تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458
المشاهدات: 174939
تحميل: 5152


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174939 / تحميل: 5152
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 10

مؤلف:
ISBN: 964-319-197-4
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

انعقد باطلاً.

وقال أبو حنيفة : ينقلب جائزاً ؛ لأنّه أسقط المفسد قبل تقرّره ، فجعل كأن لم يكن ، ولهذا لو أسقط في الأجل الصحيح قبل مضيّ المدّة ، جعل كأن لم يكن إلّا إلى هذا الوقت ويتمّ البيع(١) .

وليس بشي‌ء ، لأنّه مع الصحيح إسقاط لحقّ ثبت في عقد صحيح ، وهنا لم يثبت ، لفساد العقد ، فلا يتحقّق الإسقاط.

تذنيب : لو باعه بحكم المشتري ولم يعيّن ، بطل البيع إجماعاً‌ ، فإن هلك في يد المشتري ، فعليه قيمته.

قال الشيخ : يوم ابتاعه إلّا أن يحكم على نفسه بأكثر من ذلك ، فيلزمه ما حكم به دون القيمة. ولو كان بحكم البائع فحَكَم بأقلّ من قيمته ، لم يكن له أكثر(٢) .

والمعتمد : بطلان البيع ؛ للجهالة ، ووجوب القيمة يوم التلف إن كان من ذوات القِيَم ، وإلّا المثل.

ويحتمل في ذي القيمة اعتبارها يوم القبض والأعلى. وكذا لو باعه بحكم ثالثٍ من غير تعيين الثمن أو وصفه أو شرط فيه.

وكما يجب القيمة على المشتري أو المثل كذا يجب عليه أرش النقص لو حصل والأجرة إن كان ذا اُجرة إن استوفى المنافع ، وإلّا فإشكال.

ولا يضمن تفاوت السعر ، وله الزيادة التي فَعَلها في العين ، عيناً كانت أو صفةً ، وإلّا فللبائع وإن كانت منفصلةً.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٢٧.

(٢) النهاية ونكتها ٢ : ١٤٦.

١٠١

الشرط السادس : عدم النهي.

اعلم أنّ النهي قد يقتضي الفساد وقد لا يقتضيه ، والثاني قد يكون للتحريم وقد يكون للكراهة ، وقد مضى بعض ذلك ، وقد وقع الخلاف في كثيرٍ من الباقي ، ونحن نبيّن بعون الله تعالى جميع ذلك على التفصيل. ويحصره أقسام :

الأوّل : بيع ما لم يقبض. والنظر فيه يتعلّق بأمور ثلاثة :

الأوّل : ماهيّة القبض.

قال الشيخ : القبض فيما لا يُنقل ويُحوّل هو التخلية ، وإن كان ممّا يُنقل ويُحوّل ، فإن كان مثل الدراهم والدنانير والجواهر وما يتناول باليد ، فالقبض هو التناول ، وإن كان مثل الحيوان ، فالقبض نقل البهيمة وغيرها إلى مكان آخر. وإن كان ممّا يُكال أو يُوزن ، فالقبض فيه الكيل أو الوزن(١) .

وبه قال الشافعي في أظهر القولين ، وأحمد في أظهر الروايتين(٢) ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله »(٣) .

وسُئل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ، فقال : « ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلّا أن‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٧٥ - ٢٧٦ و ٢٨٣ ، الوسيط ٣ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥ - ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٦ - ٢٢٧ ، المغني ٤ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٨ - ١٩.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١١٦٢ ، ١٥٢٨.

١٠٢

يوليه الذي قام عليه »(١) فجَعَلعليه‌السلام الكيلَ والوزنَ هو القبض ؛ لأنّا أجمعنا على بيع الطعام بعد قبضه.

وسُئلعليه‌السلام عن رجل اشترى متاعاً من آخر وأوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده ولم يقبضه وقال : آتيك غداً إن شاء الله ، فسُرق المتاع ، من مال مَنْ يكون؟ فقالعليه‌السلام : « من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته ، فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه »(٢) فجَعَل القبض هو النقل.

ولقضاء العرف بذلك ، وعادة الشرع ردّ الناس إلى العرف فيما لم يضع له الشارع لفظاً.

وقال أبو حنيفة : « القبض التخلية مطلقاً في المنقول وغيره - وهو قولٌ(٣) لنا وللشافعي ، وقول مالك ، ورواية عن أحمد - مع التمييز ؛ لأنّه خلّى بينه وبين المبيع ، فكان قبضاً له ، كالعقار(٤) .

