تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء4%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 318933 / تحميل: 5221
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

المؤمنينعليه‌السلام : فإنّه بغى عليك ولو بارزته لقتلته ، ولو بغى جبل على جبل لهُدّ الباغي »(١) .

مسألة ٣٩ : ينبغي للمسلم أن لا يطلب المبارزة إلّا بإذن الإمام إذا أمكن‌ - وبه قال الثوري وإسحاق وأحمد(٢) - لأنّ الامام أعرف بفرسانه وفرسان المشركين ومَنْ يصلح للمبارزة ومَنْ لا يصلح ومَنْ يكون قرناً للكافر ومَنْ لا يكون ، فربما تضرّر المسلمون. بكسر قلوبهم عند عجز صاحبهم ، فينبغي تفويضه إلى الإمام ليختار للمبارزة مَنْ يرتضيه لها ، فيكون أحفظ لقلوب المسلمين وكسر قلوب الكفّار.

ولأنّ عليّاًعليه‌السلام وحمزة وعبيدة استأذنوا النبيعليه‌السلام يوم بَدْر ، رواه العامّة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام سُئل عن المبارزة بين الصفّين بغير إذن الإمام ، قال: « لا بأس بذلك ، ولكن لا يطلب ذلك إلّا بإذن الإمام »(٤) .

ورخّص فيها مطلقاً من غير إذن الإمامِ مالك والشافعي وابن المنذر ؛ لأنّ أبا قتادة قال : بارزت رجلاً يوم خيبر(٥) فقتلته. ولم يُعلم أنّه استأذن النبيعليه‌السلام (٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ٣٤ - ٣٥ / ٢ بتفاوت يسير.

(٢ و ٣) المغني ١٠ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٧.

(٤) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٣.

(٥) في الشرح الكبير : « حنين » بدل « خيبر ».

(٦) المغني ١٠ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٨ ، الوجيز ٢ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٦ و ٤٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٨ ، معالم السنن - للخطّابي - ٤ : ١١ ، الجامع لأحكام القرآن ٣ : ٢٥٨.

٨١

وهي حكاية حال لا عموم لها. ولاحتمال أن يكون المشرك سأل المبارزة ، لا أنّ أبا قتادة طلبها.

ويؤيّده : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ الحسن بن عليعليهما‌السلام دعا رجلاً إلى المبارزة ، فعلم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال له : لئن عدت إلى مثلها لاُعاقبنّك ، ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنّك ، أما علمت أنّه بغى »(١) .

وقد ظهر من هذا أنّ طلب المبارزة ممنوع منه بغير إذن الإمام ، وفعلها سائغ من دون إذنه.

مسألة ٤٠ : إذا خرج عِلْجٌ(٢) يطلب البراز ، استحبّ لمن فيه قوّة ( أن يبارزه )(٣) بإذن الإمام ، وينبغي للإمام أن يأذن له في ذلك ؛ لأنّ في تركه ضعف قلوب المسلمين واجتراء المشركين ، وفي الخروج ردّ عن المسلمين وإظهار قوّتهم وشجاعتهم.

فانقسمت(٤) أربعة أقسام :

الأوّل : أن تكون واجبةً ، وهي ما إذا ألزم الإمام بها.

الثاني : أن تكون مستحبّةً ، وهي أن يخرج ( رجل من المشركين )(٥) فيطلب المبارزة ، فيستحبّ ( لمن فيه قوّة )(٦) من المسلمين الخروج إليه.

الثالث : أن تكون مكروهةً ، وهي أن يخرج الضعيف من المسلمين‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ٣٤ - ٣٥ / ٢ : « الحسين بن عليعليهما‌السلام ».

(٢) العِلْج : الرجل القويّ الضخم من الكفّار. لسان العرب ٢ : ٣٢٦ « علج ».

(٣) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : مبارزته.

(٤) أي : المبارزة.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ك» : المشرك.

(٦) بدل ما بين القوسين في « ق » : لذي القوّة.

٨٢

الذي لا يعلم من نفسه المقاومة.

الرابع : أن تكون مباحةً ، وهي أن يخرج ابتداءً فيبارز.

مسألة ٤١ : إذا خرج المشرك وطلب المبارزة ، جاز لكلّ أحد رميه وقتله ؛ لأنّه مشرك لا أمان له ولا عهد إلّا أن تكون العادة بينهم جارية أنّ مَنْ خرج يطلب المبارزة لا يتعرّض له ، فيجري مجرى الشرط ، فإن خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه ، وجب الوفاء له بالشرط ، لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

فإن انهزم المسلم تاركاً للقتال أو مثخناً بالجراح ، جاز قتاله ؛ لأنّ المسلم إذا صار إلى هذه الحالة فقد انقضى القتال ، والمشرك شرط الأمان ما دام في القتال وقد زال.

