تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 319285 / تحميل: 5222
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بمستحفظ قلعة يعرف بيوسف الخوارزمي و حمل إلى قرب سريره مع غلامين ، فتقدّم أن تضرب له أربعة أوتاد و شدّ أطرافه إليها ، فقال يوسف ، يا مخنث ، مثلي يقتل هذه القتلة ؟ فغضب ألب أرسلان و أخذ القوس و النشّاب و قال للغلامين : خلّياه و رماه بسهم فأخطأه و كان لا يخطي سهمه فوثب يوسف يريده و السلطان على سدّة ، فلمّا رأى يوسف يقصده قام عن السدّة و نزل عنها ، فعثر فوقع على وجهه فبرك عليه يوسف و ضربه بسكين كانت معه في خاصرته ، و كان سعد الدولة واقفا فجرحه أيضا جراحات ، فقال السلطان لمّا جرح : ما من وجه قصدته و عدوّ أردته إلاّ استعنت باللّه عليه ، و لمّا كان أمس صعدت على تلّ فارتجت الأرض تحتي من عظم الجيش و كثرة العسكر فقلت في نفسي : « أنا ملك الدنيا و ما يقدر أحد عليّ » فعجزني اللّه بأضعف خلقه مات في العاشر من ربيع الأول في تلك السنة ، و كان اتّسع ملكه جدّا و دان له العالم ، و بحق قيل له : سلطان العالم .

« غفر اللّه لي و لكم » هكذا في ( المصرية١ و ابن أبي الحديد )٢ و لكن في ( ابن ميثم )٣ هذا الكلام قبل : « أنا بالأمس صاحبكم » .

« إن ثبتت » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( تثبت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« الوطأة » أي : موضع القدم .

« في هذه المزلّة » بفتح الزاي و كسرها : موضع الزلل جعل عليه السلام الدنيا مزلّة حيث لا ثبات لقدم الإنسان فيها ، و هو فيها في كلّ ساعة مظنّة للوقوع

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ٤٥ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٦ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

٤١

و السقوط فيها من آفاتها و مصيباتها ، و أتى عليه السلام للثبوت فيها ب ( إن ) الموضوعة للشك ، حيث إنّ ثبوت القدم في المزلّة أمر مشكوك .

« فذاك » و زاد في نسخة ابن ميثم : « المراد » .

« و إن تدحض » أي : تزلق .

« القدم » من موضع الحياة إلى محلّ الممات فلا بعد .

« فإنّا كنّا في أفياء » جمع في‏ء ، و عن روبة : كلّما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو في‏ء و ظلّ ، و ما لم تكن عليه الشمس فهو ظلّ و الأصل في الفي‏ء :

الرجوع ، فالظلّ يرجع من جانب إلى جانب .

« أغصان » مثل لعدم ثبات الدنيا ، فإذا استظلّ الإنسان بغصن لم يطل الزمان حتى ينسخه الشمس بحركتها .

« و مهبّ » و في ( ابن ميثم١ و الخطية ) : « و مهاب » .

« رياح » مثل آخر لعدم الاعتبار بالحياة الدنيا ، فكما أنّ نارا أو شمعة كانت في محلّ هبوب الرياح تذهب بها ، كذلك حياة الإنسان في مقابل رياح حوادث الدهر ، و لنعم ما قيل بالفارسية :

اين سيل متفق بكند روزى اين درخت و اين باد مختلف بكشد روزى اين چراغ .

« و تحت ظلّ غمام » أي : سحاب .

« اضحمل في الجوّ » و الجو : ما بين السماء و الأرض .

« متلفقها » الشقق المنضمّة من الغمام بعضها إلى بعض .

« و عفا » أي : اندرس .

« في الأرض مخطها » موضع خطها و قوله عليه السلام : و تحت ظلّ غمام . .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

٤٢

قال :

أراها و إن كانت تحب فإنّها

سحابة صيف عن قليل تقشّع

و قال ابن الدهان : ما الإنسان في دنياه إلاّ كبارقة تلوح ، نفسه نفس توالى ، و مدّته مدى ، و الروح ريح .

و قال بعضهم : إقبال الدنيا كإلمامة ضيف ، أو سحابة صيف ، أو زيارة طيف .

و في ( الحلية ) : مات أخ لصلة بن أشيم و هو في بيته يطعم ، فجاء إليه رجل و نعاه ، فقال له : إنّه كان نعي إلينا فقال : ما سبقني إليك أحد ، فمن نعاه ؟

فقال : نعاه اللّه تعالى ، يقول : . إنّك ميت و إنّهم ميتون١ .

و اعلم أنّ مرمى كلامه عليه السلام مع كونه ضرب ضربة كما قال ضاربه اللعين : لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم : هو تنبيه الغافلين و هداية الضالين و ردعهم عن محبّة الدنيا المهلكة ، كما كان عليه السلام في جميع أيام حياته في ليله و نهاره كذلك ، فيقول لهم تارة : « أنا بالأمس صاحبكم و سلطانكم ،

و اليوم عبرة لكم بكونه ملقى على الأرض و غدا مفارقكم بالرحلة عن الدنيا » و اخرى يقول لهم : « ان تثبت الوطأة إلى و عفا في الأرض مخطها » فيخبرهم عن الإنسان و الموت ، و أنّه لابدّ لكلّ إنسان أن يموت ، و أنّه لذاك السبع كالقوت ، دون أن يريد شخصه عليه السلام فهو عليه السلام ذكر حكم الكلي و ذكر نفسه فردا له ، بأنّه ان تثبت الوطأة للإنسان في مزلّة الدنيا من آفة أصابته فهو شي‏ء يريده الإنسان ، حيث يحبّ الحياة طبعا ، و ان دئ‏حضت قدم الإنسان و مات فلا عجب و لا غرو و لا بدع ، حيث إنّ الإنسان و ما يريده من الحياة كرجل استظلّ بفي‏ء غصن أو ظلّ غمام ، ليس ظلّهما إلاّ آنات ، و كسراج في

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزمر : ٣٠ .

٤٣

مهب رياح لم يعلم بقاؤه ساعات .

و لم يتفطن ابن أبي الحديد لمغزى مرامه عليه السلام فخبط و خلط و قال :

كلامه عليه السلام : « تثبت الوطأة . » يدلّ على أنّه عليه السلام بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنّه يموت من ضربته .

و معنى قوله : « فذاك » أي : إن سلمت فذاك الذي تطلبونه ، يخاطب أهله و أولاده ، و لا ينبغي أن يقال : فذاك ما أطلبه ، لأنّه عليه السلام كان يطلب الآخرة أكثر من الدنيا .

و قوله عليه السلام : « و غدا مفارقكم » لا يعني غدا بعينه ، و قوله عليه السلام لابن ملجم :

اريد حباءه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

و قوله عليه السلام لشيعته لمّا قالوا له : فهلاّ تقتله ؟ : « كيف أقتل قاتلي » ،

و قوله عليه السلام في البطّ الصائح خلفه في المسجد ليلة ضرب ابن ملجم له :

« دعوهن فإنّهنّ نوائح » ، و قوله عليه السلام تلك الليلة : « رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فشكوت إليه ما لقيت من امته ، فقال : ادع عليهم » و قوله عليه السلام : « لا اقتل محاربا و إنّما اقتل فتكا و غيلة ، يقتلني رجل خامل الذكر » و ما جاء منه من هذا الباب من آثار كثيرة كلّها لا يدلّ على أنّه يعلم الأمر مفصّلا .

و من الجائز أن يكون علم أنّ ابن ملجم هو الذي يقتله ، و لم يعلم محققا أنّ هذه الضربة تزهق نفسه ، بل كان يجوز أن يفيق ثم يكون قتله بعد على يده و إن طال الزمان .

و قوله في البطّ ، لعلّه علم أنّ تلك الليلة يخرج و إن لم يعلم أنّه يموت منه ،

و النوائح قد ينحن على المجروح . .

فموته عليه السلام من تلك الضربة كان أمرا معلوما لكلّ أحد ، فإنّه ليس في العادة أن يضرب أحد ضربة مثل ضربته و يعيش ، كما ليس في العادة أن

٤٤

يعيش من قطع رأسه و لو كان قال بدل خبطاته تلك : إنّه لم يكن علم أولا إلاّ أنّه علم بعد بإخبار أثير بن عمرو المتطبب أنّ الضربة و صلت إلى امّ رأسه ، كما رواه أبو الفرج١ ، و بوصف ابن ملجم لضربته ، فروى أبو الفرج عن عبد اللّه بن محمّد الأزدي قال : ادخل ابن ملجم على عليّ عليه السلام و دخلت عليه السلام في من دخل ، فسمعته يقول : « النفس بالنفس ، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني ، و إن سلمت رأيت فيه رأيي » فقال ابن ملجم : و اللّه لقد ابتعته بألف و سممته بألف فإن خانني فأبعده اللّه و قالت له امّ كلثوم : يا عدوّ اللّه إنّي لأرجو ألا يكون على أبي بأس فقال لها : فأراك إنّما تبكين عليّ إذن و اللّه لقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم كان له وجه ظاهري ، و إلاّ فتعبيره عليه السلام بقوله : « إن أنا متّ » « و إن سلمت » لبيان آداب الشرع و تعليم النّاس تكاليفهم ، بأنّه بمجرّد ضربة يحتمل اداؤها إلى الموت لا يجوز قتل الضارب ، و كيف و تواتر عنه عليه السلام و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قتله من ضربة على رأسه تخضب منها لحيته ؟ و روى ( الأسد )٢ مسندا عن عمرو ذي مر قال : لمّا اصيب عليّ عليه السلام بالضربة دخلت عليه و قد عصبت رأسه فقلت : يا أمير المؤمنين أرني ضربتك .