ونمنع المساواة ؛ للعرف.

وفي روايةٍ عن الشافعي : تكفي التخلية لنقل الضمان إلى المشتري ؛ لأنّ البائع أتى بما عليه ، فيخرج عن ضمانه ، والتقصير من المشتري ؛ حيث لم ينقل ، فيثبت ما هو حقّ البائع. ولا تكفي لجواز التصرّف(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٥ / ١٤٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٧١ - ١٧٢ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ / ٨٩ ، و ٢٣٠ / ١٠٠٣.

(٣) من القائلين به : المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٢٩.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥ و ١٧٦ ، الوسيط ٣ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٦ ، المغني ٤ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣١.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٦ ، الوسيط ٣ : ١٥٢.

١٠٣

مسألة ٥٩ : هل يشترط في القبض كونه فارغا عن أمتعة البائع؟ قال الشافعي : نعم(١) .

والأقرب عندي : المنع مع التخلية وتمكينه من اليد والتصرّف بتسليم المفتاح إليه ، فلو باع داراً أو سفينةً مشحونةً بأقمشة ومكّنه منها بحيث جعل له تحويله من مكانٍ إلى غيره ، كان قبضاً.

ولا يشترط في التخلية حضور المتبايعين عند المبيع ، وهو أظهر وجوه الشافعي(٢) .

وآخر : اشتراطه ، فإذا حضرا وقال البائع للمشتري : دونك هذا ، ولا مانع ، حصل القبض(٣) .

وآخر : اشتراط حضور المشتري دون البائع ليتمكّن من إثبات اليد عليه ، وإذا حصلت التخلية ، فإثبات اليد والتصرّف إليه(٤) .

وهل يشترط زمان إمكان المضيّ إليه؟ أصحّ الوجهين للشافعيّة : نعم(٥) .

مسألة ٦٠ : إذا كان المبيع في موضع لا يختصّ بالبائع‌ ، كفى في المنقول النقلُ من حيّز إلى آخر. وإن كان في موضع يختصّ به ، فالنقل من زاوية إلى اُخرى بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرّف ، ويكفي لدخوله في ضمانه. وإن نقل بإذنه ، حصل القبض ، وكأنّه استعار البقعة المنقول إليها.

ولو اشترى الدار مع الأمتعة فيها صفقة وخلّى بينهما ، حصل القبض في الدار. وفي الأمتعة إشكالٌ ، أصحّ وجهي الشافعي : عدم القبض بدون‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥ ، المجموع ٩ : ٢٧٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥.

(٢ - ٥) المجموع ٩ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥.

١٠٤

نقلها ، كما لو بِيعت وحدها. والثاني : أنّ القبض يحصل فيها تبعاً(١) .

ولو أحضر البائع السلعة فقال المشتري : ضَعْه ، ففَعَل ، تمّ القبض - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه كالوكيل في الوضع.

ولو لم يقل المشتري شيئاً ، أو قال : لا اُريد ، حصل القبض ؛ لوجود التسليم ، كما إذا وضع الغاصب المغصوبَ بين يدي المالك ، يبرأ عن الضمان ، وهو أصحّ وجهي الشافعي. والضعيف : لا يحصل ، كما في الإيداع(٣) .

وللمشتري الاستقلال بنقل المبيع إن كان الثمن مؤجّلاً أو [ وفّاه ](٤) - كما أنّ للمرأة قبض الصداق من دون إذن الزوج إذا سلّمت نفسها - وإلّا فلا ، وعليه الردّ ؛ لأنّ البائع يستحقّ الحبس لاستيفاء الثمن ، ولا ينفذ تصرّفه فيه لكن يدخل في ضمانه.

وإذا كان المبيع معتبراً تقديره ، كما لو اشترى ثوباً مذارعة ، أو أرضاً كذلك ، أو متاعاً موازنة ، أو حنطة مكايلة ، أو معدوداً بالعدد ، لم يكف النقل والتحويل ، بل لا بُدّ من التقدير على إشكالٍ. وهذا كلّه كقول الشافعي(٥) .

فروع :

أ - لو قبض جزافاً ما اشتراه مكايلة ، دخل المقبوض في ضمانه. فإن باعه كلّه ، لم يصحّ ؛ لأنّه ربما يزيد على قدر ما يستحقّه.

ولو باع ما يستحقّه ، فالوجه عندي : الجواز - وهو أضعف وجهي‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥.

