تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 320494 / تحميل: 5250
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

استرقاقهم(١) .

مسألة ٢١٠ : لو شرط الإمام ردّ مَنْ جاء مسلماً من الرجال ، فجاء مسلم فأرادوا أخذه ، فإن كان ذا عشيرة وقوّة تحميه وتمنعه عن الافتتان والدخول في دينهم ، جاز ردّه إليهم ولا يمنعهم منه ؛ عملاً بالشرط ، وعدم الضرر عليه متحقّق ؛ إذ التقدير ذلك بمعنى أنّه لا يمنعهم من أخذه إذا جاءوا في طلبه ، ولا يُجبره الإمام على المضيّ معهم ، وله أن يأمره في السرّ بالهرب منهم ومقاتلتهم.

وإن كان مستضعفاً لا يؤمن عليه الفتنة ، لم تجز إعادته عندنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أحمد : تجوز(٣) .

وهو غلط ، ولهذا لم نوجب على مَنْ له قوّة على إظهار دينه وإظهار شعائر الإسلام المهاجرةَ عن بلاد الشرك ، وأوجبناها على المستضعف.

ولو شرط في الصلح ردّ الرجال مطلقاً ، لم يجز ؛ لأنّه يتناول مَنْ لا يُؤمن افتتانه ومَنْ يُؤمن.

ولو جاء صبي ووصف الإسلام ، لم يردّ ؛ لأنّه لا يُؤمن افتتانه عند بلوغه. وكذا لو قدم مجنون.

فإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون ، فإن وصفا الإسلام ، كانا مع(٤) المسلمين ، وإن وصفا الكفر ، فإن كان كفراً لا يُقرّ أهله عليه ، اُلزما الإسلام‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٣.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٩ ، المغني ١٠ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧١.

(٣) المغني ١٠ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧١.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « من » بدل « مع ».

٣٦١

أو الردّ إلى مأمنهما. وإن كان ممّا يقرّ أهله عليه ، ألزمناهما بالإسلام أو الجزية أو الردّ إلى مأمنهما.

ولو جاء عَبْدٌ ، حكمنا بحُرّيّته ؛ لأنّه قَهَر مولاه على نفسه. ولو جاء سيّده ، لم يُردّ عليه ؛ لأنّه مستضعف لا يؤمن عليه الافتتان ، ولا يردّ عليه قيمته.

وللشافعي في ردّ القيمة قولان(١) .

مسألة ٢١١ : لا يجوز ردّ النساء المهاجرات إلينا عليهم مطلقاً إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ - إلى قوله -فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ ) (٢)

وسبب ذلك أنّ اُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمةً ، فجاء أخواها يطلبانها ، فأنزل الله هذه الآية ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله منع الصلح »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو صالحناهم على ردّ مَنْ جاء من النساء مسلمةً ، كان الصلح باطلاً. والفرق بينها وبين الرجل من وجوه :

الأوّل : لا يؤمن أن يزوّجها وليّها بكافر فينالها.

الثاني : لا تؤمن ؛ لضعف عقلها من الافتتان في دينها.

الثالث : عجزها عن الهرب والنجاة بنفسها لو طلبته.

وإذا طلبت امرأة أو صبيّة مسلمة الخروج من عند الكفّار ، جاز لكلّ‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٦.

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) المهذّب - : للشيرازي - ٢ : ٢٦١ ، المغني ١٠ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٩ ، وانظر : المغازي - للواقدي - ٢ : ٦٣١ ، والسيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٤٠ ، ودلائل النبوّة - للبيهقي - ٤ : ١٧١ ، والجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦١.

٣٦٢

مسلم(١) إخراجها ، وتعيّن عليه ذلك مع المكنة ؛ لما فيه من استنقاذ المسلم.

مسألة ٢١٢ : إذا عقد الإمام الهدنة اليوم فإمّا أن يشترط فيه أن لا ردّ لمن جاء مسلماً‌ ، أو يطلق ، أو يشترط الردّ.

فإن شرط عدم الردّ ، فلا ردّ ولا غُرْم. وكذا لو خصّص النساء بعدم الردّ.

وإن أطلق ولم يشترط الردّ ولا عدمه ثمّ جاءت امرأة مسلمة منهم أو جاءت كافرة ثمّ أسلمت ، لم يجز ردّها إجماعاً. ثمّ إن جاء أبوها أو جدّها أو أخوها أو أحد أقاربها يطلبها ، لم تدفع إليه ؛ لقوله تعالى :( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ ) (٢) .

ولو طلب أحدهم مهرها ، لم يدفع إليه.

ولو جاء زوجها أو وكيله يطلبها ، لم تردّ إليه إجماعاً.

وإن طلب(٣) مهرها ولم يكن قد سلّمه إليها ، فلا شي‌ء له إجماعاً.

وإن كان قد سلّمه ، ردّ عليه ما دفعه(٤) ، عند علمائنا - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لقوله تعالى :( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٦) والمراد منه الصداق ،

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « مؤمن » بدل « مسلم ».

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) في الطبعة الحجريّة : طالب.

(٤) في الطبعة الحجريّة : قد دفعه.

(٥) مختصر المزني : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ ، المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٠ ، الجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦٤.

(٦) الممتحنة : ١٠.

٣٦٣

وأيضاً فإنّ البُضْع متقوّم وهو حقّه ، فإذا حُلْنا بينه وبين حقّه ، لزمنا بدله.

والثاني : لا يردّ عليه - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني - لأنّ بُضْع المرأة ليس بمالٍ ، فلا يدخل في الأمان ، ولهذا لو عقد الرجل الأمان لنفسه ، دخل فيه أمواله ، ولا يدخل فيه زوجته(١) .

وهو قياس ضعيف في مقابلة النصّ فلا يُسمع ، خصوصاً مع تأكّد النصّ بعملهعليه‌السلام ، فإنّه ردّ مهر من جاءت مسلمة في صلح الحديبيّة(٢) .

وإن شرط الردّ لمن جاء منهم إليهم ، لم يجب(٣) الردّ ، ووجب الغُرْم لما أنفق من المهر.

وللشافعي قولان(٤) أيضاً.

مسألة ٢١٣ : إنّما يجب أن يردّ عليه ما دفعه من المهر لو قدمت المرأة إلى بلد الإمام‌ أو بلد خليفته ومَنَع من ردّها ، فأمّا إذا قدمت إلى غير بلدهما ، وجب على المسلمين منعه من أخذها ؛ لأنّه من الأمر بالمعروف.

فإذا منع غير الإمام وغير خليفته من ردّها ، لم يلزم الإمام أن يعطيهم شيئاً ، سواء كان المانع من ردّها العامّة أو رجال الإمام ؛ لأنّ البدل يعطيه الإمام من المصالح ولا تصرّف لغير الإمام وخليفته فيه.

____________________

(١) مختصر المزني : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦١ و ٣٦٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٦٨ ، المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٠ ، الجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦٤.

(٢) المغازي - للواقدي - ٢ : ٦٣١ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٤١ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٥٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٢٨.

(٣) في « ق ، ك» : لم يجز.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

٣٦٤

ولو سمّى مهراً فاسداً وأقبضها إيّاه كخمرٍ أو خنزيرٍ ، لم تكن له المطالبة به ولا بقيمته ؛ لأنّه ليس بمالٍ ولا قيمة له في شرعنا.

والمغروم هو الذي دفعه الزوج من صداقها ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : المغروم الأقلُّ من مَهْر مِثْلها و [ ما بَذَله ](٢) فإن كان مهر المثل أقلّ ، فالزيادة كالموهوب ، وإن كان المبذول أقلّ ، فهو الذي فات عليه(٣) .

ولو لم يدفع إلّا بعضه ، لم يستحقّ إلّا ذلك القدر.

ولو كان أعطاها أكثر ممّا أصدقها أو أهدى إليها هديّةً أو أنفق في العُرْس أو أكرمها بمتاع ، لم يجب ردّه ؛ لأنّه تطوّع به ، فلا يردّ عليه. ولأنّ هذا ليس ببدل عن البُضْع الذي حِيل بينه وبينه ، إنّما هو هبة محضة ، فلا يرجع بها ، كما لا يستحقّ ردّ ما أطعمها.

مسألة ٢١٤ : لو قدمت مسلمة إلى الإمام فجاء رجل وادّعى أنّها زوجته ، فإن اعترفت له بالنكاح ، ثبت ، وإن أنكرت ، كان عليه إقامة البيّنة : شاهدان مسلمان عدلان ، ولا يُقبل شاهد وامرأتان ، ولا شاهد ويمين ؛ لأنه نكاح ، فلا يثبت إلّا بذَكَرَيْن.

فإذا ثبت النكاح بالبيّنة أو باعترافها فادّعى أنّه سلّم إليها المهر ، فإن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : بدله. وما أثبتناه يقتضيه السياق وكما في العزيز شرح الوجيز ، ويؤيّده عبارة الحاوي والروضة.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

٣٦٥

صدّقته ، ثبت له ، وإن أنكرت ، كان عليه البيّنة ، ويُقبل فيه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين ؛ لأنّه مال ، ولا يُقبل قول الكفّار في البابين وإن كثروا.

فإن لم تكن له بيّنة ، كان القول قولها مع اليمين.

ولا يثبت الغُرْم بمجرّد قوله : دفعت إليها صداقها أو كذا من صداقها ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يمين عليها ؛ لأنّ الصداق على غيرها(٢) .

وقال بعضهم : يتفحّص الإمام عن مَهْر مِثْلها ، وقد يمكن معرفته من تجّار المسلمين الذين دخلوا دار الحرب ، و(٣) من الاُسارى ، ثمّ يحلف الرجل أنّه أصدقها ذلك القدر ، وسلّمه(٤) .

