تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 320577 / تحميل: 5253
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ومن طرق الخاصّة : ما تقدّم(١) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا كتاب لهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « سُنُّوا بهم سنّة أهل الكتاب »(٢) (٣) .

ويحتمل أن يكون المراد مَنْ له كتابٌ باقٍ ، أو لأنّهم كانوا يعرفون التوراة والإنجيل.

مسألة ١٦٤ : لا يُقبل من غير الأصناف الثلاثة من الكفّار إلّا الإسلام ، فلو بذل عُبّاد الأصنام والنيران والشمس الجزيةَ ، لم تُقبل ، سواء العرب والعجم - وبه قال الشافعي(٤) - لقوله تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٥) خرج منهم الثلاثة ؛ لنصٌّ خاصّ ، فبقي الباقي على عمومه.

وما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلّا الله »(٦) الحديث.

____________________

(١) تقدّم آنفاً.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (١) من ص ٢٧٩.

(٣) المغني ١٠ : ٥٥٩ - ٥٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٦ - ٥٧٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٥) التوبة : ٥.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٥١ و ٥٢ / ٣٢ و ٣٣ ، و ٥٣ / ٣٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٤٤ / ٢٦٤٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ / ٣٩٢٧ - ٣٩٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٤ ، سنن الترمذي ٥ : ٣ - ٤ / ٢٦٠٦ و ٢٦٠٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٩ / ٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٢١٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٢٢ ، مسند أحمد ٤ : ٥٧٦ - ٥٧٧ / ١٥٧٢٧ ، المغني ١٠ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩ - ٥٨٠.

٢٨١

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في حديثٍ : « سيفٌ على مشركي العرب ، قال الله تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) »(٢) الحديث.

وقال أبو حنيفة : تُقبل من جميع الكفّار إلّا العرب ؛ لأنّهم يُقرّون على دينهم بالاسترقاق فاُقرّوا بالجزية ، كأهل الكتاب ، وأمّا العرب فلا تُقبل منهم ؛ لأنّهم رهط النبيعليه‌السلام ، فلا يُقرّون على غير دينه(٣) .

والفرق : أنّ أهل الكتاب لهم حرمة بكتابهم ؛ بخلاف غيرهم من الكفّار ، والعرب قد بيّنّا أنّهم إن كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً ، قُبلت منهم الجزية ، وإلّا فلا ، ولا فرق بين العرب والعجم ؛ لأنّ الجزية تُؤخذ بالدين لا بالنسب.

وقال أحمد : تُقبل من جميع الكفّار إلّا عَبَدة الأوثان من العرب(٤) .

وقال مالك : تُقبل من جميعهم إلّا مشركي قريش ؛ لأنّهم ارتدّوا(٥) .

وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز : إنّها تُقبل من جميعهم ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام كان يبعث السريّة ويُوصيهم بالدعاء إلى الإسلام أو الجزية(٦) .

____________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٠ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٣٦ / ٢٣٠.

(٣) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٤ / ١٦٣٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٧ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦٠ ، المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٤) المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٠.

(٥) المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : =

٢٨٢

وهو عامّ في كلّ كافر(١) .

ونمنع العموم ، بل الوصيّة في أهل الذمّة.

مسألة ١٦٥ : مَنْ عدا اليهود والنصارى والمجوس لا يُقرّون بالجزية‌ بل لا يُقبل منهم إلّا الإسلام وإن كان لهم كتاب ، كصُحُف إبراهيم وصُحف آدم وإدريس ( وشيث )(٢) وزبور داوُد - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - لأنّها ليست كُتباً منزلة على ما قيل ، بل هي وحي يُوحى ، ولأنّها مشتملة على مواعظ لا على أحكام مشروعة.

والقول الثاني للشافعي : يُقرّون بالجزية ؛ لقوله تعالى :( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (٤) (٥) .

وليس حجّةً ؛ لأنّه للعهد.

قال ابن الجنيد من علمائنا : الصابئون تُؤخذ منهم الجزية ويُقرّون عليها ، كاليهود والنصارى - وهو أحد قولي الشافعي(٦) - بناءً على أنّهم من أهل الكتاب وإنّما يخالفونهم في فروع المسائل لا في اُصولها.

وقال أحمد : إنّهم جنس من النصارى. وقال أيضاً : إنّهم يسبتون ،

____________________

= ٩٥٣ / ٢٨٥٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢١٦ - ٢١٧.

(١) المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ق ، ك».

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٦ ، الوسيط ٧ : ٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٤ ، المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٤) التوبة : ٢٩.

(٥) المصادر في الهامش (٣)

(٦) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٨ ، الوسيط ٧ : ٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٥.

٢٨٣

فهُمْ من اليهود(١) .

وقال مجاهد : إنّهم من [ اليهود و ](٢) النصارى(٣) .

وقال السدي : إنّهم من أهل الكتاب(٤) .

وكذا السامرة ، ومتى كانوا كذلك قُبلت منهم الجزية.

وقد قيل عنهم : إنّهم يقولون : إنّ الفلك حيّ ناطق ، وإنّ الكواكب السبعة السيّارة آلِهة(٥) . ومتى كان الحال كذلك لم يُقرّوا على دينهم بالجزية.

وقال المفيدرحمه‌الله : وقد اختلف فقهاء العامّة في الصابئين ومَنْ ضارعهم في الكفر سوى مَنْ ذكرناه من الثالثة الأصناف.

فقال مالك بن أنس والأوزاعي : كلّ دين بعد الإسلام سوى اليهوديّة والنصرانيّة فهو مجوسيّة ، وحكم أهله حكم المجوس. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال : الصابئون مجوس. وقال الشافعي وجماعة من أهل العراق : حكمهم حكم المجوس. وقال بعض أهل العراق : حكمهم حكم النصارى.

قال : فأمّا نحن فلا نجاوز بإيجاب الجزية إلى غير مَنْ عدّدناه ؛ لسنّة‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٠ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٣.

(٢) ما بين المعقوفين من المصادر ، وفيها هكذا : إنّهم بين اليهود والنصارى.

(٣ و ٤) النكت والعيون ( تفسير الماوردي ) ١ : ١٣٣ ، المغني ١٠ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٠.

(٥) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٤ ، المغني ١٠ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٠ ، وانظر الوسيط ٧ : ٦١.

٢٨٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم ، والتوقيف الوارد عنه في أحكامهم.

قال : وقد روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : « المجوس إنّما اُلحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات ، لأنّه كان لهم فيما مضى كتابٌ » ولو خُلّينا والقياس ، لكانت المانويّة والمزدقيّة والديصانيّة عندي بالمجوس أولى من الصابئين ؛ لأنّهم يذهبون في اُصولهم مذاهب تُقارب المجوسيّة وتكاد تختلط بها.

وأمّا المرقونيّة والماهانيّة : فإنّهم إلى النصرانيّة أقرب من المجوسيّة ؛ لقولهم في الروح والكلمة والابن بقول النصارى وإن كانوا يوافقون الثنويّة في اُصول اُخر.

وأمّا الكينونيّة(١) : فقولهم يقرب من النصرانيّة لأصلهم(٢) في التثليث وإن كان أكثره لأهل الدهر.

وأمّا السمنيّة : فتدخل في حكم مشركي العرب وتضارع مذاهبها قولَها(٣) في التوحيد للبارئ وعبادتهم سواه تقرّباً إليه وتعظيماً فيما زعموا من عبادة الخلق لهم. وقد حكي عنهم ما يُدخلهم في جملة الثنويّة.

ثمّ قال : فأمّا الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممّن عددناه ؛ لأنّ جمهورهم يُوحّد الصانع في الأزل ، ومنهم مَنْ يجعل معه هيولى في القِدَم صنع منها العالَم ، فكانت عندهم الأصل ، ويعتقدون في الفلك وما فيه : الحياة والنطق وأنّه المدبِّر لما في العالَم والدالّ عليه ، وعظّموا الكواكب‌

____________________

(١) في متن المقنعة : الكيثونية. وفي نسخة منها كما في المتن.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : لا مثلهم. وما أثبتناه من المصدر ، وكما في المختلف - للمصنّفقدس‌سره - ٤ : ٤٤٥ ، المسألة ٥٨.

(٣) في الطبعة الحجريّة : في قولها.

٢٨٥

وعَبَدوها من دون الله تعالى ، وسمّاها بعضهم ملائكةً ، وجعلها بعضهم آلهةً ، وبَنَوا لها بيوتاً للعبادات ، وهؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب وعُبّاد الأوثان أقرب من المجوس ؛ لأنّهم وجّهوا عبادتهم إلى غير الله تعالى في التحقيق وعلى القصد والضمير ، وسمّوا مَنْ عداه من خلقه بأسمائه ، جلّ عمّا يقول المـُبْطلون.

