تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 318897 / تحميل: 5220
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

المؤمنينعليه‌السلام : فإنّه بغى عليك ولو بارزته لقتلته ، ولو بغى جبل على جبل لهُدّ الباغي »(١) .

مسألة ٣٩ : ينبغي للمسلم أن لا يطلب المبارزة إلّا بإذن الإمام إذا أمكن‌ - وبه قال الثوري وإسحاق وأحمد(٢) - لأنّ الامام أعرف بفرسانه وفرسان المشركين ومَنْ يصلح للمبارزة ومَنْ لا يصلح ومَنْ يكون قرناً للكافر ومَنْ لا يكون ، فربما تضرّر المسلمون. بكسر قلوبهم عند عجز صاحبهم ، فينبغي تفويضه إلى الإمام ليختار للمبارزة مَنْ يرتضيه لها ، فيكون أحفظ لقلوب المسلمين وكسر قلوب الكفّار.

ولأنّ عليّاًعليه‌السلام وحمزة وعبيدة استأذنوا النبيعليه‌السلام يوم بَدْر ، رواه العامّة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام سُئل عن المبارزة بين الصفّين بغير إذن الإمام ، قال: « لا بأس بذلك ، ولكن لا يطلب ذلك إلّا بإذن الإمام »(٤) .

ورخّص فيها مطلقاً من غير إذن الإمامِ مالك والشافعي وابن المنذر ؛ لأنّ أبا قتادة قال : بارزت رجلاً يوم خيبر(٥) فقتلته. ولم يُعلم أنّه استأذن النبيعليه‌السلام (٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ٣٤ - ٣٥ / ٢ بتفاوت يسير.

(٢ و ٣) المغني ١٠ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٧.

(٤) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٣.

(٥) في الشرح الكبير : « حنين » بدل « خيبر ».

(٦) المغني ١٠ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٨ ، الوجيز ٢ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٦ و ٤٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٨ ، معالم السنن - للخطّابي - ٤ : ١١ ، الجامع لأحكام القرآن ٣ : ٢٥٨.

٨١

وهي حكاية حال لا عموم لها. ولاحتمال أن يكون المشرك سأل المبارزة ، لا أنّ أبا قتادة طلبها.

ويؤيّده : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ الحسن بن عليعليهما‌السلام دعا رجلاً إلى المبارزة ، فعلم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال له : لئن عدت إلى مثلها لاُعاقبنّك ، ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنّك ، أما علمت أنّه بغى »(١) .

وقد ظهر من هذا أنّ طلب المبارزة ممنوع منه بغير إذن الإمام ، وفعلها سائغ من دون إذنه.

مسألة ٤٠ : إذا خرج عِلْجٌ(٢) يطلب البراز ، استحبّ لمن فيه قوّة ( أن يبارزه )(٣) بإذن الإمام ، وينبغي للإمام أن يأذن له في ذلك ؛ لأنّ في تركه ضعف قلوب المسلمين واجتراء المشركين ، وفي الخروج ردّ عن المسلمين وإظهار قوّتهم وشجاعتهم.

فانقسمت(٤) أربعة أقسام :

الأوّل : أن تكون واجبةً ، وهي ما إذا ألزم الإمام بها.

الثاني : أن تكون مستحبّةً ، وهي أن يخرج ( رجل من المشركين )(٥) فيطلب المبارزة ، فيستحبّ ( لمن فيه قوّة )(٦) من المسلمين الخروج إليه.

الثالث : أن تكون مكروهةً ، وهي أن يخرج الضعيف من المسلمين‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ٣٤ - ٣٥ / ٢ : « الحسين بن عليعليهما‌السلام ».

(٢) العِلْج : الرجل القويّ الضخم من الكفّار. لسان العرب ٢ : ٣٢٦ « علج ».

(٣) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : مبارزته.

(٤) أي : المبارزة.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ك» : المشرك.

(٦) بدل ما بين القوسين في « ق » : لذي القوّة.

٨٢

الذي لا يعلم من نفسه المقاومة.

الرابع : أن تكون مباحةً ، وهي أن يخرج ابتداءً فيبارز.

مسألة ٤١ : إذا خرج المشرك وطلب المبارزة ، جاز لكلّ أحد رميه وقتله ؛ لأنّه مشرك لا أمان له ولا عهد إلّا أن تكون العادة بينهم جارية أنّ مَنْ خرج يطلب المبارزة لا يتعرّض له ، فيجري مجرى الشرط ، فإن خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه ، وجب الوفاء له بالشرط ، لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

فإن انهزم المسلم تاركاً للقتال أو مثخناً بالجراح ، جاز قتاله ؛ لأنّ المسلم إذا صار إلى هذه الحالة فقد انقضى القتال ، والمشرك شرط الأمان ما دام في القتال وقد زال.

ولو شرط المشرك أن لا يقاتل حتى يرجع إلى صفّه ، وجب الوفاء له إلّا أن يترك المسلم قتاله أو يثخنه بالجراح فيرجع فيتبعه فيقتله ، أو يخشى عليه منه فيمنع ويدفع عن المسلم ويقاتل إن امتنع من الكفّ عنه إلّا بالقتال ؛ لأنّه نقض الشرط وأبطل أمانه بمنعهم من تخليصه.

ولو أعان المشركون صاحبَهم ، كان على المسلمين إعانةُ صاحبهم ، ويقاتلون مَنْ أعان عليه ، ولا يقاتلونه ؛ لأنّ النقض ليس من جهته.

وإن كان قد شرط أن لا يقاتله غير مبارزه ، وجب الوفاء له. فإن استنجد أصحابَه فأعانوه ، فقد نقض أمانه ، ويقاتل معهم. ولو منعهم فلم يمتنعوا ، فأمانُه باقٍ ، فلا يجوز قتاله ولكن يقاتل أصحابه.

هذا إذا أعانوه بغير قوله ، ولو سكت ولم ينههم عن إعانته ، فقد‌

____________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٩ ، التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥.

٨٣

نقض أمانه ؛ لأنّ سكوته يدلّ على الرضى بذلك ، أمّا لو استنجدهم ، فإنّه يجوز قتاله مطلقاً.

ولو طلب المشرك المبارزة ولم يشترط(١) ، جاز معونة قرنه. ولو شرط أن لا يقاتله غيره ، وجب الوفاء له. فإن فرّ المسلم وطلبه(٢) الحربي ، جاز دفعه ، سواء فرّ المسلم مختاراً أو لإثخانه بالجراح.

ويجوز لهم معاونة المسلم مع إثخانه.

وقال الأوزاعي : ليس لهم ذلك(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام وحمزة أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين أثخن عبيدة(٤) .

ولو لم يطلبه المشرك ، لم تجز محاربته ؛ لأنّه لم ينقض شرطاً.

وقيل : يجوز قتاله ما لم يشترط(٥) الأمان حتى يعود إلى فئته(٦) .

مسألة ٤٢ : تجوز المخادعة في الحرب وأن يخدع المبارز قرنه ليتوصّل بذلك إلى قتله إجماعاً.

روى العامّة أنّ عمرو بن عبد وُدّ بارز عليّاًعليه‌السلام ، فقال : ما اُحبّ ذلك يا بن أخي ، فقال عليعليه‌السلام : « لكنّي أحبّ أن أقتلك » فغضب عمرو وأقبل إليه ، فقال عليعليه‌السلام : « ما برزت لأقاتل اثنين » فالتفت عمرو ، فوثب عليعليه‌السلام فضربه ، فقال عمرو : خدعتني ، فقال عليعليه‌السلام : « الحرب خدعة »(٧) .

____________________

(١) في « ق » : ولم يشرط.

(٢) في « ق » : فطلبه.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٣٨٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٠.

(٥) في « ق » : لم يشرط.

(٦) كما في شرائع الإسلام ١ : ٣١٣.

(٧) تاريخ الطبري ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٠.

٨٤

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يقول : لئن تخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أقول على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يقل ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحرب خدعة»(١) .

مسألة ٤٣ : يكره تبييت العدوّ ليلاً ، وإنّما يلاقون بالنهار ، إلّا مع الحاجة إلى التبييت فيبيّتهم.

ويستحبّ أن يلاقوا بالنهار ، ويبدأ بالقتال بعد الزوال ، ويكره قبله إلّا مع الحاجة.

ويكره أن يعرقب الدابّة ، وإن وقفت به ، ذبحها ولا يعرقبها.

وأمّا نقل رؤوس المشركين إلى بلاد الإسلام : فإن اشتمل على نكاية في الكفّار ، لم يكن مكروها. وكذا إن اُريد معرفة المسلمين بموته ؛ فإنّ أبا جهل لمـّا قتل حمل رأسه(٢) . وإن لم يكن كذلك ، كان مكروهاً ؛ لأنّه لم ينقل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأس كافر قطّ.

وللشافعي وجهان : الكراهة وعدمها(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٩٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٨ - ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٠.

٨٥

الفصل الثالث

في الأمان‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في تعريفه وتسويغه.

عقد الأمان ترك القتال إجابةً لسؤال الكفّار بالإمهال ، وهو جائز إجماعاً.