ولو شرط المشرك أن لا يقاتل حتى يرجع إلى صفّه ، وجب الوفاء له إلّا أن يترك المسلم قتاله أو يثخنه بالجراح فيرجع فيتبعه فيقتله ، أو يخشى عليه منه فيمنع ويدفع عن المسلم ويقاتل إن امتنع من الكفّ عنه إلّا بالقتال ؛ لأنّه نقض الشرط وأبطل أمانه بمنعهم من تخليصه.

ولو أعان المشركون صاحبَهم ، كان على المسلمين إعانةُ صاحبهم ، ويقاتلون مَنْ أعان عليه ، ولا يقاتلونه ؛ لأنّ النقض ليس من جهته.

وإن كان قد شرط أن لا يقاتله غير مبارزه ، وجب الوفاء له. فإن استنجد أصحابَه فأعانوه ، فقد نقض أمانه ، ويقاتل معهم. ولو منعهم فلم يمتنعوا ، فأمانُه باقٍ ، فلا يجوز قتاله ولكن يقاتل أصحابه.

هذا إذا أعانوه بغير قوله ، ولو سكت ولم ينههم عن إعانته ، فقد‌

____________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٩ ، التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥.

٨٣

نقض أمانه ؛ لأنّ سكوته يدلّ على الرضى بذلك ، أمّا لو استنجدهم ، فإنّه يجوز قتاله مطلقاً.

ولو طلب المشرك المبارزة ولم يشترط(١) ، جاز معونة قرنه. ولو شرط أن لا يقاتله غيره ، وجب الوفاء له. فإن فرّ المسلم وطلبه(٢) الحربي ، جاز دفعه ، سواء فرّ المسلم مختاراً أو لإثخانه بالجراح.

ويجوز لهم معاونة المسلم مع إثخانه.

وقال الأوزاعي : ليس لهم ذلك(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام وحمزة أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين أثخن عبيدة(٤) .

ولو لم يطلبه المشرك ، لم تجز محاربته ؛ لأنّه لم ينقض شرطاً.

وقيل : يجوز قتاله ما لم يشترط(٥) الأمان حتى يعود إلى فئته(٦) .

مسألة ٤٢ : تجوز المخادعة في الحرب وأن يخدع المبارز قرنه ليتوصّل بذلك إلى قتله إجماعاً.

روى العامّة أنّ عمرو بن عبد وُدّ بارز عليّاًعليه‌السلام ، فقال : ما اُحبّ ذلك يا بن أخي ، فقال عليعليه‌السلام : « لكنّي أحبّ أن أقتلك » فغضب عمرو وأقبل إليه ، فقال عليعليه‌السلام : « ما برزت لأقاتل اثنين » فالتفت عمرو ، فوثب عليعليه‌السلام فضربه ، فقال عمرو : خدعتني ، فقال عليعليه‌السلام : « الحرب خدعة »(٧) .

____________________

(١) في « ق » : ولم يشرط.

(٢) في « ق » : فطلبه.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٣٨٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٠.

(٥) في « ق » : لم يشرط.

(٦) كما في شرائع الإسلام ١ : ٣١٣.

(٧) تاريخ الطبري ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٠.

٨٤

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يقول : لئن تخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أقول على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يقل ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحرب خدعة»(١) .

مسألة ٤٣ : يكره تبييت العدوّ ليلاً ، وإنّما يلاقون بالنهار ، إلّا مع الحاجة إلى التبييت فيبيّتهم.

ويستحبّ أن يلاقوا بالنهار ، ويبدأ بالقتال بعد الزوال ، ويكره قبله إلّا مع الحاجة.

ويكره أن يعرقب الدابّة ، وإن وقفت به ، ذبحها ولا يعرقبها.

وأمّا نقل رؤوس المشركين إلى بلاد الإسلام : فإن اشتمل على نكاية في الكفّار ، لم يكن مكروها. وكذا إن اُريد معرفة المسلمين بموته ؛ فإنّ أبا جهل لمـّا قتل حمل رأسه(٢) . وإن لم يكن كذلك ، كان مكروهاً ؛ لأنّه لم ينقل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأس كافر قطّ.

وللشافعي وجهان : الكراهة وعدمها(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٩٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٨ - ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٠.

٨٥

الفصل الثالث

في الأمان‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في تعريفه وتسويغه.

