تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 320019 / تحميل: 5236
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

فيهرب أهله ويتركون أموالهم فيه فزعاً ، فإنّه يكون من جملة الغنائم التي تُخمّس ، وأربعة الأخماس للمقاتلة ، كالغنائم.

وقال الشافعي : إنّ ذلك من جملة الفي‌ء ؛ لأنّ القتال ما حصل فيه(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : وهو الأقوى(٢) .

وقد كانت الغنيمة محرّمةً فيما تقدّم من الشرائع ، وكانوا يجمعون الغنيمة فتنزل النار من السماء فتأكلها ، فلمـّا أرسل الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أنعم بها عليه ، فجعلها له خاصّةً.

قال الله تعالى :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) .

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « اُحلّ لي الخَمْس ولم يحل لأحد قبلي وجُعلت لي الغنائم»(٤) .

وقالعليه‌السلام : « اُعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي » وذكر من جملتها « اُحلّت لي الغنائم»(٥) فاُعطيعليه‌السلام الغنائم بقوله :( قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) (٦) نزلت يوم بَدْر لمـّا تنازعوا في الغنائم ، فقسّمها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأدخل معهم جماعةً لم يحضروا الوقعة ؛ لأنّها كانت لهعليه‌السلام يصنع بها ما شاء ، ثمّ نسخ ذلك وجُعلت للغانمين أربعة‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٨ ، منهاج الطالبين : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٠.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٤.

(٣) الأنفال : ١.

(٤) أورده الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ٦٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١١٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٠ - ٣٧١ / ٥٢١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٢٤ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٥ / ٢٧٣٧ ، و ٤ : ٢٣٧ / ١٣٨٥٢.

(٦) الأنفال : ١.

١٢١

أخماسها ، والخُمْس الباقي لمستحقّه(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٧٦ : ما يحويه العسكر ممّا يُنقل ويُحوّل إن لم يصح تملّكه للمسلمين كالخمور والخنازير ، فليس غنيمةً ، وما يصحّ تملّكه غنيمة إن أخذته الفئة المجاهدة على سبيل الغلبة دون ما يُختلس ويُسرق ؛ فإنّه خاصّ للمختلس ، ودون ما ينجلي عنه الكفّار من غير قتال ؛ فإنّه في‌ء ، ودون اللقطة ؛ فإنّها لآخذها.

أمّا الغنيمة : فهي للغانمين خاصّة يخرج منها الخُمْس لأربابه ، والباقي للغانمين.

وأمّا الأشياء المباحة في الأصل - كالصيود والأحجار والأشجار - فإن لم يكن عليها(٢) أثر لهم ، فهي(٣) لواجدها(٤) ، وليست(٥) غنيمة ، وبه قال الشافعي ومكحول والأوزاعي(٦) ، خلافا لأبي حنيفة والثوري حيث جعلاها(٧) للمسلمين(٨) .

ولو كان عليها(٩) أثر - كالطير المقصوص والأشجار المقطوعة والأحجار المنحوتة - فهي(١٠) غنيمة.

____________________

(١) المغازي - للواقدي - ١ : ١٣١ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٤٥ ، التفسير الكبير ١٥ : ١١٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٧ : ٣٦٠ ، أسباب النزول - للنيسابوري - : ١٣٢.

(٢ - ٥) في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : عليه فهو لواجده ليس. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٦ ، المغني ١٠ : ٤٧٧ - ٤٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٧) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : جعلاه. وما أثبتناه لأجل السياق.

(٨) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٩ و ١٠) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : عليه فهو. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٢٢

ولو وُجد في دار الحرب شي‌ء يحتمل أن يكون للمسلمين والكفّار - كالخيمة والسلاح - فالوجه : أنّه لقطة.

وقال الشيخ : يعرّف سنة ثمَّ يلحق بالغنيمة(١) . وبه قال أحمد(٢) .

فإن وُجد قدح منحوت في الصحراء فعرفه المسلمون ، فهو لهم ، وإلّا فغنيمة ؛ لأنّه في دارهم.

ولو وجد صيداً في أرضهم لا مالك له واحتاج إلى أكله ، فإنّه له ، ولا يردّه إجماعاً ؛ لأنّه لو وجد طعاماً مملوكاً للكفّار ، كان له أكله إذا احتاج إليه ، فالصيد المباح أولى.

ولو أخذ من بيوتهم أو خارجها ما لا قيمة له في أرضهم كالمِسَنّ(٣) ، فهو أحقّ به إجماعاً. ولو صار له قيمة بنقله أو معالجته ، فكذلك ، وبه قال أحمد ومكحول والأوزاعي والشافعي(٤) .

وقال الثوري : إذا دخل به دار الإسلام ، دفعه في المغنم(٥) ، وإن عالجه فصار له ثمن ، اُعطي بقدر عمله فيه ، ودفع في المغنم(٦) (٧) .

وليس شيئاً ؛ لأنّ القيمة صارت له بعلمه ونقله ، فلم يكن غنيمةً حال أخذه.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٠.

(٢) المغني ١٠ : ٤٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٦.

(٣) ورد في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : كالمن. وذلك تصحيف. والصحيح ما أثبتناه. والمِسَنُّ : حجر يحدَّد به. الصحاح ٥ : ٢١٤٠ « سنن ».

(٤) المغني ١٠ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٥) في « ق ، ك‍ » المقسم. وكذا في المصدر.

(٦) في المصدر : المقسم.

(٧) المغني ١٠ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

١٢٣

ولو ترك صاحب المغنم(١) شيئاً من الغنيمة عجزاً عن حمله فقال : مَنْ حمله فهو له ، جاز ، وصار لآخذه. وبه قال مالك(٢) ، خلافاً لبعض العامّة(٣) .

ولو وجد في أرضهم ركازاً ، فإن كان في موضع يقدر عليه بنفسه ، فهو له ، كما لو وجده في دار الإسلام ، يخرج خمسه ، والباقي له.

وإن لم يقدر عليه إلّا بجماعة المسلمين ، فإن كان في مواتهم ، قال الشافعي : يكون كما لو وجده في دار الإسلام ، وإلّا فهو غنيمة(٤) .

وقال مالك والأوزاعي والليث وأحمد : هو غنيمة ، سواء كان في مواتهم أو غير مواتهم ؛ لأنّه مال مشترك ظهر عليه بقوّة جيش المسلمين ، فكان غنيمةً ، كالأموال الظاهرة(٥) .

مسألة ٧٧ : لا يجوز التصرّف في شي‌ء من الغنيمة قبل القسمة إلّا ما لابدّ للغانمين منه ، كالطعام ، وضابطه : القوت وما يصلح به القوت ، كاللحم والشحم ، وكلّ طعام يعتاد أكله ، وعلف الدوابّ : التبن والشعير وما في معناهما ، إجماعاً ، إلّا مَنْ شذّ(٦) - وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء والحسن البصري والشعبي والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٧) - لما رواه العامّة عن ابن عمر ، قال : كُنّا نصيب العسل‌

____________________

(١) في « ق ، ك » : المقسم.

(٢) المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٧ ، المغني ١٠ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٣) المغني ١٠ : ٤٧٨ - ٤٧٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٦.

(٦) كما في المغني ١٠ : ٤٨٠ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٦٠.

(٧) المغني ١٠ : ٤٨٠ - ٤٨١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٠ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٧ - ١٧٨ ، الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧.

١٢٤

والفواكه في مغازينا فنأكله ولا نرفعه(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« ولا تحرقوا زرعاً لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه ، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله »(٢) .

ولأنّ الحاجة تشتدّ إلى ذلك ، فإنّ نقل الميرة(٣) عسر جدّاً ، وقسمته تستلزم عدم الانتفاع بما يحصل منه.

وقال الزهري : لا يؤخذ إلّا بإذن الإمام ؛ لأنّه غنيمة ، فهو لأربابه(٤) .

وهو ممنوع ، لاشتداد الحاجة.

وهل يجوز أخذ الطعام أو العلف مع عدم الحاجة؟ الوجه : المنع ؛ لأنّه مغنوم لجماعة الغانمين غير محتاج إليه ، فأشبه سائر الأموال. نعم ، لهم التزوّد لقطع المسافة بين أيديهم.

وقال بعض العامّة : يجوز مع عدم الحاجة أيضاً(٥) ؛ لأن عمر سوّغ الأكل(٦) ، ولم يقيّد بالحاجة.

والحيوان المأكول يجوز ذبحه والأكل منه مع الحاجة ، ولا تجب القيمة ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١١٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩ / ٨ ، التهذيب ٦ : ١٣٨ / ٢٣٢.

(٣) الميرة : الطعام. الصحاح ٢ : ٨٢١ « مير ».

(٤) المغني ١٠ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩ - ٤٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٧.

(٦) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٧٤ - ٢٧٥ / ٢٧٥٠ ، المغني ١٠ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦١.

١٢٥

ولا فرق بين الغنم وغيرها.