قال الله تعالى :( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمَّن المشركين يوم الحديبيّة ، وعقد معهم الصلح(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت : ما معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يسعى بذمّتهم أدناهم »؟ قال « لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا(٣) قوماً من المشركين فأشرب رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم فاُناظره(٤) ، فأعطاه الأمان أدناهم ، وجب على أفضلهم الوفاء به »(٥) .

____________________

(١) التوبة : ٦.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤٠٩ / ١٧٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٣٨ - ١٣٩ / ٦٥٨ و ٥٦٣ - ٥٦٤ / ٣١٧٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حاصر ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في النسخ الخطّية والحجريّة : « فأنظره ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ٣٠ - ٣١ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٤.

٨٦

ولا خلاف بين المسلمين في ذلك.

مسألة ٤٤ : إنّما يجوز عقد الأمان مع اعتبار المصلحة ، فلو اقتضت المصلحة ترك الأمان وأن لا يجابوا إليه ، لم يفعل ؛ لأنّه مصلحة في بعض الأحوال ومكيدة من مكايد القتال في المبارزة ، فإذا لم تكن مصلحة ، لم يجز فعله ، وسواء في ذلك عقد الأمان لمشرك واحد أو لجماعة كثيرة ، فإنّه جائز مع المصلحة إجماعاً.

ومَنْ طلب الأمان من الكفّار ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام ، وجب أن يعطى أماناً ثم يردّ إلى مأمنه ؛ للآية(١) .

ويجوز أن يعقد الأمان لرسول المشركين وللمستأمن ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يؤمن رُسُل المشركين(٢) . ولأنّ الحاجة تدعو إلى المراسلة ، ولو قَتَلوا رسلهم لقتلوا رُسُلَنا فتفوت المصلحة.

ولا تقدّر مدّة العقد لهما بقدر ، بل يجوز مطلقاً ومقيّداً بزمان طويل أو قصير نظراً إلى المصلحة.

البحث الثاني : في العاقد.

مسألة ٤٥ : يجوز للإمام عقد الصلح إجماعاً ؛ لأنّ أمور الحرب موكولة إليه كما كانت موكولة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن رأى المصلحة في عقده لواحد ، فَعَل ، وكذا لأهل حصن أو قرية أو بلد أو إقليم ولجميع الكفّار بحسب المصلحة ؛ لعموم ولايته ، ولا نعلم فيه خلافا.

____________________

(١) التوبة : ٦.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٨٣ - ٨٤ / ٢٧٦١ و ٢٧٦٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٢١١ ، المغني ١٠ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.

٨٧

وأمّا نائبه : فإن كانت ولايته عامّة ، كان له ذلك أيضا ، وإن لم تكن عامّة ، جاز عقد أمانه لجميع من في ولايته ولآحادهم ، وأمّا غير ولايته : فحكمه حكم آحاد الرعايا.

وأمّا آحاد الرعية : فيصحّ أمان الواحد منهم للواحد من المشركين وللعدد اليسير ، كالعشرة والقافلة القليلة والحصن الصغير ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : « ويسعى بذمّتهم أدناهم »(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أجاز أمان عبدٍ مملوك لأهل حصن ، وقال : هو من المؤمنين »(٢) .

ولأنّ علّة تسويغه للواحد - وهو استمالته إلى الإسلام مع الأمن منه - موجود في العدد اليسير.

أمّا العدد الكثير من المشركين فإنّه موكول إلى الإمام خاصّة ؛ لأنّ في تسويغه للواحد من المسلمين تعطيلاً للجهاد على الإمام وتقويةً للكفّار.

مسألة ٤٦ : يصحّ عقد الأمان من الحُرّ والعبد المأذون له في الجهاد وغير المأذون ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أكثر العلماء والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ، وهو مروي عن عليعليه‌السلام ، وعن عمر(٣) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٤ : ١٨٠ - ١٨١ / ٤٥٣٠ ، سنن النسائي ٨ : ١٩ - ٢٠ و ٢٤ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٣١ / ١٥٥ ، سنن البيهقي ٨ : ٢٩ ، و ٣٠ ، و ٩ : ٩٤ ، مسند أحمد ١ : ١٩١ / ٩٦٢ ، الكافي ٥ : ٣٠ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٥.

(٢) الكافي ٥ : ٣١ / ٢ ، التهذيب : ١٤٠ / ٢٣٥.

(٣) المغني ١٠ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ ، الاُمّ ٤ : ٢٨٤ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٠.

٨٨

فمَنْ أخفر(١) مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يُقبل منه صرف ولا عدل »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن وقال : هو من المؤمنين »(٣) .

ولأنّه مسلم مكلّف غير متّهم في حقّ المسلمين ، فصحّ أمانه ، كالحُرّ.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يصحّ أمان العبد إلّا أن يكون مأذوناً له في القتال ، لأنّه لا يجب عليه الجهاد ، فلا يصحّ أمانه ، كالصبي(٤) .

وينتقض بالمرأة والمأذون له.

مسألة ٤٧ : يصحّ أمان المرأة إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجاز أمان اُمّ هاني ، وقال : « إنّما يجير على المسلمين أدناهم »(٥) .

وأمّا المجنون فلا ينعقد أمانه ؛ لرفع القلم عنه.

وكذا الصبي لا ينعقد أمانه وإن كان مميّزاً مراهقاً - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٦) - لرفع القلم عنه.

____________________

(١) الخُفارة : الذمام. وأخفرت الرجل : إذا نقضت عهده وذمامه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٥٢ « خفر ».

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٢٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٩٩ / ٤٧٠ ، سنن البيهقي ٩ : ٩٤ ، المغني ١٠ : ٤٢٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٥.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٠ ، المغني ١٠ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٣.

(٥) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٣٤ / ٢٦١٢ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦.

(٦) الاُمّ ٤ : ٢٨٤ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٦ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٧ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٣.

٨٩

وقال مالك وأحمد : يصحّ أمان المراهق(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : « إنّما يجير على المسلمين أدناهم»(٢) .

وليس حجّةً ؛ لعدم إسلامه حقيقةً وإنّما هو تمرين.

وأمّا المكره فلا ينعقد أمانه إجماعاً ، وكذا مَنْ زال عقله بنوم أو سكر أو إغماء أو غير ذلك ؛ لعدم معرفته بمصلحة المسلمين ، فأشبه المجنون.

وأمّا الكافر فلا ينعقد أمانه وإن كان ذمّيّاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم »(٣) فجَعَل الذمّة للمسلمين. ولأنّه متّهم على المسلمين.

وأمّا الأسير من المسلمين فإذا عقد أماناً باختياره ، نفذ ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) . وكذا يجوز أمان التاجر والأجير في دار الحرب.

وقال الثوري : لا يصحّ أمان أحد منهم(٥) . والعموم يُبطله.

والشيخ الهِمّ والسفيه ينعقد أمانهما - وبه قال الشافعي(٦) - للعموم.

مسألة ٤٨ : إذا انعقد الأمان ، وجب الوفاء به‌ على حسب ما شرط فيه من وقت وغيره ما لم يخالف المشروع بالإجماع.

قال الباقرعليه‌السلام : « ما من رجل آمَن رجلاً على ذمّة(٧) ثمّ قتله إلّا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر »(٨) .

____________________

(١) المنتقي - للباجي - ٣ : ١٧٣ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٠ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ - ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ و ٥٤٧.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٨٨ ، الهامش (٥)

(٣) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص ٨٨ ، الهامش (٢)

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٧.

(٦) الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.

(٧) في « ق ، ك» : دمه.

(٨) الكافي ٥ : ٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٦.

٩٠

ولو انعقد فاسداً ، لم يجب الوفاء به إجماعاً ، كأمان الصبي والمجنون ، وكما إذا تضمّن الذمام شرطاً لا يسوغ الوفاء به.

وفي هذه الحالات كلّها يجب ردّ الحربي إلى مأمنه ، ولا يجوز قتله ؛ لأنّه اعتقد صحّة الأمان ، وهو معذور ، لعدم علمه بأحكام الإسلام.

وكذا كلّ حربي دخل دار الإسلام بشبهة الأمان ، كمن سمع لفظاً فاعتقده أمانا ، أو صحب رفقة فتوهّمها أمانا ، أو طلبوا أمانا فقال المسلمون : لا نذمّكم ، فاعتقدوا أنّهم أذمّوهم ، فلا يجوز قتلهم ، بل يردّون إلى مأمنهم ، لقول الصادق و(١) الكاظمعليهما‌السلام : « لو أنّ قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان ، فقالوا : لا ، فظنّوا أنّهم قالوا : نعم ، فنزلوا إليهم ، كانوا آمنين »(٢) .

البحث الثالث : فيما ينعقد به الأمان.

مسألة ٤٩ : الأمان ينعقد بالعبارة والمراسلة والإشارة المفهمة والمكاتبة.

وقد ورد في الشرع للعبارة صيغتان : أجرتك ، وأمَّنتك.

قال الله تعالى :( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ ) (٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومَنْ أغلق بابه فهو آمن »(٤) .

