تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466
المشاهدات: 297287
تحميل: 4375


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297287 / تحميل: 4375
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 9

مؤلف:
ISBN: 964-319-008-0
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المنع ؛ لأنّ الكفّارة حقّ الله تعالى ، وهو أولى بالتساهل(١) .

ولو استولى باغٍ على أمة أو مستولدة لأهل العدل فوطئها ، فعليه الحدّ ، والولد رقيق بغير نسب.

وفي وجوب المهر مع إكراهها قولان للشافعي(٢) .

قال الشيخرحمه‌الله : لا خلاف في أنّ الحربيّ إذا أتلف شيئاً من أموال المسلمين ونفوسهم ثمّ أسلم ، فإنّه لا يضمن ولا يُقاد به(٣) .

وأمّا المرتدّ : فإنّه يضمن عندنا ما أتلفه حالة الحرب أو قبلها أو بعدها.

وأمّا الشافعي وأبو حنيفة : فأسقطا ضمان ما يُتلفه حالة الحرب من مالٍ ونفسٍ(٤) .

وأمّا الذين يخالفون الإمام بتأويلٍ يعتقدونه ولا شوكة لهم ولا امتناع ؛ لقلّة عددهم ، فإنّه يلزمهم ضمان ما أتلفوا من نفسٍ ومالٍ إن كان على صورة القتال. وإن لم يكن قتال ، فكذلك عندنا ، خلافاً للشافعي في أحد القولين(٥) .

وهو غلط ؛ إذ لا تعجز كلّ شِرْذِمةٍ تُريد إتلاف نفسٍ أو مال أن تُبدي تأويلاً وتفعل من الفساد ما تشاء ، وذلك يُفضي إلى إبطال السياسات.

وأمّا الذين لهم كثرة وشوكة ولا تأويل لهم : ففي ضمان ما أتلفوا من المال طريقان للشافعيّة :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٦.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٦٧.

(٤) اُنظر : الوجيز ٢ : ١٦٥ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٨ ، وروضة الطالبين ٧ : ٢٧٦ ، والهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، والمغني ١٠ : ٧٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٨.

٤٢١

أحدهما : القطع بوجوبه ؛ لأنّهم ليسوا بأهل البغي ، كالذين لهم التأويل دون الشوكة.

وأظهرهما عندهم : طرد القولين في الباغي(١) .

وعندنا يجب عليهم الضمان.

مسألة ٢٤٨ : قد بيّنّا أنّه ينبغي للإمام وعظ أهل البغي وأمرهم بالطاعة‌ لتكون كلمة أهل الدين واحدةً ، فإن امتنعوا ، آذنهم بالقتال ، فإن طلبوا الإنظار ، بحث الإمام عن حالهم واجتهد ، فإن عرف عزمهم على الطاعة وطلبِ الإنظار لحلّ الشبهة ، أنظرهم. وإن ظهر له أنّهم يقصدون استلحاق مددٍ ، لم يُنظرهم. وإن سألوا ترك القتال أبداً ، لم يُجبهم.

وحيث لا يجوز الإنظار لو بذلوا مالاً أو رهنوا الأولاد والنساء ، لم يلتفت إليهم ؛ لأنّهم قد يقوون في المدّة ، ويتغلّبون على أهل العدل ، ويستردّون ما بذلوا.

ولو كان بأهل العدل ضعْفٌ ، أخّر الإمام القتال ، ولا يخطر بالناس.

مسألة ٢٤٩ : أهل البغي قسمان :

أحدهما : أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها‌ ولا رئيس يلجؤون(٢) إليه ، كأهل البصرة ، وأصحاب الجَمَل.

والثاني : أن يكون لهم فئة يرجعون إليها ورئيس يعتضدون به ويجيش لهم الجيوش ، كأهل الشام ، وأصحاب معاوية بصفّين.

فالأوّل لا يُجاز على جريحهم ، ولا يُتبع مُدبرهم ، ولا يُقتل أسيرهم والثاني يُجاز على جريحهم ، ويُتبع مُدبرهم ، ويُقتل أسيرهم ، سواء‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٦.

(٢) في « ق ، ك» : يلتجؤون.

٤٢٢

كانت الفئة حاضرةً أو غائبة ، قريبة أو بعيدة(١) ، ذهب إلى هذا التفصيل علماؤنا أجمع - وبه قال ابن عباس وأبو حنيفة وأبو إسحاق من الشافعيّة(٢) - لأنّا لو لم نقتلهم لم نأمن عَوْدَهم(٣) وقتالَهم.