والمجوس قصدت بالعبادة الله تعالى على نيّاتهم في ذلك وضمائرهم وعقودهم وإن كانت عبادة الجميع على اُصولنا غير متوجّهة في الحقيقة إلى القديم ، ولم يسمّوا مَنْ أشركوا بينه وبين الله تعالى في القدم(١) باسم في معنى الإلهيّة ومقتضى العبادة ، بل مَنْ ألحقهم بالنصارى أقرب في التشبيه(٢) ؛ لمشاركتهم إيّاهم في اعتقاد الإلهيّة في غير القديم ، وتسميتهم له بذلك ، وهُما : الروح عندهم ، والنطق الذي اعتقدوه [ في ](٣) المسيح ، وليس هذا موضع الردّ على متفقّهة العامّة فيما اجتنبوه من خلافنا فلنشرحه(٤) ، وإنّما ذكرنا منه طرفاً ؛ لتعلّقه بما تقدّم من وصف مذهبنا في الأصناف وبيّنّاه في التفصيل(٥) . هذا آخر كلام شيخنا المفيدرحمه‌الله

وللشافعي في الصابئين والسامرة - وهم عنده مبتدعة النصارى‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : القديم. وما أثبتناه من المصدر ، وكما في المختلف ٤ : ٤٤٦ ، المسألة ٥٨.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : النسبة. وما أثبتناه من المصدر ، وكما في المختلف ٤ : ٤٤٦ ، المسألة ٥٨.

(٣) أضفناها من بعض نسخ المصدر كما في هامشه ، وكما في المختلف ٤ : ٤٤٦ ، المسألة ٥٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة : فلنسترجع. وفي المصدر : فنشرحه.

(٥) المقنعة : ٢٧٠ - ٢٧٢.

٢٨٦

واليهود - قولان(١) .

وقال بعض أصحابه : إن كانوا كَفَرةَ دينهم ، فلا يُقرّون ، وإن كانوا مبتدعةً ، اُقرّوا ، فلو عقدنا له وأسلم منهم عَدْلان وشهدا بكفره ، تبيّن بطلان العقد ، ويُغتال ؛ لتلبيسه(٢) .

والمتولّد بين الكتابيّ والوثنيّ في مناكحته قولان للشافعي ، والصحيح عنده أنّه يُقرّر(٣) .

ولو توثّن نصرانيّ وله ولد صغير اُمّه نصرانيّة ، فله حكم التنصّر ، وإن كانت وثنيّةً ، فهو تابع للتوثّن أو يبقى عليه حكم التنصّر؟ للشافعي وجهان(٤) .

ولا يغتال إذا بلغ وإن كان يُغتال أبوه على الأصحّ عندهم(٥) .

ولا يحلّ وطء سبايا غَوْرٍ ؛ لأنّهم ارتدّوا بعد الإسلام.

وفي استرقاقهم خلاف بينهم ، والظاهر عندهم جواز استرقاق الوثنيّ وسبايا غَوْر أولاد المرتدّين(٦) .

وأمّا عندنا فإنّ ذبائح أهل الكتاب لا تحلّ إجماعاً منّا. فأمّا مناكحتهم ففيه تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ١٦٦ : بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار ، انتقلوا في الجاهليّة إلى النصرانيّة. وانتقل أيضاً من العرب قبيلتان اُخريان ، وهُمْ

____________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرهما في الهامش (٣) من ص ٢٨٢.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٨ - ٥٠٩.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٩ ، الحاوي الكبير ٩ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٤٧٩ ، و ٧ : ٤٩٥ - ٤٩٦.

(٤ و ٥) الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦.

(٦) الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١١.

٢٨٧

تنوخ وبَهْراء ، فصارت القبائل الثلاثة من أهل الكتاب ، تُؤخذ منهم الجزية كافّة(١) ، كما تُؤخذ من غيرهم - وبه قال عليعليه‌السلام وعمر بن عبد العزيز(٢) - لأنّهم أهل كتاب ، فيدخلون تحت عموم الأمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب.

وقال أبو حنيفة : لا تُؤخذ منهم الجزية ، بل تُؤخذ منهم الصدقة مضاعفةً ، فيُؤخذ من كلّ خَمْسٍ من الإبل شاتان ، ويُؤخذ من كلّ عشرين ديناراً دينارٌ ، ومن كلّ مائتي درهم عشرة دراهم ، ومن كلّ ما يجب فيه نصف العُشْرُ العُشْرُ وما يجب فيه العُشر الخُمْس - وبه قال الشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حيّ وأحمد بن حنبل - لأنّ عمر ضَعَّف الصدقة عليهم(٣) .

وهي حكاية حال لا عموم لها ، فجاز أن تكون المصلحة للمسلمين في كفّ أذاهم بذلك. ولأنّه كان يأخذ جزيةً لا صدقةً وزكاةً. ولأنّه يؤدّي إلى أن يأخذ أقلّ من دينار بأن تكون صدقته أقلّ من ذلك. ولأنّه يلزم أن يقيم بعض أهل الكتاب في بلد الإسلام مؤبّداً بغير عوض بأن لا يكون له زرع ولا ماشية.

وروى العامّة عن عليّعليه‌السلام أنّه قال : « لئن تفرّغت لبني تغلب ليكوننّ لي فيهم رأي ، لأقتلنّ مقاتلتهم ، ولأسبيّن ذراريهم ، فقد نقضوا العهد ، وبرئت منهم الذمّة حين نصّروا أولادهم »(٤) .

____________________

(١) كلمة « كافّة » لم ترد في « ق ، ك».

(٢) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢ - ٥٨٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٥ وما بعدها ، سنن البيهقي ٩ : ٢١٦.

(٤) الأموال - لأبي عبيد - : ٣٤ ذيل رقم ٧١ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

٢٨٨

إذا ثبت أنّ المأخوذ جزية ، فلا تُؤخذ من الصبيان والمجانين والنساء - وبه قال الشافعي(١) - لما تقدّم ، ولأنّ عمر قال : هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى دون الاسم(٢) .

وقال عمر بن عبد العزيز حيث لم يقبل من نصارى بني تغلب إلّا الجزية : لا والله إلّا الجزية ، وإلّا فقد أذنتكم بالحرب(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّها صدقة تُؤخذ مضاعفةً من مال مَنْ يُؤخذ منه الزكاة لو كان مسلماً. وبه قال أحمد(٤) .

وعلى ما قلناه يكون مصرفه مصرف الجزية.

ولو بذل التغلبيّ الجزيةَ وتحطّ عنه الصدقة ، قُبل منه ؛ لأنّ المأخوذ منه عندنا جزية.

ومَنْ قال : إنّه صدقة قال : ليس لهم ذلك ؛ لئلّا يغيّر الصلح(٥) .

أمّا الحربيّ من التغلبيّين فإنّه إذا بذل الجزيةَ ، قيل : قُبلت منه ؛ لقولهعليه‌السلام : « ادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم »(٦) (٧) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٣ ، الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٨ و ٤٩٩ و ٥٠١ و ٥٢٩ ، الوسيط ٧ : ٦٢ - ٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠ و ٤٩٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٧ ، المغني ١٠ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٣.

(٢) المغني ١٠ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩.

(٣ و ٤) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

(٥) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٤.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٦ - ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ / ٣٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٣ - ٩٥٤ / ٢٨٥٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢١٦ - ٢١٧.

(٧) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٤.

٢٨٩

ولو أراد الإمام نقض صلحهم وتجديد الجزية عليهم ، جاز ، خلافاً لبعض العامّة(١) .

مسألة ١٦٧ : لا تحلّ ذبائح بني تغلب ولا مناكحتهم كغيرهم من أهل الذمّة‌ - أمّا مَنْ أباح أكل ذبائح أهل الذمّة فقال الشافعي : لا يباح أكل ذبائح أهل الذمّة من العرب كافّة(٢) - ونقله العامّة عن عليعليه‌السلام وعطاء وسعيد ابن جبير والنخعي(٣) ؛ لأنّهم أهل كتابٍ(٤) ، فلا تحلّ ذبائحهم على ما يأتي.

ولما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام من التحريم(٥) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال : « كان عليعليه‌السلام ينهى عن أكل ذبائحهم وصيدهم ، وقال : لا يذبح لك يهودي ولا نصراني اُضحيتك »(٦) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « لا تأكل ذبيحة نصارى العرب »(٧) .

وقال أبو حنيفة : تحلّ ذبائحهم. وبه قال الحسن البصري والشعبي والزهري والحكم وحمّاد وإسحاق(٨) .

وعن أحمد روايتان(٩) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٤.

(٢) الاُمّ ٢ : ٢٣٢ ، مختصر المزني : ٢٨٤ ، الحاوي الكبير ١٥ : ٩٣ - ٩٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٥٨ ، المغني ١٠ : ٥٨٧ ، وانظر مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٠٥ / ١٣٠٤.

(٣) المغني ١٠ : ٥٨٧.

(٤) في « ك» والطبعة الحجريّة : الكتاب.

