تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 318727 / تحميل: 5213
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وقال الغزالي : فإنّ مَنْ يجوّز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجّة في قوله ، فكيف يحتجّ بقولهم مع جواز الخطأ ، وكيف تدّعى عصمتهم من غير حجّة متواترة ، وكيف يتصوّر عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف ، وكيف يختلف المعصومان ؟ وكيف وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة ، فلم ينكر أبو بكر وعمر على مَنْ خالفهم بالاجتهاد ؟!(١)

رزيّة الخميس مصيبة الإسلام

وأوّل انشقاق وفتنة عظيمة أدّت إلى الضلال والانحراف هي رزيّة الخميس ، فالرزيّة كلّ الرزيّة ـ كما قال حبر الأُمّة وترجمان القرآن ـ رزيّة الخميس ، فكلّ انحراف وكلّ ضلال مبدأه يوم الخميس ظرف تلك الرزيّة

فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال : لمّا اشتدّ بالنبي (صلّى الله عليه وآله) وجعه قال : (( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ))(٢)

قال عمر : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا

فاختلفوا وكثر اللغط ، قال : (( قوموا عنّي ، ولا ينبغي عندي التنازع ))

فخرج ابن عباس يقول : إنّ الرزيّة

ـــــــــــــــــــــــ

(١) المستصفى في علم الأصول ١ / ١٣٥

(٢) فكتابة هذا الكتاب أمن من الضلال والانحراف ، فالمنع عنه إحياء للضلال والانحراف ، والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لا يلقي الكلام على عواهنه ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) ، ( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ )

٤١

كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبين كتابه(١)

وأخرج أيضاً بسند آخر عن ابن عباس قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! اشتدّ برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجعه ، فقال : (( ائتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ))

فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما شأنه ؟! استفهموه ، فذهبوا لا يردّون عليه

فقال : (( دعوني ، فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه ))

وأوصاهم بثلاث : (( اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم )) وسكت عن الثالثة ، أو قال : نسيتها(٢)

وأخرج مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ! ثمّ جعل تسيل دموعه حتى رأيت

ــــــــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ١ / ٣٨ كتاب العلم ، باب كتابة العلم رقم ٣٩

(٢) صحيح البخاري ٦ / ١١ كتاب المغازي باب مرض النبي (صلّى الله عليه وآله) ووفاته

وأخرج بسند ثالث عنه (رضي الله عنه) قال : لمّا حُضِرَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي (صلّى الله عليه وآله) : (( هلمّ اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ))

فقال عمر : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله

فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم مَنْ يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي (صلّى الله عليه وآله) ، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( كتاباً لن تضلّوا بعده )) ، ومنهم مَنْ يقول ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغط عند النبي (صلّى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( قوموا )) صحيح البخاري ٧ / ١٥٥ كتاب الطب ، باب قول المريض قوموا عنّي رقم ١٧

٤٢

على خدّيه كأنّها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( ائتوني بالكتف والدواة ، أو اللوح والدواة ، اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ))

فقالوا : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يهجر(١)

والملاحظ أنّ الذي بدأ بقوله : هجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الخليفة عمر بن الخطاب ؛ إذ القوم انقسموا إلى قسمين منهم مَنْ يقول : قرّبوا له الدواة ، وقسم آخر يقول : هجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فالمحدّثون ـ أمناء هذه الأُمّة ـ إذا ذكروا عمر حرّفوا العبارة ؛ وسواء كانت العبارة التي صدرت من عمر هي ( إنّ النبي غلب عليه الوجع ) ، أو ( هجر الرجل ) فالمعنى واحد ؛ إذ الإنسان إذا غلب عليه الوجع يهجر ، فلا يكون قيمة لكلامه

نعم ، وقْع لفظة ( غلب عليه الوجع ) أهون بكثير من ( هجر ) ، فهو من قبيل قولنا في المجنون بأنّه مصاب بمرض عقلي ، فالنتيجة واحدة ولكن وقْع اللفظ على القلب أهون

قال ابن الجوزي : إنّما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حال غلبة المرض ، فيجد بذلك المنافقون سبيلاً إلى الطعن في ذلك المكتوب(٢)

ـــــــــــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ٣ / ١٢٥٧ ، كتاب الوصية باب ترك الوصية لمَنْ ليس له شيء يوصي فيه قلت : إيراد هذا الحديث في هذا الباب معناه أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ليس عنده شيء يوصي به ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل

(٢) فتح الباري ١ / ١٦٩

٤٣

وهذا غير صحيح ؛ إذ قوله (صلّى الله عليه وآله) (( لن تضلّوا )) تنصّ على أنّ ذلك الكتاب سبب للأمن عليهم من الضلال ، فكيف يكون سبباً للفتنة بقدح المنافقين ؟!

فهو (صلّى الله عليه وآله) لا يُقاس به أحد حتى يُقال بأنّ نظر عمر بن الخطاب صحيح ، ونظره (صلّى الله عليه وآله) فيه شائبة الإشكال ، كما هو عليه جُلّ مَنْ حاول أن يفسّر ، ويشرح هذا الحديث من أهل السُنّة والجماعة صوناً لعمر بن الخطاب

وإذا كان هناك ملجأ للمنافقين في الطعن في هذا الكتاب ، فالذي فتح لهم باب الطعن هو عمر بن الخطاب ، فلو أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) كتب هذا الكتاب بعد أن سمع هذه الكلمة من عمر والجماعة الموافقة له ، لطعن المنافقون فيه بعد وفاته (صلّى الله عليه وآله) ، ولما ميّز المسلمون المنافق العادي من المنافق المحترف والمسلم العادي ، فلو أنّ عمر بن الخطاب لم يتفوّه بهذه الكلمة لكان كلّ مَنْ يتعرض لذلك الكتاب بالغمز والتشهير فقد حكم على نفسه بالنفاق والخروج عن الإسلام ، ومن ثَم ّيعرفه المسلمون ويتجنّبونه

مضافاً إلى أنّ المصحّح لخلافة عمر هو وصية أبي بكر ؛ إذ أنّه في أواخر لحظات حياته أمر عثمان بأن يكتب : أمّا بعد ، ثمّ أُغشي عليه ، فكتب عثمان من نفسه : أمّا بعد ، فقد استخلفت

