تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196723 / تحميل: 5939
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

على إباحة أنواع التصرّف في الملك ، وقد صار ملكاً له بالعقد.

وقول الباقر أو الصادقعليهما‌السلام في رجل اشترى الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يقبضها ، قال : « لا بأس»(١) .

وقول الصادقعليه‌السلام في الرجل يشتري الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه ، قال : « لا بأس ، ويوكّل الرجل المشتري منه بكيله وقبضه »(٢) .

والمنع مطلقاً - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية ، وهو مرويّ عن ابن عباس ، وبه قال محمّد بن الحسن(٣) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن تُباع السَّلَع حيث تُبتاع حتى يحوزها(٤) التجّار إلى رحالهم(٥) .

ولأنّ الملك قبل القبض ضعيف ؛ لأنّه ينفسخ البيع لو تلف ، فلا يفيد ولاية التصرّف.

ولأنّ المبيع قبل القبض مضمون على البائع للمشتري ، فلو نفّذنا بيْعَه للمشتري ، لصار مضموناً للمشتري ، ولا يتوالى ضماناً عقدين من شي‌ء واحد.

والمنع في المكيل والموزون‌ مطلقاً ، والجواز في غيرهما - وبه قال أحمد في رواية ، وإسحاق ، وهو مرويّ عن عثمان وسعيد بن المسيّب‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٩ / ٣٧٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٥١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦٤ و ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٨ ، المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٤.

(٤) في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : يحرزها. وما أثبتناه من المصادر.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٢ / ٣٤٩٩ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٣ / ٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٤.

١٢١

والحسن والحكم وحمّاد بن أبي سليمان(١) - لأنّ النبي ٦ نهى عن بيع الطعام قبل قبضه(٢) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ما لم يكن فيه(٣) كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلّا أن يوليه الذي قام عليه »(٤) .

والمنع في الطعام‌ خاصّةً - وبه قال مالك وأحمد في رواية(٥) - لما تقدّم في الحديثين.

قال ابن عبد البرّ : الأصحّ عن أحمد بن حنبل أنّ الذي منع من بيعه قبل قبضه هو الطعام(٦) .

وقال [ ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ من اشترى طعاماً فليس له أن يبيعه حتى ينقله من مكانه(٧) .

وقال ](٨) أصحاب الرأي : بيع المنقول قبل القبض لا يجوز.

وأمّا العقار فقال محمّد بن الحسن : لا يجوز قبل قبضه(٩) .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : يجوز ؛ لأنّ عدم القبض في المنقول‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢.

(٢) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ١٢ / ١٠٨٧٥.

(٣) كلمة « فيه » لم ترد في المصدر ، كما سبق الحديث بدونها في ص ١٠١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٥ ، ١٤٦.

(٥) بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، المحلّى ٨ : ٥٢١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٤ : ٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤.

(٦) المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥.

(٧) المجموع ٩ : ٢٧٠ ، المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥.

(٨) ما بين المعقوفين لم يرد في « ق ».

(٩) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٧.

١٢٢

مانع من الجواز ؛ لخطر انفساخ البيع بهلاك المعقود عليه ، وهذا لا يتحقّق في العقار(١) .

ولنا قولٌ خامس : المنع من المكيل والموزون خاصّةً إلّا توليةً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن فلا تبِعْه حتى تقبضه إلّا أن توليه ، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبِعْه »(٢) .

والأقرب عندي : الكراهيّة إلّا في الطعام فالمنع أظهر‌ وإن كان فيه إشكال.

فروع :

أ - المبيع إن كان دَيْناً ، لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين ؛ لأنّ المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه أولى ، فلا يجوز بيع [ المسْلَم فيه ](٣) قبل قبضه ولا الاستبدال به ، وبه قال الشافعي(٤) .

ب - تجوز الحوالة بالـمُسْلَم فيه بأن يُحيل الـمُسْلَمُ إليه الـمُسْلَمُ بحقّه‌ على مَنْ له عليه دَيْنٌ من قرضٍ أو إتلاف. وعليه بأن يُحيل الـمُسْلَمُ مَنْ له عليه دَيْنٌ من قرضٍ أو إتلاف على الـمُسْلَم [ إليه ](٥) لأنّ الحوالة إيفاء‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ و ٢٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ - ١٢٨.

(٢) الفقيه ٣ : ١٢٩ / ٥٦٠ ، التهذيب ٧ : ٣٥ - ٣٦ / ١٤٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : السَّلَم. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : فيه. والصحيح ما أثبتناه.

١٢٣

واستيفاء ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

وآخر : تجوز الحوالة به ؛ لأنّ الواجب على المسلِم إليه توفير الحقّ على المسلم وقد فَعَل ، ولا تجوز الحوالة عليه ؛ لأنّها بيع سَلَم بدَيْنٍ.

وأصحّها(١) : المنع ؛ لما فيه من تبديل الـمُسْلَمُ فيه بغيره(٢) .

ج - لو كان الدَّيْن ثمناً - كما لو باع بدراهم أو دنانير في الذمّة‌ - ففي الاستبدال عنها لنا روايتان بالجواز - وهو جديد الشافعي(٣) - لأنّ ابن عمر قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فآخذ مكانها الورق ، وأبيع بالورق فآخذ مكانها الدنانير ، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « لا بأس به بالقيمة »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن رجلٍ باع طعاماً بدراهم إلى أجل ، فلمـّا بلغ الأجل تقاضاه ، فقال : ليس عندي دراهم خُذْ منّي طعاماً ، قال : « لا بأس به إنّما له دراهم يأخذ بها ما شاء »(٥) .

والقديم : المنع ؛ للنهي عن بيع ما لم يقبض. ولأنّه عوض في معاوضة ، فأشبه الـمُسْلَم فيه(٦) .

د - لو باع بغير الدراهم والدنانير في الذمّة ، فجواز الاستبدال عنه مبنيّ على أنّ الثمن ما ذا؟ والمثمن ما ذا؟

والوجه : أنّ الثمن هو ما اُلصق به « الباءُ » والمثمن ما يقابله ، وهو‌

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : أصحّهما. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المجموع ٩ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ - ٣٠٢.

(٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ - ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤٤ / ١٢٤٢ ، مسند أحمد ٢ : ٢٠٦ / ٥٥٣٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٨٦ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٦٦ / ٧٣٤ ، التهذيب ٧ : ٣٣ / ١٣٦ ، الاستبصار ٣ : ٧٧ / ٢٥٦.

(٦) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

١٢٤

أحد وجهي(١) الشافعية(٢) .

والثاني : أنّ الثمن هو النقد ، والمثمن ما يقابله ، فلو باع نقداً بنقد ، فلا مثمن فيه. ولو باع عَرْضاً بعَرْضٍ ، فلا ثمن فيه(٣) .

وأصحّهما(٤) : أنّ الثمن هو النقد ، فإن لم يكن أو كانا نقدين ؛ فالثمن ما اُلصق به « الباء »(٥) .

وعلى الأوّل - وهو أنّ الثمن ما اُلصق به « الباء » - يجوز الاستبدال عن غير الدراهم والدنانير كما(٦) يجوز الاستبدال عنهما. وعلى الآخر لا يجوز عنده(٧) .

ه- لو استبدل عن أحد النقدين الآخر ، لم يشترط قبض البدل في المجلس - قاله الشيخ(٨) ؛ للرواية(٩) - لأنّ النقدين من واحد.

ومَنَعه ابنُ إدريس(١٠) ، وهو قول الشافعي(١١) ، وكذا قال الشافعي لو استبدل عن الحنطة شعيراً على تقدير تسويغه(١٢) .

و - لا يشترط تعيين البدل في العقد‌ - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١٣) - ويكفي الإحضار في المجلس ، كما لو تصارفا في الذمّة ثمّ عيّنا وتقابضا في المجلس.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : وجوه. كما يستفاد من المصادر.

(٢ و ٣) المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٤) كذا ، والظاهر : أصحّها.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٦) في « ك » : كما أنّه.

(٧) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

(٨) النهاية : ٣٨٠.

(٩) الكافي ٥ : ٢٤٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٣٧ ، التهذيب ٧ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤٤١.

(١٠) السرائر : ٢١٨.

(١١ - ١٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣.

١٢٥

وأضعفهما : الاشتراط ؛ لئلّا يكون بيع دَيْنٍ بدَيْن(١) .

ز - لو استبدل عنها ما لا يوافقها في علّة الربا ، كما لو استبدل عن الدراهم طعاماً أوثياباً ، فإن عيّن ، جاز.

وفي اشتراط قبضه في المجلس للشافعي وجهان :

الاشتراط ؛ لأنّ أحد العوضين دَيْنٌ ، فيشترط قبض الثاني ، كرأس مال المسلم في السلم.

وأصحّهما - وبه نقول - : المنع ، كما لو باع ثوباً بدرهم في الذمّة لا يشترط قبض الثوب في المجلس(٢) .

وإن لم يعيّن البدل بل وصف والتزم في الذمّة ، فعلى الوجهين عنده(٣) .

والوجه عندنا : الجواز.

ح - ما ليس بثمن ولا مثمن من الديون‌ - كدَيْن القرض والإتلاف - يجوز الاستبدال عنه إجماعاً ؛ لاستقراره في الذمّة. وفي تعيين البدل والقبض في المجلس على ما تقدّم للشافعي(٤) .

ط - يجوز بيع الدَّيْن من غير مَنْ عليه الدَّيْن ، كما لو كان له على زيد مائة فاعتاض عن عمرو عبداً ليكون المائة له ، عندنا - وهو أضعف قولي الشافعي(٥) - كما يجوز بيعه ممّن عليه ، وهو الاستبدال.

وأصحّهما : المنع ؛ لعدم القدرة على التسليم(٦) . وهو ممنوع.

وعلى الأوّل يشترط أن يقبض مشتري الدَّيْن [ الدَّيْن ](٧) ممّن عليه‌

____________________

(١ - ٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣.

(٤) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣ - ٣٠٤.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤.

(٧) أضفناها لأجل السياق.

١٢٦

في المجلس عند الشافعي(١) ، وأن يقبض بائع الدَّيْن العوضَ في المجلس حتى لو تُوفّي قبل قبض أحدهما ، بطل العقد.

ي - لو كان له دَيْنٌ على إنسان ولآخر دَيْنٌ على ذلك الإنسان‌ فباع أحدهما ما لَه عليه بما لصاحبه عليه وقَبِل الآخر ، لم يصحّ ، اتّفق الجنس أو اختلف ؛ لنهيهعليه‌السلام عن بيع الكالئ بالكالئ(٢) .

يأ - لو باع شيئاً بدراهم أو دنانير معيّنة فوجدها معيبة ، لم يكن للمشتري إبدالها. ولو تلفت قبل القبض ، انفسخ البيع ، كما في طرف المبيع ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تتعيّن(٤) . وسيأتي.

مسألة ٦٧ : وهل يصحّ بيعه من بائعه؟ أمّا المجوّزون فإنّهم جزموا بالجواز هنا. واختلف المانعون ، فبعضهم منع - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٥) - كبيعه من غيره. وبعضهم جوّز - وهو الثاني(٦) - كبيع المغصوب من الغاصب.

قال بعض الشافعيّة : الوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقيصة ، وإلّا فهو إقالة بصيغة البيع(٧) .

ولو ابتاع شيئاً يحتاج إلى قبضٍ فلقيه ببلدٍ آخر ، فالأقرب : أنّ له أخذ بدله.

ومَنَع منه الحنابلة وإن تراضيا ؛ لأنّه مبيع لم يقبض(٨) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ٧١ / ٢٦٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٧.

(٣) المجموع ٩ : ٢٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ - ٢٩٧.

(٨) المغني ٤ : ٢٣٩ - ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٩.

١٢٧

وإن كان ممّا لا يحتاج إلى قبض ، جاز.

مسألة ٦٨ : والأقرب عندي : أنّ النهي يتعلّق بالبيع لا بغيره من المعاوضات. ومنع الشيخ من إجارته قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه ، لأنّ الإجارة ضرب من البيوع(١) .