عقد الأمان ترك القتال إجابةً لسؤال الكفّار بالإمهال ، وهو جائز إجماعاً.

قال الله تعالى :( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمَّن المشركين يوم الحديبيّة ، وعقد معهم الصلح(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت : ما معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يسعى بذمّتهم أدناهم »؟ قال « لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا(٣) قوماً من المشركين فأشرب رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم فاُناظره(٤) ، فأعطاه الأمان أدناهم ، وجب على أفضلهم الوفاء به »(٥) .

____________________

(١) التوبة : ٦.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤٠٩ / ١٧٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٣٨ - ١٣٩ / ٦٥٨ و ٥٦٣ - ٥٦٤ / ٣١٧٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حاصر ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في النسخ الخطّية والحجريّة : « فأنظره ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ٣٠ - ٣١ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٤.

٨٦

ولا خلاف بين المسلمين في ذلك.

مسألة ٤٤ : إنّما يجوز عقد الأمان مع اعتبار المصلحة ، فلو اقتضت المصلحة ترك الأمان وأن لا يجابوا إليه ، لم يفعل ؛ لأنّه مصلحة في بعض الأحوال ومكيدة من مكايد القتال في المبارزة ، فإذا لم تكن مصلحة ، لم يجز فعله ، وسواء في ذلك عقد الأمان لمشرك واحد أو لجماعة كثيرة ، فإنّه جائز مع المصلحة إجماعاً.

ومَنْ طلب الأمان من الكفّار ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام ، وجب أن يعطى أماناً ثم يردّ إلى مأمنه ؛ للآية(١) .

ويجوز أن يعقد الأمان لرسول المشركين وللمستأمن ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يؤمن رُسُل المشركين(٢) . ولأنّ الحاجة تدعو إلى المراسلة ، ولو قَتَلوا رسلهم لقتلوا رُسُلَنا فتفوت المصلحة.

ولا تقدّر مدّة العقد لهما بقدر ، بل يجوز مطلقاً ومقيّداً بزمان طويل أو قصير نظراً إلى المصلحة.

البحث الثاني : في العاقد.

مسألة ٤٥ : يجوز للإمام عقد الصلح إجماعاً ؛ لأنّ أمور الحرب موكولة إليه كما كانت موكولة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن رأى المصلحة في عقده لواحد ، فَعَل ، وكذا لأهل حصن أو قرية أو بلد أو إقليم ولجميع الكفّار بحسب المصلحة ؛ لعموم ولايته ، ولا نعلم فيه خلافا.

____________________

(١) التوبة : ٦.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٨٣ - ٨٤ / ٢٧٦١ و ٢٧٦٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٢١١ ، المغني ١٠ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.

٨٧

وأمّا نائبه : فإن كانت ولايته عامّة ، كان له ذلك أيضا ، وإن لم تكن عامّة ، جاز عقد أمانه لجميع من في ولايته ولآحادهم ، وأمّا غير ولايته : فحكمه حكم آحاد الرعايا.

وأمّا آحاد الرعية : فيصحّ أمان الواحد منهم للواحد من المشركين وللعدد اليسير ، كالعشرة والقافلة القليلة والحصن الصغير ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : « ويسعى بذمّتهم أدناهم »(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أجاز أمان عبدٍ مملوك لأهل حصن ، وقال : هو من المؤمنين »(٢) .

ولأنّ علّة تسويغه للواحد - وهو استمالته إلى الإسلام مع الأمن منه - موجود في العدد اليسير.

أمّا العدد الكثير من المشركين فإنّه موكول إلى الإمام خاصّة ؛ لأنّ في تسويغه للواحد من المسلمين تعطيلاً للجهاد على الإمام وتقويةً للكفّار.

مسألة ٤٦ : يصحّ عقد الأمان من الحُرّ والعبد المأذون له في الجهاد وغير المأذون ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أكثر العلماء والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ، وهو مروي عن عليعليه‌السلام ، وعن عمر(٣) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٤ : ١٨٠ - ١٨١ / ٤٥٣٠ ، سنن النسائي ٨ : ١٩ - ٢٠ و ٢٤ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٣١ / ١٥٥ ، سنن البيهقي ٨ : ٢٩ ، و ٣٠ ، و ٩ : ٩٤ ، مسند أحمد ١ : ١٩١ / ٩٦٢ ، الكافي ٥ : ٣٠ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٥.

(٢) الكافي ٥ : ٣١ / ٢ ، التهذيب : ١٤٠ / ٢٣٥.

(٣) المغني ١٠ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ ، الاُمّ ٤ : ٢٨٤ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٠.