٤٤

عليكم عمر بن الخطاب ، فلمّا أفاق أبو بكر ، قال : اقرأ ، فقرأ عليه ، فقال : أراك خفت أن يختلف الناس ، قال : نعم ، وأمضاها أبو بكر(١)

فأبو بكر أمضى ما كتبه عثمان وهو في حال الاحتضار والغشيان ، ولم يقولوا هجر أو غلب عليه الوجع ، وكان يحقّ له أن يوصي وأن يخاف على اختلاف الأُمّة ، أمّا نبي الرحمة فيواجه بهذه الكلمة القبيحة من قبل عمر بن الخطاب وجماعة من المسلمين !(٢) ، وحاله لم يكن كحال أبي بكر ؛ إذ الفترة بين موته (صلّى الله عليه وآله) وبين هذا الحدث خمسة أيام

قال النووي : أمّا كلام عمر (رضي الله عنه) فقد اتّفق العلماء المتكلّمون في شرح الحديث على أنّه من دلائل فقه عمر وفضائله

ــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٥٣ ، تاريخ ابن الأثير ٢ / ٢٠٧ ، ومصادر عدّة

(٢) هذا مع أنّ الله قال في حق رسوله (صلّى الله عليه وآله) : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) ، فتحقق الإيمان رهين بالتسليم المطلق للنبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله) ، والإسلام إظهار الشهادتين ( قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ، فعلامة الإيمان إطاعة الله والرسول كما هو صريح ذيل الآية ، فممانعة بعض الصحابة لهذا الكتاب لا مسوغ له ، وخلاف وجوب الطاعة له (صلّى الله عليه وآله) ( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )

٤٥

ودقيق نظره ؛ لأنّه خشي أن يكتب (صلّى الله عليه وآله) أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها ؛ لأنّها منصوصة ، ولا مجال للاجتهاد فيها ، فقال عمر : حسبنا كتاب الله(١)

قلت : الله ورسوله أعرف من عمر ومن غيره بعواقب الأمور ، وأشفق من عمر ومن أبي بكر بهذه الأُمّة ، وهو الموصوف في الكتاب الكريم ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )

وقد قطع الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بأنّ هذا الكتاب أماناً من الضلال ، فالشفقة والرحمة تقتضي كتابة هذا الكتاب ، فالحيلولة بين كتابة هذا الكتاب هو الذي أدّى إلى الضلال والانحراف

وقال عدّة من أهل السُنّة والجماعة : أنّ قوله (صلّى الله عليه وآله) ( ائتوني ) ليس للوجوب ، وإنّما هو من باب الإرشاد للإصلح(٢)

هذا كلام في غاية الضعف والسفاهة لأمور :

١ ـ إنّ السعي إلى ما يوجب العصمة من الضلال والانحراف لا يمكن أن يكون من باب الإرشاد لما هو أصلح ومن مستحبّات الأعمال ، بل هو من الأمور الواجبة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١١ / ٩٠

(٢) إرشاد الساري ١ / ٢٠٧ ، فتح الباري ١ / ١٦٩ نقلاً عن القرطبي

٤٦

٢ ـ مضافاً إلى أنّ استياء النبي (صلّى الله عليه وآله) من قولهم ومنعهم لذلك الكتاب كاشف على أنّهم قد ارتكبوا أمراً عظيماً ، لا أنّهم خالفوا أمراً إرشادياً مستحبّاً

٣ ـ إنّ أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) لهم بإحضار الدواة لكتابة الكتاب كان عند الاحتضار ، والمحتضر يكون عادة مشغولاً بنفسه وبما يعظم خطره ويعظم شأنه عنده ، ولاسيما مع العلم بالمشقّة التي ستحصل له (صلّى الله عليه وآله) من كتابة الكتاب ، فالمقام مقام الأوامر الإلزامية المهمّة ، لا مقام الأوامر الإرشادية

٤ ـ إنّ عدّ ابن عباس (رحمه الله) الحيلولة بين النبي (صلّى الله عليه وآله) وبين كتابة الكتاب رزيّة عظيمة عبر عنها بـ ( الرزيّة كلّ الرزيّة ) ، وإنّ بكاءه بعد انقضاء الحادثة ومضيّ السنين العديدة عليها حتى صارت دموعه تنحدر على خدّيه كاللؤلؤ ، دليلاً على أنّ مخالفة أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) كان فعلاً محرّماً فظيعاً ، وإلاّ فمن المستبعد أن يعتبر ابن عباس مخالفة الأوامر الإرشادية رزيّة عظيمة يبكي لأجلها(١)

ــــــــــــــــــــــــــ

(١) راجع دليل المتحيّرين ـ للعلاّمة الفاضل الشيخ علي آل محسن القطيفي / ٦٥ ، وراجع ما ألقيناه تحت عنوان ( رزيّة الخميس )

٤٧

الفهرس

( الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء ) ٣

مصادر التشريع ٧

ولبلورة المطلب واتّضاحه نمهّده بمقدّمة ، فنقول : ٧

الأئمّة المضلّون ١٠

بدع مستحدثة ١٤

البدعة الأولى : الطلقات الثلاث ١٤

البدعة الثالثة : الصلاة بمنى تماماً ١٦

البدعة الرابعة : تحريم نكاح المتعة ١٧

البدعة الخامسة : تحريم متعة الحج ١٧

البدعة السادسة : صلاة التراويح ١٨

إحداث الصحابة ١٩

من هذه الروايات : ٢٠

الرجوع إلى أصل المطلب ٢١

ويزعم بأنّه من جماعة وحزب يزيد ٢٣

خلود الإسلام بالقرآن ٢٤

فَهْمُ الكتاب ٢٧

الإسلام والإيمان ٢٧

٤٨

الثاني : مؤمن ٢٨

ولاية علي شرط الإيمان ٢٩

الردّة عن الإيمان ٢٩

الرضى والشجرة ٣٨

أصحابي كالنجوم ٣٨

رزيّة الخميس مصيبة الإسلام ٤١

هذا كلام في غاية الضعف والسفاهة لأمور : ٤٦

٤٩

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

للحاجة ، بل الجُعْل نفسه غير مملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.

وإنّما تثبت الجُعالة بحسب الحاجة ؛ لأنّ الغنيمة يستحقّها الغانمون ، فلا تُصرف إلى غيرهم إلّا مع الحاجة. فإن كان المال منه ، مثل : مَنْ دلّنا على ثَغْر القلعة فله دينار ، وجب دفع الجُعْل بنفس الدلالة ، ولا يتوقّف على فتح القلعة ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) . وإن قال : من الغنيمةُ ، استحقّ بالدلالة والفتح معاً ، لأنّ جعالة شي‌ء منها يقتضي اشتراط فتحها حكماً.