____________________

(١) في المصدر : أو.

(٢) الكافي ٥ : ٣١ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٧.

(٣) التوبة : ٦.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٤٠٨ / ٨٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٦٢ / ٣٠٢١.

٩١

وينعقد الأمان بأي اللفظين وقع ، وبما يؤدّي معناهما ، مثل : أذممتك ، أو : أنت في ذمّة الإسلام ، سواء أدّى بالصريح أو بالكناية مع القصد بلغة العرب أو غيرها ، فلو قال بالفارسيّة : « مَتَرس » - أي : لا تخف(١) - فهو آمن.

أمّا قوله : لا بأس عليك ، أو : لا تخف ، أو : لا تذهل ، أو : لا تحزن ، وما شاكله : فإن علم من قصده الأمان ، فهو أمان(٢) ؛ لأنّ المراعي القصد لا اللفظ ، وإن لم يقصد ، لم يكن أماناً إلّا أنّهم لو سكنوا إلى ذلك ودخلوا ، لم يتعرّض لهم ويردّون إلى مأمنهم.

وكذا لو أومأ مسلم إلى مشرك بما توهّمه أماناً فأخلد إليه ودخل دار الإسلام.

ولو أشار المسلم إليهم بما يرونه أماناً وقال : أردت به الأمان ، فهو أمان ، وإن قال : لم أرد به(٣) الأمان ، فالقول قوله ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، فيرجع إليه.

ولو دخل بسفارة أو لسماع كلام الله ، لم يفتقر إلى عقد أمان ، بل ذلك القصد يؤمّنه. وقصد التجارة لا يؤمّنه وإن ظنّه أماناً.

ولو قال الوالي : أمّنت مَنْ قصد التجارة ، صحّ.

ولو خرج الكفّار من حصنهم بناءً على هذه الإشارة وتوهّمهم أنّها أمان ، لم يجز قتلهم.

ولو مات المسلم ولم يبيَّن أو غاب ، كانوا آمنين ورُدّوا إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حَرْباً.

____________________

(١) جملة : « أي لا تخف » لم ترد في « ق ، ك».

(٢) في « ك» والطبعة الحجرية : آمن.

(٣) في « ق ، ك» : « منه » بدل « به ».

٩٢

ولو قال للكافر : قِفْ ، أو : قُمْ ، أو : ألق سلاحك ، فليس أماناً ، خلافاً لبعض العامّة(١) .

وقال الأوزاعي : إن(٢) ادّعى الكافر أنّه أمان ، أو قال : إنّما وقفت لندائك ، فهو آمن ، وإن لم يدّع ذلك ، فليس أماناً(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه لفظ لا يشعر منه الأمان ولا يستعمل فيه دائماً ، فإنّه إنّما يستعمل غالباً للإرهاب والتخويف ، فيصدَّق المسلم ، فإن قال : قصدت الأمان ، فهو أمان ، وإن قال : لم اُرده ، سُئل الكافر فإن قال : اعتقدته أماناً ، رُدّ إلى مأمنه ، ولم يجز قتله ، وإن لم يعتقده ، فليس بأمان ، ولو ردّ الكافر الأمان ، ارتدّ الأمان ، وإن قَبِل صحّ ، ولا يكفي سكوته ، بل لا بدّ من قبوله ولو بالفعل.

ولو أشار عليهم مسلم في صفّ الكفّار فانحاز إلى صفّ المسلمين وتفاهما الأمان ، فهو أمان ، وإن ظنّ الكافر أنّه أراد الأمان والمسلم لم يُرده ، فلا يغتال بل يلحق بمأمنه ، ولو قال : ما فهمت الأمان ، اغتيل.

مسألة ٥٠ : يجوز الأمان بالمراسلة.

وينبغي لأمير العسكر أن يتخيّر للرسالة رجلاً مسلماً أميناً عدلاً ، ولا يكون خائناً ولا ذميّاً ولا حربيّاً مستأمناً ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٤) .

وأنكر عمر على أبي موسى الأشعري لمـّا اتّخذ كاتباً نصرانيّاً ، وقال :

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٤٩.

(٢) في « ك» والطبعة الحجرية : « لو » بدل « أن ».

(٣) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٤٩.

(٤) هود : ١١٣.

٩٣

اتّخذت بطانةً من دون المؤمنين وقد قال الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً ) (١) (٢) أي : لا يقصّرون في فساد اُموركم.

وينبغي أن يكون بصيراً بالاُمور عارفاً بمواقع أداء الرسالة.

وإذا أرسل الأمير رسولاً مسلماً فذهب الرسول إلى أمير المشركين فبلّغه الرسالة ، ثمّ قال له : إنّي اُرسل على لساني إليك الأمان ولأهل ملّتك فافتح الباب ، ثمّ ناوله كتاباً صنعه على لسان الأمير وقرأه بمحضر من المسلمين ، فلمـّا فتحوا ودخل المسلمون وشرعوا في السبي ، فقال لهم أمير المشركين : إنّ رسولكم أخبرنا(٣) أنّ أميركم أمَّننا ، وشهد اُولئك المسلمون على مقالته ، كانوا آمنين ، ولم يجز سبيهم ؛ لعسر التمييز بين الحقّ والاحتيال في حقّ المبعوث إليه ؛ إذا الاعتماد على خبره ، فيجعل كأنّه صدق بعد ما تثبت رسالته ؛ لئلّا يؤدّي إلى الغرور في حقّهم وهو حرام.

مسألة ٥١ : لو أرسل الأمير إليهم مَنْ يُخبرهم بأمانة ثمّ رجع الرسول فأخبره بأداء الرسالة ، فهُمْ آمنون‌ وإن لم يعلم المسلمون التبليغ ؛ لأنّ البناء إنّما هو على الظاهر فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته ، ولأنّ قول الرسول يحتمل الصدق ، فتثبت شبهة التبليغ.

ولو كتب مَنْ ليس برسول كتاباً فيه أمانهم وقرأه عليهم وقال : إنّي رسول الأمير إليكم ، لم يكن أماناً من جهته ؛ لأنّه ليس للواحد من‌

____________________

(١) آل عمران : ١١٨.

(٢) اُنظر : أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٣٧ ، وأحكام القرآن - للكيا الهراسي - ٢ : ٣٠٤ ، والجامع لأحكام القرآن ٤ : ١٧٩.

(٣) في « ق » : خبّرنا.

٩٤

المسلمين أن يؤمّن حصناً كبيراً ، ولا من جهة الإمام ؛ لأنّه ليس برسوله ، ولا غرور هنا ؛ لأنّ التقصير من جهتهم حيث عوّلوا على قول مجهول لم يعتضد بشهادة أحد من المسلمين.

ولو ناداهم من صفّ المسلمين مسلمٌ - وهُمْ قليلون يصحّ أمان الواحد لهم - إنّي رسول الأمير إليكم وإنّه أمَّنكم ، كان أماناً من جهته ؛ لأنّ مَنْ يملك الأمان إذا أخبر عمّن يملك الأمان ، كان أماناً صحيحاً ؛ لأنّه على تقدير صدقه يكون أماناً من جهة المخبر عنه ، وعلى تقدير كذبه يكون أماناً من جهته.

مسألة ٥٢ : إذا أمّن الإمام أو نائبه المشركين‌ ثمّ بعث ( إليهم رسولاً )(١) لينبذ إليهم ويُخبرهم نقض العهد ، فجاء الرسول وأخبر بإعلامهم ، لم يعرّض لهم حتى يعلموا ذلك بشاهدين ؛ لأنّ خبره دائر بين الصدق والكذب ، وليس بحجّة في نقض العهد ؛ لتعلّقه باستباحة السبي واستحلال الأموال والفروج والدماء ، وهو لا يثبت مع الشبهة ، بخلاف الأمان ؛ فإنّ قوله حجّة فيه ، لتعلّقه بحفظ الأموال وحراسة الأنفس وحقن الدماء ، وهو يثبت مع الشبهة.

فلو أغار المسلمون فقالوا : لم يبلغنا خبر رسولكم ، فالقول قولهم ؛ لأنّهم أنكروا نبذ الأمان ، والأصل معهم ، فيصار إلى قولهم ؛ لأنّ في وسع الإمام أن ينفذ إليهم مع الرسول شاهدين.

أمّا لو كتب الإمام إليهم نقض العهد وسيّره مع رسوله وشاهدين ، فقرأه عليهم بالعربيّة واحتاجوا إلى ترجمان يُترجم بلسانهم ، وشهد الآخران‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : رجلاً.

٩٥

عليهم ، فادّعوا أنّ الترجمان لم يُخبرهم بنقض العهد بل أخبرهم(١) بأنّ الإمام زاد في مدّة الأمان ، لم يلتفت إليهم ؛ لأنّ الإمام أتى بما في وسعه من الإخبار بالنقض والشهادة ، وإنّما التقصير من جهتهم حيث اختاروا للترجمة خائناً ، إلّا أن يعلم مَنْ حضر من المسلمين أنّ الترجمان خان فيُقبل قولهم.