وقال بعض الشافعيّة : لو ادّعى الدفع وصدّقته ، لم يعتمد على قولها ولا يجعل حجّة علينا(٥) .

وقال بعضهم : إقرارها بمثابة البيّنة(٦) .

مسألة ٢١٥ : لو قدمت مجنونة ، فإن كانت قد أسلمت قبل جنونها وقدمت ، لم تُردّ ، ويردّ مهرها ؛ لأنّها بحكم العاقلة في تفويت بُضْعها.

وإن كانت قد وصفت الإسلام وأشكل علينا هل كان إسلامها حال عقلها أو جنونها؟ فإنّها لا تُردّ أيضاً ؛ لاحتمال أن تكون قد وصفت الإسلام وهي مجنونة ، فإن أفاقت فأقرّت بالإسلام ، ردّ مهرها عليه ، وإن أقرّت بالكفر ، رُدّت عليه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

(٣) في « ق ، ك » : « أو » بدل « و ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ - ٥٢٥.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ - ٥٦٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٥.

٣٦٦

ولو جاءت مجنونة ولم يُخبر عنها بشي‌ء ، لم تُردّ عليه ؛ لأنّ الظاهر أنّها إنّما جاءت إلى دار الإسلام لأنّها أسلمت ، ولا يُردّ مهرها ؛ للشكّ ، فيجوز أن تُفيق وتقول : إنّها لم تزل كافرة ، فتُردّ حينئذٍ ، فينبغي أن يُتوقّف عن ردّها حتى تُفيق ويتبيّن أمرها.

فإن أفاقت ، سُئلت ، فإن ذكرتْ أنّها أسلمت ، اُعطي المهر ومُنع منها ، وإن ذكرتْ أنّها لم تزل كافرة ، رُدّت عليه.

وينبغي أن يحال بينه وبينها حال جنونها ؛ لجواز أن تُفيق فيصدّها عن الإسلام في أوّل زمان إفاقتها.

ولو جاءت صغيرة ووصفت الإسلام ، لم تُردّ إليهم ؛ لئلّا تفتن عند بلوغها عن الإسلام. ولا يجب ردّ المهر بل يتوقّف عن ردّه حتى تبلغ ، فإن بلغت وأقامت على الإسلام ، ردّ المهر ، وان لم تقم ، ردّت هي وحدها - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّ إسلامها غير محكوم بصحّته. وإن قلنا بصحّة إسلام الصبي ، فظاهر ، فلا يجب ردّ مهرها ، كالمجنونة إذا لم يعلم إسلامها حال إفاقتها أو حال جنونها ، فيحافظ على حرمة الكلمة.

والثاني للشافعي : أنّه يجب ردّ مهرها ، لأنّ وصفها بالإسلام يمنع من ردّها ، فوجب ردّ مهرها ، كالبالغة.

ثمّ فرّق بينها وبين المجنونة : بأنّ المنع في المجنونة ، للشكّ في إسلامها ، وفي الصغيرة ، لوصف الإسلام(٢) .

ونمنع ذلك ؛ فإنّ وصف الإسلام لا يحكم به فيها ، وإنّما منعناه منها ؛ للشكّ في ثباتها عليه بعد بلوغها ، فإذا بلغَتْ فإن ثبتت على الإسلام ، رددنا‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠.

٣٦٧

مهرها ، وإن وصفَتْ الكفر ، رددناها.

مسألة ٢١٦ : لو قدمت أمة مسلمة إلى الإمام ، صارت حُرّةً ؛ لأنّها قهرَتْ مولاها على نفسها ، فزال ملكه عنها ، كما لو قهر عبدٌ حربيٌّ سيّدَه الحربيّ ، فإنّه يصير حُرّاً. والهدنة إنّما تمنع مَنْ في قبضة الإمام من المسلمين وأهل الذمّة.

فإن جاء سيّدها يطلبها ، لم تُدفع إليه ؛ لأنّها صارت حُرّةً ، ولأنّها مسلمة. ولا يجب أيضا ردّ قيمتها ، كالحرّة في الأصل ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

والثاني : تُردّ قيمتها عليه ؛ لأنّ الهدنة اقتضت ردّ أموالهم عليهم ، وهذه من أموالهم ، فعلى هذا تُردّ على السيّد قيمتها لا ما اشتراها به(٢) .

فإن جاء زوجها يطلبها ، لم تردّ عليه ؛ لما مضى. وإن طلب مهرها ، فإن كان حُرّاً ، رُدّ عليه ، وان كان عبداً ، لم يُدفع إليه المهر حتى يحضر مولاه فيطالب به ؛ لأنّ المال حقٌّ له.

ولو حضر السيّد دون العبد ، لم يدفع إليه شي‌ء ؛ لأنّ المهر يجب للحيلولة بينها وبين الزوج ، فإذا حضر الزوج وطالَب ، ثبت المهر للمولى ، فيعتبر حضورهما معاً.

ولو أسلمَتْ ثمّ فارقَتْهم ، قال بعض الشافعيّة : لا تصير حُرّةً ؛ لأنّهم في أمانٍ [ منّا ](٣) فأموالهم محظورة علينا ، فلا يزول الملك عنها بالهجرة ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٢) الوجيز ٢ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : منها ، وذلك تصحيف.

٣٦٨

بخلاف ما إذا هاجرَتْ ثمّ أسلمَتْ ؛ فإنّ الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض ، فجاز أن تملك نفسها بالقهر(١) .

ولم يتعرّض أكثرهم لهذا التفصيل ، وأطلق الحكم بالعتق وإن أسلمَتْ ثمّ فارقَتْهم ؛ لأنّ الهدنة جرَتْ معنا ولم تَجْرِ معها(٢) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : إن أوجبنا غرامة المهر والقيمة ، نُظر ، فإن حضر الزوج والسيّد معاً ، أخذ كلّ واحد منهما حقَّه ، وإن جاء أحدهما دون الآخر ، احتُمل أنّا لا نغرم شيئاً ؛ لأنّ حقّ الردّ مشترك بينهما ولم يتمّ الطلب ، وأنّه نغرم حقّ الطالب ؛ لأنّ كلّ واحد من الحقّين متميّز عن الآخر ، وأنّا نغرم للسيّد إن تفرّد بالطلب ، ولا نغرم للزوج. والفرق أنّ حقّ اليد في الأمة المزوّجة للسيّد ، فإنّه له أن يسافر بها ، وإذا لم ينفرد الزوج باليد ، لم يؤثّر طلبه على الانفراد.

وللشافعيّة ثلاثة أقوال(٣) كالاحتمالات.

ولو كان زوج الأمة عبداً ، فلها خيار الفسخ إذا [ عُتقت ](٤) فإن فسخت النكاح ، لم يغرم المهر ؛ لأنّ الحيلولة حصلت بالفسخ ، وإن لم تفسخ ، غرم المهر.

ولابدّ من حضور السيّد والزوج معاً وطلبِ الزوج المرأةَ والسيّد المهرَ ، فإن انفرد أحدهما ، لم يغرم ؛ لأنّ البُضْع ليس ملْكَ السيّد ، والمهر غير مملوك للعبد.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : عقدت. وهو تصحيف ما أثبتناه.

٣٦٩

مسألة ٢١٧ : لو قدمت مسلمة ثمّ ارتدّت ، وجب عليها أن تتوب ، فإن لم تفعل ، حُبست دائماً ، وضُربت أوقات الصلوات ، عندنا ، وقُتلت ، عند العامّة على ما سيأتي.

فإن جاء زوجها وطلبها ، لم تردّ عليه ؛ لأنّه حكم لها بالإسلام أوّلاً ثمّ ارتدّت ، فوجب حبسها ، ويردّ عليه مهرها ، لأنّه حُلْنا بينه وبينها بالحبس.

وعند العامّة إن جاء قبل القتل ، ردّ عليه مهرها ؛ للحيلولة بينه وبينها بالقتل ، وإن جاء بعد قتلها ، لم يردّ عليه شي‌ء ؛ لأنّا لم نَحُلْ بينه وبينها عند طلبه لها(١) .

ولو ماتت مسلمةً قبل الطلب ، فلا غرم ؛ لأنّه لا منع بعد الطلب. وكذا لو مات الزوج قبل طلبها ؛ لأنّ الحيلولة حصلت بالموت لا الإسلام.

ولو مات أحدهما بعد المطالبة ، وجب ردّ المهر عليه ؛ لأنّ الموت حصل بعد الحيلولة ، فإن كانت هي الميّتةَ ، ردّ المهر عليه ، وإن كان هو الميّتَ ، ردّ المهر على ورثته.

ولو قُتلت قبل الطلب ، فلا غرم ، كما لو ماتت ، وإن قُتلت بعده ، ثبت الغرم.

ثمّ قال الجُويني : إنّ الغرم على القاتل ، لأنّه المانع بالقتل(٢) .

وفصَّل بعضهم بأنّه إن قَتَلها على الاتّصال بالطلب ، فالحكم ما ذكره ، وإن تأخّر القتل ، فقد استقرّ الغُرم علينا بالمنع ، فلا أثر للقتل بعده ، وفي الحالين لا حقّ للزوج فيما على القاتل من القصاص أو الدية ، لأنّه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

٣٧٠

لا يرثها(١) .

ولو جرحها جارحٌ قبل الطلب ثمّ طلبها الزوج وقد انتهت إلى حركة المذبوحين ، فهو كالطلب بعد الموت.

