تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 320770 / تحميل: 5259
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

اُبيّ ، أو يكون معيناً على المسلمين أو مرجفاً ، لم يستحقّ سَلَباً ؛ لأنّ ترك السهم من حيث إنّه عاون على المسلمين ، فلا يستحقّ السَّلَب ، أو يكون لنقصٍ فيه ، كالمرأة والمجنون ، فالذي قوّاه الشيخرحمه‌الله استحقاق السَّلَب ؛ لعموم الخبر(١) . وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : لا يستحقّ ؛ لأنّ السهم آكد من السَّلَب ؛ للإجماع على استحقاق السهم دون السَّلَب ، فإذا انتفى السهم انتفى السَّلب(٢) .

والصبي عندنا يُسهم له ، فيستحقّ السَّلَب.

وللشافعي قولان(٣) .

ومَنْ يستحقّ الرضخ - كالمرأة والعبد والكافر - فالأقوى استحقاقه للسَّلَب ؛ للعموم ، ولأنّه من أهل الغنيمة.

وللشافعي قولان(٤) .

والعاصي بالقتال - كالداخل بغير إذن الإمام أو بنهي أبويه عنه مع عدم تعيينه - لا يستحقّ السَّلَب.

ولو قتل العبد ، استحقّ مولاه سَلَبه. ولو خرج بغير إذن مولاه ، قال بعض الجمهور : لا سَلَب له ؛ لأنّه عاصٍ(٥) .

مسألة ١٢٤ : اختلف علماؤنا في السَّلَب هل يُخمَّس أم لا؟ على قولين :

أحدهما : يجب فيه الخمس ، وبه قال ابن عباس والأوزاعي‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٦ ، وتقدّم الخبر وكذا الإشارة إلى مصادره في ص ٢١٧ والهامش (٥)

(٢ - ٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٩ ، و ١٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٢ ، المغني ١٠ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤١ - ٤٤٢.

(٥) المغني ١٠ : ٤١٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٢.

٢٢١

ومكحول(١) .

والثاني : لا يجب ، وهو قويّ ؛ لأنّهعليه‌السلام قضى بالسَّلَب للقاتل(٢) ، ولم يخمّس السَّلَب ، وبه قال الشافعي وابن المنذر وابن جرير وأحمد ؛ للعموم(٣) .

وقال إسحاق : إن كان السَّلَب كثيراً ، خمّس ، وإلّا فلا. وهو قول عمر(٤) .

ونمنع أنّه غنيمة ، فلا يدخل تحت عموم الآية(٥) ، ولو سُلّم فالعامّ يُخصّ بالسُّنّة.

إذا عرفت هذا ، فالسَّلَب يستحقّه القاتل من أصل الغنيمة - وبه قال الشافعي ومالك في إحدى الروايتين(٦) - لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جَعَل السَّلَب للقاتل(٧) مطلقاً ، ولم ينقل أنّه جَعَله من خُمْس الخُمْس.

وفي الرواية الثانية عن مالك أنّه يُحسب من خُمّس الخُمْس الذي هو سهم المصالح ؛ لأنّه استحقّه القاتل للتحريض على القتال ، فكان من سهم‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤١٨ ، الشرح الكبير : ٤٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨.

(٢) تقدّمت الإشارة الى مصادره في ص ٢١٧ ، الهامش ٥.

(٣) الاُمّ ٤ : ١٤٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨ ، المغني ١٠ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٥.

(٤) المغني ١٠ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٨.

(٥) الأنفال : ٤١.

(٦) الاُمّ ٤ : ١٤٢ ، مختصر المزني : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٠١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٤.

(٧) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢١٧ ، الهامش (٥)

٢٢٢

المصالح ، كالنفل(١) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل ، مع أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقدّره ولم يستعلم قيمته ، ولو وجب احتسابه من خُمْس الخُمْس ، لوجب العلم بقدره وقيمته.

وأمّا النفل : فيستحقّه مَنْ قُوطع عليه بعد الفعل ويُخمَّس عليه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا نفل إلّا بعد الخُمْس »(٢) .

ولقوله تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) (٣) .

ويستحقّه المجعول له زائداً عن سهمه الراتب له ، ولا يتقدّر بقدر ، بل هو موكول إلى الإمام ، قلّ أو كثر.

والنفل يكون إمّا بأن يبذل الإمام من سهم نفسه الذي هو الأنفال ، أو يجعله من الغنيمة.

ولو جعل الإمام نفلاً على فعل مصلحة فتبرّع مَنْ يقوم بها مجّاناً ، لم يكن له أن ينفل. وكذا لو وجد مَنْ ينتدب بنفلٍ اُقلّ ، لم يكن له أن ينفل الأكثر ، إلّا أن يعلم الإمام أنّ طالب النفل الأكثر أنكى للعدوّ وأبلغ في مقصوده.

مسألة ١٢٥ : السَّلَب كلّ مال متّصل بالمقتول ممّا يحتاج إليه في القتال ، كالثياب والعمامة والقلنسوة والدرع والمغفر والبيضة والجوشن والسلاح ، كالسيف والرمح والسكّين ، فهذا كلّه سَلَب يستحقّه القاتل إجماعاً.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٢.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٨٢ / ٢٧٥٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٤٢ ، مسند أحمد ٤ : ٥١٣ / ١٥٤٣٥.

(٣) الأنفال : ٤١.

٢٢٣

وأمّا ما لا يحتاج إليه في القتال ممّا هو متّصل به وإنّما يتّخذ للزينة أو غيرها ، كالتاج والسوار والطرق والهميان الذي للنفقة ، والمنطقة ، فهل يكون سَلَباً أم لا؟ تردّد الشيخ فيه ، وقوّى كونه سَلَباً(١) - وهو قول أحمد وأحد قولي الشافعي(٢) - لأنّه لابِسٌ له ، فهو سَلَب في الحقيقة ، فيدخل تحت عموم الخبر(٣) .

وقال الشافعي في الآخر : إنّه لا يكون سَلَباً ؛ لأنّه لا يحتاج إليه في القتال ، فأشبه المنفصل(٤) .

والحكم معلّق على الاسم الذي يندرج فيه صورة النزاع دون صورة النقص ، فافترقا.

والدابّة التي يركبها من السَّلب وإن لم يكن راكباً لها إذا كانت بيده - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّه يستعان بها في الحرب ، فأشبهت السلاح.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٧.

(٢) المغني ١٠ : ٤٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠ - ٤٥١ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٤٣ ، الاُمّ ٤ : ١٤٢ - ١٤٣ ، الوجيز ١ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٠٠ ، و ١٤ : ١٥٧ - ١٥٨.

(٣) تقدّمت الإشارة الى مصادره في ص ٢١٧ ، الهامش (٥)

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٤٠٠ ، و ١٤ : ١٥٧ - ١٥٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٣ ، المغني ١٠ : ٤٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠ - ٤٥١ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٤٣.

(٥) مختصر المزني : ١٤٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٣ ، المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥١ - ٤٥٢ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٥.

٢٢٤

وفي رواية عن أحمد أنّها ليست سَلَباً ؛ لأنّ السَّلَب ما كان على بدنه(١) .

وينتقض بالسيف والرمح.

وكذا ما على الدابّة من سرج ولجام وجميع آلاتها وحلية تلك الآلات من السَّلَب ؛ لأنّه تابع لها ، ويستعان به في القتال.

ولو كانت الدابة في منزله أو مع غيره أو منفلتة(٢) ، لم تكن سَلَباً ، كالسلاح الذي ليس معه.

ولو كان راكباً عليها فصرعه عنها ثمّ قتله بعد نزوله عنها ، فهي من السَّلَب.

ولو كان ماسكاً بعنانها غير راكب ، قال ابن الجنيد : تكون من السَّلَب - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية(٣) - لأنّه يتمكّن من القتال عليها ، فأشبهت ما في يده من السيف والرمح.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ليست سَلَباً ؛ لأنّه ليس راكباً عليها ، فأشبه ما لو كانت في يد غلامه(٤) .

وأمّا الجنيب(٥) الذي يساق خلفه : فليس من السَّلَب ؛ لأنّ يده ليست عليه.

ولو كان راكباً دابّةً وفي يده جنيب له ، قال ابن الجنيد : يكون من‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥١ - ٤٥٢ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٥.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : منفصلة. وذلك تصحيف. والصحيح ما أثبتناه.

(٣) اُنظر : المصادر في الهامش (٥) من ص ٢٢٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥١ - ٤٥٢.