مسألة ١١٣ : لو شرط جارية معيّنة من القلعة ثمّ فُتحت على أمان وكانت من الجملة ، فإن اتّفق المجعول له وأربابها على بذلها أو إمساكها بعوض ، جاز ، وإن تعاسرا ، قال الشيخرحمه‌الله : تفسخ الهدنة ، ويردّون إلى مأمنهم(٢) . وهو قول بعض الشافعيّة(٣) . وعندي فيه نظر.

ولو لم يستثن المـُصالح في الصلح الجاريةَ ، اُخذت منه وسُلّمت إلى الدالّ.

وإن كان المـُصالح قد استثنى جماعةً من أهله يختارهم فاختار الجاريةَ منهم ، فالصلح صحيح ، خلافاً لبعض الشافعيّة ؛ فإنّه قال : يبطل ؛ لأنّ الجارية مستحقّة للدالّ(٤) .

وليس بجيّد ؛ لإمكان إمضائه بالتراضي.

____________________

= و ٢٨٥٢ ، المغني ١٠ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٥.

(١) ما نُسب في المتن إلى بعض الشافعيّة لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. نعم ، ذلك رأي بعض الحنابلة ، اُنظر : المغني ١٠ : ٤٠٧ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٢٦.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٨.

(٣) المهذب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٧.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥ - ٦٧٦.

٢٠١

فإن اختار الدالّ قيمتها ، مضى الصلح ، وسُلّم إليه القيمة ؛ لتعذّر تسليم العين إليه. وإن امتنع ، فإن اختار صاحب القلعة دَفْعَها إلى الدالّ وأخْذَ قيمتها ، دُفعت الجارية إلى الدالّ ، وسُلّم إلى صاحب القلعة قيمتها ، ويكون جارياً مجرى الرضخ ، وكان الصلح ماضياً. وإن امتنع كلٌّ منهما ، فُسخ الصلح عند الشيخ(١) ؛ لتعذّر إمضائه ؛ لأنّ حقّ الدالّ سابق ، ولا يمكن الجمع بينه وبين الصلح ، ولصاحب القلعة أن يحصن قلعته كما كانت من غير زيادة ، وهو مذهب الشافعي(٢) .

والوجه : دفع القيمة ، كما لو أسلمت الجارية قبل دَفْعها إليه ؛ لما في فسخ الصلح من تضرّر المسلمين. ورعايةُ حكمة دَفْع ضررٍ يسير عن صاحب العين في مقابلة ثبوت ضرر عظيم في حقّ المسلمين كافّةً ، فإنّه ربما لا يمكن فتح القلعة بها منافٍ لحكمة الشارع.

مسألة ١١٤ : لو فُتحت القلعة عَنْوةً أو صُلْحاً ولم تكن الجارية داخلةً في الهدنة ، فإن كانت الجارية باقيةً على الكفر ، سُلّمت إليه ؛ عملاً بالشرط.

وإن أسلمت قبل الصلح والأسر ، دُفع إلى الدالّ قيمتها ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صالح أهل مكة عام الحديبيّة على أنّ مَنْ جاء منهم مسلماً ردّه إليهم ، فلمـّا جاءت مسلمات منعه الله تعالى من ردّهنّ ( إلى الكفّار )(٣) وأمره بردّ مهورهنّ على أزواجهنّ ، وفسخ ما كان عقدهعليه‌السلام من الهدنة(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٧.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ق ، ك».

(٤) المغازي - للواقدي - ٢ : ٦٣١ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٤٠ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٥٧ - ٢٥٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٢٨ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٤ : ١٧١ ، مصابيح السنّة - للبغوي - ٣ : ١١٢ / ٣٠٨٣.

٢٠٢

ولو أسلمت بعد الأسر ، فإن كان المجعول له مسلماً ، سُلّمت إليه بالشرط ؛ فإنّها رقٌّ ، وإن كان كافراً ، لم تُسلّم إليه بل قيمتها ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخر : تُسلّم إليه ، ويطالب بإزالة الملك ؛ لأنّ الكافر لا يستديم ملك المسلم(١) .

ولو ماتت الجارية قبل الظفر أو بعده ، قال الشيخ : لا تدفع إليه قيمتها ؛ لأنّ الشرط اقتضى إمكان تسليمها ، وهو غير ممكن ، فلا يجب له العوض ، كما لو لم تفتح القلعة(٢) . وهو أحد وجهي الشافعي(٣) .

وفي الآخر : تُدفع إليه القيمة ، كما لو أسلمت(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه علّق حقّه على شي‌ء معيّن وتلف من غير تفريط ، فسقط حقّه ، بخلاف المسلمة ؛ لإمكان تسليمها لكنّ الشرع منع منه.

ولو كان الدليل جماعةً ، كانت الجارية بينهم.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الجارية تُسلّم إلى الكافر إن ظفرنا بها ، فإن لم تفتح القلعة ؛ لعجز ، أو تجاوزناها مع القدرة ، فلا شي‌ء له علينا وإن أتمّ الدلالة ، إلّا إذا رجعنا إلى الفتح بعلامته.

ولو فتحها طائفة اُخرى سمعوا العلامة ، فلا شي‌ء عليهم ؛ إذ لم يجر معهم الشرط.

وإن لم تكن فيها جارية ، فلا شي‌ء له ، وكذا إن كانت قد ماتت قبل‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٨.

(٣ و ٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥.

٢٠٣

المعاقدة.

وإن ماتت بعد الظفر وقبل التسليم ، فعلينا البدل إمّا اُجرة المثل أو قيمة الجارية.

وللشافعيّة فيه وجهان بناءً على أنّ الجُعْل المعيّن يُضمن ضمانَ العقد أو ضمانَ اليد ، كالصداق(١) .

وإن ماتت قبل الظفر وبعد العقد ، ففي وجوب البدل للشافعي قولان(٢) .

ولو لم يحصل من القلعة شي‌ء إلّا تلك الجارية ، ففي وجوب التسليم للشافعيّة وجهان(٣) .