وإن بقيت فيها حياة مستقرّة ، فالغُرم على الجارح ؛ لأنّ فواتها يستند إلى الجرح ، أو في بيت المال ؛ لحصول المنع في الحياة؟ للشافعيّة وجهان ، أصحّهما : الثاني ، ولا يسقط الغُرم(٢) .

ولو طلّقها الزوج بعد قدومها مسلمةً ، فإن كان بائناً أو خُلْعاً قبل المطالبة ، لم يجب ردّ المهر إليه ؛ لأنّ الحيلولة منه بالطلاق لا بالإسلام ، فقد تركها باختياره ، وإن كان بعد المطالبة ، ردّ إليه ، لأنه قد استقرّ المهر له بالمطالبة والحيلولة.

وإن كان رجعيّاً ، لم يكن له المطالبة بالمهر ؛ لأنّه أجراها إلى البينونة ، أمّا لو راجعها ، فإنّه يردّ عليه المهر مع المطالبة ؛ لأنّ له الرجعة في الرجعي ، وإنّما حال بينهما الإسلام.

ولو ملكها بشرط أن تطلّق نفسها على الفور ، فكالطلاق البائن.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لو طلّقها رجعيّاً ، استحقّ المهر بمجرّد الطلب من غير رجعة ؛ لأنّ الرجعة فاسدة ، فلا معنى لاشتراطها(٣) .

وهو ممنوعٌ ؛ لتضمّن الرجعة قصد الإمساك وإن كانت رجعة الكافر للمسلمة باطلةً.

مسألة ٢١٨ : لو جاءت امرأة مسلمة ثمّ جاء زوجها وأسلم ، نُظر ، فإن أسلم قبل انقضاء عدّتها ، كان على النكاح ؛ لأنّ امرأةً مجوسيّة أسلمت قبل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ - ٥٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

٣٧١

زوجها ، فقال عليعليه‌السلام : « أتسلم؟ » قال : لا ، ففرّق بينهما ، ثمّ قال : « إن أسلمْتَ قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك ، وإن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمْتَ فأنت خاطب من الخطّاب »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان قد أخذ مهرها قبل إسلامه ثمّ أسلم في العدة ، رُدّت إليه ، ووجب عليه ردّ مهرها إليها ؛ لأنّ استحقاقه للمهر إنّما كان بسبب الحيلولة وقد زالت.

ولو أسلم بعد انقضاء عدّتها ، لم يجمع بينهما وبانت منه.

ثمّ إن كان قد طالَب بالمهر قبل انقضاء عدّتها ، كان له المطالبة ؛ لأنّ الحيلولة حصلت قبل إسلامه. فإن لم يكن طالَب قبل انقضاء العدّة ، لم يكن له المطالبة بالمهر ؛ لأنّه التزم حكم الإسلام ، وليس من حكم الإسلام المطالبة بالمهر بعد البينونة.

ولو كانت غيرَ مدخول بها وأسلمت ثمّ أسلم ، لم يكن له المطالبة بمهرها ؛ لأنّه أسلم بعد البينونة ، وحكم الإسلام يمنع من وجوب المطالبة في هذه الحالة.

مسألة ٢١٩ : كلّ موضع يجب فيه الردّ فإنّه يجب ردّ أقلّ الأمرين من المسمّى في العقد والمقبوض ، فإن كان المقبوض أقلَّ من المسمّى ، لم تجب الزيادة على ما دَفَعه ؛ لقوله تعالى :( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٢) وإن كان المقبوض أكثر ، كان الزائد هبةً ، فلا يجب ردّها.

فإن اختلفا في المقبوض ، كان القول قولها مع اليمين وعدم البيّنة.

قال الشيخرحمه‌الله : فإن أعطيناه المهر لما ذكرناه فقامت البيّنة بأنّ‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠١ / ١٢٥٧ ، الإستبصار ٣ : ١٨٢ / ٦٦١.

(٢) الممتحنة : ١٠.

٣٧٢

المقبوض كان أكثر ، كان له الرجوع بالفضل(١) .

وفي هذا الإطلاق نظر ؛ فإنّا لو دفعنا ما اعترفت به المرأة مع اليمين ، لم يكن له الرجوع بشي‌ء.

تنبيهان :

الأوّل : كلّ موضع حكمنا بوجوب ردّ المهر فإنّه يكون من بيت مال المسلمين الـمُعدّ للمصالح ؛ لأنّ ذلك من مصالح المسلمين.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : محلّ الغرم خُمْس الخُمْس الـمُعدّ للمصالح. والثاني : إن كان للمرأة مال ، اُخذ منها(٢) .

الثاني : لو شرطنا في الصلح ردّ مَنْ جاء مطلقاً ، لم يصحّ على ما تقدّم. فإذا بطل ، لم يردّ مَنْ جاءنا منهم ، رجلاً كان أو امرأةً ، ولا يردّ البدل عنها بحال ؛ لأنّ البدل استحقّ بشرط ، وهو مفقود هنا ، كما لو جاءنا من غير هدنة.

مسألة ٢٢٠ : لو قدم إلينا عبد فأسلم ، صار حُرّاً ، فإذا جاء سيّدُه يطلبه ، لم يجب ردّه ولا ردّ ثمنه ؛ لأنّه صار حُرّاً بالإسلام ، ولا دليل على وجوب ردّ ثمنه.

وإذا عقد الإمام الهدنة ثمّ مات ، وجب على مَنْ بعده من الأئمّة العملُ بموجب ما شرطه الأوّل إلى أن يخرج مدّة الهدنة ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّه معصوم فَعَل مصلحةً ، فوجب على القائم بعده تقريرها إلى وقت خروج‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٥.

٣٧٣

مدّتها.

وإذا نزل الإمام على بلدٍ وعقد معهم صلحاً على أن يكون البلد لهم ويضرب على أرضهم خراجاً يكون بقدر الجزية ويلتزمون أحكامنا ويُجريها عليهم ، كان ذلك جائزاً ، ويكون ذلك في الحقيقة جزيةً ، فإذا أسلم واحد منهم ، سقط عنه ما ضرب على أرضه من الصلح ، وصارت الأرض عُشريّة ؛ لأنّ الإسلام يُسقط الجزية.

ولو شرط عليهم أن يأخذ منهم العُشْر من زرعهم على أنّه متى(١) قصر ذلك عن أقلّ ما تقتضي المصلحة أن يكون جزيةً ، كان جائزاً ، فإن غلب في ظنّه أنّ العُشْر لا يفي بما توجبه المصلحة من الجزية ، لا يجوز أن يعقد عليه.

وإن أطلق ولا يغلب على ظنّه الزيادة والنقصان ، قال الشيخ : الظاهر من المذهب جوازه ؛ لأنّه من فروض الإمام ، فإذا فَعَله ، كان صحيحاً ؛ لأنّه معصوم(٢) .

مسألة ٢٢١ : إذا فسد عقد الهدنة إمّا لزيادة في المدّة أو التزام المال أو غيرهما ، لم يمض ، ووجب نقضه ، لكن لا يجوز اغتيالهم ، بل يجب إنذارهم وإعلامهم أوّلاً. وإذا وقع صحيحاً ، وجب الوفاء بالكفّ عنهم إلى انقضاء المدّة أو صدور خيانة(٣) منهم تقتضي الانتقاض.

ولو عقد نائب الإمام عقداً فاسداً ، كان على مَنْ بعده نقضه.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان فساده من طريق الاجتهاد ، لم يفسخه ،

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إن » بدل « متى ».

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٦.

(٣) في « ق ، ك » : جناية.

٣٧٤

وإن كان بنصٌّ أو إجماعٍ ، فسخه(١) .

وينبغي للإمام إذا عاهد أن يكتب كتاباً يُشْهد عليه على عقد الهدنة ليعمل به مَنْ بعده. ولا بأس أن يقول فيه : لكم ذمّة الله وذمّة رسوله وذمّتي. ومهما صرحوا بنقض العهد وقاتلوا المسلمين أو آووا عيناً عليهم أو كاتبوا أهل الحرب بأخبارهم أو قتلوا مسلماً أو أخذوا مالاً ، فقد انتقض عهدهم.

البحث السادس : في تبديل أهل الذمّة دينهم ، ونقض العهد.

مسألة ٢٢٢ : إذا انتقل ذمّيٌّ تُقبل منه الجزية - كاليهودي أو النصراني أو المجوسي‌ - إلى دينٍ يُقرّ أهله عليه بالجزية ، كاليهودي يصير نصرانيّاً أو مجوسيّاً ، أو(٢) بالعكس ، لعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه يُقبل منه ذلك ، ولا يجب قتله ، بل يجوز إقراره بالجزية ؛ لأنّ الكفر كالملّة الواحدة.

والثاني : لا يُقرّ ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ بدّل ديناً فاقتلوه »(٣) ولقوله تعالى :( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٢.

(٢) في « ق » : « و » بدل « أو ».

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٧٥ ، المستدرك - للحاكم - ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٨ / ٢٥٣٥ ، سنن أبي داوُد ٤ : ١٢٦ / ٤٣٥١ ، سنن الترمذي ٤ : ٥٩ / ١٤٥٨ ، سنن النسائي ٧ : ١٠٤ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠٨ - ٩٠ ، مسند أبي داوُد الطيالسي : ٣٥٠ / ٢٦٨٩ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٨ / ١٨٧٤ ، و ٤٦٥ - ٤٦٦ / ٢٥٤٧ و ٢٥٤٨. وفيها جميعا : « من بدّل دينه ».

(٤) آل عمران : ٨٥.