(٥) أي : الدابّة تقاد. الصحاح ١ : ١٠٢ « جنب ».

٢٢٥

السَّلَب ؛ لأنّه ممّا يستعان به على القتال ويده عليه ، فكان سَلَباً ، كالفرس المركوب. وهو أحد قولي الشافعي(١) .

والثاني : لا يكون سَلَباً ؛ لأنّه لا يمكن ركوبهما معاً ، فلا يكون سَلَباً(٢) .

ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في قتيل سلمة ابن الأكوع : « له سَلَبه أجمع »(٣) .

قال ابن الجنيد : ولا أختار أن يجرّد الكافر في السَّلَب.

وكرهه الثوري(٤) ، ولم يكرهه الأوزاعي(٥) .

ولم يكن أمير المؤمنينعليه‌السلام يأخذ سَلَب أحد عند مباشرته للحروب.

مسألة ١٢٦ : الأقرب افتقار مدّعي السَّلَب إلى بيّنة بالقتل‌ - خلافاً للأوزاعي(٦) - لقولهعليه‌السلام : « مَنْ قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سَلَبه »(٧) .

ولأنّه مُدّعٍ ، فافتقر الى البيّنة.

احتجّ : بأنّ النبيعليه‌السلام قَبِل قول أبي قتادة(٨) .

وليس حجّةً ؛ لأنّ خصمه أقرّ له فاكتفى بإقراره.

وهل يفتقر الى شاهدين؟ قال به أحمد ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام اعتبر البيّنة(٩) ، وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين ، ولأنّها دعوى قتل ، فاعتبر شاهدان ، كقتل‌

____________________

(١ و ٢) الوجيز ١ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٠ - ٣٦١ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٣.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٧٥ ذيل الحديث ١٧٥٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٤٩ / ٢٦٥٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٧.

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٢.

(٦) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠.

(٧ - ٩) صحيح مسلم ٣ : ١٣٧١ / ١٧٥١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٧٠ / ٢٧١٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٦ ، الموطّأ ٢ : ٤٥٤ / ١٨.

٢٢٦

العمد(١) .

وقال بعض العامّة : يُقبل شاهد ويمين ؛ لأنّها دعوى مال. ويحتمل قبول شاهد من غير يمين ، لأنّ النبيعليه‌السلام قَبِل قول الذي شهد لأبي قتادة من غير يمين(٢) (٣) .

مسألة ١٢٧ : لو قال الإمام : مَنْ أخذ شيئاً فهو له ، جاز‌ - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم بدر : « مَنْ أخذ شيئاً فهو له »(٥) .

والثاني : المنع ، وإلّا سقط حقّ أهل الخُمْس من خُمْسه ، ومَنْ يستحقّ جزءاً من الغنيمة لم يجز للإمام أن يشترط إسقاطه ، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين. وتأوّل الخبر بأنّ غنائم بَدْر لم تكن للغانمين ؛ لأنّ الآية(٦) نزلت بعدها ، ولهذا قسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمن لم يحضرها(٧) .

قال الشيخرحمه‌الله : لو قال الإمام قبل لقاء العدوّ : مَنْ أخذ شيئاً من الغنيمة فهو له بعد الخُمْس ، كان جائزاً ؛ لأنّه معصوم وفِعْلُه حجّة(٨) .

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠.

(٢) المصادر في الهامش ( ٧ - ٩ ) من ص ٢٢٥.

(٣) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠.

(٤) المهذّب - الشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، المغني ١٠ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١١.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ٣١٥.

(٦) الأنفال : ٤١.

(٧) المصادر في الهامش (٤)

(٨) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٨ - ٦٩.

٢٢٧

البحث الرابع : في الرضخ.

مسألة ١٢٨ : لا سهم للنساء في الغنيمة ، بل يرضخ لهنّ الإمام ما يراه ؛ للحاجة إليهنّ في معالجة الطبخ ومداواة المرضى وغير ذلك ، فيدفع إليهنّ الإمام من الغنيمة شيئاً دون السهم ، وله أن يسوّي بين النساء في الرضخ ، وأن يفضّل مع المصلحة ، عند علمائنا أجمع ، وأكثر العلماء(١) ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيعليه‌السلام كان يغزو بالنساء فيُداوين الجرحى ، ويُحْذَيْنَ(٢) من الغنيمة ، وأمّا السهم فلم يضرب لهنّ(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى ، ولم يقسّم لهنّ من الفي‌ء شيئاً ولكن نفلهنّ »(٤) .

ولأنّهنّ لسن من أهل القتال ، ولهذا لم يجب عليهنّ فرضه.

وقال الأوزاعي : يُسهم للنساء ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حُنين بسهم ، فقال رجل من القوم : أعطيتَ سهلة مثل سهمي(٥) (٦) .

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥ ، سنن الترمذي ٤ : ١٢٦ ذيل الحديث ١٥٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ - ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٩ و ٣٣٠.

(٢) أي : يُعْطَيْنَ. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٣٥٨ « حذا ».

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٤٤٤ / ١٨١٢ ، سنن الترمذي ٤ : ١٢٥ - ١٢٦ / ١٥٥٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٠٧ / ٢٨٠٧ ، المغني ١٠ : ٤٤٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥ / ٨ ، التهذيب ٦ : ١٤٨ - ٢٦٠.

(٥) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨٣ / ٢٧٨٤.

(٦) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥ ، سنن الترمذي ٤ : ١٢٦ ، ذيل =

٢٢٨

وليس حجّةً ؛ لأنّ في الحديث : أنّها ولدت ، فأعطاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لها ولولدها ، وعندنا يسهم للمولود كالرجل.

مسألة ١٢٩ : لا سهم للعبيد ، بل يرضخ لهم الإمام ما يراه مصلحة وإن جاهدوا ، وبه قال أكثر العلماء(١) ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس في المرأة والمملوك يحضران الفتح ليس لهما سهم ، وقد يرضخ لهما(٢) .

ولأنّه ليس من أهل القتال ، فلا يجب عليه الجهاد ، فأشبه المرأة.

وقال أبو ثور : يُسهم للعبد - وهو مرويّ عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والنخعي - لأنّ حرمة العبد في الدين كحرمة الحُرّ ، وفيه من العناء ما فيه ، فاُسهم له كالحُرّ(٣) .

والفرق : أنّ الحُرّ يجب عليه الجهاد ، والحُرّية مظنّة الفراغ(٤) للنظر والفكر في مصالح المسلمين ، بخلافه.

ولا فرق بين العبد المأذون له وغيره في عدم الإسهام ، بل يرضخ لهما.

وقال ابن الجنيد : يُسهم للعبد المأذون - وبه قال الأوزاعي وأبو ثور(٥) -

____________________

= الحديث ١٥٥٦ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٤٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١.

(١) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥ ، سنن الترمذي ٤ : ١٢٧ ذيل الحديث ١٥٥٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ - ٣٥٣ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤٤٦ ذيل الحديث ١٤٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٣٢ ، المغني ١٠ : ٤٤٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٦.

(٣) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥.

(٤) في « ق ، ك» : « النزاع » بدل « الفراغ ».

(٥) معالم السنن - للخطّابي - ٤ : ٤٩ ، المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥.

٢٢٩

وغير المأذون لا يُسهم له إجماعاً.

ثمّ إن كره مولاه الغزو ، لم يُرضخ له ؛ لعصيانه ، وإن عرف منه الإباحة ، استحقّ الرضخ كالمأذون.

ولو اُعتق العبد قبل انقضاء الحرب ، اُسهم له.

ولو قُتل سيّد المدبَّر قبل تقضّي الحرب وهو يخرج من الثلث ، عُتق واُسهم له مع حضوره.

ومَنْ نصفه حُرُّ قيل : يُرضخ له بقدر ما فيه من الرقّ ، ويُسهم له بقدر ما فيه من الحُرّيّة ، لأنّه ممّا يمكن تنصيفه فينصف كالميراث(١) .

وقيل : يُرضخ له ؛ لأنّه ليس من أهل وجوب القتال ، فأشبه الرقيق(٢) .

والخنثى المشكل يُرضخ له ؛ لعدم علم الذكوريّة ، ولعدم وجوب الجهاد عليه(٣) .

وقيل : له نصف سهم ونصف الرضخ ، كالميراث(٤) .

ولو ظهر حاله وعُلم أنّه رجل ، اُتمّ له سهم الرجل ، سواء انكشف قبل تقضّي الحرب أو بعده ، أو قبل القسمة أو بعدها ؛ لأنّه قد ظهر لنا استحقاقه للسهم واُعطي دون حقّه.

