تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 320269 / تحميل: 5241
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عوضٍ ، وهذا بدل جزء من العين ، والعين ضمنها جميعاً بالعوض ، فلهذا ضمن ذلك للمشتري.

القسم الثاني(١) : التغيّر بالزيادة.

اعلم أنّ التغيّر بالزيادة نوعان :

أحدهما : الزيادات الحاصلة لا من خارجٍ ، وأقسامه ثلاثة :

أحدها : الزيادة المتّصلة من كلّ وجهٍ‌ ، كالسمن ، وتعلّم الحرفة ، وكبر الشجر.

والأقرب عندي : أنّه ليس للغرماء الرجوعُ في العين - وبه قال أحمد ابن حنبل(٢) - لما فيه من الإضرار بالمفلس ؛ لأنّها زيادة قد حصلت في ملكه ، فلا وجه لأخذ الغرماء لها.

ولأنّه فسخ بسببٍ حادث ، فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متّصلة ، كالطلاق ، فإنّه ليس للزوج الرجوعُ في عين ما دفعه من المهر مع زيادته المتّصلة.

ولأنّها زيادة في ملك المفلس ، فلا يستحقّها البائع ، كالمنفصلة ، وكالحاصلة بفعله.

ولأنّ الزيادة لم تصل إليه من البائع ، فلم يكن له أخذها منه ، كغيرها من أمواله.

وقال الشافعي ومالك : لا يبطل رجوع البائع في العين بسبب الزيادة المتّصلة ، بل يثبت له الرجوعُ فيها إن شاء من غير أن يلتزم للزيادة شيئاً‌

____________________

(١) الظاهر : « الثالث ».

(٢) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٦.

١٢١

- إلّا أنّ مالكاً خيّر الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به - للخبر(١) .

ولأنّه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلا تمنعه المتّصلة ، كالردّ بالعيب.

وفارقَ الطلاق ؛ فإنّه ليس بفسخ ، ولأنّ الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين ، فيصل إلى حقّه تامّاً ، وهنا لا يمكنه الرجوع في الثمن(٢) .

والخبر لا يدلّ على صورة النزاع ؛ لأنّه وجد أزيد من عينه التي وقع العقد عليها.

والفرق واقع بين صورة النزاع وبين الردّ بالعيب ؛ لأنّ الفسخ فيه من المشتري ، فهو راضٍ بإسقاط حقّه من الزيادة وتركها للبائع ، بخلاف المتنازع. ولأنّ الفسخ هناك لمعنى قارَن العقدَ ، وهو العيب القديم ، والفسخ هنا لسببٍ حادث ، فهو أشبه بفسخ النكاح الذي لا يستحقّ به استرجاع العين الزائدة.

وقولهم : « إنّ الزوج إنّما لم يرجع في العين ؛ لكونه يندفع عنه الضرر بالقيمة » لا يصحّ ؛ فإنّ اندفاع الضرر عنه بطريقٍ آخَر لا يمنعه من أخذ حقّه من العين ، ولو كان مستحقّاً للزيادة ، لم يسقط حقّه منها بالقدرة على أخذ القيمة ، كمشتري المعيب.

ثمّ كان ينبغي أن يأخذ قيمة العين زائدةً ؛ لكون الزيادة مستحقّةً له ،

____________________

(١) راجع الهامش (٣) من ص ١١٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٩ ، الوجيز ١ : ١٧٤ ، الوسيط ٤ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، و ٨ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، و ٥ : ٦١٢ - ٦١٣ ، الذخيرة ٨ : ١٧٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤١٧ ، المغني ٤ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٦.

١٢٢

فلمّا لم يكن كذلك علمنا أنّ المانع من الرجوع كون الزيادة للمرأة. ولأنّه لا يمكن فصلها وكذا(١) هنا بل أولى ؛ فإنّ الزيادة يتعلّق بها حقّ المفلس والغرماء ، فمنع المشتري من أخذ زيادةٍ ليست له أولى من تفويتها على الغرماء الذين لم يصلوا إلى تمام ديونهم والمفلسِ المحتاج إلى تبرئة ذمّته عند اشتداد حاجته.

تذنيب : لو زاد الصداق زيادةً متّصلة ثمّ أعسرت الزوجة فطلّقها الزوج ، فالأقرب عندي : أنّه يرجع في العين‌ ، ويضرب بالقيمة مع الغرماء.

وقال الشافعي : يرجع في نصف العين زائدةً ، ولا يضرب بالقيمة مع الغرماء ، كما تقدّم.

الثاني : الزيادة المنفصلة من كلّ وجهٍ‌ ، كالولد واللبن وثمر الشجرة. وهنا يرجع البائع في الأصل خاصّةً دون الزوائد ، بل تسلم الزوائد للمفلس ، ولا نعلم فيه خلافاً - إلّا من مالك(٢) - لأنّه انفصل في ملك المفلس ، فلم يكن للبائع الرجوع فيه ، كما لو وجد بالمبيع عيباً ، فإنّه يردّه ، دون النماء المنفصل ، كذا هنا.

نعم ، لو كان الولد صغيراً ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه إن بذل قيمته ، فذاك ، وإلّا بِيعا معاً ، وصَرف ما يخصّ الأُمّ إلى البائع ، وما يخصّ الولد للمفلس(٣) .

قال بعض الشافعيّة : قد ذكرنا وجهين فيما إذا وجد الأُمّ معيبة وهناك ولد صغير : أنّه ليس له الردّ ، وينتقل إلى الأرش ، أو يُحتمل التفريق‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « فكذا » بدل « وكذا ».

(٢) المغني ٤ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤.

١٢٣

للضرورة. وفيما إذا رهن الأُمّ دون الولد : أنّهما يباعان معاً ، أو يحتمل التفريق ، ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق ، وإنّما احتالوا في دفعه ، فيجوز أن يقال بخروجه(١) هنا أيضاً ، لكنّهم لم يذكروه اقتصاراً على الأصحّ.

ويجوز أن يفرّق بأنّ مال المفلس مبيع كلّه ومصروف إلى الغرماء ، فلا وجه لاحتمال التفريق مع إمكان المحافظة على جانب الراجع بكون ملكه مزالاً(٢) .

مسألة ٣٦١ : لو كان المبيع بذراً فزرعه المفلس ونبت ، أو كان بيضةً فأحضنها وفرخت في يده ثمّ أفلس ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين‌ عندنا ؛ لما تقدّم(٣) من أنّ الزيادة المتّصلة تمنع من الردّ ، فهنا أولى ؛ لاشتمالها على تغيّر العين بالكلّيّة ، وهو أحد قولي الشافعيّة - وإن كان يذهب إلى أنّ الزيادة المتّصلة لا تمنع من الردّ(٤) - لأنّ المبيع قد هلك ، وهذا شي‌ء جديد له اسم جديد(٥) .

والثاني : أنّه يرجع ؛ لأنّه حدث من عين ماله ، أو هو عين ماله اكتسب هيئةً أُخرى ، فصار كالوديّ(٦) إذا صار نخلاً(٧) .

____________________

(١) أي : خروج التفريق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤.

(٣) في ص ١٢٠ وما بعدها.

(٤) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ١٢١.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٣ ، الوسيط ٤ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ - ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ - ٣٩٥ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.

(٦) الوديّ : صغار الفسيل ، وهو صغار النخل. الصحاح ٥ : ١٧٩٠ ، و ٦ : ٢٥٢١ « فسل ، ودى ».

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٤ ، الحاوي الكبير ٦ : =

١٢٤

وسيأتي مزيد بحثٍ في باب الغصب إن شاء الله تعالى.

ويجري مثل هذا الخلاف في العصير إذا تخمّر في يد المشتري ثمّ تخلّل(١) .

مسألة ٣٦٢ : لا فرق في الرجوع بالعين دون الزيادة المنفصلة بين أن تكون الزيادة قد نقص بها المبيع وأن لا تكون‌ ، ولا فرق أيضاً بين أن تزيد قيمة العين لزيادة السوق أو تنقص في جواز الرجوع فيها ، وقد بيّنّا أنّ العلماء أطبقوا على أنّ الزيادة للمفلس.

ونُقل عن مالك وأحمد بن حنبل في روايةٍ : أنّ الزيادة للبائع كالمتّصلة(٢) .

وهو خطأ ؛ لأنّها زيادة انفصلت في ملك المشتري ، فكانت له.

ولقولهعليه‌السلام : « الخراج بالضمان »(٣) وهو يدلّ على أنّ النماء للمشتري ؛ لكون الضمان عليه.

والفرق بين المتّصلة والمنفصلة ظاهر ؛ فإنّ المتّصلة تتبع في الردّ بالعيب ، دون المنفصلة ، فيبطل القياس.

ولو اشترى زرعاً أخضر مع الأرض ففلس وقد اشتدّ الحَبّ ، لم يرجع في العين - عندنا - للزيادة.

والشافعيّة طرّدوا الوجهين ، وبعضهم قطع بالرجوع(٤) .

____________________

= ٢٨٣ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٣ ، الوسيط ٤ : ٢٧ - ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

(٢) المغنى ٤ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٤ / ٢٢٤٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٤ / ٣٥٠٨ - ٣٥١٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨١ - ٥٨٢ / ١٢٨٥ و ١٢٨٦ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

١٢٥

القسم الثالث : الزيادات المتّصلة من وجه دون وجه.

وذلك كالحمل. ووجه اتّصاله ظاهر.

ووجه انفصاله أن نقول : إذا حدث الحمل بعد الشراء وانفصل قبل الرجوع ، فحكم الولد ما تقدّم من أنّه للمشتري خاصّةً.