مسألة ١١٥ : يجوز للإمام ونائبه أن يبعث سريّةً تُغير على العدوّ وقت دخوله دار الحرب ، ويجعل لهم الربع بعد الخُمْس ، فما قدمت به يخرج خُمْسه والباقي يعطي السريّة منه ربع الباقي ثمّ يقسّم الباقي بين الجيش والسريّة أيضاً.

وكذا إذا قفل(٤) من دار الحرب مع الجيش فأنفذ سريّةً تُغير ، وجعل لهم الثلث بعد الخُمْس ، جاز ، فإذا قدمت السريّة بشي‌ء ، أخرج خُمْسه ثمّ أعطى السريّة ثلث الباقي ثمّ قسّم الباقي بين الجيش والسريّة معه - وبه قال الحسن البصري والأوزاعي وأحمد(٥) - لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان‌

____________________

(١ و ٢) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧١ ، الوسيط ٧ : ٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٤ ، الوسيط ٧ : ٤٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك» : نقل. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٥) المغني ١٠ : ٤٠١ - ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٨ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٦.

٢٠٤

ينفلهم إذا خرجوا بادين بالربع وينفلهم إذا قفلوا بالثلث(١) .

وقال حبيب بن مسلمة الفهري : شهدت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفل الربع في البداءة والثلث في الرجعة(٢) .

ولأنّ فيه مصلحةً للمسلمين ، فكان سائغاً ، كالسَّلَب.

وقال عمرو بن شعيب : لا نفل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ الله تعالى خصّه بالأنفال ، فقال :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) فخصّه بها(٤) .

وهو باطل ؛ لأنّ ما ثبت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثبت للأئمّة بعده ما لم يقم دليل على التخصيص.

وقال مالك وسعيد بن المسيّب : لا نفل إلّا من الخمس(٥) .

وقال الشافعي : يخرج من خُمْس الخُمْس(٦) .

مسألة ١١٦ : وإنّما يستحقّ هذا البدل بالشرط السابق ، فإن لم يشترطه الإمام ولا نائبه ، فلا نفل ؛ لأنّ الأصل تسوية الغانمين ، وإنّما يثبت النفل مع قلّة المسلمين وكثرة المشركين ، فيشترط الإمام التنفيل لمن يعمل مصلحة ، تحريضاً لهم على القتال ، ولو كانوا مستظهرين عليهم ، فلا حاجة‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٤ : ١٣٠ / ١٥٦١ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٨٠ / ٢٧٥٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٣٣ ، مسند أحمد ٥ : ١٦٣ - ١٧٠١٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٩.

(٣) الأنفال : ١.

(٤) المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٨.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٩٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٩.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٤٩.

٢٠٥

إليه ؛ فإنّ أكثر مغازي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن فيها أنفال.

ولو رأى التنفيل بدون الربع أو الثلث ، فَعَل.

وهل تجوز الزيادة عليهما(١) ؟ مَنَع منه الأوزاعي ومكحول وأكثر العامّة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى إلى الثلث(٢) ، فلا ينبغي تجاوزه(٣) .

وقال الشافعي : يجوز ؛ لأنّه نفل مرّةً الربعَ ومرّةً الثلثَ ومرّةً نصفَ السدس ، فعُلم انتفاء الضابط ، وأنّه موكول إلى نظر الإمام(٤) .

وليس حجّةً ، لاتّفاق الوقائع على عدم الزيادة ، فكان ضابطاً فيه ، ومع ذلك فإنّه يناقض قوله : إنّه يخرج من خُمْس الخُمْس(٥) ، فلو شرط نائب الإمام زيادة على الثلث ، ردّ إليه على الأوّل ، ولزم الوفاء على الثاني.

وقد اختلف في تأويل البداءة والرجعة ، فقيل : البداءة أوّل سريّة ، والرجعة : الثانية(٦) .

وقيل : البداءة : السريّة عند دخول الجيش إلى دار الحرب ، والرجعة : عند قفول الجيش(٧) .

وإنّما زادهم في الرجعة ؛ للمشقّة ، فإنّ الجيش في البداءة رِدْءٌ(٨) للسريّة تابع لها ، والجيش مستريح والعدوّ خائف ، وربّما كان غارّاً ، وفي‌

____________________

(١) « عليهما » لم ترد في « ك».

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (٢)

(٣) المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٠.

(٥) تقدّمت الإشارة الى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (٦)

(٦ و ٧) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٠.

(٨) الرِّدْءُ : المعين والناصر. لسان العرب ١ : ٨٥ « ردأ ».

٢٠٦

الرجعة لا رِدْءَ للسريّة ؛ لانصراف الجيش ، والعدوّ مستيقظ على حذر.

وكما يجوز التنفيل للسريّة يجوز لبعض الجيش ؛ لبلائه أو لمكروه تحمَّله ، دون سائر الجيش ، فلو نفذ الإمام سريّةً فأتى بعضهم بشي‌ء وبعضهم لم يأت ، كان للوالي أن يخصّ الذين جاءوا بشي‌ء دون الآخرين مع الشرط.

وقال أحمد : يجوز من غير شرط(١) .

مسألة ١١٧ : لو قال الأمير : مَنْ طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا البيت‌ أو فَعَل كذا فله كذا ، أو مَنْ جاء بأسير فله كذا ، جاز في قول عامّة العلماء(٢) ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبه »(٣) .

ولاشتماله على المصلحة والتحريض على القتال ، فجاز ، كزيادة السهم للفارس والسَّلَب لقاتله.

وكره مالك ذلك ولم يره ، وقال : لا نفل إلّا بعد إحراز الغنيمة ؛ لأنّ القتال على هذا الوجه إنّما هو للدنيا(٤) .

وهو منقوض بالسَّلَب ، واستحقاق السهم من الغنيمة ، وزيادة سهم الفارس.

وإنّما يجوز التنفيل مع المصلحة للمسلمين ، فلو انتفت لم يجز.

والنفل لا يختصّ بنوعٍ من المال ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام جعل الثلث أو‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣١.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ٣٠٧ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ - ٣٦٩ / ١٤٠٣٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ٦٩٩٥ - ٦٩٩٧ و ٧٠٠٠.

(٤) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٦ ، المغني ١٠ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٢.

٢٠٧

الربع(١) ، وهو عامٌّ في كلّ مغنوم.

وقال الأوزاعي : لا نفل في الدراهم والدنانير ؛ لأنّ القاتل لا يستحقّ النفل فيهما ، فكذا غيره(٢) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ القاتل إنّما نفل السَّلَب ، وليس الدراهم والدنانير من السَّلَب.

