تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466
المشاهدات: 297221
تحميل: 4375


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297221 / تحميل: 4375
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 9

مؤلف:
ISBN: 964-319-008-0
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تذكرة الفقهاء

الجزءالتّاسع

تأليف

العلامة الحلي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

كتاب الجهاد‌

وفيه فصول‌ :

٦

٧

الأوّل :

فيمن يجب عليه‌

مسألة ١ : الجهاد واجب بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) (١) وقال تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها »(٣) .

وفيه فضل كثير.

قال ابن مسعود : سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّ الأعمال أفضل؟ قال : « الصلاة لوقتها » قلت : ثمّ أيّ؟ قال : « برّ الوالدين » قلت : ثمّ أيّ؟ قال : « الجهاد في سبيل الله »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فوق كلّ ذي برّ برٌّ حتى يقتل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ ، وفوق كلّ ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه [ فإذا قتل أحد والديه ] فليس فوقه عقوق »(٥) .

ولا خلاف بين المسلمين في وجوبه ، ووجوبه على الكفاية عند عامّة‌

____________________

(١) البقرة : ٢١٦.

(٢) التوبة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٢٠.

(٤) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٥ : ٢٨٥ - ٢٨٦ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١١٨ / ٢٣٠٢.

(٥) التهذيب ٦ : ١٢٢ / ٢٠٩ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٨

أهل العلم(١) ، لقوله تعالى :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) (٢) وهو يدلّ على سقوط الذنب بتركه.

وحكي عن سعيد بن المسيّب أنّه واجب على الأعيان ؛ لقوله تعالى :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) (٣) (٤) .

وهي محمولة على ما إذا استنفرهم الإمام ؛ لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا استُنْفرتم فانفروا »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث السرايا ويقيم هو وأصحابه.

ومعنى وجوبه على الكفاية أنّ الخطاب به عامٌّ على جميع الناس ، فإذا قام به قوم تحصل الكفاية بجهادهم ، سقط عن الباقين.

وفروض الكفايات كثيرة مذكورة في مواضع ، وهو كلّ مهمّ ديني يريد الشرع حصوله ، ولا يقصد به عين مَنْ يتولّاه ، ومن جملته إقامة الحجج العلميّة ، والجواب عن الشبهات ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على خلاف يأتي ، والصناعات المهمّة ، كالخياطة والنساجة والبناء‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٥٩.

(٢) النساء : ٩٥.

(٣) التوبة : ٤١.

(٤) الحاوي الكبير ١٤ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٤٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، تفسير القرطبي ٣ : ٣٨.

(٥) صحيح البخاري ٤ : ١٨ و ٢٨ و ٩٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣ - ٤ / ٢٤٨٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٦ / ٢٧٧٣ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤٨ - ١٤٩ / ١٥٩٠ ، سنن البيهقي ٩ : ١٦ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٠ : ٤١٣ / ١٠٨٤٤ و ١١ : ٣٠ - ٣١ / ١٠٩٤٤.

٩

وأشباهها ، ودفع الضرر عن المسلمين ، والقضاء ، وتحمّل الشهادة ، وتجهيز الموتى ، وإنقاذ الغرقى ، وردّ السلام.

مسألة ٢ : يتعيّن الجهاد في مواضع ثلاثة :

أ - إذا التقى الزحفان وتقابل الصفّان ، حرم على مَنْ حضر الانصرافُ ، وتعيّن عليه الثبات ؛ لقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١) الآية.

ب - إذا نزل بالبلد الكفّارُ ، تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم.

ج - إذا استنفر الإمام قوماً ، وجب النفير معه ؛ لقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مالَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ) (٢) .

مسألة ٣ : والجهاد واجب في زمان دون زمان وفي مكان دون مكان.

فأمّا الزمان : فجميع أيّام السنة ما عدا الأشهر الحُرُم ؛ لقوله تعالى :( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (٣) وهي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرَّم ورجب ، فلا يبدأ المسلمون فيها بالقتال لمن يرى لها حرمة.

وأمّا المكان : فجميع البقاع إلّا الحرم ؛ لقوله تعالى :( وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) (٤) .

____________________

(١) الأنفال : ١٥.

(٢) التوبة : ٣٨.

(٣) التوبة : ٥.

(٤) البقرة : ١٩١.