وإن كانت حاملاً عند الشراء وعند الرجوع جميعاً ، فهو كالسمن.

وقد بيّنّا أنّ المعتمد عندنا فيه أنّه ليس له الرجوع في العين إن زادت قيمتها بسببه.

وعند الشافعي ومالك يرجع فيها حاملاً ؛ لأنّ الزيادة المتّصلة عندهما لا تمنع من الرجوع في العين(١) .

وإن كانت حاملاً عند الشراء وولدت قبل الرجوع ، لم يتعدّ الرجوع إلى الولد عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على الخلاف في أنّ الولد هل له حكم أم لا؟ فإن قلنا : له حكم ، رجع فيهما ، كما لو اشترى شيئين. وإن قلنا : لا حكم له ، لم يرجع في الولد ، وكان الحكم كما لو باعها حاملاً(٢) .

وربما يوجّه قولُ التعدّي إلى الولد : بأنّه كان موجوداً عند العقد ، ملكه المشتري بالعقد ، فوجب أن يرجع إلى البائع بالرجوع ، وقولُ المنع : بأنّه ما لم ينفصل تابع ملحق بالأعضاء ، فكذلك تبع في البيع ، أمّا عند‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥ ، ولاحظ المصادر في الهامش (٢) من ص ١٢٤ ، وكذا الهامش (٢) من ص ١٢١ أيضاً.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ - ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

١٢٦

الرجوع فهو مشخّص مستقلّ بنفسه منفرد بالحكم ، وكأنّه وُجد حين استقلّ.

وإن كانت حائلاً عند الشراء وحملت(١) عند الرجوع ، لم يكن له الرجوعُ عندنا إن زادت قيمتها بالحمل.

ومَنْ جوّز الرجوع مع الزيادة المنفصلة - وهو الشافعي - فعنده قولان موجّهان بطريقين :

أشهرهما : البناء على أنّ الحمل هل يُعرف وله حكم؟ إن قلنا : لا ، أخذها مع الحمل. وإن قلنا : نعم ، قال بعضهم : إنّه لا رجوع له ، ويُضارب الغرماء بالثمن(٢) .

والأصحّ عندهم : أنّ له الرجوع إلى الولد ؛ لأنّ الولد تبع الجارية حال البيع ، فكذا حال الرجوع(٣) .

ووجه المنع : أنّ البائع يرجع إلى ما كان عند البيع أو حدث فيه من الزيادة المتّصلة ، ولم يكن الحمل موجوداً ، ولا يمكن عدّه من الزيادات المتّصلة ؛ لاستقلاله وانفراده بكثير من الأحكام.

ثمّ قضيّة المأخذ الأوّل أن يكون الأصحّ اختصاصَ الرجوع بالأُمّ ؛ لأنّ الأصحّ أنّ الحمل يُعلم وله حكم ، إلّا أنّ أكثر الشافعيّة مالوا إلى ترجيح القول الآخَر(٤) .

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « حاملاً أو حملت ». وفي « ث ، ر » : « حاملاً » والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

(٣) راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨.

١٢٧

وإذا قلنا باختصاص الرجوع بالأُمّ ، فقد قال بعض الشافعيّة : يرجع فيها قبل الوضع ، فإذا ولدت ، فالولد للمفلس(١) .

وقال بعضهم : يصبر إلى انفصال الولد ، ولا يرجع في الحال ، ثمّ الاحتراز عن التفريق [ طريقه ](٢) ما تقدّم(٣) .

مسألة ٣٦٣ : لو كان المبيع نخلاً ، فلا يخلو إمّا أن يكون عليها ثمرة حال البيع ، أو لا‌ ، فإن كان فلا يخلو إمّا أن تكون الثمرة مؤبَّرةً حال البيع ، أو لا.

فإن كانت مؤبَّرةً حال البيع ، فهي للبائع ، إلّا أن يشترطها المشتري ، فإن اشترطها ، دخلت في البيع.

فإذا أفلس وفسخ ، فإمّا أن تكون الثمرة باقيةً أو تلفت.

فإن كانت باقيةً ، فإن لم تزد ، كان له الرجوع في النخل والثمرة معاً. وإن زادت ، ففي الرجوع مع الزيادة المتّصلة الخلافُ السابق ، فإن قلنا به ، رجع فيهما معاً أيضاً. وإن منعناه ، رجع في النخل خاصّةً بحصّته من الثمن ، دون الثمرة.

وإن تلفت ، رجع في النخل ، وضرب بقيمة الثمرة مع الغرماء.

وإن لم تكن مؤبَّرةً حال البيع ، فحالة الرجوع إمّا أن تكون مؤبَّرةً أو لا.

فإن كانت مؤبَّرةً ، لم تدخل في الرجوع - عندنا - للزيادة التي حصلت بين الشراء والرجوع.

ومَنْ أثبت الرجوع مع الزيادة المتّصلة - كالشافعي - فله طريقان :

____________________

(١ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٢٨

أحدهما : أنّ أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملاً وقت البيع ووضعت قبل الرجوع.

وقد ذكرنا أنّ في الرجوع في الولد له قولين ، فكذا في الثمرة.

والطريق الثاني : القطع بأنّه يأخذ الثمرة هنا ؛ لأنّها وإن كانت مستترةً فهي مشاهَدة موثوق بها قابلة [ للإفراد ](١) بالبيع ، فكانت أحد مقصودي العقد ، فيرجع فيها رجوعه في النخل.

والحاصل : أن نقول : إن قلنا : يأخذ الولد ، فالثمرة أولى بالأخذ ، وإلّا فقولان(٢) .

وإن لم تكن مؤبَّرةً حال الرجوع أيضاً ، فإن زادت فيما بين الشراء والرجوع ، لم يكن له الرجوع عندنا. وإن لم تزد أو زادت عند مَنْ يُجوّز الرجوع ، كان له الرجوع فيهما معاً.

وإن كانت الثمرة غير موجودة حال البيع ثمّ ظهرت وأفلس بعد ظهورها ، فإن رجع وعليها الثمرة ، فإمّا أن تكون مؤبَّرةً أو غير مؤبَّرة. فإن كانت مؤبَّرةً أو مدركةً أو مجذوذةً ، لم يكن له الرجوع في الثمرة قطعاً ؛ لأنّها نماء حصلت للمشتري على ملكه ، فلا يزول عنه ، إلّا بسببٍ ، ولم يوجد المزيل.

ولا فرق بين أن يفلس قبل التأبير أو بعده ، فإذا أفلس قبل أن تؤبَّر فلم يرجع فيها حتى أُبّرت ، لم يكن له الرجوع في الثمرة ؛ لأنّ العين لا تنتقل إلى البائع إلّا بالفلس والاختيار لها ، وهذا لم يخترها إلّا بعد أن‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين فيما عدا « ث » : « للإقرار ». وفي « ث » : « للابراز ». وكلاهما تصحيف. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

١٢٩

حصل التأبير ، فلم تتبعها في الفسخ.

وإن كانت الثمرة عند الرجوع غير مؤبَّرة ، لم يكن له الرجوع فيها ؛ لأنّها نماء حصل على ملكه ، ودخول الطلع غير المؤبَّر في البيع لا يقتضي دخوله في الرجوع ، ولا يسقط رجوعه في عين النخل.

وللشافعي قولان :

هذا أحدهما ؛ لأنّ الطلع يصحّ إفراده بالبيع ، فلا يجعل تبعاً ، كالثمار المؤبَّرة ، بخلاف البيع ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وهنا بغير اختياره.

والثاني : أنّه يأخذه مع النخل ؛ لأنّه تبع في البيع ، فكذلك في الفسخ ، كالسمن(١) .

وفيه طريقة أُخرى للشافعيّة : أنّه لا يأخذ الطلع ؛ للوثوق به ، واستقلاله في البيع ، بخلاف البيع(٢) على ما تقدّم.

وبالجملة ، كلّ موضعٍ أزال ملكه باختياره على سبيل العوض يتبع الطلع ، وكلّ موضعٍ زال بغير اختياره ، فهل يتبع؟ قولان ، كالردّ بالعيب ، والأخذ بالشفعة.

وكذا إذا زال بغير عوض باختياره وبغير اختياره على القولين ، كالهبة والرجوع فيها ، فإنّ فيها قولين للشافعي(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو باع نخلاً قد [ أطلعت ](٤) ولم تؤبَّر ، فإنّها تدخل في البيع ، فإن أفلس بعد تلف الثمرة أو تلف بعضها أو بعد بدوّ صلاحها ، لم يكن له الرجوعُ في البيع عند أحمد ؛ لأنّ تلف بعض المبيع أو زيادته‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أطلع ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٣٠

زيادة متّصلة يمنع من الرجوع ، وهنا الثمرة دخلت في البيع ، فكأنّ المبيع شي‌ء واحد ، فإذا تلفت أو بدا صلاحها ، يكون المبيع قد تلف بعضه أو زاد ، فلا رجوع(١) .

أمّا لو كانت الثمرة مؤبَّرةً وقت البيع فشرطها ثمّ أتلفها بالأكل أو تلفت بجائحة ثمّ أفلس ، فإنّه يرجع في الأصل ، ويُضارب بالثمرة ؛ لأنّهما عينان بِيعا معاً.

قال : ولو باعه نخلاً لا ثمرة عليه فأطلعت و [ أفلس ](٢) قبل تأبيرها ، فالطلع زيادة متّصلة تمنع الرجوع - عنده - في النخل(٣) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ للثمرة حكماً منفرداً يمكن بيعها منفردةً ، ويمكن فصله ، ويصحّ إفراده بالبيع ، فهو كالمؤبَّرة ، بخلاف الثمن.