وقال بعض الشافعيّة : ما يمكن سوقه يُساق ، وأمّا الغنم فتُذبح ؛ لأنّها كالأطعمة ، ولهذا قالعليه‌السلام حين سُئل عن ضالّتها : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(١) (٢) .

وقال بعض العامّة : تجب القيمة ؛ لندور الحاجة إليه ، بخلاف الطعام(٣) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّا فرضنا الحاجة.

وإذا ذبح الحيوان للأكل ، ردّ الجلود إلى المغنم ، ولا يجوز استعمالها ؛ لعدم الحاجة إليها. ولو استعمل الجلد في سقاء أو نعل أو شراك ، ردّه إلى المغنم مع اُجرة المثل لمدّة استعماله وأرش نقص أجزائه بالاستعمال. ولو زادت قيمته بالصنعة ، فلا شي‌ء له ؛ لأنّه متعدُّ.

وأمّا ما عدا الطعام والعلف واللحم فلا يجوز تناوله ولا استعماله ولا الانفراد به ؛ لقولهعليه‌السلام : « أدّوا الخيط والمخيط فإنّ الغلول عارٌ ونارٌ وشنارٌ يوم القيامة »(٤) .

وللشافعيّة في الفواكه وجهان(٥) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٦٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٦ - ١٣٤٧ / ١٧٢٢ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٧ / ١٧١٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٥٥ - ٦٥٦ / ١٣٧٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٦ - ٨٣٧ / ٢٥٠٤ ، الموطّأ ٢ : ٧٥٧ / ٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٠ - ٩٥١ / ٢٨٥٠.

(٥) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٩.

١٢٦

ويمكن الفرق بين ما يسرع إليه الفساد ويشقّ نقله وبين غيره.

وأمّا الدهن المأكول فيجوز استعماله في الطعام مع الحاجة ؛ لأنّه نوع من الطعام. ولو كان غير مأكول ، فإن احتاج إلى أن يدهن به أو دابّته ، لم يكن له ذلك إلّا بالقيمة ، قاله الشافعي ؛ لأنّه ممّا لا تعمّ الحاجة إليه ، ولا هو طعام ولا علف(١) .

وقال بعض العامّة : يجوز ؛ لأنّ الحاجة إليه في إصلاح بدنه ودابّته كالحاجة إلى الطعام والعلف(٢) .

ويجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه - كالجُلاب والسكنجبين وغيرهما - عند الحاجة ؛ لأنّه من الطعام.

وقال أصحاب الشافعي : ليس له تناوله ؛ لأنّه ليس قوتاً ولا يُصلح به القوت(٣) .

والوجه : الجواز ؛ لأنّه يحتاج إليه ، فأشبه الفواكه.

وليس له غسل ثوبه بالصابون ؛ لأنّه ليس طعاماً ولا علفاً ، وإنّما يراد للتحسين والتزيين لا للضرورة.

ولا يجوز الانتفاع بجلودهم ولا اتّخاذ النعال منها ولا الجُرُب(٤) ولا الخيوط ولا الحبال - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّه مال غنيمة لا تعمّ الحاجة‌

____________________

(١) الاُمّ ٤ : ٢٦٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١ ، المغني ١٠ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٣.

(٢) المغني ١٠ : ٤٨٢ - ٤٨٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٣.

(٣) المغني ١٠ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٣.

(٤) الجُرُب جمع ، واحدها : الجِراب. وهو وعاء من إهاب الشاء. لسان العرب ١ : ٢٦١ « جرب ».

(٥) الاُمّ ٤ : ٢٦٣ ، الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١ ، المغني ١٠ : ٤٨٤.

١٢٧

إليه ، فلا يختصّ به البعض.

ورخّص مالك في الحبل يتّخذ من الشعر ، والنعل والخُفّ يتّخذ من جلود البقر(١) .

مسألة ٧٨ : الكتب التي لهم : فإن كان الانتفاع بها حلالاً - كالطبّ‌ والأدب والحساب والتواريخ - فهي غنيمة ، وإن حرم الانتفاع بها - مثل كتب الكفر والهجو والفحش المحض - فلا يترك(٢) بحاله ، بل يغسل إن كان على رقٌّ(٣) أو كاغذ ثخين يمكن غسله ، ثمّ هو كسائر أموال الغنيمة ، وإن لم يكن ، اُبطلت منفعته بالتمزيق ، ثم الممزَّق كسائر الأموال ؛ فإنّ للممزَّق قيمةً وإن قلَّت.

وكذا كُتب التوراة والإنجيل ؛ لأنّها مبدَّلة محرَّفة ، فلا يجوز الانتفاع بها ، وإنّما تُقرّ في أيدي أهل الذمّة ؛ لاعتقادهم ، كما يُقرّون على الخمر.

والأولى أنّها لا تُحرق ؛ لما فيها من أسماء الله تعالى.

وأمّا جوارح الصيد - كالفهد والبازي وكلب الصيد - فغنيمة. ولو لم يرغب فيها أحد من الغانمين ، جاز إرسالها وإعطاؤها غير الغانمين. ولو رغب فيها بعض الغانمين ، دُفعت إليه ، ولا تُحسب عليه من نصيبه ؛ لأنّه لا قيمة لها. وإن رغب فيها الجميع ، قُسّمت ، ولو تعذّرت القسمة أو تنازعوا في الجيّد منها ، اُقرع بينهم.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ الإمام يخصّ بالكلاب مَنْ شاء(٤) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٦ ، المغني ١٠ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٤.

(٢) أي المكتوب.

(٣) الرَّقُّ : ما يكتب فيه وهو جلد رقيق. لسان العرب ١٠ : ١٢٣ « رقق ».

(٤) الوجيز ٢ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٣.

١٢٨

قالوا : وللإمام أن يسلّمها إلى واحد من المسلمين لعلمه باحتياجه إليه(١) ، ولا يكون محسوباً عليه(٢) .

واعترض عليه : بأنّ الكلب منتفع به ، فليكن حقّ اليد فيه لجميعهم ، كما أنّ مَنْ مات وله كلب ، لا يستبدّ به بعض الورثة(٣) .

وقال بعضهم : إن أراده بعض الغانمين أو بعض أهل الخمس ولم ينازع فيه ، سُلّم إليه ، وإن تنازعوا ، فإن وجدنا كلاباً وأمكنت القسمة عدداً ، قُسّمت وإلّا اُقرع بينهم ، وقد تعتبر قيمتها عند مَنْ يرى لها قيمة أو ينظر إلى منافعها(٤) .

ولو وجدوا خنازير ، قتلوها ؛ لحصول الأذى منها.

ولو وجدوا خمراً ، أراقوه ، ولو كان لظروفه قيمة ، أخذوها غنيمةً ، إلّا أن تزيد مؤونة الحمل على قيمتها أو تساويها فيتلفها عليهم.

ولا يجوز لُبْس ثياب الغنيمة ولا ركوب دوابّها ؛ لأنّه مال مغنوم ، فلا يختصّ به أحد.

ولو كان للغازي دوابّ أو رقيق ، جاز له أن يُطعمهم ممّا يجوز له أكله ، سواء كانوا للقُنْية أو للتجارة ؛ للحاجة ، بخلاف ما لو كان معه بُزاة أو صُقور ؛ لعدم الحاجة إليها ، بخلاف الخيل.

ولا يجوز استعمال أسلحة الكفّار إلّا أن يضطرّ إليه في القتال ، فإذا انقضى الحرب ، ردّه إلى المغنم ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) تذكير الضمير باعتبار الكلب.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٣) كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٩.

١٢٩

وقال أبو حنيفة : يجوز استعمال أسلحتهم(١) .

ولو جُمعت الغنائم وثبتت يد المسلمين عليها وفيها طعام أو(٢) علف ، لم يجز لأحد أخذه إلّا لضرورة ؛ لأنّا أبحنا له الأخذ قبل استيلاء يد المسلمين عليها مع الضرورة ، فبعد الاستيلاء أولى. ولأنّ الغانمين ملكوها بالحيازة ، فخرجت عن المباحات ، فلا يجوز الأكل منها إلّا أن لا يجد غيره؛ لأنّ حفظ النفس واجب ، سواء حِيزت في دار الحرب أو دار الإسلام.

وقال بعض العامّة : إن حِيزت في دار الحرب ، جاز الأكل ، كما جاز قبل الحيازة ؛ لأنّ دار الحرب مظنّة الحاجة(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ المسلمين ملكوه ، فلا يباح أخذه إلّا بإذنٍ. ولأنّ الحيازة في دار الحرب تُثبت الملك ، كالحيازة في دار الإسلام ، ولهذا جاز قسمته ، وتثبت فيه أحكام الملك.

مسألة ٧٩ : لو فضل معه من الطعام فضلة فأدخله دار الإسلام ، ردّه إلى المغنم وإن قلّ ، فإن كانت الغنيمة لم تقسّم ، ردّ في المغنم ، وإن قُسّمت ، ردّه إلى الإمام ، فإن أمكن تفريقه كالغنيمة ، فرّق ، وإن لم يمكن ؛ لتفرّق الغانمين وقلّة ذلك ، احتمل جعله في المصالح.