ولو خاف الإمام أن يكون الرسول قد رأى عورةً للمسلمين يدلّ عليها العدوّ ، جاز له منعه من الرجوع ، وكذا يمنع التاجر لو انكشف على عورة ينبغي إخفاؤها عن المشركين ، ويجعل عليهما حرساً يحرسونهما نظراً للمسلمين ودفعاً للفتنة عنهم.

ولو خاف هربهما مع احتياجه إلى حفظهما ، جاز له أن يقيّدهما حتى تنقضي الحاجة.

ولو لم يخف الإمام منهما ، أنفذهما ، فإن خافا من اللصوص ، سيَّر معهما مَنْ يبلغهما مأمنهما ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (٢) .

ويجوز الاستئجار عليه من بيت المال ، وكذا مؤونتهما من بيت المال حال(٣) منعهما.

البحث الرابع : في وقت الأمان.

مسألة ٥٣ : وقت الأمان قبل الأسر ، فيجوز عقده لآحاد المشركين قبل الأسر إجماعاً.

وهل يجوز لآحاد المسلمين عقد الأمان بعد الأسر؟ منعه علماؤنا‌

____________________

(١) في « ق » : « أخبر » بدل « أخبرهم ».

(٢) التوبة : ٦.

(٣) في « ك» والطبعة الحجريّة : حالة.

٩٦

وأكثر أهل العلم(١) ؛ لأنّه قد ثبت للمسلمين حقّ استرقاقه ، فلا يجوز إبطاله. ولأنّ المشرك إذا وقع في الأسر ، يتخيّر الإمام فيه بين أشياء تأتي ، ومع الأمن يبطل التخيير ، فلا يجوز إبطال ذلك عليه.

وقال الأوزاعي : يصحّ عقده بعد الأسر ؛ لأنّ زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع ، فأجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمانها(٢) (٣) .

وليس حجّةً ؛ لأنّ للإمام ذلك فكيف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنزاع في آحاد المسلمين.

مسألة ٥٤ : يجوز للإمام أن يؤمّن الأسير بعد الاستيلاء عليه والأسر ؛ لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجاز أمان زينب لزوجها(٤) . ولأنّ للإمام أن يمنّ عليه فيطلقه والأمان دون ذلك(٥) ، بخلاف آحاد المسلمين.

ولو حصل الكافر في مضيق أو في حصن فلحقه المسلمون ، صحّ الأمان ؛ لأنّه بعدُ على الامتناع.

ولو أقرّ المسلم بأمان المشرك ، فإن كان في وقت يصحّ منه إنشاء الأمان ، صحّ إقراره وقُبِل منه إجماعاً ، وإن كان في وقت لا يصحّ منه إنشاؤه - كما لو أقرّ بعد الأسر - لم يُقبل قوله إلّا أن تقوم بيّنة بأمانه قبل الأسر.

ولو شهد جماعة من المسلمين أنّهم أمّنوه ، لم يقبل ؛ لأنّهم يشهدون‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ٩٥.

(٣) المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢.

(٤) سنن البيهقي ٩ : ٩٥ ، المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.

(٥) في « ق ، ك» : والأمان دليل ذلك. وفي الطبعة الحجريّة : والأمان دليل على ذلك. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٩٧

على فعلهم. وبه قال الشافعي(١) .

وقال بعض العامّة : يُقبل ؛ لأنّهم عدول من المسلمين غير متّهمين شهدوا بأمانه ، فوجب أن يُقبل ، كما لو شهدوا على غيرهم أنّه أمّنه(٢) .

أمّا لو شهد بعضهم أنّ البعض الآخر أمّنه ، قُبل.

مسألة ٥٥ : لو جاء مسلم بمشرك فادّعى أنّه أسره وادّعى الكافر أنّه أمّنه ، قدّم قول المسلم؛ لاعتضاده بأصالة إباحة دمه وعدم الأمان.

وقيل : يُقبل قول الأسير ؛ لاحتمال صدقه ، فيكون شبهةً في حقن دمه(٣) .

وقيل : يرجع إلى شاهد الحال ، فإن كان الكافر ذا قوّة ومعه سلاحه ، فالظاهر صدقه ، وإلّا فالظاهر كذبه(٤) .

ولو صدّقه المسلم ، لم يُقبل ؛ لأنّه لا يقدر على أمانه ولا يملكه ، فلا يُقبل إقراره به.

وقيل : يُقبل ؛ لأنّه كافر لم يثبت أسره ولا نازَعه فيه مُنازع ، فقُبل قوله في الأمان(٥) . ولا بأس به.

ولو أشرف جيش الإسلام على الظهور فاستذمّ الخصم ، جاز مع نظر المصلحة. ولو استذمّوا بعد حصولهم في الأسر فأذمّ ، لم يصح على ما قلنا. ولو ادّعى الحربيّ الأمان فأنكر المسلم ، فالقول قول المسلم ؛ لأصالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.

(٢) المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥١.

(٥) المغني ١٠ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥١ - ٥٥٢.

٩٨

عدم الأمان وإباحة دم المشرك. ولو حِيل بينه وبين الجواب بموت أو إغماء ، لم تسمع دعوى الحربيّ. وفي الحالين يردّ إلى مأمنه ثم هو حَرْبٌ.

مسألة ٥٦ : شرط الأمان أن لا يزيد على سنة إلّا مع الحاجة ، ويصحّ على أربعة أشهر وفوق ذلك إلى السنة.

وللشافعي فيما بين السنة وأربعة أشهر قولان(١) .

ولو أمّن جاسوساً أو من فيه مضرّة ، لم يصح. ولا تُشترط المصلحة في عقد الأمان ، بل يكفي عدم المضرّة في الصحّة.

ويصحّ الأمان بجُعْل وغيره(١) ، فلو حصر المسلمون حصناً فقال لهم رجل : أمِّنوني أفتح لكم الحصن ، جاز أن يعطوه أماناً إجماعاً. فإن أمّنوه ، لم يجز لهم نقض أمانه ، فإن أشكل القائل وادّعاه كلّ واحد من أهل الحصن ، فإن عُرف صاحب الأمان ، عُمل على ما عرف ، وإن لم يُعرف ، لم يُقتل واحد منهم ؛ لاحتمال صدق كلّ واحد وقد حصل اشتباه المحرَّم بالمحلَّل فيما لا ضرورة إليه ، فكان الكلّ حراماً ، كالأجنبيّة المشتبهة بالاُخت.

قال الشافعي : ويحرم استرقاقهم ؛ لما قلنا في القتل ؛ فإنّ استرقاق مَنْ لا يحلّ استرقاقه محرَّم(٣) .

وقال بعض العامّة : يقرع فيخرج صاحب الأمان ويسترقّ الباقي ؛ لأنّ الحقّ لواحد وقد اشتبه ، كما لو أعتق عبداً من عشرة ثمّ اشتبه ، بخلاف‌

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٠.

(٢) في « ق ، ك» : وبغيره.

(٣) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.

٩٩

القتل ؛ فإنّ الاحتياط فيه أبلغ من الاحتياط في الاسترقاق(١) .

قال الأوزاعي : لو أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه وكانوا عشرةً فاسترقّ(٢) علينا ثمّ أشكل فادّعى كلّ واحد منهم أنّه الذي أسلم ، سعى كلّ واحد منهم في قيمة نفسه ، وتُرك له عُشْر قيمته(٣) .

البحث الخامس : فيما يدخل في الأمان.

مسألة ٥٧ : إذا نادى المشركون بالأمان ، وكانت المصلحة تقتضيه ، أمَّنهم ، وإلّا فلا. فإذا طلبوا الأمان(٤) لأنفسهم ، كانوا مأمونين على أنفسهم.

وللشافعي في السراية إلى ما معه من أهلٍ ومالٍ لو قال : أمَّنتك ، قولان(٥) .

ولو طلبوا أماناً(٦) لأهليهم فقالوا : أمِّنوا أهلينا ، فقال لهم(٧) المسلمون : أمّنّاهم ، فهُمْ في‌ءٌ وأهلهم آمنون ؛ لأنّهم لم يذكروا أنفسهم صريحاً ولا كنايةً ، فلا يتناولهم الأمان.

أمّا لو قالوا : نخرج على أن نراوضكم(٨) في الأمان على أهلنا فقالوا(٩) لهم : اخرجوا ، فهُمْ آمنون وأهلهم ؛ لأنّهم بأمرهم بالخروج‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.

(٢) أي : خفي علينا. وبدلها في المصدر : أشرف.

(٣) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.

(٤) في « ق » : أماناً.

(٥) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٥.

(٦) في « ق » : الأمان.

(٧) كلمة « لهم » لم ترد في « ق ».

(٨) فلان يراوض فلاناً على أمر كذا : أي يداريه ليدخله فيه. لسان العرب ٧ : ١٦٤ « روض ».

(٩) في « ق » : فقال.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وقال أبو حنيفة : يصحّ ويقع للمسلم ؛ لأنّ الخمر مالٌ للذمّي ، لأنّ أهل الذمّة يتموّلونها ويتبايعونها ، فصحّ توكيلهم فيها ، كسائر أموالهم(١) .