وللشافعيّة وجهان : المنع ، لأنّ التسليم مستحقّ فيها ، كما في البيع.

والجواز ، لأنّ موردها غير مورد البيع ، فلا يتوالى ضمانا عقدين من جنس واحد(٢) .

ومَنَع الشيخ من الكتابة ، لأنّها نوع بيع(٣) . وهو ممنوع.

وأمّا الرهن فجوّزه الشيخ(٤) ، وهو حقّ ، لأنّه ملكه ، فصحّ منه التصرّف فيه.

وللشافعي قولان : الصحّة ؛ لأنّ التسليم غير لازم فيه. والمنع ، لضعف الملك ، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الرهن ، كالمكاتب لا يرهن كما لا يباع(٥) .

ويجري القولان وعلّتهما في الهبة(٦) .

وعلى تقدير الصحّة فنفس العقد ليس قبضاً ، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه إلى المرتهن والمتّهب.

وفي العتق للشافعي وجهان :

أصحّهما : النفوذ ، ويصير قابضاً ؛ لقوّة العتق وغلبته ، ولهذا جاز عتق‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، الوسيط ٣ : ١٤٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٣ و ٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥.

١٢٨

الآبق دون بيعه.

وأضعفهما : المنع ؛ لأنّه إزالة ملك ، فأشبه البيع(١) .

وأمّا تزويج الأمة فجوّزه الشيخ(٢) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

قال الشيخ : ويكون وطؤ المشتري أو الزوج قبضاً(٤) . وبه قال أبو حنيفة(٥) .

وقال الشافعي : وطؤ الزوج لا يكون قبضاً(٦) .

وأمّا السَّلَم فحكمه حكم البيع ، وكذا التولية ، إلّا على ما تقدّم من رواية منع البيع وجواز التولية.

وعن مالك جواز التولية(٧) ، وهو وجه للشافعيّة(٨) .

وأمّا الاشتراك فإنّه عندنا إنّما يكون بالمزج أو بأحد العقود الناقلة للنصف ، والأوّل يستدعي القبض ، والثاني تابع.

وجوّز مالك الشركة قبل القبض(٩) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ٧٩.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٦) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٧) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٨) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٩) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

١٢٩

وخالف فيه الشافعي - إلّا في وجهٍ - وأبو حنيفة وأحمد ؛ لأنّها بيع بعض المبيع بقسطه من الثمن(١) .

وأمّا الإقالة فإنّها جائزة قبل القبض - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) - لأنّها ليست بيعاً على ما يأتي.

وقال مالك : إنّها بيع مطلقاً(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّها بيع في حقّ غير المتعاقدين ، وفسخ في حقّهما(٤) . وسيأتي.

والقائلون بأنّها بيع أوجبوا القبض(٥) .

مسألة ٦٩ : والمنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه‌ ، فلو ورث مالاً ، جاز له بيعه قبل قبضه - وبه قال الشافعي(٦) - عملاً بالأصل ، إلّا أن يكون المورّث قد اشتراه ومات قبل قبضه ، فليس للوارث بيعه عند المانعين(٧) ، كما لم يكن للمورّث.

ولو أوصى له بمال فقَبِل الوصيّة بعد الموت ، فله بيعه قبل أخذه ،

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، الحجّة على أهل المدينة ٢ : ٧٠٦ ، المغني ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤ ، المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) المدوّنة الكبرى ٤ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٤) تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ - ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٤ - ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٦ و ٧) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧.

١٣٠

وبه قال الشافعي(١) .

وإن باع بعد الموت وقبل القبول ، فكذلك إن قلنا : الوصيّة تملك بالموت.

وإن قلنا : تملك بالقبول أو هو موقوف ، قال الشافعي : لا يصحّ(٢) .

ويحتمل الصحّة ؛ لأنّ القبول قد يكون بالفعل.

والمال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو مع التفريط - ويسمّى ضمان اليد - يجوز بيعه قبل قبضه ؛ لتمام الملك فيه.

ولو باع عبداً وسلّمه ثمّ فسخ المشتري ، لعيبٍ ، فللبائع بيعه قبل قبضه ؛ لأنّه الآن صار مضموناً بالقيمة.

ولو فسخ السَّلَم ؛ لانقطاع الـمُسْلَم فيه ، فللمُسْلِم بيع رأس المال قبل استرداده. وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بإفلاس المشتري قبل قبضه.

وبهذا كلّه قال الشافعي(٣) .

أمّا ما هو مضمون في يد الغير بعوضٍ في عقد معاوضةٍ فالوجه : جواز بيعه قبل قبضه ، كمال الصلح والأجرة المعيّنة ، لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لتوهّم الانفساخ بتلفه ، كالمبيع(٤) (٥) .

وأمّا الصداق فيجوز للمرأة بيعه قبل قبضه ، نصّ عليه الشيخ(٦) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٣) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ - ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : كالبيع. وما أثبتناه من المصادر.

(٥) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٦) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠ ، الخلاف ٣ : ٩٨ ، المسألة ١٦٠.

١٣١

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّه مضمون في يد الزوج ضمان العقد أو ضمان اليد؟

فعلى الأوّل - وهو أصحّهما عنده - لا يصحّ.

ويجريان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض ، وبيع العافي عن القود المال المعفوّ عليه عنده(١) .

وعندنا يجوز ذلك كلّه.

وأمّا الأمانات فيصحّ بيعها قبل قبضها - وبه قال الشافعي(٢) - فلمالك الوديعة بيعها قبل قبضها ، وكذا بيع مال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل ، وبيع المال في يد الوكيل والمرتهن بعد الفكّ ، والمال في يد الولي بعد بلوغ الصبي ورشده ، وما احتطبه العبد واكتسبه وقبله بالوصيّة قبل أن يأخذه السيّد ، لتمام الملك عليها ، وحصول القدرة على التسليم.

ومنع الشيخ من بيع الصرف قبل قبضه(٣) .

ومال الغنيمة إذا تعيّن عليه ملكه. صحّ بيعه قبل قبضه ، قاله الشيخ(٤) . وهو جيّد.