[ و ](٤) لأنّ حفص بن غياث سأله عن طائفتين ، إحداهما باغية ، والاُخرى عادلة ، فهزمت العادلة الباغيةَ ، قال : « ليس لأهل العدل أن يتبعوا مُدبراً ، ولا يقتلوا أسيراً ، ولا يُجيزوا(٥) على جريح »(٦) .

هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها ، فإذا كانت لهم فئة يرجعون إليها ، فإنّ أسيرهم يُقتل ، ومُدبرهم يُتبع ، وجريحهم يُجاز عليه.

وقال الشافعي : لا يُجاز على جريح الفريقين معاً ، ولا يُتبع مُدبرهم ، ولا يُقتل أسيرهم(٧) ؛ لقول عليّعليه‌السلام : « لا يُذفَّف على جريحٍ ، ولا يُتبع مُدبر »(٨) .

ونقول بموجبه ؛ لأنّه قاله في الفئة التي لا رئيس لها.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : بعيدة أو قريبة.

(٢) المغني ١٠ : ٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٤٠ - ١٤١ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٩١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : لم نأمن من عودهم.

(٤) أضفناها لأجل السياق.

(٥) في الكافي : « ولا يجهزوا ».

(٦) التهذيب ٦ : ١٤٤ / ٢٤٦ ، الكافي ٥ : ٣٢ / ٢ وفيه عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٧) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢١٩ و ٢٢٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦١٦ و ٦١٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٩٠ و ٩١ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧١ ، المغني ١٠ : ٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨.

(٨) سنن البيهقي ٨ : ١٨١.

٤٢٣

مسألة ٢٥٠ : لو وقع أسير من أهل البغي في يد أهل العدل وكان شابّاً من أهل القتال ، جَلِداً ، حُبس وعرض عليه المبايعة ، فإن بايع على الطاعة والحرب قائمة ، قُبل منه واُطلق. وإن لم يبايع ، تُرك في الحبس.

فإذا انقضت الحرب فإن تابوا وطرحوا السلاح وتركوا القتال أو ولّوا مدبرين إلى غير فئةٍ ، اُطلق. وإن ولّوا مُدبرين إلى فئة ، لم يُطلق عندنا في الحال.

وقال بعضهم : يُطلق ؛ لأنّه لا يُتبع مُدبرهم(١) . وقد بيّنّا خلافه.

وهل يجوز قتله؟ الذي يقتضيه مذهبنا : التفصيل ، فإن كان ذا فئة ، جاز قتله ، وإلّا فلا - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لأنّ في ذلك كسراً لهم.

وقال الشافعي : لا يجوز قتله(٣) ؛ لأنّ ابن مسعود قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا بن اُمّ عبد ما حكْمُ مَنْ بغى من اُمّتي؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « لا يُتبع مُدبرهم ، ولا يُجاز على جريحهم ، ولا يُقتل أسيرهم ، ولا يُقسم فيئهم »(٤) .

وهو محمول على ما إذا لم تكن له فئة.

ولو كان الأسير صبيّاً أو عبداً أو امرأةً اُطلقوا ؛ لأنّهم لا يُطالبون بالبيعة ؛ لأنّهم ليسوا من أهل الجهاد ، وإنّما يُبايعون على الإسلام خاصّة.

وقال بعضهم : يُحبسون كالرجال ؛ لأنّ فيه كسْرَ قلوبهم(٥) .

____________________

(١) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٩١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٢٧٨.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ١٤٠ - ١٤١ ، المغني ١٠ : ٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦١٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٩١ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٨ ، المغني ١٠ : ٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧.

(٤) سنن البيهقي ٨ : ١٨٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢١٩ ، المغني ١٠ : ٦٠ - ٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧ - ٥٨.

(٥) الحاوي الكبير ١٣ : ١٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٩١ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٩.

٤٢٤

وكذا الزَّمن والشيخ الفاني.

ولو أسر كلٌّ من الفريقين اُسارى من الآخر ، جاز فداء اُسارى أهل العدل باُسارى أهل البغي.

ولو امتنع أهل البغي من المفاداة وحبسوهم ، جاز لأهل العدل حبس مَنْ معهم ؛ توصّلاً إلى تخليص اُساراهم.

وقال بعض العامّة : لا يجوز ؛ لأنّ الذنب في حبس اُسارى أهل العدل لغيرهم(١) .