فحلّها فقلت : خدش و ليس بشي‏ء قال : إنّي مفارقكم فبكت امّ كلثوم من وراء الحجاب ، فقال لها : اسكتي فلو ترين ما أرى لمّا بكيت فقلت : يا أمير المؤمنين ماذا ترى ؟ قال : هذه الملائكة و فود و النبيّون ، و هذا محمّد صلّى اللّه عليه و آله يقول : يا عليّ أبشر ، فما تصير إليه خير ممّا أنت فيه .

و في ( مروج المسعودي )٣ : قيل : إنّ عليّا عليه السلام لم ينم تلك الليلة ، و إنّه لم

ــــــــــــ

 ( ١ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢٣ .

 ( ٢ ) اسد الغابة للجزري ٤ : ٣٨ .

 ( ٣ ) المروج للمسعودي ٢ : ٤٢٥ .

٤٥

يزل يمشي بين الباب و الحجرة و هو يقول : ما كذبت و لا كذبت ، و إنّها الليلة التي وعدت فلمّا صرخ بطّ كان للصبيان صاح بهن بعض من في الدار ، فقال عليّ عليه السلام : ويحك دعهنّ فانّهن نوائح إلى أن قال و خرج إلى المسجد و قد عسر عليه فتح باب داره و كان من جذوع النخل فاقتلعه و جعله ناحية و انحل إزاره فشدّه و جعل ينشد :

اشدد حيازيمك للموت

فإن الموت لاقيكا

و لا تجزع من الموت

إذا حلّ بواديكا

و كيف لم يكن علم عليه السلام ذلك و قد كان عليه السلام أخبر به كرارا ، حتى إنّ شيعته كانوا يخبرونه بذلك من وصفه ؟ ففي ( إرشاد محمّد بن محمّد بن النعمان )١ : روى العلماء أنّ جويرية بن مسهر وقف على باب القصر فقال : يا أمير المؤمنين قيل له : نائم فنادى : أيّها النائم ، استيقظ فو الذي نفسي بيده ليضربن ضربة على رأسك يخضب منها لحيتك ، كما أخبرتنا بذلك من قبل فسمعه أمير المؤمنين عليه السلام فنادى : أقبل يا جويرية حتى احدثك بحديثك فأقبل فقال : و أنت و الذي نفسي بيده لتعتلن بك إلى العتل الزنيم ، و ليقطعنّ يدك و رجلك ثم لتصلبنّ تحت جذع كافر فقطع زياد يده و رجله و صلبه تحت جذع ابن مكعبر ، و كان جذعا طويلا .

و بالجملة غاية ما يمكن أن يقال : إنّه تعالى أخفى عليه عليه السلام وقوع الضربة عليه ساعة خروجه ، لجري مقاديره عليه كما على غيره من عباده ،

كما عرفت من الخبر المتقدّم .

« و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أياما » و في الخبر : إنّ الإنسان في أهله كضيف نزل بقوم ليلا ، و ارتحل عنهم صباحا .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد للمفيد ١ : ٣٢٢ .

٤٦

قال ابن أبي الحديد١ في قوله عليه السلام : « جاوركم بدني أياما » : إشعار بما ذهب إليه الأكثر في النفس ، و أنّ هوية الإنسان شي‏ء غير هذا البدن .

قلت : بل فيه إشعار بأنّ روحه عليه السلام غير أرواحهم ، لم يجاورهم بروحه بل جاورهم ببدنه .

روى الكليني٢ عن جابر قال : سألت أبا جعفر عن علم العالم ، فقال لي :

إنّ في الأنبياء و الأوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، و روح الإيمان ، و روح القوة و روح الشهوة ، فبروح القدس عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ،

و هذه الأرواح يصيبها الحدثان إلاّ روح القدس فانّه لا تلهو و لا تلعب .

« و ستعقبون مني جثة خلاء » أي : خالية من الروح .

« ساكنة بعد حراك » أي : حركة و المراد شجاعته و قوّته ، و شجاعته كانت كما قال : لو تظاهرت العرب على قتالي لمّا وليت عنها ، و قوّته كانت كما قلع باب خيبر .

« و صامتة بعد نطق » في ( القاموس ) : نطق نطقا و منطقا و نطوقا : تكلّم بصوت و حروف تعرف بها المعاني .

و قد قال معاوية في نطقه عليه السلام : ما سنّ الفصاحة لقريش إلاّ عليّ و قال عمر بن سعد يوم الطفّ لمّا خطبهم الحسين عليه السلام : لو تكلّم يوما و ليلة ما يعيى ،

إنّه ابن عليّ بن أبي طالب .

« ليعظكم هدوّي » أي : سكوني و عدم قدرتي على الشخوص .

« و خفوت » من : خفت الصوت : سكن ، و منه قيل للميت : خفت ، إذا انقطع كلامه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٢٣ .

 ( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٢٧٢ ح ٢ .

٤٧

« أطرافي » هكذا في ( المصرية ) بالفاء ، و الصواب : ( اطراقي ) بالقاف ، كما في ( ابن أبي الحديد١ و ابن ميثم )٢ من ( أطرق ) : أرخى عينيه ينظر إلى الأرض .

و في ( اسد الغابة )٣ : بعث الأشعث بن قيس صبيحة ضرب عليّ عليه السلام ابنه قيس بن الأشعث لينظر كيف هو ؟ فرجع و قال له : رأيت عينيه داخلتين في رأسه .

« و سكون أطرافي » أي : الأعضاء الواقعة في الطرف ، كاليدين و الرجلين و الرأس .

« فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ » لأنّه وعظ عملا لا يحتمل كذبه .

« و القول المسموع » و في المثل الفارسي : شنيدن كى بود مانند ديدن .

في ( تاريخ اليعقوبي )٤ بعد ذكر أنّ الأسكندر غلب على دار ملك فارس و على فور ملك الهند و قتله لهما : ثم رجع إلى أرض بابل بعد أن دوّخ الأرض ،

فلمّا صار في أداني العراق ممّا يلي الجزيرة اعتل و مات ، فصيروه في تابوت ثم وقف عليه عظيم من الفلاسفة فقال : هذا يوم عظيم كشف الملك عنه ، أقبل من شرّه ما كان مدبرا ، و أدبر من خيره ما كان مقبلا ، فمن كان باكيا على ملك فعلى هذا الملك فليبك ، و من كان متعجبا من حادث فمن هذا الحادث فليتعجّب .

ثم أقبل ذاك العظيم على من حضره من الفلاسفة ، فقال : يا معشر الحكماء ،

ليقل كلّ امرئ منكم قولا يكون للخاصة معزيا و للعامة واعظا .

فقام كلّ واحد من تلامذة ارسطاطاليس فضرب بيده على التابوت ، ثم قال أحدهم : أيّها المنطيق ما أخرسك ؟ أيها العزيز ما أذلّك ؟ أيّها القانص أنّى

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

 ( ٣ ) اسد الغابة ٤ : ٣٧ .

 ( ٤ ) التاريخ لليعقوبي ١ : ١٤٣ .

٤٨

وقعت موضع الصيد في الشرك ؟ من هذا الذي قنصك ؟ ثم قام آخر ، فقال : هذا القوي الذي أصبح ضعيفا و قام آخر فقال : قد كانت سيوفك لا تجفّ و نقماتك لا تؤمن ، و كانت مدائنك لا ترام ، و كانت عطاياك لا تبرح ، و كان ضياؤك لا يكفّ فأصبح صوتك قد خمد ، و نقماتك لا تخشى و أصبحت عطاياك لا ترجى ،

و أصبحت سيوفك لا تنتضى و أصبحت مدائنك لا تمنع ثم قام آخر فقال : هذا الذي كان للملوك قاهرا فقد أصبح اليوم للسوقة مقهورا و قام آخر فقال : قد كان صوتك مرهوبا و كان ملكك غالبا ، فأصبح الصوت قد انقطع و الملك قد اتضع و قام آخر فقال : ألا امتنعت من الموت إذ كنت من الملوك ممتنعا ؟ و هلاّ ملكت عليه إذ كنت عليهم مملكا ؟ و قام آخر فقال : حرّكنا الإسكندر بسكونه و أنطقنا بصموته .

كان ملك الإسكندر اثنتي عشرة سنة ، و لمّا علم أنّ الموت نزل به كتب إلى امّه يعزيّها عن نفسه ، و كتب في آخره : اصنعي طعاما و اجمعي من قدرت عليه من نساء أهل المملكة ، و لا يأكل من طعامك من اصيب بمصيبة قط .

