تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 320260 / تحميل: 5241
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يقول :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) (١) والفاجر ظالم.

ووجوب هذا القسم على الكفاية على ما تقدّم ، فينبغي للإمام أو نائبه اعتماد النصفة بينهم ، فلا يكرّر الغزو على قوم دون قوم.

والثاني : أن يدهم المسلمين العدوُّ ، فيجب على الأعيان عند قوم وعلى الكفاية عند آخرين ، وقد سبق(٢) .

مسألة ١٠ : قد عرفت أن ردّ السلام واجب على الكفاية على الجماعة ، وهو فرض عين على الواحد ، فابتداؤه مستحبّ. ولا يستحبّ على المصلّي عند بعض الشافعيّة ولا على مَنْ يقضي حاجته ولا في الحمّام(٣) .

ولو أجاب الجميع دفعةً واحدة ، كانوا مؤدّين فرض كفاية ، كما يلحقهم الذمّ بأجمعهم لو تركوا.

ولو تعاقبوا ، فالوجه : أن الفرض يسقط بالأوّل.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ المتأخّر يكون مؤدّياً لفرض كفاية(٤) . وليس بجيّد.

ولو سلّم على شخص أو جماعة فردّ عليه غيرهم ، لم يسقط الفرض عمّن سلّم عليه. وابتداء السلام سنّة على الكفاية.

ولو سلّم واحد من جماعة على واحد من جماعة اُخرى ، كفى ذلك

____________________

(١) هود : ١١٣.

(٢) سبق في المسألة ١.

(٣) الوجيز ٢ : ١٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣.

(٤) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. وقال الرافعي والنووي - واللفظ للأوّل - : وإن أجاب الجميع ، كانوا مؤدّين للفرض سواء أجابوا معاً أو على التعاقب.

اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٠ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٢٨.

٢١

لإقامة السنّة.

ولو سلّم في بعض الأحوال التي لا يستحبّ فيها السلام ، فالوجه : وجوب الردّ ؛ عملاً بالعموم ، خلافاً للشافعيّة(١) .

وإذا سلّم على المصلّي ، وجب عليه الجواب.

وقالت الشافعيّة : لا يجيب حتى يفرغ من الصلاة ، ويجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة(٢) .

وعندنا يجيب بمثل ما سلّم عليه ، فيقول في الجواب : السلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام.

وأمّا مَنْ يقضي الحاجة ، فالقرب منه ومكالمته بعيد عن الأدب والمروءة.

وأمّا الحمّام : فإنّه موضع التنظيف والدلك ، فلا تليق التحيّة بحالهم.

والمشغول بالأكل إن كانت اللقمة في فيه واحتاج في المضغ والبلع إلى زمان يمنعه عن الجواب ، لم يسنّ التسليم عليه ، وأمّا بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة اُخرى في فيه(٣) فلا منع.

وبعض الشافعيّة منع مطلقاً(٤) . وبعضهم سوّغه مطلقاً(٥) .

ولا يمنع المعامل وقت المعاملة والمساومة من التسليم عليه ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣ ، المغني ١ : ٧٤٧ ، التفسير الكبير ١٠ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ و ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣ ، المجموع ٤ : ١٠٣ ، المغني ١ : ٧٤٧ و ٧٤٨.

(٣) في « ق » : فمه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ - ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣.

٢٢

أغلب أحوال الناس ذلك.

ولا بدّ في السلام وجوابه من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع.

وصيغته : السلام عليكم. ويقوم مقامه : سلام عليكم. ولو قال : عليكم السلام ، لم يكن مسلماً ، إنّما هي صيغة جواب. ويراعى صيغة الجمع وإن كان السلام على واحد خطاباً له. ولو أخلّ بصيغة الجمع ، حصل أصل السنّة.

وصيغة الجواب : وعليكم السلام. ولو قال : وعليك السلام ، للواحد ، جاز. ولو ترك حرف العطف وقال : عليكم السلام ، فهو جواب ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) .

ولو تلاقى اثنان فسلّم كلّ واحد منهما على الآخر ، وجب على كلّ واحد منهما جواب الآخر ، ولا يحصل الجواب بالسلام وإن ترتّب السلامان.

ولو قال المجيب : وعليك ، ففي كونه جواباً نظر من حيث إنّه لا تعرّض للسلام فيه ، ومن حيث إنّه يكون جواباً للعطف ورجوعاً إلى قول : السلام. ولو قال : عليكم ، لم يكن جواباً.

وكمال السلام أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكمال الجواب أن يقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وينبغي أن يكون الجواب متّصلاً بالسلام ليعدّ جواباً له ، كما في قبول الإيجاب في العقود.

ولو ناداه من وراء ستر أو حائط وقال : السلام عليكم يا فلان ، أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٩.

٢٣

كتب كتاباً وسلّم فيه عليه ، أو أرسل رسولاً فقال : سلِّم على فلان ، فبلغه الكتاب والرسالة ، قال بعض الشافعية : يجب عليه الجواب ؛ لأنّ تحيّة الغائب إنّما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة ، وقد قال تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) (١) الآية(٢) .

والوجه أنّه إن سمع النداء ، وجب الجواب ، وإلّا فلا.

وما يعتاده الناس من السلام عند القيام ومفارقة الجماعة دعاء لا تحيّة يستحبّ الجواب عنه ولا يجب.

ويكره أن يخصّ طائفة من الجمع بالسلام. ولو سلّم عليه جماعةٌ فقال : وعليكم السلام ، وقصد الردّ عليهم جميعاً ، جاز ، وسقط الفرض في حقّ الجميع.

ويستحبّ أن يسلّم الراكب على الماشي ، والقائم على الجالس ، والطائفة القليلة على الكثيرة. ولا يكره أن يبتدئ الماشي والجالس.

ولو سلّم على الأصمّ ، أتى باللفظ ؛ لقدرته عليه ، وأشار باليد ليحصل الإفهام. ولو لم يضمّ الإشارة ، لم يستحقّ الجواب. وكذا في جواب الأصمّ ينبغي أن يجمع بين اللفظ والإشارة.

وسلام الأخرس بالإشارة معتدّ به ، وكذا ردّه السلام.

ولا يجب على الصبي ردّ السلام ؛ لأنّه ليس مكلّفاً. ولو سلّم على جماعة فيهم صبي فردّ الصبي ، لم يسقط الفرض بجوابه. ولو سلّم الصبي ،

____________________

(١) النساء : ٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٨ ، الأذكار - للنووي - : ٢٦١ ، التفسير الكبير ١٠ : ٢١٥.

٢٤

فالأقرب وجوب الردّ عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

وسلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال. ولو سلّم رجل على امرأة أو بالعكس ، فإن كان بينهما زوجيّة أو محرميّة أو كانت عجوزاً خارجةً عن مظنّة الفتنة ، ثبت استحقاق الجواب ، وإلّا فلا.

ويستحبّ لمن دخل دار نفسه أن يسلّم على أهله. وكذا مَنْ دخل مسجداً أو بيتاً لا أحد فيه يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ولا يسلّم على أهل الذمّة ابتداء. ولو سلّم عليه ذمّيّ أو من لم يعرفه فبان ذمّيّا ، ردّ بغير السلام بأن يقول : هداك الله ، أو : أنعم الله صباحك ، أو : أطال الله بقاءك. ولو ردّ بالسلام ، لم يزد في الجواب على قوله : وعليك.

والتحيّة بتقبيل اليد وانحناء الظهر لا أصل له في الشرع ، لكن لا يمنع الذمّيّ من تعظيم المسلّم بهما. ولا يكره التعظيم بهما لزهد وعلم وكبر سنٍّ. وروي أنّ أعرابيّاً قعد عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستحسن كلامه ، فاستأذنه في أن يقبّل وجهه ، فأذن له ، ثمّ استأذن في أنّ(٢) يقبّل يده ، فأذن له ، ثمّ استأذنه في أن يسجد له ، فلم يأذن له(٣) .

وتستحبّ المصافحة.

ويكره للداخل أن يطمع في قيام القوم لكن يستحبّ لهم أن يكرموه.

والأقرب : جواز السلام بالفارسيّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣١.

(٢) في الطبعة الحجرية : ثم استأذنه إن.

(٣) أورده - كما في المتن - الرافعي في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٥ ، ورواه الحاكم في المستدرك ٤ : ١٧٢ ، وأبو نعيم في دلائل النبوّة ٢ : ٥٠٢ - ٥٠٣ / ٢٩١ نحوه.

٢٥

مسألة ١١ : روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « حقّ المؤمن على المؤمن ستّ : أن يسلّم عليه إذا لقيه ، وأن يجيبه إذا دعاه ، وأن يسمّته إذا عطس ، وأن يعوده إذا مرض ، وأن يشيّع جنازته إذا مات ، وأن لا يظنّ فيه إلّا خيراً »(١) .