وعنه رواية أُخرى : أنّه يرجع البائع في الثمرة أيضاً ، كما لو فسخ بعيب(٤) . وهذا كقول الشافعي(٥) .

ولو أفلس بعد التأبير ، لم يمنع من الرجوع في النخل إجماعاً ، والطلع للمشتري عند أحمد(٦) .

ولو أفلس والطلع غير مؤبَّر فلم يرجع حتى أُبّر ، لم يكن له الرجوعُ عنده(٧) ، كما لو أفلس بعد [ تأبيرها ](٨) .

فإن ادّعى البائع الرجوعَ قبل التأبير ، وأنكره المفلس ، قُدّم قوله مع‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣ - ٥) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٤.

(٦ و ٧) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٥.

(٨) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثمرتها ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٣١

اليمين ؛ لأصالة بقاء ملكه ، وعدم زواله.

ولو قال البائع : بعت بعد التأبير ، وقال المفلس : قبله ، قُدّم قول البائع ؛ لهذه العلّة.

فإن شهد الغرماء للمفلس ، لم تُقبل شهادتهم ؛ لأنّهم يجرّون إلى أنفسهم نفعاً.

وإن شهدوا للبائع ، قُبلت مع عدالتهم ؛ لعدم التهمة.

مسألة ٣٦٤ : قد بيّنّا أنّه إذا باع النخل ولا حمل له‌ ثمّ أطلع عند المشتري ثمّ جاء وقت الرجوع وهي غير مؤبَّرة ، فإنّ الثمرة للمفلس ، دون البائع ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

ونقل المزني وحرملة عنه أنّه يأخذ الثمرة مع النخل ؛ لأنّه تبع في البيع ، فكذا في الفسخ(٢) .

فعلى قوله لو جرى التأبير وفسخ البائع ثمّ قال البائع : فسخت قبل التأبير فالنماء لي ، وقال المفلس : بل بعده ، قُدّم قول المفلس مع يمينه ؛ لأصالة عدم الفسخ حينئذٍ ، وبقاء الثمار له(٣) .

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّ القولَ قولُ البائع ؛ لأنّه أعرف بتصرّفه(٤) .

وخرّج بعضهم قولاً : إنّ المفلس يُقبل قوله من غير يمين ، بناءً على أنّ النكول وردّ اليمين كالإقرار ، فإنّه لو أقرّ لما قُبل إقراره(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ - ٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.

١٣٢

وإنّما يحلف على نفي العلم بسبق الفسخ على التأبير ، لا على نفي السبق ، فإذا حلف ، بقيت الثمار له.

وإن نكل ، فهل للغرماء أن يحلفوا؟ فيه ما تقدّم(١) من الخلاف فيما إذا ادّعى المفلس دَيْناً وأقام شاهداً ولم يحلف معه ، هل يحلف الغرماء؟ فإن قلنا : لا يحلفون ، أو قلنا : يحلفون فنكلوا ، عُرضت اليمين على البائع ، فإن نكل ، فهو كما لو حلف المفلس.

وإن حلف فإن جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبيّنة ، فالثمار له.

وإن جعلناه كالإقرار ، فيخرّج على قولين في قبول إقرار المفلس في مزاحمة المُقرّ له الغرماء ، فإن لم نقبله ، صُرفت الثمار إلى الغرماء ، كسائر الأموال. وإن فضل شي‌ء ، أخذه البائع بحلفه.

هذا إذا كذّب الغرماء البائعَ كما كذّبه المفلس ، وإن صدّقوه ، لم يُقبل إقرارهم على المفلس ، بل إذا حلف ، بقيت الثمار له.

وليس [ لهم ](٢) المطالبة بقسمتها ؛ لأنّهم يزعمون أنّها ملك البائع لا ملكه.

وليس له التصرّف فيها ؛ للحجر ، واحتمالِ أن يكون له غريمٌ آخَر.

نعم ، له إجبارهم على أخذها إن كانت من جنس حقوقهم ، أو إبراء ذمّته عن ذلك القدر ، كما لو جاء المكاتَب بالنجم ، فقال السيّد : إنّه حرام ، أو مغصوب ، لم يُقبل منه في حقّ المكاتَب ، ويقال له : خُذْه ، أو أبرئه عنه.

وكذا لو دفع المديون دَيْنه إلى صاحبه ، فقال : لا أقبضه ؛ لأنّه حرام.

وله تخصيص بعض الغرماء به ؛ لانقطاع حقّ الباقين عنه ، فإمّا أن‌

____________________

(١) في ص ٣٨ ، المسألة ٢٨٦.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له ». والصحيح ما أثبتناه.

١٣٣

يقبضه أو يُبرئه.

وللشافعيّة وجهٌ : أنّهم لا يُجبرون على أخذها ، بخلاف المكاتَب ؛ لأنّه يخاف العود إلى الرقّ لو لم يؤخذ منه ، وليس على المفلس كثير ضرر(١) .

فإذا أُجبروا على أخذها فأخذوها ، فللبائع أخذها منهم ؛ لإقرارهم أنّها له ، ويجب عليهم الدفع إليه لو لم يطلبها ، كما لو أقرّوا بعتق عبدٍ في ملك غيرهم ثمّ اشتروه منه.

وإن لم يُجبروا وقسّم سائر أمواله ، فله طلب فكّ الحجر إن قلنا بتوقّف الرفع على إذن الحاكم.

ولو كانت من غير جنس حقوقهم فدفعها المفلس إليهم ، كان لهم الامتناع ؛ لأنّه إنّما يلزمهم الاستيفاء من جنس ديونهم ، إلاّ أن يكون منهم مَنْ له من جنس الثمرة ، كالقرض والسَّلَم ، فيلزمه أخذ ما عرض عليه إذا كان بعض حقّه.

ولو لم يكن من جنس حقّ أحدٍ منهم فبِيعت وصُرف ثمنها إليهم تفريعاً على الإجبار ، لم يكن للبائع الأخذ منهم ؛ لأنّهم لم يُقرّوا له بالثمن ، وعليهم ردّه إلى المشتري ، فإن لم يأخذه(٢) ، فهو مالٌ ضائع.

ولو شهد بعض الغرماء أو أقرّ بعضهم دون بعضٍ ، لزم الشاهد أو المُقرّ الحكم الذي ذكرناه.

ولو كان في المُصدّقين عدْلان شهدا للبائع على صفة الشهادة وشرطها أو عدْلٌ واحد وحلف البائع معه ، قُبلت الشهادة ، وقضي له إن شهد الشهود‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يأخذ ». والظاهر ما أثبتناه.

١٣٤

قبل تصديق البائع أو بعده وقلنا : إنّهم لا يُجبرون على أخذ الثمرة ، وإلّا فهُمْ يرفعون(١) الضرر عن أنفسهم بشهادتهم ؛ إذ يُجبرون على أخذها ويضيع عليهم بأخذ البائع.

ولو صدّق بعضُ الغرماء البائعَ وكذّبه بعضُهم ، فللمفلس تخصيص المكذّبين بالثمار.

ولو أراد قسمتها على الجميع ، فالأقرب : أنّه ليس له ذلك ؛ لأنّ مَنْ صدّق البائعَ يتضرّر بالأخذ ؛ لأنّ للبائع أخذ ما أخذه منه ، والمفلس لا يتضرّر بأن لا يصرف إليه ، لإمكان الصرف إلى المكذّبين ، بخلاف ما إذا صدّقه الكلُّ ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه له ذلك ، كما إذا صدّقوه جميعاً(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإذا صرف إلى المكذّبين ولم يف بحقوقهم ، فيضاربون المصدّقين في سائر الأموال ببقيّة ديونهم مؤاخذةً لهم بزعمهم ، أو بجميع ديونهم ؛ لأنّ زَعْم المصدّقين أنّ شيئاً من دَيْن المكذّبين لم يتأدّ؟ للشافعيّة وجهان ، أظهرهما عندهم : الأوّل(٣) .

وجميع ما ذكرناه فيما إذا كذّب المفلس للبائع ، أمّا لو صدّقه المفلس على سبق الفسخ للتأبير ، نُظر فإن صدّقه الغرماء أيضاً ، قضي له.

وإن كذّبوه وزعموا أنّه أقرّ عن مواطأة جرت بينهما ، فعلى القولين الجاريين فيما لو أقرّ بعين مالٍ أو بدَيْن لغيره ، فإن قلنا : لا نفوذ ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بالثمن ظاهراً ، فلم يُقبل إقراره ، كما لو أقرّ بالنخل ، فللبائع تحليف الغرماء على أنّهم لا يعرفون فسخه قبل التأبير.

____________________

(١) الظاهر : « يدفعون ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.

١٣٥

ومنهم مَنْ قال : هو على القولين السابقين(١) في أنّ الغرماء هل يحلفون إذا ادّعى حقّاً وأقام شاهداً ولم يحلف؟

والأوّل أصحّ عندهم ؛ لأنّ اليمين هنا وجبت عليهم ابتداءً ، وثَمَّ ينوبون عن المفلس ، واليمين لا تجري فيها النيابة(٢) .

وفي مسألتنا : الأصل أنّ هذا الطلع قد تعلّقت حقوقهم به ؛ لكونه في يد غيرهم ومتّصل ، فعليه التخلية ، والبائع يدّعي ما يزيل حقوقهم عنه ، فأشبه سائر أعيان ماله.