٨٨

فمَنْ أخفر(١) مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يُقبل منه صرف ولا عدل »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن وقال : هو من المؤمنين »(٣) .

ولأنّه مسلم مكلّف غير متّهم في حقّ المسلمين ، فصحّ أمانه ، كالحُرّ.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يصحّ أمان العبد إلّا أن يكون مأذوناً له في القتال ، لأنّه لا يجب عليه الجهاد ، فلا يصحّ أمانه ، كالصبي(٤) .

وينتقض بالمرأة والمأذون له.

مسألة ٤٧ : يصحّ أمان المرأة إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجاز أمان اُمّ هاني ، وقال : « إنّما يجير على المسلمين أدناهم »(٥) .

وأمّا المجنون فلا ينعقد أمانه ؛ لرفع القلم عنه.

وكذا الصبي لا ينعقد أمانه وإن كان مميّزاً مراهقاً - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٦) - لرفع القلم عنه.

____________________

(١) الخُفارة : الذمام. وأخفرت الرجل : إذا نقضت عهده وذمامه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٥٢ « خفر ».

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٢٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٩٩ / ٤٧٠ ، سنن البيهقي ٩ : ٩٤ ، المغني ١٠ : ٤٢٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٥.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٠ ، المغني ١٠ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٣.

(٥) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٣٤ / ٢٦١٢ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦.

(٦) الاُمّ ٤ : ٢٨٤ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٦ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٧ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٣.

٨٩

وقال مالك وأحمد : يصحّ أمان المراهق(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : « إنّما يجير على المسلمين أدناهم»(٢) .

وليس حجّةً ؛ لعدم إسلامه حقيقةً وإنّما هو تمرين.

وأمّا المكره فلا ينعقد أمانه إجماعاً ، وكذا مَنْ زال عقله بنوم أو سكر أو إغماء أو غير ذلك ؛ لعدم معرفته بمصلحة المسلمين ، فأشبه المجنون.

وأمّا الكافر فلا ينعقد أمانه وإن كان ذمّيّاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم »(٣) فجَعَل الذمّة للمسلمين. ولأنّه متّهم على المسلمين.

وأمّا الأسير من المسلمين فإذا عقد أماناً باختياره ، نفذ ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) . وكذا يجوز أمان التاجر والأجير في دار الحرب.

وقال الثوري : لا يصحّ أمان أحد منهم(٥) . والعموم يُبطله.

والشيخ الهِمّ والسفيه ينعقد أمانهما - وبه قال الشافعي(٦) - للعموم.

مسألة ٤٨ : إذا انعقد الأمان ، وجب الوفاء به‌ على حسب ما شرط فيه من وقت وغيره ما لم يخالف المشروع بالإجماع.

قال الباقرعليه‌السلام : « ما من رجل آمَن رجلاً على ذمّة(٧) ثمّ قتله إلّا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر »(٨) .

____________________

(١) المنتقي - للباجي - ٣ : ١٧٣ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٠ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ - ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ و ٥٤٧.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٨٨ ، الهامش (٥)

(٣) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص ٨٨ ، الهامش (٢)

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٧.

(٦) الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.

(٧) في « ق ، ك» : دمه.

(٨) الكافي ٥ : ٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٦.

٩٠

ولو انعقد فاسداً ، لم يجب الوفاء به إجماعاً ، كأمان الصبي والمجنون ، وكما إذا تضمّن الذمام شرطاً لا يسوغ الوفاء به.

وفي هذه الحالات كلّها يجب ردّ الحربي إلى مأمنه ، ولا يجوز قتله ؛ لأنّه اعتقد صحّة الأمان ، وهو معذور ، لعدم علمه بأحكام الإسلام.

وكذا كلّ حربي دخل دار الإسلام بشبهة الأمان ، كمن سمع لفظاً فاعتقده أمانا ، أو صحب رفقة فتوهّمها أمانا ، أو طلبوا أمانا فقال المسلمون : لا نذمّكم ، فاعتقدوا أنّهم أذمّوهم ، فلا يجوز قتلهم ، بل يردّون إلى مأمنهم ، لقول الصادق و(١) الكاظمعليهما‌السلام : « لو أنّ قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان ، فقالوا : لا ، فظنّوا أنّهم قالوا : نعم ، فنزلوا إليهم ، كانوا آمنين »(٢) .

البحث الثالث : فيما ينعقد به الأمان.

مسألة ٤٩ : الأمان ينعقد بالعبارة والمراسلة والإشارة المفهمة والمكاتبة.

وقد ورد في الشرع للعبارة صيغتان : أجرتك ، وأمَّنتك.