واستحباب التسميت على الكفاية. وإنّما يستحبّ إذا قال العاطس : الحمد لله ، فيقول المسمّت له : يرحمك الله ، أو ما شابهه. ويكرّر التسميت إذا تكرّر العطس إلّا أن يكون لمرض ، فيقول : عافاك الله.

ويستحبّ للعاطس أن يجيبه ، فيقول : يغفر الله لك ، وشبهه. ولا يجب الجواب هنا ، بخلاف ردّ السلام ؛ لأنّ التسميت إنّما هو للعاطس ولا عطاس بالمسمّت ، والتحيّة تشمل الطرفين.

وتستحبّ زيارة القادم ومعانقته ؛ فإنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عانق جعفراً -رحمه‌الله - لمـّا قدم من الحبشة(٢) .

مسألة ١٢ : يسقط فرض الجهاد بالعجز ، وهو قسمان‌ : حسّيٌّ ، كالمرض والفقر والصبا والجنون والاُنوثة والعرج المانع من المشي‌ سواء قدر على الركوب أو لا ؛ لأنّ الدابّة قد تهلك.

وللشافعيّة وجه : أنّ العرج لا يؤثّر في حقّ الراكب مع قدرته على الركوب(٣) . وليس بشي‌ء.

ولا فرق بين أن يكون العرج في رِجْل واحدة أو في الرِّجْلين معاً.

____________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٦١٦ - ٦١٧ / ٨٠٧٢ ، شعب الإيمان - للبيهقي - ٦ : ٤٢٥ / ٨٧٥٣ بتفاوت.

(٢) أُسد الغابة ١ : ٢٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

٢٦

وقال أبو حنيفة : لا أثر للعرج في رِجْل واحدة(١) .

ولا جهاد على الأقطع والأشلّ ؛ لعدم تمكّنهما من الضرب والاتّقاء. ومفقود معظم الأصابع كالأقطع

ولا يسقط عن الأعشى وضعيف البصر إذا كان يدرك الشخص ويمكنه أن يتّقي السلاح.

ويسقط عن الفقير ، وهو الذي لا يجد ما ينفق في طريقه ذهاباً وعوداً ولا ما يركب عليه.

ويشترط نفقة أهله وعياله ذهاباً وعوداً. ومَنْ لا أهل له ولا عشيرة يشترط في حقّه نفقة الإياب أيضاً.

وقال بعض الشافعيّة : لا يشترط ؛ لأنّ سفر الغزو سفر الموت(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ الغالب في الظنّ الإياب ، ولأنّ وجود ذلك معه يوجب له نشاطا وقوّة.

ولو كان القتال على رأس البلد أو قريباً منه ، لم يشترط نفقة الطريق.

ويجب اشتراط الراحلة مع الحاجة. ويجب أن يكون جميع ذلك فاضلاً عن نفقة مَنْ تلزمه نفقته.

ولا يشترط أمن الطريق من طلائع الكفّار ؛ لأنّا مأمورون بقتالهم.

ولو كان(٣) من متلصّصي المسلمين ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّه يمنع الوجوب ، كما في الحجّ ، وأصحّهما : أنّه لا يمنع ، لأنّ قتال المتلصّص أهمّ وأولى(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

(٣) أي الخوف.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

٢٧

ولو بُذل للفقير ما يحتاج إليه ، لم يجب القبول إلّا أن يكون الباذل الإمامَ ، فعليه أن يقبل ويجاهد ؛ لأنّ ما يأخذه من الإمام حقّه.

والذمّي لا يكلّف الخروج إلّا مع الحاجة ؛ لأنّه بذل الجزية لنذبَّ عنه لا ليذبّ عنّا.

القسم الثاني : المانع الشرعي مع القدرة. وأقسامه ثلاثة :

الأوّل : الرقّ ، فلا يجب على العبد وإن أمره سيّده بذلك ؛ لأنّه ليس من أهل الجهاد ، والملك لا يقتضي التعرّض للهلاك ، وليس القتال من الاستخدام المستحقّ للسيّد على العبد ، ولا يلزمه الذبّ عن سيّده عند الخوف على روحه إذا لم يجب الدفع عن الغير ، بل السيّد في ذلك كالأجانب. نعم ، للسيّد استصحابه في سفر الجهاد وغيره ليخدمه ويسوس دوابَّه ويحفظ متاعه.

والمدبَّر والمكاتب والمتحرّر بعضه كالقِنّ.

الثاني : الدَّيْنُ ، فلا يجب على مَنْ عليه دَيْنٌ حالّ لمسلم أو ذمّي الخروجُ إلى الجهاد مع قدرته على الدَّيْن إلّا بإذن ربّ الدَّيْن. وله منعه منه ؛ لأنّ مطالبته تتوجّه عليه ، والحبسُ إن امتنع من أدائه ، ولأنّ الدَّيْن فرض متعيَّن عليه ، فلا يترك بفرض الكفاية.

ولو كان معسراً ، فالوجه : أنّه ليس له منعه من الجهاد ؛ لأنّه لا مطالبة له عليه في الحال ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، ومذهب مالك. والثاني : المنع ؛ لأنّه يرجو اليسار فيؤدّي وفي الجهاد خطر الهلاك(١) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٨ - ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٦.

٢٨

ولو استناب المديون مَنْ يقضي الدَّيْن من مال حاضرٍ ، فله الخروج ؛ لأنّ صاحب الدَّيْن يصل إلى حقّه في الحال ، أمّا لو أمره بالقضاء من مال غائبٍ ، فإنّه لا يجوز له الخروج بغير إذنه ؛ لأنّه قد لا يصل إليه.

وإذا أذن ربّ المال في الخروج ، جاز له ، ولحق بأصحاب فرض الكفاية ، وهو أحد قولي الشافعيّة(١) .

ولو كان الدَّيْن مؤجّلاً ، فليس لصاحبه منعه من الخروج ، كما ليس له منعه من الأسفار ، وهو أحد قولي الشافعيّة وقول مالك. والثاني : أنّ له منعه - وبه قال أحمد - لأنّ الجهاد يقصد فيه الشهادة التي تفوت بها النفس ، فيفوت الحقّ بفواتها(٢) .

وروي أنّ رجلاً جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله إن قُتلت في سبيل الله صابراً محتسباً يكفَّر عنّي خطاياي؟ قال : « نعم ، إلّا الدّيْن ، فإنّ جبرئيل قال لي ذلك »(٣) .

وفوات النفس غير معلوم ، ولا دلالة في الحديث على المطلوب.

وللشافعيّة طريقة اُخرى هي أنّه إن لم يخلِّف وفاءً ، فليس له الخروج إلّا بإذن ربّ الدِّيْن ، وإن خلَّف ، فوجهان ؛ لأنّه قد يتلف ولا يصل إلى ربّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٤٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ٤ : ٥٤٩ ، و ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٤ - ٤٩٥ و ١٠ : ٣٧٦.

(٣) الموطأ ٢ : ٤٦١ / ٣١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥٠١ / ١٨٨٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٢١٢ / ١٧١٢ ، سنن النسائي ٦ : ٣٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٥ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٣ / ٢٢٠٣٦ و ٤١٢ / ٢٢٠٧٩ و ٤١٩ - ٤٢٠ / ٢٢١٢٠ بتفاوت.

٢٩

الدَّيْن(١) .

ولبعضهم وجه آخر : إن كان الأجل يدوم إلى أن يرجع ، فلا منع ، وإن كان يحلّ قبل أن يرجع ، فوجهان(٢) .

وهل ركوب البحر كسفر الجهاد؟ قال بعض الشافعيّة : نعم ؛ لخطره(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ راكب البحر يغلب السلامة ويطلب الغنيمة ، والغازي يعرّض نفسه للشهادة.

الثالث : الاُبوّة ، فمَنْ كان له أبوان مسلمان أو أحدهما ليس له الجهاد إلّا بإذنهما أو بإذن الحيّ منهما ، سواء الأب والاُمّ في ذلك ، وهو قول عامّة أهل العلم(٤) ؛ لما رواه ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله أجاهد؟ فقال : « ألك أبوان؟ » قال : نعم ، قال : « ففيهما فجاهد »(٥) .

وفي رواية : جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويّ يبكيان ، قال :

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٤) الوجيز ٢ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٨١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٩٨ ، المغني ١٠ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٧.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧ / ٢٥٢٩ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ - ٣٧٧ ، ونحوه في سنن الترمذي ٤ : ١٩١ - ١٩٢ / ١٦٧١ ، وفيها عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وقال صاحب المغني بعد نقل هذا الحديث : وعن ابن عباس عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مثله. وقال صاحب الشرح الكبير : وروى ابن عباس نحوه.