وما به النظر في انفصال الجنين وفي ظهور الثمار بالتأبير إلى حال الرجوع دون الحجر ؛ لأنّ ملك المفلس باقٍ إلى أن يرجع البائع.

مسألة ٣٦٥ : لو كان المبيع أرضاً ، فإن كانت بيضاء ، كان له الرجوعُ عند الإفلاس بها‌. فإن زرع المشتري الأرضَ قبل الحجر ، كان له الرجوعُ في الأرض ، والزرع للمفلس ؛ لأنّه عين ماله ، وليس الزرع ممّا يتبع الأرض في البيع فأولى أن لا يتبعها في الفسخ.

وكذا لو باعه حائطاً لا ثمر فيه ثمّ أفلس وقد أُبّرت النخلة ، لم يكن له الرجوعُ في الثمرة ؛ لأنّها لا تتبع الأصل في البيع ، فكذا في الفسخ.

إذا ثبت هذا ، فإنّه ليس لبائع الأرض ولبائع النخل المطالبةُ بقلع الزرع ولا قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ والحصاد - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ المشتري زرع في أرضه بحقٍّ ، وكذا طلعه على النخل بحقٍّ ، فلم يكن لأحدٍ‌

____________________

(١) في ص ٣٨ - ٣٩ ، ضمن المسألة ٢٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨ ، المغني ٤ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٥.

١٣٦

مطالبته [ بقلعه ](١) كما لو باع نخلاً فيه ثمرة ظاهرة أو أرضاً فيها زرع ، لم يكن للمشتري مطالبة البائع بقطع الثمرة والزرع ، وكذا هنا ، والأُجرة لصاحب الأرض في ذلك ، إلّا أنّ المشتري زرع في أرضه والزرع تجب تبقيته ، فكأنّه استوفى منفعة الأرض ، فلم يكن عليه ضمان ذلك.

لا يقال : أنتم قلتم في المؤجر للأرض : إذا زرعها المستأجر وأفلس ، رجع المؤجر في الأرض ، وله أُجرة التبقية للزرع ، فلِمَ لا يكون لبائع الأرض الأُجرةُ؟

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ فإنّ المعقود عليه في البيع الرقبةُ ، وإنّما يحصل له بالفسخ وإن لم يأخذ الأُجرة ، وفي الإجارة المنفعةُ ، فإذا فسخ العقد فيها ، لم يجز أن يستوفيها المستأجر بلا عوضٍ ، فإذا لم يتمكّن من استيفائها ولم يمكنه من أخذ بدلها ، خلا الفسخ عن الفائدة ، ولم يعد إليه حقّه ، فلا يستفيد بالفسخ شيئاً.

ولأنّ المستأجر دخل في العقد على أن يضمن المنفعة ، فلهذا وجب عليه الأُجرة ، بخلاف المتنازع ، فإنّ المشتري دخل على أنّه لا يضمن المنفعة ، فجرى مجرى البائع للأُصول دون ثمرتها.

وحكى بعض الشافعيّة قولاً : إنّ للبائع طلبَ أُجرة المثل لمدّة بقاء الزرع ، كما لو بنى المشتري أو غرس ، كان للبائع الإبقاء بأُجرة المثل(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإن اتّفق المفلس والغرماء على تبقيته ، كان لهم ذلك.

وإن اختلفوا ، فطلب المفلس قطعه ، أو طلب الغرماء قطعه ، أو‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بفعله ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.

١٣٧

بعضهم طلبه ، أُجيب مَنْ طلب القطع على إشكال ؛ لما في التبقية من الغرور ، ومَنْ طلب قطعه أراد تعجيل حقّه ، وكذا المفلس يريد براءة ذمّته ، فأُجيب إلى ذلك.

ويُحتمل إجابة مَنْ طلب ما فيه الحظّ ، فيُعمل عليه.

وهو حسن - وكلاهما قولان للشافعيّة(١) - لأنّ النفع متوقّع ، ولهذا جاز لوليّ الطفل الزرع له.

مسألة ٣٦٦ : لو باعه أرضاً وفيها بذر مودع ، فإن باعها مطلقاً ، لم يدخل البذر في البيع ؛ لأنّه مودع فيها.

وإن باعها مع البذر ، فإن قصد التبعيّة ، جاز ، وإلّا بطل ؛ لأنّ بعض المبيع المقصود مجهول ، فلا يصحّ بيعه.

وإن باع الأرض وشرط البذر أو قصد التبعيّة ، دخل في البيع.

فإذا أفلس المشتري بعد ما استحصد واشتدّ حَبُّه أو كان قد حصده وذرّاه(٢) ونقّاه ، لم يكن لصاحب الأرض أن يرجع فيه - [ وهو أحد الوجهين للشافعيّة ](٣) (٤) - لأنّ هذا الزرع أعيان ابتدأها الله تعالى ، ولم يكن موجوداً حال البيع.

والثاني : أنّ [ له الرجوعَ ؛ لأنّ ](٥) ذلك(٦) من نماء الزرع ، فهو كالطلع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨ ، المغني ٤ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٦.

(٢) ذروت الحنطة وذرّيتها : نقّيتها في الريح. لسان العرب ١٤ : ٢٨٣ « ذرا ».

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٦) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة زيادة : « ممّا ». والظاهر زيادتها.

١٣٨

يصير تمراً ، ولهذا لو غصب رجلاً حَبّاً فبذره في ملكه واستحصد ، كان لصاحب البذر دون صاحب الأرض ، وكذا البيض لو صار فرخاً(١) .

والفرق بين الغاصب والمتنازع ظاهر.

مسألة ٣٦٧ : لو كانت الثمرة مؤبَّرةً حال البيع وشرطها في البيع ، كانت جزءاً من المبيع‌ يتقسّط الثمن عليها وعلى الأُصول ، فإذا أفلس المشتري وتلفت الثمرة بأكله أو بجائحة أو بأكل أجنبيّ ، فقد بيّنّا أنّ للبائع أخذَ الشجر بحصّته من الثمن ، ويُضارب مع الغرماء بحصّة الثمرة.

وسبيل التوزيع أن تُقوَّم الأشجار وعليها الثمار ، فإذا قيل : قيمتها مائة ، قُوّمت الأشجار وحدها ، فإذا قيل : قيمتها تسعون ، علمنا أنّ قيمة الثمرة عشرة ، فيضارب بعُشْر الثمن.

فإن اتّفق في قيمتها انخفاض وارتفاع ، فالاعتبار في قيمة الثمار بالأقلّ من قيمتي وقت العقد ويوم القبض ؛ لأنّها إن كانت يوم القبض أقلَّ [ فما نقص ](٢) قبله فهو من ضمان البائع ، فلا يُحسب على المشتري.

وإن كانت يوم العقد أقلَّ ، فالزيادة حصلت في ملك المشتري وتلفت ، فلا تعلّق للبائع بها.

نعم ، لو كانت العين باقيةً ، رجع فيها تابعةً للأصل إن لم تحصل زيادة عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي(٣) .

[ وقال بعض الشافعيّة ](٤) : الاعتبار في قيمته يومَ القبض ، واحتسب‌

____________________

(١) نفس المصادر في الهامش (٤) من ص ١٣٧.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ممّا قبض ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه - لاستقامة العبارة - من المصدر.

١٣٩

الزيادة للبائع بعد التلف ، كما أنّها لو بقيت العين ، لحصلت له(١) .

وهذا ظاهر كلام الشافعي(٢) .

لكن أكثر أصحابه حملوه على ما إذا كانت قيمته يوم القبض أقلّ أو لم تختلف القيمة ، فسواء أضفتها(٣) إلى هذا اليوم أو ذاك اليوم(٤) .

وأمّا الأشجار فللشافعيّة وجهان :

أظهرهما : أنّ الاعتبار فيها بأكثر القيمتين ؛ لأنّ المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع ، فنقصانه عليه ، وزيادته للمشتري ، ففيما يأخذه البائع [ يعتبر ](٥) الأكثر ؛ لكون النقصان محسوباً عليه ، كما أنّ فيما يبقى للمشتري ويضارب البائع بثمنه [ يعتبر ](٦) الأقلّ ؛ لكون النقصان محسوباً عليه.

والثاني : أنّ الاعتبار بقيمة يوم العقد ، سواء كانت أكثرَ القيمتين أو أقلَّهما.

أمّا إذا كانت أكثرَهما : فلما ذكرنا في الوجه الأوّل.

وأمّا إذا كانت أقلَّهما : فلأنّ ما زاد بعد ذلك من جملة الزيادات المتّصلة ، وعين الأشجار باقية ، فيفوز بها البائع ، ولا تُحسب عليه(٧) .

قال الجويني : ولصاحب الوجه الأوّل أن يقول : نعم ، البائع يفوز بها ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.

(٣) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وفي المصدر : « فبنوا إضافتها » بدل « فسواء أضفتها ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.

(٥ و ٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تعيّن بقيمة ». والمثبت من المصدر.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ - ٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

استرقاقهم(١) .

مسألة ٢١٠ : لو شرط الإمام ردّ مَنْ جاء مسلماً من الرجال ، فجاء مسلم فأرادوا أخذه ، فإن كان ذا عشيرة وقوّة تحميه وتمنعه عن الافتتان والدخول في دينهم ، جاز ردّه إليهم ولا يمنعهم منه ؛ عملاً بالشرط ، وعدم الضرر عليه متحقّق ؛ إذ التقدير ذلك بمعنى أنّه لا يمنعهم من أخذه إذا جاءوا في طلبه ، ولا يُجبره الإمام على المضيّ معهم ، وله أن يأمره في السرّ بالهرب منهم ومقاتلتهم.