قال الله تعالى :( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ ) (٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومَنْ أغلق بابه فهو آمن »(٤) .

____________________

(١) في المصدر : أو.

(٢) الكافي ٥ : ٣١ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٧.

(٣) التوبة : ٦.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٤٠٨ / ٨٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٦٢ / ٣٠٢١.

٩١

وينعقد الأمان بأي اللفظين وقع ، وبما يؤدّي معناهما ، مثل : أذممتك ، أو : أنت في ذمّة الإسلام ، سواء أدّى بالصريح أو بالكناية مع القصد بلغة العرب أو غيرها ، فلو قال بالفارسيّة : « مَتَرس » - أي : لا تخف(١) - فهو آمن.

أمّا قوله : لا بأس عليك ، أو : لا تخف ، أو : لا تذهل ، أو : لا تحزن ، وما شاكله : فإن علم من قصده الأمان ، فهو أمان(٢) ؛ لأنّ المراعي القصد لا اللفظ ، وإن لم يقصد ، لم يكن أماناً إلّا أنّهم لو سكنوا إلى ذلك ودخلوا ، لم يتعرّض لهم ويردّون إلى مأمنهم.

وكذا لو أومأ مسلم إلى مشرك بما توهّمه أماناً فأخلد إليه ودخل دار الإسلام.

ولو أشار المسلم إليهم بما يرونه أماناً وقال : أردت به الأمان ، فهو أمان ، وإن قال : لم أرد به(٣) الأمان ، فالقول قوله ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، فيرجع إليه.

ولو دخل بسفارة أو لسماع كلام الله ، لم يفتقر إلى عقد أمان ، بل ذلك القصد يؤمّنه. وقصد التجارة لا يؤمّنه وإن ظنّه أماناً.

ولو قال الوالي : أمّنت مَنْ قصد التجارة ، صحّ.

ولو خرج الكفّار من حصنهم بناءً على هذه الإشارة وتوهّمهم أنّها أمان ، لم يجز قتلهم.

ولو مات المسلم ولم يبيَّن أو غاب ، كانوا آمنين ورُدّوا إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حَرْباً.

____________________

(١) جملة : « أي لا تخف » لم ترد في « ق ، ك».

(٢) في « ك» والطبعة الحجرية : آمن.

(٣) في « ق ، ك» : « منه » بدل « به ».

٩٢

ولو قال للكافر : قِفْ ، أو : قُمْ ، أو : ألق سلاحك ، فليس أماناً ، خلافاً لبعض العامّة(١) .

وقال الأوزاعي : إن(٢) ادّعى الكافر أنّه أمان ، أو قال : إنّما وقفت لندائك ، فهو آمن ، وإن لم يدّع ذلك ، فليس أماناً(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه لفظ لا يشعر منه الأمان ولا يستعمل فيه دائماً ، فإنّه إنّما يستعمل غالباً للإرهاب والتخويف ، فيصدَّق المسلم ، فإن قال : قصدت الأمان ، فهو أمان ، وإن قال : لم اُرده ، سُئل الكافر فإن قال : اعتقدته أماناً ، رُدّ إلى مأمنه ، ولم يجز قتله ، وإن لم يعتقده ، فليس بأمان ، ولو ردّ الكافر الأمان ، ارتدّ الأمان ، وإن قَبِل صحّ ، ولا يكفي سكوته ، بل لا بدّ من قبوله ولو بالفعل.

ولو أشار عليهم مسلم في صفّ الكفّار فانحاز إلى صفّ المسلمين وتفاهما الأمان ، فهو أمان ، وإن ظنّ الكافر أنّه أراد الأمان والمسلم لم يُرده ، فلا يغتال بل يلحق بمأمنه ، ولو قال : ما فهمت الأمان ، اغتيل.

مسألة ٥٠ : يجوز الأمان بالمراسلة.

وينبغي لأمير العسكر أن يتخيّر للرسالة رجلاً مسلماً أميناً عدلاً ، ولا يكون خائناً ولا ذميّاً ولا حربيّاً مستأمناً ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٤) .

وأنكر عمر على أبي موسى الأشعري لمـّا اتّخذ كاتباً نصرانيّاً ، وقال :

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٤٩.

(٢) في « ك» والطبعة الحجرية : « لو » بدل « أن ».

(٣) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٤٩.

(٤) هود : ١١٣.

٩٣

اتّخذت بطانةً من دون المؤمنين وقد قال الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً ) (١) (٢) أي : لا يقصّرون في فساد اُموركم.