فعملت طعاما و جمعت النّاس ، ثم أمرتهم ألا يأكل من اصيب بمصيبة قط فلم يأكل أحد ، فعلمت ما أراد ، و حمل تابوته من العراق إلى الإسكندرية فتلقته امّه بعظماء أهل المملكة ، فلمّا رأته قالت : يا ذا الذي بلغت السماء حكمته ، و حاز أقطار الأرض ملكه ، و دانت الملوك عنوة له ، مالك اليوم نائما لا تستيقظ ،

و ساكتا لا تتكلّم ؟ من يبلّغك عنّي بأنّك و عظتني فاتعظت ، و عزيتني فتعزيت ؟

فعليك السلام حيّا هالكا .

و كان عظم سلطانه و اعانته الحكمة و العقل و المعرفة و كان ارسطاطاليس معلّمه .

و في ( كامل الجزري ) : لمّا مات عضد الدولة و كان عاقلا فاضلا حسن

٤٩

السياسة ، كثير الإصابة ، شديد الهيبة ، بعيد الهمّة ، ثاقب الرأي ، محبّا للفضائل و أهلها ، باذلا في مواضع العطاء ، مانعا في أماكن الحزم ، ناظرا في عواقب الامور ، فقصده العلماء من كلّ بلد و صنّفوا له الكتب ، و منها الايضاح في النحو ، و الحجّة في القراءات ، و الملكي في الطب ، و التاجي في التاريخ و غيرها ،

و عمل المصالح كالبيمارستانات و القناطر ، و بنى سورا على المدينة بلغ خبره بعض العلماء و عنده جماعة من أعيان الفضلاء ، فتذاكروا الكلمات التي قالها الحكماء عند موت الاسكندر ، فقال بعضهم : لو قلتم أنتم مثلها لكان ذلك يؤثر عليكم فقال أحدهم : قد وزن هذا الشخص الدنيا بغير مثقالها ، و أعطاها فوق قيمتها ، و طلب الربح فيها ، فخسر روحه فيها .

و قال الثاني : من استيقظ للدنيا فهذا نومه ، و من حلم فيها فهذا انتباهه .

و قال الثالث : ما رأيت عاقلا في عقله ، و لا غافلا في غفلته مثله ، لقد كان ينقض جانبا و هو يظن أنّه مبرم ، و يغرم و هو يظن أنّه غانم .

و قال الرابع : من جدّ للدنيا هزلت به ، و من هزل راغبا عنها جدت له .

و قال الخامس : ترك هذه الدنيا شاغرة ، و رحل عنها بلا زاد و لا راحلة .

و قال السادس : إنّ ماء اطفأ هذه النار لعظيم ، و إنّ ريحا زعرت هذا الركن لعصوف .

و قال السابع : إنّما سلبك من قدر عليك .

و قال الثامن : أما لو كان معتبرا في حياته لمّا صار عبرة في مماته .

و قال التاسع : الصاعد في درجات الدنيا إلى استفال ، و النازل في دركاتها إلى تعال .

و قال العاشر : كيف غفلت عن كيد هذا الأمر حتى نفذ فيك ؟ و هلاّ اتخذت دونه جنّة تقيك ؟ إنّ في ذلك لعبرة للمعتبرين .

٥٠

« وداعيكم » هكذا في ( المصرية )١ و الصواب : ( وداعي لكم ) كما في بن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« وداع امرئ مرصد للتلاقي » قال عليه السلام هذا لشيعته فهو ساقيهم من الكوثر ،

كما أنّه ذائد عنه مخالفيه .

روى المدائني٢ : أنّ الحسن عليه السلام قال لمولى له : أتعرف معاوية بن حديج ؟ قال : نعم قال : إذا رأيته فاعلمني فرآه خارجا من دار عمرو بن حريث فقال له عليه السلام : هو هذا فدعاه فقال له : أنت الشاتم عليّا عليه السلام عند ابن آكلة الأكباد ؟ أما و اللّه لئن وردت الحوض و لن ترده لترينّ عليّا عليه السلام مشمّرا عن ساقيه حاسرا عن ذراعيه يذود عنه المنافقين و في خبر يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرائب الإبل .

و روى المفيد في ( أماليه )٣ عن الأصبغ قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليه السلام في نفر من الشيعة و كنت فيهم فجعل الحارث يتأوّد في مشيته ، و يخبط الأرض بمحجنه و كان مريضا فأقبل عليه السلام عليه و كانت له منزلة عنده فقال : كيف تجدك يا حارث ؟ فقال : نال الدهر مني .

فقال عليه السلام له : ابشّشرك يا حارث تعرفني عند الممات و عند الصراط و عند الحوض و عند المقاسمة قال الحارث و ما المقاسمة ؟ قال عليه السلام : مقاسمة النار ،

اقاسمها قسمة صحيحة ، أقول : هذا وليي فاتركيه ، و هذا عدوّي فخذيه .

رواه عن جميل بن صالح عن الكابلي عن الأصبغ ثم قال : قال جميل :

و أنشدني السيد الحميري في ما تضمنه هذا الخبر :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ٤٦ .

 ( ٢ ) المدائني .

 ( ٣ ) الأمالي للمفيد : ٣ ح ٣ المجلس ١ .

٥١

قول عليّ لحارث عجبا

كم اعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه

بنعته و اسمه و ما عملا

و أنت عند الصراط تعرفني

فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين توقف للعر

ض دعيه لا تقربي الرجلا

دعيه لا تقربيه أن له

حبلا بحبل الوصي متصلا

قلت : الظاهر أنّ الحميريّ استند في أشعاره إلى هذا الخبر و خبر الشعبي الآتي ، فلا يخفى أن شعريه الأولين مضمون ذاك الخبر ، فإنّ هذا الخبر و ان تضمّن أنّه عليه السلام قال : « تعرفني عند الممات » لكن اقتصر فيه على محبّيه ،

مثل الحارث دون مخالفيه ، و إنما ذاك الخبر تضمّنهما .

و روى الكشي في ( رجاله ) عن الشعبي : قال : قال الحارث الأعور : أتيت عليّا عليه السلام ذات ليلة فقال : يا أعور ما جاء بك ؟ فقلت جاء بي و اللّه حبّك فقال : أما إنّي ساحدّثك لتشكرها ، أما إنّه لا يموت عبد يحبّني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحبّ ، و لا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره .

روى الشعبي عن الحارث هذا لأبي عمر البزاز ، ثم لكونه ناصبيا قال له :

أما إنّ حبّه لا ينفعك و بغضه لا يضرّك .

و قد ودّعه جمع من شيعته ، روى ( أماليا الشيخين )١ عن الأصبغ قال :

لمّا ضربه اللعين عدونا نفر من أصحابنا ، أنا و الحرث و سويد بن غفلة و جماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن عليه السلام فقال : يقول لكم أبي : انصرفوا فانصرفوا غيري ، فاشتدّ البكاء في منزله

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للطوسي ١ : ١٢٣ .

٥٢

فبكيت ، و خرج الحسن عليه السلام و قال : ألم أقل انصرفوا ؟ فقلت : لا و اللّه لا يحملني رجلي حتى أراه عليه السلام و بكيت فدخل و خرج فقال : ادخل فدخلت فاذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء و دمه نزف و اصفر وجهه ، ما أدري أوجهه اصفر أم العمامة ؟ فأكببت عليه فقبلته و بكيت فقال لي : لا تبك يا أصبغ فإنّها و اللّه الجنّة فقلت : جعلت فداك إنّي أعلم و اللّه أنّك لتصير إلى الجنّة ، و إنّي أبكي لفقداني إيّاك . .

« غدا ترون أيامي و يكشف لكم عن سرائري و تعرفونني بعد خلوّ مكاني و قيام غيري مقامي » روى أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ( بلاغاته ) عن الشعبي ، قال : استأذنت سودة بنت عمارة بن اسك الهمدانية على معاوية ،

فأذن لها فدخلت فقال لها : يا بنت اسك ، ألست القائلة يوم صفّين :

شمر كفعل أبيك يا بن عمارة

يوم الطعان و ملتقى الأقران

و انصر عليّا و الحسين و رهطه

و اقصد بهند و ابنها بهوان

إنّ الإمام أخو النبيّ محمّد

علم الهدى و منارة الإيمان

فقه الحتوف و سر أمام لوائه

قدما بأبيض صارم و سنان

قالت : إي و اللّه ما مثلي من رغب عن الحقّ أو اعتذر بالكذب قال لها : فما حملك على ذلك ؟ قالت حبّ عليّ و اتباع الحق قال : فو اللّه ما أرى عليك من أثر عليّ شيئا قالت : أنشدك اللّه و اعادة ما مضى و تذكار ما قد نسي قال : هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى و ما لقيت من أحد ما لقيت من قومك و أخيك قالت :

صدق فوك ، لم يكن أخي ذميم المقام و لا خفي المكان ، كان و اللّه كقول الخنساء :

و إن صخرا لتأتمّ الهداة به

كأنّه علم في رأسه نار

قال : صدقت لقد كان كذلك فقالت : مات الرأس و بتر الذنب ، و باللّه أسأل

٥٣

اعفائي ممّا استعفيت منه قال : قد فعلت ، فما حاجتك ؟ قالت : إنّك أصبحت للناس سيّدا و لأمرهم متقلّدا ، و اللّه سائلك عن أمرنا و ما افترض عليك من حقّنا ،

و لا يزال يقدم علينا من ينوء بعزّك و يبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصد السنبل و يدوسنا دوس البقر و يسومنا الخسيسة و يسلبنا الجليلة ، هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي و أخذ مالي ، يقول لي فوهي بما استعصم اللّه منه و ألجأ إليه فيه ، و لو لا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة ، فإمّا عزلته عنّا فشكرناك و إمّا لا فعرفناك فقال لها معاوية : أتهدديني بقومك ؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردّك إليه ، ينفذ فيك حكمه فأطرقت تبكي ثم أنشأت تقول :

صلّى الإله على جسم تضمّنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا

فصار بالحق و الإيمان مقرونا

قال : و من ذلك ؟ قالت : عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه قال : و ما صنع بك حتى صار عندك كذلك قالت قدمت عليه في رجل ولاّه صدقاتنا فكان بيني و بينه ما بين الغث و السمين ، فأتيت عليّا عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا ، فوجدته قائما يصلّي فلمّا نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة و تعطف : ألك حاجة ؟ فأخبرته الخبر فبكى ثم قال : اللّهم إنّك أنت الشاهد عليّ و عليهم ، إنّي لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقّك ثم أخرج من جيبه قطعة جلد فكتب فيها :

بسم اللّه الرحمن الرحيم قد جاءتكم بيّنة من ربكم١ . و افوا الكيل و الميزان بالقسط٢ و لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ٨٥ .