٣٧٥

فعلى الأوّل قال الشيخ : لو انتقل إلى بعض المذاهب ، اُقرّ على جميع أحكامه. وإن انتقل إلى المجوسيّة ، فمثل ذلك غير أنّا على أصلنا لا نجوّز مناكحتهم بحال ولا أكل ذبائحهم. ومَنْ أجاز أكل ذبائحهم من أصحابنا ينبغي أن يقول : إن انتقل إلى اليهوديّة أو النصرانيّة(١) ، أكلت ذبيحته ، وإن انتقل إلى المجوسيّة ، لا تؤكل ولا يناكح.

قال : وإذا قلنا : لا يُقرّ على ذلك - وهو الأقوى عندي - فإنّه يصير مرتدّاً عن دينه(٢) .

تذنيب : إذا قلنا : لا يُقرّ عليه ، فبأيّ شي‌ء يُطالب؟

منهم مَنْ يقول : إنّه يُطالب بالإسلام لا غير ؛ لاعترافه ببطلان ما كان عليه ، وما عدا دين الإسلام باطل ، فلا يُقرّ عليه(٣) .

ومنهم مَنْ يقول : إنّه يُطالب بالإسلام أو بدينه الأوّل(٤) .

وقوّى الشيخرحمه‌الله الأوّل(٥) . فعليه إن لم يرجع إلّا إلى دينه الأوّل ، قُتل ، ولم ينفذ إلى دار الحرب ، لما فيه من تقوية أهل الحرب.

ولو انتقل مَنْ لا يُقرّ على دينه إلى دين مَنْ يُقرّ أهله عليه ، كالوثني ينتقل إلى التهوّد أو التنصّر ، الأقوى : ثبوت الخلاف السابق فيه.

ولو انتقل الذمّيّ إلى دينٍ لا يُقرّ أهله عليه ، لم يُقرّ عليه إجماعاً.

وما الذي يقبل منه؟ قيل : لا يُقبل منه إلّا الإسلام(٦) - وقوّاه الشيخ(٧) -

____________________

(١) في « ق ، ك ‍» والمصدر : والنصرانيّة.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٧.

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٥٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٧.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٧.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٧.

٣٧٦

للآية(١) والخبر(٢) .

وقيل : يُقبل منه الإسلام أو الدين الذي كان عليه ؛ لأنّه انتقل من دينٍ يُقرّ أهله عليه إلى ما لا يُقرّ أهله عليه ، فيُقبل منه(٣) .

واستبعده ابن الجنيد وقال : لا يُقبل منه إلّا الإسلام ؛ لأنّه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه قد أباح دمه ، وصار حكمه حكم المرتدّ.

وقيل : يُقبل منه الإسلام ، أو الرجوع إلى دينه الأوّل ، أو الانتقال إلى دينٍ يُقرّ أهله عليه ؛ لأنّ الأديان المخالفة لدين الإسلام ملّة واحدة ؛ لأنّ جميعها كفر. وهو الأظهر عند الشافعيّة(٤) .

قال الشيخرحمه‌الله : وأمّا أولاده : فإن كانوا كباراً ، اُقرّوا على دينهم ، ولهم حكم نفوسهم ، وإن كانوا صغاراً ، نُظر في الاُمّ ، فإن كانت على دينٍ يُقرّ أهله عليه ببذل الجزية ، أقرّ ولده الصغير في دار الإسلام ، سواء ماتت الأمّ أو لم تمت ، وإن كانت على دين لا يقرّ أهله عليه ، كالوثنيّة وغيرها ، فإنّهم يقرّون أيضاً ، لما سبق لهم من الذمّة ، والاُمّ لا يجب عليها القتل(٥) .

مسألة ٢٢٣ : إذا عقد الإمام الهدنة ، وجب عليه الوفاء‌ بما عقده ما لم ينقضوها بلا خلافٍ نعلمه ؛ لقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٦) وقال تعالى :( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) (٧) .

____________________

(١) آل عمران : ٨٥.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٧٤ ، الهامش (٣)

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٥٥ ، حلية العلماء ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٥٧ - ٥٨.

(٦) المائدة : ١.

(٧) التوبة : ٤.

٣٧٧

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ كان بينه وبين قوم عهدٌ فلا يشدّ عقدة ولا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء »(١) .

ولو شرع المشركون في نقض العهد ، فإن نقض الجميع ، وجب قتالهم ؛ لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) (٢) .

وإن نقض بعضٌ ، نُظر فإن أنكر عليهم الباقون بقولٍ أو فعلٍ ظاهر ، أو اعتزلوهم أو راسلوا الإمام بأنّا منكرون لفعلهم مقيمون على العهد ، كان العهد(٣) باقياً في حقّه.

وإن سكتوا على ما فعل الناقضون ولم يوجد إنكار ولا تبرٍّ من ذلك ، كانوا كلّهم ناقضين للعهد ؛ لأنّ سكوتهم دالٌّ على الرضا به ، كما لو عقد بعضهم الهدنة وسكت الباقون ، دلّ على رضاهم ، كذا هنا.

فإذا نقض الجميع ، غزاهم الإمام وبيَّتهم وأغار عليهم ، ويصيروا أهل حرب ليس لهم عقد هدنة. وإن كان من بعضٍ ، غزا الإمام الناقضين دون الباقين على العهد. ولو كانوا ممتزجين ، أمَرَهم الإمام بالتمييز ليأخذ مَنْ نقض. ولو لم يتميّزوا فمن اعترف بأنّه نَقَض ، قَتَله ، ومَنْ لم يعترف بذلك ، لم يقتله وقَبِل قوله ؛ لتعذّر معرفته إلّا منه.

ولو نقضوا العهد ثمّ تابوا عنه ، قال ابن الجنيد : أرى القبول منهم.

مسألة ٢٢٤ : لو خاف الإمام من خيانة المهادنين وغدرهم بسبب أو أمارة دلّته على ذلك ، جاز له نقض العهد.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٨٣ / ٢٧٥٩ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٥ : ٥٢٢ / ١٨٩٤٣.

(٢) التوبة : ٧.

(٣) في « ق ، ك» : « العقد » بدل « العهد ».

٣٧٨

قال الله تعالى :( وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (١) يعني أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت وهُمْ سواءً في العلم.

ولا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى يكون عن أمارة تدلّ على ما خافه.

ولا تنتقض الهدنة بنفس الخوف ، بل للإمام نقضها ، وهذا بخلاف الذمّي إذا خيف منه الخيانة ، فإن عقد الذمّة لا ينتقض بذلك ؛ لأنّ عقد الذمّة يعقد لحقّ أهل الكتاب ، ولهذا يجب على الإمام إجابتهم عليه ، وعقد الهدنة والأمان لمصلحة المسلمين لا لحقّهم ، فافترقا.

ولأن عقد الذمّة آكد ؛ لأنّه عقد معاوضة ومؤبَّد ، بخلاف الهدنة والأمان ، ولهذا لو نقض بعض أهل الذمّة وسكت الباقون ، لم ينتقض عهدهم ، ولو كان في الهدنة ، انتقض.

ولأنّ أهل الذمّة في قبضة الإمام ولا يخشى الضرر كثيراً من نقضهم ، بخلاف أهل الهدنة ؛ فإنّ الإمام يخاف منهم الغارة على المسلمين والضرر الكثير.

مسألة ٢٢٥ : إذا انتقضت(٢) الهدنة لخوف الإمام ونبذ إليهم عهدهم ، ردَّهم إلى مأمنهم ، وصاروا حَرْباً. فإن لم يبرحوا عن حصنهم ، جاز قتالهم بعد النبذ إليهم ؛ لأنّهم في منعتهم(٣) كما كانوا قبل العقد. وإن كانوا قد نزلوا فصاروا في عسكر المسلمين ، ردّهم الإمام إلى مأمنهم ؛ لأنّهم دخلوا إليه‌

____________________

(١) الأنفال : ٥٨.

(٢) في « ق » : نقضت.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « مأمنهم » بدل « منعتهم ».

٣٧٩

من مأمنهم ، فعليه ( أن يردّهم )(١) إليه ، وإلّا لكان خيانةً من المسلمين ، والله لا يحبّ الخائنين.

فإذا زال عقد الهدنة ، نُظر فيما زال به ، فإن لم يتضمّن وجوب حقٌّ عليه ، مثل أن يأوي لهم عيناً أو يخبرهم بخبر المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ردّه إلى مأمنه ، ولا شي‌ء عليه. وإن كان يوجب حقّاً ، فإن كان لآدميَّ ، كقتل نفسٍ أو إتلاف مالٍ ، استوفي ذلك منه ، وإن كان لله تعالى محضاً ، كحدّ الزنا والشرب ، اُقيم عليه أيضاً ، عندنا ، خلافاً للعامّة(٢) ، وإن كان مشتركاً ، كالسرقة ، اُقيم عليه ، عندنا. وللعامّة قولان(٣) .

مسألة ٢٢٦ : إذا عقد الإمام الذمّة للمشركين ، كان عليه أن يذبّ عنهم‌ كلَّ مَنْ لو قصد المسلمين لزمه أن يذبّ عنهم. ولو عقد الهدنة لقومٍ منهم ، كان عليه أن يكفّ عنهم كلّ(٤) مَنْ يجري عليه أحكامه من المسلمين وأهل الذمّة ، وليس عليه أن يدفع عنهم أهل الحرب ولا بعضهم عن بعض.

والفرق : أنّ عقد الذمّة يقتضي جري أحكامنا عليهم ، فكانوا كالمسلمين ، والهدنة عقد أمان لا يتضمّن جري الأحكام ، فاقتضى أن يأمن من جهته مَنْ يجري عليه حكم(٥) الإمام دون غيره.