ولو قتل أهل البغي اُسارى أهل العدل ، لم يجز لأهل العدل قتل اُساراهم إذا لم تكن لهم فئة ؛ لأنّهم لا يُقتلون بجناية غيرهم.

مسألة ٢٥١ : أموال أهل البغي ، التي لم يحوها العسكر لا تخرج عن ملكهم ، ولا تجوز قسمتها(٢) بحالٍ.

أمّا ما حواه العسكر من السلاح والكراع والدوابّ والأثاث وغير ذلك : فللشيخ قولان :

أحدهما : أنّها تقسّم بين أهل العدل ، وتكون غنيمةً ، كأموال المشركين ، للفارس سهمان ، وللراجل سهم ، ولذي الأفراس ثلاثة(٣) . وبه قال ابن الجنيد.

والثاني : أنّه لا تحلّ قسمتها ، بل هي باقية على ملكهم لا تجوز قسمتها ولا استغنامها(٤) ، وبه قال السيّد المرتضى(٥) وابن إدريس(٦) وكافّة‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٦٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : قسمته. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) النهاية : ٢٩٧.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٦٦.

(٥) مسائل الناصريّات : ٤٤٣ ، المسألة ٢٠٦.

(٦) السرائر : ١٥٩.

٤٢٥

العلماء ؛ لما رواه العامّة عن أبي أمامة ، قال : شهدت صفّين وكانوا لا يجيزون(١) على جريح ، ولا يقتلون مُولّياً ، ولا يسلبون قتيلاً(٢) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ولا يقسم فيئهم »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول مروان بن الحكم : لـمّا هزمنا عليّ -عليه‌السلام - بالبصرة ردّ على الناس أموالهم ، مَنْ أقام بيّنةً أعطاه ، ومَنْ لم يُقمْ بيّنةً أحلفه. قال : فقال له قائل : يا أمير المؤمنين اقسم الفي‌ء بيننا والسبي. [ قال : ](٤) فلمـّا أكثروا عليه قال : « أيّكم يأخذ اُمّ المؤمنين في سهمه؟ » فكفّوا(٥) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « كان في قتال عليّعليه‌السلام على أهل القبلة بركة ، ولو لم يقاتلهم عليّ لم يَدْر أحدٌ بعده كيف يسير فيهم »(٦) .

احتجّ الشيخرحمه‌الله : بسيرة عليّعليه‌السلام ، ولأنّهم أهل قتال فحلّت أموالهم ، كأهل الحرب.

والسيرة معارضة بمثلها ، والفرق ما تقدّم.

ولا استبعاد في الجمع بين القولين وتصديق نَقَلة السيرتين ، فيقال بالقسمة للأموال إذا كان لهم فئة يرجعون إليها إضعافاً لهم وحسماً لمادّة‌

____________________

(١) في « ك » والشرح الكبير : لا يجهزون.

(٢) سنن البيهقي ٨ : ١٨٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢١٩ ، المغني ١٠ : ٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧.

(٣) سنن البيهقي ٨ : ١٨٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢١٩ ، المغني ١٠ : ٦٠ - ٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧ - ٥٨.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٦ : ١٥٥ / ٢٧٣.

(٦) التهذيب ٦ : ١٤٥ / ٢٥٠.

٤٢٦

فسادهم ، وبعدمها فيما إذا لم تكن لهم فئة ؛ لحصول الغرض فيهم من تفريق كلمتهم وتبدّد شَمْلهم. وهذا هو الذي أعتمده.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يجوز سبي ذراري الفريقين من أهل البغي ولا تملّك نسائهم بلا خلاف بين الاُمّة في ذلك.

ولا يجوز لأهل العدل الانتفاع بكراع أهل البغي ولا بسلاحهم بحالٍ ، إلّا في حال الضرورة ، كما لو خاف بعض أهل العدل على نفسه ، وذهب سلاحه ، فإنّه يجوز أن يدفع عن نفسه بسلاحهم. وكذا يركب دوابّهم مع الحاجة ، وهذا في الموضع الذي منعنا من قسمة أموالهم فيه ، أمّا في غيره فالجواز أظهر.

مسألة ٢٥٢ : لو غلب أهل البغي على بلدٍ فأخذوا الصدقات والجزية والخراج ، لم يقع ذلك موقعه ، لكن للإمام أن يجيز ذلك ؛ لأنّهم أخذوه ظلماً وعدواناً ، فلا يتعيّن في إبراء ذمّتهم ، كما لو غصبوهم مالاً غير الجزية والصدقات.