١٠

وقال بعض الناس من العامّة : إنّ ذلك منسوخ بجواز القتال في كلّ وقت ومكان ؛ لقوله تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) (٢) وبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن الوليد إلى الطائف في ذي القعدة(٣) .

وأصحابنا قالوا : إنّ حكم ذلك باقٍ فيمن يرى لهذه الأشهر وللحرم حرمةً ، والعامّ قد يُخصّ بغيره.

مسألة ٤ : أوجب الله تعالى في كتابه الهجرة عن بلاد الشرك‌ وبقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ) (٤) .

والناس في الهجرة على أقسام ثلاثة :

الأوّل : مَنْ تجب عليه ، وهو مَنْ كان مستضعفاً من المسلمين بين الكفّار لا يمكنه إظهار دينه ولا عذر لهم من وجود عجز عن نفقة وراحلة.

الثاني : مَنْ لا تجب عليه الهجرة من بلاد الكفّار لكن تُستحبّ لهم ، وهو كلّ مَنْ كان من المسلمين ذا عشيرة ورهط تحميه عن المشركين ، ويمكنه إظهار دينه والقيام بواجبه ، ويكون آمناً على نفسه ، كالعبّاس وإنّما استحبّ له المهاجرة لئلّا يكثر سواد المشركين.

الثالث : مَنْ تسقط عنه الهجرة لأجل عذر من مرضٍ أو ضعفٍ‌ أو‌

____________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) أحكام القرآن - للكياهراسي - ١ : ٨٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٥٨ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ١ : ١٠٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ : ٣٥١.

(٣) اُنظر : المغازي - للواقدي - ٣ : ٩٢٣ ، وتفسير الطبري ٤ : ٣١٤ ، وتاريخ الطبري ٢ : ١٧٧ ، والطبقات الكبرى - لابن سعد - ٢ : ١٥٨.

(٤) النساء : ٩٧.

١١

عدم نفقةٍ ، فلا جناح عليه ؛ لقوله تعالى :( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ) (١) لأنّهم بمنزلة المكرهين.

والهجرة باقية أبداً مادام الشرك باقياً ؛ لما روي عنهعليه‌السلام أنّه قال : « لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها »(٢) .

وقولهعليه‌السلام : « لا هجرة بعد الفتح »(٣) محمول على الهجرة من مكة ؛ لأنّها صارت دار الإسلام أبداً ، ولا هجرة بعد الفتح فاضلة كفضلها قبل الفتح ؛ لقوله تعالى :( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) (٤) الآية.

مسألة ٥ : يشترط في وجوب الجهاد اُمور ستّة : البلوغ والعقل والحُرّيّة والذكورة والسلامة من الضرر ووجود النفقة ، وليس الإسلام عندنا شرطاً لوجوب شي‌ء من فروع العبادات وإن كان شرطاً في صحّتها ، خلافاً لأبي حنيفة(٥) .

والبلوغ والعقل شرطان لوجوب سائر الفروع.

قال ابن عمر : عرضت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أُحد وأنا ابن أربع‌

____________________

(١) النساء : ٩٨.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٣ / ٢٤٧٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٠ ، مسند أحمد ٥ : ٦٥ - ٦٦ / ١٦٤٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٤ : ١٨ و ٢٨ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤٨ - ١٤٩ / ١٥٩٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٣٩ ، مسند أحمد ١ : ٣٧٤ / ١٩٩٢ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ٣٠٩ / ٣٣٩٠.

(٤) الحديد : ١٠.

(٥) اُنظر : المستصفى ١ : ٩١ ، واُصول السرخسي ١ : ٧٤.

١٢

عشرة ، فلم يجزني في المقاتلة(١) .

والعبد لا يملك نفسه ومشغول بخدمة مولاه.

وقد روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبايع الحُرّ على الإسلام والجهاد ، ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد(٢) .

ولافتقار المجاهد إلى مال يملكه بحيث يصرفه في نفقته وزاده وحمله وسلاحه ، والعبد لا يملك شيئاً ، فهو أسوأ حالاً من الفقير.

والنساء لا يجب عليهنّ الجهاد ؛ لضعفهنّ عن القيام ، ولهذا لا يُسهم لهنّ. ولا يجب على الخنثى المشكل ؛ لعدم العلم بذكوريّته ، فلا يجب مع الشكّ في شرطه.

والمراد من السلامة من الضررِ السلامةُ من المرض والعمى والعرج ، قال الله تعالى :( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) (٣) .