مسألة ١٣٠ : يُسهم للصبي إذا حضر الحرب وإن وُلد بعد الحيازة قبل القسمة ، كالرجل المقاتل ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الأوزاعي(٥) -

____________________

(١ و ٢) المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٦.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

(٥) المغني ١٠ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٣.

٢٣٠

لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسهم للصبيان بخيبر(١) . وأسهم أئمّة المسلمين كلَّ مولود وُلد في دار الحرب.

ومن طريق الخاصّة : قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « إذا وُلد المولود في أرض الحرب قسّم له ممّا أفاء الله عليه(٢) »(٣) .

ولأنّه حُرٌّ ذَكَر(٤) حضر القتال ، وله حكم المسلمين ، فيُسهم له كالرجل. ولأنّ في إسهامه بعثاً له بعد البلوغ على الجهاد ، فيكون لطفاً له فيجب. ولأنّه معرَّض للتلف ، فأشبه المـُحارب.

وقال مالك : يُسهم له إذا قاتل وقدر عليه ومثله قد بلغ القتال(٥) .

وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والليث وأحمد وأبو ثور : لا يُسهم له ، بل يرضخ(٦) .

وعن القاسم وسالم ليس شي‌ء ؛ لأنّه ليس من أهل القتال ، فلم يُسهم له ، كالعبد(٧) .

والفرق : أنّ المظنّة للاستحقاق - وهي الحُرّيّة والذكورة - تثبت له ،

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

(٢) في المصدر : عليهم.

(٣) التهذيب ٦ : ١٤٧ - ١٤٨ / ٢٥٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : ذكر حُرّ.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٩٢ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٤ ، المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

(٦) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٤٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ - ٣٥٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ و ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٩ ، المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

(٧) المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

٢٣١

فيثبت الحكم.

مسألة ١٣١ : الكافر لا يُسهم له ، بل يرضخ له الإمام ما يراه ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية(١) - لأنّه ليس من أهل الجهاد ؛ لأنّه لا يخلص نيّته للمسلمين ، فلا يساويهم في الاستحقاق.

وقال الثوري والزهري وإسحاق : يُسهم له ، كالمسلم - وهو رواية عن أحمد - لما رواه الزهري أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استعان بناسٍ من اليهود في حربه فأسهم لهم(٢) .

ولأنّ الكفر نقص في الدين ، فلم يمنع استحقاق السهم ، كالفسق(٣) .

ويحتمل أن يكون الراوي سمّى الرضخ إسهاماً. والفرق بين الكفر والفسق ظاهر.

وإنّما يستحقّ الكافر الرضخ عندنا أو السهم عند آخرين لو خرج إلى القتال بإذن الإمام. ولو خرج بغير إذنه ، لم يُسهم له ولم يُرضخ إجماعاً ؛ لأنّه غير مأمون على الدين.

ولو غزا جماعة من الكفّار بانفرادهم فغنموا ، فغنيمتهم للإمام ؛ لما يأتي من أنّ الغنيمة بغير إذن الإمام له.

وقال بعض العامّة : غنيمتهم لهم ولا خُمس فيها ؛ لأنّه اكتساب مباح لم يؤخذ على وجه الجهاد ، فكان كالاحتطاب(٤) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ و ٢٤٦ ، المغني ١٠ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٩.

(٢) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨٤ / ٢٧٩٠.

(٣) المغني ١٠ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٩.

(٤) المغني ١٠ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٨.

٢٣٢

وقال بعضهم : فيه الخُمْس ؛ لأنّه غنيمة قومٍ من أهل دار الإسلام ، فأشبه غنيمة المسلمين(١) .

ويجوز أن يستعين الإمام بالمشركين في الجهاد - وبه قال الشافعي(٢) وجماعة من العلماء(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استعان بناسٍ من اليهود في حربه(٤) .

وقال ابن المنذر : لا يستعان بهم(٥) . وعن أحمد روايتان(٦) .

ويشترط أن يكون المستعان به من المشركين في الحرب حَسَن الرأي في المسلمين مأمون الضرر.

مسألة ١٣٢ : لا حدّ معيّن للرضخ ، بل هو موكول إلى نظر الإمام‌ لكن لا يبلغ للفارس سهم فارس ولا للراجل سهم راجل ، كما لا يبلغ بالتعزير الحدّ.

وينبغي أن يفضّل بعضهم على بعض بحسب مراتبهم وكثرة النفع به وضدّ ذلك ، ولا يسوّى بينهم في السهام ؛ لأنّ السهم منصوص عليه غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف ، كالحدّ والدية ، والرضخ مجتهد فيه ،

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٧.

(٢) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١ ، المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢١.

(٣) في المغني ١٠ : ٤٤٧ ، هكذا : ولا يستعان بمشرك ، وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم. وفي الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٠ - ٤٢١ : وهذا اختيار ابن المنذر والجوزجاني في جماعة من أهل العلم.

(٤) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨٤ / ٢٧٩٠.

(٥) المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢١.

(٦) المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٠ - ٤٢١.

٢٣٣

فاختلف ، كالتعزير.

قال الشيخرحمه‌الله : الرضخ ، يكون من أصل الغنيمة(١) - وهو أحد أقوال الشافعي(٢) - لأنّهم يستحقّون ذلك لمعاونة الغانمين في تحصيل الغنيمة ، فكانوا كالحُفّاظ والناقلين تكون اُجرتهم من الأصل. ولو أعطاهم الإمام ذلك من ماله من الأنفال وحصّته من الخُمْس ، جاز.

والثاني للشافعي : يكون من أربعة الأخماس ؛ لأنّهم يستحقّون ذلك بحضورهم الوقعة ، فأشبهوا الغانمين(٣) .

والثالث : أنّه يدفع من سهم المصالح ؛ لأنّ مستحقّ الرضخ ليس من أصحاب السهم ولا من أصحاب الخُمْس ، فلم يكن الدفع إليه إلّا على وجه المصلحة ، فكان من سهم المصالح(٤) .

ولو استأجر الإمام أهل الذمّة للقتال ، جاز ، ولا يبيّن المدّة ؛ لأنّ ذكر المدّة غرر ، فربما زادت مدّة الحرب أو نقصت ، وعفي عن الجهالة هنا ؛ لموضع الحاجة. فإن لم يكن قتال ، لم يستحقّوا شيئاً ، وإن كان قتال ، فإن قاتلوا ، استحقّوا الاُجرة ، وإلّا فإشكال ينشأ من أنّه منوط بالعمل ولم يوجد ، ومن أنّه يستحقّ(٥) بالحضور ؛ لأنّه بمنزلة القتال في حقّ المسلم يستحقّ به السهم ، فكذا هنا. والأوّل أقوى.

ولو زادت الاُجرة على سهم الراجل أو الفارس ، احتمل أن يعطى ما‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٠.

(٢ - ٤) الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ - ٦٨٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٠٢ ، وحكى ابن قدامة في المغني ١٠ : ٤٤٩ عن الشافعي قولين.

(٥) في « ك» والطبعة الحجريّة : استحقّ.

٢٣٤

يكون رضخا من الغنيمة ، وما زاد يكون من سهم المصالح ، وأن يدفع ذلك كلّه من الغنيمة ، لجريانه مجرى المؤونة التي لا يعتبر فيها النقصان عن السهم.

ولو غزا الرجل بغير إذن الإمام ، أخطأ. ولو غنم مع العسكر ، فسهمه للإمام. ولو غزا بغير إذن أبويه أو بغير إذن صاحب الدّين ، استحقّ السهم ، لتعيّن الجهاد عليه بالحضور.

مسألة ١٣٣ : قال الشيخرحمه‌الله : ليس للأعراب من الغنيمة شي‌ء وإن قاتلوا مع المهاجرين، بل يرضخ لهم الإمام بحسب ما يراه مصلحة(١) .

ونعني بالأعراب مَنْ أظهر الإسلام ولم يصفه ، وصُولح على إعفائه عن المهاجرة وترك النصيب.

ويجوز أن يعطيهم الإمام من سهم ابن السبيل من الصدقة ؛ لأنّ الاسم يتناولهم.

ومَنَعه ابن إدريس ، وأوجب لهم النصيب كغيرهم من المقاتلة(٢) .

والشيخرحمه‌الله استدلّ بقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على إن دَهَمه من عدوّه دَهْمٌ أن يستنفرهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة(٣) نصيب »(٤) .

ولا نعلم صحّة سند هذه الرواية.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٤ ، النهاية : ٢٩٩.