وكذا قال الترمذي في ذيل الحديث المزبور : وفي الباب عن ابن عباس.

٣٠

« ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما »(١) .

وهاجر رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هل لك باليمن أحد؟ » قال : نعم ، أبواي ، قال : « أذنا لك؟ » قال : لا ، قال : « فارجع فاستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد ، وإلّا فبرّهما »(٢) .

ولأنّ الجهاد فرض كفاية وبرّ الوالدين فرض عين ، فيقدّم وهو بشرط الإسلام.

ولو كانا مشركين أو الحيّ منهما ، لم يفتقر إلى إذنهما - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - للتهمة الظاهرة بالميل إلى ملّته في الكفر ، وكان ولد عبد الله بن أبيّ بن سلول يغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعلومٌ أنّ أباه كان يكره ذلك ، فإنّه كان يخذل الأجانب ويمنعهم عن الجهاد(٤) ، وكذا أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يجاهدون وفيهم مَنْ له أبوان كافران من غير استئذانهما ، منهم أبو بكر ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بَدْر وأبوه رئيس المشركين يومئذٍ قُتل ببَدْر ، وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد فأنزل الله تعالى :( لا تَجِدُ قَوْماً ) (٥) (٦) الآية.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧ / ٢٥٢٨ ، سنن النسائي ٧ : ١٤٣ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣٤٢ / ٦٤٥٤ و ٤٠٠ / ٦٧٩٤.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧ - ١٨ / ٢٥٣٠ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٣١ / ٢٣٣٤ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣.

(٥) المجادلة : ٢٢.

(٦) أسباب النزول - للنيسابوري - : ٢٣٦ ، التفسير الكبير ٢٩ : ٢٧٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١٧ : ٣٠٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

٣١

وقال الثوري : ولا يغزو إلّا بإذنهما ؛ لعموم الأخبار(١) . وهو مخصوص بما قلناه.

فروع :

أ - لو كان أبواه رقيقين ، فعموم كلام الشيخ(٢) يقتضي اعتبار إذنهما ؛ للعموم ، ولأنّهما مسلمان فأشبها الحُرّين.

ويحتمل عدم اعتبار إذنهما ؛ لانتفاء ولايتهما.

ب - لو كانا مجنونين ، فلا عبرة بإذنهما.

ج - هل الجدّان كالأبوين؟ الأقرب ذلك. وللشافعيّة وجهان(٣) .

ولو كانا مع الأبوين ، ففي اشتراط إذن الجدّ مع الأب والجدّة مع الاُمّ إشكال ينشأ من أنّ القريب يحجب البعيد ، ومن أنّ البرّ إلى البعيد لا يخصّ بحالة فقدان القريب.

د - لو تعيّن الجهاد عليه ، لم يعتبر إذن الأبوين ولا غيرهما من أصحاب الدَّيْن والسيّد ، وكذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها ، كالصلاة والحجّ ؛ لأنّه عبادة تعيّنت عليه ، فلا يعتبر إذن الأبوين فيها ، وقال تعالى :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٤) ولم يشترط إذن الأبوين.

ه - لو أذن أبواه في الغزو وشرطا عليه ترك القتال فحضر ، تعيّن عليه وسقط شرطهما - وبه قال الأوزاعي وأحمد وابن المنذر(٥) - لأنّه صار‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) المغني ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٩.

٣٢

واجباً ، فلم يبق لهما في تركه طاعة.

ولو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ثمّ بدا له الرجوع ، لم يجز له ذلك.

و - ليس للأبوين المنع من سفر الحجّ الواجب ؛ لأنّه على الفور ، وليس الخوف فيه كالخوف في الغزو.

وللشافعي قولٌ إنّ لهما المنع ؛ لأنّ الحجّ على التراخي وبرّ الوالدين على الفور(١) . والصغرى ممنوعة.

وكذا ليس لهما المنع من سفره في طلب العلم الواجب عليه ، ولا يجب عليه استئذانهما كالحجّ.

ولو كان فرضَ كفاية بأن خرج طالباً لدرجة الفتوى وفي بلده مَنْ يشتغل بالفتوى ، احتمل أنّ لهما المنع ؛ لتعيّن البرّ عليه ، وعدمه ؛ لبُعْد الحَجْر على المكلّف وحبسه.

ولو لم يكن هناك مَنْ يشتغل بالفتوى لكن خرج مع جماعة لذلك ، فالأقرب عدم الاحتياج إلى الإذن ؛ لأنّه لم يوجد في الحال من يقوم بالغرض ، والخارجون معه قد لا يحصل لهم المقصود. ولو لم يخرج معه أحد ، لم يفتقر إلى الإذن ؛ لأنّه يؤدّي فرضاً ، كما لو خرج لغزو تعيّن عليه.

ولو أمكنه التعلّم في بلده ، فإن توقّع في سفره زيادة فراغٍ أو إرشاد اُستاذٍ ، احتمل عدم افتقاره إلى الإذن.

وأمّا سفر التجارة : فإن كان قصيراً ، لم يمنع منه ، وإن كان طويلاً وفيه خوف ، اشترط إذنهما ، وإلّا احتمل ذلك تحرّزاً من تأذّيهما. ولأنّ لهما منعه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، المجموع ٨ : ٣٤٩.

٣٣

من حجّة التطوّع مع أنّه عبادة فيكون منعهما من المباح أولى ، وعدمه ؛ لأنّه بامتناعه ينقطع عن معاشه ويضطرب أمره.

والأقرب : أنّ الأب الكافر كالمسلم في هذه الأسفار ، بخلاف سفر الجهاد [ ولا فرق بين الحرّ](١) والرقيق ، لشمول معنى البرّ والشفقة.

ز - لو خرج للجهاد بإذن صاحب الدَّيْن أو الأبوين ثمّ رجعوا‌ أو كان الأبوان كافرين فأسلما بعد خروجه من غير إذنٍ وعلم بالحال ، فإن لم يشرع في القتال ولم يحضر الرفقة(٢) بَعْدُ ، فإنّه ينصرف إلّا إذا خاف على نفسه أو ماله أو خاف من انصرافه كسر المسلمين.

ولو لم يمكنه الانصراف ؛ للخوف وأمكنه الإقامة في قرية في الطريق إلى أن يرجع جيش المسلمين ، لزمه أن يقيم ؛ لأنّ غرض الراجعين عن الإذن أن لا يقاتل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة، والثاني : عدم الوجوب ؛ لما يناله من وحشة مفارقة الرفقة وإبطال أُهبة الجهاد عليه(٣) .

ولو كان الرجوع بعد الشروع في القتال ، احتمل وجوب الرجوع ؛ لأنّ حقّ الراجعين عن الإذن أولى بالرعاية ؛ لأنّه فرض عين والجهاد فرض كفاية ، ولأنّ حقّهم أسبق ، ولأنّ حقّ الآدمي مبني على المضايقة ، فهو أولى بالمحافظة ، وعدمه ، لوجوب الثبات على مَنْ حضر القتال ؛ لقوله تعالى:( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (٤) ولأنّه ربما يكسر قلوب المسلمين ويشوّش الجهاد.

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) كذا ، ولعلّها : ولم يحضر الوقعة. كما يأتي نظيرها.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٤) الأنفال : ٤٥.

٣٤

وللشافعي قولان(١) . ولبعض أصحابه فرقُ بين رجوع الأبوين وصاحب الدَّيْن ؛ لعظم شأن الدَّين والاحتياط للمظالم(٢) .

ح - مَنْ شُرط عليه الاستئذان إذا خرج بغير إذنٍ ، لزمه الانصراف ما لم يشرع في القتال ؛ لأنّ سفره معصية ، إلّا أن يخاف على نفسه أو ماله ، فإن شرع في القتال ، فللشافعية وجهان(٣) . وهذه الصورة أولى بوجوب الانصراف ؛ لأنّ ابتداء الخروج كان معصيةً.

ولو خرج العبد بغير إذن سيّده ، لزمه الرجوع ما لم يحضر الواقعة ، فإن حضر ، فللشافعية قولان(٤) .

ولو مرض الحُرّ بعد خروجه أو عرج أو فني زادهُ أو هلكت دابّته ، تخيّر بين الانصراف والمضيّ ما لم يحضر الوقعة.

ولو حضر الوقعة ، لزمه الثبات ؛ للآية(٥) ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : أنّه يجوز الرجوع ؛ لعدم تمكّنه من القتال(٦) .

والوجه أن يقال : إن كان الانصراف لا يورث إعلالاً وتخاذلاً في الجند ، جاز ، وإلّا فلا.