فإن شرط الإمام في عقد الذمّة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب ، فإن كانوا في وسط بلاد الإسلام - كالعراق - أو في طرف بلاد الإسلام ، كان‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : ردّهم.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٢ - ٧٢٣.

(٤) كلمة « كلّ » لم ترد في « ق ، ك».

(٥) في الطبعة الحجريّة : « أحكام » بدل « حكم ».

٣٨٠

الشرط فاسداً ؛ لأنّه يجب عليه أن يمنع أهل الحرب من دخول دار الإسلام ، فلا يجوز أن يشترط خلافه. وإن كانوا في دار الحرب أو بين دار الإسلام ودار الحرب ، كان الشرط جائزاً ؛ لعدم تضمّنه تمكين أهل الحرب من دار الإسلام.

إذا ثبت هذا ، فمتى قصدهم أهل الحرب ولم يدفعهم عنهم حتى مضى حول ، فلا جزية عليهم ؛ لأنّ الجزية تُستحقّ بالدفع ، فإن سباهم أهل الحرب ، فعليه أن يردّ ما سبي منهم من الأموال ؛ لأنّ عليه حفظ أموالهم. فإن كان في جملته خمر أو خنزير ، لم تلزمه استعادته(١) ؛ لأنّه لا يحلّ إمساكه.

وإذا أغار أهل الحرب على أهل الهدنة وأخذوا أموالهم وظفر الإمام بأهل الحرب واستنقذ أموال أهل الهدنة ، قال الشافعي : يردّها الإمام عليهم(٢) .

وكذا إذا اشترى مسلم من أهل الحرب ما أخذوه من أهل الهدنة ، وجب ردّه عليهم ، لأنّه في عهدٍ منه ، فلا يجوز أن يتملّك ما سبي منهم ، كأهل الذمّة.

وقال أبو حنيفة : لا يجب ردّ ما أخذوه من أهل الحرب من أموالهم ؛ لأنّه لا يجب عليه أن يدفعهم عنهم ، فلا يلزمه ردّ ما استنقذه منهم ، كما لو أغار أهل الحرب على أهل الحرب(٣) .

____________________

(١) في « ق ، ك» : « استيفاؤه » بدل « استعادته ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣١.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٧.

٣٨١

وقول أبي حنيفة فيه قوّة.

مسألة ٢٢٧ : إذا انتقض العهد ، جاز قصد بلدهم وتبييتهم والإغارة عليهم في بلادهم‌ إن علموا أنّ ما أتوا به ناقض للعهد. وإن لم يعلموا ، فكذلك الحكم ، أو لا يقاتلون إلّا بعد الإنذار للشافعيّة وجهان(١) .

والأولى أنّه إذا لم يعلموا أنّه خيانة ، لا ينتقض العهد إلّا إذا كان المأتيّ به ممّا لا يشكّ في مضادّته للهدنة ، كالقتال.

فأمّا مَنْ دخل داراً بأمانٍ أو مهادنة ، فلا يغتال وإن انتقض عهده ، بل يبلغ المأمن.

ولو(٢) نقض السوقةُ العهد ولم يعلم الرئيس والأشراف بذلك ، احتمل النقض في حقّ السوقة ، وعدمه ؛ لأنّه لا اعتبار بعقدهم فكذا بنقضهم.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

ولو نقض الرئيس وامتنع الأتباع وأنكروا ، ففي الانتقاض في حقّهم للشافعي قولان ، أحدهما : الانتقاض ؛ لأنّه لم يبق العهد في حقّ المتبوع فلا يبقى في حقّ التابع(٤) .

هذا حكم نقض عهد(٥) الهدنة ، وأمّا نقض الذمّة : فنقضه من البعض ليس بنقضٍ من الباقين ، وقد سلف الفرق.

والمعتبر في إبلاغ الكافر المأمن أن يمنعه من المسلمين ويلحقه بأوّل بلاد الكفر(٦) ، ولا يلزم إلحاقه ببلده الذي يسكنه فوق ذلك إلّا أن يكون بين‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٢.

(٢) في « ق » : « وإن » بدل « ولو ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٣.

(٥) كلمة « عهد » لم ترد في « ق ، ك».

(٦) في « ق » : الكفّار.

٣٨٢

أوّل بلاد الكفر وبلده الذي يسكنه بلدٌ للمسلمين يحتاج إلى المرور عليه.

وإذا هادنه الإمام مدّةً لضعفٍ وخوف ثمّ زال الخوف وقوي المسلمون ، وجب البقاء عليه ؛ لقوله تعالى :( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) (١) وإن كانت المدّة عشر سنين.

ويجب على الذين هادنّاهم الكفّ عن قبيح القول والعمل في حقّ المسلمين وبذل الجميل منهما. ولو كانوا يُكرمون المسلمين فصاروا يُهينونهم ، أو يضيفون الرسل ويصلونهم فصاروا يقطعونهم ، أو يعظّمون كتاب الإمام فصاروا يستخفّون ، أو نقصوا عمّا كانوا يخاطبونه به ، سألَهم الإمام عن سبب فعلهم ، فإن اعتذروا بما يجوز قبول مثله ، قَبِله ، وإن لم يذكروا عذراً ، أمرهم بالرجوع إلى عادتهم ، فإن امتنعوا ، أعلمهم بنقض الهدنة ونقَضَها ، عند الشافعيّة(٢) .

وسبُّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنتقض به الهدنة كالذمّة ، عند الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة فيهما(٤) .

مسألة ٢٢٨ : لو كان تحت كافرٍ عشرُ زوجات فأسلمن وهاجرن وجاء الزوج يطلبهنّ ، اُمر باختيار أربع منهنّ ، ويعطى مهورهنّ ، سواء اختار الأكثر مهراً أو الأقلّ ، وسواء اختار مَنْ دفع إليهنّ المهر أو بعضه أو مَنْ لم يدفع إليهنّ ، فإذا اختار مَنْ لم يدفع إليهنّ شيئاً ، لم يرجع بشي‌ء.

ولو جاءت مستولدةً ، فهي كالأمة.

____________________

(١) التوبة : ٤.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٣ - ٥٢٤.

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٣.

٣٨٣

وأمّا المكاتبة : فإن اقتضى الحال عتقها ، فكذلك ، وتبطل الكتابة ، وإلّا فهي على كتابتها. فإن أدّت مالَ الكتابة ، عُتقت بالكتابة. قال الشافعي : وللسيّد الولاء(١) . فإن عجزت ورُقّتْ ، حُسب ما أخذ من مال الكتابة بعد إسلامها من ضمانها ، ولا يُحسب منه ما اُخذ قبل الإسلام.

مسألة ٢٢٩ : لو عقدنا الهدنة بشرط أن يردّوا مَنْ جاءهم منّا مرتدّاً ويُسلّموه إلينا ، وجب عليهم الوفاء بما التزموه ، فإن امتنعوا ، كانوا ناقضين للعهد.

وإن عقدنا بشرط أن لا يردّوا مَنْ جاءهم ، ففي الجواز إشكال.

وللشافعي قولان :

أشهرهما : الجواز ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط ذلك في مهادنة قريش(٢) .

والثاني : المنع ؛ لإعلاء الإسلام ، وإقامة حكم المرتدّين [ عليه ](٣) (٤) .

وقال بعضهم : هذا الشرط يصحّ في حقّ الرجال دون النساء كما لو شرط ردّ مَنْ جاءنا مسلماً ؛ لأنّ الإبضاع يحتاط لها ، ويحرم على الكافر من المرتدّة ما يحرم على المسلم(٥) .

فإن أوجبنا الردّ ، فالذي عليهم التمكين والتخلية دون التسليم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣٠.

(٢) المغازي - للواقدي - ٢ : ٦١١ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٣٢ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٤ : ١٤٧ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٤٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤١١ / ١٧٨٤.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : حكمهم. وما أثبتناه من المصادر.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣٠.

٣٨٤

وكذا الحكم لو جرت المهادنة مطلقاً من غير تعرّضٍ لردّ من ارتدّ بالنفي والإثبات.

وحيث لا يجب عليهم التمكين ولا التسليم فعليهم مهر مَنْ ارتدّ من نساء المسلمين ، وقيمة مَنْ ارتدّ من رقيقهم ، ولا يلزمهم غُرْم مَنْ ارتدّ من الرجال الأحرار.

ولو عاد المرتدّون إلينا ، لم نردّ المهر ، ورددنا القيمة ؛ لأنّ الرقيق بدفع القيمة يصير ملكاً لهم والنساء لا يصرن زوجاتٍ.

وحيث يجب التمكين دون التسليم فمكّنوا ، فلا غرم عليهم سواء وصلنا إلى المطلوبين أو لم نصل. وحيث يجب التسليم فنطالبهم به عند الإمكان.

فإن فات التسليم بالموت ، فعليهم الغرم.

وإن هربوا نُظر إن هربوا قبل القدرة على التسليم ، فلا يغرمون ، أو بعدها ، فيغرمون.

ولو هاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة وطلبها زوجها وجاءتهم امرأة منّا مرتدّة ، لا نغرم لزوج المسلمة المهر ، ولكن نقول له : واحدة بواحدة ، ونجعل المهرين قصاصاً ، ويدفع الإمامُ المهر إلى زوج المرتدّة ، ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة المسلمة.

هذا إن تساوى القدران ، ولو كان مهر المهاجرة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المرتدّة منه إلى زوجها والباقي إلى زوج المهاجرة. وإن كان مهر المرتدّة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلى زوجها والباقي إلى زوج المرتدّة.

٣٨٥

وبهذه المقاصّة فسّر أكثر الشافعيّة(١) قوله تعالى :( وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا ) (٢) .