(٥) سنن البيهقي ٩ : ٢١٧ ، الاُمّ ٢ : ٢٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٥٨ ، المغني ١٠ : ٥٨٧.

(٦) التهذيب ٩ : ٦٤ / ٢٧١ ، الاستبصار ٤ : ٨١ - ٨٢ / ٣٠٤.

(٧) التهذيب ٩ : ٦٨ / ٢٨٨ ، الإستبصار ٤ : ٨٥ / ٣٢٠.

(٨) المغني ١٠ : ٥٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤٢١.

(٩) المغني ١٠ : ٥٨٧.

٢٩٠

مسألة ١٦٨ : وتُؤخذ الجزية من أهل خيبر.

وما ذكره بعض أهل الذمّة منهم أنّ معهم كتاباً من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بإسقاطها(١) ، لا يلتفت إليهم؛ لأنّه لم ينقله أحدٌ من المسلمين.

قال ابن سريج : ذُكر أنّهم طُولبوا بذلك ، فأخرجوا كتاباً ذكروا أنّه بخطّ عليعليه‌السلام كتبه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان فيه شهادة سعد بن معاذ ومعاوية. وتاريخه بعد موت سعد وقبل إسلام معاوية ، فاستدلّ بذلك على بطلانه(٢) .

ولو غزا الإمام قوماً فادّعوا أنّهم أهل كتاب ، سألهم ، فإن قالوا : دخلنا أو دخل آباؤنا قبل نزول القرآن في دينهم ، أخذ منهم الجزية ، وشرط عليهم نَبْذ العهد ، والمقاتلة لهم إن بانَ كِذْبُهم ، ولا يكلّفون البيّنة على ذلك ، ويقرّون بأخذ الجزية. فإن بانَ كِذْبُهم ، انتقض عهدهم ، ووجب قتالهم.

ويظهر كذبهم باعترافهم بأجمعهم أنّهم(٣) عُبّاد وثنٍ. فإن اعترف بعضهم وأنكر الآخرون ، انتقض عهد المعترف خاصّة دون غيره. ولا تُقبل شهادتهم على الآخرين.

فإن أسلم منهم اثنان وعُدّلا ثمّ شهدا(٤) أنّهم ليسوا أهل ذمّةٍ ، انتقض العهد.

ولو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن وله ابنان صغير وكبير ، فأقاما على عبادة الأوثان ثمّ جاء الإسلام ونسخ كتابهم ، فإنّ الصغير إذا بلغ وقال : إنّني على دين أبي وأبذل الجزيةَ ، اُقرّ عليه واُخذ منه‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١١.

(٣) في « ك» والطبعة الحجريّة : بأنّهم.

(٤) في « ق ، ك» : وعُدّلوا ثمّ شهدوا.

٢٩١

الجزية ؛ لأنّه تبع أبيه في الدين ؛ لصِغَره. وأمّا الكبير فإن أراد أن يقيم على دين أبيه ويبذل الجزية ، لم يُقبل ؛ لأنّ له حكمَ نفسه ، ولا يصحّ له الدخول في الدين بعد نسخه.

ولو دخل أبوهما في دين أهل الكتاب ثمّ مات ثمّ جاء الإسلام وبلغ الصبي واختار دين أبيه ببذل الجزية ، اُقرّ عليه ؛ لأنّه تبعه في الدين ، فلا يسقط بموته. وأمّا الكبير فلا يُقرّ بحالٍ ، لأنّ حكمه منفرد.

مسألة ١٦٩ : اختلف علماؤنا في الفقير.

فقال الشيخرحمه‌الله : لا تسقط عنه الجزية ، بل يُنظر بها إلى وقت يساره ، ويُؤخذ منه حينئذٍ ما يقرّر عليه في كلّ عام حال فقره(١) - وبه قال المزني والشافعي في قولٍ(٢) - لعموم( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٣) .

ولقولهعليه‌السلام : « خُذْ من كلّ حالمٍ ديناراً »(٤) وهو عامّ.

ولأنّ عليّاًعليه‌السلام وظف على الفقير ديناراً(٥) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٨.

(٢) الاُمّ ٤ : ١٧٩ ، مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، المغني ١٠ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٩.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) أورد نصّه الماوردي في الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٩ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، وابن قدامة في المغني ١٠ : ٥٧٦ ، والكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٣ ، وفي المصادر الحديثيّة هكذا : عن معاذ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا وجّهه إلى اليمن أمره أن يأخذه من كلّ حالمٍ ديناراً. اُنظر سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٣٨ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ و ٩ : ١٩٣ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٠٤ / ٢١٥٠٨ ، و ٣٠٩ / ٢١٥٣٢ ، و ٣٢٨ / ٢١٦٢٤ ، والأموال - لأبي عبيد - : ٣١ - ٣٢ / ٦٤.

(٥) اُنظر : المقنعة : ٢٧٢ ، والتهذيب ٤ : ١١٩ - ١٢٠ / ٣٤٣ ، والاستبصار ٢ : ٥٣ - ٥٤ / ١٧٨.

٢٩٢

وقال المفيد وابن الجنيد منّا : لا جزية عليه(١) - وهو قول آخر للشافعي(٢) - لأنّ الجزية حقٌّ يجب بحؤول الحول ، فلا تجب على الفقير ، كالزكاة والعَقْل(٣) .

والجواب : أنّ الزكاة والعَقْل وجبا بطريق المواساة ، والجزية لحقن الدم والسكنى ، ولا فرق بين الغني والفقير في ذلك.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّه يخرج من الدار(٤) .

إذا ثبت هذا ، فالإمام يعقد لهم الذمّة على الجزية ، وتكون في ذمّته ، فإذا أيسر ، طُولب بها.

مسألة ١٧٠ : وتسقط الجزية عن الصبي إجماعاً ؛ لقولهعليه‌السلام لمعاذ : « خُذْ من كلّ حالمٍ ديناراً »(٥) دلّ بمفهومه على سقوط الجزية عن غير البالغ.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في حديثٍ : « والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض(٦) الحرب من أجل ذلك رُفعت عنهم الجزية »(٧) .

وإذا بلغ بالإنبات أو الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة وكان من‌

____________________

(١) قال المصنّف في مختلف الشيعة ٤ : ٤٥٠ ، المسألة ٦٣ : والظا هر من كلام المفيد الأوّل. يعني وجوب الجزية على الفقيرة وانظر : المقنعة : ٢٧٢.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨.

(٣) أي : في جناية الخطأ.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٧.

(٥) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٩١ ، الهامش (٤)

(٦) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « أهل » بدل « أرض » وما أثبتناه من المصادر.

(٧) الكافي ٥ : ٢٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ / ٢٧٧.

٢٩٣

أهل الذمّة ، طُولب بالإسلام أو بذل الجزية ، فإن امتنع منهما ، صار حَرْباً ، فإن اختار الجزية ، عقد معه الإمام ما يراه ، ولا عبرة بجزية أبيه ، فإذا حال الحول من حين العقد عليه ، أخذ ما شرط.

ولو كان الصبي ابن وثنيّ وبلغ ، طُولب بالإسلام خاصّةً.

ولو بلغ مبذّراً ، لم يزل الحَجْر عنه ، ويكون مالُه في يد وليّه.

ولو أراد عقد الأمان بالجزية أو المصير إلى دار الحرب ، اُجيب ، وليس لوليّه منعه ؛ لأنّ الحَجْر لا يتعلّق بحقن دمه وإباحته بل بمالِه ، كما لو أسلم أو ارتدّ.

ولو أراد أن يعقد أماناً ببذل جزية كثيرة ، احتمل أن يكون للوليّ منعه ؛ لأنّ حقن دمه يمكن بالأقلّ.

ولو صالح الإمام قوماً على أن يؤدّوا الجزية عن أبنائهم غير ما يدفعون عن أنفسهم ، فإن كانوا يؤدون الزائد من أموالهم ، جاز ، ويكون زيادةً في جزيتهم ، وإن كان من مال أولادهم ، لم يجز ؛ لأنّه تضييع لمالِهم فيما ليس واجباً عليهم.

ولو بلغ سفيهاً ، لم تسقط عنه الجزية ، ولا يُقرّ في دار الإسلام بغير عوض ؛ للعموم(١) .

ولو منعه وليُّه ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ مصلحته بقاء نفسه.

وإن لم يعقد أماناً ، نبذناه إلى دار الحرب وصار حَرْباً.

مسألة ١٧١ : إذا عقد الإمام الجزية لرجلٍ ، دخل هو وأولاده الصغار وأمواله في الأمان ، فإذا بلغ أولاده ، لم يدخلوا في ذمّة(٢) أبيهم وجزيته إلّا

____________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : أمان ، بدل ذمّة.

٢٩٤

بعقدٍ مستأنف - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الأب عقد الذمّة لنفسه ، وإنّما دخل أولاده الصغار لمعنى الصغر ، فإذا بلغوا ، زال المقتضي للدخول.

