب مع قدرته على الركوب(٣) . وليس بشي‌ء.

ولا فرق بين أن يكون العرج في رِجْل واحدة أو في الرِّجْلين معاً.

____________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٦١٦ - ٦١٧ / ٨٠٧٢ ، شعب الإيمان - للبيهقي - ٦ : ٤٢٥ / ٨٧٥٣ بتفاوت.

(٢) أُسد الغابة ١ : ٢٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

٢٦

وقال أبو حنيفة : لا أثر للعرج في رِجْل واحدة(١) .

ولا جهاد على الأقطع والأشلّ ؛ لعدم تمكّنهما من الضرب والاتّقاء. ومفقود معظم الأصابع كالأقطع

ولا يسقط عن الأعشى وضعيف البصر إذا كان يدرك الشخص ويمكنه أن يتّقي السلاح.

ويسقط عن الفقير ، وهو الذي لا يجد ما ينفق في طريقه ذهاباً وعوداً ولا ما يركب عليه.

ويشترط نفقة أهله وعياله ذهاباً وعوداً. ومَنْ لا أهل له ولا عشيرة يشترط في حقّه نفقة الإياب أيضاً.

وقال بعض الشافعيّة : لا يشترط ؛ لأنّ سفر الغزو سفر الموت(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ الغالب في الظنّ الإياب ، ولأنّ وجود ذلك معه يوجب له نشاطا وقوّة.

ولو كان القتال على رأس البلد أو قريباً منه ، لم يشترط نفقة الطريق.

ويجب اشتراط الراحلة مع الحاجة. ويجب أن يكون جميع ذلك فاضلاً عن نفقة مَنْ تلزمه نفقته.

ولا يشترط أمن الطريق من طلائع الكفّار ؛ لأنّا مأمورون بقتالهم.

ولو كان(٣) من متلصّصي المسلمين ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّه يمنع الوجوب ، كما في الحجّ ، وأصحّهما : أنّه لا يمنع ، لأنّ قتال المتلصّص أهمّ وأولى(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

(٣) أي الخوف.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

٢٧

ولو بُذل للفقير ما يحتاج إليه ، لم يجب القبول إلّا أن يكون الباذل الإمامَ ، فعليه أن يقبل ويجاهد ؛ لأنّ ما يأخذه من الإمام حقّه.

والذمّي لا يكلّف الخروج إلّا مع الحاجة ؛ لأنّه بذل الجزية لنذبَّ عنه لا ليذبّ عنّا.

القسم الثاني : المانع الشرعي مع القدرة. وأقسامه ثلاثة :

الأوّل : الرقّ ، فلا يجب على العبد وإن أمره سيّده بذلك ؛ لأنّه ليس من أهل الجهاد ، والملك لا يقتضي التعرّض للهلاك ، وليس القتال من الاستخدام المستحقّ للسيّد على العبد ، ولا يلزمه الذبّ عن سيّده عند الخوف على روحه إذا لم يجب الدفع عن الغير ، بل السيّد في ذلك كالأجانب. نعم ، للسيّد استصحابه في سفر الجهاد وغيره ليخدمه ويسوس دوابَّه ويحفظ متاعه.

والمدبَّر والمكاتب والمتحرّر بعضه كالقِنّ.

الثاني : الدَّيْنُ ، فلا يجب على مَنْ عليه دَيْنٌ حالّ لمسلم أو ذمّي الخروجُ إلى الجهاد مع قدرته على الدَّيْن إلّا بإذن ربّ الدَّيْن. وله منعه منه ؛ لأنّ مطالبته تتوجّه عليه ، والحبسُ إن امتنع من أدائه ، ولأنّ الدَّيْن فرض متعيَّن عليه ، فلا يترك بفرض الكفاية.

ولو كان معسراً ، فالوجه : أنّه ليس له منعه من الجهاد ؛ لأنّه لا مطالبة له عليه في الحال ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، ومذهب مالك. والثاني : المنع ؛ لأنّه يرجو اليسار فيؤدّي وفي الجهاد خطر الهلاك(١) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٨ - ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٦.

٢٨

ولو استناب المديون مَنْ يقضي الدَّيْن من مال حاضرٍ ، فله الخروج ؛ لأنّ صاحب الدَّيْن يصل إلى حقّه في الحال ، أمّا لو أمره بالقضاء من مال غائبٍ ، فإنّه لا يجوز له الخروج بغير إذنه ؛ لأنّه قد لا يصل إليه.