(٢) السرائر : ١٦٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « القسمة ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ١٥٠ / ٢٦١.

٢٣٥

البحث الخامس : في كيفية القسمة.

مسألة ١٣٤ : أوّل ما يبدأ الإمام بعد إحراز الغنيمة بدفع ما تقدّم من السَّلَب ؛ لأنّ حقّه متعلّق بالعين ، ثمّ اُجرة الحمّال والحافظ والناقل والراعي ؛ لأنّ ذلك من مُؤنها يؤخذ من أصلها ، ثمّ الرضخ إن قلنا : إنّه يخرج من أصل الغنيمة ، ثمّ يفرز خُمْس الباقي لأهله ، وتُقسّم أربعة الأخماس الباقية بين الغانمين.

وتُقدّم قسمة الغنيمة على قسمة الخُمْس ؛ لأنّ مستحقّ الغنيمة حاضرون ، ويقف رجوعهم وانصرافهم إلى مواطنهم على قسمة الغنيمة ، وأهل الخُمْس غُيّاب في مواطنهم. ولأنّ الغنيمة حصلت باجتهاد الغانمين فكأنّها بعوض ، فكانت آكد من الخُمْس.

مسألة ١٣٥ : للإمام أن يصطفي لنفسه من الغنيمة ما يختاره ، كفرسٍ جواد وثوبٍ مرتفع وجاريةٍ حسناء وسيف قاطع وغير ذلك ممّا لا يضرّ بالعسكر ، عند علمائنا أجمع ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصطفي من الغنائم الجارية والفرس وما أشبههما في غزاة خيبر وغيرها(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولنا صفو الأموال »(٢) .

وسأله أبو بصير عن صفو المال ، فقال : « الإمام يأخذ الجارية الحسناء والمركب الفاره والسيف القاطع والدّرع قبل أن تُقسّم الغنيمة ، هذا صفو‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ١٥٢ / ٢٩٩١ - ٢٩٩٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٤.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٢ / ٣٦٧.

٢٣٦

المال »(١) .

وهذا الحقّ عندنا ثابت للإمام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لمشاركته إيّاه في تحمّل الأثقال وإتمام ذوي الحقوق مؤونتهم مع قصور حقّهم.

وقالت العامّة : إنّه مختصّ بالنبيعليه‌السلام يبطل بموته(٢) .

وهل الاصطفاء قبل الخُمْس أو بعده؟ فُهم ممّا تقدّم في الرضخ.

مسألة ١٣٦ : إذا أخرج الإمام من الغنيمة الرضخَ والجعائلَ واُجرة الحافظ‌ وغيره وما تحتاج الغنيمة إليه من النفقة مدّة بقائها ، يقسّم الباقي بين الغانمين خاصّة ممّا يُنقل ويُحوّل من الأموال الحاضرة ، للراجل سهمٌ وللفارس سهمان.

ولا خلاف بين العلماء في أنّ الراجل له سهم ، واختلفوا في الفارس.

فقال أكثر علمائنا : إنّه يستحقّ سهمين : سهم له ، وسهم لفرسه(٣) . وبه قال أبو حنيفة(٤) .

وقال ابن الجنيد من علمائنا : للفارس ثلاثة أسهم : سهمان لفرسه ، وسهم له. وهو قول أكثر العامّة ، ونقله العامّة عن عليعليه‌السلام ، وبه قال عمر‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٤ / ٣٧٥.

(٢) المغني ٧ : ٣٠٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٠.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٩٥ ، والمبسوط ٢ : ٧٠ - ٧١ ، والقاضي ابن البراج في المهذّب ١ : ١٨٦ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٠٤ ، وابن إدريس في السرائر : ١٥٧ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ١ : ٣٢٤.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٦ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٤.

٢٣٧

ابن عبد العزيز والحسن البصري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت ومالك ومَنْ تبعه من أهل المدينة ، والثوري والليث ومَنْ تبعه من أهل مصر ، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمّد(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن المقدادرحمه‌الله ، قال : أعطاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سهمين : سهم لي وسهم لفرسي(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « للفارس سهمان ، وللراجل سهم »(٣) .

ولأنّه حيوان ذو سهم ، فلا يزاد على الواحد ، كالآدمي.

وما رواه العامّة عن ابن عبّاس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى للفارس ثلاثة أسهم(٤) .

وما رواه الخاصّة : أنّ عليّاًعليه‌السلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم(٥) ، فمحمول على صاحب الأفراس الكثيرة ؛ لما رواه الباقرعليه‌السلام : « أنّ علياًعليه‌السلام كان يُسهم للفارس ثلاثة أسهم : سهمين لفرسيه(٦) ، وسهماً له ، ويجعل للراجل سهماً »(٧) .

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٢ - ٥٠٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٣ ، الموطأ ٢ : ٤٥٦ / ٢١ ، المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٤ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٩٦ ، مختصر المزني : ١٤٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٠.

(٢) المعجم الكبير - للطبراني - ٢٠ : ٢٦١ / ٦١٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٦ / ٢٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٣ / ٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٣.

(٥) التهذيب ٦ : ١٤٧ / ٢٥٧ ، الاستبصار ٣ : ٤ / ٤.

(٦) في « ك» وظاهر الطبعة الحجريّة ، والتهذيب : لفرسه.

(٧) الاستبصار ٣ : ٤ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٤٧ / ٢٥٨.

٢٣٨

إذا عرفت هذا ، فإنّه يعطى ذو الفرسين فما زاد ثلاثة أسهم : سهماً له وسهمين لأفراسه ، ولا يزاد على السهمين وإن كثرت الأفراس - وبه قال أحمد(١) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يُسهم للخيل ، وكان لا يُسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس(٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحسين بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال : « إذا كان مع الرجل أفراس في غزوٍ لم يسهم إلّا لفرسين منها »(٣) .

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : لا يُسهم لأكثر من فرس واحد ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام لم يُسهم لأفراس الزبير إلّا لواحد(٤) (٥) .

وهو معارض بما روي عن الزبير أنّهعليه‌السلام أسهم له عن فرسين(٦) .

مسألة ١٣٧ : ويسهم للفرس سواء كان عتيقاً - وهو الذي أبواه‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٤ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٩٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٣.

(٢) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨١ / ٢٧٧٤.

(٣) التهذيب ٦ : ١٧٤ / ٢٥٦ ، الاستبصار ٣ : ٤ / ٦.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ٣٢٩.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٦ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٤٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٦ ، الموطّأ ٢ : ٤٥٦ - ٤٥٧ ذيل الحديث ٢١ ، المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٤ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٢.

(٦) المغازي - للواقدي - ٢ : ٦٨٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٢٩.

٢٣٩

عتيقان عربيّان كريمان - أو برذوناً - وهو الذي أبواه أعجميّان - أو مقرفاً - وهو الذي أبوه برذون واُمّه عتيقة - أو هجيناً ، وهو عكس البرذون - وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة(١) - لصدق اسم الفرس في الجميع. ولأنّه حيوان ذو سهم ، فاستوى الفارهُ وغيره ، كالآدمي.

وقال الأوزاعي : لا يُسهم للبرذون ، ويُسهم للمقرف والهجين سهم واحد(٢) .

وعن أحمد روايات :

إحداها : يُسهم لما عدا العربي سهم واحد. وهو قول الحسن البصري.

الثانية : أنّه يُسهم له مثل سهم العربي. وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري.

الثالثة : أنّها إن أدركت إدراك العراب ، اُسهم لها ، مثل الفرس العربي ، وإلّا فلا.

الرابعة : أنّه لا يُسهم لها(٣) .

____________________

(١) الاُمّ ٧ : ٣٣٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ - ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٨ ، و ١٤ : ١٦١ ، الموطّأ ٢ : ٤٥٧ ، ذيل الحديث ٢١ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٩٧ ، المغني ١٠ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٤.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٤١٨ ، و ١٤ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٩.

(٣) المغني ١٠ : ٤٣٦ - ٤٣٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٤ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ولو كان عنده رهون لا يعرف أربابها لطول مكثها ، باعها الحاكم ودفع إليه دَيْنه الذي له ، وتصدّق بالباقي ، ولا يكون ذلك لقطةً.

ولو كان المُلاّك قد أذنوا له في البيع ، جاز أن يتولّاه بنفسه.

ولو تعذّر الحاكم ولم يكن أربابها أذنوا له في البيع ، جاز له التقويم والبيع للضرورة.

ولو وجد كنزاً في فلاةٍ أو خربةٍ وليس عليه أثر الإسلام ، أخرج منه الخُمْس ، والباقي له ، ولو كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة.