وإن كان مستضعفاً لا يؤمن عليه الفتنة ، لم تجز إعادته عندنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أحمد : تجوز(٣) .

وهو غلط ، ولهذا لم نوجب على مَنْ له قوّة على إظهار دينه وإظهار شعائر الإسلام المهاجرةَ عن بلاد الشرك ، وأوجبناها على المستضعف.

ولو شرط في الصلح ردّ الرجال مطلقاً ، لم يجز ؛ لأنّه يتناول مَنْ لا يُؤمن افتتانه ومَنْ يُؤمن.

ولو جاء صبي ووصف الإسلام ، لم يردّ ؛ لأنّه لا يُؤمن افتتانه عند بلوغه. وكذا لو قدم مجنون.

فإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون ، فإن وصفا الإسلام ، كانا مع(٤) المسلمين ، وإن وصفا الكفر ، فإن كان كفراً لا يُقرّ أهله عليه ، اُلزما الإسلام‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٣.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٩ ، المغني ١٠ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧١.

(٣) المغني ١٠ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧١.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « من » بدل « مع ».

٣٦١

أو الردّ إلى مأمنهما. وإن كان ممّا يقرّ أهله عليه ، ألزمناهما بالإسلام أو الجزية أو الردّ إلى مأمنهما.

ولو جاء عَبْدٌ ، حكمنا بحُرّيّته ؛ لأنّه قَهَر مولاه على نفسه. ولو جاء سيّده ، لم يُردّ عليه ؛ لأنّه مستضعف لا يؤمن عليه الافتتان ، ولا يردّ عليه قيمته.

وللشافعي في ردّ القيمة قولان(١) .

مسألة ٢١١ : لا يجوز ردّ النساء المهاجرات إلينا عليهم مطلقاً إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ - إلى قوله -فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ ) (٢)

وسبب ذلك أنّ اُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمةً ، فجاء أخواها يطلبانها ، فأنزل الله هذه الآية ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله منع الصلح »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو صالحناهم على ردّ مَنْ جاء من النساء مسلمةً ، كان الصلح باطلاً. والفرق بينها وبين الرجل من وجوه :

الأوّل : لا يؤمن أن يزوّجها وليّها بكافر فينالها.

الثاني : لا تؤمن ؛ لضعف عقلها من الافتتان في دينها.

الثالث : عجزها عن الهرب والنجاة بنفسها لو طلبته.

وإذا طلبت امرأة أو صبيّة مسلمة الخروج من عند الكفّار ، جاز لكلّ‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٦.

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) المهذّب - : للشيرازي - ٢ : ٢٦١ ، المغني ١٠ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٩ ، وانظر : المغازي - للواقدي - ٢ : ٦٣١ ، والسيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٤٠ ، ودلائل النبوّة - للبيهقي - ٤ : ١٧١ ، والجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦١.

٣٦٢

مسلم(١) إخراجها ، وتعيّن عليه ذلك مع المكنة ؛ لما فيه من استنقاذ المسلم.

مسألة ٢١٢ : إذا عقد الإمام الهدنة اليوم فإمّا أن يشترط فيه أن لا ردّ لمن جاء مسلماً‌ ، أو يطلق ، أو يشترط الردّ.

فإن شرط عدم الردّ ، فلا ردّ ولا غُرْم. وكذا لو خصّص النساء بعدم الردّ.

وإن أطلق ولم يشترط الردّ ولا عدمه ثمّ جاءت امرأة مسلمة منهم أو جاءت كافرة ثمّ أسلمت ، لم يجز ردّها إجماعاً. ثمّ إن جاء أبوها أو جدّها أو أخوها أو أحد أقاربها يطلبها ، لم تدفع إليه ؛ لقوله تعالى :( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ ) (٢) .

ولو طلب أحدهم مهرها ، لم يدفع إليه.

ولو جاء زوجها أو وكيله يطلبها ، لم تردّ إليه إجماعاً.

وإن طلب(٣) مهرها ولم يكن قد سلّمه إليها ، فلا شي‌ء له إجماعاً.

وإن كان قد سلّمه ، ردّ عليه ما دفعه(٤) ، عند علمائنا - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لقوله تعالى :( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٦) والمراد منه الصداق ،

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « مؤمن » بدل « مسلم ».

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) في الطبعة الحجريّة : طالب.

(٤) في الطبعة الحجريّة : قد دفعه.

(٥) مختصر المزني : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ ، المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٠ ، الجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦٤.

(٦) الممتحنة : ١٠.

٣٦٣

وأيضاً فإنّ البُضْع متقوّم وهو حقّه ، فإذا حُلْنا بينه وبين حقّه ، لزمنا بدله.

والثاني : لا يردّ عليه - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني - لأنّ بُضْع المرأة ليس بمالٍ ، فلا يدخل في الأمان ، ولهذا لو عقد الرجل الأمان لنفسه ، دخل فيه أمواله ، ولا يدخل فيه زوجته(١) .

وهو قياس ضعيف في مقابلة النصّ فلا يُسمع ، خصوصاً مع تأكّد النصّ بعملهعليه‌السلام ، فإنّه ردّ مهر من جاءت مسلمة في صلح الحديبيّة(٢) .

وإن شرط الردّ لمن جاء منهم إليهم ، لم يجب(٣) الردّ ، ووجب الغُرْم لما أنفق من المهر.

وللشافعي قولان(٤) أيضاً.

مسألة ٢١٣ : إنّما يجب أن يردّ عليه ما دفعه من المهر لو قدمت المرأة إلى بلد الإمام‌ أو بلد خليفته ومَنَع من ردّها ، فأمّا إذا قدمت إلى غير بلدهما ، وجب على المسلمين منعه من أخذها ؛ لأنّه من الأمر بالمعروف.

فإذا منع غير الإمام وغير خليفته من ردّها ، لم يلزم الإمام أن يعطيهم شيئاً ، سواء كان المانع من ردّها العامّة أو رجال الإمام ؛ لأنّ البدل يعطيه الإمام من المصالح ولا تصرّف لغير الإمام وخليفته فيه.

____________________

(١) مختصر المزني : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦١ و ٣٦٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٦٨ ، المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٠ ، الجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦٤.

(٢) المغازي - للواقدي - ٢ : ٦٣١ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٤١ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٥٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٢٨.

(٣) في « ق ، ك» : لم يجز.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

٣٦٤

ولو سمّى مهراً فاسداً وأقبضها إيّاه كخمرٍ أو خنزيرٍ ، لم تكن له المطالبة به ولا بقيمته ؛ لأنّه ليس بمالٍ ولا قيمة له في شرعنا.

والمغروم هو الذي دفعه الزوج من صداقها ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : المغروم الأقلُّ من مَهْر مِثْلها و [ ما بَذَله ](٢) فإن كان مهر المثل أقلّ ، فالزيادة كالموهوب ، وإن كان المبذول أقلّ ، فهو الذي فات عليه(٣) .

ولو لم يدفع إلّا بعضه ، لم يستحقّ إلّا ذلك القدر.

ولو كان أعطاها أكثر ممّا أصدقها أو أهدى إليها هديّةً أو أنفق في العُرْس أو أكرمها بمتاع ، لم يجب ردّه ؛ لأنّه تطوّع به ، فلا يردّ عليه. ولأنّ هذا ليس ببدل عن البُضْع الذي حِيل بينه وبينه ، إنّما هو هبة محضة ، فلا يرجع بها ، كما لا يستحقّ ردّ ما أطعمها.

مسألة ٢١٤ : لو قدمت مسلمة إلى الإمام فجاء رجل وادّعى أنّها زوجته ، فإن اعترفت له بالنكاح ، ثبت ، وإن أنكرت ، كان عليه إقامة البيّنة : شاهدان مسلمان عدلان ، ولا يُقبل شاهد وامرأتان ، ولا شاهد ويمين ؛ لأنه نكاح ، فلا يثبت إلّا بذَكَرَيْن.

فإذا ثبت النكاح بالبيّنة أو باعترافها فادّعى أنّه سلّم إليها المهر ، فإن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : بدله. وما أثبتناه يقتضيه السياق وكما في العزيز شرح الوجيز ، ويؤيّده عبارة الحاوي والروضة.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

٣٦٥

صدّقته ، ثبت له ، وإن أنكرت ، كان عليه البيّنة ، ويُقبل فيه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين ؛ لأنّه مال ، ولا يُقبل قول الكفّار في البابين وإن كثروا.

فإن لم تكن له بيّنة ، كان القول قولها مع اليمين.

ولا يثبت الغُرْم بمجرّد قوله : دفعت إليها صداقها أو كذا من صداقها ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يمين عليها ؛ لأنّ الصداق على غيرها(٢) .

وقال بعضهم : يتفحّص الإمام عن مَهْر مِثْلها ، وقد يمكن معرفته من تجّار المسلمين الذين دخلوا دار الحرب ، و(٣) من الاُسارى ، ثمّ يحلف الرجل أنّه أصدقها ذلك القدر ، وسلّمه(٤) .

وقال بعض الشافعيّة : لو ادّعى الدفع وصدّقته ، لم يعتمد على قولها ولا يجعل حجّة علينا(٥) .

وقال بعضهم : إقرارها بمثابة البيّنة(٦) .

مسألة ٢١٥ : لو قدمت مجنونة ، فإن كانت قد أسلمت قبل جنونها وقدمت ، لم تُردّ ، ويردّ مهرها ؛ لأنّها بحكم العاقلة في تفويت بُضْعها.