وإذا أذن ربّ المال في الخروج ، جاز له ، ولحق بأصحاب فرض الكفاية ، وهو أحد قولي الشافعيّة(١) .

ولو كان الدَّيْن مؤجّلاً ، فليس لصاحبه منعه من الخروج ، كما ليس له منعه من الأسفار ، وهو أحد قولي الشافعيّة وقول مالك. والثاني : أنّ له منعه - وبه قال أحمد - لأنّ الجهاد يقصد فيه الشهادة التي تفوت بها النفس ، فيفوت الحقّ بفواتها(٢) .

وروي أنّ رجلاً جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله إن قُتلت في سبيل الله صابراً محتسباً يكفَّر عنّي خطاياي؟ قال : « نعم ، إلّا الدّيْن ، فإنّ جبرئيل قال لي ذلك »(٣) .

وفوات النفس غير معلوم ، ولا دلالة في الحديث على المطلوب.

وللشافعيّة طريقة اُخرى هي أنّه إن لم يخلِّف وفاءً ، فليس له الخروج إلّا بإذن ربّ الدِّيْن ، وإن خلَّف ، فوجهان ؛ لأنّه قد يتلف ولا يصل إلى ربّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٤٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ٤ : ٥٤٩ ، و ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٤ - ٤٩٥ و ١٠ : ٣٧٦.

(٣) الموطأ ٢ : ٤٦١ / ٣١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥٠١ / ١٨٨٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٢١٢ / ١٧١٢ ، سنن النسائي ٦ : ٣٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٥ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٣ / ٢٢٠٣٦ و ٤١٢ / ٢٢٠٧٩ و ٤١٩ - ٤٢٠ / ٢٢١٢٠ بتفاوت.

٢٩

الدَّيْن(١) .

ولبعضهم وجه آخر : إن كان الأجل يدوم إلى أن يرجع ، فلا منع ، وإن كان يحلّ قبل أن يرجع ، فوجهان(٢) .

وهل ركوب البحر كسفر الجهاد؟ قال بعض الشافعيّة : نعم ؛ لخطره(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ راكب البحر يغلب السلامة ويطلب الغنيمة ، والغازي يعرّض نفسه للشهادة.

الثالث : الاُبوّة ، فمَنْ كان له أبوان مسلمان أو أحدهما ليس له الجهاد إلّا بإذنهما أو بإذن الحيّ منهما ، سواء الأب والاُمّ في ذلك ، وهو قول عامّة أهل العلم(٤) ؛ لما رواه ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله أجاهد؟ فقال : « ألك أبوان؟ » قال : نعم ، قال : « ففيهما فجاهد »(٥) .

وفي رواية : جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويّ يبكيان ، قال :

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٤) الوجيز ٢ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٨١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٩٨ ، المغني ١٠ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٧.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧ / ٢٥٢٩ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ - ٣٧٧ ، ونحوه في سنن الترمذي ٤ : ١٩١ - ١٩٢ / ١٦٧١ ، وفيها عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وقال صاحب المغني بعد نقل هذا الحديث : وعن ابن عباس عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مثله. وقال صاحب الشرح الكبير : وروى ابن عباس نحوه.

وكذا قال الترمذي في ذيل الحديث المزبور : وفي الباب عن ابن عباس.

٣٠

« ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما »(١) .

وهاجر رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هل لك باليمن أحد؟ » قال : نعم ، أبواي ، قال : « أذنا لك؟ » قال : لا ، قال : « فارجع فاستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد ، وإلّا فبرّهما »(٢) .

ولأنّ الجهاد فرض كفاية وبرّ الوالدين فرض عين ، فيقدّم وهو بشرط الإسلام.

ولو كانا مشركين أو الحيّ منهما ، لم يفتقر إلى إذنهما - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - للتهمة الظاهرة بالميل إلى ملّته في الكفر ، وكان ولد عبد الله بن أبيّ بن سلول يغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعلومٌ أنّ أباه كان يكره ذلك ، فإنّه كان يخذل الأجانب ويمنعهم عن الجهاد(٤) ، وكذا أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يجاهدون وفيهم مَنْ له أبوان كافران من غير استئذانهما ، منهم أبو بكر ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بَدْر وأبوه رئيس المشركين يومئذٍ قُتل ببَدْر ، وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد فأنزل الله تعالى :( لا تَجِدُ قَوْماً ) (٥) (٦) الآية.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧ / ٢٥٢٨ ، سنن النسائي ٧ : ١٤٣ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣٤٢ / ٦٤٥٤ و ٤٠٠ / ٦٧٩٤.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧ - ١٨ / ٢٥٣٠ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٣١ / ٢٣٣٤ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣.