مسألة ٧٠ : قد بيّنّا أنّ السَّلَم نوع من البيع‌ ، فمَنْ مَنَع من بيع غير المقبوض مَنَعه هنا. ومَنْ جوّزه هناك جوّزه هنا.

فلو أسلم في طعامٍ ثمّ باعه من آخر ، قال الشيخ : لا يصحّ إلّا أن يجعله وكيله في القبض ، فإذا قبض عنه ، صار حينئذٍ قبضاً عنه(٥) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠ - ١٢١.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢١.

١٣٢

وإذا حلّ عليه الطعام بعقد السَّلَم فدفع إلى الـمُسْلَم دراهم وقال : خُذْها بدل الطعام ، قال الشيخ : لم يجز ؛ لأنّ بيع الـمُسْلَم فيه لا يجوز قبل القبض ، سواء باعه من الـمُسْلَم إليه أو من أجنبي(١) .

وإن قال : اشتر بها الطعام لنفسك ، قال : لم يصحّ ؛ لأنّ الدراهم باقية على ملك الـمُسْلَم إليه ، فلا يصحّ أن يشتري بها طعاماً لنفسه ، فإن اشترى بالعين ، لم يصحّ ، وإن اشترى في الذمّة ، ملك الطعام وضمن الدراهم(٢) .

ولو كان عليه طعام قرضاً فأعطاه من جنسه ، فهو نفس حقّه.

وإن غايره فإن كان في الذمّة وعيّنه قبل التفرّق وقبضه ، جاز ، وإن فارقه قبل قبضه ، قال الشيخ : لا يجوز ؛ لأنّه يصير بيعَ دَيْنٍ بدَيْن(٣) .

وإن كان معيّناً وفارَقه قبل القبض ، جاز.

مسألة ٧١ : لو كان له في ذمّة غيره طعام فباع منه طعاماً بعينه‌ ليقبضه الطعام الذي في ذمّته منه ، لم يصحّ ؛ لأنّه شرط قضاء الدَّيْن الذي في ذمّته من هذا الطعام بعينه ، وهذا لا يلزم ، ولا يجوز أن يُجبر على الوفاء به ، فيفسد الشرط فيفسد البيع ؛ لاقترانه به ، لأنّ الشرط يحتاج أن يزيد بقسطٍ من الثمن وهو مجهول ففسد البيع. ولو قلنا : يفسد الشرط ويصحّ البيع ، كان قويّاً. هذا كلّه كلام الشيخ(٤) .

والوجه عندي : صحّتهما معاً ؛ لأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسُّنّة.

قال الشيخ : ولو باع منه طعاماً بعشرة دراهم على أن يقبضه الطعام‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢١.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢١.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٢ - ١٢٣.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٣.

١٣٣

الذي له عليه أجود منه ، لم يصحّ ؛ لأنّ الجودة لا يجوز أن تكون ثمناً بانفرادها ، وإن قضاه أجود ليبيعه طعاماً بعينه بعشرة ، لم يجز(١) .

والوجه عندي : الجواز في الصورتين ؛ لأنّه شرط في البيع ما هو مطلوب للعقلاء سائغ فكان مشروعاً ، وليست الجودة هنا ثمناً بل هي شرط.

مسألة ٧٢ : إذا باع طعاما بعشرة مؤجّلة فلمـّا حلّ الأجل أخذ بها طعاما ، جاز‌ إن أخذ مثل ما أعطاه. وإن أخذ أكثر ، لم يجز. وقد روي أنّه يجوز على كلّ حال. هذا قول الشيخ(٢) .

والوجه عندي ما تضمّنته الرواية ؛ لأنّه صار مالاً له ، فجاز له بيعه بمهما أراد ، كغيره.

القسم الثاني : الربا.

وتحريمه معلوم بالضرورة من دين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالـمُبيح له مرتدّ.

قال الله تعالى :( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٣) وقال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٤) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اجتنبوا السبع الموبقات » قيل : يا رسول الله وما هي؟ قال : « الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرّم الله إلّا‌

____________________

(١ و ٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٣.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) البقرة : ٢٧٨ و ٢٧٩.

١٣٤

بالحقّ ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولّي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات »(١) .

ولعَنَ آكلَ الربا ومؤكلَه وشاهدَيْه وكاتبَه(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « درهم ربا أعظم عند الله تعالى من سبعين زنية كلّها بذات محرم »(٣) .

وأجمعت الاُمّة على تحريمه.

وهو لغةً : الزيادة(٤) . واصطلاحاً : بيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة ، وانضمام شرائط تأتي إن شاء الله تعالى.

وهو قسمان : ربا الفضل ، وربا النسيئة ، وقد أجمع العلماء على تحريمهما.

وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة ، فحكي عن ابن عباس واُسامة بن زيد وزيد بن أرقم وابن الزبير أنّ الربا في النسيئة خاصّة ؛ لقولهعليه‌السلام : « لا ربا إلّا في النسيئة »(٥) (٦) ثمّ رجع ابن عباس إلى قول‌

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٩٢ / ١٤٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١١٥ ، ٢٨٧٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٨٤ ، و ٨ : ٢٠ و ٢٤٩ ، المغني ٤ : ١٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٣.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٤٤ / ٣٣٣٣ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٥٥٩ / ٢٠٤٢ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ٣١٥ - ٣١٦ / ١٥٣٥١ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٤ / ٧٨٢ ، التهذيب ٧ : ١٤ / ٦١ بتفاوت يسير.

(٤) الصحاح ٦ : ٢٣٤٩ ، تهذيب اللغة ١٥ : ٢٧٢.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٩٨ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨١ ، مسند أحمد ٦ : ٢٦٢ / ٢١٢٥٥ ، المعجم الصغير - للطبراني - ٢ : ١٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١ : ١٧٢ / ٤٢٩ و ٤٣١ - ٤٣٣.

(٦) الحاوي الكبير ٥ : ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

١٣٥

الجماعة(١) ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تبيعوا الذهب بالذهب إلّا مِثْلاً بمِثْل »(٢) .