وهو باطل ؛ فإنّ المسلم لا يصحّ أن يملك الخمر ، سواء باشر شراءها بنفسه أو بوكيله ، وأيّ سببٍ اقتضى تجويز التمليك إذا اشتراها الذمّيّ؟

وإذا باع الوكيل بثمنٍ معيّن ، مَلَك الموكّل الثمنَ دون الوكيل ؛ لأنّه بمنزلة المبيع.

ولو كان الثمن في الذمّة ، فالملك للموكّل أيضاً ، لكن له وللوكيل معاً المطالبة به.

وقال أبو حنيفة : ليس للموكّل المطالبة(٢) ، وقد سبق(٣) .

وأمّا ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمّة فإنّه يثبت في ذمّة الموكّل أصلاً.

وإذا علم البائع أنّ الملك للموكّل ، لم يكن له مطالبة الوكيل ، بل إنّما يطالب الموكّل خاصّةً عندنا.

وقال بعض العامّة : إنّ الثمن يثبت في ذمّة الوكيل تبعاً ، وللبائع مطالبة مَنْ شاء منهما ، فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكّل ، وإن أبرأ الموكّل برئ الوكيل أيضاً(٤) .

وإن دفع الثمن إلى البائع فوجد به عيباً فردّه على الوكيل ، كان أمانةً في يده ، وهو من ضمان الموكّل.

ولو وكّل رجل غيره حتى يستسلف له ألفاً في كُرّ طعامٍ ، ففَعَل ، مَلَك‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ١٣٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨.

(٣) في ص ١٣٨ - ١٣٩ ، المسألة ٧٤٤.

(٤) المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

١٤١

الموكّل الثمنَ ، وع ليه عهدة الطعام ، دون الوكيل.

وقال بعض العامّة : يكون الوكيل ضامناً عن موكّله(١) .

وليس بشي‌ء.

مسألة ٧٤٦ : إذا وكّله في عقدٍ كبيعٍ أو شراء ، تعلّق أحكام العقد - من رؤية المبيع أو المشترى - بالوكيل دون الموكّل ، حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع ، دون الموكّل ، ويلزم العقد بمفارقة الوكيل مجلس العقد ، ولا يلزم بمفارقة الموكّل إن كان حاضراً فيه ، وتسليم رأس المال في السَّلَم والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل ، والفسخ بخيار المجلس والرؤية يثبت للوكيل.

والأقرب : أنّه يثبت للموكّل.

وقال بعض الشافعيّة : يثبت للوكيل دون الموكّل حتى لو أراد الموكّل الإجازة ، كان للوكيل أن يفسخ(٢) .

وليس بجيّدٍ.

وفرّقوا بينه وبين خيار العيب حيث قالوا : لا ردّ للوكيل إذا رضي الموكّل(٣) .

مسألة ٧٤٧ : إذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلّا طالَب الموكّل ؛ لأنّ الملك يقع له.

وإن اشترى في الذمّة ، فإن كان الموكّل قد سلّم إليه ما يصرفه إلى الثمن ، طالَبه البائع أيضاً.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠.

١٤٢

وإن لم يسلّم ، فإن أنكر البائع كونه وكيلاً ، أو قال : لا أدري هل هو وكيل أم لا ، ولا بيّنة ، طالَبه.

وإن اعترف بوكالته ، فالمطالَب بالثمن الموكّلُ لا غير ؛ لوقوع الملك له ، والوكيل سفيرٌ بينهما ومُعبّرٌ(١) للموكّل ، فلا يغرم شيئاً ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّ البائع مع تصديق الوكالة يطالب الوكيل لا غير ؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ، والالتزام وُجد منه.

والثالث : أنّه يطالب مَنْ شاء منهما ؛ نظراً إلى المعنيين(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٧٤٨ : قد بيّنّا أنّ المطالبة مع علم البائع بالوكالة إنّما تتوجّه إلى الموكّل.

وقال بعض الشافعيّة : المطالبة للوكيل خاصّةً(٣) .

فعلى قوله هل للوكيل مطالبة الموكّل قبل أن يغرم؟ فيه للشافعيّة وجهان ؛ لأنّ بعضهم قال : يثبت الثمن للبائع على الوكيل ، وللوكيل مثله على الموكّل ، بناءً على أنّ الوكيل يثبت الملك له ثمّ ينتقل إلى الموكّل ، فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له وإن لم يؤدّ ما عليه.

وقال آخَرون : يُنزّل الوكيل منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه ، وعلى هذا ففي رجوعه قبل الغرم وجهان ، كالمحال عليه.

والأصحّ عندهم : المنع.

____________________

(١) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معين » بدل « معبّر ». وعبّرت عنه : تكلّمت عنه. المحيط في اللغة ٢ : ٣٥ « عبر ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

١٤٣

فإذا غرم الوكيل للب ائع ، فقياس تنزيله منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه الخلافُ المذكور في الحوالة.

والمذهب عندهم : القطع بالرجوع ، وإلاّ لخرج المبيع [ عن ](١) أن يكون مملوكاً للموكّل بالعوض ، وفي ذلك تغيير لوضع العقد(٢) .

وهذا ساقط عندنا ؛ لأنّ البائع يطالب الموكّل خاصّةً.

مسألة ٧٤٩ : على قول القائلين بمطالبة البائع مَنْ شاء من الوكيل أو الموكّل فالوكيل كالضامن ، والموكّل كالمضمون عنه ، فيرجع الوكيل إذا غرم.

والقول في اعتبار شرط الرجوع وفي أنّه [ هل ](٣) يطالبه بتخليصه قبل الغرم؟ كما سبق في الضمان(٤) .

وقد فرّع ابن سريج على الخلاف في المسألة ، فقال : لو سلّم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمّة ، ففَعَل ثمّ ردّها البائع بعيبٍ ، فإن قلنا بأنّ البائع يطالب الموكّل أو يطالب مَنْ شاء ، فعلى الوكيل ردّ تلك الدراهم بأعيانها إلى الموكّل ، وليس له إمساكها أو إبدالها.

وإن قلنا : يطالب الوكيل ، فله ذلك ؛ لأنّ ما دفعه الموكّل إليه على هذا الوجه كأنّه أقرضه منه ليبرئ به ذمّته ، فإذا عاد إليه فهو ملكه ، وللمقترض إمساك ما استقرضه وردّ مثله(٥) .

واعلم أنّه لا خلاف في أنّ للوكيل أن يرجع على الموكّل في الجملة ،

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق ، وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) راجع : ج ١٤ ، ص ٣٤٨ - ٣٤٩ ، المسألة ٥٢٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

١٤٤

وإنّما الكلام في أن ّه متى يرجع؟ وبأيّ شي‌ء يرجع؟ وإذا كان كذلك ، توجّه أن يكون تسليم الدراهم دفعاً لمؤونة التراجع ، لا إقراضاً.

مسألة ٧٥٠ : الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن إمّا بإذنٍ صريح أو بالإذن في البيع على رأي جماعةٍ من العامّة(١) وتلف المقبوض في يده ثمّ خرج المبيع مستحقّاً والمشتري معترف بالوكالة ، فحقّ رجوعه على الموكّل عندنا ؛ لأنّ الوكيل واسطة بينهما.

وقال بعض الشافعيّة : حقّ الرجوع بالثمن يكون على الوكيل ؛ لأنّه الذي تولّى القبض ، وحصل التلف في يده(٢) .

وقال بعضهم كما قلناه من أنّه يرجع على الموكّل ؛ لأنّ الوكيل سفير ، ويده يد موكّله(٣) .

وقال بعضهم : يرجع على مَنْ شاء(٤) ، كما تقدّم(٥) .

فإن قلنا : حقّ الرجوع على الموكّل ، فإذا غرم لم يرجع على الوكيل ؛ لأنّه أمينه ، فلا يضمن.

وقال بعض الشافعيّة : إذا قلنا : إنّ حقّ الرجوع على الموكّل إذا رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّ التلف في يده.

وهو مسلّم ، لكن لا يجب عليه الضمان ، كما لو تلف في يد الموكّل ؛ لأنّ يد الوكيل في الحقيقة هي يد الموكّل.

وإن جعلنا حقّ الرجوع على الوكيل فغرم ، لم يرجع على الموكّل.

وإذا قلنا : يرجع على مَنْ شاء منهما ، فثلاثة أوجُهٍ :

أشهرها عندهم : أنّه إن غرم الموكّل لم يرجع على الوكيل ، وإن غرم‌

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

(٥) في المسألة السابقة.

١٤٥

الوكيل رجع على المو كّل ؛ لأنّ الموكّل قد غرّ الوكيل ، والمغرور يرجع على الغارّ ، دون العكس.

والثاني : إنّ واحداً منهما لا يرجع على الآخَر ، أمّا الموكّل : فلأنّه غارّ. وأمّا الوكيل : فلحصول التلف في يده.

والثالث : إنّ الموكّل يرجع على الوكيل ، دون العكس ؛ لحصول التلف في يد الوكيل.