(٢) المجموع ٩ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٦.

(٣) المجموع ٩ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » وظاهر الطبعة الحجريّة : وزنه. وما أثبتناه يقتضيه السياق وكما هو مفاد المصادر للفقه الشافعي.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧.

١٠٥

الشافعي(١) - لحصول القبض. وأصحّهما عنده : المنع ؛ لأنّه لم يجر قبض مستحقّ بالعقد(٢) . وهو ممنوع.

ب - لا اعتبار بالقبض الفاسد ، بل الصحيح ؛ لسقوط الأوّل عن نظر الشرع ، فلا يكون شرطاً في صحّة شرعيّ(١) .

والصحيحُ : أن يسلّم المبيع باختياره أو يوفّي المشتري الثمن ، فله القبض بغير اختيار البائع. والفاسدُ : أن يكون الثمن حالّاً وقبض المبيع بغير اختيار البائع من غير دفع الثمن ، فللبائع المطالبة بالردّ إلى يده ؛ لأنّ له حقّ الحبس إلى أن يستوفي.

ج - لو كان لزيد طعامٌ على عمرو سلماً ، ولخالد مثله على زيد ، فقال زيد : اذهب إلى عمرو واقبض لنفسك ما لي عليه ، فقبضه ، لم يصحّ لخالد ، عند أكثر علمائنا(٤) - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الطعام بالطعام حتى يجري فيه الصاعان ، يعني صاع البائع وصاع المشتري(٦) ، وسيأتي ، بل ينبغي أن يكتال لنفسه ويقبضه ثمّ يكيله على مشتريه.

وهل يصحّ لزيْدٍ؟ الوجه : المنع - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية(٧) - لأنّه لم يجعله نائباً في القبض ، فلم يقع له ، بخلاف الوكيل.

____________________

(١و٢) المجموع ٩ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧.

(٣) كذا في « ق ، ك » والطبعة الحجرية.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١٢٢ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٣٨٧ - ٣٨٨.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٠ ، ٢٢٢٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ٨ ، ٢٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٦ ، ولم ترد فيها كلمة « بالطعام ».

(٧) المغني ٤ : ٢٤٠ ، وانظر : المجموع ٩ : ٢٧٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨.

١٠٦

وفي رواية : يصحّ ، لأنّه أذن له في القبض ، فأشبه الوكيل(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه قبضه لنفسه باطلاً ، فحينئذٍ يكون باقياً على ملك عمرو.

وكذا لو دفع إليه مالاً وقال : اشتر لي به طعاماً ، فإن قال : اقبضه لي ثمّ اقبضه لنفسك ، صحّ الشراء والقبض للموكّل.

وهل يصحّ لنفسه؟ مَنَعه الشيخ ؛ لاتّحاد المقبوض والقابض(٢) . وهو وجه للشافعي(٣) .

وفي آخر : الجواز ؛ لأنّ الباطل أن يقبض من نفسه لغيره(٤) .

ولو قال : اقبضه لنفسك ، منع الشافعيّة منه ، لأنّه لا يتمكّن من قبض مال الغير لنفسه ، فإنّ فعله فهو مضمون عليه(٥) .

وإن قال : اشتر لنفسك ، لم يصحّ الشراء ؛ لأنّه لا يصحّ أن يملك الإنسان بثمنٍ لغيره. ولا يتعيّن له بالقبض ، وبه قال الشافعي(٦) .

وقال أحمد : يصحّ الشراء ، كالفضولي(٧) .

وتكون الدراهم أمانةً في يده ؛ لأنّه لم يقبضها ليتملّكها.

فإن اشترى ، نُظر إن اشترى في الذمّة ، وقع عنه ، وأدّى الثمن من ماله. وإن اشترى بعينها ، للشافعيّة وجهان : الصحّة والبطلان(٨) .

ولو كان المالان أو المحال به قرضاً أو إتلافاً ، جاز عندنا ، خلافاً‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٠.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢١.

(٣ و ٤) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ - ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

(٧) المغني ٤ : ٢٤١.

(٨) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

١٠٧

للشافعي(١) .

د - لو أبقى زيدٌ الطعامَ في المكيال لمـّا اكتاله لنفسه وسلّمه إلى مشتريه ، جاز ، وينزّل استدامته في المكيال منزلة ابتداء الكيل ، وهو أظهر وجهي الشافعي ، وبه قال أحمد(٢) .