والنظر فيه يتعلّق [ بأمرين ](٣) :

الأوّل : الشرائط‌ ، وهي اثنان : الاتّفاق في الجنس ، ودخول التقدير ، فهنا مطلبان :

الأوّل : في الجنس. والمراد به الماهيّة ، كالحنطة والاُرز وإن اختلفت صفاتها. وهو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها ، والنوع الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها ، وقد ينقلب كلّ منهما إلى صاحبه ، فكلّ نوعين اجتمعا في اسم خاصّ فهُما جنس ، كالتمر كلّه جنس وإن كثرت أنواعه كالبَرْنيّ والمعقلًيّ.

مسألة ٧٣ : وقد أجمع المسلمون على ثبوت الربا في الأشياء الستّة ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الذهب بالذهب مِثْلاً بمِثْل ، والفضّة بالفضّة مِثْلاً بِمثْل ، والتمر بالتمر مِثْلاً بمِثْل ، والبُرّ بالبُرّ مِثْلاً بمِثْل ، والملح بالملح مِثْلاً بمِثْل ، والشعير بالشعير مِثْلاً بمِثْل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يداً بيد ، وبيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد »(٤) .

واختلف فيما سواها ، فحكي عن طاوُس وقتادة وداوُد وبعض نُفاة القياس الاقتصارُ عليها ، ولا يجري في غيرها ، وهي على أصل الإباحة ؛ لقوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٥) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٤٣ ، ١٢٤١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٢٩٠ ، ٢١٨١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : باُمور ثلاثة. وما أثبتناه مطابق لما قسّمه المؤلّفقدس‌سره .

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤١ / ١٢٤٠.

(٥) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٥ ، والآية ٢٧٥ من سورة البقرة.

١٣٦

وعند الإماميّة أنّ الضابط الكيلُ أو الوزن أو العدد على خلافٍ في الأخير ، فأين وُجد أحدها ثبت الربا ؛ لأنّه الزيادة ، وهي إنّما تثبت في المقدّر بأحد المقادير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الربا إلّا فيما يُكال أو يُوزن »(١) .

وقوله تعالى :( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٢) يقتضي تحريم كلّ زيادة إلّا ما أجمعنا على تخصيصه.

مسألة ٧٤ : واتّفق العلماء على أنّ ربا الفضل لا يجري إلّا في الجنس الواحد‌ ، إلّا سعيد بن جبير ؛ فإنّه قال : كلّ شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً ، كالحنطة بالشعير ، والتمر بالزبيب ، والذرّة بالدخن ؛ لتقارب نفعهما ، فجريا مجرى نوعَي جنسٍ واحد(٣) .

أمّا الأوّلان : فسيأتي البحث فيهما. وأمّا الثالث وشبهه : فهو باطل ؛ لقولهعليه‌السلام : « بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يداً بيد ، وبيعوا البُرّ بالتمر كيف شئتم »(٤) مع أنّ الذهب والفضّة متقاربان.

مسألة ٧٥ : والربا عندنا ثابت في الصُّور بالنصّ‌ ، فإنّا إنّما نُثبته في المقدّر بأحد المقادير المذكورة ، وهي : الكيل ، والوزن ، والعدد على خلافٍ فيه ؛ إذ القياس عندنا باطل.

أمّا القائلون بالقياس فقد اتّفقوا على أنّه لعلّةٍ ، ثمّ اختلفوا.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٦ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ / ٧٤ ، و ١٩ / ٨١ ، و ٩٤ / ٣٩٧ ، و ١١٨ / ٥١٥ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المغني ٤ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٥ / ١٣٦.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤١ / ١٢٤٠.

١٣٧

فقال النخعي والزهري والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وأحمد في روايةٍ : إنّ علّة الذهب والفضّة كونه موزونَ جنس ، وعلّة الأعيان الأربعة الباقية مكيل جنسٍ ، فيجري الربا في كلّ مكيل أو موزون بجنسه ، مطعوماً كان أو غيره(١) .

وهو الذي ذهبنا إليه ، فيجري في الحبوب والثُّوم والقُطْن والصوف والكتّان والحِنّاء والحديد والنورة والجصّ وغير ذلك ممّا يدخله الكيل والوزن دون ما عداه وإن كان مطعوماً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن الرجل يبيع الفرس بالأفراس ، فقال : « لا بأس إذا كان يداً بيد »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « البعير بالبعيرين والدابّة بالدابّتين يداً بيد ليس به بأس »(٣) .

ولأنّ قضيّة البيع المساواة ، والمؤثّر في تحقيقها الكيل والوزن والجنس ، فإنّ الكيل والوزن سوّى بينهما صورةً ، والجنس سوّى بينهما معنىً.

وقال الشافعي في الجديد : العلّة في الأربعة أنّها مطعومة في جنسٍ واحد ، فالعلّة ذات وصفين ، وفي النقدين : جوهر الثمنيّة غالباً. وهو رواية عن أحمد - وعن بعض الشافعيّة أنّه لا علّة في النقدين(٤) - لأنّ النبي ٦‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٦ ، تحفة الفقهاء ٢ : ٢٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦١ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٨ و ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٢٥٢ / ٥٨٥١.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٧ / ٧٩٧ ، التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١١ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ / ٣٤٧.

(٤) المجموع ٩ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

١٣٨

نهى عن بيع الطعام إلّا مِثْلاً بِمثْل(١) ، وهو عامّ في المكيل وغيره. ولأنّ الطعم وصف شرفٍ ، فإنّ به قوام الأبدان ، والثمنيّة وصف شرفٍ ، فإنّ بها قوام الأموال ، فيجري الربا في كلّ مطعوم دَخَله الكيل والوزن أولا ، كالبطّيخ والأترج والسفرجل والخيار والبيض ، وسواء اُكل نادراً ، كالبلّوط ، أو غالباً ، وسواء اُكل وحده أو مع غيره ، وسواء اُكل تقوّتاً أو تأدّماً أو تفكّهاً أو غيرها ممّا يقصد للطعم غالباً دون ما ليس بمطعوم وإن كان موزوناً ، كالحديد والرصاص والاُشنان - ويبطل بقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الربا إلّا فيما يُكال أو يُوزن »(٢) - لأنّ قولهعليه‌السلام : « الطعام بالطعام مثل بمثل »(٣) علّق الحكم باسم الطعام ، والحكم المعلّق بالاسم المشتقّ معلّل بما منه الاشتقاق ، كالقطع المعلّق باسم السارق ، والحدّ المعلّق باسم الزاني(٤) .