ولو أمكنه القتال راجلاً بعد موت الدابّة في الوقعة ، وجب ، وإلّا فلا. وكذا إذا انقطع سلاحه وانكسر في الواقعة وأمكنه القتال بالحجارة ، وجب ، وإلّا فلا.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٤٥ - ٦٤٦.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٥) الأنفال : ٤٥.

(٦) حلية العلماء ٧ : ٦٤٥ ، العزى شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

٣٥

وحيث سوّغنا الانصراف لرجوع ربّ الدَّيْن أو الأبوين عن الإذن أو لمرض ونحوه ، ليس للسلطان منعه منه إلّا أن يتّفق ذلك لجماعة وكان يخاف من انصرافهم الخلل في المسلمين.

ولو انصراف لذهاب نفقة أو هلاك دابة ثمّ قدر على النفقة والدابّة في بلاد الكفر ، فعليه أن يرجع إلى المجاهدين. وإن كان قد فارق بلاد الكفر ، قال الشافعي : لم يلزمه الرجوع إليهم(١) .

ولو خرج للجهاد وبه عذر من مرض وغيره ثمّ زال عذره وصار من أهل فرض الجهاد ، لم يجز له الرجوع عن الغزو. وكذا لو حدث العذر وزال قبل أن ينصرف.

ط - مَنْ شرع في القتال ولا عذر له تلزمه المصابرة ، ويحرم الانصراف ؛ لما فيه من التخذيل وكسر قلوب المجاهدين.

وطالب العلم إذا اشتغل بالتعلّم وآنس الرشد من نفسه ، هل يحرم عليه الرجوع؟ يحتمل ذلك ؛ لأنّه فرض كفاية شرع فيه فيلزمه بالشروع.

والأقرب : المنع ؛ لأنّ الشروع لا يغيّر حكم المشروع فيه ، بخلاف الجهاد ؛ لأنّ في الرجوع تخذيلَ المجاهدين وكسْرَ قلوبهم ، وترك التعلّم ليس فيه ذلك. ولأنّ كلّ مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها ، وليست العلوم كالخصلة الواحدة ، بخلاف الجهاد.

وفي وجوب إتمام صلاة الجنازة بالشروع وجهان(٢) ، أحدهما :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٢) هذان الوجهانأيضاً للشافعيّة . اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤١٦.

٣٦

عدمه ، كالشروع في التطوّع لا يلزم به إتمامه و [ ثانيهما ] : وجوبه ؛ لأنّ الصلاة كالخصلة الواحدة ، ولما في الرجوع من هتك حرمة الميّت.

مسألة ١٣ : العلم إمّا فرض عين أو فرض كفاية أو مستحبّ أو حرام.

فالأوّل : العلم بإثبات الصانع تعالى‌ وصفاته وما يجب له ويمتنع عليه ، ونبوّة نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وثبوت عصمته وإمامة مَنْ تجب إمامته وما يجب له ويمتنع عليه ، والمعاد. ولا يكفي في ذلك التقليد ، بل لا بدّ من العلم المستند إلى الأدلّة والبراهين.

ولا يجب على الأعيان دفع الشبهات فيها ، وذلك إنّما يتمّ بعلم الكلام.

وقالت الشافعية : العلم المترجم بعلم الكلام ليس بفرض عين ، وما كان الصحابة يشتغلون به(١) .

والثاني : العلم بالفقه وفروع الأحكام ، وعلم اُصول الفقه وكيفيّة الاستدلال والبراهين(٢) ، والنحو واللغة والتصريف ، والتعمّق في اُصول الدين بحيث يقتدر على دفع شبه المـُبْطلين والقيام بجواب الشبه وردّ العقائد الفاسدة ، وعلم اُصول الفقه(٣) ، وعلم الحديث ومعرفة الرجال بالعدالة وضدّها ، والانتهاء في معرفة الأحكام إلى أن يصلح للإفتاء والقضاء. ولا يكفي المفتي الواحد في البلد ؛ لعسر مراجعته على جميع الناس. وعلم الطبّ ؛ للحاجة إليه في المعالجة ، وعلم الحساب ؛ للاحتياج إليه في المعاملات وقسم الوصايا والمواريث. ومَنْ حصل له شبهة ، وجب عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٥.

(٢) كذا ، ولعلّها : كيفيّة الاستدلال بالبراهين.

(٣) كذا ، حيث ذكره آنفاً.

٣٧

السعي في حلّها.

والمستحب : الزيادة على ما يجب على الكفاية في كلّ علم.

والحرام : ما اشتمل على وجه قبحٍ ، كعلم الفلسفة لغير النقض ، وعلم الموسيقى وغير ذلك ممّا نهى الشرع عن تعلّمه ، كالسحر ، وعلم القيافة والكهانة وغيرها.

مسألة ١٤ : قد عرفت أنّ من شرط الجهاد دعاء الإمام العادل إليه.

ولو كان الجهاد للدفع ، وجب مطلقاً ، سواء كان هناك إمام أو لا.

ولو كان الإمام جائراً ، جاز القيام معه إذا قصد الدفع عن نفسه وعن المؤمنين ، كما لو كان المسلم في دار الكفّار بأمان ودَهَمهم عدوٌّ خشي على نفسه ، وجب عليه مساعدتهم في دفعه ؛ لما رواه طلحة بن زيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قومٌ آخرون ، قال : « على المسلم أن يمنع عن نفسه وماله ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله ، وأمّا أن يقاتل الكفّار على حكم الجور وسنّتهم(١) فلا يحلّ له ذلك »(٢) .

وكذا كلّ مَنْ خاف على نفسه يجب عليه الجهاد.

ومَنْ خاف على ماله يجوز له الجهاد إذا غلب السلامة.

مسألة ١٥ : لا يجب على مَنْ وجب عليه الجهاد إيقاعه مباشرةً إلّا أن يعيّنه الإمام للخروج ، فتحرم عليه الاستنابة باُجرة وغيرها ، ولا يجوز له حينئذٍ أن يغزو بجُعْلٍ ، فإن أخذ جُعْلاً ، ردّه على صاحبه. ولو لم يعيّنه ، لم تجب المباشرة بل يجوز أن يستنيب غيره بإجارة أو غيرها ، وتكون‌

____________________

(١) في « ق ، ك » : سبيهم.

(٢) التهذيب ٦ : ١٣٥ - ١٣٦ / ٢٢٩ بتفاوت يسير.

٣٨

الاجارة صحيحةً ، ولا يلزم المستأجر ردّ الاُجرة ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ جهّز غازياً كان له كمثل أجره »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام سُئل عن الاجعال للغزو ، فقال : لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل ويأخذ منه الجُعْل »(٢) .

ولأنّ الضرورة قد تدعو إليه ، فكان سائغاً كغيره.

وقال الشافعي : لا تنعقد الإجارة ، ويجب عليه ردّ الاُجرة إلى صاحبها ؛ لتعيّن الجهاد عليه بحضوره الصف ، فلا يجوز أخذ الاُجرة عليه(٣) .

وينتقض بالحجّ ؛ فإنّه إذا حضر مكة ، تعيّن عليه الإحرام ، ومع هذا جاز أن يقع الإحرام المتعيّن عليه عن غيره ، فكذا هنا.

وقال عطاء ومجاهد وسعيد بن المسيّب : مَنْ اُعطي شيئاً من المال يستعين به في الغزو ، فإن اُعطي لغزوة بعينها فما فضل بعد الغزو فهو له ؛ لأنّه أعطاه على سبيل الإعانة والنفقة لا على سبيل الإجارة ، فكان الفاضل له(٤) .

وإن أعطاه شيئاً لينفقه في الجهاد مطلقاً ففضل منه فضل ، أنفقه في جهاد آخر ؛ لأنّه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة ، فلزمه إنفاق الجميع فيها.

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٢ / ٢٧٥٩.

(٢) التهذيب ٦ : ١٧٣ / ٣٣٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢٨ ، الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢ ، المغني ١٠ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٢.

(٤) المغني ١٠ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٥.

٣٩

وإذا اُعطي شيئاً ليستعين به في الغزو ، لا يترك لأهله منه شيئاً.

قال أحمد : لأنّه ليس يملكه إلّا أن يصير إلى رأس مغزاة فيكون كهيئة ماله فيبعث إلى عياله منه ، ولا يتصرّف فيه قبل الخروج لئلّا يتخلّف عن الغزو فلا يكون مستحقّاً لما أنفقه إلّا أن يشتري منه سلاحاً أو آلة غزو(١) .

وإذا حمل رجلاً على دابّة غازية ، فإذا رجع من الغزو ، فهي له ، إلّا أن يقول : هي حبس ، فلا يجوز بيعها إلّا مع عدم صلاحيتها للغزو ، فتباع وتجعل في حبس آخر.