 ( ٢ ) الانعام : ١٥٢ .

٥٤

مفسدين بقية اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين و ما أنا عليكم بحفيظ١ إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك و السلام فأخذته منه ما ختمه بطين و لا خزمه بخزام فقرأته فقال لها معاوية لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان : فبطيئا ما تفطمون .

و رواه ابن عبد ربه في ( عقده )٢ و فيه : لمظكم ابن أبي طالب الجرأة و غرّكم قوله .

فلو كنت بوّابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

و غرّكم قوله :

ناديت همدان و الأبواب مغلقة

و مثل همدان سنّى فتحة الباب

كالهندواني لم تفلل مضاربه

وجه جميل و قلب غير وجّاب

و في الأوّل أيضا : قال سعيد بن حذافة : حبس مروان غلاما من بني ليث في جناية فأتته جدّته امّ أبيه امّ سنان بنت خيثمة المذحجية فكلّمته في الغلام فأغلظ لها فخرجت إلى معاوية ، فدخلت عليه فانتسبت له ، فقال لها :

مرحبا بك يا بنت خيثمة ، ما أقدمك أرضي و قد عهدتك تشنأين قربي و تحضين عليّ عدوي ؟ قالت إنّ لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة و أعلاما ظاهرة ،

لا يجهلون بعد علم و لا يسفهون بعد حلم و لا يعاقبون بعد عفو ، فأولى النّاس باتباع سنن آبائه لأنت قال : صدقت نحن كذلك ، فكيف قولك :

عزب الرقاد فمقلتي ما ترقد

و الليل يصدر بالهموم و يورد

يا آل مذحج لا مقام فشمّروا

إنّ العدوّ لآل أحمد يقصد

هذا عليّ كالهلال يحفّه

وسط السماء في الكواكب أسعد

ــــــــــــ

 ( ١ ) هود : ٨٥ ٨٦ .

 ( ٢ ) العقد لابن عبد ربه ١ : ٣٤٦ .

٥٥

خير الخلائق و ابن عمّ محمّد

و كفى بذلك لمن شناه تهدّد

مازال مذ عرف الحروب مظفّرا

و النصر فوق لوائه ما يفقد

قالت : كان كذلك ، و إنّا لنطمع بك خلفا فقال رجل من جلسائه : كيف و هي القائلة :

إمّا هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحق تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريا

قد كنت بعد محمّد خلفا لنا

أوصى إليك بنا فكنت وفيا

فاليوم لا خلف تأمل بعده

هيهات نمدح بعده إنسيّا

و روى الثاني عن عكرمة قال : دخلت عكرشة بنت الأطرش على معاوية متوكّئة على عكاز ، فسلّمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها معاوية : الآن صرت عندك خليفة ؟ قالت : نعم ، إذ لا عليّ حي قال : ألست المتقلّدة حمائل السيوف بصفّين إلى أن قال فكأنّي أراك على عصاك هذه و قد انكفأ عليك العسكر أن يقولوا : هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة فإن كدت لتقتلين أهل الشام لولا قدر اللّه إلى أن قال قالت : إنّه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتردّ على فقرائنا ، و إنّا قد فقدنا ذلك فما يجبر لنا كسير و لا ينعش لنا فقير ، فإن كان ذلك على رأيك فمثلك ينبه عن الغفلة ، و إن كان عن غير رأيك فما مثلك استعان بالخؤنة و لا استعمل الظلمة قال معاوية : يا هذه ، إنّه ينوبنا عن امور رعيتنا ، امور تنبثق و بحور تنفهق قالت : يا سبحان اللّه و اللّه ما فرض اللّه لنا حقّا فجعل فيه ضررا على غيرنا ، و هو علاّم الغيوب قال معاوية : يا أهل العراق نبّهكم عليّ بن أبي طالب فلم تطاقوا . .

و روى عن أبي سهل التميمي قال : حجّ معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون ، يقال لها : دارمة الحجونية ، فاحضرت إليه ، فقال :

٥٦

تدرين لم بعثت إليك ؟ قالت : لا قال : لأسألك لم أحببت عليّا و أبغضتني ، و واليته و عاديتني ؟ قالت : أو تعفيني ؟ قال : لا قالت : إذ أبيت فإنّي أحببت عليّا على عدله في الرعية و قسمه بالسوية ، و أبغضتك على قتال من هو أولى بالأمر منك و طلبك ما ليس لك بحق ، و واليت عليّا على ما عقد له النبيّ صلى اللّه عليه و آله من الولاء في الدين ، و حبه المساكين ، و إعظامه لأهل الدين ، و عاديتك على سفكك الدماء و جورك في القضاء و حكمك بالهوى فقال لها معاوية : يا هذه ، هل رأيت عليّا ؟

قالت : إي و اللّه قال : كيف رأيته ؟ قالت : رأيته و اللّه لم يفتنه الملك الذي فتنك ، و لم تشغله النعمة التي شغلتك قال : فهل سمعت كلامه ؟ قالت : نعم و اللّه ، فكان يجلو القلب من العمى ، كما يجلو الزيت الطست من الصدى قال : صدقت ، فهل من حاجة ؟ قالت : أو تفعل ؟ قال : نعم قالت : تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها و راعيها فأمر لها بذلك ، و قال لها : أما و اللّه لو كان عليّ حيّا ما أعطاك منها شيئا قالت : لا و اللّه و لا وبرة من مال المسلمين .

٦

الكتاب ( ٢٣ ) و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته على سبيل الوصيّة ، لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه :

وَصِيَّتِي لَكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَ ؟ مُحَمَّدٌ ص ؟ فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ اَلْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ اَلْمِصْبَاحَيْنِ وَ خَلاَكُمْ ذَمٌّ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَ اَلْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وَ إِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وَ إِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وَ هُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اَللَّهُ لَكُمْ ٢٤ ٣٠ ٢٤ : ٢٢١ وَ اَللَّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ

ــــــــــــ

 ( ١ ) النور : ٢٢ .

٥٧

اَلْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ وَ لاَ طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ وَ لاَ كُنْتُ إِلاَّ كَقَارِبٍ وَرَدَ وَ طَالِبٍ وَجَدَ وَ ما عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ١٧ ٢٢ ٣ : ١٩٨١ « قال الرضي : أقول : و قد مضى بعض هذا الكلام في ما تقدّم من الخطب ،

إلاّ أنّ فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره » أقول : قد عرفت في سابقه أنّ ( الكافي و المروج ) رويا مقدارا من زيادة ذكرت هاهنا إلى قوله : « ان يغفر اللّه لكم » .

قول المصنف : « و من كلام له عليه السلام » إلى « لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه » هكذا في ( المصرية )٢ و لكن في ( ابن ميثم )٣ : « و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه وصية » و في ( ابن أبي الحديد )٤ :

« و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته لمّا ضربه ابن ملجم على سبيل الوصية » .

هذا ، و في ( الصحاح ) في ( جوب ) : و تجوب قبيلة من حمير ، حلفاء لمراد ،

و منهم ابن ملجم لعنه اللّه ، قال الكميت :

ألا إنّ خير النّاس بعد ثلاثة

قتيل التجوبي الذي جاء من مصر

و هو وهم منه ، و قتيل التجيبي هو عثمان لا هو عليه السلام ، و البيت ليس للكميت و لم يتفّطن لذاك ( القاموس ) مع تهالكه على تخطئته ، و لكن تنبّه له محشي ( الصحاح ) فقال : البيت للوليد بن عقبة ، و صواب انشاده :

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

و إنّما غلّطه في ذلك أنّه ظن أنّ الثلاثة أبوبكر و عمر و عثمان ، فظنّ أنّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) آل عمران : ١٩٨ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٤ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٣ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٣ .