وقال الشافعي وأبو ثور من أصحاب الرأي(١) : يقع ذلك موقعه ، فإذا ظهر أهل العدل بعد ذلك عليه ، لم يكن لهم مطالبتهم بإعادة ذلك ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام لمـّا ظهر على البصرة ، لم يطالب بشي‌ء ممّا جبوه(٢) .

ولا حجّة فيه ؛ لما بيّنّا من أنّ للإمام إجازة ذلك ؛ للمشقّة الحاصلة من تكليف إعادة ذلك من الناس خصوصاً إذا أقاموا في البلد سنين متطاولة.

____________________

(١) كذا ، وفي المغني والشرح الكبير : وأبو ثور وأصحاب الرأي.

(٢) مختصر المزني : ٢٥٨ ، الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢١ ، الوجيز ٢ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٣ - ٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٤ ، المغني ١٠ : ٦٦ - ٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧١.

٤٢٧

وأمّا الحدود إذا أقاموها : قال الشيخ : لا تعاد عليهم مرّة اُخرى ؛ للمشقّة(١) .

مسألة ٢٥٣ : إذا زالت يد أهل البغي عن البلد وملكه أهل العدل فطالَبَهم العادلُ‌ بالصدقات فذكروا أنّهم استوفوا منهم ، فإن لم يجز الإمام ذلك ، طالَبهم به مرّةً ثانية وإن أجازه ، فالأقرب : قبول قولهم بغير بيّنة ؛ لأنّ ربّ المال إذا ادّعى إخراج زكاته ، قُبلت دعواه بغير بيّنة.

وهل يحتاج إلى اليمين؟ قال بعض الشافعيّة : نعم(٢) ، لأنّه مدّع ، فلا تقبل دعواه بغير بيّنة ، لكن لمـّا تعسّر إثبات البيّنة ، افتقر إلى اليمين ، فإن نكل ، اُخذت الزكاة ، لا بمجرّد النكول ، بل بظاهر الوجوب عليه.

أمّا لو ادّعى أداء الخراج ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يُقبل قوله ، بخلاف الزكاة ؛ لأنّها تجب على سبيل المواساة ، وأداؤها عبادة ، فلهذا قُبل قوله في أدائها ، بخلاف الخراج ؛ فإنّه معاوضة ؛ لأنّه ثمن أو اُجرة ، فلا يُقبل قوله في أدائه ، كغيره من المعاوضات(٣) .

ولو ادّعى أهل الذمّة أداء الجزية إلى أهل البغي ، لم تُقبل منهم ، لكفرهم ، ولأنّها معاوضة عن المساكنة وحقن الدماء ، فلا يقبل قولهم فيه.

مسألة ٢٥٤ : أهل البغي عندنا فُسّاق وبعضهم كفّار ، فلا تُقبل شهادتهم وإن كان عدلاً في مذهبه ، لقوله تعالى :( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا ) (٤)

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٧٦.

(٢) الاُمّ ٤ : ٢٢٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢١ - ٢٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٧٧.

(٤) الحجرات : ٦.

٤٢٨

ولقوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١) .

وسواء في ذلك أن يشهد لهم أو عليهم ، وسواء كان على طريق التديّن أو لا على وجه التديّن.

وقال أبو حنيفة : تُقبل شهادتهم ، وهُمْ فُسّاق ؛ لأنّ أهل البغي بخروجهم عن طاعة الإمام والبغي قد فسقوا ولكن تُقبل شهادتهم ؛ لأنّ فسقهم من جهة الدين ، فلا تُردّ به الشهادة ، وقد قبل شهادة الكفّار بعضهم على بعض(٢) .

وأطبق الجمهور كافّة على قبول شهادتهم(٣) .

وقال أكثر العامّة : أقبل شهادته إذا كان ممّن لا يرى أنّه يشهد لصاحبه بتصديقه كالخطّابيّة ؛ فإنّهم يعتقدون تحريم الكذب والإقدام على اليمين الكاذبة ، فإذا كان لبعضهم حقٌّ على مَنْ يجحده ولا شاهد له به فذكر ذلك لبعض أهل مذهبه وحلف له أنّه صادق فيما يدّعيه ، ساغ له في مذهبه أن يشهد له بدعواه(٤) .

وعندنا لا تُقبل شهادة مَنْ خالف الحقَّ من سائر الفِرَق على ما يأتي.