ولو اكتاله زيد ثمّ كاله على مشتريه فوقع في المكيال زيادة أو نقصان بما يعتاد في المكيال ، فالزيادة لزيدٍ والنقصان عليه ، وإن كان كثيراً ، رُدّت الزيادة إلى الأوّل ورجع عليه بالنقصان.

ه- يجوز التوكيل في القبض من المشتري وفي الإقباض من البائع. وهل يجوز أن يتولّاهما الواحد؟ مَنَعه الشيخ(٣) - وبه قال الشافعي في وجهٍ(٤) - لأنّه لا يجوز أن يكون قابضاً مُقبضاً.

والوجه : الجواز - وبه قال أحمد والشافعي في وجهٍ(٥) - كما لو باع الأب من ولده الصغير.

وكذا يجوز أن يوكّل المشتري من يده يد البائع ، كعبده.

و - لو أذن لمستحقّ الطعام أن يكتال من الصبرة حقّه ، فالوجه عندي : الجواز‌ - وهو أضعف وجهي الشافعيّة(٦) - لأنّ القصد معرفة القدر.

وأصحّهما : المنع ؛ لأنّ الكيل أحد ركني القبض ، فلا يجوز أن يكون‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ - ٣٠٢.

(٢) المجموع ٩ : ٢٧٩ - ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٩ ، المغني ٤ : ٢٤١.

(٣) اُنظر : المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٨١.

(٤) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

(٥) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١١.

(٦) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

١٠٨

نائباً فيه عن البائع متأصّلاً لنفسه(١) .

ز - لو قال مَنْ عليه طعام من سَلَم وله مثله لمستحقّه : احضر اكتيالي وأقبضه لك ، ففَعَل ، فالوجه : الجواز.

ومَنَع منه الشافعي وأحمد ؛ للنهي(٢) (٣) .

وهل يكون قابضاً لنفسه؟ لأحمد وجهان :

أقواهما : نعم ؛ لأنّ قبض المسلم فيه قد وجد في مستحقّه ، فصحّ القبض له ، كما لو نوى القبض لنفسه ، فإذا قبضه غريمه ، صحّ. وإن قال : خُذْه بهذا الكيل فأخذه ، صحّ ؛ لأنّه قد شاهد كيله وعلمه ، فلا معنى لاعتبار كيله مرّة ثانية.

والمنع - وبه قال الشافعي - للنهي(٤) (٥) .

النظر الثاني : في وجوبه(١)

يجب على كلّ واحد من المتبايعين تسليم ما استحقّه الآخر بالبيع ، فإن قال كلٌّ منهما : لا أدفع حتى أقبض ، قال الشيخ : يُجبر البائع أوّلاً(٧) .

وأطلق ، وهو أحد أقوال الشافعي ، الأربعة ، وأحمد في رواية ؛ لأنّ تسليم‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٠ / ٢٢٢٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ٨ / ٢٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٦.

(٣) المجموع ٩ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ، المغني ٤ : ٢٤٠.

(٤) راجع المصادر في الهامش (٢).

(٥) المغني ٤ : ٢٤٠ - ٢٤١.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٤٧ - ١٤٨.

١٠٩

المبيع يتعلّق به استقرار البيع وتمامه ، فإنّ ملك المشتري في المبيع إنّما يستقرّ بتسليمه إلى البائع ؛ لأنّه لو تلف قبل القبض ، بطل.

وثانيها - وبه قال أبو حنيفة ومالك - : أنّه يُجبر المشتري على تسليم الثمن أوّلاً ؛ لأنّ حقّه متعيّن في المبيع ، فيؤمر بدفع الثمن ليتعيّن حق البائع أيضاً.

وثالثها : لا يُجبران لكن يُمنعان من التخاصم ، فإن سلّم أحدهما ما عليه ، اُجبر الآخر.

ورابعها : أنّ الحاكم يُجبرهما معاً على التسليم(١) .

هذا إذا كان الثمن في الذمّة ، وإن كان معيّناً أو تبايعا عَرْضاً بعَرْض ، فقولان للشافعيّة خاصّة : عدم الإجبار لهما(٣) (٤) ، والإجبار لهما معاً ، وبه قال الثوري وأحمد(٤) .

والأخير عندي على التقديرين أجود ؛ لأنّ كلّ واحد منهما قد وجب له حقٌّ على صاحبه.

مسألة ٦١ : إذا ابتدأ البائع بالتسليم إمّا تبرّعاً أو بالإجبار على القول به ، اُجبر المشتري‌ على التسليم في الحال إن كان الثمن حاضراً في‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ١٥٦ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢ و ٣١٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٢.