٥٨

في عليّ فقال : التجوبي بالواو و إنّما الثلاثة النبيّ و أبوبكر و عمر ، لأنّ الوليد رثى بهذا الشعر عثمان و قاتله كنانة بن بشر التجيبي ، و أمّا قاتل عليّ فهو التجوبي ثم نقل عن البكري أنّ الأبيات لنائلة زوجة عثمان .

قلت : و صرّح ( الطبري )١ بأنّها للوليد ، و أنّه ردّ عليه الفضل بن عباس في أبيات و منها :

ألا إنّ خير النّاس بعد محمّد

وصي النبيّ المصطفى عند ذي الذكر

و أوّل من صلّى و صنو نبيّه

و أول من أردى الغواة لدى بدر

قوله عليه السلام : « وصيّتي لكم إلى « و غدا مفارقكم » مرّ في السابق لكن ليس هنا : « و أوقدوا هذين المصباحين » في ( ابن ميثم )٢ و هو في ( ابن أبي الحديد )٣ ، و نقلته ( المصرية )٤ عنه ، و في ( ابن ميثم ) أيضا : « أنا بالأمس كنت صاحبكم » .

« إن أبق فأنا وليّ دمي ، و إن أفن فالفناء ميعادي » في ( الإرشاد )٥ : لمّا ادخل ابن ملجم عليه عليه السلام نظر إليه ثم قال : النفس بالنفس ، فإن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، و إن أنا عشت رأيت فيه رأيي فقال ابن ملجم : و اللّه لقد ابتعته بألف و سممته بألف ، فإن خانني فأبعده اللّه و نادته امّ كلثوم : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين قال : إنّما قتلت أباك قالت : يا عدوّ اللّه إنّي لأرجو ألاّ يكون عليه بأس .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٢٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٣ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٣ .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٤ .

 ( ٥ ) الإرشاد ١ : ٢١ .

٥٩

قال لها : فأراك إنّما تبكين عليّ إذن ؟ لقد و اللّه ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم فاخرج من بين يديه عليه السلام و إنّ النّاس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنّهم سباع و هم يقولون : يا عدوّ اللّه ماذا فعلت ؟ أهلكت أمّة محمّد و قتلت خير النّاس و إنّه لصامت لم ينطق فذهب به إلى الحبس ، و جاء النّاس إليه عليه السلام فقالوا له : مرنا بأمرك في عدوّ اللّه ، لقد أهلك الامة و أفسد الملّة .

فقال عليه السلام لهم : إن أنا عشت رأيت فيه رأيي ، و إن هلكت فاصنعوا ما يصنع بقاتل النبيّ : اقتلوه ثم حرّقوه بعد ذلك بالنار فلمّا قضى عليه السلام نحبه و دفن جلس الحسن عليه السلام و أمر أن يؤتى بابن ملجم فجي‏ء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين و أعظمت الفساد في الدين ثم أمر به فضربت عنقه ، و استوهبت امّ الهيثم بنت الأسود النخعية جثته منه لتتولى احراقها ، فوهبها لها فأحرقتها بالنار .

« و إن أعف » على فرض بقائي .

« فالعفو لي قربة » قال تعالى : . و أن تعفوا أقرب للتقوى .١ .

« و هو لكم حسنة فاعفوا » . و إن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن اللّه غفور رحيم٢ .

« . ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم . » من الآية ( ٢٢ ) من النور .

« و اللّه ما فجأني من الموت وارد كرهته ، و لا طالع أنكرته » في ( العيون )٣ نعي إلى الصادق عليه السلام ابنه إسماعيل و هو أكبر أولاده و هو يريد أن يأكل و قد اجتمع ندماؤه ، فتبسّم ثمّ دعا بطعامه و قعد مع ندمائه ، و جعل يأكل

ــــــــــــ

 ( ١ ) البقرة : ٢٣٧ .

 ( ٢ ) التغابن : ١٤ .

 ( ٣ ) العيون ٢ : ٢ ب ٣٠ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

مسألة ١٧٦ : يجوز للرجل أن يستتبع في عقد الجزية مَنْ شاء من الأقارب وإن لم يكن محارم ، دون الأجانب ، بأن يشترط ، فإن أطلق ، لم يتبعه إلّا صغار أولاده وزوجاته وعبيده ؛ لأنّهم أموال ، ولا تتبعه نسوة الأقارب.

وأمّا الأصهار فالأقرب : عدم إلحاقهم بالأجانب.

وللشافعي وجهان(١) .

وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو اُعتق العبد فاستقلّوا(٢) ، فإمّا أن يؤدّوا الجزية أو يُقتلوا بعد الردّ إلى مأمنهم.

والأقارب(٣) : أنّه يجب على الصبي استئناف عقدٍ لنفسه.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

وإن اكتفي بعقد أبيه ، لزمه مثل ما لزم الأب وإن كان فيه زيادة.

وإذا بلغ سفيهاً ، عقد لنفسه بزيادة الدينار لحقن الدم ، ويصحّ من الوليّ بذل الدينار الزائد لحقن دمه.

ومَنْ يجنّ يوماً ويُفيق يوماً سبق(٥) حكمه.

وللشافعي أقوال :

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٣ ، الوسيط ٧ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٣.

(٢) في « ق » : واستقلّوا.

(٣) في الطبعة الحجريّة : والأقوى.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، الوسيط ٧ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠.

(٥) سبق في المسألة ١٧٢.

٣٠١

أحدها : تُلتقط أيّام [ إفاقته ](١) وتكمل سنة ، ويؤخذ منه دينار.

والثاني : لا شي‌ء.

والثالث : كالعاقل.

والرابع : يُنظر إلى الأغلب.

والخامس : يُنظر إلى آخر السنة ، كما في تحمّل العَقْل. وإذا وقع مثله في الأسر ، نُظر إلى وقت الأسر(٢) .

البحث الثاني : في مقدار الجزية.

مسألة ١٧٧ : اختلف علماؤنا في أنّ للجزية قدراً معيّناً لا يجوز تغييره على أقوال ثلاثة :

أحدها : أنّ فيها مقدّراً ، وهو ما قدّره عليّعليه‌السلام : على الفقير اثنا عشر درهماً ، وعلى المتوسّط أربعة وعشرون ، وعلى الغني ثمانية وأربعون في كلّ سنة(٣) - وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية(٤) - لما رواه العامّة : أنّ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : جنونه. وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٨ ، الوسيط ٧ : ٦٢ - ٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٦ / ٩٥ ، التهذيب ٤ : ١٢٠ / ٣٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ - ٥٤ / ١٧٨.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٩٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٩٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، =

٣٠٢

النبيعليه‌السلام أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً(١) .

وما تقدّم(٢) من وضع عليعليه‌السلام ، وكذا وضع عمر(٣) ، ولم يخالفهما أحد ، فكان إجماعاً.

الثاني : أنّه ليس فيها قدر موظّف لا قلّةً ولا كثرةً ، بل بحسب ما يراه الإمام من قلّة وكثرة بحسب المصلحة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(٤) ، والثوري وأحمد في رواية(٥) ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالم ديناراً(٦) . وصالح أهلَ نجران على ألفي حلّة ، النصف في صفر ، والنصف في رجب(٧) . وما وضعه عليّعليه‌السلام وعمر(٨) . وصالَح عمر بني تغلب على مثلَيْ ما على المسلمين من الصدقة(٩) . وهو يدلّ على عدم التقدير فيه.

____________________

= حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ - ٦٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤.

(١) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٢) تقدّم في ص ٢٩١ وكذا الإشارة إلى مصادره في الهامش (٥)

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٤ - ٤٥ / ١٠٤ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٦ ، المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٢.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٥ : ٥٤٥ ، المسألة ٩ ، وسلّار في المراسم : ١٤١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٠٥ ، وابن إدريس في السرائر : ١١٠ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٣٢٨.

(٥) المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤.

(٦) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٧) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٥.

(٨) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٥) من ص ٢٩١ ، والهامش (٣) من هذه الصفحة.

(٩) الأموال - لأبي عبيد - : ٣٣ - ٣٤ / ٧٠ و ٧١ ، المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير =

٣٠٣

ومن طريق الخاصّة : رواية زرارة - الصحيحة - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شي‌ء موظّف لا ينبغي أن يجاوز إلى غيره؟ فقال : « ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق »(١) الحديث.

الثالث : أنّها لا تتقدّر في طرف الزيادة ، وتتقدّر في طرف القلّة ، فلا يؤخذ من كلّ كتابيّ أقلّ من دينار - وهو قول ابن الجنيد ، وأحمد في رواية(٢) - لأنّ عليّاًعليه‌السلام زاد على ما قرّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم ينقص منه(٣) ، فدلّ على أنّ الزيادة موكولة إلى نظره دون النقصان.

وقال الشافعي : إنّها مقدّرة بدينار على الغني والفقير لا يجوز النقصان منه ، وتجوز الزيادة عليه إن بذلها الذمّيّ(٤) .

وقال مالك : هي مقدّرة في حقّ الغني بأربعين درهماً ، وفي حقّ المتوسّط بعشرين درهماً ، وفي حقّ الفقير بعشرة دراهم(٥) .

____________________

= ١٠ : ٥٩٢ - ٥٩٣.

(١) الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٨ ، التهذيب ٤ : ١١٧ / ٣٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٦ بتفاوت وزيادة.

(٢) المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٢.