وأمّا الحكم والقضاء بين الناس : فإنّه لا يجوز عندنا إلّا بإذن الإمام أو مَنْ نصبه الإمام ، فإذا نصب أهل البغي قاضياً ، لم ينفذه قضاؤه مطلقاً ، سواء‌

____________________

(١) هود : ١١٣.

(٢) المغني ١٠ : ٦٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢ ، الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٦.

(٣) المغني ١٠ : ٦٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢ ، الوجيز ٢ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٢ ، مختصر المزني : ٢٥٨ ، الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٣.

(٤) اُنظر : الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٦ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٢ ، و ١٣ : ١٣٠ - ١٣١.

٤٢٩

حكم بحقٍّ أو باطل ؛ لأنّه فاسق بمجرّد التولية ، والعدالة عندنا شرط في القضاء.

وقال أبو حنيفة : إن كان قاضيهم - الذي نصبوه - من أهل العدل ، نفذ قضاؤه ، وإن كان من أهل البغي ، لم ينفذ(١) .

وقال الشافعي : ينفذ مطلقاً ، سواء كان من أهل البغي أو من أهل العدل إذا لم يستحلّ دماء أهل العدل ولا أموالهم. وإن استحلّ ذلك ، لم ينفذ حكمه إجماعاً(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : ينفذ قضاء أهل البغي مطلقاً رعايةً لمصلحة الرعاياً(٣) .

وقال آخرون منهم : مَنْ ولّاه صاحب الشوكة نفذ قضاؤه وإن كان جاهلاً أو فاسقاً(٤) .

ولو كتب قاضي البُغاة كتاباً ، لم يجز لأحد من القُضاة إنفاذه عندنا ، خلافاً لبعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : يستحبّ أن لا يقبل ؛ استخفافاً لهم وإهانة(٦) .

ولو كتب قاضيهم بسماع البيّنة دون الحكم المبرم ، لم يحكم به قاضينا.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٣ ، المغني ١٠ : ٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٢٠ ، الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٣ ، المغني ١٠ : ٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٢.

(٥ و ٦) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٤.

٤٣٠

وللشافعي قولان :

أحدهما كما قلنا ؛ لما فيه من معاونة أهل البغي وإقامة مناصبهم.

وأصحّهما عنده : نعم ؛ لأنّ الكتاب الذي يرد يتعلّق برعايانا ، وإذا نفذ حكم قاضيهم لمصلحة رعاياهم فلأن تُراعى مصالح رعايانا أولى(١) .

مسألة ٢٥٥ : مَنْ قُتل من أهل العدل في المعركة لا يُغسَّل ولا يُكفَّن ، ويُصلى عليه ، عندنا.

ومَنْ قُتل من أهل البغي لا يغسَّل ولا يُكفَّن ولا يُصلّى عليه ، عندنا ؛ لأنّه كافر.

وقال مالك والشافعي وأحمد : يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ، لقولهعليه‌السلام : « صلّوا على من قال : لا إله إلاّ الله »(٢) (٣) .

وليس عامّاً عندهم ؛ لخروج الشهيد عنه. ولأنّ مَنْ لم يعترف بالنبوّة مُخرَج عنه.

وقال أصحاب الرأي : إن لم تكن لهم فئة ، صُلّي عليهم. وإن كان لهم فئة ، لم يُصلّ عليهم ؛ لأنّه يجوز قتلهم في هذه الحالة ، فأشبهوا الكفّار(٤) .

وقال أحمد : لا يصلّى على الخوارج ، كالشهيد(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٧٤ ، منهاج الطالبين : ٢٩١.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٥٦ / ٣ و ٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢ : ٤٤٧ / ١٣٦٢٢ ، حلية الأولياء ١٠ : ٣٢٠.

(٣) المغني ١٠ : ٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١ ، الوجيز ١ : ٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٢ : ٤٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٤٢ ، المجموع ٥ : ٢٦٧ ، روضة الطالبين ١ : ٦٣٤.

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١.

٤٣١

وقال مالك : لا يصلّى على الأباضيّة ولا القدريّة وسائر [ أهل ](١) الأهواء(٢) .

مسألة ٢٥٦ : إذا فعل أهل البغي حال امتناعهم ما يوجب الحدّ ، اُقيم عليهم مع القدرة - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وابن المنذر(٣) - لعموم الآيات والأحاديث الدالّة على وجوب الحدّ مطلقاً.