ولو قال : مَنْ رجع إلى الساقة فله دينار ، جاز ؛ لأنّ في الرجوع إليهم منفعةً.

ويستوي في النفل الفارس والراجل إلّا أن يفضّل بعضهم في القسم ، فيستحقّ قدر المسمّى ؛ لأنّ النفل شي‌ء رضخ للفعل فكيف صدر عن الفاعل استحقّ.

ولو بعث الإمام سريّةً ونَفَلهم بالثلث بعد الخُمْس ثمّ إنّ أمير السريّة نفل قوماً منهم لفتح الحصن أو للمبارزة بغير إذن الإمام ، فإن نَفَلهم من حصّة السريّة أو من سهامهم بعد النفل ، جاز ، ولو نَفَلهم من سهم العسكر ، لم يجز ؛ لأنّه أمير على السريّة لا على العسكر.

هذا إذا خرج الجيش مع السريّة ، أمّا لو لم يخرج ، جاز تنفيله ؛ لأنّ الغنيمة كلّها للسريّة ، ولا يشاركهم الجيش ؛ لاختصاص السريّة بالجهاد.

ولو بعث أمير السريّة سريّة من السريّة ونَفَل لهم أقلّ من النفل الأوّل أو أكثر ، جاز من حصّة أصحاب(٣) السريّة لا من حصّة العسكر ، إلّا أن يكون أمير العسكر أذن له في التنفيل ، فحينئذٍ يكون نائباً عن الأمير.

____________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (١)

(٢) المغني ١٠ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٢.

(٣) في « ق » : « أرباب » بدل « أصحاب ».

٢٠٨

ولو فُقد رجلٌ من السريّة فقام هناك بعضهم لطلبه وبعضهم ذهب حتى أصاب الغنائم ثمّ رجعوا إلى أصحابهم ووجدوا المفقود ، فكلّهم شركاء في النفل ؛ لأنهم فارقوا العسكر جملةً وأحرزوا المصاب بالعسكر جملةً ، فكانوا بمنزلة ما لو باشر القتالَ بعضُهم ، وبعضُهم كان رِدْءاً لهم.

ولو أصاب الرجل المفقود غنيمةً والذين أقاموا لانتظاره غنيمةً والسريّة غنيمةً ثمّ التقوا ، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة ، كما لو لم يفترقوا ؛ لأنّهم اشتركوا في الإحراز.

ولو تفرّقت السريّة سريّتين وبَعُدت إحداهما عن الاُخرى بحيث لا تقدر إحداهما على عون الاُخرى ثمّ أصابت كلّ سريّة غنيمةً أو أصابت إحداهما دون الاُخرى ثمّ التقتا ، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة ، ولو لم يلتقوا إلّا عند العسكر ، فلكلّ فريق النفل ممّا أصابوا خاصّةً.

ولو أصابت السريّة الغنائم ثمّ لم يقدروا على الرجوع إلى العسكر فخرجوا إلى دار الإسلام من موضع آخر ، قيل(١) : تكون الغنيمة كلّها لهم تقسّم على سهام الغنيمة ؛ لأنّهم تفرّدوا بالإحراز إلى دار الإسلام ، وهو سبب في التملّك ، وإذا صارت الغنيمة كلّها لهم ، بطل التنفيل.

ولو قال الإمام : مَنْ أخذ شيئاً فهو له ، احتمل الجواز - وهو قول أبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي(٢) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم بدر : « مَنْ أخذ شيئاً فهو له »(٣) .

____________________

(١) لم نعثر على القائل.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٤٧ ، الاُمّ ٤ : ١٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ، المغني ١٠ : ٤٥٤.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ٣١٥.

٢٠٩

واحتمل المنع - وهو الثاني للشافعي(١) - لأنّ مَنْ أجاز ذلك أسقط حقّ أهل الخُمْس من خُمْسه ، ومَنْ يستحقّ جزءاً من الغنيمة لم يجز للإمام ( أن يشترط )(٢) إسقاطه ، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين.

مسألة ١١٨ : لو بعث سريّتين يمنةً ويسرةً(٣) ونَفَل إحداهما بالثلث والاُخرى بالربع ، جاز(٤) ؛ لاختلاف المصلحة باختلاف البعد والقرب ، وسهولة أحد الطريقين وصعوبة الآخر ، والأمن والخوف ، واختلاف المبعوث إليهم في القوّة والضعف.

فلو بعث واحداً مع سريّة الربع فخرج مع سريّة الثلث ، فلا شي‌ء له في السريّة التي خرج إليها بغير إذن الإمام ، والتي أذن له بالخروج إليها لم يخرج.

واستحسن أبو حنيفة أن يجعل له مع سريّة الثلث مقدار ما سمّى له ، وهو الربع(٥) .

أمّا لو ضلّ رجل من إحدى السريّتين فوقع في الاُخرى فأصاب الغنيمة ، فالوجه أنّه يشاركهم ، فيأخذ من السريّة التي وقع فيها ، لا من التي(٦) خرج معها.

ولو بعث سريّةً ونفلهم بالربع ثمّ أرسل اُخرى وقال لهم : الحقوا‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ، المغني ١٠ : ٤٥٤.

(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : اشتراط.

(٣) في « ق ، ك» : يمنة ويمنة.

(٤) في الطبعة الحجريّة : جاز له.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة عندنا.

(٦) في الطبعة الحجريّة : لا من السريّة التي.

٢١٠

بأصحابكم فما أصبتم فأنتم شركاؤهم ، فلحقوا السريّة الاُولى وقد كانوا غنموا غنيمةً ثمّ غنموا معهم غنيمةً اُخرى جميعاً ، فنفل الغنيمة الثانية لهم جميعاً ، ونفل الغنيمة الاُولى للسريّة الاُولى ؛ لأنّ حقّ النفلين يتأكّد في المصاب بالإصابة ، فلا يثبت حقٌّ للسريّة في الغنيمة الاُولى ، فلا يملك الإمام إشراك الثانية فيما أصابت الاُولى ؛ لأنّه يتضمّن إبطال حقّ التأكّد ، وحقّ السريّة الاُولى لم يثبت على وجه الخصوص في الغنيمة الثانية حين لحق بها الثانية ، بل يثبت حقّ السريّتين بإصابتهما ، فصحّ الاشتراك.