والذي يفتى به عندهم من هذه الاختلافات أنّ المشتري يغرم مَنْ شاء منهما والقرار على الموكّل(١) .

وأمّا عندنا فمع تصديق الوكالة يرجع على الموكّل خاصّةً ، سواء تلف بتفريطٍ من الوكيل أو لا ، إلّا أنّه إذا فرّط الوكيل ، كان له أن يرجع عليه ، ولا يرجع هو على الموكّل ؛ لأنّ التلف حصل بتفريطه ، فكان ضامناً. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل.

وإنّما كان له أن يرجع على الموكّل ؛ لأنّه سلّط الوكيل على القبض منه.

وإن كان التلف بغير تفريطٍ من الوكيل ، لم يضمن ، ولا يرجع المشتري عليه بالثمن.

وإن كان جاهلاً بالوكالة ، كان له أن يرجع على الوكيل ؛ لأنّه القابض.

ولو قامت بيّنة الوكالة ، سقط رجوعه عليه ، وكان له الرجوع على الموكّل خاصّةً.

ولو اعترف الموكّل بالوكالة ، لم يسقط رجوعه على الوكيل ؛ لإمكان تواطئهما على إسقاط حقّ المشتري من مطالبة الوكيل ، لكن له الرجوع على مَنْ شاء منهما.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦ - ٥٥٧.

١٤٦

مسألة ٧٥١ : إذا وكلّه في شراء عينٍ فاشتراها وقبض الوكيل العينَ وتلفت في يده بغير تفريط ثمّ ظهر أنّه كان المبيع مستحقّاً لغير البائع ، فللمستحقّ مطالبة البائع بقيمة المبيع إن لم يكن مثليّاً ، أو كان وتعذَّر المثل ، وبالمثل إن كان مثليّاً ؛ لأنّه غاصب ، ومن يده خرج المال.

وللشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ :

أحدها : هذا.

والثاني : يطالب الوكيل.

والثالث : يطالب مَنْ شاء(١) ، كما سبق في المسألة السابقة.

قال الجويني : الأقيس في المسألتين أنّه لا رجوع له إلّا على الوكيل ؛ لحصول التلف عنده. ولأنّه إذا ظهر الاستحقاق ، بانَ فساد العقد ، وصار الوكيل قابضاً ملكَ الغير بغير حقٍّ. ويجري الخلاف في القرار في هذه الصورة أيضاً(٢) .

وأمّا نحن فهنا نقول : للمستحقّ مطالبة الوكيل ؛ لأنّه قبض ماله.

فإن تلفت بغير تفريطٍ ، رجع على الموكّل بما غرمه ؛ لأنّه أمينه لا ضمان عليه. وإن رجع على الموكّل ، لم يرجع على الوكيل ، بل استقرّ الرجوع على الموكّل.

وإن تلفت بتفريطٍ ، استقرّ الضمان عليه ، فإن رجع عليه لم يرجع هو على موكّله ؛ لأنّه ضامن. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّه فرّط بالإتلاف.

مسألة ٧٥٢ : إذا وكّله في البيع وأطلق ، انصرف إلى البيع بثمن المثل.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

١٤٧

وهل يختصّ بالبيع با لعين ، أو يشمل بالعين والبيع بثمنٍ في الذمّة؟ إشكال.

فإن قلنا بالشمول أو أذن فيه فباع بثمنٍ في الذمّة واستوفاه ودَفَعه إلى الموكّل فخرج الثمن مستحقّاً أو معيباً وردّه ، فللموكّل أن يطالب المشتري بالثمن ، وله أن يغرّم الوكيل ؛ لأنّه صار مسلّماً للمبيع قبل أخذ عوضه.

وفيما يغرم؟

يحتمل قيمة العين ؛ لأنّه فوّت عليه العين.

والثاني(١) : الثمن ؛ لأنّ حقّه انتقل من العين إلى الثمن.

فإن قلنا بالأوّل فإن أخذ منه القيمة ، طالَب الوكيلُ المشتري بالثمن ، فإذا أخذه ، دَفَعه [ إلى ](٢) الموكّل ، واستردّ القيمة.

مسألة ٧٥٣ : لو(٣) دفع إليه دراهم ليشتري له بعينها عبداً ، فاشترى العبد بالعين(٤) وتلفت في يده قبل التسليم ، انفسخ البيع ، ولا شي‌ء على الوكيل. ولو تلفت قبل الشراء ، ارتفعت الوكالة.

ولو قال : اشتر في الذمّة واصرفها إلى الثمن الملتزم ، فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء ، لم ينفسخ العقد ، وكان للبائع مطالبة الموكّل بعوض الثمن التالف إن علم الوكالة ، وإلّا طالَب الوكيل ، ويرجع الوكيل على الموكّل.

ولا ينقلب الشراء إلى الوكيل عندنا ، ولا يلزمه الثمن ، وهو أحد‌

____________________

(١) أي : الاحتمال الثاني.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) في « ث ، ر ، خ » : « إذا » بدل « لو ».

(٤) أي : بعين الدراهم.

١٤٨

أقوال الشافعيّة.

وا لثاني : إنّ البيع(١) ينقلب إلى الوكيل ، ويلزمه الثمن.

والثالث : أن يعرض الحال على الموكّل ، فإن رغب فيه وأتى بمثل تلك الدراهم ، فالشراء له ، وإلّا وقع للوكيل ، وعليه الثمن(٢) .

والحقّ ما قدّمناه.

ولو تلفت قبل الشراء ، لم ينعزل الوكيل.

وإن اشترى للموكّل ، وقع للموكّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يقع للوكيل(٣) .

مسألة ٧٥٤ : لو اشترى الوكيل شراءً فاسداً وقبض المبيع وتلف إمّا في يده أو بعد تسليمه إلى الموكّل ، فللمالك مطالبته بالضمان.

وهل يرجع هو على الموكّل؟ إن كان قد أذن له في الشراء الفاسد ، أو علم به وقبضه ، كان له مطالبة الموكّل ، وإلّا فالأقرب : أنّه لا يطالبه به ؛ لأنّه إنّما وكّله في عقدٍ صحيح ، فإذا عقد فاسداً فقد فَعَل غير المأمور به ، فكان الضمان عليه ؛ لأنّ الموكّل لم يأمره بهذا القبض ، بل هو قَبَض لنفسه عن الموكّل ، والموكّل لم يأذن فيه ، فلا يقع عنه.

ولو أرسل رسولاً ليستقرض له شيئاً ، فاستقرض ، فهو كوكيل المشتري ، وفي مطالبته ما في مطالبة وكيل المشتري بالثمن.

والظاهر عند الشافعيّة أنّه يطالب ، ثمّ إذا غرم رجع على الموكّل(٤) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « الشراء » بدل « البيع ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٢ - ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

١٤٩

المطلب الثالث : في نسبة الوكالة إلى الجواز.

مسألة ٧٥٥ : العقود على أربعة أضرب :

الأوّل : عقدٌ لازمٌ من الطرفين لا ينفسخ بفسخ أحد المتعاقدين ، وهو البيع والإجارة والصلح والخلع والنكاح ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(١) .

وفيه وجهٌ آخَر : إنّ النكاح غير لازمٍ من جهة الزوج(٢) .

والقائل الأوّل منهم قال : إنّ الزوج لا يملك فسخه ، وإنّما يملك قطعه وإزالة ملكه ، كما يملك المشتري عتق العبد المشترى وإزالة ملكه عنه ، ولا يمنع ذلك لزومه في حقّه(٣) .

وأمّا الخلع فإنّ الرجل والمرأة معاً ليس لهما فسخه ، بل إذا رجعت المرأة في البذل ، كان له الرجوع في النكاح.

الثاني : عقدٌ جائزٌ من الطرفين ، وهي الوكالة والشركة والمضاربة والجعالة ، فلكلٍّ(٤) منهما فسخ العقد في هذه.

الثالث : عقدٌ لازمٌ من أحد الطرفين جائزٌ من الآخَر ، كالرهن ؛ فإنّه لازمٌ من جهة الراهن جائزٌ من جهة المرتهن.

والكتابة عند الشيخ جائزة من جهة العبد ؛ لأنّ له أن يعجّز نفسه ، ولازمة من جهة المولى(٥) .

الرابع : المختلف فيه ، وهو السبق والرمي ، إن قلنا : إنّه إجارة ، كان لازماً. وإن قلنا : إنّه جعالة ، كان جائزاً.

____________________

(١ - ٣) البيان ٦ : ٤٠٧.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فلكلّ واحدٍ ».

(٥) الخلاف ٣ : ١٨ ، المسألة ٢١ من كتاب البيوع ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

١٥٠

ولا نعلم خلافاً من أحدٍ من العلماء في أنّ الوكالة عقد جائز من الطرفين ؛ لأنّه عقد على تصرّفٍ مستقبل ليس من شرطه تقدير عملٍ ولا زمان ، فكان جائزاً ، كالجعالة. فإن فسخها الوكيل انفسخت ، وبطل تصرّفه بعد الفسخ ، وإن فسخها الموكّل فكذلك.