قال أحمد : وكذلك المسجد إذا ضاق بأهله أو كان في مكان لا ينتفع به ، جاز بيعه وجعل ثمنه في مكان ينتفع به ، وكذا الاُضحية إذا أبدلها بخير منها(٢) .

ولو أعطاه إيّاها ليغزو عليها ، فإذا غزا عليها ، قال أحمد : ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه ، ويصنع بثمنها ما شاء(٣) .

وكان مالك لا يرى أن ينتفع بثمنها في غير الغزو(٤) .

وليس للغازي أن يركب دوابّ السبيل في حوائجه ، بل يركبها ويستعملها في الغزو.

وسهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه.

وكره بعضهم إنزاء الفرس الحبيس(٥) .

ولا يباع الفرس الحبيس إلّا من علّة ، إذا عطب يصير للطحن ،

____________________

(١) المغني ١٠ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٥.

(٢) المغني : ١٠ : ٣٩١.

(٣) المغني ١٠ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٦.

(٤) المغني ١٠ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٦.

(٥) المغني ١٠ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٧.

٤٠

ويصرف ثمنه في مثله أو ينفق ثمنه على الدوابّ الحبيس.

ولا يجوز لمن وجب عليه الجهاد بتعيين الإمام أو بنذر المباشرة أن يجاهد عن غيره بجُعْلٍ ، فإن فعل وقع عنه ووجب عليه ردّ الجُعْل إلى صاحبه.

قال الشيخرحمه‌الله : للنائب ثواب الجهاد وللمستأجر ثواب النفقة ، وأمّا ما يأخذه أهل الديوان من الأرزاق فليس اُجرةً ، بل يجاهدون لأنفسهم ويأخذون حقّاً جعله الله لهم ، فإن كانوا أرصدوا أنفسهم للقتال وأقاموا في الثغور ، فهم أهل الفي‌ء لهم سهم من الفي‌ء يدفع إليهم ، وإن كانوا مقيمين في بلادهم يغزون إذا خيفوا(١) ، فهُمْ أهل الصدقات يدفع إليهم سهم منها(٢) .

وتستحبّ إعانة المجاهدين ، وفي مساعدتهم فضلٌ عظيم من السلطان والعوام وكلّ أحد.

روى الباقرعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « مَنْ بلّغ رسالة غازٍ كان كمن أعتق رقبةً وهو شريكه »(٣) .

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : إذا خفوا. وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧.

(٣) التهذيب ٦ : ١٢٣ / ٢١٤.

٤١

الفصل الثاني

فيمن يجب جهاده ، وكيفية الجهاد‌

وفيه مباحث :

الأوّل : من يجب جهاده.

مسألة ١٦ : الذين يجب جهادهم قسمان : مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام وبغوا عليه ، وكفّار ، وهُمْ قسمان : أهل كتاب أو شبهة كتاب ، كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أصناف الكفّار ، كالدهرية وعُبّاد الأوثان والنيران ، ومنكري ما يُعلم ثبوته من الدين ضرورةً ، كالفلاسفة وغيرهم.

قال الله تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (١) وقال تعالى :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٢) وقال تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٣) وقال :( فَضَرْبَ الرِّقابِ ) (٤) . دلّت هذه الآيات على وجوب جهاد الأصناف السابقة.

____________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) التوبة : ٥.

(٤) محمد : ٤.

٤٢

وروى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ أعطى إماماً صفقة(١) يده وثمرة قلبه فليطعه(٢) ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »(٣) .

وكانعليه‌السلام يقول لمن يبعثه على جيش أو سريّة : « إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيّتهم(٤) أجابوك إليها فاقبل منهم وكفّ عنهم : ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم ، فإن هُمْ أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « بعث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها ) ، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها ، فيومئذٍ( لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) (٦) ، وسيف منها مكفوف ، وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا ، فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة : فسيف على مشركي العرب ، قال الله تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ

____________________

(١) في المصادر : ( مَنْ بايع إماماً فأعطاه صفقة ).

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : فليعطه. وهو تصحيف. وما أثبتناه كما في المصادر.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٤٧٣ / ١٨٤٤ ، سنن النسائي ٧ : ١٥٣ - ١٥٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٧ / ٣٩٥٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣٤٤ / ٦٤٦٧.

(٤) كذا ، وفي صحيح مسلم : « فأيّتهنّ ما » وكذا في المغني - لابن قدامة - إلّا أنّه ليس فيه كلمة « ما » ، وفي سنن أبي داوُد : « فأيّتها ».

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ ، والخبر فيها ورد مفصّلاً ، وفي المغني ١٠ : ٣٨٠ كما في المتن.

(٦) الأنعام : ١٥٨.

٤٣

وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) فهؤلاء لا يُقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام ، والسيف الثاني على أهل الذمّة ، قال الله تعالى :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) الآية ، فهؤلاء لا يُقبل منهم إلّا الجزية أو القتل ، والسيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك والخزر والديلم ، قال الله تعالى :( فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ ) (٣) فهؤلاء لا يُقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام ، ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب ، وأمّا السيف المكفوف على أهل البغي والتأويل ، قال الله تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما - إلى قوله -حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٤) فلمـّا نزلت هذه الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ منكم مَنْ يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من هو؟ قال : هو خاصف النعل - يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام - قال عمّار بن ياسر : قاتلت بهذه(٥) الراية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا(٦) السعفات من هَجَر(٧) لعلمنا أنّا على الحقّ وأنّهم على الباطل »(٨) الحديث.

مسألة ١٧ : كلّ مَنْ يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور إليهم‌

____________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) سورة محمّد : ٤.

(٤) الحجرات : ٩.

(٥) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : هذه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : يبلغونا. وما أثبتناه من المصدر.

(٧) هَجَر : بلدة باليمن ، واسم لجميع أرض البحرين. القاموس المحيط ٢ : ١٥٨ « هجر ».

(٨) التهذيب ٦ : ١٣٦ - ١٣٧ / ٢٣٠.

٤٤

إمّا لكفّهم أو لنقلهم إلى الإسلام ، فإن بدأوا بالقتال ، وجب جهادهم.

وإنّما يجب قتال مَنْ يُطلب إسلامه بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام والتزامهم بشرائعه ، فإن فَعَلوا وإلّا قُوتلوا.

والداعي إنّما هو الإمام أو مَنْ نصبه.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن ، فقال : يا علي لا تقاتل أحداً حتى تدعوه ، وأيْمُ الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ، ولك ولاؤه يا علي »(١) .

وإنّما يشترط تقدّم الدعاء في حقّ مَنْ لم تبلغه الدعوة ولا عرف بعثة الرسول ، فيدعوهم إلى الإسلام ومحاسنه ، وإظهار الشهادتين ، والإقرار بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة واُصول العبادات وجميع شرائع الإسلام ، فإن أجابوا وإلّا قُتلوا ؛ لقولهعليه‌السلام : « يا على لا تقاتل أحداً حتى تدعوه»(٢) .

أمّا مَنْ بلغته الدعوة وعرف البعثة ولم يُقرّ بالإسلام فيجوز قتالهم ابتداءً من غير دعاء ؛ لأنّه معلوم عندهم حيث بلغتهم دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلموا أنّه يدعوهم إلى الإيمان وأنّ مَنْ لم يقبل منه قاتَلَه ومَنْ قبل منه آمنه ، فهؤلاء حربٌ للمسلمين يجوز قتالهم ابتداءً ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أغار على بني المصطلق وهُمْ غارّون آمنون ، وإبلهم تسقى على الماء(٣) .

وقال سلمة بن الأكوع : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فغزونا ناساً من المشركين فبيّتناهم(٤) .

____________________

(١ و ٢) الكافي ٥ : ٢٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤١ / ٢٤٠.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٩٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٦ / ١٧٣٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٤٢ / ٢٦٣٣ ، مسند أحمد ٢ : ١١٢ / ٤٨٤٢ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٤٣ / ٢٦٣٨ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.

٤٥

والدعاء أفضل ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عليّاًعليه‌السلام حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم(١) ، وقد بلغتهم الدعوة(٢) ، ودعا سلمان أهل فارس(٣) ، ودعا عليعليه‌السلام عمرو بن [ عبد ] ودّ العامري فلم يسلم مع بلوغه الدعوة(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لمـّا بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام إلى اليمن قال : يا علي لا تقاتل أحداً حتى تدعوه »(٥) وهو عامّ.

ولو بدر إنسان فقتل واحداً من الكفّار قبل بلوغ الدعوة إليه ، أساء ، ولا قود عليه ولا دية ؛ للأصل ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٦) ، وهو قياس قول مالك(٧) .