ولا يسقط عن الأعور ولا عمّن عرجه يسير يتمكّن معه من الركوب والمشي من غير مشقّة ، ولا عمّن مرضه يسير لا يمنعه عنهما ، كوجع الضرس والصداع اليسير ، وإنّما يسقط عن ذي العرج الفاحش والمرض الكثير.

وأمّا وجود النفقة : فهو شرط ؛ لقوله تعالى :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (٤) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٠ / ٢٥٤٣ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٦١.

(٢) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٦١.

(٣) الفتح : ١٧.

(٤) التوبة : ٩١.

١٣

ويشترط في النفقة الكفاية له ولعائلته مدّة غيبته ، ووجود سلاح يقاتل به ، وراحلة إن احتاج إليها ؛ لقوله تعالى :( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) (١) .

ولو أخرج الإمام معه العبيدَ بإذن ساداتهم ، والنساءَ والصبيانَ ، جاز الانتفاع بهم في سقي الماء والطبخ ومداواة الجرحى ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يُخرج معه اُمّ سليم وغيرها من نساء الأنصار(٢) .

ولا يخرج المجنون ؛ لعدم النفع به.

مسألة ٦ : وأقلّ ما يفعل الجهاد في كلّ عام مرّة واحدة.

قال الله تعالى :( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٣) أوجب بعد انسلاخ الأشهر الحُرُم الجهادَ. والأصل عدم التكرار.

ولأنّ الجزية تجب على أهل الذمّة في كلّ عام ، وهي بدل عن النصرة ، فكذلك مُبْدلها ، وهو الجهاد.

ولأنّ تركهم أكثر من ذلك يوجب تقويتهم وتسلّطهم ، فيجب في كلّ عام إلّا من عذر ، مثل أن يكون بالمسلمين ضعف في عددٍ أو عُدّةٍ أو ينتظر الإمام مدداً يستعين به أو يكون في الطريق مانع أو عدم علف يحتاجون إليه أو عدم ماء أو يحسن رأي العدوّ في الإسلام ويطمع في إسلامهم إن أخّر قتالهم ونحو ذلك ممّا يرى المصلحة معه بترك القتال ، فيجوز تركه بهدنة‌

____________________

(١) التوبة : ٩٢.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٤٠ و ٤١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤٤٣ / ١٨١٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١٨ / ٢٥٣١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٢ / ٢٨٥٦ ، سنن الترمذي ٤ : ١٣٩ / ١٥٧٥.

(٣) التوبة : ٥.

١٤

وغير هدنة ، فقد صالح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قريشاً عشر سنين وأخّر قتالهم حتى نقضوا عهده ، وأخّر قتال قبائل من العرب بغير هدنة(١) .

ولو احتاج الإمام إلى القتال في عام أكثر من مرّة ، وجب ذلك ؛ لأنّه فرض كفاية ، فوجب منه ما دعت الحاجة إليه.

مسألة ٧ : الغزو في البحر أفضل من غزو البرّ ؛ لما فيه من عظم المشقّة وكثرة الخطر ، فإنّه بين خطر العدوّ وخطر الغرق ، ولا يتمكّن من الفرار إلّا مع أصحابه ، وقد روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « شهيد البحر مثل شهيدَي البرّ »(٢) .

وقتال أهل الكتاب أفضل من قتال غيرهم وقد روى العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأمّ خلاد : « إنّ ابنكِ له أجر شهيدين » قالت : ولِمَ ذاك يا رسول الله؟ قال : « لأنّه قتله أهل الكتاب »(٣) .

والأولى أن يبدأ بقتال مَنْ يلي دار الإسلام ؛ لقوله تعالى :( قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ ) (٤) إلّا أن يكون الخوف من الأبعد أكثر فيبدأ بهم.

والجهاد في ابتداء الإسلام لم يكن واجباً ، بل منعهم الله تعالى منه وأمر المسلمين بالصبر على أذى الكفّار والاحتمال منهم على ما قال تعالى :( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ - إلى قوله تعالى -وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢٨ ، المغني ١٠ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٦٣.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٨ / ٢٧٧٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٨ : ٢٠٠ - ٢٠١ - ٧٧١٦.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٥ - ٦ / ٢٤٨٨ ، سنن البيهقي ٩ : ١٧٥.

(٤) التوبة : ١٢٣.