ولو وجد لقطةً في دار الحرب ، فإن لم يكن فيها مسلم مَلَكها ، وإن كان فيها مسلم عرَّفها حولاً ثمّ يملكها إن شاء ، ولا يجب عليه المقام في دار الحرب للتعريف ، بل يتمّ التعريف في دار الإسلام.

وكذا لو وجد لقطةً في بلدٍ ، عرّفه فيه ثمّ جاز له أن يسافر ، ويكمل التعريف في غيره.

ولو دخل دار الحرب بأمانٍ فالتقط منها لقطةً ، عرّفها حولاً ؛ لأنّ أموالهم محرّمة عليه ، فإن لم يعرفها أحد مَلَكها بعد التعريف.

ولو دخل إليهم متلصّصاً فوجد لقطةً ، مَلَكها إن لم يكن فيها مسلم ، وإلّا عرّفها حولاً.

مسألة ٣٧٩ : لو مات الملتقط قبل التعريف ، قام وارثه مقامه في التعريف حولاً ثمّ يتملّكها بعده ، ويضمن كالمورّث.

ولو كان الملتقط قد عرّف بعض الحول ، أكمله الوارث ، ولا يحتاج إلى استئناف التعريف ، بخلاف الملتقط من الملتقط ؛ لأنّه يطلب المالك أو الملتقط ، فافتقر إلى استئناف التعريف حولاً ، وأمّا الوارث فإنّه يطلب المالك لا غير.

٢٨١

ولو كان المورّث قد عرّفها حولاً ولم يتملّك ، كان للوارث أن يتملّك بغير تعريفٍ.

ولو مات بعد أن عرّفها حولاً وتملّكها ، صارت موروثةً عنه ، كغيرها من أمواله ، فإن جاء صاحبها أخذها من الوارث ، كما يأخذها من المورّث ، وإن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميّت يطالبه بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال ، وإلّا فبالقيمة ، فيأخذ [ ذلك ](١) من تركته إن اتّسعت لذلك ، فإن ضاقت زاحم الغرماء ببدلها ، سواء تلفت بعد التملّك بفعله أو بغير فعله ، وكذا لو تلفت بَعْدُ بتعدّيه بفعله أو بغير فعله ؛ لأنّها في الأوّل دخلت في ملكه بنيّة التملّك ، وفي الثاني في ضمانه بتعدّيه.

ولو علم أنّها تلفت قبل الحول بغير تفريطه ، فلا ضمان عليه ، ولا شي‌ء لصاحبها ؛ لأنّها أمانة في يده تلفت بغير تفريطه ، فلم يضمنها ، كالوديعة.

وكذا لو تلفت بعد الحول قبل التملّك بغير تفريطٍ على رأي مَنْ يعتقد أنّها لا تدخل في ملكه إلّا بنيّة التملّك.

ولو لم يعلم تلفها ولم توجد في تركته ، احتُمل أن يكون لصاحبها المطالبة من تركته ، سواء كان قبل الحول أو بعده ؛ لأنّ الأصل بقاؤها.

ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شي‌ء ، ويسقط حقّ صاحبها ؛ لأصالة براءة ذمّة الملتقط منها.

ويحتمل أن تكون قد تلفت بغير تفريطٍ ، فلا تشتغل ذمّته بالشكّ.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٢٨٢

٢٨٣

الفصل الثاني : في لقطة الحيوان‌

ومطالبه ثلاثة :

الأوّل : المأخوذ.

مسألة ٣٨٠ : كلّ حيوانٍ مملوكٍ ضائعٍ ولا يد عليه يجوز التقاطه ، إلّا ما يستثنى ، ويُسمّى ضالّةً.

وأخذه في صُور الجواز مكروه ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا يؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جرّاح المدائني عن الصادقعليه‌السلام قال : « الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالّون إذا لم يُعرّفوها »(٢) .

وعن وهب عن الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام قال : « لا يأكل الضالّة إلّا الضالّون »(٣) .

أمّا إذا تحقّق التلف ، فإنّه تزول الكراهة ، ويبقى طلقاً.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحبّ الإشهاد - كما قلنا في لقطة الأموال - لما لا يؤمن تجدّده على الملتقط ، ولتنتفي التهمة عنه.

مسألة ٣٨١ : الحيوان إن كان ممّا يمتنع من صغار السباع إمّا لفضل قوّته - كالإبل والخيل والبغال والحمير - أو لشدّة عَدْوه - كالظباء المملوكة والأرانب - أو بطيرانه - كالحمام - وبالجملة ، كلّ ما يمتنع من صغار السباع‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٧ ، الهامش (٢)

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٢.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩٣.

٢٨٤

وصغار الثعالب وابن آوى وولد الذئب والسبع لا يجوز التقاطه ولا التعرّض له ، سواء كان لكِبَر جثّته - كالإبل والخيل والبغال والحمير - أو لطيرانه ، أو لسرعة عَدْوه ، أو لنابه ، كالكلاب والفهود - وبه قال الشافعي والأوزاعي وأبو عبيد وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سئل عن ضالّة الإبل ، فغضب حتى احمرّت وَجْنتاه وقال : « ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها ، ترد الماء وترعى الشجر »(٢) .

وسئلعليه‌السلام ، فقيل : يا رسول الله ، إنّا نُصيب [ هوامي ](٣) الإبل ، فقال : « ضالّة المسلم حرَق النار(٤) »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، إنّي وجدتُ شاةً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فقال : يا رسول الله ، إنّي وجدتُ بعيراً ، فقال : معه حذاؤه وسقاؤه ، حذاؤه خُفّه ، وكرشه سقاؤه ، فلا تهجه »(٦) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٥ - ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٩ - ٣٥٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « هؤلاء ». وذلك تصحيف ، والمثبت كما في المصدر ، والهوامي : المهملة التي لا راعي لها ولا حافظ. غريب الحديث - لابن سلاّم - ١ : ٢٣ « همي ».

(٤) « حرَق النار » بالتحريك : لهبُها. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٣٧١ « حرق ».

(٥) غريب الحديث - لابن سلاّم - ١ : ٢٢ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩١ ، مسند أحمد ٤ : ٦٠٤ / ١٥٨٧٩ ، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ١١ : ٢٤٩ / ٤٨٨٨.

(٦) تقدم تخريجه في ص ٢٤٨ ، الهامش (٦)

٢٨٥

ولأنّ مثل هذا الحيوان مصون عن أكثر السباع بامتناعه ، مستغنٍ بالرعي ، فمصلحة المالك ترك التعرّض له حتى يجده ، والغالب أنّ مَنْ أضلّ شيئاً طلبه حيث ضيّعه ، فلو أخذه غيره ضاع عنه.

وقال مالك والليث في ضالّة الإبل : مَنْ وجدها في القرى عرّفها ، ومَنْ وجدها في الصحراء لا يقربها(١) . ورواه المزني عن الشافعي(٢) .

وكان الزهري يقول : مَنْ وجد بدنةً فليُعرّفها ، فإن لم يجد صاحبها فلينحرها قبل أن تنقضي الأيّام الثلاثة(٣) .

وقال أبو حنيفة : هي لقطة يباح التقاطها ؛ لأنّها لقطة أشبهت الغنم وما لا يمتنع بنفسه(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّه قياس في معرض النصّ ، مع قيام الفرق ، وقد نبّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ؛ لأنّ الغنم ضعيفة لا تصبر على الماء ، وهي في معرض التلف غالباً.

مسألة ٣٨٢ : وهذا الحكم في البعير إنّما هو إذا كان صحيحاً ضلّ عن صاحبه أو تركه من غير جهدٍ ولا تعب ، أمّا إذا كان مريضاً أو ضعيفاً أو لا يتبع صاحبه ، فإن كان صاحبه قد تركه من جهدٍ في كلأ وماء فكذلك لا يجوز أخذه ، وإن كان قد تركه في غير كلأ ولا ماء فهو لواجده ؛ لأنّه كالتالف ، ويملكه الآخذ ، ولا ضمان عليه لصاحبه ؛ لأنّه يكون كالمبيح له.

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٠.

(٢) مختصر المزني : ١٣٦ ، البيان ٧ : ٤٦٤ ، المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٠.

(٣) المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٠.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٦ ، المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٠.

٢٨٦

وكذا حكم الدابّة والبقرة والحمار إذا ترك من جهدٍ في غير كلأ ولا ماء.