(٢) كلمة « لهما » لم ترد في « ق ، ك ».

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة زيادة : وبه قال أحمد. وحذفناها لأجل السياق ، مضافاً إلى عدم وجود قول له بعدم الإجبار في المغني والشرح الكبير.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١ - ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢ - ٣١٣ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٢.

١١٠

المجلس ، وإن كان في البلد ، فكذلك.

وأظهر وجهي الشافعي : الحجر عليه في المبيع(١) عند بعض الشافعيّة(٢) ، ومطلقاً عند آخرين ؛ لئلّا يتصرّف في أملاكه بما يفوت حقّ البائع(٣) .

والأقرب : عدم الحجر ، وهو أضعفهما(٤) .

وإن كان غائباً قدر مسافة القصر ، قال الشافعي : لا يكلّف البائع الصبر إلى إحضاره ، بل في وجهٍ يباع المبيع ويوفى حقّه من ثمنه.

والأظهر عنده : أنّ له الفسخ ، كما لو أفلس المشتري(٥) .

وعند علمائنا : له الفسخ بعد ثلاثة أيّام مع انتفاء الإقباض ثمناً ومثمناً ، وسيأتي.

وإن قصر عنها ، فهل هو كالبلد أو مسافة القصر؟ للشافعي وجهان(٦) .

وإن كان معسراً ، فهو مفلس ، فإن حجر عليه الحاكم ، فالبائع أحقّ بمتاعه إن شاء فسخ وإن شاء ضرب مع الغرماء.

وقال الشافعي : إن كان معسراً ، فالبائع أحقّ بمتاعه في أحد الوجهين.

____________________

(١) في « ق ، ك » : « البيع » بدل ما أثبتناه ، والمثبت - كما في المصدر أيضاً - هو الصحيح.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، منهاج الطالبين : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، منهاج الطالبين : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

١١١

وفي الآخر : يباع ويوفى حقّ البائع من ثمنه(١) ، فإن فضل ، فللمشتري(٢) .

فروع :

أ - كلّ موضع قلنا : له الفسخ ، فله ذلك بغير حكم حاكم‌ - وبه قال أحمد(٣) - لأنّه فسخ المبيع(٤) للإعسار بثمنه ، فملكه البائع ، كالفسخ في عين ماله إذا أفلس. وكلّ موضع قلنا : يحجر عليه ، فذلك إلى الحاكم ؛ لأنّ ولاية الحجر إليه.

ب - إنّما يثبت للبائع حقّ الحبس إذا كان الثمن حالّاً ، وليس له الحبس إلى أن يستوفي الثمن المؤجّل. وكذلك ليس له الحبس إذا لم يتّفق التسليم إلى أن حلّ الأجل ، وبه قال الشافعي(٥) .

ج - لو ابتدأ المشتري بالتسليم إمّا تبرّعاً أو إجباراً على تقدير وجوبه ، فالحكم في البائع كالحكم في المشتري في المسألة.

د - لو هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر مع عدم الإقباض ، احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال ؛ لتعذّر استيفاء الثمن. والصبر ثلاثة أيّام ؛ للرواية(٦) . والأوّل أقوى ؛ لورودها في الباذل.

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : ثمنها. وتأنيث الضمير باعتبار السلعة. وما أثبتناه لأجل السياق.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

(٣) المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

(٤) كذا ، والظاهر : البيع.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٣.

(٦) الكافي ٥ : ١٧١ / ١١ ، الفقيه ٣ : ١٢٧ / ٥٥٤ ، التهذيب ٧ : ٢١ / ٨٨.

١١٢

وإن كان موسراً ، أثبت البائع ذلك عند الحاكم ، ثمّ إن وجد الحاكم له مالاً ، قضاه ، وإلّا باع المبيع وقضى منه ، والفاضل للمشتري ، والمعوز عليه.

مسألة ٦٢ : ليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء‌ ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(١) .

وحُكي عن مالك ذلك في القبيحة ، أمّا الجميلة فتوضع على يدي عَدْلٍ حتى تستبرأ ؛ لأنّ التهمة تلحقه فيها فمنع منها(٢) .

وليس بجيّد ؛ فإنّه مبيع لا خيار فيه ، قبض ثمنه فوجب دفعه إليه كغيره. والتهمة لا تمنعه من التسلّط ، كالقبيحة.