هذا إذا أخبرت السريّة الثانية الاُولى بالتنفيل أو أخبروا بعضهم(١) ولو أميرهم ، ولو لم يُخبروهم ، قال أبو حنيفة : تكون الغنيمتان للاُولى ؛ لأنّ الشركة تشتمل على الضرر والغرور بالاُولى ، فلا تصحّ إلّا بعد العلم(٢) .

قال ابن الجنيد : لو غنمت السريّة المنفلة فأحاط بها العدوّ ، فأنجدهم المسلمون ، شركوهم في النفل ما لم يحرزوه في العسكر.

مسألة ١١٩ : يصحّ التنفيل بالشي‌ء(٣) المجهول ، فلو قال : مَنْ جاء بشي‌ء فله منه طائفة ، فجاء رجل بمتاع ، نَفَله الإمام بما يراه مصلحة.

ولو قال : مَنْ جاء بشي‌ء فله منه قليل أو يسير أو شي‌ء منه ، فله أن يعطيه أقلّ من النصف؛ لأنّ القليل واليسير يتناول ما دون النصف ؛ لأنّ مثله لا يكون يسيراً ، وكذا « الشي‌ء » يفهم منه في الغالب القلّة ، فصار كما لو قال : قليلاً.

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : معظمهم. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه لأجل السياق.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) كلمة « بالشي‌ء » لم ترد في « ق ، ك».

٢١١

ولو قال : مَنْ جاء بشي‌ء فله جزؤه ، فله أن ينفله بالنصف وما دونه دون ما فوقه ؛ لأنّ الجزء اسم للبعض منه إلى النصف ، يقال : جزء من جزءين ، ويقال لأكثر من النصف : جزءان من ثُلثه ، فدلّ على أنّ ما زاد على النصف لا يكون جزءاً.

ولو قال : مَنْ جاء بشي‌ء فله سهم رجل ، كان له أن يعطيه سهم راجل لا فارس ؛ لأنه المتيقّن.

قال محمّد بن الحسن الشيباني : لو قال : مَنْ جاء بألف درهم فله ألفا درهم ، فجاء بالألف، لم يكن له أكثر من ألف.

ولو قال : مَنْ جاء بالأسير فله الأسير وألف ، لزمه دفعهما ؛ لأنّه في الأوّل قصد تحصيل المال لا غير ، فلا يعطيه إلّا ما أصابه من المال ، وفي الثاني مقصوده كسر شوكتهم بأخذ الأسير(١) .

قال ابن الجنيد : لو قال : مَنْ جاء بأسير فله مائة درهم ، كان ذلك من الغنيمة أو في رقبة الأسير أو بيت مال المسلمين.

مسألة ١٢٠ : لو قال : مَنْ أصاب ذهباً أو فضّةً فهو له ، فأصاب سيفاً محلّىً بأحدهما ، كان له الحلية دون السيف والجفن ؛ لأنّهما متغايران ، والجُعْل إنّما وقع بأحدهما.

ولو أصاب خاتماً ، نزع فُصّه للغنيمة ، وكان الخاتم له.

ولو أصاب أبواباً فيها مسامير فضّة لو نُزعت لهلكت الأبواب ، قال محمد : لا شي‌ء له ؛ لأنّ المسمار مغيب في الباب ، فصار كالمستهلك(٢) .

ولو قال : مَنْ أصاب قزّاً فهو له ، فأصاب جُبّةً محشوّةً بقزّ ، فلا شي‌ء له ؛ لأنّ الحشو مغيب في الجبّة ، والمغيب لا عبرة به.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٢١٢

أمّا لو قال : مَنْ أصاب ثوب قزّ فهو له ، فأصاب رجل جبّةً بطانتها ثوب قزّ أو ظهارتها ، فله الثوب القزّ ، والآخر غنيمة.

ولو قال : مَنْ أصاب جبّة حرير فهو له ، فأصاب جبّةً ظهارتها وبطانتها حرير ، فهي له. وكذا لو كانت الظهارة حريراً ، أمّا لو كانت البطانة حريراً ، فلا شي‌ء له.

ولو صعد رجل السور يقاتل المسلمين ، فقال الإمام : مَنْ صعد السطح فأخذه فهو له وخمسمائة ، فصعد رجل فأخذه ، لزمه دفعه ودفع خمسمائة. ولو سقط الرجل من السور فقَتَله رجل خارج الحصن ، فلا شي‌ء له ؛ لأنّ قصد الجُعالة إظهار الجلادة والجرأة.

ولو رماه رجل فطرحه من السور ، قال محمّد : يستحقّ ذلك ؛ لأنّ القصد ليس هو الصعود بل فعل يؤثّر في السقوط لإظهار كسر قلوبهم(١) .

ولو صعد إليه فسقط داخل الحصن فقَتَله ، فله النفل ، لأنّه أتى بالمطلوب وزيادة.

ولو التقى الصفّان ، فقال الأمير : مَنْ جاء برأسٍ فله كذا ، انصرف إلى رؤوس الرجال دون الصبيان ، أمّا لو انهزم الكفّار فقال : مَنْ جاء برأسٍ فله كذا ، فجاء رجل بسبي أو برأس فله النفل.

ولو ادّعى قَتْله فقيل : بل كان ميّتاً ، حلف واُعطي النفل.

ولو جاء برأسٍ لا يعلم كفره وإسلامه ، لم يعط حتى يُعلم كفره. ولو ادّعى آخر أنّه قَتَله ، فالقول قول الآتي به مع اليمين ، فلو نكل فلا نفل.

وفي استحقاق المدّعي إشكال ينشأ من أنّ نكوله إقرار بأنّ المدّعي‌

____________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٢١٣

قَتَله ، وهو إقرار بإبطال حقّ نفسه وإثبات الحقّ للمدّعي ، وإقراره حجّة عليه لا على غيره ، ومن أنّ الحقّ ثابت له يكون الرأس في يده ، فإذا نكل عن اليمين ، فقد جعل ماله من الحقّ إلى المدّعي ، وله هذه الولاية ، فصار ذلك للمدّعي.

مسألة ١٢١ : لو قال : مَنْ دخل باب هذه المدينة فله ألف ، فاقتحم ( جماعة من المسلمين)(١) فدخلوها ، استحقّ كلّ واحد منهم ألفاً ؛ لأنّه شرط لكلّ داخل ، بخلاف : من دخل فله الربع ، فدخل عشرة ، فلهم الربع الواحد ؛ لأنّ الربع اسم لجزء واحد من المال. ولو دخل واحد ثمّ آخر ، اشتركوا في النفل ، لتعلّق الاستحقاق بالدخول حالة الخوف.