(٥) المجادلة : ٢٢.

(٦) أسباب النزول - للنيسابوري - : ٢٣٦ ، التفسير الكبير ٢٩ : ٢٧٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١٧ : ٣٠٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

٣١

وقال الثوري : ولا يغزو إلّا بإذنهما ؛ لعموم الأخبار(١) . وهو مخصوص بما قلناه.

فروع :

أ - لو كان أبواه رقيقين ، فعموم كلام الشيخ(٢) يقتضي اعتبار إذنهما ؛ للعموم ، ولأنّهما مسلمان فأشبها الحُرّين.

ويحتمل عدم اعتبار إذنهما ؛ لانتفاء ولايتهما.

ب - لو كانا مجنونين ، فلا عبرة بإذنهما.

ج - هل الجدّان كالأبوين؟ الأقرب ذلك. وللشافعيّة وجهان(٣) .

ولو كانا مع الأبوين ، ففي اشتراط إذن الجدّ مع الأب والجدّة مع الاُمّ إشكال ينشأ من أنّ القريب يحجب البعيد ، ومن أنّ البرّ إلى البعيد لا يخصّ بحالة فقدان القريب.

د - لو تعيّن الجهاد عليه ، لم يعتبر إذن الأبوين ولا غيرهما من أصحاب الدَّيْن والسيّد ، وكذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها ، كالصلاة والحجّ ؛ لأنّه عبادة تعيّنت عليه ، فلا يعتبر إذن الأبوين فيها ، وقال تعالى :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٤) ولم يشترط إذن الأبوين.

ه - لو أذن أبواه في الغزو وشرطا عليه ترك القتال فحضر ، تعيّن عليه وسقط شرطهما - وبه قال الأوزاعي وأحمد وابن المنذر(٥) - لأنّه صار‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) المغني ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٩.

٣٢

واجباً ، فلم يبق لهما في تركه طاعة.

ولو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ثمّ بدا له الرجوع ، لم يجز له ذلك.

و - ليس للأبوين المنع من سفر الحجّ الواجب ؛ لأنّه على الفور ، وليس الخوف فيه كالخوف في الغزو.

وللشافعي قولٌ إنّ لهما المنع ؛ لأنّ الحجّ على التراخي وبرّ الوالدين على الفور(١) . والصغرى ممنوعة.

وكذا ليس لهما المنع من سفره في طلب العلم الواجب عليه ، ولا يجب عليه استئذانهما كالحجّ.

ولو كان فرضَ كفاية بأن خرج طالباً لدرجة الفتوى وفي بلده مَنْ يشتغل بالفتوى ، احتمل أنّ لهما المنع ؛ لتعيّن البرّ عليه ، وعدمه ؛ لبُعْد الحَجْر على المكلّف وحبسه.

ولو لم يكن هناك مَنْ يشتغل بالفتوى لكن خرج مع جماعة لذلك ، فالأقرب عدم الاحتياج إلى الإذن ؛ لأنّه لم يوجد في الحال من يقوم بالغرض ، والخارجون معه قد لا يحصل لهم المقصود. ولو لم يخرج معه أحد ، لم يفتقر إلى الإذن ؛ لأنّه يؤدّي فرضاً ، كما لو خرج لغزو تعيّن عليه.

ولو أمكنه التعلّم في بلده ، فإن توقّع في سفره زيادة فراغٍ أو إرشاد اُستاذٍ ، احتمل عدم افتقاره إلى الإذن.

وأمّا سفر التجارة : فإن كان قصيراً ، لم يمنع منه ، وإن كان طويلاً وفيه خوف ، اشترط إذنهما ، وإلّا احتمل ذلك تحرّزاً من تأذّيهما. ولأنّ لهما منعه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، المجموع ٨ : ٣٤٩.

٣٣

من حجّة التطوّع مع أنّه عبادة فيكون منعهما من المباح أولى ، وعدمه ؛ لأنّه بامتناعه ينقطع عن معاشه ويضطرب أمره.