١٥

ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (١) ثمّ لمـّا قويت شوكة الإسلام أذن الله تعالى في قتال مَنْ يقاتل ، فقال( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) (٢) ثمّ أباح ابتداء القتال في غير الأشهر الحُرُم ثمّ أمر به من غير شرط في حقّ مَنْ لا يرى حرمةً للحرم والأشهر الحُرُم بقوله تعالى :( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) (٣) .

وكان فرض الجهاد في المدينة على الكفاية في ابتداء الوجوب عندنا ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : أنّه كان فرض عين(٤) .

وأمّا بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فالكفّار إن كانوا قاطنين في بلادهم غير قاصدين لقتال المسلمين ، فالجهاد لهم فرض كفاية لا فرض عين ، وإلّا لتعطّلت المعايش.

والكفاية تحصل بشيئين :

أحدهما : أن يبعث الإمام في كلّ ثغر جماعة يقومون بحرب من بإزائهم من الكفّار ويحصل بهم القصد من امتناع دخولهم إلينا ، وينبغي أن يحتاط بأحكام الحصون وحفر الخنادق ونحوها ويرتّب في كلّ ناحية أميرا قيّما بأمور الجهاد وحراسة المسلمين.

والثاني : أن يدخل(٥) دار الكفّار غازياً بنفسه أو يبعث جيشاً يؤمّر عليهم مَنْ فيه كفاية ؛ اقتداءً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث كان يبعث السرايا‌

____________________

(١) آل عمران : ١٨٦.

(٢) البقرة : ١٩٠.

(٣) البقرة : ١٩١.

(٤) الحاوي الكبير ١٤ : ١١٠ و ١١١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٤٤ ، منهاج الطالبين : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٠.

(٥) أي الإمام.

١٦

والجيوش(١) .

وأقلّه في كلّ سنة مرّة ، وما زاد فهو أفضل.

وقال بعض الشافعيّة : تجب إدامته بحسب الإمكان بحيث لا يبقى إلّا مسلم أو مسالم(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الغالب أنّ الأموال والعدد لا توفّي تجهيز الجيوش أكثر من مرّة واحدة في السنة.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَل ذلك ، فإنّ غزاة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة ، وغزاة أُحد في الثالثة ، وغزاة ذات الرقاع في الرابعة ، وغزاة الخندق في الخامسة ، وغزاة بني المصطلق في السادسة ، وفتح خيبر في السابعة ، وفتح مكة في الثامنة ، وغزاة تبوك في التاسعة(٣) .

وإن لم يستقرّ الكفّار في بلادهم بل قصدوا بلدةً من بلاد المسلمين(٤) . قاصدين لها ، فالوجه أنّ الوجوب لا يتعيّن(٥) وصفه ، بل يكون فرضَ كفاية - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٦) - فإن قام به البعض ، وإلّا وجب على الأعيان. ويستوي في ذلك الغني والفقير والحُرّ والعبد ، ولا يحتاج إلى إذن سيّده. والثاني : أنّه فرض عين(٧) .

____________________

(١) اُنظر على سبيل المثال : سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٣ / ٢٨٥٧ و ٢٨٥٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١١.

(٣) اُنظر على سبيل المثال : تاريخ الطبري ٢ : ١٣١ و ١٨٧ و ٢٢٦ - ٢٢٧ و ٢٣٣ و ٢٦٠ و ٢٩٨ و ٣٦٦.

(٤) في « ق ، ك » : بلاد الإسلام. وفي الطبعة الحجريّة : بلد المسلمين.

(٥) أي : أنّ الوجوب لا يصير عينيّاً. وفي « ك » : « لا يتغيّر » بدل « لا يتعيّن ».

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٥ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤١٦ ، منهاج الطالبين : ٣٠٧.

١٧

فإن حصلت المقاومة من غير مرافقة العبيد ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّ الحكم كذلك ؛ لتقوى القلوب وتعظم الشوكة وتشتدّ النكاية في الكفّار. والثاني : أنّه لا ينحلّ الحجر عنه ؛ لأنّ في الأحرار غنيةً عنهم(١) .

ولو أحوج الحال إلى الاستعانة بالنساء ، وجب.