ولو قال زوج المسلمة : لا ذنب لي في التحاق المرتدّة بدار المهادنين فلِمَ منعتموني حقّي ، قلنا : ليس لك حقٌّ على قياس أعواض المتلفات ، وإنّما نغرم لك بحكم المهادنة ، وأهل المهادنة في موجب المهادنة كالشخص الواحد.

البحث السابع : في الحكم بين المعاهدين والمهادنين.

مسألة ٢٣٠ : إذا تحاكم إلينا أهل الذمّة بعضهم مع بعض ، تخيّر الحاكم‌ بين الحكم بينهم على مقتضى حكم الإسلام وبين الإعراض عنهم - وبه قال مالك(٣) - لقوله تعالى :( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (٤) .

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الإنجيل يتحاكمون إليه ، كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم وإن شاء تركهم »(٥) .

ولأنّهما لا يعتقدان صحّة الحكم ، فأشبها المستأمنين.

وقال المزني : يجب الحكم - وللشافعي قولان - لقوله تعالى :( وَأَنِ

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣١.

(٢) الممتحنة : ١١.

(٣) أحكام القرآن - لابن العربي - ٢ : ٦٢٠ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ١٠٣.

(٤) المائدة : ٤٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٠٠ / ٨٣٩.

٣٨٦

احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (١) والأمر للوجوب.

ولأنّ دفع الظلم عنهم واجب على الإمام ، والحكم بينهم دفع لذلك عنهم ، فلزمهم(٢) كالمسلمين(٣) .

وآيتنا أخصّ ، والقياس باطل ؛ لأنّ المسلمين يعتقدون صحّة الحكم.

ولو تحاكم إلينا ذمّيُّ مع مسلم أو مستأمنٌ مع مسلم ، وجب على الحاكم أن يحكم بينهما على ما يقتضيه حكم الإسلام ؛ لأنّه يجب عليه حفظ المسلم من ظلم الذمّي ، وبالعكس.

ولو تحاكم إلينا مستأمنان حربيّان من غير أهل الذمّة ، لم يجب على الحاكم أن يحكم بينهما إجماعاً ؛ لأنّه لا يجب على الإمام دفع بعضهم عن بعض ، بخلاف أهل الذمّة. ولأنّ أهل الذمّة آكد حرمةً ؛ فإنّهم يسكنون دار الإسلام على التأبيد.

مسألة ٢٣١ : إذا استعدى أحد الخصمين إلى الإمام ، أعداه على الآخر‌ في كلّ موضع يلزم الحاكم الحكم بينهما ، فإذا استدعى خصمه ، وجب عليه الحضور إلى مجلس الحكم ؛ لأنّ هارون بن حمزة سأل الصادقَعليه‌السلام : رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديّان كان بينهما خصومة ، فقضى بينهما حاكم من حُكّامهما بجَوْزٍ فأبى الذي قُضي عليه أن يقبل ، وسأل أن يردّ إلى حكم المسلمين ، قال : « يردّ إلى حكم المسلمين »(٤) .

____________________

(١) المائدة : ٤٩.

(٢) كذا ، والظاهر : فلزمه.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٨٥ - ٣٨٦ ، الوجيز ٢ : ١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ١٠٣ ، الوسيط ٥ : ١٣٨ - ١٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٤٩٠ - ٤٩١ ، المغني ١٠ : ١٩٠ ، التفسير الكبير ١١ : ٢٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ١٨٤.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٢.

٣٨٧

ويجب إذا حكم بينهم أن يحكم بحكم المسلمين ، لقوله تعالى :( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) (١) وقال تعالى :( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) (٢) .

ولو جاءت ذمّيّة تستعدي على زوجها الذمّيّ في طلاقٍ أو ظهارٍ أو إيلاءٍ ، تخيّر في الحكم بينهم والردّ إلى أهل نحلتهم ليحكموا بينهم بمذهبهم. فإن حَكَم بينهم ، حَكَم بحكم الإسلام ، ويمنعه في الظهار من أن يقربها حتى يكفّر. ولا يجوز له أن يكفّر بالصوم ؛ لافتقاره إلى نيّة القربة ، ولا بالعتق ؛ لتوقّفه على ملك المسلم ، وهو لا يتحقّق في طرفه إلّا أن يسلم في يده أو يرثها ، بل بالإطعام.

مسألة ٢٣٢ : يجوز للمسلم أخذ مالٍ من نصرانيّ مضاربةً ، ولا يكره ذلك ؛ لأنّ المسلم لا يتصرّف إلّا فيما يسوغ.

ويكره للمسلم أن يدفع إلى المشرك مالاً مضاربةً ؛ لأنّ الكافر قد يتصرّف بما لا يسوغ في الشرع ، فإن فَعَل ، صحّ القراض.

وينبغي له إذا دفع إليه المال أن يشترط عليه أن لا يتصرّف إلّا بما يسوغ في شرعنا ، فإن شرط عليه ذلك فابتاع خمراً أو خنزيراً ، فالشراء باطل ، سواء ابتاعه بعين المال أو في الذمّة ؛ لأنّه خالف الشرطَ. ولا يجوز له أن يقبض الثمن ، فإن قَبَض الثمنَ ، ضمنه.

وإن لم يشترط عليه ذلك بل دفع المال إليه مطلقاً فابتاع ما لا يجوز ابتياعه ، فالبيع باطل ، فإن دفع الثمن ، فعليه الضمان أيضاً ؛ لأنّه ابتاع ما ليس بمباح عندنا.

وإطلاق العقد يقتضي أن يبتاع لربّ المال ما يملكه ربّ المال ،

____________________

(١) المائدة : ٤٢.

(٢) المائدة : ٤٩.

٣٨٨

فإذا(١) خالف ، ضمن.

فإن باع المضارب ونضّ المال ، فإن علم ربّ المال أنّه تصرّف في محظورٍ ، أو خالَط محظوراً ، لم يجز له قبضه ، كما لو اختلطت اُخته بأجنبيّاتٍ ، وإن علم أنّه عين المباح ، قَبَضه ، وإن شكّ ، جاز على كراهة.

ولو أكرى نفسه من ذمّيّ ، فإن كانت الإجارة في الذمّة ، صحّ ؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته. وإن كانت معيّنةً ، فإن استأجره ليخدمه شهراً أو يبني له شهراً ، صحّ أيضاً. وتكون أوقات العبادة مستثناةً منها.

مسألة ٢٣٣ : لو فَعَل الذمّيّ ما لا يجوز في شرع الإسلام ولا في شرعهم‌ - كالزنا واللواط والسرقة والقتل والقطع - كان الحكم في ذلك كالحكم بين المسلمين في إقامة الحدود ؛ لأنّهم عقدوا الذمّة بشرط أن يجرى عليهم أحكام المسلمين.

وإن كان ما يجوز في شرعهم - كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ونكاح المحارم - لم يتعرّض لهم ما لم يُظهروه ؛ لأنّا نُقرّهم عليه ، وترك التعرّض لهم فيه ؛ لأنّهم عقدوا الذمّة وبذلوا الجزية على هذا. فإن أظهروا ذلك وأعلنوه ، مَنَعهم الإمام وأدَّبهم على إظهاره.

قال الشيخ : وقد روى أصحابنا أنّه يُقيم عليهم الحدّ بذلك ، وهو الصحيح(٢) .

ولو جاء نصرانيّ باع من مسلم خمراً أو اشترى منه خمراً ، أبطلناه بكلّ حال تقابضا أو لا ، ورددنا الثمن إلى المشتري. فإن كان مسلماً ، استرجع الثمن ، وأرقنا الخمر ؛ لأنّا لا نقضي على المسلم بردّ الخمر ، وجاز إراقتها ؛ لأنّ الذمّيّ عصى بإخراجها إلى المسلم ، فيعاقب بإراقتها عليه. وإن‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فإن.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦١.

٣٨٩

كان المشتري المشركَ ، رددنا إليه الثمن ، ولا نأمر الذمّيّ بردّ الخمر ، بل يُريقها ؛ لأنّها ليست كمال الذمّيّ.

ونمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازاً للقرآن ، فإن اشترى ، لم يصح البيع.

وقال بعض الشافعيّة : يملكه ويلزم البيع(١) .

والأوّل أنسب بإعظام القرآن.

قال الشيخ : وكذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وآثار السلف وأقاويلهم - والأقوى عندي الكراهة - أمّا كتب النحو واللغة والشعر وباقي الأدب : فإنّ شراءها جائز لهم ؛ إذ لا حرمة لها(٢) .

مسألة ٢٣٤ : لو أوصى مسلم لذمّيٍّ بعبدٍ مسلم ، لم تصحّ الوصيّة ؛ لأنّ المشرك لا يملك المسلم.

وقال بعض الناس(٣) : تصحّ الوصيّة ، وتلزم برفع اليد عنه ، كما لو ابتاعه.

فعلى هذا لو أسلم وقَبِل الوصيّة ، صحّ ، وملكه بعد موت الموصي.

وعلى الأوّل لا يملكه وإن أسلم في حياة الموصي ؛ لأنّ الوصيّة وقعت في الأصل باطلةً.

ولو كان العبد مشركاً فأسلم العبد قبل موت الموصي ثمّ مات ، فقَبِله الموصى له ، لم يملكه ؛ لأنّ الاعتبار في الوصيّة حال اللزوم ، وهي حالة الوفاة.

وعلى القول الثاني يملكه ويرفع يده عنه.

ولو أوصى الذمّيّ ببناء كنيسة أو بيعة أو موضع عبادة لهم ، لم تصحّ ؛

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧ ، حلية العلماء ٤ : ١١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٤ ، المجموع ٩ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٢.