وقال أحمد : يدخلون بغير عقدٍ متجدّد ؛ لأنّه عقد دخول فيه الصغير(٢) ، فإذا بلغ ، لزمه ، كالإسلام(٣) .

والفرق : علوّ الإسلام على غيره من الأديان ، فاُلزم به ، بخلاف الكفر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يعقد له الأمان من حين البلوغ ، ولا اعتبار بجزية أبيه ، فإن كان أوّل حول أقاربه ، استوفى منه معهم في آخر الحول ، وإن كان في أثناء الحول ، عقد له الذمّة ، فإذا جاء أصحابه وجاء الساعي ، فإن أعطى بقدر ما مضى من حوله ، اُخذ منه ، وإن امتنع حتى يحول الحول ، لم يُجبر على الدفع.

ولو كان أحد أبوي الطفل وثنيّاً ، فإن كان الأبَ ، لَحِق به ، ولم تُقبل منه الجزية بعد البلوغ ، بل يُقهر على الإسلام ، فإن امتنع ، رُدّ إلى مأمنه في دار الحرب ، وصار حَرْباً. وإن كانت الاُمَّ ، لحق بالأب ، واُقرّ في دار الإسلام بالجزية.

مسألة ١٧٢ : الجزية تسقط عن المجنون المطبق إجماعاً ؛ لقولهعليه‌السلام : « رُفع القلم عن ثلاثة - وعدَّ - المجنون حتى يُفيق »(٤) .

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٣ ، المغني ١٠ : ٥٧٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٠.

(٢) في الطبعة الحجريّة زيادة : لمعنى الصغر.

(٣) المغني ١٠ : ٥٧٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٣.

(٤) سنن أبي داوُد ٤ : ١٤٠ / ٤٤٠١ ، و ١٤١ / ٤٤٠٣ ، سنن ابن ماجة ١ : =

٢٩٥

ولقول الصادقعليه‌السلام : « جرت السنّة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله»(١) .

ولأنّه محقون الدم ، ولا مقتضى لوجوب الجزية.

ولو كان الجنون غير مطبقٍ ، فإن لم يكن مضبوطاً بأن تكون ساعة من أيّام أو من يومٍ ، اعتبر الأغلب ؛ لعدم القدرة على ضبط الإفاقة. وإن كان مضبوطاً بأن يجنّ يوماً ويُفيق يومين أو أقلّ أو أكثر ، احتمل اعتبار الأغلب كالأوّل - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لأنّ اعتبار الاُصول بالأغلب. وأن تُلفّق أيّام إفاقته ، فإذا كملت حولاً ، أخذت منه(٣) ، ويحتمل أن تؤخذ في آخر كل حولٍ بقدر ما أفاق فيه.

وكذا الاحتمالان لو كان يجنّ ثُلْث الحول ويُفيق ثُلْثيه أو بالعكس.

ولو تساوت أيّام إفاقته وجنونه بأن يجنّ يوماً ويُفيق يوماً ، أو يجنّ نصف الحول ويُفيق نصفه(٤) ، فإنّ إفاقته تُلفَّق ؛ لتعذّر الأغلب ؛ لعدمه هنا.

ولو كان يجنّ نصف الحول ثمّ يُفيق مستمرّاً ، أو يُفيق نصفه ثمّ يجنّ مستمرّاً ، فعليه في الأوّل من الجزية بقدر ما أفاق من الحول إذا استمرّت الإفاقة بعد الحول. وفي الثاني لا جزية عليه ؛ لأنّه لم تتمّ الإفاقة حولاً.

مسألة ١٧٣ : لا تؤخذ الجزية من النساء إجماعاً ؛ لقولهعليه‌السلام : « خُذْ من كلّ حالمٍ »(٥) خصّ الذَّكَر به.

____________________

= ٦٥٨ / ٢٠٤١ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧١ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٦ / ١١٨٧ ، و ٧ : ١٤٦ / ٢٤١٧٣ بتفاوت يسير.

(١) الكافي ٣ : ٥٦٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠١ ، التهذيب ٤ : ١١٤ / ٣٣٤.

(٢) المغني ١٠ : ٥٧٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩١.

(٣) في الطبعة الحجريّة زيادة : جزية.

(٤) في الطبعة الحجريّة : نصف الحول.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٩١ ، الهامش (٤)

٢٩٦

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قتل النساء »(١) .

ولو بذلَتْ امرأةٌ الجزيةَ ، عُرّفت أنّه لا جزية عليها ، فإن ذكرتْ أنّها تعلم ذلك وطلبتْ دفعه إلينا ، جاز أخذه هبةً لا جزيةً ، وتلزم على شرط لزوم الهبة. ولو شرطت ذلك على نفسها ، لم تلزم ، بخلاف ما لو قدر الرجل أكثر ممّا قدّره الإمام عليه من الجزية ؛ لأنّه لا حدّ للجزية قلّةً ولا كثرةً ، فلزمه ما التزم به.

ولو بعثت امرأةٌ من دار الحرب تطلب عقد الذمّة وتصير إلى دار الإسلام ، مُكّنت منه ، وعُقد لها بشرط التزام أحكام الإسلام ، ولا يؤخذ منها شي‌ء إلّا أن تتبرّع به بعد معرفتها أنّه لا شي‌ء عليها. وإن اُخذ منها شي‌ء على غير ذلك ، يُردّ عليها ؛ لأنّها بَذَلَتْه معتقدةً أنّه عليها.

ولو كان في حِصْنٍ رجالٌ ونساءٌ وصبيانٌ فامتنع الرجال من أداء الجزية وبذلوا أن يصالحوا على أنّ الجزية على النساء والولدان ، لم يجز ، لأنّ النساء والصبيان مال والمال لا يؤخذ منه الجزية ، ولا يجوز أخذ الجزية ممّن لا تجب عليه ويترك من تجب عليه. فإن صالَحهم على ذلك ، بطل الصلح ، ولا يلزم النساء شي‌ء. ولو طلب النساء ذلك ويكون الرجال في أمانٍ ، لم يصحّ.

ولو قُتل الرجال أو لم يكن في الحصن سوى النساء ، فطلبوا عقد الذمّة بالجزية ، لم يجز ، ويتوصّل إلى فتح الحِصْن ويسبين ؛ لأنّهنّ أموال للمسلمين.

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨ - ٢٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ / ٢٧٧.

٢٩٧

وقال الشيخرحمه‌الله : يلزمه عقد الذمّة لهنّ على أن تُجري عليهنّ أحكام الإسلام ، ولا يأخذ منهنّ شيئاً ، فإن أخذ منهنّ شيئاً ، ردّه عليهنّ(١) .

ولو دَخَلَت الحربيّة دار الإسلام بأمانٍ للتجارة ، لم يكن عليها أن تؤدّي شيئاً وإن أقامت دائماً بغير عوضٍ ، بخلاف الرجل. ولو طلبتْ دخول الحجاز على أن تؤدّي شيئاً ، جاز ؛ لأنّه ليس لها دخول الحجاز.

مسألة ١٧٤ : تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني والزمن‌ - وهو أحد قولي الشافعي(٢) - للعموم(٣) .

والثاني للشافعي : لا تؤخذ(٤) .

وفي رواية حفص عن الصادقعليه‌السلام أنّها تسقط عن المـُقعد والشيخ الفاني والمرأة والولدان(٥) .

قال الشيخرحمه‌الله : ولو وقعوا في الأسر ، جاز للإمام قتلهم(٦) .

والأعمى مساوٍ لهما على الأقرب.

وتؤخذ من أهل الصوامع والرهبان - وهو أحد قولي الشافعي(٧) -

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٠.

(٢) الاُمّ ٤ : ١٧٦ ، مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، المغني ١٠ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٧.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، المغني ١٠ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٧.

(٥) الكافي ٥ : ٢٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ / ٢٧٧.

(٦) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٢.

(٧) الاُمّ ٤ : ١٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، =

٢٩٨

للعموم(١) . وقد فرض عمر بن عبد العزيز على رهبان الديّارات الجزية على كلّ راهبٍ دينارين(٢) . ولأنّه كافر صحيح قادر على الجزية ، فوجبت عليه ، كالشمّاس(٣) .

والثاني للشافعي : لا جزية عليهم ؛ لأنّهم محقونون بدون الجزية ، فلا تجب ، كالنساء(٤) .

ونمنع الصغرى.

مسألة ١٧٥ : اختلف علماؤنا في إيجاب الجزية على المملوك ، فالمشهور : عدم وجوبها عليهم ، وهو قول العامّة بأسرهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « لا جزية على العبد »(٥) .

ولأنّه مالٌ ، فلا تؤخذ منه الجزية ، كغيره من الحيوانات(٦) .