وقال الشافعي : يجب ضمانه ؛ لأنه كافر أصلي محقون الدم ؛ لحرمته ، فوجب ضمانه ، كالذمّي(٨) .

والفرق أنّ الذمّي التزم قبول الجزية فحرم قتله ، أمّا هنا فلم يعلم‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٥٧ - ٥٨ ، و ٥ : ١٧١ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٧٨ / ٢٤٧٢ ، المغني ١٠ : ٣٨١.

(٢) في « ق » : « الحجّة » بدل « الدعوة ».

(٣) سنن الترمذي ٤ : ١١٩ / ١٥٤٨ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٧٧ / ٢٤٧٠ ، المغني ١٠ : ٣٨١.

(٤) المغازي - للواقدي - ٢ : ٤٧١ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٨١ ، تاريخ الطبري ٢ : ٢٣٩.

(٥) الكافي ٥ : ٢٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤١ / ٢٤٠.

(٦) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٣٠ ، المغني ١٠ : ٣٨١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٤ وفيه قول أبي حنيفة.

(٧) انظر : المنتقى - للباجي - ٣ : ١٦٨.

(٨) مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٣٠ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٦٨.

٤٦

ذلك منه ، فلا يجب له الضمان ؛ لأنّه كافر لا عهد له ، كالحربي.

مسألة ١٨ : أصناف الكفّار ثلاثة : أهل الكتاب ، وهُم اليهود والنصارى لهم التوراة والإنجيل، فهؤلاء يُطلب منهم إمّا الاسلام أو الجزية ، فإن لم يسلموا وبذلوا الجزية ، حرم قتالهم إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( قاتِلُوا - إلى قوله -حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (١) .

ومَنْ له شبهة كتاب ، وهم المجوس كان لهم نبي قتلوه وكتاب حرقوه ، وحكمهم حكم أهل الذمّة إجماعاً إن أسلموا ، وإلّا طُلب منهم الجزية ، فإن بذلوها ، كُفّ عنهم وأُقرّوا على دينهم ، وإلّا قتلوا. قالعليه‌السلام : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب »(٢) .

ومَنْ لا كتاب له ولا شبهة ، كعُبّاد الأوثان وغيرهم ممّن عدا أهل الكتاب والمجوس ، فإنّه لا يُقبل منهم إلّا الإسلام خاصّة ، ولو بذلوا الجزية ، لم تُقبل منهم ، عند علمائنا كافّة - وبه قال الشافعي(٣) وأحمد في إحدى الروايتين(٤) - لقوله تعالى :( قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ) (٥) .

وقولهعليه‌السلام : « اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلّا الله »(٦)

____________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) الموطّأ ١ : ٢٧٨ / ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ - ١٩٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٢٢٤ ، و ١٢ : ٢٤٣ ، المصنّف - لعبد الرزاق - ٦ : ٦٩ / ١٠٠٢٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٤ ، المغني ١٠ : ٣٨١ - ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٤) المغني ١٠ : ٣٨١ - ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٥) التوبة : ٣٦.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٥٢ / ٢١ و ٥٣ / ٣٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ / ٣٩٢٧ و ٣٩٢٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٤٤ / ٢٦٤٠ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ و ١٨٢.

٤٧

خرج منه القسمان الأوّلان ، فيبقى الباقي على أصله.

ولأنّ قولهعليه‌السلام في(١) المجوس : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب »(٢) يقتضي تخصيص أهل الكتاب بأخذ الجزية ، إذ لو شاركهم غيرهم لم تختصّ الإضافة بهم.

ولأنّ كفر مَنْ عدا الثلاثة أشدّ ؛ لإنكارهم الصانع تعالى وجميع الرسل ولم تكن لهم شبهة كتاب ، فلا يساوون مَنْ له كتاب واعتراف بالله تعالى ، كالمرتدّ.

وقال أبو حنيفة : يُقبل من عبدة الأوثان من العجم الجزيةُ ، ولا تُقبل من العرب إلّا الإسلام - وهو رواية عن أحمد(٣) - لأنّهم يقرّون على دينهم بالاسترقاق فأقرّوا بالجزية ، كأهل الكتاب والمجوس(٤) .

وقال مالك : الجزية تُقبل من جميع الكفّار إلّا كفّار قريش ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام كان يوصي مَنْ يبعث من الاُمراء بالدعاء إلى ثلاث خصال من جملتها الجزية(٥) ، وهو عامّ في جميع الكفّار(٦) .

____________________

(١) في « ق ، ك » : « عن » بدل « في ».

(٢) الموطّأ ١ : ٢٧٨ / ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ - ١٩٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٢٢٤ ، و ١٢ : ٢٤٣ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٦ : ٦٩ / ١٠٠٢٥.

(٣) المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

٤٨

ونمنع إقرارهم على دينهم بالاسترقاق ، والأمر بقبول الجزية مخصوص بأهل الذمّة.

إذا عرفت هذا ، فإن كان الكفّار ممّن لا يؤخذ منهم الجزية ، عرض الأمير عليهم الإسلام ، فإن أسلموا ، حقنوا دماءهم وأموالهم ، وإن أبوا ، قاتلهم وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم وقسّمها ، على ما يأتي ، وإن كانوا ممّن يؤخذ منهم الجزية ، دعاهم إلى الإسلام ، فإن أجابوا ، كفّ عنهم ، وإن أبوا ، دعاهم إلى إعطاء الجزية ، فإن بذلوها ، قبل منهم الجزية ، وإن امتنعوا ، قاتلهم وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم وقسّمها على المستحقّين.

البحث الثاني : في الجند.

مسألة ١٩ : إذا عيّن الإمام شخصاً للجهاد معه ، وجب عليه طاعته ، وحرم عليه التخلّف عنه ، سواء وجب عليه أوّلاً الدعاء أو لا ، ولو لم يعيّن ، لم يجب عليه إلّا على الكفاية ، إلّا أن يدهم المسلمين عدوُّ يخشى منه على النفس والمال ويخاف على بيضة الإسلام ، فيجب على كلّ متمكّنٍ الجهادُ ، سواء أذن له الإمام أو لا ، وسواء كان مقلّاً أو مكثراً ، ولا يجوز لأحدٍ التخلّف إلّا مع الحاجة إلى تخلّفه ، كحفظ المكان والأهل والمال أو منع الإمام له من الخروج.

فإن أمكن استخراج إذن الإمام في جهاد فرض العين ، وجب ؛ لأنّه أعرف ، وأمر الحرب موكول إليه ؛ لعلمه بكثرة العدوّ وقلّته ، ولو لم يمكن استئذانه ؛ لغيبته ومفاجأة العدوّ ، وجب الخروج بغير إذن.

وإذا نادى الإمام بالنفير والصلاة ، فإن كان العدوّ بعيداً ، صلّوا ثمّ

٤٩

خرجوا ، وإن كان قريباً يخشى من التأخّر بالصلاة ، خرجوا وصلّوا على ظهور دوابّهم ، ولو كانوا في الصلاة ، أتمّوها ، وكذا يتمّون خطبة الجمعة.

وإذا نادى بالصلاة جامعهً لحدوث أمر يحتاج إلى المشورة ، لم يتخلّف أحد إلّا لعذر. ولا ينبغي أن تنفر الخيل إلّا عن حقيقة الأمر.

مسألة ٢٠ : إذا بعث الإمام سريّةً ، استحبّ له أن يؤمّر عليهم أميراً ثقةً جلداً ، ويأمرهم بطاعته ويوصيه بهم ، وأن يأخذ البيعة على الجند حتى لا يفرّوا ، وأن يبعث الطلائع ويتجسّس أخبار الكفّار ، ويكون الأمير له شفقة ونظر على المسلمين.

ولو كان القائد معروفاً بشرب الخمر أو غيره من المعاصي ، لم ينفروا معه ، ولو كان شجاعاً ذا رأي ، جاز النفور معه ؛ لقولهعليه‌السلام : « إنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر »(١)

هذا كلّه مع الحاجة إلى النفير من غير إذن الإمام العادل ، أمّا مع عدم الحاجة فلا يجوز بحال.

وإذا احتاج إلى إخراج النساء لمداراة المرضى وشبهها ، استحبّ له أن يُخرج العجائز ، ويكره إخراج الشوابّ منهنّ حذراً من ظفر الكفّار بهم فينالوا منهنّ الفاحشة ، فإن احتاج إلى إخراجهنّ ، جاز ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج بعائشة في غزواتٍ(٢) .

مسألة ٢١ : تجوز الاستعانة بأهل الذمّة وبالمشرك المأمون غائلته‌ إذا‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٨٨ و ٥ : ١٦٩ و ٨ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ١٠٥ - ١٠٦ / ١١١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٥٩٦ / ٨٠٢٩ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٦٦.