والأقرب : أنّ الأب الكافر كالمسلم في هذه الأسفار ، بخلاف سفر الجهاد [ ولا فرق بين الحرّ](١) والرقيق ، لشمول معنى البرّ والشفقة.

ز - لو خرج للجهاد بإذن صاحب الدَّيْن أو الأبوين ثمّ رجعوا‌ أو كان الأبوان كافرين فأسلما بعد خروجه من غير إذنٍ وعلم بالحال ، فإن لم يشرع في القتال ولم يحضر الرفقة(٢) بَعْدُ ، فإنّه ينصرف إلّا إذا خاف على نفسه أو ماله أو خاف من انصرافه كسر المسلمين.

ولو لم يمكنه الانصراف ؛ للخوف وأمكنه الإقامة في قرية في الطريق إلى أن يرجع جيش المسلمين ، لزمه أن يقيم ؛ لأنّ غرض الراجعين عن الإذن أن لا يقاتل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة، والثاني : عدم الوجوب ؛ لما يناله من وحشة مفارقة الرفقة وإبطال أُهبة الجهاد عليه(٣) .

ولو كان الرجوع بعد الشروع في القتال ، احتمل وجوب الرجوع ؛ لأنّ حقّ الراجعين عن الإذن أولى بالرعاية ؛ لأنّه فرض عين والجهاد فرض كفاية ، ولأنّ حقّهم أسبق ، ولأنّ حقّ الآدمي مبني على المضايقة ، فهو أولى بالمحافظة ، وعدمه ، لوجوب الثبات على مَنْ حضر القتال ؛ لقوله تعالى:( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (٤) ولأنّه ربما يكسر قلوب المسلمين ويشوّش الجهاد.

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) كذا ، ولعلّها : ولم يحضر الوقعة. كما يأتي نظيرها.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٤) الأنفال : ٤٥.

٣٤

وللشافعي قولان(١) . ولبعض أصحابه فرقُ بين رجوع الأبوين وصاحب الدَّيْن ؛ لعظم شأن الدَّين والاحتياط للمظالم(٢) .

ح - مَنْ شُرط عليه الاستئذان إذا خرج بغير إذنٍ ، لزمه الانصراف ما لم يشرع في القتال ؛ لأنّ سفره معصية ، إلّا أن يخاف على نفسه أو ماله ، فإن شرع في القتال ، فللشافعية وجهان(٣) . وهذه الصورة أولى بوجوب الانصراف ؛ لأنّ ابتداء الخروج كان معصيةً.

ولو خرج العبد بغير إذن سيّده ، لزمه الرجوع ما لم يحضر الواقعة ، فإن حضر ، فللشافعية قولان(٤) .

ولو مرض الحُرّ بعد خروجه أو عرج أو فني زادهُ أو هلكت دابّته ، تخيّر بين الانصراف والمضيّ ما لم يحضر الوقعة.

ولو حضر الوقعة ، لزمه الثبات ؛ للآية(٥) ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : أنّه يجوز الرجوع ؛ لعدم تمكّنه من القتال(٦) .

والوجه أن يقال : إن كان الانصراف لا يورث إعلالاً وتخاذلاً في الجند ، جاز ، وإلّا فلا.

ولو أمكنه القتال راجلاً بعد موت الدابّة في الوقعة ، وجب ، وإلّا فلا. وكذا إذا انقطع سلاحه وانكسر في الواقعة وأمكنه القتال بالحجارة ، وجب ، وإلّا فلا.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٤٥ - ٦٤٦.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٥) الأنفال : ٤٥.

(٦) حلية العلماء ٧ : ٦٤٥ ، العزى شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

٣٥

وحيث سوّغنا الانصراف لرجوع ربّ الدَّيْن أو الأبوين عن الإذن أو لمرض ونحوه ، ليس للسلطان منعه منه إلّا أن يتّفق ذلك لجماعة وكان يخاف من انصرافهم الخلل في المسلمين.

ولو انصراف لذهاب نفقة أو هلاك دابة ثمّ قدر على النفقة والدابّة في بلاد الكفر ، فعليه أن يرجع إلى المجاهدين. وإن كان قد فارق بلاد الكفر ، قال الشافعي : لم يلزمه الرجوع إليهم(١) .

ولو خرج للجهاد وبه عذر من مرض وغيره ثمّ زال عذره وصار من أهل فرض الجهاد ، لم يجز له الرجوع عن الغزو. وكذا لو حدث العذر وزال قبل أن ينصرف.