(٣) كما في المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٢ ، وانظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٣٩٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧ ، وروضة الطالبين ٣ : ١١.

٣٩٠

لأنّها في معصية.

وكذا لو أوصى أن يستأجر خدماً للبِيعة والكنيسة ، أو يعمل صلباناً ، أو يشتري مصباحاً أو يشتري أرضاً فيوقف عليها.

ولو أوصى الذمّيّ ببناء كنيسة تنزلها المارّة من أهل الذمّة أو من غيرهم ، أو وقفها على قومٍ يسكنونها ، أو جعل اُجرتها للنصارى ، جازت الوصيّة ؛ لأنّ نزولهم ليس بمعصية ، إلّا أن تبنى لصلواتهم.

وكذا لو أوصى للرهبان بشي‌ء ، صحّت الوصيّة ؛ لجواز صدقة التطوّع عليهم.

ولو أوصى أن يكون لنزول المارّة للصلاة فيه ، قيل : تبطل الوصيّة في الصلاة ، وتصحّ ( في نزول )(١) المارّة ، فتبنى كنيسة بنصف الثلث لنزول المارّة خاصّةً ، فإن لم يمكن ذلك ، بطلت الوصيّة(٢) .

وقيل : تبنى الكنيسة بالثلث ، وتكون لنزول المارّة ، ويُمنعون من الاجتماع للصلاة فيها(٣) .

ولو أوصى بشي‌ء تكتب به التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غير ذلك من الكتب القديمة ، بطلت الوصيّة ؛ لأنّها كتب محرَّفة مبدَّلة منسوخة.

وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً من داره فوجد في يد عمر صحيفةً ، فقال :

« ما هي؟ » فقال : من التوراة ، فغضب عليه ورماها من يده ، وقال : « لو كان موسى أو عيسى حيّين لما وسعهما إلّا اتّباعي »(٤) .

إذا ثبت(٥) هذا ، فإنّه يكره للمسلم اُجرة رمّ ما يستهدم من الكنائس والبِيَع من بناء ونجارة وغير ذلك ، وليس محرَّماً.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : لنزول.

(٢ و ٣) لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٣ : ٣٥٥ باختصار.

(٥) في « ق » : « عرفت » بدل « ثبت ».

٣٩١

الفصل السادس : في قتال أهل البغي‌

الأصل في ذلك قول الله تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (١) .

قيل : وردت في طائفتين من الأنصار وقع بينهم [ قتال ](٢) فلمـّا نزلت ، قرأها عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقلعوا. وليس فيها تعرّضٌ للخروج والبغي على الإمام ، ولكن إذا اُمرنا بقتال طائفة بغَتْ على طائفة اُخرى ، فلأن نقاتل الذين بغوا على الإمام إلى أن يفيئوا إلى أمر الله أولى(٣) .

والمراد بالباغي في عرف الفقهاء : المخالف للإمام العادل ، الخارج عن طاعته بالامتناع عن أداء ما وجب عليه بالشرائط الآتية. وسُمّي باغياً إمّا لتجاوزه الحدّ المرسوم له ، والبغي : مجاوزة الحدّ.

وقيل : لأنّه ظالم بذلك ، والبغي : الظلم. قال الله تعالى :( ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ) (٤) أي : ظُلم(٥) .

وقيل : لطلبه الاستعلاء على الإمام ، من قولهم : بغى الشي‌ء ، أي : طلبه(٦) .

مسألة ٢٣٥ : قتال أهل البغي واجب بالنصّ والإجماع.

____________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٦٩ - ٧٠.

(٤) الحجّ : ٦٠.

(٥ و ٦) كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٦٩.

٣٩٢

قال الله تعالى :( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ) (١) .

وروى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ حمل علينا السلاح فليس منّا »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول عليعليه‌السلام : « القتال قتالان : قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يُسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ، وقتال لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتى يفيئوا إلى أمر الله أو يُقتلوا »(٣) .

ولا خلاف بين المسلمين كافّة في وجوب جهاد البُغاة ، وقد قاتل عليٌّعليه‌السلام ثلاثَ طوائف : أهل البصرة يوم الجمل : عائشة وطلحة والزبير وعبد الله بن الزبير وغيرهم ، وهُم الناكثون الذين بايعوه ونكثوا بيعته. وقاتل أهلَ الشام معاوية ومَنْ تابعه ، وهُم القاسطون ، أي : الجائرون. وقاتل أهلَ النهروان : الخوارج ، وهُم المارقون ، وقد أخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين »(٤) .

قال الشيخرحمه‌الله : وهؤلاء كلّهم عندنا محكوم بكفرهم ، لكن ظاهرهم الإسلام. وعند الفقهاء أنّهم مسلمون لكن قاتلوا الإمامَ العادل ، فإنّ الإمامة كانت لعليُّعليه‌السلام بعد عثمان عندهم(٥) .

والأصل في ذلك : أنّ الإمامة عندنا من شرائط الإيمان ، فلا يستحقّ‌

____________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) صحيح البخاري ٩ : ٦٢ ، صحيح مسلم ١ : ٩٨ و ٩٩ / ٩٨ و ١٠٠ و ١٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٦٠ / ٢٥٧٥ ، مسند أحمد ٣ : ١٤٤ / ٩١٢٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١١٤ / ٣٣٥ ، و ٦ : ١٤٤ / ٢٤٧.

(٤) المستدرك - للحاكم - ٣ : ١٤٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٦٤.

٣٩٣

الثواب الدائم إلّا به.

مسألة ٢٣٦ : قد جرت العادة بين الفقهاء أن يذكروا الإمامة في هذا الموضع‌ ليُعرف الإمام الذي يجب اتّباعه ، ويصير الإنسان باغياً بالخروج عليه ، وليست من علم الفقه ، بل هي من علم الكلام ، فلنذكر كلاماً مختصراً ، فنقول‌ يشترط في الإمام اُمور :

الأوّل : أن يكون مكلّفاً ؛ فإنّ غيره مولّى عليه في خاصّة نفسه ، فكيف يلي أمر الاُمّة!

الثاني : أن يكون مسلماً ليراعي مصلحة المسلمين والإسلام ، وليحصل الوثوق بقوله ، ويصحّ الركون إليه ؛ فإنّ غير المسلم ظالم وقد قال الله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١) .

الثالث : أن يكون عدلا ؛ لما تقدّم ؛ فإنّ الفاسق ظالم ولا يجوز الركون إليه والمصير إلى قوله ؛ للنهي عنه في قوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٢) . ولأنّ الفاسق ظالم ، فلا ينال مرتبة الإمامة ، لقوله تعالى :( لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٣) .

الرابع : أن يكون حُرّاً ؛ فإنّ العبد مشغول بخدمة مولاه لا يتفرّغ للنظر في مصالح المسلمين. ولأنّ الإمامة رئاسة عامّة والعبد مرؤوس ، وهي من المناصب الجليلة ، فلا تليق به.

الخامس : أن يكون ذَكَراً ليُهاب ، وليتمكّن من مخالطة الرجال ،

____________________

(١ و ٢) هود : ١١٣.

(٣) البقرة : ١٢٤.

٣٩٤

ويتفرّغ للنظر ؛ فإنّ المرأة ناقصة العقل.

السادس : أن يكون عالماً ، ليعرف الأحكام ويعلّم الناس ، فلا يفوت الأمر عليه بالاستفتاء والمراجعة.

السابع : أن يكون شجاعاً ، ليغزو بنفسه ، ويعالج الجيوش ، ويقوى على فتح البلاد ، ويحمي بيضة الإسلام.

الثامن : أن يكون ذا رأي وكفاية ؛ لافتقار قيام نظام النوع إليه.

التاسع : أن يكون صحيح السمع والبصر والنطق ، ليتمكّن من فصل الاُمور. وهذه الشرائط غير مختلف فيها.

العاشر : أن يكون صحيح الأعضاء ، كاليد والرِّجْل والاُذن. وبالجملة اشتراط سلامة الأعضاء من نقصٍ يمنع من استيفاء الحركة وسرعة النهوض. وهو أولى قولي الشافعيّة(١) .

الحادي عشر : أن يكون من قريش ؛ لقولهعليه‌السلام : « الأئمّة من قريش »(٢) وهو أظهر قولي الشافعيّة(٣) .

وخالف فيه الجويني(٤) ، مع أنّه لا خلاف في أنّ أبا بكر احتجّ على‌

____________________

(١) الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٣.

(٢) المستدرك - للحاكم - ٤ : ٧٦ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ : ١٦٩ - ١٧٠ / ١٢٤٣٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١ : ٢٥٢ / ٧٢٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢١ ، و ٨ : ١٤٤ ، مسند أحمد ٤ : ٢٩ / ١٢٤٨٩ ، و ٥ : ٥٧٩ / ١٩٢٧٨.

(٣) الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٢.

(٤) الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧١.

٣٩٥

الأنصار يوم السقيفة به(١) ، وبذلك أخذت الصحابة بعده.

قالت الشافعيّة : فإن لم يُوجد في قريش مَنْ يستجمع الصفات المعتبرة ، نُصب كنانيٌّ ، فإن لم يُوجد ، فرجلٌ من ولد إسماعيلعليه‌السلام (٢) .

وهو باطل عندنا ؛ لأنّ الإمامة عندنا محصورة في الاثني عشرعليهم‌السلام على ما يأتي.

ثمّ إنّ قريشاً ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ، فعلى قولهم : « إذا لم يُوجد قرشي ، ينبغي نصب كنانيّ » ينبغي أنّه إذا لم يُوجد كنانيٌّ ، نُصب خزيميّ وهكذا يرتقي إلى أبٍ بعد أبٍ إلى أن ينتهي إلى إسماعيلعليه‌السلام .