(٢) المغازي - للواقدي - ١ : ٢٤٩ و ٤٠٧ و ٢ : ٧٩١ ، صحيح البخاري ٤ : ٤٠.

٥٠

كان في المسلمين قلّة ؛ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استعان بصفوان بن اُميّة على حرب هوازن قبل إسلامه(١) ، واستعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم(٢) .

ولو لم يكن مأموناً أو كان بالمسلمين كثرة ، لم يستعن بهم.

قال الله تعالى :( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (٣) .

وقالعليه‌السلام : « إنّا لا نستعين بالمشركين على المشركين »(٤) وأرادعليه‌السلام مع فقد أحد الشرطين.

ولأنّهم مغضوب عليهم ، فلا تحصل النصرة بهم ، ومع عدم الأمن منهم لا يجوز استصحابهم. وهذا كلّه مذهب الشافعي(٥) .

وله قول آخر : جواز الاستعانة بشرط كثرة المسلمين بحيث لو خان المستعان بهم وانضمّوا إلى الكفّار ، تمكّن المسلمون من مقاومتهم جميعاً(٦) .

ومنع ابن المنذر من الاستعانة بالمشركين مطلقاً(٧) . وعن أحمد روايتان(٨) .

ويجوز أن يستعين بالعبيد مع إذن السادة ، وبالمراهقين ، والذمّيُّ إذا‌

____________________

(١) المغازي - للواقدي - ٢ : ٨٥٤ - ٨٥٥ سنن البيهقي ٩ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨١.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٣) الكهف : ٥١.

(٤) سنن البيهقي ٩ : ٣٧.

(٥) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٠ - ٣٨١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٣١ و ١٣٢ ، المغني ١٠ : ٤٤٧.

(٦) روضة الطالبين ٧ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨١.

(٧ و ٨) المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢١.

٥١

حضر بإذنٍ ، رُضخ له ، وبغير إذن لا يُرضخ.

وللشافعي في استحقاقه الرضخ مع عدم الإذن قولان ، ولو نهي لم يستحق(١) .

مسألة ٢٢ : لا يجوز للإمام ولا للأمير من قِبَله أن يخرج معه مَنْ يُخذّل الناس‌ ويُثبّطهم(٢) عن الغزو ويُدَهْدِهُهم(٣) في الخروج ، كمن يقول : الحَرّ شديد أو البرد ، والمشقّة عظيمة ، والمسافة بعيدة ، والكفّار كثيرون والمسلمون أقلّ ولا يؤمن هزيمتهم. ولا المرجف ، وهو الذي يقول : هلكت سريّة المسلمين ولا طاقة لكم بهم ولهم قوّة وشوكة ومدد وصبر ، ولا يثبت لهم مقاتل. ونحوه ، ولا مَنْ يعين على المسلمين بالتجسّس للكفّار ومكاتبتهم بأخبار المسلمين ، واطّلاعهم على عوراتهم وإيواء جاسوسهم ، ولا مَنْ يوقع العداوة بين المسلمين ويمشي بينهم بالنميمة ويسعى بالفساد ؛ لقوله تعالى :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) (٤) .

فإن خرج واحد منهم ، لم يُسهم له ولا يُرضخ ، ولو قتل كافراً ، لم يستحق سَلَبه وإن أظهر إعانة المسلمين ؛ لأنّه نفاق.

ولو كان الأمير أحدَ هؤلاء ، لم يخرج الناس معه ؛ لأنّ التابع يُمنع منه فالمتبوع أولى(٥) ؛ لأنّه أكثر ضرراً.

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١.

(٢) ثبّطه عن الشي‌ء تثبيطاً : إذا شغله عنه. لسان العرب ٧ : ٢٦٧ « ثبط ».

(٣) الدهدهة : قذفك الحجارة من أعلى إلى أسفل دحرجةً. لسان العرب ١٣ : ٤٨٩ « دهده ».

(٤) التوبة : ٤٧.

(٥) ورد في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : لأنّ المتبوع يُمنع منه فالتابع أولى. وما أثبتناه هو الصحيح.

٥٢

مسألة ٢٣ : إذا خرج الإمام بالنفير ، عقد الرايات ، فجَعَل كلّ فريق تحت راية ، وجَعَل لكلّ مَنْ تابعه شعاراً يتميّز به عندهم حتى لا يقتل بعضهم بعضاً بياناً ، ويدخل دار الحرب بجماعته ؛ لأنّه أحوط وأهيب ، وأن ينتظر الضعفاء فيسير على مسيرهم إلّا مع الحاجة إلى قوّة السير ، ويدعو عند التقاء الصفّين ، ويكبّر من غير إسراف من رفع الصوت ، وأن يحرّض الناس على القتال وعلى الصبر والثبات.

ولو تجدّد عذر أحد معه ، فإن كان لمرض في نفسه ، كان له الانصراف وإن كان بعد التقاء الصفّين ؛ لعدم تمكّنه من القتال ، وإن كان لغير مرض ، كرجوع صاحب الدَّيْن أو أحد الأبوين ، فإن كان بعد التقاء الصفّين ، لم يجز الانصراف ، وإن كان قبله ، جاز.

ولا ينبغي له أن يقتل أباه الكافر بل يتوقّاه ؛ لقوله تعالى :( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (١) إلّا أن يسبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ أبا عبيدة قتل أباه حين سبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمـّا قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لِمَ قتلته؟ » قال : سمعته يسبّك. فسكت عنه(٢) .

ولا يميل الأمير مع موافقة في المذهب والنسب على مخالفه فيهما ؛ لئلّا يكسر قلوب غيرهم فيخذلونه عند الحاجة.

وينبغي أن يستشير بأصحاب الرأي من أصحابه ؛ للآية(٣) .

ويتخيّر لأصحابه المنازل الجيّدة وموارد المياه ومواضع العشب.

____________________

(١) لقمان : ١٥.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٩ - ٣٩٠.

(٣) آل عمران : ١٥٩.

٥٣

ويحمل مَنْ نفقت(١) دابّته إذا كان فضل معه أو مع أتباعه.

ولو خاف رجل تلف آخر لموت دابّته ، احتمل وجوب بذل فاضل مركوبه ليحيى به صاحبه ، كما يجب بذل فاضل الطعام للمضطرّ ، وتخليصه من عدوّه.

ويجوز العقبة بأن يكون الفرس الواحد لاثنين ، لما فيه من الإرفاق.

مسألة ٢٤ : قد بيّنّا أنّه لا يخرج المـُخذِّل وشبهه ، فإن نهاه الإمام عن الخروج فخرج ، لم يستحق اُجرةً ولا رضخاً ؛ لأنّه متّهم بموالاة أهل دينه(٢) ، وللإمام أن يعزّره إذا رآه.

ولو لم يأمره ولا نهاه ، لم يستحق رضخاً عندنا - وهو أصحّ وجهي الشافعية(٣) - لأنّه ليس من أهل الذبّ عن الدين ، بل هو متّهم بالخيانة.

والثاني : أنّه يستحقّ ؛ لأنّه بالعهد المؤبّد صار من أهل الدار وأهل نصرتها(٤) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ المخذِّل أقوى منه في دفع التهمة عنه.

وليس له إخراج نساء أهل الذمّة ولا ذراريهم ، لأنّه لا قتال فيهم ولا رأي ولا يتبرّك(٥) بدعائهم.

وللشافعي قولان(٦) .

فعلى الجواز هل له أن يرضخ لهنّ؟ وجهان ، أحدهما : المنع(٧) .

____________________

(١) نفقت الدابّة : إذا ماتت. لسان العرب ١٠ : ٣٥٧ « نفق ».

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : أهل ذمّته. والظاهر أنّ ما أثبتناه هو الصحيح.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ و ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢.

(٥) ورد في « ق ، ك » : ولا يترك. وهو ظاهر الطبعة الحجريّة. والصحيح ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٣ و ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٠.

٥٤

وأخرج(١) النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معه عبد الله بن اُبيّ(٢) مع ظهور التخذيل منه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يطّلع بالوحي على أفعاله فلا يتضرّر بكيده.

ولو قهر الإمام جماعةً من المسلمين على الخروج والجهاد معه ، لم يستحقّوا اُجرةً ، قاله بعض الشافعيّة(٣) .

والوجه : أنّه إن كان الجهاد تعيّن عليهم(٤) ، فلا اُجرة لهم(٥) ، وإلّا فلهم الاُجرة من حين إخراجهم إلى أن يحضروا الوقعة ، والأقرب : إلى فراغ القتال.

وللإمام استئجار عبيد المسلمين بإذن ساداتهم ، كالأحرار.