(٣) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٣) من ص ٣٠١.

(٤) الاُمّ ٤ : ١٧٩ ، مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٩ و ٥٢٠ ، الوسيط ٧ : ٦٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٩٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١١ و ١١٢.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٤٠٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ / ١٦٣٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، وفيها بعض المقصود.

٣٠٤

مسألة ١٧٨ : تجب الجزية بآخر الحول ، ويجوز أخذها سَلَفاً‌ - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه مال يتكرّر بتكرّر الحول ، وتؤخذ في آخر كلّ حول ، فلا تجب بأوّله ، كالزكاة والدية.

وقال أبو حنيفة : تجب بأوّله ، ويُطالب بها عقيب العقد ، وتجب الثانية في أوّل الحول الثاني وهكذا ؛ لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٢) (٣) .

والمراد التزام إعطائها ، لا نفس الأخذ والإعطاء حقيقةً ، ولهذا يحرم قتالهم بمجرّد بذل الجزية قبل أخذها إجماعاً.

إذا عرفت هذا ، فالجزية تؤخذ ممّا تيسّر من أموالهم من الأثمان والعروض على حسب قدرتهم ، ولا يلزمهم شي‌ء معيّن ، كذهبٍ أو فضّة - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا بعث معاذاً إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً أو عِدْله معافري(٥) (٦) .

وأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من نصارى نَجْران ألفي حلّة(٧) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٤.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥.

(٤) المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

(٥) المعافري : برود باليمن منسوبة إلى معافر ، وهي قبيلة باليمن. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٦٢.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٧) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٥ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

٣٠٥

وكان عليّعليه‌السلام يأخذ الجنس ، فيأخذ الحبالَ من صانعها ، والمسالَّ(١) من صانعها ، والإبرَ من صانعها ، ثمّ يدعو الناس فيُعطيهم الذهب والفضّة ، فيقتسمونه ، ثمّ يقول : « خذوا هذا(٢) فاقتسموا » فيقولون : لا حاجة لنا فيه ، فيقول : « أخذتم خياره وتركتم شراره لتحملنّه »(٣) .

ولا تتداخل الجزية ، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر ، استُوفيت منه أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّه حقُّ ماليّ يجب في آخر كلّ حولٍ ، فلا تتداخل ، كالدية والزكاة.

وقال أبو حنيفة : تتداخل ؛ لأنّها عقوبة ، فتتداخل ، كالحدود(٥) .

والفرق : ما تقدّم.

مسألة ١٧٩ : يتخيّر الإمام في وضع الجزية إن شاء على رؤوسهم ، وإن شاء على أرضيهم.

وهل له أن يجمع بينهما فيأخذ عن رؤوسهم شيئاً وعن أرضيهم شيئاً آخر؟ منع منه الشيخان وابن إدريس(٦) ؛ لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادقعليه‌السلام :

____________________

(١) المِسَلَّة واحدة المسالّ ، وهي الإبر العظام. لسان العرب ١١ : ٣٤٢ « سلل ».

وفي الأموال - لأبي عبيد - : المسان ، بدل المسالّ.

(٢) كلمة « هذا » لم ترد في « ق ، ك».

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩ / ١١٧ ، المغني ١٠ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

(٤) الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، الوسيط ٧ : ٧٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٤.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٧ / ١٦٣٧ ، الوسيط ٧ : ٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٦.

(٦) المقنعة : ٢٧٣ ، النهاية : ١٩٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٨ ، السرائر : ١١٠.

٣٠٦

أرأيت ما يأخذ هؤلاء من الخُمْس من أرض الجزية ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم ، أما عليهم في ذلك شي‌ء موظّف؟ فقال : « كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من الجزية ، إن شاء الإمام وضع على رؤوسهم ، وليس على أموالهم شي‌ء ، وإن شاء فعلى أموالهم ، وليس على رؤوسهم شي‌ء »(١) .

وفي حديث آخر قال : « فإن أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم ، وإن أخذ من أراضيهم فلا سبيل على رؤوسهم »(٢) .

وقال أبو الصلاح : يجوز الجمع بينهما(٣) ؛ لعدم تقدّر الجزية قلّةً وكثرةً ، فجاز أن يأخذ من أرضيهم(٤) و رؤوسهم ، كما يجوز أن يُضعفها(٥) على رؤوسهم. ولأنّه أنسب بالصَّغار.

ونقول بموجَب الحديثين ، ونحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معيّن ، فإن شاء أخذه من رؤوسهم ، ولا شي‌ء حينئذٍ على أرضيهم(٦) ، وبالعكس.

مسألة ١٨٠ : يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة مَنْ يمرّ بهم من المسلمين إجماعاً ، بل تُستحبّ ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار - وكانوا ثلاثمائة نفر - في كلّ سنة ، وأن يضيفوا مَنْ‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٦ - ٥٦٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٨ ، التهذيب ٤ : ١١٧ / ٣٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١١٨ / ٣٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ / ١٧٧.

(٣) اُنظر : الكافي في الفقه : ٣٤٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : أراضيهم.

(٥) في الطبعة الحجريّة : يضعها.

(٦) في « ك » والطبعة الحجريّة : أراضيهم.

٣٠٧

يمرّ(١) بهم من المسلمين ثلاثة أيّام ، ولا يغشوا مسلماً(٢) .

وشرط على نصارى نجران إقراء رُسُله عشرين ليلة فما دونها ، وعارية ثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً وثلاثين دِرْعاً مضمونة إذا كان حدث باليمن(٣) .

ولأنّ الحاجة تدعو إليه ، وربّما امتنعوا من مبايعة المسلمين معاندةً وإضراراً.

ولو لم يشترط الضيافة ، لم تكن واجبةً - وبه قال الشافعي(٤) - للأصل. ولأنّ أصل الجزية إنّما تثبت بالتراضي ، فالضيافة أولى.

وقال بعض العامّة : تجب بغير شرط(٥) .

وتجوز لجميع الطارقين ، ولا تختصّ بأهل الفي‌ء ، خلافاً لبعض الشافعيّة أنّه لا تجوز لغير المجاهدين(٦) .

ويجب أن تكون الضيافة زائدةً على أقلّ ما يجب عليهم من الجزية - وهو أحد قولي الشافعي(٧) - فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط زيادةً على الدينار الضيافة(٨) . والدينار عنده مقدار(٩) الجزية(١٠) . ولأنّه لو شرط الضيافة من‌

____________________

(١) في « ق ، ك » : مرّ.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٣ ، المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٢٠١ / ٥٠٣.

(٤و٥) المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٧) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٩ - ٧٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٨) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٢)

(٩) في الطبعة الحجريّة : بمقدار.

(١٠) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٣٠٣.

٣٠٨

الجزية ولم يمرّ بهم أحد ، خرج الحول بغير جزية.

والثاني للشافعي : تُحتسب من الدينار الذي هو قدر الجزية عنده(١) (٢) .

ويجب أن تكون الضيافة المشترطة معلومةً بأن يكون عدد مَنْ يطعمونه من المسلمين في كلّ سنة معلوماً. ويكون أكثر الضيافة لكلّ أحد ثلاثة أيّام.

والأقرب عندي : جواز الزيادة مع الشرط.

ويجب أن يعيّن القوت قدراً وجنساً ، وعطف الدوابّ كذلك. ولا يكلّفوا الذبيحة ، ولا الضيافة بأرفع من طعامهم ، إلّا مع الشرط.

وينبغي أن تكون الضيافة على قدر الجزية ، فيُكثرها على الغني ، ويُقلّلها على الفقير ، ويُوسّطها على المتوسّط.

وينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم وفي بِيَعهم وكنائسهم. ويؤمرون بأن يُوسّعوا أبواب البيع والكنائس ، وأن يعلوها ليدخلها المسلمون ركبانا ، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء ، نزلوا في بيوت الفقراء ولا ضيافة عليهم. وإن لم تسعهم ، لم يكن لهم إخراج أهلها منها. ومَنْ سبق إلى منزلٍ ، كان أحقّ به ، ولو اجتمعوا ، فالقرعة.

وإذا شُرطت الضيافة وامتنع بعضُهم منها ، اُجبر عليها(٣) . ولو امتنع الجميع(٤) ، قُهروا وقُوتلوا مع الحاجة ، فإن قاتلوا ، نقضوا العهد وخرقوا‌

____________________

(١) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٣٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٣) في « ك » والطبعة الحجريّة : عليهم. وفي « ق » : عليه. والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

(٤) في الطبعة الحجريّة : جميعهم.

٣٠٩

الذمّة ، فإن طلبوا منه بعد ذلك العقد على أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزيةً لهم ، لزمه إجابتهم ، ولا يتعيّن الدينار.

مسألة ١٨١ : مع أداء الجزية لا يؤخذ سواها ، سواء اتّجروا في بلاد الإسلام أو لم يتّجروا ، إلّا في أرض الحجاز على ما يأتي - وبه قال الشافعي(١) - لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٢) جَعَل إباحة الدم ممتدّاً إلى إعطاء الجزية ، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها.

وما رواه العامّة من قولهعليه‌السلام : « فادعهم إلى الجزية ( فإن أطاعوك فاقبل منهم )(٣) وكُفّ عنهم »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام في أهل الجزية أيؤخذ من أموالهم ومواشيهم شي‌ء سوى الجزية؟ قال : « لا »(٥) .