لما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام : « إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قضى في رجلٍ ترك دابّته من جهدٍ ، قال : إن تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها حيث أصابها ، وإن كان تركها في خوفٍ وعلى غير ماءٍ ولا كلأ فهي لمن أصابها »(١) .

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام قال : « مَنْ أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت(٢) وقامت وسيّبها(٣) صاحبها لـمّا لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقةً حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشي‌ء المباح »(٤) .

وعن مسمع عن الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول في الدابّة : إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للّذي أحياها » قال : « وقضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجلٍ ترك دابّته ، فقال : إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها متى شاء ، وإن تركها في غير كلأ وماء فهي للّذي أحياها »(٥) .

مسألة ٣٨٣ : لو أخذ البعير وشبهه في موضع المنع من أخذه بأن كان في كلأ وماء أو كان صحيحاً ، كان ضامنا ؛ لأنّه متعدٍّ بالأخذ ، لأنّه أخذ ملك‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٤ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٧٨.

(٢) كللت من المشي : أعييت ، وكذا البعير إذا أعيا. لسان العرب ١١ : ٥٩١ « كلل ».

(٣) سيّب الدابّة أو الشي‌ء : تركه. لسان العرب ١ : ٤٧٨ « سيب ».

(٤) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ - ٣٩٣ / ١١٧٧.

(٥) الكافي ٥ : ١٤١ / ١٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٨١.

٢٨٧

غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع ، فهو كالغاصب ، ولا يبرأ لو تركه في مكانه أو ردّه إليه ، بل إنّما يبرأ بالردّ إلى صاحبه مع القدرة ، فإن فقده سلّمه إلى الحاكم ؛ لأنّه منصوب للمصالح - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ ما لزمه ضمانه لا يزول عنه إلّا برّده إلى صاحبه أو نائبه ، كالمسروق والمغصوب.

وقال أبو حنيفة ومالك : يبرأ ؛ لأنّ عمر قال : أرسِلْه في الموضع الذي أصبتَه فيه ، وجرير طرد البقرة التي لحقت ببقره(٢) .

وقول عمر لا حجّة فيه ، ولا جرير أيضاً ، مع أنّه لم يأخذ البقرة ولا أخذها راعيه ، إنّما لحقت بالبقر فطردها عنها ، فأشبه ما لو دخلت داره فأخرجها ، وعلى هذا متى لم تثبت يده عليها ويأخذها لم يلزمه ضمانها وإن طردها على إشكالٍ.

مسألة ٣٨٤ : لو وجد شاةً في الفلاة أو في مهلكةٍ ، كان له أخذها عند علمائنا ، وهو قول أكثر أهل العلم(٣) .

قال ابن عبد البرّ : أجمعوا على أنّ [ آخذ ](٤) ضالّة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها(٥) .

والأصل فيه ما رواه العامّة والخاصّة حين سئلعليه‌السلام عن ضالّة الغنم ،

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، الوسيط ٤ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، المغني ٦ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٤٦ ، المغني ٦ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤.

(٣) المغني ٦ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من « الاستذكار » و « التمهيد ».

(٥) الاستذكار ٢٢ : ٣٣٠ / ٣٣٠٤٠ ، التمهيد ٣ : ١٠٨ ، المغني ٦ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

٢٨٨

فقال : « خُذْها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب »(١) .

وكذا الحيوان الذي لا يمتنع عن صغار السباع ، مثل الثعلب وابن آوى والذئب وولد الأسد ونحوها ، فإنّ صغار النَّعَم كفُصْلان الإبل وعجول البقر وصغار الخيل والدجاج والإوَزّ ونحوها فإنّ ذلك كلّه يجوز التقاطه في الفلوات والمواضع المهلكة.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّه لا يجوز لغير الإمام التقاط الشاة وصغار النَّعَم(٢) .

وقال الليث بن سعد : لا أُحبّ أن يقربها إلّا أن يحرزها لصاحبها ؛ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ »(٣) .

ولأنّه حيوان ، فأشبه الإبل في المنع(٤) .

وحديثهم عامّ ، فيُحمل على ما يمتنع من الحيوان لكِبَره أو لسرعة عَدْوه أو طيرانه ؛ جمعاً بين العامّ والخاصّ.

والقياس على الإبل لا يصحّ ؛ لأنّهعليه‌السلام مَنَع وذَكَر علّة المنع من التقاطها بأنّ معها حذاءها وسقاءها(٥) ، وهذا المعنى مفقود في الغنم ، فلا يتمّ القياس.

وأيضاً إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما في خبرٍ واحد(٦) ، فلا يجوز الجمع بين ما فرّق الشارع ، ولا قياس ما أمر بالتقاطه على ما منع ذلك فيه.

____________________

(١) راجع : الهامش ( ١ و ٢ ) من ص ١٦٦.

(٢) المغني ٦ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

(٣) راجع : الهامش (٢) من ص ١٦٧.

(٤) المغني ٦ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

(٥) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٦) راجع : خبر زيد بن خالد الجهني في ص ١٦٥ - ١٦٦.

٢٨٩

مسألة ٣٨٥ : وهذا الحكم في الشاة وغيرها من صغار الأنعام التي لا تمتنع من صغار السباع إنّما يثبت لو وجدها في الصحراء أو في موضع مهلكة ، أمّا لو وجدها في العمران فإنّه لا يجوز له التقاطها بحالٍ.

ولا فرق بين ما يمتنع بكِبَره أو سرعة عَدْوه أو طيرانه ، وبين ما لا يمتنع كالشاة وشبهها في تحريم الأخذ من العمران - وبه قال مالك وأبو عبيد وابن المنذر(١) - لأنّه المفهوم من قولهعليه‌السلام : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٢) والذئب لا يكون في المصر.

ولعموم قولهعليه‌السلام : « الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالّون »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « سأل رجلٌ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الشاة الضالّة بالفلاة ، فقال للسائل : هي لك أو لأخيك أو للذئب » قال : « وما أُحبّ أن أمسّها »(٤) وإذا كان في موضع المخافة والهلاك وتعرّضها للذئب كره أخذها ، ناسب التحريم وجدانها في العمران.

وقال أحمد بن حنبل : لا فرق بين أن يجدها في الفلاة أو في العمران ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « خُذْها »(٥) ولم يفرّق ولم يستفصل بين وجدانها في العمران والصحاري ، ولو افترق الحال لسأل واستفصل ، ولأنّها لقطة ، فيستوي فيها المصر والصحراء ، كغيرها من اللّقطات(٦) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

(٢) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٣ ، الهامش (٢) من طريق الخاصّة.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٥.

(٥) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٦) المغني ٦ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

٢٩٠

ونمنع عدم الاستفصال ؛ لأنّه مفهوم من قولهعليه‌السلام : « أو للذئب »(١) والقياس باطل خصوصاً مع قيام الفارق.

مسألة ٣٨٦ : إذا أخذ الشاة وشبهها من صغار النَّعَم من الفلاة ، تخيّر إن شاء تملّكها وضمن على إشكال ، وإن شاء دفعها إلى الحاكم ليحفظها ، أو يبيعها ويوصل ثمنها إلى المالك ، وإن شاء حبسها أمانةً في يده لصاحبها ويُنفق عليها من ماله ، وإن شاء تصدّق بها وضمن إن لم يرض المالك بالصدقة.

وقال الشافعي : هو بالخيار بين أن يأكلها في الحال ويغرم قيمتها إذا جاء صاحبها ، وبين أن يُعرّفها سنةً ويُنفق عليها من ماله ، وبين أن يُمسكها على صاحبها ويُنفق عليها من ماله ولا يعرّفها ولا يتملّكها ، وبين أن يبيعها بإذن الإمام في الحال ويحفظ ثمنها على صاحبها(٢) .

قال ابن عبد البرّ : أجمعوا على أنّ [ آخذ ](٣) ضالّة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها ؛ لقولهعليه‌السلام : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٤) أضافها إليه بلفظة « له »(٥) المقتضية للتمليك في الحال ، وسوّى فيها بينه وبين الذئب الذي لا يستأني بأكلها ، ولأنّ في أكلها في الحال دفعاً لنقلها بالمئونة عليها والإنفاق ، وحفظاً لماليّتها على صاحبها إذا جاء أخذ قيمتها‌ بكمالها من غير نقصٍ [ فيها ](٦) وفي إبقائها تضييع للمال بالإنفاق عليها

____________________

(١) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٧ - ٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، البيان ٧ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من « الاستذكار » و « التمهيد ».

(٤) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٥) الظاهر : « لك ».