ولا خلاف في وجوب ردّ الكثير ؛ لأنّ المباح أخذ ما يحتاج إليه في دار الحرب ، فالفاضل غير محتاج إليه ، فيردّ.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجرية : « و » بدل « أو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) المغني ١٠ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٦ - ٤٦٧.

١٣٠

وأمّا القليل فكذلك - وهو أحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقولهعليه‌السلام : « أدّوا(٢) الخيط والمخيط »(٣) .

ولأنّه مال لم يقسّم ، فأشبه الكثير.

وقال مالك : يكون مباحاً لا يجب ردّه إلى المغنم - وبه قال الأوزاعي وعطاء الخراساني ومكحول والشافعي في القول الآخر ، وأحمد في الرواية الاُخرى - لأنّه اُبيح إمساكه عن القسمة ، فاُبيح في دار الإسلام ، كمباحات دار الحرب(٤) .

والفرق ظاهر.

وعن أبي حنيفة أنّه إن كان ذلك قبل قسمة الغنيمة ، ردّه إلى المغنم ، وإن كان بعدها ، باعه وتصدّق بثمنه(٥) .

مسألة ٨٠ : ما يؤخذ من أموال المشركين حال الحرب بالقهر ، فهو‌

____________________

(١) الاُمّ ٤ : ٢٦٢ ، الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٩ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٠ ، المغني ١٠ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٦.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجرية : « ردّوا » وما أثبتناه من المصدر ، وكما سبق في ص ١٢٥.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٠ / ٢٨٥٠.

(٤) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٩ ، الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٠ - ٤٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٨ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٢٣٤ - ٢٣٥ ، المغني ١٠ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٦.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٨.

١٣١

للمقاتلة يؤخذ منه الخُمْس ، والباقي للغانمين. وما تأخذه سريّة بغير إذن الإمام ، فهو للإمام خاصّة عندنا. وما يتركه المشركون فزعاً ويفارقونه من غير حرب ، فهو للإمام أيضاً. وما يؤخذ صلحاً أو جزيةً ، فهو للمجاهدين ، ومع عدمهم يقسّم في فقراء المسلمين ، وما يؤخذ غيلةً من أهل الحرب إن كان في زمان الهدنة ، اُعيد إليهم ، فإن لم يكن كان لآخذه ، وفيه الخُمْس. ومَنْ مات من أهل الحرب وخلّف مالاً فمالُه للإمام إذا لم يكن له وارث.

وقال بعض الشافعيّة : لو دخل واحدٌ أو شِرْذِمةٌ دارَ الحرب مستخفين وأخذوا مالاً على صورة السرقة ، كان ملكاً لآخذه خاصّة ؛ لأنّ السارق يقصد تملك المال وإثبات اليد عليه ، ومال الحربي غير معصوم ، فكأنّه غير مملوك ، وصار سبيله سبيل الاستيلاء على المباحات ، بخلاف مال الغنيمة ؛ فإنّه وإن حصل في يد الغانمين فليس مقصودهم التملّك ؛ إذ لا يجوز التغرّر بالمهج لاكتساب الأموال ، وإنّما الغرض الأعظم رفع كلمة الله تعالى ، وقمع أعداء الدين ، وللقصد أثر ظاهر فيما يملك بالاستيلاء(١) .

وقال بعضهم : إنّه غنيمة مخمّسة ، كأنّهم جعلوا دخوله دارَ الحرب وتغريره بنفسه قائماً مقام القتال ، ولهذا قالوا : لو غزت طائفة بغير إذن الإمام متلصّصين وأخذت مالاً ، فهو غنيمة مخمّسة(٢) .

وروي عن أبي حنيفة أنّه لا يُخمّس ، بل ينفردون به إذا لم يكن لهم قوّة وامتناع(٣) .

وفي رواية اُخرى : يؤخذ الجميع منهم ، ويجعل في بيت المال(٤) .

وقال بعض الشافعيّة : إذا دخل الرجل الواحد دار الحرب وأخذ من‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥.

١٣٢

حربيّ مالاً بالقتال ، اُخذ منه الخُمْس ، والباقي له ، وإن أخذه على جهة السوم ثمّ جحد أو هرب ، فهو له خاصّة ولا خُمْس(١) .

وقال بعضهم : ما يؤخذ بالاختلاس يملك المختلسون أربعة أخماسه ؛ لأنّهم ما وصلوا إليها إلّا بتغرير أنفسهم ، كما لو قاتلوا(٢) .

وعن أبي إسحاق أنّ المختلَس يكون فيئاً ؛ لأنّه حصل بغير إيجاف خيلٍ ولا ركاب(٣) ، كما هو مذهبنا.

وقال بعضهم : هذا إذا دخل الواحد أو النفر اليسير دارَ الحرب وأخذوا ، فأمّا إذا أخذ بعضُ الجند الداخلين بسرقةٍ واختلاسٍ ، فهو غلول ؛ لأنّهم قالوا : ما يهديه الكافر إلى الإمام أو إلى واحد من المسلمين والحرب قائمة لا ينفرد به المهدى إليه ، بل يكون غنيمةً ، بخلاف ما إذا أهدى من دار الحرب إلى دار الإسلام(٤) .

وقال أبو حنيفة : إنّه ينفرد المهدى إليه بالهديّة بكلّ حال(٥) .

والمال الضائع الذي يؤخذ على هيئة اللقطة إن عُلم أنّه للكفّار ، قال بعض الشافعيّة : إنّه يكون لواجده ؛ لأنّه ليس مأخوذاً بقوّة الجند أو قوّة الإسلام حتى يكون فيئاً ، ولا بالقتال حتى يكون غنيمةً(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧ - ٤٥٨.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٦ - ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨ ، وانظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، وانظر : مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٩٨ / ١٦٥٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

١٣٣

وقال بعضهم : يكون غنيمةً لا يختصّ به الآخذ(١) .

ولو أمكن أن يكون للمسلمين ، وجب تعريفه يوماً أو يومين ؛ لأنّه يكفي إنهاء التعريف إلى الأجناد إذا لم يكن مسلم سواهم ، ولا ينظر إلى الاحتمال ( بطروق التجّار )(٢) .

وقال بعضهم : إنّه يعرَّف سنة على ما هو قاعدة التعريف(٣) .

وقال بعضهم : لو وجد ضالّةً في دار الحرب ، فهو غنيمة ، فالخُمس لأهله ، والباقي له ولمن معه. ولو وجد ضالّةً لحربيّ في دار الإسلام ، لا يختصّ هو به ، بل يكون فيئاً. وكذا لو دخل صبي أو امرأة بلادنا فأخذه رجل ، يكون فيئاً. ولو دخل منهم رجل فأخذه مسلم ، يكون غنيمةً ؛ لأنّ لآخذه مؤونةً ، ويرى الإمام فيه رأيه ، فإن رأى استرقاقه ، كان الخُمْس لأهله ، والباقي لمن أخذه، بخلاف الضالّة ؛ لأنّها مال الكفّار حصل في أيدينا من غير قتال(٤) .

مسألة ٨١ : لو أتلف بعض الغانمين من طعام الغنيمة شيئاً ، ضمن‌ ؛ لأنّه لم يستعمله في الوجه السائغ شرعاً ، وما يأخذه لا يملكه بالأخذ ولكن اُبيح له الأخذ والأكل.

ولو أخذ بعض الغانمين فوق ما يحتاج إليه وأضاف به غانماً أو غانمين ، جاز ، وليس فيه إلّا إتعاب نفسه بالطبخ وإصلاح الطعام.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : بطرف التجاوز. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

١٣٤

وليس له أن يضيف غير الغانمين ، فإن فَعَل ، فعلى الآكل الضمان إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً ، استقرّ الضمان على المضيف.

ولو لحق الجندَ مددٌ بعد انقضاء القتال وحيازة الغنيمة ، فالوجه : أنّ لهم الأكل في موضع يشاركون في القسمة. وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : الجواز ؛ لحصوله في دار الحرب التي هي مظنّة عزّة الطعام. وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّه معهم كغير الضيف(١) .

مسألة ٨٢ : إنّما يسوغ للغانمين أكل ما سوّغناه إذا كانوا في دار الحرب‌ التي تعزّ فيها الأطعمة على المسلمين ، فإذا انتهوا إلى عمران دار الإسلام وتمكنوا من الشراء ، أمسكوا.

ولو خرجوا عن دار الحرب ولم ينتهوا إلى عمران دار الإسلام ، فالأقرب جواز الأكل ؛ لبقاء الحاجة الداعية إليه ، فإنّهم لا يجدون مَنْ يبيعهم ولا يصادفون سوقاً. وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والثاني : المنع ؛ لأنّ مظنّة الحاجة دارُ الحرب ، فيناط الحكم بها(٣) .

ولو وجدوا سوقاً في دار الحرب وتمكّنوا من الشراء ، احتمل جواز الأكل ؛ للعموم.