وقال قوم : لا تسقط ؛ لقول الباقرعليه‌السلام وقد سُئل عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية؟ قال : « نعم » قلت : فيؤدّي عنه مولاه المسلم الجزية؟ قال : « نعم ، إنّما هو مالُه يفديه إذا اُخذ يؤدّي عنه »(٧) .

____________________

= الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٩.

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٧ / ١٠٩ ، المغني ١٠ : ٥٧٨.

(٣) الشمّاس من رؤوس النصارى : الذي يحلق وسط رأسه ويلزم البِيعَة. لسان العرب ٦ : ١١٤ « شمس ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٩.

(٥) المغني ١٠ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٧.

(٦) في « ق ، ك» : الحيوان.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٩ / ١٠٦.

٢٩٩

ولأنّه مشرك ، فلا يجوز أن يستوطن دار الإسلام بغير عوضٍ ، كالحُرّ.

ولا فرق بين أن يكون العبد لمسلمٍ أو ذمّي إن قلنا بوجوب الجزية عليه ، ويؤدّيها مولاه عنه.

ومَنَع بعضُ الجمهور أخْذَ الجزية من عبد المسلم ، وإلّا لزم أن يؤدّي المسلم الجزية(١) .

وهو ضعيف ؛ لأنّه يؤدّيها عن حقن دم العبد.

ولو كان نصفه حُرّاً ، وجب عليه عن نصفه الحُرّ ، وفي نصفه الرقيق قولان ، فإن أوجبناه ، اُخذ النصيب من مولاه.

ولو اُعتق العبد ، فإن كان حربيّاً ، قُهر على الإسلام أو يُردّ إلى دار الحرب ، قاله الشافعي(٢) .

وقال ابن الجنيد منّا : لا يُمكَّن من اللحقوق بدار الحرب ، بل يسلم أو يُحبس ؛ لأنّ في لحوقه بدار الحرب معونةً على المسلمين.

وإن كان ذمّيّاً ، لم يُقرّ في دار الإسلام إلّا بالجزية ، فإن لم يفعل ، ردّ إلى مأمنه بدار الحرب ، عند الشافعي(٣) ، وحُبس ، عند ابن الجنيد.

ولا خلاف بين العلماء أنّه بعد العتق تلزمه الجزية لما يستقبل ، إلّا ما روي عن أحمد أنّه يُقرّ بغير جزية ، سواء أعتقه المسلم أو الكافر(٤) ، وما رُوي عن مالك أنّه قال : لا جزية عليه إن كان المـُعتق مسلماً(٥) .

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩١.

(٤) المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٨١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٨.

٣٠٠

مسألة ١٧٦ : يجوز للرجل أن يستتبع في عقد الجزية مَنْ شاء من الأقارب وإن لم يكن محارم ، دون الأجانب ، بأن يشترط ، فإن أطلق ، لم يتبعه إلّا صغار أولاده وزوجاته وعبيده ؛ لأنّهم أموال ، ولا تتبعه نسوة الأقارب.

وأمّا الأصهار فالأقرب : عدم إلحاقهم بالأجانب.

وللشافعي وجهان(١) .

وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو اُعتق العبد فاستقلّوا(٢) ، فإمّا أن يؤدّوا الجزية أو يُقتلوا بعد الردّ إلى مأمنهم.

والأقارب(٣) : أنّه يجب على الصبي استئناف عقدٍ لنفسه.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

وإن اكتفي بعقد أبيه ، لزمه مثل ما لزم الأب وإن كان فيه زيادة.

وإذا بلغ سفيهاً ، عقد لنفسه بزيادة الدينار لحقن الدم ، ويصحّ من الوليّ بذل الدينار الزائد لحقن دمه.

ومَنْ يجنّ يوماً ويُفيق يوماً سبق(٥) حكمه.

وللشافعي أقوال :

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٣ ، الوسيط ٧ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٣.

(٢) في « ق » : واستقلّوا.

(٣) في الطبعة الحجريّة : والأقوى.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، الوسيط ٧ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠.

(٥) سبق في المسألة ١٧٢.

٣٠١

أحدها : تُلتقط أيّام [ إفاقته ](١) وتكمل سنة ، ويؤخذ منه دينار.

والثاني : لا شي‌ء.

والثالث : كالعاقل.

والرابع : يُنظر إلى الأغلب.

والخامس : يُنظر إلى آخر السنة ، كما في تحمّل العَقْل. وإذا وقع مثله في الأسر ، نُظر إلى وقت الأسر(٢) .

البحث الثاني : في مقدار الجزية.

مسألة ١٧٧ : اختلف علماؤنا في أنّ للجزية قدراً معيّناً لا يجوز تغييره على أقوال ثلاثة :

أحدها : أنّ فيها مقدّراً ، وهو ما قدّره عليّعليه‌السلام : على الفقير اثنا عشر درهماً ، وعلى المتوسّط أربعة وعشرون ، وعلى الغني ثمانية وأربعون في كلّ سنة(٣) - وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية(٤) - لما رواه العامّة : أنّ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : جنونه. وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٨ ، الوسيط ٧ : ٦٢ - ٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٦ / ٩٥ ، التهذيب ٤ : ١٢٠ / ٣٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ - ٥٤ / ١٧٨.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٩٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٩٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، =

٣٠٢

النبيعليه‌السلام أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً(١) .

وما تقدّم(٢) من وضع عليعليه‌السلام ، وكذا وضع عمر(٣) ، ولم يخالفهما أحد ، فكان إجماعاً.

الثاني : أنّه ليس فيها قدر موظّف لا قلّةً ولا كثرةً ، بل بحسب ما يراه الإمام من قلّة وكثرة بحسب المصلحة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(٤) ، والثوري وأحمد في رواية(٥) ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالم ديناراً(٦) . وصالح أهلَ نجران على ألفي حلّة ، النصف في صفر ، والنصف في رجب(٧) . وما وضعه عليّعليه‌السلام وعمر(٨) . وصالَح عمر بني تغلب على مثلَيْ ما على المسلمين من الصدقة(٩) . وهو يدلّ على عدم التقدير فيه.

____________________

= حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ - ٦٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤.

(١) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٢) تقدّم في ص ٢٩١ وكذا الإشارة إلى مصادره في الهامش (٥)

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٤ - ٤٥ / ١٠٤ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٦ ، المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٢.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٥ : ٥٤٥ ، المسألة ٩ ، وسلّار في المراسم : ١٤١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٠٥ ، وابن إدريس في السرائر : ١١٠ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٣٢٨.

(٥) المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤.

(٦) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٧) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٥.

(٨) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٥) من ص ٢٩١ ، والهامش (٣) من هذه الصفحة.

(٩) الأموال - لأبي عبيد - : ٣٣ - ٣٤ / ٧٠ و ٧١ ، المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير =

٣٠٣

ومن طريق الخاصّة : رواية زرارة - الصحيحة - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شي‌ء موظّف لا ينبغي أن يجاوز إلى غيره؟ فقال : « ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق »(١) الحديث.

الثالث : أنّها لا تتقدّر في طرف الزيادة ، وتتقدّر في طرف القلّة ، فلا يؤخذ من كلّ كتابيّ أقلّ من دينار - وهو قول ابن الجنيد ، وأحمد في رواية(٢) - لأنّ عليّاًعليه‌السلام زاد على ما قرّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم ينقص منه(٣) ، فدلّ على أنّ الزيادة موكولة إلى نظره دون النقصان.

وقال الشافعي : إنّها مقدّرة بدينار على الغني والفقير لا يجوز النقصان منه ، وتجوز الزيادة عليه إن بذلها الذمّيّ(٤) .

وقال مالك : هي مقدّرة في حقّ الغني بأربعين درهماً ، وفي حقّ المتوسّط بعشرين درهماً ، وفي حقّ الفقير بعشرة دراهم(٥) .

____________________

= ١٠ : ٥٩٢ - ٥٩٣.

(١) الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٨ ، التهذيب ٤ : ١١٧ / ٣٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٦ بتفاوت وزيادة.

(٢) المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٢.

(٣) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٣) من ص ٣٠١.

(٤) الاُمّ ٤ : ١٧٩ ، مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٩ و ٥٢٠ ، الوسيط ٧ : ٦٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٩٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١١ و ١١٢.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٤٠٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، وفيها بعض المقصود.

٣٠٤

مسألة ١٧٨ : تجب الجزية بآخر الحول ، ويجوز أخذها سَلَفاً‌ - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه مال يتكرّر بتكرّر الحول ، وتؤخذ في آخر كلّ حول ، فلا تجب بأوّله ، كالزكاة والدية.

وقال أبو حنيفة : تجب بأوّله ، ويُطالب بها عقيب العقد ، وتجب الثانية في أوّل الحول الثاني وهكذا ؛ لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٢) (٣) .

والمراد التزام إعطائها ، لا نفس الأخذ والإعطاء حقيقةً ، ولهذا يحرم قتالهم بمجرّد بذل الجزية قبل أخذها إجماعاً.