والأصل في ذلك أنّ [ في ](١) الوكالة قد يبدو للموكّل في الأمر الذي أناب فيه وفي نيابة ذلك الشخص ، وقد لا يتفرّغ له الوكيل ، فالإلزام مضرٌّ بهما جميعاً.

ولا خلاف في أنّ العزل مبطل للوكالة.

مسألة ٧٥٦ : قد بيّنّا أنّ الوكالة جائزة من الطرفين ، وتبطل بعزل الموكّل في حضرته وغيبته إمّا لفظاً بلفظ العزل ، كقوله : عزلتك عن الوكالة ، أو بلفظٍ يؤدّي معناه ، مثل : فسخت الوكالة ، أو : أبطلتها ، أو : نقضتها ، أو : صرفتك عنها ، أو : أزلتك عنها ، أو : رفعت الوكالة ، أو : أخرجته عن الوكالة ، فينعزل ، ويبطل تصرّفه بعد ذلك ، سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكّل بمسألة الخصم ، كما إذا سألت المرأة زوجَها أن يوكّل بالطلاق أو الخلع ، أو المرتهنُ الراهنَ أن يوكّل ببيع الرهن ، أو الخصمُ الخصمَ أن يوكّل في الخصومة ، ففَعَل المسئول ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ الوكالة استنابة تابعة لاختيار الموكّل ، فله العزل متى شاء ، كغيرها من الوكالات.

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ - ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

١٥١

وقال أبو حنيفة : إذ ا كان التوكيل بمسألة الخصم ، لم ينعزل(١) .

وإمّا معنىً ، بأن يفعل متعلّق الوكالة.

مسألة ٧٥٧ : إذا عزل الموكّل الوكيلَ في غيبته ، قال الشيخرحمه‌الله : لأصحابنا روايتان :

إحداهما : إنّه ينعزل في الحال وإن لم يعلم الوكيل بالعزل ، وكلّ تصرّفٍ للوكيل بعد ذلك يكون باطلاً.

والثانية : إنّه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك ، وكلّ تصرّفٍ له يكون واقعاً موقعه إلى أن يعلم.

ثمّ استدلّ على صحّة الثاني : بأنّ النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلّا بعد حصول العلم به ، ولهذا لمّا بلغ أهل قبا أنّ القبلة قد حُوّلت إلى الكعبة وهُمْ في الصلاة داروا وبنوا على صلاتهم ، ولم يؤمروا بالإعادة.

قال : وهذا القول أقوى(٢) .

وقال في النهاية : ومَنْ وكّل وكيلاً وأشهد على وكالته ثمّ أراد عزله ، فليشهد على عزله علانيةً بمحضرٍ من الوكيل ، أو يُعلمه ذلك ، كما أشهد على وكالته ، فإذا أعلمه عَزْلَه أو أشهد على عزله إذا لم يمكنه إعلامه ، فقد انعزل الوكيل عن وكالته ، فكلّ أمر ينفذه بعد ذلك كان باطلاً ، ولا يلزم الموكِّل منه قليل ولا كثير. وإن عزله ولم يُشهد على عزله أو لم يُعلمه ذلك مع إمكان ذلك ، لم ينعزل الوكيل ، وكلّ أمرٍ ينفذه بعد ذلك يكون ماضياً‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ٣٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٣ ، النتف ٢ : ٦٠٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، المسألة ٣ من كتاب الوكالة.

١٥٢

على موكّله إلى أن يعلم بعزله(١) .

وقال أبو حنيفة : الوكيل إذا عزل نفسه ، لم ينعزل إلّا بحضرة الموكّل. وأمّا الموكِّل إذا عزله فإنّه لا ينعزل قبل علمه ، فإن بلغه العزل من رجلٍ ثقةٍ أو امرأةٍ ، انعزل. وإن بلغه من فاسقٍ ، لم ينعزل ؛ لأنّ الوكيل يتصرّف بإذن الموكّل وأمره ، فلا يصحّ أن يردّ أمره بغير حضوره ، كالمودع. وكذلك الأمر الشرعي لا يثبت وقوعه في حقّ المأمور قبل علمه ، كالفسخ في حقّ المأمورين قبل علمهم ، وكذا القاضي لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر ، ولأنّ تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يُسقط الثقة بتصرّفه(٢) .

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه لا ينعزل بالعزل.

وأصحّهما : الانعزال ؛ لأنّه رَفْع عقدٍ لا يحتاج فيه إلى الرضا ، فلا يحتاج إلى العلم ، كالطلاق ، ولأنّه لو جنّ الموكّل أو مات انعزل الوكيل وإن لم يبلغه الخبر(٣) .

وكذا لو وكّله ببيع عبدٍ أو إعتاقه ثمّ باعه أو أعتقه الموكّل ، نفذ تصرّفه ، وانعزل الوكيل وإن لم يشعر بالحال ضِمناً ، وإذا لم يعتبر بلوغ‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٧ ، النتف ٢ : ٦٠٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٤ و ١٥٦ ، البيان ٦ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، المغني ٥ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٨ / ١٠٣٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٦ - ١٦٨٧ / ١١٨٨ و ١١٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٦ و ١٥٧ ، الوجيز ١ : ١٩٣ ، الوسيط ٣ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٣ ، البيان ٦ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ، منهاج الطالبين : ١٣٧.

١٥٣

الخبر في العزل الضم ني ، ففي صريح العزل أولى. ولأنّه رَفْعُ عقدٍ ، فلا يفتقر إلى حضور مَنْ لا يفتقر إلى رضاه ، كالنكاح.

وإن علّلتَ بعزل الموكّل ، قلتُ : فِلمَ يفتقر إلى علم مَنْ لا يفتقر إلى حضوره؟

وأمّا الوديعة : فمن الشافعيّة مَنْ يقول : لا تنفسخ إلّا بالردّ ؛ لأنّ الأمانة باقية ما لم تُردّ أو يُتعدّى ، فإذَنْ لم يقف على العلم.

ومنهم مَنْ يقول : إنّها تنفسخ إذا علم أنّ الوديعة ليس فيها إلّا الاستئمان والاستحفاظ ، وإنّما يلزمه الردّ إذا علم ، وليس كذلك في مسألتنا ؛ فإنّ فيه تصرّفاً بالرجوع ليمنع صحّة التصرّف ، فلهذا أراد الرجوع من غير علم الوكيل. وأمّا النسخ : ففيه لهم وجهان ، على أنّهما يفترقان ؛ لأنّ أمر الشريعة يتضمّن تركه المعصية ، فلا يجوز أن يكون عاصياً من غير علمه ، وهنا يتضمّن إبطال التصرّف ، وهذا لا يمنع منه عدم العلم.

وأيضاً لا فرق بين النسخ وما نحن فيه ؛ لأنّ حكم النسخ إمّا إيجاب امتثال الأمر الثاني ، وإمّا إخراج الأوّل عن الاعتداد به ، فما يرجع إلى الإيجاب والإلزام لا يثبت قبل العلم ؛ لاستحالة التكليف بغير المعلوم ، وهذا النوع لا يثبت في الوكالة أصلاً ورأساً ؛ لأنّ أمر الموكّل غير واجب الامتثال. وأمّا النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضاً قبل العلم حتى يلزمه القضاء ، ولا تبرأ ذمّته بالأوّل(١) .

وأمّا انعزال القاضي : فمنهم مَنْ طرّد الخلاف فيه. وعلى التسليم - وهو الظاهر من مذهبهم - فالفرق : تعلّق المصالح الكلّيّة بعمله(٢) .

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

١٥٤

وعن أحمد روايتان (١) ، كقولَي الشافعي ، وكذا عن أصحاب مالك قولان(٢) .

والشيخرحمه‌الله استدلّ على عدم العزل قبل العلم : بما رواه جابر بن يزيد ومعاوية بن وهب عن الصادقعليه‌السلام قال : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها »(٣) .

وفي طريقها عمرو بن شمر ، وهو ضعيف.

وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام : عن رجلٍ وكّل آخَر على وكالة في إمضاء أمرٍ من الأُمور وأَشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا أنّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة ، فقال : « إن كان الوكيل قد أمضى الأمر الذي وُكّل عليه قبل أن يعزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل أم رضي » قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عُزل عن الوكالة فالأمر ماضٍ على ما أمضاه؟ قال : « نعم » قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي‌ء؟ قال : « نعم ، إنّ الوكيل إذا وُكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عن الوكالة »(٤) .

وعن العلاء بن سيابة عن الصادقعليه‌السلام في حديثٍ : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أتته امرأة مستعدية على أخيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين وكّلتُ أخي هذا‌ بأن يزوّجني رجلاً فأشهدت له ثمّ عزلته من ساعته تلك ، فذهب وزوّجني

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٣.