وهو أظهر وجهي الشافعيّة ؛ لأنّهم جعلوا دارَ الحرب في إباحة الطعام بمنزلة السفر في الرخص؛ فإنّ الرخص(٤) وإن ثبتت(٥) لمشقّة السفر‌

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٠.

(٢ و ٣) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٠ - ٤٦١.

(٤) وردت العبارة في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك» هكذا : في الترخّص ؛ فإنّ الترخّص. والصحيح ما أثبتناه لأجل السياق.

(٥) في « ق ، ك» : اُثبتت. وفي الطبعة الحجريّة : ثبت. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٣٥

فالمترفّه الذي لا مشقّة عليه يشارك فيها مَنْ حصلت له المشقّة(١) .

وليس للغانم أن يُقرض ما أخذه من الطعام أو العلف من غير الغانمين أو يبيعه ، فإن فَعَل ، فعلى مَنْ أخذه ردّه إلى المغنم. فإن أقرضه غانماً آخر ، فليس ذلك قرضاً حقيقيّاً ؛ لأنّ الآخذ لا يملك ما يأخذه حتى يملّكه غيره. وحينئذٍ فالأقرب أنّه ليس للمُقرض مطالبة المقترض بالعين أو المثل ماداما في دار الحرب ، ولا يلزم الآخذ الردّ ؛ لأنّ المستقرض من أهل الاستحقاق أيضاً ، فإذا حصل في يده ، فكأنّه أخذه بنفسه. وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والثاني : أنّ له مطالبته بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب ؛ لأنّه إذا أخذه صار أحقَّ به ، ولم تزل يده عنه إلّا ببدل.

وعلى هذا الوجه له مطالبته بردّ مثله من المغنم لا من خالص ملكه ، فلو ردّ عليه من خالص ملكه ، لم يأخذه المقرض ؛ لأنّ غير المملوك لا يقابل بالمملوك حتى لو لم يكن في المغنم طعام آخر سقطت المطالبة. وإذا ردّ من المغنم ، صار الأوّل أحقَّ به ، لحصوله في يده.

وعلى هذا الوجه إذا دخلوا دار الإسلام انقطعت حقوق الغانمين عن أطعمة المغنم ، فيردّ المستقرض على الإمام.

وإذا دخلوا دار الإسلام وقد بقي عين القرض في يد المستقرض ، بُني على أنّ الباقي من طعام المغنم هل يجب ردّه إلى المغنم؟ إن قلنا : نعم ، ردّه إلى المغنم ، وإن قلنا : لا ، فإن جعلنا للقرض اعتباراً ، فيردّه إلى المـُقرض ، وإن قلنا : لا اعتبار له ، فلا يلزمه شي‌ء(٣) .

مسألة ٨٣ : لو باع الغانم ما أخذه من غانم آخر بمال آخر أخذه‌ من‌

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦١.

(٢ و ٣) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦١.

١٣٦

الغنيمة ، فهو إبدال مباح بمباح ، كإبدال الضيوف(١) لقمةً بلقمة ، وكلُّ منهما أولى بما تناوله من يد الآخر.

ولو تبايعا صاعاً بصاعين ، لم يكن ذلك ربا ؛ لأنّه ليس معاوضةً حقيقيّة ، بل هو كما لو كان في يد عبده طعامُ فتقابضا صاعاً بصاعين.

قال بعض الشافعيّة : مَنْ جعل للقرض اعتباراً يلزمه أن يجعل للبيع(٢) اعتباراً حتى يجب على الآخذ تسليم صاع إلى بائعه. وإن تبايعا صاعاً بصاعين ، فإن سلّم بائع الصاع الصاعَ ، لم يملك إلّا طلب صاع تشبيهاً بالقرض ، وإن سلّم المشتري الصاعين ، لم يطلب إلّا صاعاً ، وملك الزائد على البذل(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالمأخوذ حيث قلنا : إنّه مباح للغانم غير مملوك فليس له أن يأكل طعامه ويصرف المأخوذ إلى حاجة أخرى بدلا عن طعامه ، كما لا يتصرّف الضيف فيما قُدّم إليه إلّا بالأكل.

ولو قلّ الطعام وخاف قائد الجيش الازدحام والتنازع عليه ، جَعَله تحت يده وقسّمه على المحتاجين على إقدار الحاجات.

مسألة ٨٤ : الأقرب أنّ حقّ الغانم من الغنيمة يسقط بالإعراض عن الغنيمة وتركها قبل القسمة ؛ لأنّ المقصود الأعظم من الجهاد إعلاء الدين والذبّ عن الملّة ، والغنيمة تابعة ، فمن أعرض عنها فقد أخلص عمله بعض الإخلاص ، وجرّد قصده للمقصد الأعظم. ولأنّ الغنيمة لا تُملك قبل القسمة ، بل تُملك إن تملّك على قول(٤) ، فالحقّ فيه كحقّ الشفعة.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : كإبدال الضيفين.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : للبائع. وما أثبتناه من المصدر.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٣.

١٣٧

وبالجملة ، إن قلنا : تُملك إن تملّك فهو كحقّ الشفعة ، وإن قلنا : تُملك ، فلا ينبغي أن يكون مستقرّاً ، ليتمكّن من تمحيض الجهاد ليحصل المقصد الأعظم ، فلو قال أحد الغانمين : وهبت نصيبي من الغانمين ، صحّ ، وكان إسقاطاً لحقّه الثابت له ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إنّه إن أراد الإسقاط ، صحّ ، وإن أراد التمليك ، لم يصح ؛ لأنّه مجهول(٢) .

مسألة ٨٥ : إذا حاز المسلمون الغنائم وجمعوها ، ثبت حقّهم فيها ، وملكوها ، سواء جمعوها في دار الحرب أو في دار الإسلام - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه يجوز القسمة في دار الحرب.

وقال أبو حنيفة : إذا حازوها في دار الحرب ، لا تُملك ، وإنّما تُملك بعد إحرازها في دار الإسلام(٤) . وليس بجيّد.

ومع الحيازة يثبت لكلّ واحد منهم حقّ الملك.

وقيل : لا يملك إلّا باختيار التملّك ؛ لأنّه لو قال واحد : أسقطت حقّي ، سقط ، ولو كان ملكاً له ، لم يزل بذلك ، كما لو قال الوارث : أسقطت حقّي في الميراث ، لم يسقط ؛ لثبوت الملك له واستقراره(٥) .

وفيه نظر ؛ لأنّه بالحيازة قد زال ملك الكفّار عنها ، ولا يزول إلّا إلى المسلمين. نعم ، ملك كلّ واحد منهم غير مستقرّ في شي‌ء بعينه ، أو جزء‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٢.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، المغني ١٠ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٩.

(٥) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٦ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.

١٣٨

مشاع ، بل للإمام أن يعيّن نصيب كلّ واحد بغير اختياره ، بل هو ملك ضعيف.

مسألة ٨٦ : مَنْ غلّ من الغنيمة شيئاً ، ردّه إلى المغنم ، ولا يُحرق رحله - وبه قال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي(١) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يحرق رحل الغالّ(٢) . ولأنّ فيه إضاعة المال ، ولم يثبت لها نظير في الشرع.

وقال الحسن البصري وفقهاء الشام منهم ، مكحول والأوزاعي : إنّه يُحرق رحله ، إلّا المصحف وما فيه روح ؛ لما رواه عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا وجدتم الرجل قد غلَّ فأحرقوا متاعه واضربوه »(٣) (٤) .

ونمنع صحّة السند.

قال أحمد : ولا تُحرق آلة الدابّة ، كالسرج وغيره ؛ لأنّه يحتاج إليه للانتفاع(٥) .

وقال الأوزاعي : يُحرق سرجه(٦) .

____________________

(١) شرح السنّة ٦ : ٣٦٨ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٢٠٤ ، الجامع لأحكام القرآن ٤ : ٢٦٠ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٢٤.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٦٨ - ٦٩ - ٢٧١٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٢ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٢٤ ، شرح السنّة ٦ : ٣٦٨.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٦٩ / ٢٧١٣ ، سنن البيهقي ٩ : ١٠٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٢٨.

(٤) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٢٤ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٣٩ ، شرح السنّة ٦ : ٣٦٨.

(٥) المغني ١٠ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٦.

(٦) المغني ١٠ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٦ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٤٠ ، شرح السنّة ٦ : ٣٦٨.

١٣٩

ولا تُحرق ثياب الغالّ التي عليه إجماعاً ؛ لأنّه لا يجوز تركه عرياناً ، ولا ما غلّ من الغنيمة إجماعاً؛ لأنّه مال المسلمين ، ولا يُحرق سلاحه ؛ لأنّه يحتاج إليه للقتال ، وهو منفعة للمسلمين عامّة ، ولا نفقته. ولو أبقت النار شيئاً - كالحديد - فهو لمالكه ؛ للاستصحاب.

ولا تُحرق كتُبُ العلم والأحاديث ؛ لأنّه نفع يرجع إلى الدين ، وليس القصد بالإحراق إضراره في دينه.

ولو لم يُحرق متاعه حتى تجدّد له آخر ، لم يُحرق المتجدّد إجماعاً.