وإن كانت قد وصفت الإسلام وأشكل علينا هل كان إسلامها حال عقلها أو جنونها؟ فإنّها لا تُردّ أيضاً ؛ لاحتمال أن تكون قد وصفت الإسلام وهي مجنونة ، فإن أفاقت فأقرّت بالإسلام ، ردّ مهرها عليه ، وإن أقرّت بالكفر ، رُدّت عليه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

(٣) في « ق ، ك » : « أو » بدل « و ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ - ٥٢٥.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ - ٥٦٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٥.

٣٦٦

ولو جاءت مجنونة ولم يُخبر عنها بشي‌ء ، لم تُردّ عليه ؛ لأنّ الظاهر أنّها إنّما جاءت إلى دار الإسلام لأنّها أسلمت ، ولا يُردّ مهرها ؛ للشكّ ، فيجوز أن تُفيق وتقول : إنّها لم تزل كافرة ، فتُردّ حينئذٍ ، فينبغي أن يُتوقّف عن ردّها حتى تُفيق ويتبيّن أمرها.

فإن أفاقت ، سُئلت ، فإن ذكرتْ أنّها أسلمت ، اُعطي المهر ومُنع منها ، وإن ذكرتْ أنّها لم تزل كافرة ، رُدّت عليه.

وينبغي أن يحال بينه وبينها حال جنونها ؛ لجواز أن تُفيق فيصدّها عن الإسلام في أوّل زمان إفاقتها.

ولو جاءت صغيرة ووصفت الإسلام ، لم تُردّ إليهم ؛ لئلّا تفتن عند بلوغها عن الإسلام. ولا يجب ردّ المهر بل يتوقّف عن ردّه حتى تبلغ ، فإن بلغت وأقامت على الإسلام ، ردّ المهر ، وان لم تقم ، ردّت هي وحدها - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّ إسلامها غير محكوم بصحّته. وإن قلنا بصحّة إسلام الصبي ، فظاهر ، فلا يجب ردّ مهرها ، كالمجنونة إذا لم يعلم إسلامها حال إفاقتها أو حال جنونها ، فيحافظ على حرمة الكلمة.

والثاني للشافعي : أنّه يجب ردّ مهرها ، لأنّ وصفها بالإسلام يمنع من ردّها ، فوجب ردّ مهرها ، كالبالغة.

ثمّ فرّق بينها وبين المجنونة : بأنّ المنع في المجنونة ، للشكّ في إسلامها ، وفي الصغيرة ، لوصف الإسلام(٢) .

ونمنع ذلك ؛ فإنّ وصف الإسلام لا يحكم به فيها ، وإنّما منعناه منها ؛ للشكّ في ثباتها عليه بعد بلوغها ، فإذا بلغَتْ فإن ثبتت على الإسلام ، رددنا‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠.

٣٦٧

مهرها ، وإن وصفَتْ الكفر ، رددناها.

مسألة ٢١٦ : لو قدمت أمة مسلمة إلى الإمام ، صارت حُرّةً ؛ لأنّها قهرَتْ مولاها على نفسها ، فزال ملكه عنها ، كما لو قهر عبدٌ حربيٌّ سيّدَه الحربيّ ، فإنّه يصير حُرّاً. والهدنة إنّما تمنع مَنْ في قبضة الإمام من المسلمين وأهل الذمّة.

فإن جاء سيّدها يطلبها ، لم تُدفع إليه ؛ لأنّها صارت حُرّةً ، ولأنّها مسلمة. ولا يجب أيضا ردّ قيمتها ، كالحرّة في الأصل ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

والثاني : تُردّ قيمتها عليه ؛ لأنّ الهدنة اقتضت ردّ أموالهم عليهم ، وهذه من أموالهم ، فعلى هذا تُردّ على السيّد قيمتها لا ما اشتراها به(٢) .

فإن جاء زوجها يطلبها ، لم تردّ عليه ؛ لما مضى. وإن طلب مهرها ، فإن كان حُرّاً ، رُدّ عليه ، وان كان عبداً ، لم يُدفع إليه المهر حتى يحضر مولاه فيطالب به ؛ لأنّ المال حقٌّ له.

ولو حضر السيّد دون العبد ، لم يدفع إليه شي‌ء ؛ لأنّ المهر يجب للحيلولة بينها وبين الزوج ، فإذا حضر الزوج وطالَب ، ثبت المهر للمولى ، فيعتبر حضورهما معاً.

ولو أسلمَتْ ثمّ فارقَتْهم ، قال بعض الشافعيّة : لا تصير حُرّةً ؛ لأنّهم في أمانٍ [ منّا ](٣) فأموالهم محظورة علينا ، فلا يزول الملك عنها بالهجرة ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٢) الوجيز ٢ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : منها ، وذلك تصحيف.

٣٦٨

بخلاف ما إذا هاجرَتْ ثمّ أسلمَتْ ؛ فإنّ الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض ، فجاز أن تملك نفسها بالقهر(١) .

ولم يتعرّض أكثرهم لهذا التفصيل ، وأطلق الحكم بالعتق وإن أسلمَتْ ثمّ فارقَتْهم ؛ لأنّ الهدنة جرَتْ معنا ولم تَجْرِ معها(٢) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : إن أوجبنا غرامة المهر والقيمة ، نُظر ، فإن حضر الزوج والسيّد معاً ، أخذ كلّ واحد منهما حقَّه ، وإن جاء أحدهما دون الآخر ، احتُمل أنّا لا نغرم شيئاً ؛ لأنّ حقّ الردّ مشترك بينهما ولم يتمّ الطلب ، وأنّه نغرم حقّ الطالب ؛ لأنّ كلّ واحد من الحقّين متميّز عن الآخر ، وأنّا نغرم للسيّد إن تفرّد بالطلب ، ولا نغرم للزوج. والفرق أنّ حقّ اليد في الأمة المزوّجة للسيّد ، فإنّه له أن يسافر بها ، وإذا لم ينفرد الزوج باليد ، لم يؤثّر طلبه على الانفراد.

وللشافعيّة ثلاثة أقوال(٣) كالاحتمالات.

ولو كان زوج الأمة عبداً ، فلها خيار الفسخ إذا [ عُتقت ](٤) فإن فسخت النكاح ، لم يغرم المهر ؛ لأنّ الحيلولة حصلت بالفسخ ، وإن لم تفسخ ، غرم المهر.

ولابدّ من حضور السيّد والزوج معاً وطلبِ الزوج المرأةَ والسيّد المهرَ ، فإن انفرد أحدهما ، لم يغرم ؛ لأنّ البُضْع ليس ملْكَ السيّد ، والمهر غير مملوك للعبد.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : عقدت. وهو تصحيف ما أثبتناه.

٣٦٩

مسألة ٢١٧ : لو قدمت مسلمة ثمّ ارتدّت ، وجب عليها أن تتوب ، فإن لم تفعل ، حُبست دائماً ، وضُربت أوقات الصلوات ، عندنا ، وقُتلت ، عند العامّة على ما سيأتي.

فإن جاء زوجها وطلبها ، لم تردّ عليه ؛ لأنّه حكم لها بالإسلام أوّلاً ثمّ ارتدّت ، فوجب حبسها ، ويردّ عليه مهرها ، لأنّه حُلْنا بينه وبينها بالحبس.

وعند العامّة إن جاء قبل القتل ، ردّ عليه مهرها ؛ للحيلولة بينه وبينها بالقتل ، وإن جاء بعد قتلها ، لم يردّ عليه شي‌ء ؛ لأنّا لم نَحُلْ بينه وبينها عند طلبه لها(١) .

ولو ماتت مسلمةً قبل الطلب ، فلا غرم ؛ لأنّه لا منع بعد الطلب. وكذا لو مات الزوج قبل طلبها ؛ لأنّ الحيلولة حصلت بالموت لا الإسلام.

ولو مات أحدهما بعد المطالبة ، وجب ردّ المهر عليه ؛ لأنّ الموت حصل بعد الحيلولة ، فإن كانت هي الميّتةَ ، ردّ المهر عليه ، وإن كان هو الميّتَ ، ردّ المهر على ورثته.

ولو قُتلت قبل الطلب ، فلا غرم ، كما لو ماتت ، وإن قُتلت بعده ، ثبت الغرم.

ثمّ قال الجُويني : إنّ الغرم على القاتل ، لأنّه المانع بالقتل(٢) .

وفصَّل بعضهم بأنّه إن قَتَلها على الاتّصال بالطلب ، فالحكم ما ذكره ، وإن تأخّر القتل ، فقد استقرّ الغُرم علينا بالمنع ، فلا أثر للقتل بعده ، وفي الحالين لا حقّ للزوج فيما على القاتل من القصاص أو الدية ، لأنّه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

٣٧٠

لا يرثها(١) .

ولو جرحها جارحٌ قبل الطلب ثمّ طلبها الزوج وقد انتهت إلى حركة المذبوحين ، فهو كالطلب بعد الموت.

وإن بقيت فيها حياة مستقرّة ، فالغُرم على الجارح ؛ لأنّ فواتها يستند إلى الجرح ، أو في بيت المال ؛ لحصول المنع في الحياة؟ للشافعيّة وجهان ، أصحّهما : الثاني ، ولا يسقط الغُرم(٢) .

ولو طلّقها الزوج بعد قدومها مسلمةً ، فإن كان بائناً أو خُلْعاً قبل المطالبة ، لم يجب ردّ المهر إليه ؛ لأنّ الحيلولة منه بالطلاق لا بالإسلام ، فقد تركها باختياره ، وإن كان بعد المطالبة ، ردّ إليه ، لأنه قد استقرّ المهر له بالمطالبة والحيلولة.