إذا عرفت هذا ، فالجزية تؤخذ ممّا تيسّر من أموالهم من الأثمان والعروض على حسب قدرتهم ، ولا يلزمهم شي‌ء معيّن ، كذهبٍ أو فضّة - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا بعث معاذاً إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً أو عِدْله معافري(٥) (٦) .

وأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من نصارى نَجْران ألفي حلّة(٧) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٤.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥.

(٤) المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

(٥) المعافري : برود باليمن منسوبة إلى معافر ، وهي قبيلة باليمن. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٦٢.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٧) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٥ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

٣٠٥

وكان عليّعليه‌السلام يأخذ الجنس ، فيأخذ الحبالَ من صانعها ، والمسالَّ(١) من صانعها ، والإبرَ من صانعها ، ثمّ يدعو الناس فيُعطيهم الذهب والفضّة ، فيقتسمونه ، ثمّ يقول : « خذوا هذا(٢) فاقتسموا » فيقولون : لا حاجة لنا فيه ، فيقول : « أخذتم خياره وتركتم شراره لتحملنّه »(٣) .

ولا تتداخل الجزية ، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر ، استُوفيت منه أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّه حقُّ ماليّ يجب في آخر كلّ حولٍ ، فلا تتداخل ، كالدية والزكاة.

وقال أبو حنيفة : تتداخل ؛ لأنّها عقوبة ، فتتداخل ، كالحدود(٥) .

والفرق : ما تقدّم.

مسألة ١٧٩ : يتخيّر الإمام في وضع الجزية إن شاء على رؤوسهم ، وإن شاء على أرضيهم.

وهل له أن يجمع بينهما فيأخذ عن رؤوسهم شيئاً وعن أرضيهم شيئاً آخر؟ منع منه الشيخان وابن إدريس(٦) ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادقعليه‌السلام :

____________________

(١) المِسَلَّة واحدة المسالّ ، وهي الإبر العظام. لسان العرب ١١ : ٣٤٢ « سلل ».

وفي الأموال - لأبي عبيد - : المسان ، بدل المسالّ.

(٢) كلمة « هذا » لم ترد في « ق ، ك».

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩ / ١١٧ ، المغني ١٠ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

(٤) الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، الوسيط ٧ : ٧٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٤.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٧ / ١٦٣٧ ، الوسيط ٧ : ٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٦.

(٦) المقنعة : ٢٧٣ ، النهاية : ١٩٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٨ ، السرائر : ١١٠.

٣٠٦

أرأيت ما يأخذ هؤلاء من الخُمْس من أرض الجزية ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم ، أما عليهم في ذلك شي‌ء موظّف؟ فقال : « كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من الجزية ، إن شاء الإمام وضع على رؤوسهم ، وليس على أموالهم شي‌ء ، وإن شاء فعلى أموالهم ، وليس على رؤوسهم شي‌ء »(١) .

وفي حديث آخر قال : « فإن أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم ، وإن أخذ من أراضيهم فلا سبيل على رؤوسهم »(٢) .

وقال أبو الصلاح : يجوز الجمع بينهما(٣) ؛ لعدم تقدّر الجزية قلّةً وكثرةً ، فجاز أن يأخذ من أرضيهم(٤) و رؤوسهم ، كما يجوز أن يُضعفها(٥) على رؤوسهم. ولأنّه أنسب بالصَّغار.

ونقول بموجَب الحديثين ، ونحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معيّن ، فإن شاء أخذه من رؤوسهم ، ولا شي‌ء حينئذٍ على أرضيهم(٦) ، وبالعكس.

مسألة ١٨٠ : يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة مَنْ يمرّ بهم من المسلمين إجماعاً ، بل تُستحبّ ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار - وكانوا ثلاثمائة نفر - في كلّ سنة ، وأن يضيفوا مَنْ‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٦ - ٥٦٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٨ ، التهذيب ٤ : ١١٧ / ٣٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١١٨ / ٣٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٧.

(٣) اُنظر : الكافي في الفقه : ٣٤٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : أراضيهم.

(٥) في الطبعة الحجريّة : يضعها.

(٦) في « ك » والطبعة الحجريّة : أراضيهم.

٣٠٧

يمرّ(١) بهم من المسلمين ثلاثة أيّام ، ولا يغشوا مسلماً(٢) .

وشرط على نصارى نجران إقراء رُسُله عشرين ليلة فما دونها ، وعارية ثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً وثلاثين دِرْعاً مضمونة إذا كان حدث باليمن(٣) .

ولأنّ الحاجة تدعو إليه ، وربّما امتنعوا من مبايعة المسلمين معاندةً وإضراراً.

ولو لم يشترط الضيافة ، لم تكن واجبةً - وبه قال الشافعي(٤) - للأصل. ولأنّ أصل الجزية إنّما تثبت بالتراضي ، فالضيافة أولى.

وقال بعض العامّة : تجب بغير شرط(٥) .

وتجوز لجميع الطارقين ، ولا تختصّ بأهل الفي‌ء ، خلافاً لبعض الشافعيّة أنّه لا تجوز لغير المجاهدين(٦) .

ويجب أن تكون الضيافة زائدةً على أقلّ ما يجب عليهم من الجزية - وهو أحد قولي الشافعي(٧) - فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط زيادةً على الدينار الضيافة(٨) . والدينار عنده مقدار(٩) الجزية(١٠) . ولأنّه لو شرط الضيافة من‌

____________________

(١) في « ق ، ك » : مرّ.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٣ ، المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٢٠١ / ٥٠٣.

(٤و٥) المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٧) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٩ - ٧٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٨) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٢)

(٩) في الطبعة الحجريّة : بمقدار.

(١٠) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٣٠٣.

٣٠٨

الجزية ولم يمرّ بهم أحد ، خرج الحول بغير جزية.

والثاني للشافعي : تُحتسب من الدينار الذي هو قدر الجزية عنده(١) (٢) .

ويجب أن تكون الضيافة المشترطة معلومةً بأن يكون عدد مَنْ يطعمونه من المسلمين في كلّ سنة معلوماً. ويكون أكثر الضيافة لكلّ أحد ثلاثة أيّام.

والأقرب عندي : جواز الزيادة مع الشرط.

ويجب أن يعيّن القوت قدراً وجنساً ، وعطف الدوابّ كذلك. ولا يكلّفوا الذبيحة ، ولا الضيافة بأرفع من طعامهم ، إلّا مع الشرط.

وينبغي أن تكون الضيافة على قدر الجزية ، فيُكثرها على الغني ، ويُقلّلها على الفقير ، ويُوسّطها على المتوسّط.

وينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم وفي بِيَعهم وكنائسهم. ويؤمرون بأن يُوسّعوا أبواب البيع والكنائس ، وأن يعلوها ليدخلها المسلمون ركبانا ، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء ، نزلوا في بيوت الفقراء ولا ضيافة عليهم. وإن لم تسعهم ، لم يكن لهم إخراج أهلها منها. ومَنْ سبق إلى منزلٍ ، كان أحقّ به ، ولو اجتمعوا ، فالقرعة.

وإذا شُرطت الضيافة وامتنع بعضُهم منها ، اُجبر عليها(٣) . ولو امتنع الجميع(٤) ، قُهروا وقُوتلوا مع الحاجة ، فإن قاتلوا ، نقضوا العهد وخرقوا‌

____________________

(١) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٣٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٣) في « ك » والطبعة الحجريّة : عليهم. وفي « ق » : عليه. والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

(٤) في الطبعة الحجريّة : جميعهم.

٣٠٩

الذمّة ، فإن طلبوا منه بعد ذلك العقد على أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزيةً لهم ، لزمه إجابتهم ، ولا يتعيّن الدينار.

مسألة ١٨١ : مع أداء الجزية لا يؤخذ سواها ، سواء اتّجروا في بلاد الإسلام أو لم يتّجروا ، إلّا في أرض الحجاز على ما يأتي - وبه قال الشافعي(١) - لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٢) جَعَل إباحة الدم ممتدّاً إلى إعطاء الجزية ، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها.

وما رواه العامّة من قولهعليه‌السلام : « فادعهم إلى الجزية ( فإن أطاعوك فاقبل منهم )(٣) وكُفّ عنهم »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام في أهل الجزية أيؤخذ من أموالهم ومواشيهم شي‌ء سوى الجزية؟ قال : « لا »(٥) .

وقال أحمد : إذا خرج من بلده إلى أيّ بلد كان من بلاد الإسلام تاجراً ، اُخذ منه نصف العُشْر ؛ لقولهعليه‌السلام : « ليس على المسلمين عشور ، إنّما العشور على اليهود والنصارى »(٦) (٧) .

____________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧ ، المغني ١٠ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : فإن أجابوك فدعهم.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٣ - ٩٥٤ / ٢٨٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٨٣ / ٢٢٤٦٩ ، و ٤٩٢ / ٢٢٥٢١ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٣ : ٥٦٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ٩٩ ، التهذيب ٤ : ١١٨ - ٣٣٩.