ط - مَنْ شرع في القتال ولا عذر له تلزمه المصابرة ، ويحرم الانصراف ؛ لما فيه من التخذيل وكسر قلوب المجاهدين.

وطالب العلم إذا اشتغل بالتعلّم وآنس الرشد من نفسه ، هل يحرم عليه الرجوع؟ يحتمل ذلك ؛ لأنّه فرض كفاية شرع فيه فيلزمه بالشروع.

والأقرب : المنع ؛ لأنّ الشروع لا يغيّر حكم المشروع فيه ، بخلاف الجهاد ؛ لأنّ في الرجوع تخذيلَ المجاهدين وكسْرَ قلوبهم ، وترك التعلّم ليس فيه ذلك. ولأنّ كلّ مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها ، وليست العلوم كالخصلة الواحدة ، بخلاف الجهاد.

وفي وجوب إتمام صلاة الجنازة بالشروع وجهان(٢) ، أحدهما :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٢) هذان الوجهانأيضاً للشافعيّة . اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤١٦.

٣٦

عدمه ، كالشروع في التطوّع لا يلزم به إتمامه و [ ثانيهما ] : وجوبه ؛ لأنّ الصلاة كالخصلة الواحدة ، ولما في الرجوع من هتك حرمة الميّت.

مسألة ١٣ : العلم إمّا فرض عين أو فرض كفاية أو مستحبّ أو حرام.

فالأوّل : العلم بإثبات الصانع تعالى‌ وصفاته وما يجب له ويمتنع عليه ، ونبوّة نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وثبوت عصمته وإمامة مَنْ تجب إمامته وما يجب له ويمتنع عليه ، والمعاد. ولا يكفي في ذلك التقليد ، بل لا بدّ من العلم المستند إلى الأدلّة والبراهين.

ولا يجب على الأعيان دفع الشبهات فيها ، وذلك إنّما يتمّ بعلم الكلام.

وقالت الشافعية : العلم المترجم بعلم الكلام ليس بفرض عين ، وما كان الصحابة يشتغلون به(١) .

والثاني : العلم بالفقه وفروع الأحكام ، وعلم اُصول الفقه وكيفيّة الاستدلال والبراهين(٢) ، والنحو واللغة والتصريف ، والتعمّق في اُصول الدين بحيث يقتدر على دفع شبه المـُبْطلين والقيام بجواب الشبه وردّ العقائد الفاسدة ، وعلم اُصول الفقه(٣) ، وعلم الحديث ومعرفة الرجال بالعدالة وضدّها ، والانتهاء في معرفة الأحكام إلى أن يصلح للإفتاء والقضاء. ولا يكفي المفتي الواحد في البلد ؛ لعسر مراجعته على جميع الناس. وعلم الطبّ ؛ للحاجة إليه في المعالجة ، وعلم الحساب ؛ للاحتياج إليه في المعاملات وقسم الوصايا والمواريث. ومَنْ حصل له شبهة ، وجب عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٥.

(٢) كذا ، ولعلّها : كيفيّة الاستدلال بالبراهين.

(٣) كذا ، حيث ذكره آنفاً.

٣٧

السعي في حلّها.

والمستحب : الزيادة على ما يجب على الكفاية في كلّ علم.

والحرام : ما اشتمل على وجه قبحٍ ، كعلم الفلسفة لغير النقض ، وعلم الموسيقى وغير ذلك ممّا نهى الشرع عن تعلّمه ، كالسحر ، وعلم القيافة والكهانة وغيرها.

مسألة ١٤ : قد عرفت أنّ من شرط الجهاد دعاء الإمام العادل إليه.

ولو كان الجهاد للدفع ، وجب مطلقاً ، سواء كان هناك إمام أو لا.

ولو كان الإمام جائراً ، جاز القيام معه إذا قصد الدفع عن نفسه وعن المؤمنين ، كما لو كان المسلم في دار الكفّار بأمان ودَهَمهم عدوٌّ خشي على نفسه ، وجب عليه مساعدتهم في دفعه ؛ لما رواه طلحة بن زيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قومٌ آخرون ، قال : « على المسلم أن يمنع عن نفسه وماله ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله ، وأمّا أن يقاتل الكفّار على حكم الجور وسنّتهم(١) فلا يحلّ له ذلك »(٢) .