وقال أصحاب الرأي : إذا امتنعوا بدار الحرب ، لم يجب الحدّ عليهم ولا على مَنْ عندهم من تاجر أو أسير ؛ لأنّهم خرجوا عن دار الإمام ، فأشبهوا أهل دار الحرب(٤) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل إن كان مسلماً ، فإنّا نوجب عليه الحدّ لكن تكره إقامته في دار الحرب ، فإذا جاء إلى دار الإسلام ، اُقيم عليه.

ولأنّ كلّ موضع تجب فيه العبادات في أوقاتها تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها ، كدار العدل.

مسألة ٢٥٧ : يجوز للعادل قصد الباغي بالقتل ؛ لأنّه محكوم بكفره ، فجاز قصده بالقتل ، كالحربيّ ، خلافاً لبعض العامّة ؛ حيث منعوا منه ، بل يقصد دفعهم وتفريق جمعهم(٥) .

قال ابن الجنيد : لا يستحبّ أن يبدأ والي المسلمين أهل البغي بحربٍ وإن كان قد استحقّوا بفعلهم المتقدّم القتلَ ، إلّا أن يبدؤونا هُمْ بالقتال ؛

____________________

(١) أضفناها من الشرح الكبير ، وكما في منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٩٩٠ ، وفي المغني : أصحاب الأهواء.

(٢) المدوّنة الكبرى ١ : ١٨٢ ، المغني ١٠ : ٦٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١.

(٣) المغني ١٠ : ٦٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦١٨.

(٤) المغني ١٠ : ٦٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٨٩.

٤٣٢

لجواز حدوث إرادة التوبة ، فإنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول في كلّ موطن : « لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فإنّكم بحمد الله على حجّة وترككم إيّاهم حتى يبدؤوكم حجّة اُخرى »(١) .

قال : ولا يستحبّ بيات أحد من أهل البغي ولا قتاله غيلة ولا على غرّة حتى يبدروا ، وقد وصّى أمير المؤمنينعليه‌السلام الأشتر بذلك(٢) .

قال الشيخرحمه‌الله : يكره للعادل القصد إلى أبيه الباغي أو ذي رحمه(٣) . وهو قول أكثر العلماء(٤) ؛ لقوله تعالى :( وَإِنْ جاهَداكَ ) (٥) الآية.

ولأنّ أبا بكر أراد قَتْل ابنه(٦) يوم أحد ، فنهاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، وقال : « دعه ليلي قتله غيرك »(٧) .

وقال بعض العامّة : لا يكره :؛ لأنّه قتل بحقّ ، فأشبه إقامة الحدود(٨) .

والفرق : بإمكان الرجوع هنا ، بخلاف استيفاء الحدّ ، فإنّه يجب وإن تاب.

إذا عرفت هذا ، فإن خالف وقَتَله ، كان جائزاً ؛ لأنه مباح الدم ، فجاز‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٣٨ / ٣.

(٢) شرح نهج البلاغة - لابن ميثم البحراني - ٤ : ٣٨١ - ٣٨٢.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٧٨.

(٤) المغني ١٠ : ٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢ ، مختصر المزني : ٢٥٨ ، الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٢٨٢.

(٥) لقمان : ١٥.

(٦) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة وكذا في المبسوط للطوسي : أبيه. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من المغازي للواقدي ، والكامل في التاريخ ، والحاوي الكبير.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٧٩ ، المغازي - للواقدي - ١ : ٢٥٧ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٥٦ ، الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٨ ، وليس فيما عدا المبسوط مقالة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٨) المغني ١٠ : ٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢.

٤٣٣

قَتْله ، كالكافر.

ولا يمنع العادل(١) من ميراثه - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لأنّه قَتَله بحقٍّ ، فأشبه القصاص.

وقال الشافعي : لا يرثه - وعن أحمد روايتان - لعموم قولهعليه‌السلام : « ليس لقاتل شي‌ء »(٣) (٤) .

والمراد ظلماً ؛ لأنّ القاتل حدّاً أو قصاصاً يرث إجماعاً.

ولو قتل الباغي العادلَ ، مُنع من الميراث - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لأنّه قَتَله بغير حقٍّ ، فلا يرثه ، كالعمد.

وقال أبو حنيفة : لا يُمنع من الميراث ؛ لأنّه قَتَله بتأويلٍ ، فأشبه قتل العادل الباغي(٦) .

والفرق : بأنّ العادل قتل الباغي بحقٍّ ، بخلاف العكس.