وقال الشافعي في القديم : العلّة في الأربع كونه مطعومَ جنسٍ مكيلاً أو موزوناً ، فلا يجري الربا في مطعوم لا يُكال ولا يُوزن ، ولا فيما ليس بمطعوم. وبه قال سعيد بن المسيّب وأحمد في رواية ؛ لأنّ سعيد بن المسيّب روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ربا إلّا فيما كيل أو وزن ممّا يؤكل أو‌

____________________

(١) أورد نصّه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٧ ، وانظر : صحيح مسلم ٢ : ١٢١٤ / ١٥٩٢ ، وسنن الدار قطني ٣ : ٢٤ / ٨٤.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٣٦ ، الهامش (١).

(٣) صحيح مسلم ٢ : ١٢١٤ / ١٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٤ / ٨٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٤ - ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٣٩٣ و ٣٩٥ و ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ - ٤٥ و ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ و ٧٤ و ٧٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣٢.

١٣٩

يشرب »(١) (٢) .

ويضعّف بقول الدار قطني : الصحيح أنّه من قول سعيد بن المسيّب ، ومَنْ رفعه فقد وهم(٣) .

وقال مالك : العلّة القوت أو ما يصلح به القوت من جنسٍ واحد من المدّخرات(٤) ؛ فإنّ علّة الطعم لا تستقيم ؛ لثبوت الطعم لكلّ شي‌ء ، فينبغي أن يعلّل بالقوت الذي يعلّل به الزكاة ، كما أنّ الجواهر لم يجر الربا إلّا فيما تجب الزكاة ، وهو الذهب والفضّة.

ويبطل بالملح ؛ فإنّه لا يُقتات ، والإدامِ يصلح به القوت ، والنارِ والحطب.

وقال ربيعة بن عبد الرحمن : الاعتبار بما تجب فيه الزكاة(٥) ، فكلّ ما وجبت فيه الزكاة جرى فيه الربا ، فلا يجوز بيع بعير ببعيرين ولا بقرة ببقرتين.

ويبطل بما تقدّم ، وبالملح ؛ فإنّه لا تجب فيه الزكاة ، ويجري فيه الربا.

____________________

(١) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ / ٣٩.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، المغني ٤ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٧.

(٣) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ ذيل الحديث ٣٩ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٣٨ ، والشرح الكبير ٤ : ١٣٧.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

(٥) المجموع ٩ : ٤٠١ ، حلية العلماء ٤ : ١٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

بالقلب، وعمل بالاركان.

قال حمزة بن محمّد: وسمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت أبي يقول: وقد روى هذا الحديث، عن أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام باسناد مثله، قال أبوحاتم: لو قرئ هذا الاسناد على مجنون لبرئ(١) .

٤٠٦/١٦ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا سعد ابن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد بن مروان القندي، عن عليّ بن معبد، عن عبدالله بن القاسم، عن مبارك بن عبد الرحمن، عن أبي عبدالله الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الاسلام عريان، فلباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت(٢) .

٤٠٧/١٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثني محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن النضر بن شعيب، عن خالد بن ماد القلانسي، عن القندي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله، أكل من قال لا إله إلا الله، مؤمن؟ قال: إن عداوتنا تلحق باليهود والنصارى، إنكم لا تدخلون الجنة حتى تحبوني، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا، يعني عليا عليه السلام(٣) .

٤٠٨/١٨ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه محمّد بن خالد، عن غياث بن

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٢٧/٥، الخصال: ١٧٩/٢٤٢، بحار الانوار ٦٩: ٦٣/٩.

(٢) الكافي ٢: ٣٨/٢، المحاسن: ٢٨٦/٤٢٧، بحار الانوار ٦٨: ٣٤٣/١٥.

(٣) بحار الانوار ٢٧: ٧٥/٢.

٣٤١

إبراهيم، عن ثابت بن دينار، عن سعد بن طريف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا علي، أنا مدينة الحكمة، وأنت بابها، ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، لانك مني وأنا منك لحمك من لحمي، ودمك من دمي، وروحك من روحي، وسريرتك سريرتي، وعلانيتك علانيتي، وأنت إمام امتي وخليفتي عليها بعدي، سعد من أطاعك، وشقي من عصاك، وربح من تولاك، وخسر من عاداك، وفاز من لزمك، وهلك من فارقك، مثلك ومثل الائمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم، كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين

______________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٤١/٦٥، بحار الانوار ٢٣: ١٢٥/٥٣.

٣٤٢

[ ٤٦ ]

المجلس السادس والاربعون

مجلس يوم الثلاثاء

الثاني من شهر ربيع الاول سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٤٠٩/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: من رأى أخاه على أمر يكرهه، فلم يرده عنه، وهو يقدر عليه، فقد خانه، ومن لم يجتنجب مصادقة الاحمق أوشك أن يتخلق بأخلاقه(١) .

٤١٠/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد ابن عبد الجبار، عن أبي أحمد الازدي، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الله عزّوجلّ آخى بيني وبين عليّ بن أبي طالب، وزوجه ابنتي فوق سبع سماواته، وأشهد على ذلك مقربي ملائكته، وجعله لي وصيا وخليفة، فعلي مني وأنا منه، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، وإن الملائكة لتتقرب إلى الله بمحبته(٢) .

______________

(١) بحار الانوار ٧٤: ١٩٠/٢، و ٧٥: ٦٥/٢.

(٢) بحار الانوار ٤٣: ٩٨/٩.

٣٤٣

٤١١/٣ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن زياد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، أنه قال: إن الله تبارك وتعالى رضي لكم الاسلام دينا، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق(١) .

٤١٢/٤ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كثرة المزاح تذهب بماء الوجه، وكثرة الضحك تمحو الايمان، وكثرة الكذب تذهب بالبهاء(٢) .