وللشافعيّة قولان ، هذا أحدهما(٦) . والثاني : أن يقال : إن جوّزنا استئجار الأحرار ، جاز استئجار العبيد ، وإلّا فوجهان مخرّجان مبنيّان على أنّه إذا وطئ الكفّار طرفا من بلاد الإسلام هل يتعيّن الجهاد على العبيد؟ إن قلنا : نعم ، فهم من أهل فرض الجهاد ، فإذا وقفوا في الصفّ ، وقع عنهم ، وإلّا جاز استئجارهم(٧) .

____________________

(١) الظاهر أنّ موضع قوله : « وأخرج بكيده » في صدر المسألة بعد قوله : « قد بيّنّا وشبهه ».

(٢) اُنظر : سنن البيهقي ٩ : ٣١.

(٣) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « عليه » بدل « عليهم » وما أثبتناه لأجل سياق العبارة.

(٥) في « ق » والطبعة الحجريّة : « له » بدل « لهم » ولم يرد لفظ « له » في « ك ‍» وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٤١ وفيهما : يجوز الاستعانة بالعبيد إذا أذن السادة.

(٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢ - ٤٤٣.

٥٥

ولو أخرج العبيد قهراً ، فإن كان مع الحاجة ، فلا اُجرة ، وإلّا لزمته الاُجرة من يوم الإخراج إلى العود إلى ساداتهم.

وللإمام أن يستعمل الذمّي للجهاد بمال يبذله إمّا على وجه الإجارة أو الجُعالة.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّه جُعالة ؛ لجهالة أعمال القتال. وأصحّهما عندهم : الإجارة، ولا يضرّ جهالة الأعمال ، فإن المقصود القتال على ما يتّفق والمقاصد هي المرغّبة(١) (٢) .

إذا عرفت هذا. فلا حجر في قدر الاُجرة ، بل يجوز بما يتراضيان عليه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - كغيرها من الإجارات.

والثاني : أنّه لا يجوز أن يبلغ به سهم راجل ، لأنّه ليس من أهل فرض الجهاد ، فلا يعطى سهم راجل ، كالمرأة.

وعلى هذا الوجه يحكم بفسخ العقد والردّ إلى أجرة المثل إذا ظهر أنّ الأجرة أزيد من سهم من الغنيمة ، وإلاّ ففي الابتداء لا ندري قدر الغنيمة وسهم الراجل(٤) .

والأقرب : أنّ لآحاد المسلمين استيجار الذمّي للجهاد.

وأصحّ وجهي الشافعيّة : المنع ، لأنّ الآحاد لا يتولّون المصالح العامّة خصوصاً والذميّ مخالف في الدين وقد يخون إذا حضر ، فليفوّض أمره إلى الإمام(٥) .

____________________

(١) في العزيز شرح الوجيز : والمقاصد هي المرعيّة.

(٢) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

(٥) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

٥٦

مسألة ٢٥ : لو أخرج الإمام أهل الذمّة ، فالأولى أن يعيّن لهم اُجرةً ، فإن ذكر شيئاً مجهولاً ، مثل : نرضيكم ونعطيكم ما تستعينون(١) به ، وجب اُجرة المثل.

وإن أخرجهم قهراً ، وجب اُجرة المثل كالاستئجار في سائر الأعمال. ولو خرجوا باختيارهم ولم يسمّ لهم شيئاً ، فهو موضع الرضخ ، وسيأتي بيان محلّه.

وأما الاُجرة الواجبة سواء كانت مسمّاةً أو اُجرة المثل : فالأقرب خروجها من رأس مال الغنيمة؛ إذ لحضورهم أثر في تحصيل الغنيمة ، فيخرج منها ما يدفع إليهم ، كسائر المؤن ، وهو أحد وجوه الشافعيّة(٢) .

والثاني : أنّه من خُمس الخُمس سهم المصالح ؛ لأنهم يحضرون للمصلحة لا أنّهم من أهل الجهاد(٣) .

والثالث : أنّها تؤدّى من أربعة أخماس الغنيمة ؛ لأنها تؤدّى بالقتال ، كسهام الغانمين(٤) .

ولو أخرجهم الإمام قهراً ثمّ خلّى سبيلهم قبل أن يقفوا في الصف ، أو فرّوا ولم يقفوا ، فلا اُجرة لهم عن الذهاب وإن تعطّلت منافعهم في الرجوع ؛ لأنّه لا حبس هناك ولا استئجار.

____________________

(١) لعلّها : تستغنون.

(٢) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ - ٦٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ - ٦٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ - ٦٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

٥٧

ولو وقف المقهورون على الخروج ولم يقاتلوا ، فالأقرب أنّ لهم اُجرةَ الوقوف والحضور ؛ لأنّه كالقتال في استحقاق سهم الغنيمة ، وكذا في استحقاق اُجرة الجهاد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

وأظهرهما عندهم : المنع ؛ لأنّ الاُجرة في مقابلة العمل ، والفائدة المقصودة لم تحصل(٢) .

ويحتمل أن يقال : إن استؤجروا للقتال ، فلا اُجرة ، وإلّا فلهم.

البحث الثالث : في كيفيّة القتال‌.

مسألة ٢٦ : الجهاد أمر كلّي من أعظم أركان الإسلام يحتاج فيه إلى المساعدة‌ والاعتضاد والاستعداد والفكر في الحيل وغيرها ، فيجب أن يكون أمره موكولاً إلى نظر الإمام واجتهاده ، ويجب على الرعايا طاعته والانقياد لقوله فيما يراه ، فيبدأ بترتيب قوم على أطراف البلاد رجالاً كفايا ليقوموا بإزاء مَنْ يليهم من المشركين ، وبعمل الحصون والخنادق وجميع ما فيه حراسة المسلمين ، ويجعل في كلّ ناحية أميراً يقلّده أمر الحروب وتدبير الجهاد ، ويكون ثقةً مأموناً على المسلمين ذا رأي وتدبير في الحرب ، وله شجاعة وقوّة وعقل ومكايدة.

ولو احتاجوا إلى مدد ، استحبّ للإمام ترغيب الناس في المقام عندهم والتردّد إليهم كلّ وقت؛ ليأمنوا فساد الكفّار ويستغنوا عن طلب الجيوش.

فإن رأى الإمام بالمسلمين قلّةً يحتاج معها إلى المهادنة ، هادنهم ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

٥٨

وإلّا جاهدهم مع القدرة في كلّ سنة مرّةً ، وإن كان أكثر منه ، كان أفضل. ويبدأ بقتال الأقرب إلّا أن يكون الأبعد أشدّ خطراً فيبدأ به.

مسألة ٢٧ : إذا التقى الصفّان ، وجب الثبات وحرم الهرب.

قال الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١) وقال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (٢) .

وعدَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفرار من الزحف من الكبائر(٣) .

ويجوز الهرب في أحوال ثلاثة :

الاُولى : أن يزيد عدد الكفّار على ضعف عدد المسلمين ؛ لقوله تعالى :( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) (٤) .

وما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : مَنْ فرّ من اثنين فقد فرّ ، ومَنْ فرّ من ثلاثة فما فرّ(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فرّ ، ومَنْ فرّ من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفرّ »(٦) .

____________________

(١) الأنفال : ١٥.

(٢) الأنفال : ٤٥.

(٣) المعجم الكبير - للطبراني - ٦ : ١٠٣ / ٥٦٣٦.

(٤) الأنفال : ٦٦.

(٥) سنن البيهقي ٩ : ٧٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٨٢ ، المغني ١٠ : ٥٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥.

(٦) الكافي ٥ : ٣٤ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٧٤ / ٣٤٢.

٥٩

ولو لم يزد عدد المشركين على الضِعْف لكن غلب على ظنّ المسلمين الهلاك إن ثبتوا ، قيل : يجب الثبات ؛ لقوله تعالى :( إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١) (٢) .

وقيل : يجوز ؛ لقوله تعالى :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣) (٤) .

ولو غلب على ظنّه الأسر ، فالأولى أن يقاتل حتى يُقتل ، ولا يسلّم نفسه للأسر ؛ لئلّا يعذّبه الكفّار بالاستخدام.

ولو زاد المشركون على ضِعْف المسلمين ، لم يجب الثبات إجماعاً.

ولو غلب على ظنّ المسلمين الظفر بهم ، استحب الثبات ولا يجب ، لأنهم لا يأمنون التلف.

ولو غلب على ظنّ المسلمين العطب ، قيل : يجب الانصراف ، لقوله تعالى :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٥) (٦) .

وقيل : لا يجب ؛ تحصيلاً للشهادة(٧) .

وقيل : إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية فيهم ، لزم‌

____________________

(١) الأنفال : ١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.

(٣) البقرة : ١٩٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.

(٥) البقرة : ١٩٥.

(٦ و ٧) نفس المصادر في الهامش (٤)

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466