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « فيه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٩١

والغرامة في نقلها ، فكان أكلها أولى(١) .

إذا ثبت هذا ، فإذا أراد أكلها ، حفظ صفتها حتى إذا جاء صاحبها غرمها له ؛ فإنّ الغرامة تجب عليه في قول عامّة أهل العلم(٢) ، إلّا مالكاً ؛ فإنّه قال : يأكلها ولا يغرم قيمتها لصاحبها ولا يعرّفها ؛ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هي لك »(٣) ولم يوجب تعريفاً ولا غرماً ، وسوّى بينه وبين الذئب ، والذئب لا يعرّف ولا يغرم(٤) .

قال ابن عبد البرّ : لم يوافق مالكاً أحدٌ من العلماء على قوله ، وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ردّ على أخيك ضالّته » دليل على أنّ الشاة على ملك صاحبها ، ولأنّها لقطة لها قيمة وتتبعها النفس ، فتجب غرامة قيمتها لصاحبها إذا جاء ، كغيرها ، ولأنّها ملك لصاحبها ، فلم يجز تملّكها عليه بغير عوضٍ من غير رضاه ، كما لو كانت في البنيان ، ولأنّها عين يجب ردّها مع بقائها ، فوجب غرمها إذا أتلفها ، كلقطة الذهب ، وقولهعليه‌السلام : « هي لك » لا يمنع وجوب غرامتها ، فإنّه قد أذن في لقطة الذهب والورق بعد تعريفها في أكلها وإنفاقها ، وقال : « هي كسائر مالك » ثمّ قد أجمعوا على وجوب غرامتها ولم يذكره في الحديث ، فكذا الشاة ، ولا فرق بينهما في الماليّة ، فلا فرق بينهما في الغرم(٥) .

____________________

(١) الاستذكار ٢٢ : ٣٣٠ / ٣٣٠٤٠ ، التمهيد ٣ : ١٠٨ ، المغني ٦ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

(٢) المغني ٦ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

(٣) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٤) الاستذكار ٢٢ : ٣٤٣ / ٣٣١٤١ ، التمهيد ٣ : ١٢٣ و ١٢٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٦ ، البيان ٧ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، المغني ٦ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

(٥) الاستذكار ٢٢ : ٣٤٤ - ٣٤٥ / ٣٣١٤٨ - ٣٣١٥٥ ، التمهيد ٣ : ١٢٥ - ١٢٦ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٦ : ٣٩٢ - ٣٩٣ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٦٨ - ٣٦٩.

٢٩٢

مسألة ٣٨٧ : إذا اختار الملتقط للشاة في الفلاة حِفْظَها على صاحبها ، كان عليه الإنفاق عليها ؛ لأنّ بقاءها لا يتمّ بدونه ، ولأنّه قد التزم حفظها فقد ألزم نفسه بما يتوقّف حفظها عليه.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يتخيّر بين أن يتبرّع بالإنفاق عليها ولا يرجع به على مالكها ، وبين أن يرفع أمرها إلى الحاكم لينفق عليها الحاكم أو يأمره بالإنفاق عليها ليرجع به على مالكها ، ولو لم يرفع أمرها إلى الحاكم وأنفق فهو متبرّع ، كما لو أنفق على حيوان غيره مع تمكّنه من استئذانه ، فإنّ الحاكم وليّ المالك ونائب عنه مع غيبته.

ولو لم يجد حاكماً ، أشهد شاهدين بالرجوع بما يُنفقه ويرجع به ؛ لأنّه أنفق على اللّقطة لحفظها ، فكان من مال صاحبها ، كمئونة تجفيف الرطب والعنب ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، والرواية الثانية عنه : إنّه لا يرجع بشي‌ءٍ ، وبه قال الشعبي والشافعي(١) .

ولم يعجب الشعبي قضاء عمر بن عبد العزيز - في مَنْ وجد ضالّةً فلينفق عليها فإذا جاء ربّها طالبه بما أنفق - لأنّه أنفق على مال غيره بغير إذنه ، فلم يرجع به(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه محسن بالإنفاق ، فلا سبيل عليه ، وفي عدم تمكّنه من الرجوع سبيل عليه بإسقاط ماله بغير عوضٍ.

ولو لم يتمكّن من شاهدين ، فإن نوى الرجوع بما يُنفق رجع ، وإلّا فلا ، لكن لا يقضى له بقوله وادّعائه النيّة ، على إشكالٍ ينشأ : من أنّ الرجوع في النيّة إليه ، ومن أصالة براءة الذمّة.

____________________

(١ و ٢) المغني ٦ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٩.

٢٩٣

مسألة ٣٨٨ : قد ذكرنا أنّ للملتقط الخيار بين تملّكها وحفظها وبيعها ، فإذا اختار البيع جاز له ، وحفظ ثمنها.

وهل له أن يتولّى ذلك بنفسه ، أو يجب رفعها إلى الحاكم؟ الأقرب : الأوّل ، والأحوط : الثاني ، وليس شرطاً - خلافاً لبعض الشافعيّة(١) - لأنّه يجوز له أكلها بغير إذنٍ ، فبيعها أولى.

وهل يجب تعريفها؟ الأقرب : العدم ، لكن لو اختار ذلك عرّفها حولاً ، كما يعرّف اللّقطة ، ويغرم عليها النفقة إمّا من ماله أو من مال صاحبها على ما تقدّم.

وقال بعض العامّة : يجب تعريفها حولاً ؛ لأنّها لقطة لها خطر ، فوجب تعريفها ، كالمطعوم الكثير ، ولا يلزم من جواز التصرّف فيها في الحول سقوط التعريف ، كالمطعوم(٢) .

وقال آخَرون : لا يجب التعريف ؛ لقولهعليه‌السلام : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٣) ولم يأمر بتعريفها كما أمرعليه‌السلام في لقطة الذهب والورق(٤) (٥) .

والأقوى : الأوّل.

وإن أكلها ، ثبت في ذمّته قيمتها ، ولا يلزم عزلها ؛ لعدم الفائدة في ذلك ؛ لأنّها لا تنتقل عن الذمّة إلى المال المعزول.

ولو عزل شيئاً ثمّ أفلس ، كان صاحب اللّقطة أُسوة الغرماء في المال‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٧ ، البيان ٧ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٦ ، المغني ٦ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٠.

(٢) المغني ٦ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٠.

(٣ و ٤) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٥) المغني ٦ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٠.

٢٩٤

المعزول ، ولا يختصّ بصاحب اللّقطة.

ولو باعها وحفظ ثمنها ثمّ جاء صاحبها ، أخذه ، ولم يشاركه فيه أحد من الغرماء ؛ لأنّه ماله لا شي‌ء للمفلس فيه ، بخلاف ما لو تملّكها أو تملّك الثمن.

ويحتمل التخصيص ؛ لأنّ مَنْ وجد عين ماله كان أحقَّ به مع وجود سبب الانتقال منه ، فهنا أولى.

مسألة ٣٨٩ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز أخذ الشاة وشبهها في العمران ، خلافاً لأحمد(١) ، فإن أخذها لم يجز له تملّكها بحالٍ ، بل يتخيّر آخذها بين إمساكها لصاحبها أمانةً ، وعليه نفقتها من غير رجوعٍ بها ؛ لتبرّعه حيث أخذ في موضع المنع ، وبين دفعها إلى الحاكم ؛ لأنّه من المصالح.

ولو تعذّر الحاكم ، أنفق ورجع بالقيمة.

ولا فرق في ذلك بين الحيوان الممتنع وغيره.

ولو وجد شاةً في العمران ، حبسها ثلاثة أيّام ثمّ تصدّق بها عن صاحبها إن لم يأت ، أو باعها وتصدّق بثمنها.

والأقرب : إنّه يضمن.

وقد روى ابن أبي يعفور عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « جاءني رجل من أهل المدينة فسألني عن رجلٍ أصاب شاةً » قال : « فأمرتُه أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام ، ويسأل عن صاحبها ، فإن جاء صاحبها ، وإلّا باعها وتصدّق بثمنها »(٢) .

ونقل المزني عن الشافعي فيما وضعه بخطّه ولا أعلم أنّه سُمع منه :

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٦.

٢٩٥

إذا وجد الشاة أو البقرة أو الدابّة ما [ كانت ](١) بمصر أو في قريةٍ فهي لقطة ، فسوّى في البلد والقرية بين الصغير والكبير(٢) .

واختلف أصحابه.