٤١٣/٥ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كان مسلما فلا يمكر ولا يخدع، فإني سمعت جبرئيل عليه السلام يقول: إن المكر والخديعة في النار(٣) .

٤١٤/٦ - ثم قال: صلّى الله عليه وآله وسلّم: ليس منا من غش مسلما، وليس منا من خان مسلما(٤) .

٤١٥/٧ - ثم قال: صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن جبرئيل الروح الامين نزل علي من عند رب العالمين، فقال: يا محمّد، عليك بحسن الخلق، فإن سوء الخلق يذهب بخير الدنيا والآخرة، ألا وإن أشبهكم بي أحسنكم خلقا(٥) .

______________

(١) بحار الانوار ٧١: ٣٥٠/٢، و: ٣٩١/٥٠.

(٢) بحار الانوار ٧٦: ٥٨/١.

(٣) بحار الانوار ٧١: ٣٨٧/٣٥، وسائل الشيعة ٨: ٥٧٠/١.

(٤) بحار الانوار ٧٥: ٢٨٤/٢ وسائل الشيعة ٨: ٥٧٠/١.

(٥) بحار الانوار ٧٣: ٢٩٦/٣، وسائل الشيعة ٨: ٥٧٠/١.

٣٤٤

٤١٦/٨ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: من صلى صلاة مكتوبة ثم سبح في دبرها ثلاثين مرة، لم يبق على بدنه شئ من الذنوب إلا تناثر(١) .

٤١٧/٩ - حدّثنا جعفر بن الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: أتي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأسارى فأمر بقتلهم خلا رجل من بينهم، فقال الرجل: بأبي أنت وأمي - يا محمّد - كيف أطلقت عني من بينهم؟ فقال: أخبرني جبرئيل عن الله عزّوجلّ أن فيك خمس خصال يحبها الله عزّوجلّ ورسوله: الغيره الشديدة على حرمك، والسخاء، وحسن الخلق، وصدق اللسان، والشجاعة، فلما سمعها الرجل أسلم وحسن إسلامه، وقاتل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قتالا شديدا حتى استشهد(٢) .

٤١٨/١٠ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى الجلودي، قال: (حدّثنا محمّد بن عطية، قال: حدّثنا عبدالله بن عمرو بن سعيد البصري، قال: حدّثنا)(٣) هشام بن جعفر، عن حماد، عن عبدالله بن سليمان(٤) ، وكان قارئا للكتب، قال: قرأت في الانجيل: يا عيسى، جد في أمري ولا

______________

(١) وسائل الشيعة ٤: ١٠٣٢/٥.

(٢) الخصال: ٢٨٢/٢٨، بحار الانوار ٦٩: ٣٨٣/٤٥، و ٧١: ٣٨٤/٢٥.

(٣) أثبتناه من كمال الدين: ١٥٩/١٨، وللسند نظائر في الخصال: ٥٩/٨٠ وكمال الدين: ٣٨٥/١، و: ٣٩٢/٥.

(٤) في نسخة: عن حماد بن عبدالله بن سليمان، وكذا في كمال الدين: ١٥٩/١٨، وفي الخصال ٥٩/٨٠ وكمال الدين: ٣٨٥/١، عن حماد، عن عبدالله بن سليمان، وفي: ٣٩٤/٥ هشام بن جعفر بن حماد، عن عبدالله بن سليمان، والظاهر أنه مصحف هشام بن سنبر، عن حماد بن أبي سليمان، انظر تهذيب الكمال، ٧: ٢٧١ و ٣٠: ٢١٦.

٣٤٥

تهزل، واسمع وأطع، يا بن الطاهرة الطهر البكر البتول، أتيت(١) من غير فحل، أنا خلقتك آية للعالمين، فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، خذ الكتاب بقوة، فسر لاهل سوريا السريانية، وبلغ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول، صدقوا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الامي صاحب الجمل والمدرعة(٢) والتاج - وهي العمامة - والنعلين والهراوة - وهي القضيب - الانجل العينين(٣) ، الصلت الجبين(٤) ، الواضح(٥) الخدين، الاقنى الانف، المفجل(٦) الثنايا، كأن عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه، له شعرات من صدره إلى سرته، ليس على بطنه ولا على صدره شعر، أسمر اللون، دقيق المسربة(٧) ، شثن(٨) الكف والقدم، إذا التفت التفت جميعا، وإذا مشى كأنما يتقلع(٩) من الصخرة وينحدر من صبب(١٠) ، وإذا جاء مع القوم بذهم(١١) ، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، وريح المسك ينفح منه، لم ير قبله مثله ولا بعده، طيب الريح، نكاح النساء ذو النسل القليل، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك، لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، ودينه الاسلام، وأنا السلام، طوبى لمن أدرك زمانه، وشهد أيامه، وسمع كلامه.

______________

(١) في نسخة: أنت.

(٢) المدرعة: ثوب صوف، وجبة مشقوقة المقدم.

(٣) العين النجلاء: الواسعة الحسنة.

(٤) جين صلت: واضح في سعة وبريق.

(٥) الواضح: الابيض.

(٦) قنى الانف: ارتفاع وسط قصبته وضيق منخريه، وفلج الاسنان: تباعدها.

(٧) المسربة: الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة.

(٨) الشسن: الغليظ الخشن.

(٩) في نسخة: ينقلع، والمراد قوة مشيه، أي كأنه يرفع رجليه من الارض رفعا قويا، لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه، فإن ذلك من مشي النساء.

(١٠) الصيب: الموضع المنحدر.

(١١) أي غلبهم وسبقهم.

٣٤٦

قال عيسى عليه السلام: يا رب، وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة، أنا غرستها، تظل الجنان، أصلها من رضوان، ماؤها من تسنيم، برده برد الكافور، وطعمه طعم الزنجبيل، من يشرب من تلك العين شربة لا يظلما بعدها أبدا.

فقال عيسى عليه السلام: اللهم اسقني منها. قال: حرام - يا عيسى - على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذلك النبي، أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على العين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة(١) .