وإن كان رجعيّاً ، لم يكن له المطالبة بالمهر ؛ لأنّه أجراها إلى البينونة ، أمّا لو راجعها ، فإنّه يردّ عليه المهر مع المطالبة ؛ لأنّ له الرجعة في الرجعي ، وإنّما حال بينهما الإسلام.

ولو ملكها بشرط أن تطلّق نفسها على الفور ، فكالطلاق البائن.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لو طلّقها رجعيّاً ، استحقّ المهر بمجرّد الطلب من غير رجعة ؛ لأنّ الرجعة فاسدة ، فلا معنى لاشتراطها(٣) .

وهو ممنوعٌ ؛ لتضمّن الرجعة قصد الإمساك وإن كانت رجعة الكافر للمسلمة باطلةً.

مسألة ٢١٨ : لو جاءت امرأة مسلمة ثمّ جاء زوجها وأسلم ، نُظر ، فإن أسلم قبل انقضاء عدّتها ، كان على النكاح ؛ لأنّ امرأةً مجوسيّة أسلمت قبل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ - ٥٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

٣٧١

زوجها ، فقال عليعليه‌السلام : « أتسلم؟ » قال : لا ، ففرّق بينهما ، ثمّ قال : « إن أسلمْتَ قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك ، وإن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمْتَ فأنت خاطب من الخطّاب »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان قد أخذ مهرها قبل إسلامه ثمّ أسلم في العدة ، رُدّت إليه ، ووجب عليه ردّ مهرها إليها ؛ لأنّ استحقاقه للمهر إنّما كان بسبب الحيلولة وقد زالت.

ولو أسلم بعد انقضاء عدّتها ، لم يجمع بينهما وبانت منه.

ثمّ إن كان قد طالَب بالمهر قبل انقضاء عدّتها ، كان له المطالبة ؛ لأنّ الحيلولة حصلت قبل إسلامه. فإن لم يكن طالَب قبل انقضاء العدّة ، لم يكن له المطالبة بالمهر ؛ لأنّه التزم حكم الإسلام ، وليس من حكم الإسلام المطالبة بالمهر بعد البينونة.

ولو كانت غيرَ مدخول بها وأسلمت ثمّ أسلم ، لم يكن له المطالبة بمهرها ؛ لأنّه أسلم بعد البينونة ، وحكم الإسلام يمنع من وجوب المطالبة في هذه الحالة.

مسألة ٢١٩ : كلّ موضع يجب فيه الردّ فإنّه يجب ردّ أقلّ الأمرين من المسمّى في العقد والمقبوض ، فإن كان المقبوض أقلَّ من المسمّى ، لم تجب الزيادة على ما دَفَعه ؛ لقوله تعالى :( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٢) وإن كان المقبوض أكثر ، كان الزائد هبةً ، فلا يجب ردّها.

فإن اختلفا في المقبوض ، كان القول قولها مع اليمين وعدم البيّنة.

قال الشيخرحمه‌الله : فإن أعطيناه المهر لما ذكرناه فقامت البيّنة بأنّ‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠١ / ١٢٥٧ ، الإستبصار ٣ : ١٨٢ / ٦٦١.

(٢) الممتحنة : ١٠.

٣٧٢

المقبوض كان أكثر ، كان له الرجوع بالفضل(١) .

وفي هذا الإطلاق نظر ؛ فإنّا لو دفعنا ما اعترفت به المرأة مع اليمين ، لم يكن له الرجوع بشي‌ء.

تنبيهان :

الأوّل : كلّ موضع حكمنا بوجوب ردّ المهر فإنّه يكون من بيت مال المسلمين الـمُعدّ للمصالح ؛ لأنّ ذلك من مصالح المسلمين.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : محلّ الغرم خُمْس الخُمْس الـمُعدّ للمصالح. والثاني : إن كان للمرأة مال ، اُخذ منها(٢) .

الثاني : لو شرطنا في الصلح ردّ مَنْ جاء مطلقاً ، لم يصحّ على ما تقدّم. فإذا بطل ، لم يردّ مَنْ جاءنا منهم ، رجلاً كان أو امرأةً ، ولا يردّ البدل عنها بحال ؛ لأنّ البدل استحقّ بشرط ، وهو مفقود هنا ، كما لو جاءنا من غير هدنة.

مسألة ٢٢٠ : لو قدم إلينا عبد فأسلم ، صار حُرّاً ، فإذا جاء سيّدُه يطلبه ، لم يجب ردّه ولا ردّ ثمنه ؛ لأنّه صار حُرّاً بالإسلام ، ولا دليل على وجوب ردّ ثمنه.

وإذا عقد الإمام الهدنة ثمّ مات ، وجب على مَنْ بعده من الأئمّة العملُ بموجب ما شرطه الأوّل إلى أن يخرج مدّة الهدنة ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّه معصوم فَعَل مصلحةً ، فوجب على القائم بعده تقريرها إلى وقت خروج‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٥.

٣٧٣

مدّتها.

وإذا نزل الإمام على بلدٍ وعقد معهم صلحاً على أن يكون البلد لهم ويضرب على أرضهم خراجاً يكون بقدر الجزية ويلتزمون أحكامنا ويُجريها عليهم ، كان ذلك جائزاً ، ويكون ذلك في الحقيقة جزيةً ، فإذا أسلم واحد منهم ، سقط عنه ما ضرب على أرضه من الصلح ، وصارت الأرض عُشريّة ؛ لأنّ الإسلام يُسقط الجزية.

ولو شرط عليهم أن يأخذ منهم العُشْر من زرعهم على أنّه متى(١) قصر ذلك عن أقلّ ما تقتضي المصلحة أن يكون جزيةً ، كان جائزاً ، فإن غلب في ظنّه أنّ العُشْر لا يفي بما توجبه المصلحة من الجزية ، لا يجوز أن يعقد عليه.

وإن أطلق ولا يغلب على ظنّه الزيادة والنقصان ، قال الشيخ : الظاهر من المذهب جوازه ؛ لأنّه من فروض الإمام ، فإذا فَعَله ، كان صحيحاً ؛ لأنّه معصوم(٢) .

مسألة ٢٢١ : إذا فسد عقد الهدنة إمّا لزيادة في المدّة أو التزام المال أو غيرهما ، لم يمض ، ووجب نقضه ، لكن لا يجوز اغتيالهم ، بل يجب إنذارهم وإعلامهم أوّلاً. وإذا وقع صحيحاً ، وجب الوفاء بالكفّ عنهم إلى انقضاء المدّة أو صدور خيانة(٣) منهم تقتضي الانتقاض.

ولو عقد نائب الإمام عقداً فاسداً ، كان على مَنْ بعده نقضه.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان فساده من طريق الاجتهاد ، لم يفسخه ،

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إن » بدل « متى ».

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٦.

(٣) في « ق ، ك » : جناية.

٣٧٤

وإن كان بنصٌّ أو إجماعٍ ، فسخه(١) .

وينبغي للإمام إذا عاهد أن يكتب كتاباً يُشْهد عليه على عقد الهدنة ليعمل به مَنْ بعده. ولا بأس أن يقول فيه : لكم ذمّة الله وذمّة رسوله وذمّتي. ومهما صرحوا بنقض العهد وقاتلوا المسلمين أو آووا عيناً عليهم أو كاتبوا أهل الحرب بأخبارهم أو قتلوا مسلماً أو أخذوا مالاً ، فقد انتقض عهدهم.

البحث السادس : في تبديل أهل الذمّة دينهم ، ونقض العهد.

مسألة ٢٢٢ : إذا انتقل ذمّيٌّ تُقبل منه الجزية - كاليهودي أو النصراني أو المجوسي‌ - إلى دينٍ يُقرّ أهله عليه بالجزية ، كاليهودي يصير نصرانيّاً أو مجوسيّاً ، أو(٢) بالعكس ، لعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه يُقبل منه ذلك ، ولا يجب قتله ، بل يجوز إقراره بالجزية ؛ لأنّ الكفر كالملّة الواحدة.

والثاني : لا يُقرّ ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ بدّل ديناً فاقتلوه »(٣) ولقوله تعالى :( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٢.

(٢) في « ق » : « و » بدل « أو ».

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٧٥ ، المستدرك - للحاكم - ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٨ / ٢٥٣٥ ، سنن أبي داوُد ٤ : ١٢٦ / ٤٣٥١ ، سنن الترمذي ٤ : ٥٩ / ١٤٥٨ ، سنن النسائي ٧ : ١٠٤ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠٨ - ٩٠ ، مسند أبي داوُد الطيالسي : ٣٥٠ / ٢٦٨٩ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٨ / ١٨٧٤ ، و ٤٦٥ - ٤٦٦ / ٢٥٤٧ و ٢٥٤٨. وفيها جميعا : « من بدّل دينه ».

(٤) آل عمران : ٨٥.

٣٧٥

فعلى الأوّل قال الشيخ : لو انتقل إلى بعض المذاهب ، اُقرّ على جميع أحكامه. وإن انتقل إلى المجوسيّة ، فمثل ذلك غير أنّا على أصلنا لا نجوّز مناكحتهم بحال ولا أكل ذبائحهم. ومَنْ أجاز أكل ذبائحهم من أصحابنا ينبغي أن يقول : إن انتقل إلى اليهوديّة أو النصرانيّة(١) ، أكلت ذبيحته ، وإن انتقل إلى المجوسيّة ، لا تؤكل ولا يناكح.