وكذا كلّ مَنْ خاف على نفسه يجب عليه الجهاد.

ومَنْ خاف على ماله يجوز له الجهاد إذا غلب السلامة.

مسألة ١٥ : لا يجب على مَنْ وجب عليه الجهاد إيقاعه مباشرةً إلّا أن يعيّنه الإمام للخروج ، فتحرم عليه الاستنابة باُجرة وغيرها ، ولا يجوز له حينئذٍ أن يغزو بجُعْلٍ ، فإن أخذ جُعْلاً ، ردّه على صاحبه. ولو لم يعيّنه ، لم تجب المباشرة بل يجوز أن يستنيب غيره بإجارة أو غيرها ، وتكون‌

____________________

(١) في « ق ، ك » : سبيهم.

(٢) التهذيب ٦ : ١٣٥ - ١٣٦ / ٢٢٩ بتفاوت يسير.

٣٨

الاجارة صحيحةً ، ولا يلزم المستأجر ردّ الاُجرة ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ جهّز غازياً كان له كمثل أجره »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام سُئل عن الاجعال للغزو ، فقال : لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل ويأخذ منه الجُعْل »(٢) .

ولأنّ الضرورة قد تدعو إليه ، فكان سائغاً كغيره.

وقال الشافعي : لا تنعقد الإجارة ، ويجب عليه ردّ الاُجرة إلى صاحبها ؛ لتعيّن الجهاد عليه بحضوره الصف ، فلا يجوز أخذ الاُجرة عليه(٣) .

وينتقض بالحجّ ؛ فإنّه إذا حضر مكة ، تعيّن عليه الإحرام ، ومع هذا جاز أن يقع الإحرام المتعيّن عليه عن غيره ، فكذا هنا.

وقال عطاء ومجاهد وسعيد بن المسيّب : مَنْ اُعطي شيئاً من المال يستعين به في الغزو ، فإن اُعطي لغزوة بعينها فما فضل بعد الغزو فهو له ؛ لأنّه أعطاه على سبيل الإعانة والنفقة لا على سبيل الإجارة ، فكان الفاضل له(٤) .

وإن أعطاه شيئاً لينفقه في الجهاد مطلقاً ففضل منه فضل ، أنفقه في جهاد آخر ؛ لأنّه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة ، فلزمه إنفاق الجميع فيها.

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٢ / ٢٧٥٩.

(٢) التهذيب ٦ : ١٧٣ / ٣٣٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢٨ ، الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢ ، المغني ١٠ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٢.

(٤) المغني ١٠ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٥.

٣٩

وإذا اُعطي شيئاً ليستعين به في الغزو ، لا يترك لأهله منه شيئاً.

قال أحمد : لأنّه ليس يملكه إلّا أن يصير إلى رأس مغزاة فيكون كهيئة ماله فيبعث إلى عياله منه ، ولا يتصرّف فيه قبل الخروج لئلّا يتخلّف عن الغزو فلا يكون مستحقّاً لما أنفقه إلّا أن يشتري منه سلاحاً أو آلة غزو(١) .

وإذا حمل رجلاً على دابّة غازية ، فإذا رجع من الغزو ، فهي له ، إلّا أن يقول : هي حبس ، فلا يجوز بيعها إلّا مع عدم صلاحيتها للغزو ، فتباع وتجعل في حبس آخر.

قال أحمد : وكذلك المسجد إذا ضاق بأهله أو كان في مكان لا ينتفع به ، جاز بيعه وجعل ثمنه في مكان ينتفع به ، وكذا الاُضحية إذا أبدلها بخير منها(٢) .

ولو أعطاه إيّاها ليغزو عليها ، فإذا غزا عليها ، قال أحمد : ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه ، ويصنع بثمنها ما شاء(٣) .

وكان مالك لا يرى أن ينتفع بثمنها في غير الغزو(٤) .

وليس للغازي أن يركب دوابّ السبيل في حوائجه ، بل يركبها ويستعملها في الغزو.

وسهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه.

وكره بعضهم إنزاء الفرس الحبيس(٥) .

ولا يباع الفرس الحبيس إلّا من علّة ، إذا عطب يصير للطحن ،

____________________

(١) المغني ١٠ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٥.

(٢) المغني : ١٠ : ٣٩١.

(٣) المغني ١٠ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٦.

(٤) المغني ١٠ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٦.

(٥) المغني ١٠ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٧.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466