ولو طالب المشتري البائعَ بكفيلٍ لئلّا تظهر حاملاً ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّه ترك التحفّظ لنفسه حال العقد.

النظر الثالث : في حكمه.

وله حكمان : انتقال الضمان إلى المشتري ، وتسويغ التصرّفات. فهنا مطلبان :

الأوّل : الضمان. ولا خلاف عندنا في أنّ الضمان على البائع قبل القبض مطلقاً ، فلو تلف حينئذٍ ، انفسخ العقد ، وسقط الثمن - وبه قال الشافعي وأحمد في روايةٍ(٣) ، وهو محكي عن الشعبي وربيعة(٤) - لأنّه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٢) المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٣ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٩ ، منهاج الطالبين : ١٠٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٩ ، المغني ٤ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٨.

(٤) لم نعثر على قولهما فيما بين أيدينا من المصادر.

١١٣

قبض مستحقّ بالعقد ، فإذا تعذّر ، انفسخ البيع ، كما لو تفرّقا قبل القبض في الصرف.

وقال أبو حنيفة : كلّ مبيعٍ تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع إلّا العقار(١) .

وقال مالك : إذا هلك المبيع قبل القبض ، لا يبطل البيع ، ويكون من ضمان المشتري ، إلّا أن يطالبه به فلا يسلّمه ، فيجب عليه قيمته للمشتري - وبه قال أحمد وإسحاق - لقوله ٧ : « الخراج بالضمان »(٢) ونماؤه للمشتري ، فضمانه عليه. ولأنّه من ضمانه بعد القبض فكذا قبله ، كالميراث(٣) .

ولا حجّة في الخبر ، لأنّه لم يقل : « الضمان بالخراج » والخراج : الغلّة ، والميراث لا يراعى فيه القبض وهنا يراعى ، فإنّه يراعى في الدراهم والدنانير ، بخلاف الميراث فيهما ، وهذا مذهب مالك ، وهو اختيار أحمد(٤) .

ونقل عنهما معا أنّ المبيع إذا لم يكن مكيلا ولا موزونا ولا معدودا ، فهو من ضمان المشتري ، ومنهم من أطلق(٥) ، كما تقدّم.

تذنيب : لو أبرأ المشتري البائع عن ضمان المبيع ، لم يبرأ ، وحكم العقد لا يتغيّر‌ - وبه قال الشافعي(٦) - فلو تلف المبيع قبل القبض ، انفسخ‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٨.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٤ ، ٢٢٤٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٤ ، ٣٥٠٨ - ٣٥١٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، مسند أحمد ٧ : ٧٤ ، ٢٣٧٠٤.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٣ ، المحلّى ٨ : ٣٧٩ ، المغني ٤ : ٢٣٧ و ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ و ١٢٩.

(٤) انظر : المغني ٤ : ١٩٢ ، والشرح الكبير ٤ : ١٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٧.

(٦) منهاج الطالبين : ١٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٧.

١١٤

العقد ، وسقط الثمن عن المشتري إن لم يكن دفعه ، وإن كان قد دفعه ، استعاده.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا ينفسخ العقد ، ولا يسقط الثمن عن المشتري(١) .

مسألة ٦٣ : إذا انفسخ العقد ، كان المبيع تالفاً على ملك البائع‌ ، فلو كان عبداً ، كان مؤونة تجهيزه عليه ، وبه قال الشافعي(٢) .

وهل يقدّر أنّه ينتقل الملك إليه قُبَيْل التلف ، أو يبطل العقد من أصله؟ فيه احتمال. وأصحّ وجهي الشافعيّة : الأوّل(٣) ، فالزوائد الحادثة في يد البائع - كالولد والثمرة والكسب(٤) - للمشتري ، وللبائع على الثاني.

مسألة ٦٤ : إذا تلف المبيع قبل القبض ، فإن تلف بآفة سماويّة ، فهو من مال البائع‌ على ما تقدّم.

فإن أتلفه المشتري ، فهو قبضّ منه ؛ لأنّه أتلف ملكه ، فكان كالمغصوب إذا أتلفه المالك في يد الغاصب ، يبرأ من الضمان ، وبه قال الشافعي(٥) .

وله وجه : أنّه ليس بقبض ولكن عليه القيمة للبائع ، ويستردّ الثمن ، ويكون التلف من ضمان البائع(٦) .

وإن أتلفه البائع ، قال الشيخ : ينفسخ البيع ، وحكمه حكم ما لو تلف‌

____________________

(١ و ٢) روضة الطالبين ٣ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٧.