مسألة ٢٥٨ : مَنْ سبَّ الله تعالى أو أحداً من أنبيائه أو ملائكته أو الإمام ، وجب قَتْله ، عندنا ؛ لأنّه كافر بذلك. وقال الجمهور : يستتاب ويُعزَّر. وسيأتي البحث فيه.

____________________

(١) بهامش « ك » : القاتل. خ ل.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٤٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ١٣١ ، الحاوي الكبير ١٣ : ١٣٩ ، المغني ١٠ : ٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٣.

(٣) الموطّأ ٢ : ٨٦٧ / ١٠ ، سنن الدار قطني ٤ : ٩٥ - ٩٦ / ٨٤ ، سنن البيهقي ٨ : ٣٨ ، مسند أحمد ١ : ٨٠ / ٣٤٩ و ٣٥٠.

(٤) الحاوي الكبير ١٣ : ١٤٠ ، المغني ١٠ : ٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٣.

(٥) مختصر المزني : ٢٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣ ، المغني ١٠ : ٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٣.

(٦) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ١٣١ - ١٣٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٢ ، المغني ١٠ : ٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٣.

٤٣٤

وأمّا الردّة : فهي الخروج عن الملّة بالكفر ، فمانع الزكاة ليس بمرتدٍّ ، ويجب قتاله حتى يدفع الزكاة ، فإن دَفَعها ، وإلّا قُتل.

ولو منعها مستحلّاً للمنع ، كان مرتدّاً. وكذا كلّ مَن اعتقد عدم وجوب ما عُلم من الدين ثبوته بالضرورة.

وقال بعض العامّة : إنّ مانع الزكاة مرتدّ وإن كان مسلما(١) . وليس بمعتمد.

فإذا أتلف المرتدّ مالاً أو نفساً حال ردّته ، ضمن ، سواء تحيّز به وصار في منْعةٍ أو لا ؛ لقوله تعالى :( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (٢) .

وما رواه العامّة عن أبي بكر أنّه قال لأهل الردّة حين رجعوا : تردّون علينا ما أخذتم منّا ، ولا نردّ عليكم ما أخذنا منكم ، وأن تدوا قَتْلانا ، ولا ندي قَتْلاكم ، قالوا : نعم(٣) .

وقال الشافعي : لا ضمان عليه - وبه قال أحمد في الأنفس ، وقال في الأموال بقولنا - لأنّ تضمينهم يؤدّي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الإسلام ، فأشبهوا أهل البغي(٤) .

ونمنع الحكم في الأصل ، ولأنّه يؤدّي إلى كثرة الفساد.

ولو قصد رجل رجلاً أو امرأةً ، يريد نفسه أو ماله أو حريمه أو الفساد به ، فله أن يقاتله ويدفعه عن نفسه بأقّل ما يمكنه دفعه به إجماعاً وإن أتى ذلك على نفسه ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ قُتل دون ماله فهو شهيد »(٥) .

____________________

(١) اُنظر : المغني ٢ : ٤٣٥.

(٢) البقرة : ١٩٤.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٠.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٧٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٦١ / ٢٥٨٠ ، سنن الترمذي ٤ : =

٤٣٥

والأقوى عندي : أنّه إن ظنّ التلف ، وجب دفع المال والتوقّي به.

ولو قُتل القاصد ، لم يجب على القاتل قِوَدٌ ولا دية ولا كفّارة.

وهل يجب عليه أن يدفع عن نفسه؟ الحقّ عندنا ذلك ؛ لقوله تعالى :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (١) وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

والثاني : لا يجب ؛ لأنّ عثمان بن عفّان استسلم للقتال مع القدرة على الدفع(٣) .

والثانية ممنوعة ، مع أنّ فعله ليس حجّةً.

أمّا المال فلا يجب الدفاع عنه.

والمرأة والصبي يجب عليهما الدفاع عن فرجهما ؛ لأنّ التمكين منهما محرَّم ، وفي ترك الدفع نوع تمكين.

ثمّ المدافع عن نفسه وماله وفرجه إن أمكنه التخلّص بالهرب ، وجب - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّه أسهل طريقٍ إلى الدفع.

والثاني : لا يلزمه ؛ لأنّ إقامته في مكانه مباح له ، فلا يلزمه أن ينصرف عنه لأجل غيره(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ في الانصراف حفظَ النفس ، فوجب.

وكذا المضطرّ إلى أكل ميتة أو نجاسة أو شُرْب نجسٍ يجب عليه‌

____________________

= ٢٨ / ١٤١٨ ، و ٢٩ / ١٤١٩ ، سنن النسائي ٧ : ١١٥ - ١١٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، و ٨ : ١٨٧ ، ٣٣٥ ، مسند أحمد ١ : ١٢٧ / ٥٩١.