وقال أحمد : إذا خرج من بلده إلى أيّ بلد كان من بلاد الإسلام تاجراً ، اُخذ منه نصف العُشْر ؛ لقولهعليه‌السلام : « ليس على المسلمين عشور ، إنّما العشور على اليهود والنصارى »(٦) (٧) .

____________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧ ، المغني ١٠ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : فإن أجابوك فدعهم.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٣ - ٩٥٤ / ٢٨٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٨٣ / ٢٢٤٦٩ ، و ٤٩٢ / ٢٢٥٢١ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٣ : ٥٦٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ٩٩ ، التهذيب ٤ : ١١٨ - ٣٣٩.

(٦) سنن البيهقي ٩ : ١٩٩ و ٢١١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ١٩٧ ، مسند أحمد ٦ : ٥٦٩ - ٢٢٩٧٢.

(٧) المغني ١٠ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٢.

٣١٠

ويحتمل أن يطلق لفظ العشور على الجزية ، أو يُحمل على المتّجرين بأرض الحجاز.

تذنيب : مصرف الجزية هو مصرف الغنيمة سواء ؛ لأنّه مال اُخذ بالقهر والغلبة ، فكان مصرفه المجاهدين ، كغنيمة دار الحرب.

مسألة ١٨٢ : اختُلف(١) في الصَّغار. فقال ابن الجنيد : إنّه عبارة عن أن يشترط عليهم وقت العقد إجراء أحكام المسلمين عليهم إذا كانت الخصومات بينهم وبين المسلمين أو تحاكموا(٢) إلينا في خصوماتهم ، وأن تؤخذ منهم وهُمْ قيام على الأرض.

[ و ](٣) قال الشيخرحمه‌الله : الصَّغار التزام أحكامنا وإجراؤها(٤) عليهم(٥) .

وقال الشافعي : هو أن يطأطئ رأسه عند التسليم ، فيأخذ المستوفي بلحيته ويضربه في لَهازِمه(٦) ، وهو واجب في أحد قولَيْه حتى لو وكَّل مسلماً بالأداء لم يَجُزْ. وإن ضمن المسلم الجزية ، لم يصحّ. لكن يجوز إسقاط هذه الإهانة مع اسم الجزية عند المصلحة بتضعيف الصدقة. ويجوز ذلك مع العرب والعجم. فيقول الإمام : أبْدَلْتُ الجزيةَ بضِعْف الصدقة ، فيكون ما يأخذه جزيةً باسم الصدقة. فيأخذ من خَمْسٍ من الإبل شاتين ، ومن خَمْسٍ وعشرين بنتي مخاض ، وممّا سقت السماء الخُمْس ، ومن مائتي درهم‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : اختلف علماؤنا.

(٢) في الطبعة الحجريّة : يتحاكموا.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) في « ق ، ك » : وجريانها.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٣.

(٦) اللهازم : اُصول الحَنَكيْن. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٢٨١ « لهزم ».

٣١١

عشرة دراهم ، ومن عشرين ديناراً ديناراً ، ويأخذ من ستّ وثلاثين بنتي لبون ، فإن لم تكن ، فبنتي مخاض ، ومع كلّ واحدة شاتان أو عشرون درهماً. ولا يُضعّف الجبران ثانياً. والإمام أيضاً يعطي الجبران.

وهل يحطّ عنهم الوَقْصَ؟ فيه ثلاثة أوجه له : أحدها : لا يحطّ فيأخذ من عشرين شاةً شاةً ، ومن مائة درهمٍ خمسةً. والثاني : يحطّ. والثالث : لا يحطّ إلّا إذا أدّى إلى التجزئة ، فيأخذ من سبع(١) من الإبل ونصف ثلاث شياه.

ثمّ على الإمام أن ينظر فيما يحصل من الصدقة ، فإن لم يف بمال الجزية إذا قُوبل بعدد رؤوسهم ، زاد إلى ثلاثة أضعاف وزيادة ، وله أن يقنع بنصف الصدقة [ و ](٢) إن كان وافياً.

قال الشافعي : ويجوز أخذ العُشْر من بضاعة تُجّار أهل الحرب وتجوز الزيادةُ إن رأى ، والنقصانُ إلى نصف العُشْر عن الميرة ترغيباً لهم في التكثير من كلّ ما يحتاج إليه المسلمون. وهل يجوز حطّ أصله؟ خلاف.

وأمّا الذمّيّ فلا يؤخذ من تجارته شي‌ء إلّا أن يتّجر في الحجاز ، ففيه خلاف.

ولا يؤخذ العُشْر في السنة أكثر من مرّة ، وإنّما يؤخذ هذا من الحربيّ إذا دخل بهذا الشرط ، فلو دخل بأمانٍ من غير شرط ، فأصحّ الوجهين أنّه لا شي‌ء عليهم.

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : سبعة. وما أثبتناه - كما هو الصحيح - من المصدر.

(٢) أضفناها من المصدر.

٣١٢

وأمّا الخراج فإنّما يكون إذا قُرّرت أملاكهم عليهم بشرط الخراج ، ويسقط بالإسلام ، فإن ملّكناها عليهم ورددناها بخَراجٍ ، فذلك اُجرة لا تسقط بالإسلام كأراضي العراق(١) .

مسألة ١٨٣ : إذا مات الذمّي بعد الحول ، لم تسقط عنه الجزية ، واُخذت من تركته - وبه قال الشافعي ومالك(٢) - لأنّه مال استقرّ وجوبه عليه في حال حياته ، فلا يسقط بالموت ، كسائر الديون.

وقال أبو حنيفة : تسقط - وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وعن أحمد روايتان - لأنّها عقوبة ، فسقطت بالموت(٣) .

ونمنع أنّها عقوبة وإن استلزمتها ، بل معاوضة ؛ لأنّها وجبت لحقن الدماء والمساكنة ، والحدّ يسقط بالموت ؛ لفوات محلّه وتعذّر استيفائه ، بخلاف الجزية.

ولو مات في أثناء الحول ، ففي مطالبته بالقسط نظرٌ أقربه : المطالبة - وبه قال ابن الجنيد - لأنّ الجزية معاوضة عن المساكنة ، وإنّما أخّرنا المطالبة إرفاقاً ، ولو لم يمت لم يُطالَب في أثناء السنة مع عقد العهد على أخذها في آخر السنة ؛ عملاً بالشرط.

____________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠٠ - ٢٠١.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ - ٧٠٣ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ و ٥٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤.

٣١٣

وتُقدّم الجزية على وصاياه. والوجه : مساواتها للدَّيْن ، فتقسَّط التركة عليهما مع القصور.

ولو لم يخلّف شيئاً ، لم يطالب ورثته بشي‌ء.

ولو مات قبل الحول ، لم يؤخذ من تركته شي‌ء أيضا.

ولو أفلس ، ضرب الإمام مع الغرماء بقدر الجزية.

ولو مات الذمّيّ وقد استسلف منه عن السنة المقبلة ، ردّ على ورثته بقدر ما بقي من السنة.

مسألة ١٨٤ : لو أسلم الذميّ في أثناء الحول ، سقطت الجزية إجماعاً منّا.

وإن أسلم بعد الحول ، قال الشيخان وابن إدريس : تسقط(١) - وبه قال مالك والثوري وأبو عبيد وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لقوله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٣) أوجب الأخذ حالة الصّغار ، ولا يتحقّق في حقّ المسلم ، فلا تثبت الجزية أيضاً.

ولقوله تعالى :( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (٤) وهو عامٌّ.

____________________

(١) المقنعة : ٢٧٩ ، النهاية : ١٩٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٢ ، السرائر : ١١٠.

(٢) مقدّمات - لابن رشد - : ٢٨٤ ، التفريع ١ : ٣٦٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٧ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) الأنفال : ٣٨.

٣١٤

وقولهعليه‌السلام : « ليس على المسلم جزية »(١) .

وأسلم ذمّيٌّ فطُولب بالجزية وقيل له : إنّما أسلمت تعوّذاً ، قال : إنّ في الإسلام معاذاً ، فرُفع إلى عمر ، فقال عمر : إنّ في الإسلام معاذاً ، وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية(٢) .

ولأن الجزية صَغارٌ ، فلا تؤخذ ، كما لو أسلم قبل الحول.

وللشيخرحمه‌الله قول آخر : لا تسقط(٣) ، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر ، لأنّها دين مستحقّ واستحقّت المطالبة به ، فلا يسقط بالإسلام ، كالخراج والدَّيْن(٤) .

والفرق : أنّها عقوبة بسبب الكفر وصَغار ، بخلاف الدَّيْن.

ولا فرق بين أن يسلم لتسقط عنه الجزية أو لا لذلك.

وفرَّق الشيخرحمه‌الله ، فأوجب الجزية على التقدير الأوّل دون الثاني ، كما لو زنى ذمّيٌّ بمسلمة ، لا يسقط عنه القتل بإسلامه(٥) .

ولو أسلم في أثناء الحول ، سقطت عنه الجزية ، وهو أحد قولي‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧١ / ٣٠٥٣ ، سنن الدار قطني ٤ : ١٥٦ و ١٥٧ / ٦ و ٧ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ١٩٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٦٨ / ١٩٥٠.