وينبغي أن يكون بصيراً بالاُمور عارفاً بمواقع أداء الرسالة.

وإذا أرسل الأمير رسولاً مسلماً فذهب الرسول إلى أمير المشركين فبلّغه الرسالة ، ثمّ قال له : إنّي اُرسل على لساني إليك الأمان ولأهل ملّتك فافتح الباب ، ثمّ ناوله كتاباً صنعه على لسان الأمير وقرأه بمحضر من المسلمين ، فلمـّا فتحوا ودخل المسلمون وشرعوا في السبي ، فقال لهم أمير المشركين : إنّ رسولكم أخبرنا(٣) أنّ أميركم أمَّننا ، وشهد اُولئك المسلمون على مقالته ، كانوا آمنين ، ولم يجز سبيهم ؛ لعسر التمييز بين الحقّ والاحتيال في حقّ المبعوث إليه ؛ إذا الاعتماد على خبره ، فيجعل كأنّه صدق بعد ما تثبت رسالته ؛ لئلّا يؤدّي إلى الغرور في حقّهم وهو حرام.

مسألة ٥١ : لو أرسل الأمير إليهم مَنْ يُخبرهم بأمانة ثمّ رجع الرسول فأخبره بأداء الرسالة ، فهُمْ آمنون‌ وإن لم يعلم المسلمون التبليغ ؛ لأنّ البناء إنّما هو على الظاهر فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته ، ولأنّ قول الرسول يحتمل الصدق ، فتثبت شبهة التبليغ.

ولو كتب مَنْ ليس برسول كتاباً فيه أمانهم وقرأه عليهم وقال : إنّي رسول الأمير إليكم ، لم يكن أماناً من جهته ؛ لأنّه ليس للواحد من‌

____________________

(١) آل عمران : ١١٨.

(٢) اُنظر : أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٣٧ ، وأحكام القرآن - للكيا الهراسي - ٢ : ٣٠٤ ، والجامع لأحكام القرآن ٤ : ١٧٩.

(٣) في « ق » : خبّرنا.

٩٤

المسلمين أن يؤمّن حصناً كبيراً ، ولا من جهة الإمام ؛ لأنّه ليس برسوله ، ولا غرور هنا ؛ لأنّ التقصير من جهتهم حيث عوّلوا على قول مجهول لم يعتضد بشهادة أحد من المسلمين.

ولو ناداهم من صفّ المسلمين مسلمٌ - وهُمْ قليلون يصحّ أمان الواحد لهم - إنّي رسول الأمير إليكم وإنّه أمَّنكم ، كان أماناً من جهته ؛ لأنّ مَنْ يملك الأمان إذا أخبر عمّن يملك الأمان ، كان أماناً صحيحاً ؛ لأنّه على تقدير صدقه يكون أماناً من جهة المخبر عنه ، وعلى تقدير كذبه يكون أماناً من جهته.

مسألة ٥٢ : إذا أمّن الإمام أو نائبه المشركين‌ ثمّ بعث ( إليهم رسولاً )(١) لينبذ إليهم ويُخبرهم نقض العهد ، فجاء الرسول وأخبر بإعلامهم ، لم يعرّض لهم حتى يعلموا ذلك بشاهدين ؛ لأنّ خبره دائر بين الصدق والكذب ، وليس بحجّة في نقض العهد ؛ لتعلّقه باستباحة السبي واستحلال الأموال والفروج والدماء ، وهو لا يثبت مع الشبهة ، بخلاف الأمان ؛ فإنّ قوله حجّة فيه ، لتعلّقه بحفظ الأموال وحراسة الأنفس وحقن الدماء ، وهو يثبت مع الشبهة.

فلو أغار المسلمون فقالوا : لم يبلغنا خبر رسولكم ، فالقول قولهم ؛ لأنّهم أنكروا نبذ الأمان ، والأصل معهم ، فيصار إلى قولهم ؛ لأنّ في وسع الإمام أن ينفذ إليهم مع الرسول شاهدين.

أمّا لو كتب الإمام إليهم نقض العهد وسيّره مع رسوله وشاهدين ، فقرأه عليهم بالعربيّة واحتاجوا إلى ترجمان يُترجم بلسانهم ، وشهد الآخران‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : رجلاً.

٩٥

عليهم ، فادّعوا أنّ الترجمان لم يُخبرهم بنقض العهد بل أخبرهم(١) بأنّ الإمام زاد في مدّة الأمان ، لم يلتفت إليهم ؛ لأنّ الإمام أتى بما في وسعه من الإخبار بالنقض والشهادة ، وإنّما التقصير من جهتهم حيث اختاروا للترجمة خائناً ، إلّا أن يعلم مَنْ حضر من المسلمين أنّ الترجمان خان فيُقبل قولهم.