ولو لم يتمكّن أهل البلد من التأهّب والتجمّع ، فمَنْ وقف عليه كافر أو كفّار وعلم أنّه يُقتل ، وجب عليه المدافعة عن نفسه بقدر ما يمكنه ، سواء الذكر والاُنثى ، والحُرّ والعبد ، السليم والأعمى والأعرج ، ولو لم يعلم القتل بل جوّز السلامة وأن يؤسر إن استسلم وإن امتنع قُتل ، وجب عليه الاستسلام ؛ فإنّ الأسر يحتمل معه الخلاص.

ولو امتدّت الأيدي إلى المرأة ، وجب عليها الدفع وإن قُتلت ؛ لأنّ المكره(٢) على الزنا لا تحلّ له المطاوعة(٣) .

والبلاد القريبة من تلك البلدة يجب عليهم النفور إليها مع عجز أهلها لا مع عدم العجز ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : أنّه يجب(٤) .

وأمّا البلاد البعيدة : فإن احتيج إلى مساعدتهم ، وجب عليهم النفور ، وإلّا فلا.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما ، عدم الوجوب على مَنْ بعد عن مسافة القصر. و [ الثاني : ](٥) يجب على الأقربين فالأقربين إلى أن يكفّوا ويأمن أهل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٦.

(٢) كذا ، والأنسب بسياق العبارة : لأنّ مَنْ اُكره.

(٣) أي : لا تحلّ له المطاوعة لدفع القتل.

(٤) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

١٨

البلدة(١) .

وينبغي للأقربين التثبّت إلى لحوق الآخرين مع احتمال الحال ذلك.

ولا يشترط وجدان الركوب فيمن يكون بلده دون مسافة القصر مع قدرته.

وأمّا مَنْ بعد إلى مسافة القصر : فللشافعيّة وجهان : عدم الاشتراط ؛ لشدّة الخطب ، وثبوته كالحجّ(٢) . وكذا الوجهان في اشتراط الزاد(٣) .

مسألة ٨ : لو نزل الكفّار في خراب أو على جبل في دار الإسلام بعيد عن البلدان ، احتمل مساواته لنزولهم في البلد ، لأنّه من دار الإسلام ، وعدمه ، لأنّ الديار تشرف بسكون المسلمين.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

ولو أسروا مسلماً أو جماعةً من المسلمين ، فالوجه : أنّه كدخول دار الإسلام ؛ لأنّ سبب حرمة دار الإسلام حرمة المسلمين ، فالاستيلاء على المسلمين أعظم من الاستيلاء على دارهم.

ويحتمل المنع ؛ لأنّ إعداد الجيش وتجهيز الجند لواحد يقع في الأسر بعيد.

وللشافعيّة وجهان(٥) .

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧.

(٢) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧.

(٤) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٧ - ٤١٨.

(٥) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٨.

١٩

ولو كانوا على القرب من دار الإسلام وتوقّعنا استخلاص الاُسراء لو مشينا إليهم ، وجب. ولو توغّلوا في دار الكفر ولم يمكن التسارع إليهم ، انتظرنا الإمكان.

مسألة ٩ : الجهاد قسمان :

أحدهما : أن يكون للدعاء إلى الإسلام ، ولا يجوز إلّا بإذن الإمام العادل أو مَنْ نصبه لذلك ، عند علمائنا أجمع ؛ لأنّه أعرف بشرائط الدعاء وما يدعوهم إليه من التكاليف دون غيره.

قال بشير : قلت للصادقعليه‌السلام : رأيتُ في المنام أنّي قلتُ لك : إنّ القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، فقلتَ : نعم ، هو كذلك ، فقال الصادقعليه‌السلام : « هو كذلك هو كذلك »(١) .

وقال أحمد : يجب مع كلّ إمام برّ وفاجر ؛ لرواية أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الجهاد واجب عليكم مع كلّ إمام(٢) برّاً كان أو فاجراً »(٣) (٤) .

وهو محمول على القسم الثاني من نوعي الجهاد ، مع أنّ أبا هريرة طُعن في حديثه ، ولهذا أدّبه عمر(٥) على كثرة حديثه ، ولو لا التهمة في حديثه لما فعل عمر به ذلك ، خصوصاً مع معارضته للكتاب العزيز حيث‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٣٤ / ٢٢٦.

(٢) في المصادر : أمير.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ١٨ / ٢٥٣٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٥٦ / ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢١ و ٨ : ١٨٥.

(٤) المغني ١٠ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٦٦.

(٥) شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - ٤ : ٦٧ - ٦٨.

٢٠