(٦) سنن البيهقي ٩ : ١٩٩ و ٢١١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ١٩٧ ، مسند أحمد ٦ : ٥٦٩ - ٢٢٩٧٢.

(٧) المغني ١٠ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٢.

٣١٠

ويحتمل أن يطلق لفظ العشور على الجزية ، أو يُحمل على المتّجرين بأرض الحجاز.

تذنيب : مصرف الجزية هو مصرف الغنيمة سواء ؛ لأنّه مال اُخذ بالقهر والغلبة ، فكان مصرفه المجاهدين ، كغنيمة دار الحرب.

مسألة ١٨٢ : اختُلف(١) في الصَّغار. فقال ابن الجنيد : إنّه عبارة عن أن يشترط عليهم وقت العقد إجراء أحكام المسلمين عليهم إذا كانت الخصومات بينهم وبين المسلمين أو تحاكموا(٢) إلينا في خصوماتهم ، وأن تؤخذ منهم وهُمْ قيام على الأرض.

[ و ](٣) قال الشيخرحمه‌الله : الصَّغار التزام أحكامنا وإجراؤها(٤) عليهم(٥) .

وقال الشافعي : هو أن يطأطئ رأسه عند التسليم ، فيأخذ المستوفي بلحيته ويضربه في لَهازِمه(٦) ، وهو واجب في أحد قولَيْه حتى لو وكَّل مسلماً بالأداء لم يَجُزْ. وإن ضمن المسلم الجزية ، لم يصحّ. لكن يجوز إسقاط هذه الإهانة مع اسم الجزية عند المصلحة بتضعيف الصدقة. ويجوز ذلك مع العرب والعجم. فيقول الإمام : أبْدَلْتُ الجزيةَ بضِعْف الصدقة ، فيكون ما يأخذه جزيةً باسم الصدقة. فيأخذ من خَمْسٍ من الإبل شاتين ، ومن خَمْسٍ وعشرين بنتي مخاض ، وممّا سقت السماء الخُمْس ، ومن مائتي درهم‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : اختلف علماؤنا.

(٢) في الطبعة الحجريّة : يتحاكموا.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) في « ق ، ك » : وجريانها.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٣.

(٦) اللهازم : اُصول الحَنَكيْن. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٢٨١ « لهزم ».

٣١١

عشرة دراهم ، ومن عشرين ديناراً ديناراً ، ويأخذ من ستّ وثلاثين بنتي لبون ، فإن لم تكن ، فبنتي مخاض ، ومع كلّ واحدة شاتان أو عشرون درهماً. ولا يُضعّف الجبران ثانياً. والإمام أيضاً يعطي الجبران.

وهل يحطّ عنهم الوَقْصَ؟ فيه ثلاثة أوجه له : أحدها : لا يحطّ فيأخذ من عشرين شاةً شاةً ، ومن مائة درهمٍ خمسةً. والثاني : يحطّ. والثالث : لا يحطّ إلّا إذا أدّى إلى التجزئة ، فيأخذ من سبع(١) من الإبل ونصف ثلاث شياه.

ثمّ على الإمام أن ينظر فيما يحصل من الصدقة ، فإن لم يف بمال الجزية إذا قُوبل بعدد رؤوسهم ، زاد إلى ثلاثة أضعاف وزيادة ، وله أن يقنع بنصف الصدقة [ و ](٢) إن كان وافياً.

قال الشافعي : ويجوز أخذ العُشْر من بضاعة تُجّار أهل الحرب وتجوز الزيادةُ إن رأى ، والنقصانُ إلى نصف العُشْر عن الميرة ترغيباً لهم في التكثير من كلّ ما يحتاج إليه المسلمون. وهل يجوز حطّ أصله؟ خلاف.

وأمّا الذمّيّ فلا يؤخذ من تجارته شي‌ء إلّا أن يتّجر في الحجاز ، ففيه خلاف.

ولا يؤخذ العُشْر في السنة أكثر من مرّة ، وإنّما يؤخذ هذا من الحربيّ إذا دخل بهذا الشرط ، فلو دخل بأمانٍ من غير شرط ، فأصحّ الوجهين أنّه لا شي‌ء عليهم.

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : سبعة. وما أثبتناه - كما هو الصحيح - من المصدر.

(٢) أضفناها من المصدر.

٣١٢

وأمّا الخراج فإنّما يكون إذا قُرّرت أملاكهم عليهم بشرط الخراج ، ويسقط بالإسلام ، فإن ملّكناها عليهم ورددناها بخَراجٍ ، فذلك اُجرة لا تسقط بالإسلام كأراضي العراق(١) .

مسألة ١٨٣ : إذا مات الذمّي بعد الحول ، لم تسقط عنه الجزية ، واُخذت من تركته - وبه قال الشافعي ومالك(٢) - لأنّه مال استقرّ وجوبه عليه في حال حياته ، فلا يسقط بالموت ، كسائر الديون.

وقال أبو حنيفة : تسقط - وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وعن أحمد روايتان - لأنّها عقوبة ، فسقطت بالموت(٣) .

ونمنع أنّها عقوبة وإن استلزمتها ، بل معاوضة ؛ لأنّها وجبت لحقن الدماء والمساكنة ، والحدّ يسقط بالموت ؛ لفوات محلّه وتعذّر استيفائه ، بخلاف الجزية.

ولو مات في أثناء الحول ، ففي مطالبته بالقسط نظرٌ أقربه : المطالبة - وبه قال ابن الجنيد - لأنّ الجزية معاوضة عن المساكنة ، وإنّما أخّرنا المطالبة إرفاقاً ، ولو لم يمت لم يُطالَب في أثناء السنة مع عقد العهد على أخذها في آخر السنة ؛ عملاً بالشرط.

____________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠٠ - ٢٠١.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ - ٧٠٣ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ و ٥٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤.

٣١٣

وتُقدّم الجزية على وصاياه. والوجه : مساواتها للدَّيْن ، فتقسَّط التركة عليهما مع القصور.

ولو لم يخلّف شيئاً ، لم يطالب ورثته بشي‌ء.

ولو مات قبل الحول ، لم يؤخذ من تركته شي‌ء أيضا.

ولو أفلس ، ضرب الإمام مع الغرماء بقدر الجزية.

ولو مات الذمّيّ وقد استسلف منه عن السنة المقبلة ، ردّ على ورثته بقدر ما بقي من السنة.

مسألة ١٨٤ : لو أسلم الذميّ في أثناء الحول ، سقطت الجزية إجماعاً منّا.

وإن أسلم بعد الحول ، قال الشيخان وابن إدريس : تسقط(١) - وبه قال مالك والثوري وأبو عبيد وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٣) أوجب الأخذ حالة الصّغار ، ولا يتحقّق في حقّ المسلم ، فلا تثبت الجزية أيضاً.

ولقوله تعالى :( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (٤) وهو عامٌّ.

____________________

(١) المقنعة : ٢٧٩ ، النهاية : ١٩٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٢ ، السرائر : ١١٠.

(٢) مقدّمات - لابن رشد - : ٢٨٤ ، التفريع ١ : ٣٦٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٧ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) الأنفال : ٣٨.

٣١٤

وقولهعليه‌السلام : « ليس على المسلم جزية »(١) .

وأسلم ذمّيٌّ فطُولب بالجزية وقيل له : إنّما أسلمت تعوّذاً ، قال : إنّ في الإسلام معاذاً ، فرُفع إلى عمر ، فقال عمر : إنّ في الإسلام معاذاً ، وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية(٢) .

ولأن الجزية صَغارٌ ، فلا تؤخذ ، كما لو أسلم قبل الحول.

وللشيخرحمه‌الله قول آخر : لا تسقط(٣) ، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر ، لأنّها دين مستحقّ واستحقّت المطالبة به ، فلا يسقط بالإسلام ، كالخراج والدَّيْن(٤) .

والفرق : أنّها عقوبة بسبب الكفر وصَغار ، بخلاف الدَّيْن.

ولا فرق بين أن يسلم لتسقط عنه الجزية أو لا لذلك.

وفرَّق الشيخرحمه‌الله ، فأوجب الجزية على التقدير الأوّل دون الثاني ، كما لو زنى ذمّيٌّ بمسلمة ، لا يسقط عنه القتل بإسلامه(٥) .

ولو أسلم في أثناء الحول ، سقطت عنه الجزية ، وهو أحد قولي‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧١ / ٣٠٥٣ ، سنن الدار قطني ٤ : ١٥٦ و ١٥٧ / ٦ و ٧ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ١٩٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٦٨ / ١٩٥٠.

(٢) الأموال - لأبي عبيد - : ٥٢ / ١٢٢ ، المغني ١٠ : ٥٧٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧.

(٣) الخلاف ٥ : ٥٤٧ ، المسألة ١١.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، الأحكام السلطانية - للماوردي - : ١٤٥ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٥.