فقال أبو إسحاق : الذي نقله المزني هو الصحيح ، ويستوي الصغير والكبير في كونها لقطةً بالمصر ؛ لأنّ الكبير لا يهتدي فيه للرعي وورود الماء ، فيكون ضائعاً ، كالصغير(٣) .

وقال الباقون : لا فرق بين المصر والصحاري ، والكبير لا يكون لقطةً ؛ لأنّ الكبير لا يضيع في البلد ولا يخفى أمره ، بخلاف الصغير(٤) .

فعلى هذا الوجه لا فرق بين الصحاري والأمصار إلّا في حكمٍ واحد ، وهو أنّ في الصحاري له أكل الصغار ؛ لأنّه يتعذّر عليه بيعها ، ولا يتعذّر ذلك في الأمصار ، فليس له أكلها.

وعلى ما نقله المزني الصغار والكبار لقطة ، وهي كالصغار في الصحاري في جواز الأكل.

وقد بيّنّا مذهبنا في ذلك.

مسألة ٣٩٠ : لا يجوز أخذ الغِزْلان واليحامير وحُمُر الوحش في الصحاري إذا مُلكت هذه الأشياء ثمّ خرجت إلى الصحراء ، وكذا باقي‌

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « ما قامت ». وبدلها في « ث ، ر ، خ » : « ما لم يثبت ». والمثبت كما في مختصر المزني.

(٢) مختصر المزني : ١٣٦ ، وراجع : الحاوي الكبير ٨ : ٢٦ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، وحلية العلماء ٥ : ٥٣٦ ، والبيان ٧ : ٤٦٤.

(٣ و ٤) البيان ٧ : ٤٦٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٨ : ٢٦ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، وحلية العلماء ٥ : ٥٣٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

٢٩٦

الصيود المستوحشة التي إذا تُركت رجعت إلى الصحراء ؛ لأنّها تمتنع بسرعة عَدْوها عن صغار السباع ، وهي مملوكة للغير ، فلا تخرج عن ملكه بالامتناع ، كما لو توحّش الأهلي.

أمّا لو خاف الواجد لها ضياعَها عن مالكها أو عجز مالكها عن استرجاعها ، فالأقوى : جواز التقاطها ؛ لأنّ تركها أضيع لها من سائر الأموال ، والمقصود حفظها لصاحبها ، لا حفظها في نفسها ، ولو كان الغرض حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان ، فإنّ الدينار محفوظ حيثما كان.

مسألة ٣٩١ : حكم البقر حكم الإبل - وبه قال الشافعي وأبو عبيد وأحمد(١) - لأنّها تمتنع عن صغار السباع ، وتجزئ في الأُضحية والهدي عن سبعةٍ ، فأشبهت الإبل.

وقال مالك : إنّ البقر كالشاة(٢) . وليس بشي‌ءٍ.

أمّا الخيل والبغال فإنّها كالإبل ؛ لأنّها تمتنع عن صغار السباع ، وبه قال الشافعي وأحمد(٣) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٣٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٥ ، البيان ٧ : ٤٥٩ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٥٠ / ٣٣١٧٥ ، المغني ٦ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥١.

(٢) الاستذكار ٢٢ : ٣٤٣ / ٣٣١٤٢ ، الذخيرة ٩ : ٩٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٢٦ - ٤٢٧ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٩ - ١٦٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٢٠٤٥ ، المغني ٦ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥١.

(٣) مختصر المزني : ١٣٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٥ ، البيان ٧ : ٤٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٣ ، روضة =

٢٩٧

وأمّا الحُمُر فإنّها كذلك أيضاً ؛ لامتناعها(١) عن صغار السباع ، ولها أجسام عظيمة ، فأشبهت البغال والخيل ، ولأنّها من الدوابّ فأشبهت البغال ، وهو أحد قولَي الحنابلة.

والثاني : إنّها كالشاة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علّل الإبلَ : بأنّ معها حذاءها وسقاءها(٢) ، يريد شدّة صبرها عن الماء ؛ لكثرة ما توعي في بطونها منه وقوّتها على وروده ، وإباحةَ ضالّة الغنم : بأنّها معرّضة لأخذ الذئب إيّاها ؛ لقوله : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٣) والحُمُر مساوية للشاة في علّتها ، فإنّها لا تمتنع من الذئب ، ومفارقة للإبل في علّتها ، فإنّها لا صبر لها عن الماء ، وإلحاق الشي‌ء بما ساواه في علّة الحكم وفارقه في الصورة أولى من إلحاقه بما فارقه في الصورة والعلّة(٤) .

مسألة ٣٩٢ : الأحجار الكبار كأحجار الطواحين ، والحباب الكبيرة وقدور النحاس العظيمة وشبهها ممّا يتحفّظ بنفسه ملحقة بالإبل في تحريم أخذه ، بل هو أولى منه ؛ لأنّ الإبل في معرض التلف إمّا بالأسد أو بالجوع أو بالعطش أو غير ذلك ، وهذه بخلاف تلك ، ولأنّ هذه الأشياء لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تخرج من مكانها ، بخلاف الحيوان ، فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه أولى.

____________________

= الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٤٦ / ٢٠٤٥ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٥٠ / ٣٣١٧٦ ، المغني ٦ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥١.

(١) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « وأمّا الحمار فإنّه كذلك أيضاً ؛ لامتناعه » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢ و ٣) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٤) المغني ٦ : ٣٩٧ - ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥١.

٢٩٨

وكذا السفن المربوطة في الشرائع المعهودة لا يجوز أخذها ، والأخشاب الموضوعة على الأرض.

أمّا السفن المحلولة الرباط السارية في الفرات وشبهها بغير ملاّحٍ فإنّها لقطة إذا لم يعرف مالكها.

مسألة ٣٩٣ : ما يوجد من الحيوان قريباً من العمران حكمه حكم الموجود في العمران ؛ للعادة القاضية بأنّ الناس يشمّرون(١) دوابّهم قريباً من عمارة البلد.

وقد تقدّم أنّ للشافعي في جواز التقاط الممتنع في المفازة قولين(٢) .

وكذا له قولان في جواز التقاطها في العمران ، أصحّهما : جواز التقاطها للتملّك ؛ لأنّها في العمران تضيع بامتداد اليد الخائنة ، بخلاف المفازة ، فإنّ طروق الناس بها لا يعمّ ، ولأنّها لا تجد ما يكفيها ، ولأنّ البهائم في العمران لا تُهمل ، وفي الصحراء قد تسرح وتُهمل ، فيحتمل أنّ صاحبها يظفر بها ولا يضلّ عنها(٣) .

وحكى بعض الشافعيّة طريقين ، أحدهما : القطع بالمنع ، والثاني : القطع بالجواز(٤) .

هذا إذا كان الزمان زمانَ أمنٍ ، أمّا في زمان النهب والفساد فيجوز‌

____________________

(١) أي : يرسلون. العين ٦ : ٢٦٢ « شمر ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، ولم نعثر فيما تقدّم على القولين للشافعي.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٦ ، البيان ٧ : ٤٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

٢٩٩

التقاطها ، سواء وُجدت في الصحاري أو العمران.

والمشهور عند الشافعيّة : إنّ ما لا يمتنع من الغنم والعجاجيل والفُصْلان يجوز أخذها للتملّك ، سواء كانت في العمران أو المفاوز(١) .

وقال بعضهم : إنّها لا تؤخذ(٢) ، كما ذهبنا نحن إليه.

فإذا وجدها في المفازة تخيّر بين أن يُمسكها ويُعرّفها ويتملّكها ، وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها ويُعرّفها ثمّ يتملّك الثمن ، وبين أن يأكلها إن كانت مأكولةً ويغرم قيمتها ، والأوّل أرجح من الثاني ، والثاني من الثالث.

قالوا : ولو وجدها في العمران ، فله الإمساك والتعريف وتملّك الثمن ، وفي الأكل قولان :

أحدهما : الجواز ، كما في الصحراء.

وأرجحهما عند أكثر الشافعيّة : المنع ؛ لسهولة البيع في العمران(٣) .

وهل يجوز تملّك الصغار ممّا لا يؤكل في الحال؟ لهم وجهان :

أحدهما : نعم ، كما يجوز أكل المأكول.

وأصحّهما عندهم : إنّه لا يجوز تملّكها حتى تُعرَّف سنةً ، كغيرها من اللّقطة(٤) .

فإذا أمسكها وأراد الرجوع بالإنفاق ، استأذن الحاكم ، فإن تعذّر أشهد ، وقد سبق(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ - ٤٦٦.

(٥) في ص ٢٩٢ ، المسألة ٣٨٧.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466