ولو قال : مَنْ دخل فله جارية ، فدخلوا فإذا هناك جارية واحدة ، فلكلّ واحد قيمة جارية وسط ، أمّا لو قال : جارية من جواريهم ، فليس لهم إلّا ما وُجد ؛ فرقاً بين المضاف والمطلق.

ولو قال : مَنْ دخل أوّلاً فله ثلاثة ، ومَنْ دخل ثانياً فله اثنان ، ومَنْ دخل ثالثاً فله واحد ، فدخلوا على التعاقب ، فلكلُّ منهم ما سمّاه ؛ لأنّ التفاوت في النفل مع التفاوت في الخوف جائز.

ولو دخلوا دفعةً ، بطل نفل الأوّل والثاني ، وكان لهم جميعاً نفل الثالث ؛ لأنّ الأوّل هو المتقدّم، والثاني مَنْ تقدّمه واحد ولم يوجد ، والثالث إذا سبقه اثنان أو قارناه ، كان ثالثاً ؛ لأنّ خوف الثالث إذا قارنه اثنان فوق خوفه إذا تقدّمه اثنان ، فيكون فعله أشقّ ، فاستحقاقه أولى.

فلو دخل اثنان أوّل مرّة ، بطل نفل الأوّل ، ونفل الثاني يكون لهما ؛

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : جماعة مسلمون.

٢١٤

لانعدام الأوّليّة بالمقارنة ، بخلاف الثاني ؛ فإنّه يصدق مع المسبوقيّة والمقارنة.

ولو قال : مَنْ دخل أوّلاً من المسلمين فله كذا ، فدخله ذمّيٌّ ثمّ مسلم ؛ استحقّ المسلم ؛ لأنّ أوّليّة الذمّي لا تمنع هذه الصفة ، كالدابّة ، أمّا لو قال : مَنْ دخل من المسلمين أوّلاً من الناس ، لم يستحقّ.

البحث الثالث : في السَّلَب.

مسألة ١٢٢ : يجوز للإمام أن يجعل للقاتل سَلَب المقتول إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم حُنين(١) : « مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبه » فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين فأخذ سلبهم(٢) ، رواه العامّة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الله بن ميمون ، قال : اُتي عليعليه‌السلام بأسير يوم صفّين فبايعه ، فقال عليعليه‌السلام : « لا أقتلك إنّي أخاف الله ربّ العالمين » فخلّى سبيله ، وأعطى سلبه الذي جاء به(٤) . وإذا أخذ الآتي السَّلَب فالقاتل أولى.

ولأنّ فيه مصلحةً عظيمة تنشأ من التحريض على القتال.

مسألة ١٢٣ : وإنّما يستحقّ القاتل السَّلَب بشروط :

الأوّل : أن يخصّه الإمام به ويشرطه له‌ - وبه قال أبو حنيفة والثوري‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجرية : خيبر. وما أثبتناه من المصادر.

(٢) في المصادر : أسلابهم.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ : ٣٦٩ - ٣٧٠ / ١٤٠٣٠ ، و ١٤ : ٥٢٤ / ١٨٨٣٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٢٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٧١ / ٢٧١٨ ، وفيه : « مَنْ قتل كافراً » المغني ١٠ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤١.

(٤) التهذيب ٦ : ١٥٣ / ٢٦٩.

٢١٥

ومالك وأحمد في رواية(١) - لأنّ السَّلَب جُعل تحريضاً على القتال ، فلا يستحقّه إلّا بشرط الإمام ، كالنفل.

وقال الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن الجنيد من علمائنا ، وأحمد في الرواية الاُخرى : يخصّ به القاتل ، سواء قال الإمام أو لم يقل(٢) ؛ لما تقدّم من الرواية(٣) .

وليس فيها دلالة على عدم الشرط قبل ابتداء القتال ، فجاز أن يكون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط له ذلك أوّلاً ، وإذا شرط له السَّلَب ، جاز له أخذه وإن لم يأذن له الإمام.

وقال الأوزاعي : يشترط إذن الإمام. وإن لم يشرطه(٤) . في الاستحقاق. قال : لأنّه مجتهد فيه ، فلا ينفذ أمره فيه إلّا بإذن الإمام(٥) .

الثاني : أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم ، فلو قتل امرأةً أو صبيّاً أو شيخاً فانياً لا رأي له ونحوهم ممّن لم يقاتل ، لم يستحقّ سَلَبه إجماعاً ؛ لأنّ قتل هؤلاء منهيٌّ عنه ، فلا يستحقّ به نفل. ولو قتل‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٧ ، النتف ٢ : ٧٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٥٦ / ١٦١١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٧ ، المغني ١٠ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٣ و ١٤ : ١٥٥.

(٢) المغني ١٠ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٦ - ٤٤٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٣ و ١٤ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨ ، المهذب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٧ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٩ ، النتف ٢ : ٧٢١.

(٣) تقدّمت الرواية وكذا الإشارة إلى مصادرها في ص ٢١٤ والهامش (٣)

(٤) في الطبعة الحجريّة : وإن لم يكن شرطه.

(٥) المغني ١٠ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨.

٢١٦

أحدهم وهو مُقاتل ، استحقّ سَلَبه ؛ لأنّه يجوز قتله إذا كان يقاتل ، فيدخل تحت عموم الخبر.

الثالث : أن يكون المقتول ممتنعاً ، فلو قتل أسيراً له أو لغيره ، أو مَنْ اُثخن بالجراح وعجز عن المقاومة ، لم يستحقّ سَلَبه - وبه قال الشافعي وأحمد ومكحول(١) - لأنّ ابني عفراء أثخنا أبا جهل يوم بَدْر فأجاز عليه عبد الله بن مسعود فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سَلَبه لابني عفراء ، ولم يُعط ابن مسعود شيئاً(٢) .

ولأنّه لم يغرّر بنفسه في دفع شرّه.

وقال أبو ثور وداوُد : يستحقّ سَلَبه على أيّ وجه قَتَله ؛ لعموم الخبر(٣) .

والخبر محمول على القاتل حالة الامتناع.