٣١٥

الشافعي(١) . والثاني : يؤخذ منه القسط(٢) .

ولو استسلف منه [ الجزية ](٣) ثمّ أسلم في أثناء الحول ، ردّ عليه قسط باقي الحول.

وهل يردّ لما مضى؟ الأقرب : عدمه.

والفرق بين أن يأخذ منه وأن لا يأخذ ظاهرٌ ؛ لتحقّق الصَّغار للمسلم في الثاني دون الأوّل.

البحث الثالث : فيما يشترط على أهل الذمّة‌

مسألة ١٨٥ : لا يجوز عقد الذمّة المؤبّدة إلّا بشرطين : التزام إعطاء الجزية في كلّ حول ، والتزام أحكام الإسلام بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون من أداء حقٍّ أو ترك محرَّم.

وعقد الذمّة والهدنة لا يصحّ إلاّ من الإمام أو نائبه إجماعاً.

ولو شرط عليهم في الذمّة [ شرطاً ](٤) فاسداً ، مثل أن لا جزية عليهم ، وأن يُظهروا المناكير ، أو أن يسكنوا الحجاز ، أو يدخلوا الحرم أو المساجد ، أو‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٢٥٥.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٣ و ٣١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : الحربي. وذلك تصحيف.

وما أثبتناه - كما في منتهى المطلب ٢ : ٩٦٨ - هو الصحيح.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : عقداً. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣١٦

عدم الالتزام بأحكام الإسلام ، لم يصحّ الشرط إجماعاً. والأقرب : فساد العقد أيضاً.

وينبغي للإمام أن يشترط عليهم كلّ ما فيه نفع المسلمين ورفعتهم.

قال ابن الجنيد : اختار أن يشترط عليهم أن لا يُظهروا سبّاً لنبيّناعليه‌السلام ، ولا لأحد من الأنبياء والملائكة ، ولا سبّ أحد من المسلمين ، ولا يطعنوا في شي‌ء من الشرائع ، ولا يُظهروا شركهم في عيسى والعُزَيْر ، ولا يرعون خنزيراً في شي‌ء من أمصار الإسلام ، ولا يمثلوا ببهيمة ولا يذبحوها إلّا من حيث نُصّ لهم في كتبهم على مذبحها ، ولا يقرّبوها لصنم ولا لشي‌ء من المخلوقات ، ولا يربوا(١) مسلماً ، ولا يعاملوه في بيع ولا إجارة ولا مساقاة ولا مزارعة معاملة لا يجوز للمسلمين ، ولا يسقوا مسلماً خمراً ، ولا يعطوه مُحرَّماً ، ولا يقاتلوا مسلماً ، ولا يعاونوا باغياً ، ولا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم ، ولا يدلّوا على عوراتهم ، ولا يحيوا من بلاد المسلمين(٢) شيئاً إلّا بإذن وإليهم ، فإن فعلوا ، كان للوالي إخراجه من أيديهم ، ولا ينكحوا مسلمة بعقد ولا غيره ، ويشترط عليهم أيضا كلّ ما قلنا إنّه ليس بجائز لهم فعله ، كدخول الحرم ، وسكنى الحجاز ، وغيرهما ، يقال(٣) : فمن فعل شيئاً من ذلك فقد نقض عهده ، واُحلّ دمه وماله ، وبرئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله(٤) والمؤمنين.

مسألة ١٨٦ : جملة ما يشترط على أهل الذمّة ينقسم ستّة :

____________________

(١) في متن الطبعة الحجريّة : ولا يرثوا. وما أثبتناه هو الموافق لما في هامشها بعنوان نسخة بدل ، وما في منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٩٦٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : بلاد الإسلام.

(٣) كذا ، وفي منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٩٦٩ : ثمّ يقال.

(٤) في الطبعة الحجريّة : ذمّة الله ورسوله.

٣١٧

الأوّل : ما يجب شرطه ، ولا يجوز تركه ، وهو أمران : أحدهما : شرط الجزية عليهم ، وثانيهما : التزام أحكام الإسلام ، ولا بدّ منهما معا لفظا ونطقا ، ولا يجوز الإخلال بهما ولا بأحدهما ، فإن أغفل أحدهما ، لم تنعقد الجزية ، لقوله تعالى : (حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ )(١) والصّغار هو التزام أحكام الإسلام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ولو منع(٢) الرجال وأبوا أن يؤدّوا الجزية ، كانوا ناقضين للعهد ، وحلّت دماؤهم وقتلهم »(٣) .

الثاني : ما لا يجب شرطه لكنّ الإطلاق يقتضيه ، وهو : أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان من العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالإعانة على حرب المسلمين ، لأنّهم إذا قاتلونا ، وجب علينا قتالهم ، وهو ضدّ الأمان.

وهذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما ، سواء شرط ذلك في العقد أو لا.

الثالث : ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكفّ ، وهو سبعة : ترك الزنا بالمسلمة وعدم إصابتها باسم النكاح ، وأن لا يفتنوا مسلماً عن دينه ، ولا يقطع عليه الطريق ، ولا يؤوي عين المشركين ، ولا يعين على المسلمين بدلالةٍ أو بكتابة كتابٍ إلى أهل الحرب بأخبار المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ولا يقتلوا مسلماً ولا مسلمةً ، فإن فعلوا شيئاً من ذلك وكان تركه شرطاً في العقد ، نقضوا العهد ، وإلّا فلا.

____________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) في الكافي والتهذيب : امتنع.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ / ٢٧٧.

٣١٨

ثمّ إن أوجب ما فعلوه حدّاً ، حدّهم الإمام ، وإن لم يوجبه ، عزَّرهم بحسب ما يراه.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا يكون نقضاً للعهد مع الشرط ؛ لأنّ كلّ ما لا يكون فعله نقضاً للعهد(١) إذا لم يُشترط(٢) لم يكن نقضاً وإن اشتُرط(٣) ، كإظهار الخمر والخنزير(٤) .

ونمنع الكلّيّة وثبوت الحكم في الأصل.

وقال أبو حنيفة : لا ينتقض العهد إلّا بالامتناع من الإمام على وجه يتعذّر معه أخذ الجزية منهم(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الأمان وقع على هذا الشرط ، فيبطل ببطلانه.

ولأنّ عمر رُفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا ، فقال : ما على هذا صالحناكم. ثمّ أمر به فصلب في بيت المقدس(٦) .

الرابع : ما فيه غضاضة على المسلمين ، وهو ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم بسوء.

فإن نالوا بالسبّ لله تعالى أو رسوله ، وجب قتلهم ، وكان نقضاً للعهد.

وإن نالوا بدون السبّ أو ذكروا دين الإسلام أو كتاب الله تعالى بما‌

____________________

(١) كلمة « للعهد » لم ترد في « ق ، ك ».

(٢ و ٣) في « ق ، ك » : لم يشرط شرط.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، التنبيه : ٢٣٩ ، الوسيط ٧ : ٨٥ ، حلية العلماء ٧ : ٧١١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٧ - ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٦.

(٥) المغني ١٠ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

(٦) المغني ١٠ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

٣١٩

لا ينبغي ، فإن كان قد شرط عليهم الكفّ عن ذلك ، كان نقضاً للعهد ، وإلّا فلا.

وقال بعض الشافعيّة : يجب شرط ذلك ، فإن أهمل ، فسد عقد الذمّة ؛ لأنّه ممّا يقتضيه الصَّغار(١) .

الخامس : ما يتضمّن المنكَر ولا ضرر فيه على المسلمين ، وهو : أن لا يحدثوا كنيسةً ولا بِيعةً في دار الإسلام ، ولا يرفعوا أصواتهم بكُتًبهم ، ولا يضربوا الناقوس ، ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين ، ولا يُظهروا خمراً ولا خنزيراً في دار الإسلام. فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ عنه ، سواء شرط عليهم أو لا ، فإن خالفوا وكان مشروطاً عليهم ، انتقض أمانهم ، وإلّا فلا ، بل يجب الحدّ أو التعزير ؛ لما رواه العامّة عن عمر ، قال : مَنْ ضرب مسلماً عمداً فقد خلع عهده(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قَبِل الجزية من أهل الجزية(٣) على أن لا يأكلوا الربا ، ولا يأكلوا لحم الخنزير ، ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ، فمَنْ فَعَل ذلك منهم برئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله(٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : ليست لهم اليوم ذمّة »(٥) .

ولأنّه عقد منوط بشرط ، فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد ، كما لو امتنع من التزام قبول الجزية.

____________________

(١) اُنظر : المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، وحلية العلماء ٧ : ٧١٢.

(٢) المغني ١٠ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

(٣) في المصدر : أهل الذمّة.

(٤) في التهذيب والطبعة الحجريّة : رسول الله.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٧ ، التهذيب ٦ : ١٥٨ / ٢٨٤.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466