(٣) روضة الطالبين ٣ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨.

(٤) أي : كسب العبد المبيع مثلاً.

(٥) الوسيط ٣ : ١٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١.

١١٥

بأمرٍ سماويّ ؛ لامتناع التسليم(١) . وهو أصحّ وجهي الشافعي - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ المبيع مضمون عليه بالثمن ، فإذا أتلفه ، سقط الثمن(٢) .

والآخر له - وبه قال أحمد - : لا ينفسخ البيع ، ويكون كالأجنبي يضمنه بالمثل في المثلي ، وبالقيمة في غيره ، لانتقال الملك عنه إلى المشتري وقد جنى على ملك غيره ، فأشبه إتلاف الأجنبي(٣) .

وإن أتلفه أجنبيّ ، قال الشيخ : لا يبطل البيع ، بل يتخيّر المشتري بين الفسخ فيسترجع الثمن من البائع ؛ لأنّ التلف حصل في يد البائع ، وبين الإمضاء فيرجع على الأجنبي بالقيمة إن لم يكن مثليّاً ، ويكون القبض في القيمة قائم مقام القبض في المبيع ؛ لأنّها بدله(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين(٥) .

وهل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن؟ يحتمل ذلك ، كما يحبس المرتهن قيمة الرهن. والعدم ، لأنّ الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل ، بخلاف الرهن.

وللشافعي(٦) كالوجهين.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١١٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩ ، المغني ٤ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٦.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١١٧.

(٥) المغني ٤ : ٢٣٦ - ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥ - ١٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١ - ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٣.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢.

١١٦

فروع :

أ - لو استغلّ البائعُ المبيعَ قبل القبض ثمّ تلف ، فلا اُجرة عليه‌ إن جعلنا إتلافه كالسماويّة ، وإلّا فعليه الاُجرة.

وللشافعي(١) كالوجهين.

ب - لو أكلت الشاة ثمنها المعيّن قبل القبض ، فإن كانت في يد المشتري ، فهو كما لو أتلفه. وإن كانت في يد البائع ، فهو كإتلافه. وكذا إن كانت في يد أجنبيّ ، فكإتلافه. وإن لم تكن في يد أحدٍ ، انفسخ البيع ؛ لأنّه هلك(٢) قبل القبض بأمرٍ لا ينسب إلى آدميّ ، فصار كالسماويّة.

ج - إتلاف الثمن المعيّن كالمثمن في الأحكام المذكورة هناك ، أمّا غير المعيّن فلا يبطل البيع بإتلافه. وكذا الثمن المضمون.

د - لو باع عيناً باُخرى وقبض إحداهما فباعها أو أعتقها أو استحقّت بالشفعة ثمّ تلفت الأخرى قبله ، بطل العقد الأوّل دون الثاني ، ويرجع مشتري التالفة بقيمة عينه ؛ لتعذّر ردّه ، وعلى الشفيع مثل الثمن ؛ لأنّه عوض الشقص. ولو تلفت العين الاُخرى قبل قبض المشتري الثاني ، بطل البيعان.

مسألة ٦٥ : لو تلف بعض المبيع قبل القبض بآفة سماويّة ، فإن كان للتالف قسطٌ من الثمن‌ ، كعبدٍ من عبدَيْن مات(٣) ، بطل العقد فيه عند كلّ مَن يُبطل البيعَ بالإتلاف.

وفي الآخر خلاف.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : لأنّ المبيع هلك والصحيح ما أثبتناه ؛ لأنّ الفرض أنّ الهالك هو الثمن لا المبيع.

(٣) في « ك » زيادة : أحدهما.

١١٧

أمّا عندنا فلا يبطل ، بل يتخيّر المشتري في الفسخ ؛ لتبعّض الصفقة عليه ، والإمضاء.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : الفسخ بناءً على الإبطال بتفريق الصفقة.

والآخر : الصحّة على ذلك التقدير فرقاً بين الفساد المقترن بالعقد ، والطارئ(١) .

وإن لم يكن للتالف قسطٌ من الثمن ، كما لو سقطت يد العبد ، لعلمائنا قولان :

أحدهما : تخيير المشتري بين الفسخ والإمضاء مجّاناً مع القدرة على الفسخ ؛ لأنّه ارتضاه معيباً ، فكأنّه اشتراه معيباً عالماً بعيبه ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

والثاني : أنّ للمشتري مع اختيار الإمضاء الأرشَ ؛ لأنّه عوض الجزء الفائت قبل قبضه ، وكما لو تلف الجميع كان مضموناً على البائع فكذا البعض إمّا الجزء أو الوصف. وهو أقواهما عندي.