فإن لم يُوجد من ولد إسماعيل مَنْ يصلح لذلك ، قال بعضهم : يُولّى رجلٌ من العجم(٣) .

وقال بعضهم : يُولّى جُرْهُميٌّ ، وجُرْهُم أصل العرب ، وفيهم تزوّج إسماعيلعليه‌السلام حين أنزله أبوهعليه‌السلام أرضَ مكة. فإن لم يوجد جُرْهميُّ ، فرجلٌ من نسل إسحاق(٤) .

ولا يشترط أن يكون هاشميّاً عندهم(٥) .

الثاني عشر : يجب أن يكون الإمام معصوماً عند الشيعة ؛ لأنّ المقتضي لوجوب الإمامة ونصب الإمام جواز الخطأ على الاُمّة ، المستلزم لاختلال النظام ؛ فإنّ الضرورة قاضية بأنّ الاجتماع مظنّة التنازع والتغالب ، فإنّ كلّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧١ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ : ٢٢٠ ، والكامل في التاريخ ٢ : ٣٢٥.

(٢ - ٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٣.

٣٩٦

واحد من بني النوع يشتهي ما يحتاج إليه ، ويغضب على مَنْ يزاحمه في ذلك ، وتدعوه شهوته وغضبه إلى الجور على غيره ، فيقع من ذلك الهرج والمرج ، ويختلّ أمر الاجتماع ، مع أنّ الاجتماع ضروريّ لنوع الإنسان ؛ فإنّ كلّ شخص لا يمكنه أن يعيش وحده ، لافتقاره إلى غذاء وملبوس ومسكن ، وكلّها صناعيّة لا يمكن أن تصدر عن صانعٍ واحد إلّا في مدّة لا يمكن أن يعيش تلك المدّة فاقداً لها ، أو يتعسّر إن أمكن ، وإنّما يتيسّر لجماعة يتعاونون ويتشاركون في تحصيلها ، يفرغ كلّ واحد منهم لصاحبه عن بعض ذلك ، فيتمّ النظام بمعاوضة عملٍ بعمل ومعاوضة عملٍ باُجرة ، فلهذا قيل : الإنسان مدنيُّ بالطبع ، فلا بدّ حينئذٍ من سلطانٍ قاهر ، مُطاع ، نافذ الأمر ، متميّز عن غيره من بني النوع ، وليس نصبه مفوّضاً إليه ، وإلّا وقع المحذور ، ولا إلى العامّة ؛ لذلك أيضاً ، بل يكون من عند الله تعالى.

ولا يجوز وقوع الخطأ منه ، وإلّا لوجب أن يكون له إمام آخر ، ويتسلسل ، فلهذا وجب أن يكون معصوماً.

ولأنّه تعالى أوجب علينا طاعته وامتثال أوامره ؛ لقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) وذلك عامّ في كلّ شي‌ء ، فلو لم يكن معصوماً ، لجاز أن يأمر بالخطإ ، فإن وجب علينا اتّباعه ، لزم الأمر بالضدّين ، وهو محال ، وإن لم يجب ، بطل العمل بالنصّ.

ويجب عندهم أن يكون معصوماً من أوّل عمره إلى آخره ؛ لسقوط محلّه‌

____________________

(١) النساء : ٥٩.

٣٩٧

عند الناس لولاه.

الثالث عشر : أن يكون منصوصاً عليه من الله تعالى ، أو من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو ممّن ثبتت إمامته بالنصّ فيهما ؛ لأنّ العصمة من الاُمور الخفيّة التي لا يمكن الاطّلاع عليها ، فلو لم يكن منصوصاً عليه ، لزم تكليف ما لا يطاق. والنصّ من الله تعالى يُعلم إمّا بالوحي على نبيّهعليه‌السلام ، أو بخلق مُعجزٍ(١) على يده عقيب ادّعائه الإمامة.

الرابع عشر : أن يكون أفضلَ أهل زمانه ، ليتحقّق التميز عن غيره.

ولا يجوز عندنا تقديم المفضول على الفاضل - خلافاً لكثير من العامّة(٢) - للعقل والنقل.

أمّا العقل : فإنّ الضرورة قاضية بقبحه.

وأمّا النقل : فقوله تعالى :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٣) وهذه صيغة تعجّبٍ من الله تعالى ، دالّة على شدّة الإنكار ؛ لامتناعه في حقّه تعالى.

والأفضليّة تتحقّق بالعلم والزهد والورع وشرف النسب والكرم والشجاعة وغير ذلك من الأخلاق الحميدة(٤) .

الخامس عشر : أن يكون منزَّهاً عن القبائح ؛ لدلالة العصمة عليه. ولأنّه يكون مستحقّاً للإهانة والإنكار عليه ، فيسقط محلّه من قلوب العامّة ، فتبطل فائدة نصبه. وأن يكون منزَّهاً عن الدناءات والرذائل ، كاللعب‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : معجزة.

(٢) اُنظر : الأحكام السلطانيّة - للماوردي - ٨ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٢ ، وروضة الطالبين ٧ : ٢٦٣.

(٣) يونس : ٣٥.

(٤) في متن الطبعة الحجريّة : « الجميلة » بدل « الحميدة ». وفي هامشها كما هنا.

٣٩٨

والأكل في الأسواق وكشف الرأس بين الناس وغير ذلك ممّا يُسقط محلَّه ويوهن مرتبتَه. وأن يكون منزَّهاً عن دناءة الآباء وعهر الاُمّهات. وقد خالفت العامّة في ذلك كلّه.

مسألة ٢٣٧ : وإنّما تنعقد الإمامة بالنصّ عندنا على ما سبق. ولا تنعقد بالبيعة ، خلافاً للعامّة بأسرهم ؛ فإنّهم أثبتوا إمامة أبي بكر بالبيعة ، ووافقونا على صحّة الانعقاد بالنصّ ، لكنّهم جوّزوا انعقادها باُمور :

أحدها : البيعة(١) . واختلفوا في عدد الذين تنعقد الإمامة ببيعتهم.

فقال بعضهم : لا بدّ من أربعين ؛ لأنّ عهد الإمامة أعظم خطراً من عقد الجُمُعة ، وهذا العدد معتبر في الجُمُعة عند الشافعيّة ففي البيعة أولى(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يكفي أربعة ؛ لأنّه أكمل نُصُب الشهادات(٣) .

وقال بعضهم : ثلاثة ؛ لأنّ الثلاثة مطلق الجمع ، فإذا اتّفقوا ، لم يجز مخالفة الجماعة(٤) .

وقال بعضهم : اثنان ؛ لأنّ أقلّ الجمع اثنان(٥) .

وقال بعضهم : واحد ؛ لأنّ عمر بن الخطّاب بايع أبا بكر أوّلاً ثمّ وافقه الصحابة(٦) .

وقال بعضهم : يعتبر بيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يسهل حضورهم ، ولا يشترط اتّفاق أهل الحلّ والعقد في سائر البلاد ، بل إذا وصل الخبر إلى أهل البلاد البعيدة ، فعليهم الموافقة والمتابعة(٧) . وعلى هذا فلا يتعيّن للاعتبار عدد ، بل لا يشترط العدد ، فلو تعلّق الحلّ والعقد بواحد مُطاع ، كفت بيعته لانعقاد الإمامة(٨) .

____________________

(١ - ٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٢ - ٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٣.

(٧) في « ق » : « المبايعة » بدل « المتابعة ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٤.

٣٩٩

قالوا : ولا بدّ وأن يكون الذين يبايعون بصفات الشهود حتى لو كان واحداً ، شرط ذلك فيه.

وهل يشترط في البيعة حضور شاهدين؟ وجهان للشافعيّة.

ويشترط في انعقاد البيعة أن يُجيب الذين يبايعونه ، فإن امتنع ، لم تنعقد إمامته(١) .

الأمر الثاني : استخلاف الإمام قبله ، وعهده إليه ، كما عهد أبو بكر إلى عمر. وانعقد الإجماع بينهم على جوازه(٢) .

قالوا : والاستخلاف أن يجعله خليفةً في حياته ثمّ يخلفه بعد موته(٣) .

ولو أوصى له بالإمامة من بعده ، ففيه وجهان عندهم ؛ لأنّه بالموت يخرج عن الولاية ، فلا يصحّ منه تولية الغير(٤) .

ويشكل بأنّ مرادهم بجعله خليفةً في حياته إن كان استنابه ، فلا يكون عهداً إليه بالإمامة ، أو جعله إماماً في الحال ، فهذا إمّا خلعٌ لنفسه أو اجتماع إمامين في وقتٍ واحد ، أو جعله إماماً بعد موته ، وهذا معنى لفظ الوصيّة(٥) .

ولو جعل الأمر شورى بين اثنين فصاعداً بعده ، كان كالاستخلاف ، إلّا أنّ المستخلَف غير معيّن ، فيحتاج إلى تشاورهم اتّفاقهم على جعل واحد منهم خليفة ، كقضيّة عمر حيث جعل الأمر شورى في ستّة(٦) .

ثمّ اختلفوا في أنّه هل يشترط في المـُولّى شروط الإمامة من وقت العهد إليه حتى لو كان صغيراً أو فاسقاً عند العهد ، بالغاً عدلاً عند موت المـُولّي ، لم ينصب إماماً إلّا أن يبايعه أهل الحلّ والعقد؟(٧) وبعضهم لم يشترط ذلك(٨) .

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٣ - ٧٤.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٤ - ٢٦٥.

(٧ و ٨) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٧٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٦٥.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466