قال : وإذا قلنا : لا يُقرّ على ذلك - وهو الأقوى عندي - فإنّه يصير مرتدّاً عن دينه(٢) .

تذنيب : إذا قلنا : لا يُقرّ عليه ، فبأيّ شي‌ء يُطالب؟

منهم مَنْ يقول : إنّه يُطالب بالإسلام لا غير ؛ لاعترافه ببطلان ما كان عليه ، وما عدا دين الإسلام باطل ، فلا يُقرّ عليه(٣) .

ومنهم مَنْ يقول : إنّه يُطالب بالإسلام أو بدينه الأوّل(٤) .

وقوّى الشيخرحمه‌الله الأوّل(٥) . فعليه إن لم يرجع إلّا إلى دينه الأوّل ، قُتل ، ولم ينفذ إلى دار الحرب ، لما فيه من تقوية أهل الحرب.

ولو انتقل مَنْ لا يُقرّ على دينه إلى دين مَنْ يُقرّ أهله عليه ، كالوثني ينتقل إلى التهوّد أو التنصّر ، الأقوى : ثبوت الخلاف السابق فيه.

ولو انتقل الذمّيّ إلى دينٍ لا يُقرّ أهله عليه ، لم يُقرّ عليه إجماعاً.

وما الذي يقبل منه؟ قيل : لا يُقبل منه إلّا الإسلام(٦) - وقوّاه الشيخ(٧) -

____________________

(١) في « ق ، ك ‍» والمصدر : والنصرانيّة.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٧.

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٥٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٧.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٧.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٧.

٣٧٦

للآية(١) والخبر(٢) .

وقيل : يُقبل منه الإسلام أو الدين الذي كان عليه ؛ لأنّه انتقل من دينٍ يُقرّ أهله عليه إلى ما لا يُقرّ أهله عليه ، فيُقبل منه(٣) .

واستبعده ابن الجنيد وقال : لا يُقبل منه إلّا الإسلام ؛ لأنّه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه قد أباح دمه ، وصار حكمه حكم المرتدّ.

وقيل : يُقبل منه الإسلام ، أو الرجوع إلى دينه الأوّل ، أو الانتقال إلى دينٍ يُقرّ أهله عليه ؛ لأنّ الأديان المخالفة لدين الإسلام ملّة واحدة ؛ لأنّ جميعها كفر. وهو الأظهر عند الشافعيّة(٤) .

قال الشيخرحمه‌الله : وأمّا أولاده : فإن كانوا كباراً ، اُقرّوا على دينهم ، ولهم حكم نفوسهم ، وإن كانوا صغاراً ، نُظر في الاُمّ ، فإن كانت على دينٍ يُقرّ أهله عليه ببذل الجزية ، أقرّ ولده الصغير في دار الإسلام ، سواء ماتت الأمّ أو لم تمت ، وإن كانت على دين لا يقرّ أهله عليه ، كالوثنيّة وغيرها ، فإنّهم يقرّون أيضاً ، لما سبق لهم من الذمّة ، والاُمّ لا يجب عليها القتل(٥) .

مسألة ٢٢٣ : إذا عقد الإمام الهدنة ، وجب عليه الوفاء‌ بما عقده ما لم ينقضوها بلا خلافٍ نعلمه ؛ لقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٦) وقال تعالى :( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) (٧) .

____________________

(١) آل عمران : ٨٥.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٧٤ ، الهامش (٣)

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٥٥ ، حلية العلماء ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٧ - ٥٨.

(٦) المائدة : ١.

(٧) التوبة : ٤.

٣٧٧

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ كان بينه وبين قوم عهدٌ فلا يشدّ عقدة ولا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء »(١) .

ولو شرع المشركون في نقض العهد ، فإن نقض الجميع ، وجب قتالهم ؛ لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) (٢) .

وإن نقض بعضٌ ، نُظر فإن أنكر عليهم الباقون بقولٍ أو فعلٍ ظاهر ، أو اعتزلوهم أو راسلوا الإمام بأنّا منكرون لفعلهم مقيمون على العهد ، كان العهد(٣) باقياً في حقّه.

وإن سكتوا على ما فعل الناقضون ولم يوجد إنكار ولا تبرٍّ من ذلك ، كانوا كلّهم ناقضين للعهد ؛ لأنّ سكوتهم دالٌّ على الرضا به ، كما لو عقد بعضهم الهدنة وسكت الباقون ، دلّ على رضاهم ، كذا هنا.

فإذا نقض الجميع ، غزاهم الإمام وبيَّتهم وأغار عليهم ، ويصيروا أهل حرب ليس لهم عقد هدنة. وإن كان من بعضٍ ، غزا الإمام الناقضين دون الباقين على العهد. ولو كانوا ممتزجين ، أمَرَهم الإمام بالتمييز ليأخذ مَنْ نقض. ولو لم يتميّزوا فمن اعترف بأنّه نَقَض ، قَتَله ، ومَنْ لم يعترف بذلك ، لم يقتله وقَبِل قوله ؛ لتعذّر معرفته إلّا منه.

ولو نقضوا العهد ثمّ تابوا عنه ، قال ابن الجنيد : أرى القبول منهم.

مسألة ٢٢٤ : لو خاف الإمام من خيانة المهادنين وغدرهم بسبب أو أمارة دلّته على ذلك ، جاز له نقض العهد.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٨٣ / ٢٧٥٩ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٥ : ٥٢٢ / ١٨٩٤٣.

(٢) التوبة : ٧.

(٣) في « ق ، ك» : « العقد » بدل « العهد ».

٣٧٨

قال الله تعالى :( وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (١) يعني أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت وهُمْ سواءً في العلم.

ولا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى يكون عن أمارة تدلّ على ما خافه.

ولا تنتقض الهدنة بنفس الخوف ، بل للإمام نقضها ، وهذا بخلاف الذمّي إذا خيف منه الخيانة ، فإن عقد الذمّة لا ينتقض بذلك ؛ لأنّ عقد الذمّة يعقد لحقّ أهل الكتاب ، ولهذا يجب على الإمام إجابتهم عليه ، وعقد الهدنة والأمان لمصلحة المسلمين لا لحقّهم ، فافترقا.

ولأن عقد الذمّة آكد ؛ لأنّه عقد معاوضة ومؤبَّد ، بخلاف الهدنة والأمان ، ولهذا لو نقض بعض أهل الذمّة وسكت الباقون ، لم ينتقض عهدهم ، ولو كان في الهدنة ، انتقض.

ولأنّ أهل الذمّة في قبضة الإمام ولا يخشى الضرر كثيراً من نقضهم ، بخلاف أهل الهدنة ؛ فإنّ الإمام يخاف منهم الغارة على المسلمين والضرر الكثير.

مسألة ٢٢٥ : إذا انتقضت(٢) الهدنة لخوف الإمام ونبذ إليهم عهدهم ، ردَّهم إلى مأمنهم ، وصاروا حَرْباً. فإن لم يبرحوا عن حصنهم ، جاز قتالهم بعد النبذ إليهم ؛ لأنّهم في منعتهم(٣) كما كانوا قبل العقد. وإن كانوا قد نزلوا فصاروا في عسكر المسلمين ، ردّهم الإمام إلى مأمنهم ؛ لأنّهم دخلوا إليه‌

____________________

(١) الأنفال : ٥٨.

(٢) في « ق » : نقضت.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « مأمنهم » بدل « منعتهم ».

٣٧٩

من مأمنهم ، فعليه ( أن يردّهم )(١) إليه ، وإلّا لكان خيانةً من المسلمين ، والله لا يحبّ الخائنين.

فإذا زال عقد الهدنة ، نُظر فيما زال به ، فإن لم يتضمّن وجوب حقٌّ عليه ، مثل أن يأوي لهم عيناً أو يخبرهم بخبر المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ردّه إلى مأمنه ، ولا شي‌ء عليه. وإن كان يوجب حقّاً ، فإن كان لآدميَّ ، كقتل نفسٍ أو إتلاف مالٍ ، استوفي ذلك منه ، وإن كان لله تعالى محضاً ، كحدّ الزنا والشرب ، اُقيم عليه أيضاً ، عندنا ، خلافاً للعامّة(٢) ، وإن كان مشتركاً ، كالسرقة ، اُقيم عليه ، عندنا. وللعامّة قولان(٣) .

مسألة ٢٢٦ : إذا عقد الإمام الذمّة للمشركين ، كان عليه أن يذبّ عنهم‌ كلَّ مَنْ لو قصد المسلمين لزمه أن يذبّ عنهم. ولو عقد الهدنة لقومٍ منهم ، كان عليه أن يكفّ عنهم كلّ(٤) مَنْ يجري عليه أحكامه من المسلمين وأهل الذمّة ، وليس عليه أن يدفع عنهم أهل الحرب ولا بعضهم عن بعض.

والفرق : أنّ عقد الذمّة يقتضي جري أحكامنا عليهم ، فكانوا كالمسلمين ، والهدنة عقد أمان لا يتضمّن جري الأحكام ، فاقتضى أن يأمن من جهته مَنْ يجري عليه حكم(٥) الإمام دون غيره.

فإن شرط الإمام في عقد الذمّة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب ، فإن كانوا في وسط بلاد الإسلام - كالعراق - أو في طرف بلاد الإسلام ، كان‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : ردّهم.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٢ - ٧٢٣.

(٤) كلمة « كلّ » لم ترد في « ق ، ك».

(٥) في الطبعة الحجريّة : « أحكام » بدل « حكم ».

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466