ولو خاف الإمام أن يكون الرسول قد رأى عورةً للمسلمين يدلّ عليها العدوّ ، جاز له منعه من الرجوع ، وكذا يمنع التاجر لو انكشف على عورة ينبغي إخفاؤها عن المشركين ، ويجعل عليهما حرساً يحرسونهما نظراً للمسلمين ودفعاً للفتنة عنهم.

ولو خاف هربهما مع احتياجه إلى حفظهما ، جاز له أن يقيّدهما حتى تنقضي الحاجة.

ولو لم يخف الإمام منهما ، أنفذهما ، فإن خافا من اللصوص ، سيَّر معهما مَنْ يبلغهما مأمنهما ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (٢) .

ويجوز الاستئجار عليه من بيت المال ، وكذا مؤونتهما من بيت المال حال(٣) منعهما.

البحث الرابع : في وقت الأمان.

مسألة ٥٣ : وقت الأمان قبل الأسر ، فيجوز عقده لآحاد المشركين قبل الأسر إجماعاً.

وهل يجوز لآحاد المسلمين عقد الأمان بعد الأسر؟ منعه علماؤنا‌

____________________

(١) في « ق » : « أخبر » بدل « أخبرهم ».

(٢) التوبة : ٦.

(٣) في « ك» والطبعة الحجريّة : حالة.

٩٦

وأكثر أهل العلم(١) ؛ لأنّه قد ثبت للمسلمين حقّ استرقاقه ، فلا يجوز إبطاله. ولأنّ المشرك إذا وقع في الأسر ، يتخيّر الإمام فيه بين أشياء تأتي ، ومع الأمن يبطل التخيير ، فلا يجوز إبطال ذلك عليه.

وقال الأوزاعي : يصحّ عقده بعد الأسر ؛ لأنّ زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع ، فأجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمانها(٢) (٣) .

وليس حجّةً ؛ لأنّ للإمام ذلك فكيف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنزاع في آحاد المسلمين.

مسألة ٥٤ : يجوز للإمام أن يؤمّن الأسير بعد الاستيلاء عليه والأسر ؛ لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجاز أمان زينب لزوجها(٤) . ولأنّ للإمام أن يمنّ عليه فيطلقه والأمان دون ذلك(٥) ، بخلاف آحاد المسلمين.

ولو حصل الكافر في مضيق أو في حصن فلحقه المسلمون ، صحّ الأمان ؛ لأنّه بعدُ على الامتناع.

ولو أقرّ المسلم بأمان المشرك ، فإن كان في وقت يصحّ منه إنشاء الأمان ، صحّ إقراره وقُبِل منه إجماعاً ، وإن كان في وقت لا يصحّ منه إنشاؤه - كما لو أقرّ بعد الأسر - لم يُقبل قوله إلّا أن تقوم بيّنة بأمانه قبل الأسر.

ولو شهد جماعة من المسلمين أنّهم أمّنوه ، لم يقبل ؛ لأنّهم يشهدون‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ٩٥.

(٣) المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢.

(٤) سنن البيهقي ٩ : ٩٥ ، المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.

(٥) في « ق ، ك» : والأمان دليل ذلك. وفي الطبعة الحجريّة : والأمان دليل على ذلك. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٩٧

على فعلهم. وبه قال الشافعي(١) .

وقال بعض العامّة : يُقبل ؛ لأنّهم عدول من المسلمين غير متّهمين شهدوا بأمانه ، فوجب أن يُقبل ، كما لو شهدوا على غيرهم أنّه أمّنه(٢) .

أمّا لو شهد بعضهم أنّ البعض الآخر أمّنه ، قُبل.

مسألة ٥٥ : لو جاء مسلم بمشرك فادّعى أنّه أسره وادّعى الكافر أنّه أمّنه ، قدّم قول المسلم؛ لاعتضاده بأصالة إباحة دمه وعدم الأمان.

وقيل : يُقبل قول الأسير ؛ لاحتمال صدقه ، فيكون شبهةً في حقن دمه(٣) .

وقيل : يرجع إلى شاهد الحال ، فإن كان الكافر ذا قوّة ومعه سلاحه ، فالظاهر صدقه ، وإلّا فالظاهر كذبه(٤) .

ولو صدّقه المسلم ، لم يُقبل ؛ لأنّه لا يقدر على أمانه ولا يملكه ، فلا يُقبل إقراره به.