(١) البقرة : ١٩٥.

(٢ و ٣) الحاوي الكبير ١٣ : ٤٥٥ - ٤٥٦ ، الوجيز ٢ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣١٤ - ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٣٩٣.

(٤ و ٥) الوجيز ٢ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٣٩٣.

٤٣٦

تناوله لحفظ الرمق. وهو أحد وجهي الشافعي(١) .

والثاني : لا يجب ؛ لأنّه يتوقّى النجاسة(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ النجاسة حكم شرعي وقد عُفي عنه ، فلا يتلف نفسه لذلك.

____________________

(١ و ٢) الوجيز ٢ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ١٥٨ - ١٥٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٥٤٨ - ٥٤٩.

٤٣٧

الفصل السابع : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‌

مقدّمة : الأمر طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء ، والنهي نقيضه. ولا يشترط العلوّ. والمعروف هو الفعل الحسن المختصّ بوصف زائد على حسنه إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه. والمنكر هو الفعل القبيح إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه.

والحسن ما للقادر عليه المتمكّن منه ومن العلم بحُسْنه أن يفعله ، وأيضاً ما لم يكن على صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ. والقبيح هو الذي ليس للمتمكّن منه ومن العلم بقبحه أن يفعله ، أو الذي على صفة لها تأثير في استحقاق الذمّ.

والحسن شامل للمباح والمندوب والواجب والمكروه ، والقبيح هو الحرام ، وقد يُطلق في العرفِ الحسنُ على مالَه مدخلٌ في استحقاق المدح ، فيتناول الواجب والمندوب خاصّة.

مسألة ٢٥٩ : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضلٌ عظيم وثوابٌ جزيل.

قال الله تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

٤٣٨

وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (١) وقال تعالى :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ * كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ) (٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ رجلاً من خَثْعم جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال : الإيمان بالله ، قال : ثمّ ما ذا؟ قال : صلة الرحم ، قال : ثمّ ما ذا؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : فقال الرجل : فأيّ الأعمال أبغض إلى الله عزّ وجلّ؟ قال : الشرك بالله ، قال : ثم ما ذا؟ قال : قطيعة الرحم ، قال : ثمّ ما ذا؟ قال : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(٣) »(٤) .

وقد حذّر الله تعالى في كتابه عن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (٥) الآية ، وقوله تعالى :( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ) (٦) .

وقال أبو الحسنعليه‌السلام : « لتأمرنّ(٧) بالمعروف ولتنهنّ(٨) عن المنكر أو‌

____________________

(١) آل عمران : ١١٠.

(٢) المائدة : ٧٨ و ٧٩.

(٣) في المصدر : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

(٤) الكافي ٥ : ٥٨ / ٩ ، التهذيب ٦ : ١٧٦ / ٣٥٥.

(٥) المائدة : ٧٨.

(٦) النساء : ١١٤.

(٧ و ٨) في التهذيب : « لتأمرون ولتنهون ».

٤٣٩

ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم »(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ما قدست اُمّة لم تأخذ(٣) لضعيفها من قويّها بحقّه غير مضيع(٤) »(٥) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء »(٦) .

وقال الصادقعليه‌السلام لقوم من أصحابه : « إنّه قد حقّ لي أن آخذ البري‌ء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحقّ لي ذلك!؟ وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يتركه »(٧) .

مسألة ٢٦٠ : المعروف قسمان : واجب وندب ، فالأمر بالواجب واجبٌ ، وبالمندوب ندبٌ. وأمّا المنكر فكلّه حرام ، فالنهي عنه واجب ، ولا خلاف في ذلك.

____________________

(١) الكافي ٥ : ٥٦ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٧٦ / ٣٥٢.

(٢) الكافي ٥ : ٥٦ - ٥٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٧٦ / ٣٥٣ ، وفيهما عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام .

(٣) في الكافي : لم يؤخذ.

(٤) كذا ، وفي الكافي : متعتع. وفي التهذيب : متضع.

(٥) الكافي ٥ : ٥٦ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٨٠ / ٣٧١.

(٦) التهذيب ٦ : ١٨١ / ٣٧٣ ، وفيه : « على البرّ والتقوى ».

(٧) التهذيب ٦ : ١٨١ - ١٨٢ / ٣٧٥.

٤٤٠