ولو تعيّب بفعل المشتري ، كما لو قطع يد العبد قبل قبضه ، فلا خيار له ؛ لأنّه أتلف ملكه ، فلا يرجع به على غيره ، ويجعل قابضاً لبعض المبيع حتى يستقرّ عليه ضمانه.

وإن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال ، فلا يضمن اليد المقطوعة بأرشها المقدّر ولا بما نقص القطع من القيمة ، وإنّما يضمنها بجزء من‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٩٢ ، الوجيز ١ : ١٤٠ و ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ و ٢٩٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ ، المغني ٤ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٦.

١١٨

الثمن كما يضمن الكلّ بكلّ الثمن ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وأصحّ وجهي الشافعيّة في كيفيّته - وبه قال ابن سُريج - : أنّه يقوّم صحيحاً ومقطوعاً ويؤخذ من الثمن بمثل نسبة التفاوت(١) ، فلو كان صحيحاً بعشرين ومقطوعاً بخمسة عشر ، فعليه ربع الثمن.

وأضعفهما : أنّه يستقرّ من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة ، وهو النصف ، فلو قطع يديه وانْدملتا ثمّ مات العبد في يد البائع ، وجب على المشتري تمام الثمن(٢) .

والثاني : أنّ إتلافه ليس بقبض ، فلا يكون قابضاً بشي‌ء من العبد ، ويضمن بأرشها المقدّر ، وهو نصف القيمة ، كالأجنبي(٣) .

ولو تعيّب بفعل أجنبيّ ، تخيّر المشتري بين الفسخ ، ويتبع البائع الجاني ، والإمضاء بجميع الثمن ، ويغرم الجاني.

قال بعض الشافعيّة : إنّما يغرم إذا قبض العبد لا قبله ؛ لجواز انفساخ البيع بموت العبد في يد البائع(٤) .

ثمّ الغرامة الواجبة على الأجنبي نصف القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع؟ قولان للشافعيّة ، أصحّهما : الأوّل(٥) .

ولو تعيّب بفعل البائع ، احتمل جَعْل جنايته كالأجنبي ، فيتخيّر المشتري بين الفسخ والرجوع عليه بالأرش. وكالسماويّة - وهو الأشهر من وجهي الشافعيّة(٦) - فيتخيّر بين الفسخ والإمضاء مجّاناً.

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : بمثل تلك نسبة التفاوت. والصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤ - ١٦٥.

(٤) القائل هو الماوردي في الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٥ ، وكما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٦٥.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ - ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٥.

١١٩

فروع :

أ - احتراق سقف الدار أو تلف بعض الأبنية كتلف عبدٍ من عبدين ؛ لأنّه يمكن إفراده بالبيع بتقدير الاتّصال والانفصال ، بخلاف يد العبد ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والآخر : أنّه كسقوط يد العبد(١) .

ب - النقص ينقسم إلى فوات صفة ، وهو العيب ، وإلى فوات جزء ، وينقسم إلى ما لا ينفرد بالقيمة والماليّة ، كيد العبد ، وهو في معنى الوصف ، وإلى ما ينفرد ، كأحد العبدين.

ج - المبيع بصفة أو رؤية متقدّمة من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع‌ - وبه قال أصحاب أحمد(٢) - وإن لم يكن مكيلاً أو موزوناً ؛ لتعلّق حقّ التوفية به ، فجرى مجرى الكيل.

وقال أحمد : لو اشترى من رجل عبداً بعينه فمات في يد البائع ، فهو من مال المشتري ، إلّا أن يطلبه فيمنعه البائع. ولو حبسه عليه ببقيّة الثمن ، فهو غاصب ، ولا يكون رهناً إلّا أن يكون قد اشترط في نفس البيع الرهن(٣) .

المطلب الثاني : في التصرّفات.

مسألة ٦٦ : لعلمائنا في بيع ما لم يقبض أقوال أربعة :

الجواز على كراهيّة مطلقاً‌ - وبه قال البتّي(٤) خاصّة - للأصل الدالّ‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٦.

(٢) المغني ٤ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٨.

(٤) المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥ ، وانظر : بداية المجتهد ٢ : ١٤٤.

١٢٠