وقيل : يُقبل ؛ لأنّه كافر لم يثبت أسره ولا نازَعه فيه مُنازع ، فقُبل قوله في الأمان(٥) . ولا بأس به.

ولو أشرف جيش الإسلام على الظهور فاستذمّ الخصم ، جاز مع نظر المصلحة. ولو استذمّوا بعد حصولهم في الأسر فأذمّ ، لم يصح على ما قلنا. ولو ادّعى الحربيّ الأمان فأنكر المسلم ، فالقول قول المسلم ؛ لأصالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.

(٢) المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥١.

(٥) المغني ١٠ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥١ - ٥٥٢.

٩٨

عدم الأمان وإباحة دم المشرك. ولو حِيل بينه وبين الجواب بموت أو إغماء ، لم تسمع دعوى الحربيّ. وفي الحالين يردّ إلى مأمنه ثم هو حَرْبٌ.

مسألة ٥٦ : شرط الأمان أن لا يزيد على سنة إلّا مع الحاجة ، ويصحّ على أربعة أشهر وفوق ذلك إلى السنة.

وللشافعي فيما بين السنة وأربعة أشهر قولان(١) .

ولو أمّن جاسوساً أو من فيه مضرّة ، لم يصح. ولا تُشترط المصلحة في عقد الأمان ، بل يكفي عدم المضرّة في الصحّة.

ويصحّ الأمان بجُعْل وغيره(١) ، فلو حصر المسلمون حصناً فقال لهم رجل : أمِّنوني أفتح لكم الحصن ، جاز أن يعطوه أماناً إجماعاً. فإن أمّنوه ، لم يجز لهم نقض أمانه ، فإن أشكل القائل وادّعاه كلّ واحد من أهل الحصن ، فإن عُرف صاحب الأمان ، عُمل على ما عرف ، وإن لم يُعرف ، لم يُقتل واحد منهم ؛ لاحتمال صدق كلّ واحد وقد حصل اشتباه المحرَّم بالمحلَّل فيما لا ضرورة إليه ، فكان الكلّ حراماً ، كالأجنبيّة المشتبهة بالاُخت.

قال الشافعي : ويحرم استرقاقهم ؛ لما قلنا في القتل ؛ فإنّ استرقاق مَنْ لا يحلّ استرقاقه محرَّم(٣) .

وقال بعض العامّة : يقرع فيخرج صاحب الأمان ويسترقّ الباقي ؛ لأنّ الحقّ لواحد وقد اشتبه ، كما لو أعتق عبداً من عشرة ثمّ اشتبه ، بخلاف‌

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٠.

(٢) في « ق ، ك» : وبغيره.

(٣) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.

٩٩

القتل ؛ فإنّ الاحتياط فيه أبلغ من الاحتياط في الاسترقاق(١) .

قال الأوزاعي : لو أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه وكانوا عشرةً فاسترقّ(٢) علينا ثمّ أشكل فادّعى كلّ واحد منهم أنّه الذي أسلم ، سعى كلّ واحد منهم في قيمة نفسه ، وتُرك له عُشْر قيمته(٣) .

البحث الخامس : فيما يدخل في الأمان.

مسألة ٥٧ : إذا نادى المشركون بالأمان ، وكانت المصلحة تقتضيه ، أمَّنهم ، وإلّا فلا. فإذا طلبوا الأمان(٤) لأنفسهم ، كانوا مأمونين على أنفسهم.

وللشافعي في السراية إلى ما معه من أهلٍ ومالٍ لو قال : أمَّنتك ، قولان(٥) .

ولو طلبوا أماناً(٦) لأهليهم فقالوا : أمِّنوا أهلينا ، فقال لهم(٧) المسلمون : أمّنّاهم ، فهُمْ في‌ءٌ وأهلهم آمنون ؛ لأنّهم لم يذكروا أنفسهم صريحاً ولا كنايةً ، فلا يتناولهم الأمان.

أمّا لو قالوا : نخرج على أن نراوضكم(٨) في الأمان على أهلنا فقالوا(٩) لهم : اخرجوا ، فهُمْ آمنون وأهلهم ؛ لأنّهم بأمرهم بالخروج‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.

(٢) أي : خفي علينا. وبدلها في المصدر : أشرف.

(٣) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.

(٤) في « ق » : أماناً.

(٥) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٥.

(٦) في « ق » : الأمان.

(٧) كلمة « لهم » لم ترد في « ق ».

(٨) فلان يراوض فلاناً على أمر كذا : أي يداريه ليدخله فيه. لسان العرب ٧ : ١٦٤ « روض ».

(٩) في « ق » : فقال.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466