١٥٥

ولي بيّنة إنّي قد ع زلته قبل أن يزوّجني ، فأقامت البيّنة ، وقال الأخ : يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتْني ولم تُعلِمْني بأنّها عزلتْني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرَتْني ، فقال لها : ما تقولين؟ فقالت : قد أعلمتُه يا أمير المؤمنين ، فقال لها : لكِ بيّنة بذلك؟ فقالت : هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلتُه ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كيف تشهدون؟ قالوا : نشهد أنّها قالت : اشهدوا أنّي قد عزلتُ أخي فلاناً عن الوكالة بتزويجي فلاناً ، وأنّي مالكة لأمري من قبل أن يزوّجني فلاناً ، فقال : أشهدَتْكم على ذلك بعلمٍ منه ومحضر؟ قالوا : لا ، قال : أفتشهدون أنّها أعلَمَتْه العزل كما أعلَمَتْه الوكالة؟ قالوا : لا ، قال : أرى الوكالة ثابتة والنكاح واقع ، أين الزوج؟ فجاء فقال خُذْ بيدها بارك الله لك فيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين احلفه أنّي لم أُعلِمْه العزل وأنّه لم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح ، قال : وتحلف؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فحلف وأثبت وكالته وأجاز النكاح »(١) .

وهذه الرواية تدلّ على أنّه لا عبرة بالشهادة وقول العزل إن لم يعلم الوكيل ، ولا بأس به عندي.

تذنيب : إذا قلنا بعدم العزل قبل بلوغ الخبر إليه ، فالمعتبر إخبار مَنْ يُقبل قوله من شهود العدالة ، دون الصبي والفاسق. فإذا قلنا بالانعزال ، فينبغي أن يشهد الموكّل على العزل ؛ لأنّ قوله بعد تصرّف الوكيل : « كنتُ قد عزلتُه » غير مقبولٍ.

مسألة ٧٥٨ : إذا قال الوكيل : عزلتُ نفسي ، أو : أخرجتُها عن الوكالة ، أو : رددت الوكالة ، انعزل.

وقال بعض الشافعيّة : إن كانت صيغة الموكّل « بِع » و« اعتق » ونحوهما‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٤ - ٢١٥ / ٥٠٦.

١٥٦

من صِيَغ الأمر ، لم ينعزل بردّ الوكالة وعَزْله نفسَه ؛ لأنّ ذلك إذن وإباحة ، فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره ، لا يرتدّ بردّ المباح له(١) .

ولا يُشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسَه حضورُ الموكّل ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يُشترط حضور الموكّل ، فإن عزل نفسه بغير حضور الموكّل ، لم ينعزل(٣) . وقد سبق(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإن عزل نفسه ثمّ تصرّف ، كان فضوليّاً ، سواء كان الموكّل حاضراً أو غائباً.

ويحتمل مع الغيبة الصحّة ؛ عملاً بالإذن العامّ الذي تضمّنته الوكالة.

وكذا مع الحضور وعدم الرضا بعزله.

مسألة ٧٥٩ : متى خرج الوكيل أو الموكّل عن أهليّة التصرّف بموتٍ أو جنونٍ أو إغماءٍ ، بطلت الوكالة ، سواء كان العارض للوكيل أو للموكّل.

وفي الجنون إذا كان ممّا يطرأ ويزول على قُربٍ لبعض الشافعيّة تردّد.

وموضع التردّد ما إذا كان امتداده بحيث لا تعطل المهمّات ويحوج إلى نصب قُوّامٍ ، فيلتحق حينئذٍ بالإغماء في وجهٍ(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ - ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٦ - ١٦٨٧ / ١١٨٨.

(٣) عيون المجالس ٤ : ١٦٨٧ / ١١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، المغني ٥ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٨.

(٤) في ص ١٥٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ - ٥٥٩.

١٥٧

وفي الإغماء لهم وجه ان :

أظهرهما عندهم : إنّه كالجنون في اقتضاء الانعزال.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : إنّه لا يقتضي الانعزال ؛ لأنّ المغمى عليه لا يلتحق بمن يُولّى عليه ، والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكّل بمن يولّى عليه(١) .

مسألة ٧٦٠ : والمحجور عليه لسفهٍ أو فلسٍ في كلّ تصرّفٍ لا ينفذ من السفيه والمفلس كالمجنون ؛ لأنّه لا يملك التصرّف ، فلا يملكه غيره من جهته.

ولا فرق في ذلك بين أن يحجر عليه قبل التوكيل أو بعده ، فإن سبقت الوكالة الحجر ، بطلت. وكذا إن كان الحجر سابقاً ، لم تقع صحيحةً.

ولو وكّل أحدهما فيما لَه التصرّف فيه ، صحّ ؛ لأنّه مكلَّف ، ولم يخرج عن أهليّة التصرّف فيه.

ولو تجدّد الرقّ بأن كان حربيّاً فاستُرقّ ، بطلت وكالته السابقة إن كان هو الموكّل ، فلو كان هو الوكيلَ ، كان بمنزلة توكيل عبد الغير يشترط رضا المولى إن منعت الوكالة شيئاً من حقوقه.

ولو حُجر على الوكيل لفلسٍ ، لم تبطل الوكالة ، سواء تعلّقت بأعيان الأموال أو لا ؛ لأنّه بفقره لم يخرج عن أهليّة التصرّف.

ولو حُجر على الموكّل وكانت الوكالة في أعيان ماله ، بطلت ؛ لانقطاع تصرّفه في أعيان أمواله. وإن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمّة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص ، فالوكالة بحالها ؛ لأنّ الموكّل أهلٌ لذلك‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٩.

١٥٨

مباشرةً ، فله أن يس تنيب فيه ابتداءً ؛ للأصل السالم عن المعارض ، ولا تنقطع الاستدامة.

مسألة ٧٦١ : لو فسق الوكيل ، لم ينعزل عن الوكالة إجماعاً ؛ لأنّه من أهل التصرّف ، إلّا أن تكون الوكالة [ فيما ينافيه ](١) الفسق ، كالإيجاب في عقد النكاح عند العامّة ، فإنّه ينعزل عندهم بمجرّد فسقه أو فسق موكّله ؛ لخروجه عن أهليّة التصرّف فيه عندهم(٢) .

وعندنا لا يخرج بالفسق أيضاً ؛ إذ لا تُشترط العدالة في وليّ النكاح.

وأمّا في القبول : فلو فسق الموكّل فيه ، لم ينعزل وكيله بفسقه ؛ لأنّه لا ينافي جواز قبوله.

وهل ينعزل الوكيل بفسق نفسه؟ فيه للعامّة وجهان(٣) .

ولو كان وكيلاً فيما تُشترط فيه الأمانة - كوكيل وليّ اليتيم ووليّ الوقف على المساكين ونحوه - انعزل بفسقه وفسق موكّله ؛ لخروجهما بذلك عن أهليّة التصرّف.

وإن كان وكيلاً لوكيل مَنْ يتصرّف في مال نفسه ، انعزل بفسقه ؛ لأنّه ليس للوكيل أن يوكّل فاسقاً. ولا ينعزل بفسق موكّله ؛ لأنّه وكيل لربّ المال ، ولا ينافيه الفسق.

ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر ؛ لأنّ [ هذين عذران يمكن زوالهما بسهولة وسرعة ، ولا تثبت عليه ولاية ، ولا يخرج بهما ](٤) عن أهليّة‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّية والحجريّة : « ممّا تنافي ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هذه أعذار زوالها لا يخرج بها ». والمثبت هو الصحيح.

١٥٩

التصرّف ، إلّا أن [ يحصل ](١) الفسق بالسكر ، فتبطل فيما شُرط فيه العدالة.

مسألة ٧٦٢ : إذا فَعَل الموكّل متعلَّقَ الوكالة ، أو تلف المتعلَّق ، بطلت الوكالة ، كما لو وكّل غيره في بيع عبدٍ ثمّ باعه الموكّل ، أو مات العبد ، بطلت الوكالة ؛ إذ لا متعلَّق لها حينئذٍ ، وقد ذهب محلّها.

هذا إذا باعه الموكّل بيعاً صحيحاً ، ولو باعه بيعاً فاسداً ، احتُمل البطلان أيضاً ؛ إذ شروعه في البيع رغبة عن الوكالة.

وقال ابن المنذر : لا تبطل الوكالة ؛ لبقاء ملكه في العبد(٢) .

ولو دفع إليه ديناراً ووكّله في الشراء بعينه ، فهلك أو ضاع أو استقرضه الوكيل وتصرّف فيه ، بطلت الوكالة أيضاً.

ولو وكّله في الشراء مطلقاً ونقد الدينار عن الثمن ، بطلت أيضاً إذا تلف ذلك الدينار ؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء ، ومعناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع إمّا قبل الشراء أو بعده ، وقد تعذّر ذلك بتلفه. ولأنّه لو صحّ شراؤه للزم الموكّل ثمن لم يلزمه ولا رضي بلزومه.

وإذا استقرضه الوكيل ثمّ عزل ديناراً عوضه واشترى به ، فهو كالشراء له من غير إذنٍ ؛ لأنّ الوكالة بطلت ، والدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكّل حتى يقبضه ، فإذا اشترى للموكّل ، وقف على إجازته ، فإن أجازه صحّ ، ولزم الثمن ، وإلّا لزم الوكيل ، إلّا أن يُسمّيه في العقد.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يجعل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧٣ / ١٩٠٠ ، المغني ٥ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466