وكذا لو مات لم يُحرق رحله إجماعاً ؛ لأنّها عقوبة ، فتسقط بالموت.

قال أحمد : ولو باعه أو وهبه ، نقض البيع والهبة واُحرق(١) .

ولو كان الغالّ صبيّاً ، لم يُحرق إجماعاً.

وكذا لو كان عبداً ؛ لأنّ المتاع لسيّده ، فلا يُعاقب بجناية عبده.

ولو غلّت امرأةٌ أو ذميُّ ، قال أحمد : يُحرق متاعهما(٢) .

ولو أنكر الغلول وادّعى ابتياعه ، لم يُحرق متاعه إجماعاً ، إلّا أن يثبت بالإقرار أو البيّنة ، فيُحرق عند أحمد(٣) .

ولا يحرم الغالّ سهمه من الغنيمة ، سواء كان صبيّاً أو بالغاً ؛ لأنّ سبب الاستحقاق - وهو حضور الحرب - ثابت ، والغلول لا يصلح مانعاً ، كغيره من أنواع الفسوق ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٤) .

وفي الثانية : يحرم سهمه(٥) .

وقال الأوزاعي : إن كان صبيّاً ، حُرم سهمه(٦) .

وإذا أخذ سهمه ، لم يُحرق إجماعاً.

____________________

(١ - ٦) المغني ١٠ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الزينة التي قال الله تبارك وتعالى : «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَ » قال نعم وما دون الخمار من الزينة وما دون السوارين.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن مروك بن عبيد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما قال الوجه والكفان والقدمان.

٣ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : «إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها » قال الزينة الظاهرة الكحل والخاتم.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول الله تعالى : «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها » قال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال الشيخ : يكره ولا يحرم ، لقوله تعالى «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها »(١) وهو مفسر بالوجه والكفين وقيل : يحرم.

وقال المحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه : يجوز النظر إلى الوجه والكفين مرة واحدة من غير معاودة في الوقت الواحد عرفا ، ولا ريب أن الاجتناب أولى.

الحديث الثاني : مرسل.

وهذا الخبر يدل على جواز النظر إلى القدمين أيضا ولم يذكرهما الأكثر.

الحديث الثالث : مجهول.

الحديث الرابع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ » قال المحقق الأسترآبادي في تفسير آيات الأحكام : كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواضعها ، وقيل : بل المراد مواضع الزينة على حذف المضاف لا نفس الزينة ، لأن ذلك يحل النظر إليها.

وقيل : المراد الزينة نفسها لكنها ظاهره وباطنه ، وإنما حرم إبداء الباطنة

__________________

(١) سورة النور الآية ٣٠.

٣٤١

الخاتم والمسكة وهي القلب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منها ، إذ لو أبيح لكان وسيلة إلى النظر إلى مواضعها ، وقيل : إنما نهى عن إبداء الزينة نفسها ليعلم أن حرمة النظر إلى مواضعها أشد وأقوى ، لأن النظر إلى الزينة غير ملابسة للمواضع لا كلام في حله. «إِلاَّ ما ظَهَرَ » عند مزاولة الأمور بحسب العادة ، فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأمور بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها وظهور قدميها عند المشي في الطرقات ، وخاصة الفقيرات منهن ، وهذا استثناء للظاهر ، فلا يحرم.

وفي مجمع البيان فيه أقوال :(١) أحدها ـ أن الظاهرة : الثياب ، والباطنة الخلخال لأن والقرطان والسواران ، عن ابن مسعود.

وثانيها ـ أن الظاهرة الكحل والخاتم والخدان والخضاب في الكف ، عن ابن عباس ، والكحل والسوار والخاتم ، عن قتادة.

وثالثا ـ أنها الوجه والكفان ، عن الضحاك وعطاء ، والوجه والبنان عن الحسن ، وفي تفسير علي بن إبراهيم : الكفان والأصابع ، وزاد في الجامع في الباطنة القلادة.

وفي البيضاوي : وقيل : المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف ، أو يعم المحاسن الخلقية والتزيينية ، والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة ، والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر ، فإن كل بدن الحرة عورة ، لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة ، وأما عندنا فيحرم النظر إلى الوجه والكفين بتلذذ أو خوف فتنة إجماعا ، وبدونها فقيل : يكره ، وقيل : يحرم ، وقيل في النظر الأول بالجواز ، وفي غيره بالحرمة ، والظاهر جواز الإبداء فيما يجوز لهم النظر منهن إليه ، لكن مع الزينة موضع نظر ، ولذا ورد في إبداء الزينة الظاهرة أنه الكف والأصابع ، فتأمل. انتهى.

__________________

(١) المجمع ج ٧ ص ١٣٨.

٣٤٢

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن سعد الإسكاف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على صدره وثوبه فقال والله لآتين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولأخبرنه قال فأتاه فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له ما هذا فأخبره فهبط جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ ».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال الجوهري :المسك بالتحريك : أسورة من ذبل أو عاج. انتهى ، والذبل هي قرون الأوغال ، وقيل : جلود دابة بحرية.

وقال الفيروزآبادي :القلب بالضم : سوار المرأة.

الحديث الخامس : مجهول.

قوله تعالى : « قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ »(١) قيل : اللام مقدر ، والتقدير « ليغضوا » وقيل : منصوب بتقدير « أن » أي مرهم أن يغضوا وقيل : إنه جواب الأمر أي قل لهم : غضوا ، يغضوا.

وقال في الكشاف : « من » للتبعيض ، والمراد غض البصر عما يحرم ، والاقتصار على ما يحل ، وجوز الأخفش أن تكون مزيدة وأبي سيبويه.

وقال : في ترك « من » في الفروج فقط دلالة على أن أمر النظر أوسع من أمر الفرج ، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن ويدهن وأعضادهن وأسوقهن وأقدامهن ، وكذلك الجواري المستعرضات للبيع ، والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها وقدميها في إحدى الروايتين ، وأما أمر الفرج مضيق من ذلك ، «ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ » أنفع لدينهم ودنياهم وأظهر وأنقى من التهمة وأقرب إلى التقوى.

__________________

(١) سورة النور الآية ٣١.

٣٤٣

( باب )

( القواعد من النساء )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قرأ «أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ » قال الخمار والجلباب قلت بين يدي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب القواعد من النساء

الحديث الأول : حسن.

وهو مشتمل على تفسير قوله تعالى «وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ »(١) والقواعد جمع قاعد ، لأنها من الصفات المختصة بالنساء أي اللائي قعدن عن الحيض والولد ، لكبرهن «اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً » أي لا يطمعن فيه «فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ » أي إثم «أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ » ، أي الثياب الظاهرة كالملحفة ، والجلباب الذي فوق الخمار ، وقرأ أبو جعفر وأبو عبد اللهعليهما‌السلام « من ثيابهن ».

وروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير «غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ » أي غير مظهرات بزينة ، قيل : يريد الزينة الخفية التي أرادها في قوله «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ » ، وفي مجمع البيان(٢) أي غير قاصدات بوضع ثيابهن إظهار زينتهن ، بل يقصدن به التخفيف على أنفسهن ، فإظهار الزينة في القواعد وغيرهن محظور ، وأما الشابات فإنهن يمنعن من وضع الجلباب أو الخمار ، ويؤمرن بلبس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « للزوج ما تحت الدرع ، وللابن والأخ ما فوق الدرع ، ولغير ذي محرم أربعة أثواب ، درع ، وخمار ، وجلباب ، وإزار ، وعلى هذا فالفرق بين القواعد أن غيرهن لا يجوز لهن وضع الجلابيب ونحوها إذا كن في محضر من

__________________

(١) سورة النور الآية : ٦٠.

(٢) المجمع ج ٧ ص ١٥٥.

٣٤٤

من كان فقال بين يدي من كان غير متبرجة بزينة فإن لم تفعل فهو خير لها والزينة التي يبدين لهن شيء في الآية الأخرى.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال «الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ » ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن قال تضع الجلباب وحده.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله عز وجل : «وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً » ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن قال الجلباب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرجال الأجانب قصدن بالوضع إظهار زينة أو لا ، فإن الظاهر من وضعهن الجلباب مطلقا إرادة إظهار شيء من ذلك «وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ » أي استعفاف القواعد بترك وضع الجلباب «خَيْرٌ لَهُنَ » من الوضع «وَاللهُ سَمِيعٌ » لأقوالكم «عَلِيمٌ » بما في قلوبكم.

قوله عليه‌السلام : « بين يدي من كان » أي أي شخص كان من الرجال والنساء.

قوله عليه‌السلام : « لهن شيء » أي شيء يثبت لهن جوازه في الآية الأخرى ، وهي قوله عز وجل «إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها » فإن ما سوى ذلك داخل في النهي عن التبرج بها ، ولا يبعد أن يكون « لهن » تصحيف هي.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « الجلباب وحده » يمكن حمله على الاستحباب أو على أن الحصر إضافي بالنسبة إلى بواطن البدن ، وقد مر الكلام فيه.