(٢) الأموال - لأبي عبيد - : ٥٢ / ١٢٢ ، المغني ١٠ : ٥٧٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧.

(٣) الخلاف ٥ : ٥٤٧ ، المسألة ١١.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، الأحكام السلطانية - للماوردي - : ١٤٥ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٥.

٣١٥

الشافعي(١) . والثاني : يؤخذ منه القسط(٢) .

ولو استسلف منه [ الجزية ](٣) ثمّ أسلم في أثناء الحول ، ردّ عليه قسط باقي الحول.

وهل يردّ لما مضى؟ الأقرب : عدمه.

والفرق بين أن يأخذ منه وأن لا يأخذ ظاهرٌ ؛ لتحقّق الصَّغار للمسلم في الثاني دون الأوّل.

البحث الثالث : فيما يشترط على أهل الذمّة‌

مسألة ١٨٥ : لا يجوز عقد الذمّة المؤبّدة إلّا بشرطين : التزام إعطاء الجزية في كلّ حول ، والتزام أحكام الإسلام بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون من أداء حقٍّ أو ترك محرَّم.

وعقد الذمّة والهدنة لا يصحّ إلاّ من الإمام أو نائبه إجماعاً.

ولو شرط عليهم في الذمّة [ شرطاً ](٤) فاسداً ، مثل أن لا جزية عليهم ، وأن يُظهروا المناكير ، أو أن يسكنوا الحجاز ، أو يدخلوا الحرم أو المساجد ، أو‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، معالم السنن - للخطابي - ٤ : ٢٥٥.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٣ و ٣١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : الحربي. وذلك تصحيف.

وما أثبتناه - كما في منتهى المطلب ٢ : ٩٦٨ - هو الصحيح.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : عقداً. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣١٦

عدم الالتزام بأحكام الإسلام ، لم يصحّ الشرط إجماعاً. والأقرب : فساد العقد أيضاً.

وينبغي للإمام أن يشترط عليهم كلّ ما فيه نفع المسلمين ورفعتهم.

قال ابن الجنيد : اختار أن يشترط عليهم أن لا يُظهروا سبّاً لنبيّناعليه‌السلام ، ولا لأحد من الأنبياء والملائكة ، ولا سبّ أحد من المسلمين ، ولا يطعنوا في شي‌ء من الشرائع ، ولا يُظهروا شركهم في عيسى والعُزَيْر ، ولا يرعون خنزيراً في شي‌ء من أمصار الإسلام ، ولا يمثلوا ببهيمة ولا يذبحوها إلّا من حيث نُصّ لهم في كتبهم على مذبحها ، ولا يقرّبوها لصنم ولا لشي‌ء من المخلوقات ، ولا يربوا(١) مسلماً ، ولا يعاملوه في بيع ولا إجارة ولا مساقاة ولا مزارعة معاملة لا يجوز للمسلمين ، ولا يسقوا مسلماً خمراً ، ولا يعطوه مُحرَّماً ، ولا يقاتلوا مسلماً ، ولا يعاونوا باغياً ، ولا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم ، ولا يدلّوا على عوراتهم ، ولا يحيوا من بلاد المسلمين(٢) شيئاً إلّا بإذن وإليهم ، فإن فعلوا ، كان للوالي إخراجه من أيديهم ، ولا ينكحوا مسلمة بعقد ولا غيره ، ويشترط عليهم أيضا كلّ ما قلنا إنّه ليس بجائز لهم فعله ، كدخول الحرم ، وسكنى الحجاز ، وغيرهما ، يقال(٣) : فمن فعل شيئاً من ذلك فقد نقض عهده ، واُحلّ دمه وماله ، وبرئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله(٤) والمؤمنين.

مسألة ١٨٦ : جملة ما يشترط على أهل الذمّة ينقسم ستّة :

____________________

(١) في متن الطبعة الحجريّة : ولا يرثوا. وما أثبتناه هو الموافق لما في هامشها بعنوان نسخة بدل ، وما في منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٩٦٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : بلاد الإسلام.

(٣) كذا ، وفي منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٩٦٩ : ثمّ يقال.

(٤) في الطبعة الحجريّة : ذمّة الله ورسوله.

٣١٧

الأوّل : ما يجب شرطه ، ولا يجوز تركه ، وهو أمران : أحدهما : شرط الجزية عليهم ، وثانيهما : التزام أحكام الإسلام ، ولا بدّ منهما معا لفظا ونطقا ، ولا يجوز الإخلال بهما ولا بأحدهما ، فإن أغفل أحدهما ، لم تنعقد الجزية ، لقوله تعالى : (حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ )(١) والصّغار هو التزام أحكام الإسلام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ولو منع(٢) الرجال وأبوا أن يؤدّوا الجزية ، كانوا ناقضين للعهد ، وحلّت دماؤهم وقتلهم »(٣) .

الثاني : ما لا يجب شرطه لكنّ الإطلاق يقتضيه ، وهو : أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان من العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالإعانة على حرب المسلمين ، لأنّهم إذا قاتلونا ، وجب علينا قتالهم ، وهو ضدّ الأمان.

وهذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما ، سواء شرط ذلك في العقد أو لا.

الثالث : ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكفّ ، وهو سبعة : ترك الزنا بالمسلمة وعدم إصابتها باسم النكاح ، وأن لا يفتنوا مسلماً عن دينه ، ولا يقطع عليه الطريق ، ولا يؤوي عين المشركين ، ولا يعين على المسلمين بدلالةٍ أو بكتابة كتابٍ إلى أهل الحرب بأخبار المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ولا يقتلوا مسلماً ولا مسلمةً ، فإن فعلوا شيئاً من ذلك وكان تركه شرطاً في العقد ، نقضوا العهد ، وإلّا فلا.

____________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) في الكافي والتهذيب : امتنع.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ / ٢٧٧.

٣١٨

ثمّ إن أوجب ما فعلوه حدّاً ، حدّهم الإمام ، وإن لم يوجبه ، عزَّرهم بحسب ما يراه.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا يكون نقضاً للعهد مع الشرط ؛ لأنّ كلّ ما لا يكون فعله نقضاً للعهد(١) إذا لم يُشترط(٢) لم يكن نقضاً وإن اشتُرط(٣) ، كإظهار الخمر والخنزير(٤) .

ونمنع الكلّيّة وثبوت الحكم في الأصل.

وقال أبو حنيفة : لا ينتقض العهد إلّا بالامتناع من الإمام على وجه يتعذّر معه أخذ الجزية منهم(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الأمان وقع على هذا الشرط ، فيبطل ببطلانه.

ولأنّ عمر رُفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا ، فقال : ما على هذا صالحناكم. ثمّ أمر به فصلب في بيت المقدس(٦) .

الرابع : ما فيه غضاضة على المسلمين ، وهو ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم بسوء.

فإن نالوا بالسبّ لله تعالى أو رسوله ، وجب قتلهم ، وكان نقضاً للعهد.

وإن نالوا بدون السبّ أو ذكروا دين الإسلام أو كتاب الله تعالى بما‌

____________________

(١) كلمة « للعهد » لم ترد في « ق ، ك ».

(٢ و ٣) في « ق ، ك » : لم يشرط شرط.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، التنبيه : ٢٣٩ ، الوسيط ٧ : ٨٥ ، حلية العلماء ٧ : ٧١١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٧ - ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٦.

(٥) المغني ١٠ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

(٦) المغني ١٠ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

٣١٩

لا ينبغي ، فإن كان قد شرط عليهم الكفّ عن ذلك ، كان نقضاً للعهد ، وإلّا فلا.

وقال بعض الشافعيّة : يجب شرط ذلك ، فإن أهمل ، فسد عقد الذمّة ؛ لأنّه ممّا يقتضيه الصَّغار(١) .

الخامس : ما يتضمّن المنكَر ولا ضرر فيه على المسلمين ، وهو : أن لا يحدثوا كنيسةً ولا بِيعةً في دار الإسلام ، ولا يرفعوا أصواتهم بكُتًبهم ، ولا يضربوا الناقوس ، ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين ، ولا يُظهروا خمراً ولا خنزيراً في دار الإسلام. فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ عنه ، سواء شرط عليهم أو لا ، فإن خالفوا وكان مشروطاً عليهم ، انتقض أمانهم ، وإلّا فلا ، بل يجب الحدّ أو التعزير ؛ لما رواه العامّة عن عمر ، قال : مَنْ ضرب مسلماً عمداً فقد خلع عهده(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قَبِل الجزية من أهل الجزية(٣) على أن لا يأكلوا الربا ، ولا يأكلوا لحم الخنزير ، ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ، فمَنْ فَعَل ذلك منهم برئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله(٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : ليست لهم اليوم ذمّة »(٥) .

ولأنّه عقد منوط بشرط ، فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد ، كما لو امتنع من التزام قبول الجزية.

____________________

(١) اُنظر : المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، وحلية العلماء ٧ : ٧١٢.

(٢) المغني ١٠ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

(٣) في المصدر : أهل الذمّة.

(٤) في التهذيب والطبعة الحجريّة : رسول الله.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧ / ٩٧ ، التهذيب ٦ : ١٥٨ / ٢٨٤.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466