ولو قطع يدي رجل ورِجْليه وقَتَله آخر ، فالسَّلَب للقاطع دون القاتل ؛ لأنّه الذي منع شرّه عن المسلمين.

ولو قطع يديه أو رِجْليه وقَتَله آخر ، قال الشيخرحمه‌الله : السَّلَب للقاتل ؛ لأنّه لم يصيّره بالقطع ممتنعاً ؛ فإنّ مقطوع اليدين يمتنع بالعَدْو ، ومقطوع الرِّجْلين يمتنع برمي يديه(٤) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، المغني ١٠ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٤١٤ و ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤ ، وانظر : صحيح البخاري ٥ : ٩٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٤٢٤ / ١٨٠٠ ، وسنن البيهقي ٩ : ٩٢ ، ومسند أحمد ٣ : ٥٦٠ / ١١٧٣٣ ، و ٥٨٣ / ١١٨٩٥ ، و ٤ : ١١٧ - ١١٨ / ١٣٠٦٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٧.

٢١٧

وقال بعض العامّة : يخصّ القاطع ؛ لأنّه عطّله(١) .

وليس جيّداً ؛ لما قاله الشيخرحمه‌الله

وقال بعضهم : يكون غنيمةً ؛ لأنّ القاطع لم يكف شرّه كلّه ، والقاتل قتل مثخناً(٢) .

أمّا لو قطع يده ورِجْله من خلاف ثمّ قَتَله آخر ، فإن كان القاطع يمنع شرّه أجمع بقطع العوضين ، فالسَّلَب له ، وإلّا فللقاتل.

ولو عانق رجل رجلاً فقَتَله آخر ، فالسَّلَب للقاتل - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ المعانق ليس قاتلاً ، والقاتل كفى المسلمين شرّه.

وقال الأوزاعي : للمعانق(٤) .

الرابع : القتل أو الإثخان بالجراح بحيث يجعله معطّلاً في حكم المقتول ، فلو أسر رجلاً ، لم يستحق سلبه وإن قتله الإمام أو لم يقتله ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جَعَل السَّلَب للقاتل(٥) .

وقال مكحول : مَنْ أسر مشركاً ، استحقّ سَلَبه(٦) .

وقال بعض العامّة : إن استبقاه الإمام ، كان له فداؤه أو رقبته وسَلَبه ؛ لأنّه كفى المسلمين شرّه ، لأنّ الأسر أصعب من القتل ، وقد كفى المسلمين شرّه(٧) .

____________________

(١ و ٢) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩ - ٤٥٠.

(٥) المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٩٥ - ٢٩٧ / ٦٩٩٥ - ٦٩٩٧ - ٦٩٩٧ و ٧٠٠٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ : ٣٦٩ / ١٤٠٣٠ ، و ٣٧٢ / ١٤٠٣٦ ، و ١٤ : ٥٢٤ / ١٨٨٣٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٢٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٧ و ٣٠٩.

(٦) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٧) المغني ١٠ : ٤١٥ - ٤١٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

٢١٨

وليس جيّداً ؛ لأنّ الجُعْل للقتل لا للأسر. نعم ، لو شرط الإمام السَّلَب لمن استأسر ، استحقّ سلبه(١) .

الخامس : أن يغرّر القاتل بنفسه في قتله بأن يبارز إلى صفّ المشركين أو إلى مبارزة مَنْ يبارزهم ، فيكون له السَّلَب ، فلو لم يغرّر بنفسه ، مثل أن يرمي سهماً في صفّ المشركين من صفّ المسلمين فيقتل مشركاً ، لم يكن له سَلَبه ؛ لأنّ القصد التحريض على القتال ومبارزة الرجال ولا يحصل إلّا بالتغرير.

ولو حمل جماعة من المسلمين على مشرك فقتلوه. فالسَّلَب في الغنيمة ؛ لأنّهم باجتماعهم لم يغرّروا بأنفسهم في قتله.

ولو اشترك اثنان في قتله بأن ضرباه فقتلاه أو جرحاه فمات من جرحهما ، فالسَّلَب لهما - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية(٢) - لأنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبه »(٣) يتناول الاثنين والواحد على حدُّ واحد ، فلا وجه للتخصيص.

وقال أحمد في رواية : يكون غنيمةً ؛ لأنّ سبب استحقاق السَّلَب التغريرُ ، ولا يحصل بقتل الاثنين(٤) .

وهو ممنوع ؛ فقد يحصل التغرير بالاثنين.

ولو اشترك اثنان في ضربه وكان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر ، قال‌

____________________

(١) كلمة « سلبه » لم ترد في « ق ، ك».

(٢) الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، المغني ١٠ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨ - ٤٤٩.

(٣) اُنظر : المصادر في الهامش (٥) من ص ٢١٧.

(٤) المغني ١٠ : ٤١٦ - ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨ - ٤٤٩.

٢١٩

بعض العامّة : يكون السَّلَب له ؛ لأنّ أبا جهل ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وأتيا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبراه ، فقال : « كلاكُما قَتَله » وقضى بسَلَبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح(١) (٢) .

السادس : أن يقتله والحرب قائمة ، سواء قَتَله مُقبلاً أو مُدبراً ، أمّا لو انهزم المشركون فقَتَله ، لم يستحقّ السَّلَب ، بل كان غنيمةً ؛ إذ لا تغرير حينئذٍ ، بخلاف ما لو قَتَله مُدبراً والحرب قائمة ؛ لأنّ التغرير موجود ، فإنّ الحرب كَرٌّ وفَرٌّ. وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو ثور وداوُد : لا يشترط قيام الحرب بل يستحقّ القاتل السَّلَب مطلقاً(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ابن مسعود ذفّف(٥) على أبي جهل فلم يُعطه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سَلَبه(٦) .

وإن شرطنا في المبارزة إذن الإمام ، لم يستحقّ القاتل السَّلَب إلّا مع إذنه في المبارزة ، وإلّا استحقّ.

السابع : أن يكون القاتل له نصيب من الغنيمة إمّا سهم أو رضخ ، ولو لم يكن له نصيب ولا رَضَخ له الإمام شيئاً بأن يكون مخذّلاً كعبد الله بن‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١١٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٧٢ / ١٧٥٢.

(٢) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٣) الاُمّ ٤ : ١٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٧ و ١٤ : ١٥٦ ، المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٤) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٨.

(٥) الذفّ : الإجهاز على الجريح. لسان العرب ٩ : ١١٠ « ذفف ».

(٦) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466