وقال في النهاية : الجلباب : الإزار والرداء ، وقيل : الملحفة ، وقيل : هو كالمقنعة يغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها ، وقيل : ثوب أوسع من الخمار دون الرداء جمعه جلابيب.

الحديث الثالث : صحيح.

٣٤٥

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قرأ «أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ » قال الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنة.

( باب )

( أولي الإربة من الرجال )

١ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحديث الرابع : حسن.

باب أولي الإربة من الرجال

الحديث الأول : صحيح.

قوله تعالى : « أَوِ التَّابِعِينَ » قال في مجمع البيان(١) : قد اختلف في معناه فقيل :

هو التابع الذي يتبعك لينال من طعامك ، ولا حاجة له في النساء ، وهو الأبله المولى عليه ، عن ابن عباس وقتادة وابن جبير ، وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وقيل : هو العنين الذي لا إرب له في النساء لعجزه ، عن عكرمة والشعبي ، وقيل : إنه الخصي المجبوب الذي لا رغبة له في النساء ، عن الشافعي ، ولم يسبق إلى هذا القول ، وقيل : إنه الشيخ الهم لذهاب إربه عن يزيد بن أبي حبيب ، وقيل : هو العبد الصغير عن أبي حنيفة وأصحابه. انتهى.

وقال في الكشاف : حمل الرجال على مطلق الذكور بعيد ، خصوصا مع مقابلة الطفل ، لا يجوز حمل كلامه سبحانه عليه ، فكيف التخصيص بالصغير كما نسب إلى أبي حنيفة وأصحابه ، ثم قال : وقيل : هم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم إلى النساء ، لأنهم بله ، لا يعرفون شيئا من أمرهن ، أو شيوخ صلحاء إذا كانوا معهن غضوا أبصارهم أو بهم عناية ، وفي كنز العرفان : المراد : الشيوخ

__________________

(١) المجمع ج ٧ ص ١٣٨.

٣٤٦

عز وجل : «أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ » إلى آخر الآية قال الأحمق الذي لا يأتي النساء.

٢ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألته عن «أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ » قال الأحمق المولى عليه الذي لا يأتي النساء.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن آبائهعليهم‌السلام قال كان بالمدينة رجلان يسمى أحدهما هيت والآخر مانع فقالا لرجل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الذين سقطت شهوتهم وليس لهم حاجة إلى النساء ، وهو مروي عن الكاظمعليه‌السلام وقيل : إنهم البله الذين لا يعرفون شيئا من أمور النساء وهو مروي عن الصادقعليه‌السلام وابن عباس. انتهى.

وقال الفاضل الأسترآبادي : اعلم أنالإربة بالكسر والضم الحاجة ، وهي هنا الحاجة إلى النساء ، والظاهر أن المراد من لا تعلق له ولا توجه له إلى النساء حتى بالنظر ونحوه أصلا ، فإن اكتفينا في معنى التابعين بأن يكون ذلك منهم لفضل طعام ونحوه فلا ريب من شموله للشيخ الكبير الذي علم منه ذلك ، وإن قلنا لا بد أن يكونوا مولى عليهم أو من في حكمهم ، فالظاهر اعتبار ذاهب تميزهم فيشمل الأبله والشيخ الخرف أيضا مع العلم بذلك منهم.

الحديث الثاني : كالموثق.

وظاهره اشتراط كونه مولى عليه ، ويمكن حمله على المثال.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « كان بالمدينة » نظير ذلك موجود من طرق العامة ، روى مسلم بإسناده عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أن مخنثا كان عندها ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البيت فقال لأخي أم سلمة يا عبد الله بن أبي أمية إن فتح الله لكم الطائف غدا فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع ، وتدبر بثمان ، قال : فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٤٧

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع إذا افتتحتم الطائف إن شاء الله فعليك بابنة غيلان الثقفية فإنها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقال : لا يدخلن هؤلاء عليكم. وبإسناده عن عائشة قالت : كان يدخل على أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مخنث كانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، قال : فدخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة ، قال : فإذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا أرى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخل عليكن قالت : فحجبوه. قال عياض : وفي بعض الروايات تقبل بأربع ، وتذهب بثمان مع ثغر كالأقحوان إن مشت تثنت ، وإن تكلمت تغنت ، بين رجليها كالإناء المكفو.

قال الماري : المخنث بفتح النون وكسرها الذي يشبه النساء في أخلاقهن وكلامهن وحركاتهن ، وقال عياض : التخنث : اللين والتكسر ، والمخنث هو الذي يلين في قوله وينكسر في مشيه ويثني فيه ، وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة.

قال القرطبي : واختلف في اسمه فالأشهر أنه هيت بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة بعدها تاء مثناة من فوقه. وقال ابن درستويه : اسمه هنب بالهاء والنون والباء الموحدين قال : وغير هذا تصحيف ، والهنب : الأحمق ، وجاء في خبر أن هذا القائل هو ماتع بالتاء المثناة من فوق قبل العين المهملة مولى فاختة المخزومية ، وكان هو وهيت في بيوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يعدهما من غير أولي الإربة ، وذكر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه على النحو المذكور هاهنا ، وأنه غربهما إلى الحما ، ذكر ذلك الواقدي ، وذكر الماوردي نحو الحكاية عن مخنث بالمدينة ولم يسم فيها ابنة غيلان ولا عبد الرحمن بن أبي أمية ، وأنهعليه‌السلام نفاه إلى حمر الأسد ، والمحفوظ أن الحكاية انتهى(١) .

قوله : « بابنة غيلان الثقيفية » الثقيفية نسبة إلى ثقيف وهو أبو قبيلة من هوازن ، وإنما اعتبر نسبة الابنة دون غيلان مع أن نسبته أقرب وأخفى ، لأن المضاف أصل ، والمضاف إليه فرع ، إذ ذكره لتعريف المضاف ، ووصف الأصل أولى

__________________

(١) الظاهر أنّ في العبارة سقطا.

٣٤٨

شموع بخلاء مبتلة هيفاء شنباء إذا جلست تثنت وإذا تكلمت غنت ـ تقبل بأربع وتدبر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من وصف الفرع ، أو للتنبيه على أن المضاف هاهنا هو المخطور بالبال الحاضر في الخيال دون المضاف إليه ، فوقع بينه وبين النسبة الحاضرة فيه مقارنة معنوية ، والمفارقة اللفظية لغرض مما لا يضر ،« فإنها شموع » : الشموع مثل السجود : اللعوب والمزاح ، وقد شمع يشمع شمعا وشموعا ومشمعة ، وفي الجمل مبالغة في كثرة لعبها ومزاحها.

وقال شمس العلوم : الشموع : المرأة المزاحة« بخلاء » إما من بخلت الأرض اخضرت : أي خضراء ، أو من البخل بالتحريك وهو سعة شق العين ، والرجل أبخل والعين : بخلاء.

وفي النهاية يقال : عين بخلاء : أي واسعة« مبتلة » يقال : امرأة مبتلة بتشديد التاء مفتوحة : أي تامة الخلق لم يركب لحمها بعضه على بعض ، ولا يوصف به الرجل. ويجوز أن يقرأ « منبتلة » بالنون والباء الموحدة والتاء المكسورة نحو منقطعة لفظا ومعنى أي منقطعة عن الزوج ، يعني أنها باكرة« هيفاء » الهيف محركة ضمر البطن والكشح ورقة الخاصرة ، رجال أهيف وامرأة هيفاء ، وفي بعض النسخ هيقاء بالقاف طويل العنق ،« شنباء » الشنب بالتحريك : البياض والبريق والتحديد في الأسنان وفي الصحاح الشنب : حدة في الأسنان ، ويقال : برد عذوبة امرأة شنباء بينة الشنب ، قال : الجرمي : سمعت الأصمعي يقول : الشنب برد الفم والأسنان ، فقلت : إن أصحابنا يقولون : هو حدتها حين تطلع ، فيراد بذلك حدتها وطراوتها لأنها إذا أتت عليها السنون احتكت ، فقال : ما هو إلا بردها ، وقول ذي الرمة : وفي اللثات وفي أنيابها شنب ، يؤيد قول الأصمعي ، لأن اللثة لا يكون فيها حدة« إذا جلست تثنت » أي ترد بعض أعضائها على بعض ، من ثنى الشيء كسعى إذا رد بعضه على بعض فتثنى ، والثني ضم واحد إلى واحد ، ومنه التثنية ، ولعل معناه أنها كانت تثني رجلا واحدة وتضع الأخرى على فخذها ، كما هو شأن المغرور بحسنه أو بجاهه من الشبان وأهل الدنيا ، ويحتمل أن يكون من تثني العود إذا عطفه ، ومعناه

٣٤٩

بثمان بين رجليها مثل القدح فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا أريكما من «أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ »

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا جلست انعطفت أعضاؤها وتمايلت كما هو شأن المتبختر والمتجبر الفخور وقيل : المعنى أنها رشيقة القد ليس لها انعطاف إلا إذا جلست ، وفي بعض روايات العامة إذا مشت تثنت ، ولعل معناه تتكبر في مشيها وتتثنى فيه وتتبختر ، وفي بعض رواياتهم تبنت بالباء الموحدة والنون ، قال في النهاية :(١) وفي حديث المخنث « إذا قعدت تبنت » أي فرجت رجليها لضخم ركبها كأنه شبهها بالقبة من الأدم ، وهي المبناة لسمنها وكثرة لحمها وقيل شبهها بها إذا ضربت وطنبت انفرجت ، وكذلك هذه إذا قعدت تربعت وفرجت رجليها إذا مشت وإذا جلست« وإذا تكلمت غننت » وفي رواية العامة تغنت ، قال عياض : قوله : تغنت من الغنة ، لا من الغناء أي تغني من كلامها وتدخل صوتها في الخيشوم ، وقد عد ذلك من علامات التبختر« تقبل بأربع وتدبر بثمان » قال شارح صحيح مسلم والبغوي في شرح السنة : قال أبو عبيد : يعني أربع عكن تقبل بهن ، ولهن أطراف أربعة من كل جانب ، فتصير ثمان تدبر بهن. وقال المازري : الأربع التي تقبل بهن هن من كل ناحية ثنتان ، ولكل واحدة طرفان ، فإذا أدبرت ظهرت الأطراف ثمانية ، وإنما أنث فقال : بثمان ولم يقل بثمانية ، لأن المراد بها الأطراف ، وهي مذكرة ، وهو لم يذكر لفظ المذكر ، ومتى لم يذكره جاز حذف التاء وإثباتها ، وفيه وجه آخر ، وهو مراعاة التوافق بينها وبين أربع.

أقول : هنا احتمالان آخران :

أولهما ـ أن يراد بالأربع اليدان والثديان ، يعني أن هذه الأربعة بلغت في العظمة حدا توجب مشيها مكبة مثل الحيوانات التي تمشي على أربع ، فإذا أقبلت أقبلت بهذه الأربعة ، ولم يعتبر الرجلين لأنهما محجوبان خلف الثديين لعظمتهما فلا يكونان مرئيين عند الإقبال ، وإذا أدبرت أدبرت بهذه الأربعة مع أربعة أخرى وهي الرجلان والأليتان ، لأن جميع الثمانية عند الأدبار مرئية.

ويمكن استفادة هذا الاحتمال مما ذكره ابن الأثير في النهاية(٢) ، قال : إن

__________________

(١) النهاية ج ١ ـ ص ١٥٩.

(٢) النهاية ج ٢ ص.

٣٥٠

سعدا ، خطب امرأة بمكة فقيل : « إنها تمشي على ست إذا أقبلت ، وعلى أربع إذا أدبرت » يعني بالست يديها ورجليها وثدييها : أي أنها لعظم يديها وثدييها كأنها تمشي مكبة ، والأربع رجلاها وأليتاها وأنهما كادتا تمسان الأرض لعظمهما ، وهي بنت غيلان الثقيفية التي قيل فيها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف.

وثانيهما ـ أن يراد بالأربع الذوائب الواقعة في طرفي الوجه في كل طرف اثنان مفتول ومرسل ، وبالثمان الذوائب الواقعة على الخلف ، فإنهن كثيرا ما تقسمنه ثمانية أقسام ، والمقصود وصفها بكثرة الشعور.

وقال الوالد العلامة قدس الله روحه : يحتمل أن يكون المراد بالأربع التي تقبل بهن العينان والحاجبان ، أو العين والحاجب والأنف والفم ، أو الوجه والشعر والعنق والصدر ، والمراد بالثمان هذا الأربع مع قلب الناظر وعقله وروحه ودينه ، أو مع عينيه وعقله وقلبه ، أو قلبه ولسانه وعينيه ، أو قلبه وعينيه وأذنه ولسانه ، وهذا معنى لطيف ، ولكن الظاهر أنه لم يخطر ببال قائله « بين رجليها مثل القدح » حال من فاعله فتدبر ، والقدح بالتحريك واحد الأقداح التي للشرب شبه ذلك بالقدح في العظم والهيئة « لا أراكما من أولي الإربة » أي ما كنت أظن إنكما من أولي الإربة » بل كنت أظن إنكما من الذين لا حاجة بهم إلى النساء ، والحال علمت إنكما من أولي الإربة ، فلذا نفاهما عن المدينة لأنهما كانا يدخلان على النساء ، ويجلسان معهن وعزب على البناء للمفعول بالعين المهملة والزاي المشددة المعجمة من التعزيب وهو البعد والخروج من موضع إلى آخر ، والباء للتعدية يقال عزب فلان إذا بعد وعزب به عن الدار إذا أبعده وأخرجه منها ، وفي بعض النسخ عرب بالغين المعجمة والراء المهملة بمعنى النفي عن البلد ولا يناسبه التعدية إلا بتكلف والعرايا اسم حصن بالمدينة.

٣٥١

فأمر بهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فغرب بهما إلى مكان يقال له العرايا وكانا يتسوقان في كل جمعة

( باب )

( النظر إلى نساء أهل الذمة )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله عليه‌السلام : « كانا يتسوقان » أي يدخلان سوق المدينة للبيع والشراء في كل جمعة ، من تسوق القوم إذا باعوا واشتروا ، والظاهر أن ذلك كانا بإذنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته.

وقال عياض من العامة : ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكلم فيه أبو بكر فأبى أن يرد فلما ولي عمر كلم فيه فأبى ، وقيل : إنه كبر وضعف وضاع فأذن له أن يدخل المدينة في كل يوم جمعة يسأل ويرجع إلى مكانه ، وقال أيضا : فلما فتحت الطائف زوجها عبد الرحمن بن عوف ، وقال ابن الأثير : تزوجها سعد بمكة بعد عبد الرحمن ، وفيه حجة على جواز إخراج كل من كان بصفتهما ، وتخصيصه بهما وبزمان خاص غير ظاهر.

فإن قلت : كونهما من أهل الحاجة إلى النساء والعارفين بأمرهن لا يوجب إخراجهما فإن أهل المدينة أكثرهم كانوا كذلك. قلت : نعم ، ولكنهما كانا يدخلان على النسوة ويجلسان معهن وينظرن إليهن ، لأن أهل المدينة كانوا يعدونهما من غير أولي الإربة ، فلما ظهر خلافه أمر بإخراجهما قلعا لمادة الفساد ودفعا لوصفهما محاسن النساء بحضرة الرجال.

باب النظر إلى نساء أهل الذمة

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

٣٥٢

قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن

( باب )

( النظر إلى نساء الأعراب وأهل السواد )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عباد بن صهيب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا بأس بالنظر إلى رءوس أهل التهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج لأنهم إذا نهوا لا ينتهون قال والمجنونة والمغلوبة على عقلها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويدل على جواز النظر إلى شعور أهل الذمة وأيديهن ، وحملت الأيدي على السواعد وما يجب ستره على غيرهن ، وعمل به المفيد والشيخ ، وأكثر الأصحاب مع الحمل على عدم الشهوة والريبة ، وإلا فهو حرام قطعا ، ومنع ابن إدريس من النظر مطلقا تمسكا بعموم الأدلة ، واستضعافا لهذا الخبر.

باب النظر إلى نساء الأعراب وأهل السواد

الحديث الأول : موثق.

قال الجوهري :تهامة : بلد والنسبة إليه تهامي وتهام أيضا إذا فتحت التاء لم تشدد ، كما قالوا : رجل يماني إلا أن الألف في تهام من لفظها ، والألف في يمان من باب النسبة. انتهى.

ويدل على جواز النظر إليهن وإلى الأعراب ولم أر في كلام الأصحاب تصريحا به ، وأما أهل السواد والعلوج فلأنهم من أهل الذمة كما مر ، وأما المجنونة والمغلوبة على عقلها فقال العلامة في التذكرة : يجوز النظر إلى شعر المجنونة المغلوبة من غير تعمد ، مستندا بقول الصادقعليه‌السلام وقال المحقق الشيخ على : ظاهر هذا أن النظر إليها من تحت الثياب والمراد بالتعمد المذكور القصد إلى رؤيته فإنه الزينة بخلاف النظر إليه اتفاقا.

قوله عليه‌السلام : « لأنهم إذا نهوا » لعل إرجاع ضمير المذكر للتجوز أو التغليب

٣٥٣

ولا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك.

( باب )

( قناع الإماء وأمهات الأولاد )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن أمهات الأولاد ألها أن تكشف رأسها بين أيدي الرجال قال تقنع.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا على المدبرة ولا على المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها ويجري عليها ما يجري على المملوك في الحدود كلها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أو المراد أن رجالهن إذا نهوا عن كشفهن وأمروا بسترهن لا ينتهون ولا يأتمرون.

باب قناع الإماء وأمهات الأولاد

الحديث الأول : صحيح.

ويدل على وجوب تقنع أم الولد عن الرجال كما هو المشهور ، ولا ينافي جواز كشف رأسها في الصلاة.

الحديث الثاني : صحيح.

ويدل على أن المدبرة والمكاتبة المشروطة لا يقنعان والمطلقة يقنع لأن المطلقة إذا أدت شيئا من مكاتبها عتقت بنسبة ما أدت ، ويجب عليها ستر رأسها وتضرب حد الحرة بنسبة الحرية.

٣٥٤

( باب )

( مصافحة النساء )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن مصافحة الرجل المرأة قال لا يحل للرجل أن يصافح المرأة إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوجها أخت أو بنت أو عمة أو خالة أو ابنة أخت أو نحوها فأما المرأة التي يحل له أن يتزوجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب ولا يغمز كفها.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام هل يصافح الرجل المرأة ليست بذي محرم فقال لا إلا من وراء الثوب.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن سالم ، عن بعض أصحابه ، عن الحكم بن مسكين قال حدثتني سعيدة ومنة أختا محمد بن أبي عمير بياع السابري قالتا دخلنا على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلنا تعود المرأة أخاها قال نعم قلنا تصافحه قال من وراء الثوب قالت إحداهما إن أختي هذه تعود إخوتها قال إذا عدت إخوتك فلا تلبسي المصبغة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب مصافحة النساء

الحديث الأول : موثق. وعمل به الأصحاب.

الحديث الثاني : حسن.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله : « أخاها » أي في الدين لا في النسب. والمصبغة الملونة.

٣٥٥

( باب )

( صفة مبايعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن أسلم الجبلي ، عن عبد الرحمن بن سالم الأشل ، عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام كيف ماسح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء حين بايعهن قال دعا بمركنه الذي كان يتوضأ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب صفة مبايعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء

قيل : المبايعة مفاعلة من البيع ، وكانوا إذا بايعوا الرسول أو الإمام قبضوا على يديه توكيدا للأمر فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري فجاءت المفاعلة في بايعت من ذلك ، وأما البيعة فهي عرفا معاهدة الرسول أو الإمام على تسليم النظر في كل الأمور إليه على وجه لا ينازع.

الحديث الأول : ضعيف والسند الثاني مرسل.

وقال الجوهري :المركن بالكسر الإجانة التي تغسل فيها الثياب ، قال ابن عطية من علماء العامة في هيئات بيعة النساء بعد الإجماع على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يمس يد امرأة قط ، فقيل : إنما كان يبايعهن بالكلام ، لما روته عائشة قالت : لما نزلت قوله تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً » الآية(١) فمن أقر من المؤمنات بما فيها من الشروط الستة من قولهن قال لهن : انطلقن فقد بايعتكن ولا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ، غير أنه يبايعهن بالكلام ، وقال الطيبي : هذا هو الصحيح عندي ، وذكر النقاش حديثا أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مد يده من خارج بيت ومدت النساء أيديهن من داخله ، فبايعهن. وروى الشعبي أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لف على يده ثوبا كثيفا وجاءت نسوة فلمسن يده كذلك ، وروى النقاش وغيره أن في بيعة النساء على الصفاء بعد الفتح كان عمر يصافحن وقال عياض : هذا

__________________

(١) سورة الممتحنة الآية ١٢.

٣٥٦

فيه فصب فيه ماء ثم غمس يده اليمنى فكلما بايع واحدة منهن قال اغمسي يدك فتغمس كما غمس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان هذا مماسحته إياهن.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أتدري كيف بايع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء قلت الله أعلم وابن رسوله أعلم قال جمعهن حوله ثم دعا بتور برام فصب فيه نضوحا ثم غمس يده فيه ثم قال اسمعن يا هؤلاء أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين بعولتكن في معروف أقررتن قلن نعم فأخرج يده من التور ثم قال لهن اغمسن أيديكن ففعلن فكانت يد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل «وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ » قال المعروف أن لا يشققن جيبا ولا يلطمن خدا ولا يدعون ويلا ولا يتخلفن عند قبر ولا يسودن ثوبا ولا ينشرن شعرا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يصح لأنه إذا امتنع ذلك من رسول الله فمن غيره كذلك وروي أنه غمس يده في ماء ثم دفعه إلى النساء فغمسن أيديهن فيه. انتهى.

أقول : والصحيح عندنا هو القول الأخير كما دلت عليه روايات هذا الباب.

الحديث الثاني : مجهول.

وقال في النهاية :التور : إناء من صفر أو حجارة كالإجانة ، وقد يتوضأ منه ، وقال :البرمة بالضم : القدر مطلقا ، وجمعها برام ، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن. انتهى.

وأقول : إضافة التور إلى البرام لبيان أنه كان من الحجارة ، وقال الفيروزآبادي :النضوح كصبور : طيب.

الحديث الثالث : مرسل.

٣٥٧

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن سليمان بن سماعة الخزاعي ، عن علي بن إسماعيل ، عن عمرو بن أبي المقدام قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول تدرون ما قوله تعالى : «وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ » قلت لا قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمةعليها‌السلام إذا أنا مت فلا تخمشي علي وجها ولا تنشري علي شعرا ولا تنادي بالويل ولا تقيمي علي نائحة قال ثم قال هذا المعروف الذي قال الله عز وجل.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لما فتح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة بايع الرجال ثم جاء النساء يبايعنه فأنزل الله عز وجل : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »(١) فقالت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحديث الرابع : ضعيف.

وقال الفيروزآبادي :خمش وجهه : خدشه.

الحديث الخامس : موثق أو حسن.

وقال في مجمع البيان(٢) فيقوله تعالى «وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ » على وجه من الوجوه لا بالوأد ولا بالإسقاط «وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ » أي بكذب يكذبنه في مولود يوجد «بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ » أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم عن ابن عباس ، وقال الفراء : كانت المرأة تلتقط المولود ، فتقول لزوجها : هذا ولدي منك ، فذلك البهتان المفتري بين أيديهن وأرجلهن ، وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها ، وقيل : المراد قذف المحصنات والكذب على الناس ، وإضافة الأولاد إلى الأزواج على البطلان في الحاضر والمستقبل من الزمان ، «وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ » وهو جميع ما يأمرهن به ، وقيل : عنى بالمعروف النهي عن النوح ، وتمزيق الثياب وجز الشعر وشق الجيب وخمش الوجه ، والدعاء بالويل ، عن المقاتل

__________________

(١) سورة الممتحنة الآية ـ ١٢.

(٢) المجمع ج ٩ ص ٢٧٥.

٣٥٨

هند أما الولد فقد ربينا صغارا وقتلتهم كبارا وقالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصينك فيه قال لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها ولا تنتفن شعرا ولا تشققن جيبا ولا تسودن ثوبا ولا تدعين بويل فبايعهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على هذا فقالت يا رسول الله كيف نبايعك قال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والكلبي ، والأصل أن المعروف كل بر وتقوى وأمر وافق طاعة الله تعالى ثم قال : وروي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بايعهن وكان على الصفا ، وكان عمر أسفل منه وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفا أن يعرفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا » فقالت هند : إنك لتأخذ علينا أمرا ما أريناك أخذته على الرجال ، وذلك أنه بائع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ولا تسرقن » فقالت هند : إن أبا سفيان رجل ممسك وإني أصبت من ماله هنأت فلا أدري أيحل لي أم لا؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من مالي فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال ، فضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرفها ، فقال لها : وإنك لهند بنت عتبة؟ قالت : نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك ، فقال : « ولا تزنين » ، فقالت هند : أو تزني الحرة ، فتبسم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ولا تقتلن أولادكن » فقالت هند : ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا فأنتم وهم أعلم ، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالبعليه‌السلام يوم بدر ، فضحك عمر حتى استلقى وتبسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولما قال : « ولا تأتين ببهتان » قالت هند : والله إن البهتان قبيح ، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. ولما قال : «وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ » قالت هند : ما جلسنا هنا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.

وروى الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يبايع النساء بالكلام بهذه الآية «أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً » ولا مست يد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يد امرأة قط إلا امرأة يملكها. رواه البخاري في الصحيح ، وروي أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا

٣٥٩

إنني لا أصافح النساء فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة.

( باب )

( الدخول على النساء )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن جعفر بن عمر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدخل الرجال على النساء إلا بإذنهن.

٢ ـ وبهذا الإسناد أن يدخل داخل على النساء إلا بإذن أوليائهن.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ولا يستأذن الأب على الابن قال ويستأذن الرجل على ابنته وأخته إذا كانتا متزوجتين.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الرجل يستأذن على أبيه قال نعم قد كنت أستأذن على أبي وليست

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بايع النساء دعا بقدح من ماء ، فغمس فيه يده ثم غمسن أيديهن فيه. وقيل : إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي.

باب الدخول على النساء

الحديث الأول : مجهول.

وفي بعض النسخ بهذا الإسناد مثله.

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : ضعيف.

الحديث الرابع : ضعيف.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466