٤١٩/١١ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوبكر أحمد بن دبيس بن عبدالله المفسر، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي البهلول المروزي، قال: حدّثنا الفضل بن هرمز ديار الطبري، قال: حدّثنا أبوعلي الحسن بن شجاع البلخي، قال: حدّثنا سليمان بن الربيع، قال: سمعت كادح بن أحمد يقول: سمعت مقاتل بن سليمان يقول: سمعت الضحاك، قال: سأل رجل ابن عباس: ما الذي أخفى الله تبارك وتعالى من الجنة، وقد أخبر عن أزواجها، وعن خدمها، وطيبها وشرابها وثمرها، وما ذكر الله تبارك وتعالى من أمرها وأنزله في كتابه؟ فقال ابن عباس: هي جنة عدن، خلقها الله يوم الجمعة، ثم أطبق عليها، فلم يرها مخلوق من أهل السماوات والارض حتى يدخلها أهلها، قال لها عزّوجلّ ثلاث مرات: تكلمي. فقالت: طوبى للمؤمنين. قال جل جلاله: طوبى للمؤمنين، وطوبى لك.

قال مقاتل: قال الضحاك: قال ابن عباس: فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا من كان فيه ست خصال فإنه منهم: من صدق حديثه، وأنجز وعده، وأدى أمانته، وبر والديه، ووصل رحمه، واستغفر من ذنبه، فهو مؤمن(٢) .

٤٢٠/١٢ - حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم الطالقاني رحمه الله، قال: حدثنا

______________

(١) بحار الانوار ١٤: ٢٨٤/٦.

(٢) بحار الانوار ٦٧: ٢٩٠/١٣.

٣٤٧

أبو بكر محمّد بن القاسم الانباري، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبوبكر محمّد بن أبي يعقوب الدينوري، قال: حدّثنا أحمد بن أبي المقدام العجلي، قال: يروى أن رجلا جاء إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أميرالمؤمنين، إن لي إليك حاجة. فقال: اكتبها في الارض، فإني أرى الضر فيك بينا. فكتب في الارض: أنا فقير محتاج. فقال علي عليه السلام: يا قنبر اكسه حلتين. فأنشأ الرجل يقول:

كسوتني حلة تبلى محاسنها

فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة

ولست تبقي بما قد نلته بدلا

إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه

كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لا تزهد الدهر في عرف(١) بدأت به

فكل عبد سيجزى بالذي فعلا

فقال علي عليه السلام: أعطوه مائة دينار، فقيل له: يا أميرالمؤمنين، لقد أغنيته. فقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أنزلوا الناس منازلهم.

ثم قال علي عليه السلام: إني لاعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم، ولا يشترون الاحرار بمعروفهم!(٢) .

٤٢١/١٣ - حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أبوأحمد عبدالله بن أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا عليّ بن سعيد بن بشير، قال: حدّثنا ابن كاسب، قال: حدّثنا عبدالله بن ميمون المكي، قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليهم السلام، أنه دخل عليه رجلان من قريش، فقال: ألا أحدثكما عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقالا: بلى، حدّثنا عن أبي القاسم. قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: لما كان قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بثلاثة أيام هبط عليه جبرئيل، فقال: يا أحمد، إن الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة، يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك يا محمّد؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أجدني - يا جبرئيل - مغموما وأجدني - يا جبرئيل - مكروبا.

______________

(١) العرف: المعروف.

(٢) بحار الانوار ٧٤: ٤٠٧/٢.

٣٤٨

فلما كان اليوم الثلاث هبط جبرئيل وملك الموت، ومعهما ملك يقال له: إسماعيل في الهواء علي سبعين ألف ملك، فسبقهم جبرئيل عليه السلام، فقال: يا أحمد، إن الله عزّوجلّ أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة، يسألك عما هو أعلم به منك. فقال: كيف تجدك يا محمّد؟ قال: أجدني - يا جبرئيل - مغموما، وأجدني - يا جبرئيل - مكروبا.

فاستأذن ملك الموت، فقال جبرئيل: يا أحمد، هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك. قال: ائذن له. فأذن له جبرئيل عليه السلام، فأقبل حتى وقف بين يديه، فقال: يا أحمد، إن الله أرسلني إليك، وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أتفعل ذلك يا ملك الموت؟ قال: نعم، بذلك أمرت أن أطيعك فيما تأمرني.

فقال له جبرئيل عليه السلام: يا أحمد، أن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا ملك الموت، امض لما أمرت به. فقال جبرئيل عليه السلام: هذا آخر وطئي الارض، إنما كنت حاجتي من الدنيا.

فلما توفي رسول الله (صلّى الله على روحه الطيب)، جاءت التعزية، جاءهم آت يسمعون حسه، ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١) إن في الله عزّوجلّ عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: هل تدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام(٢) .

٤٢٢/١٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا أبوالعباس أحمد

______________

(١) آل عمران ٣: ١٨٥.

(٢) بحار الانوار ٢٢: ٥٠٤/٤.

٣٤٩

ابن إسحاق المادري(١) بالبصرة في رجب سنة ثمان عشرة وثالث مائة، قال: حدّثنا أبوقلابة عبد الملك بن محمّد، قال: حدّثنا غانم بن الحسن السعدي، قال: حدّثنا مسلم ابن خالد المكي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبدالله الانصاري، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: قالت فاطمة عليها السلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أبتاه، أين ألقاك يوم الموقف الاعظم، ويوم الاهوال، ويوم الفزع الاكبر؟ قال: يا فاطمة، عند باب الجنة، ومعي لواء الحمد، وأنا الشفيع لامتي إلى ربي.

قالت: يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك؟ قال: القيني على الحوض وأنا أسقي أمتي. قالت: يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك؟ قال: القيني على الصراط وأنا قائم أقول: رب سلم أمتي، قالت: فإن لم ألقك هناك؟ قال: القيني وأنا عند الميزان أقول: رب سلم أمتي. قالت: فإن لم ألقك هناك؟ قال: القيني عند شفير جهنم أمنع شررها ولهبها عن أمتي. فاستبشرت فاطمة بذلك (صلّى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)(٢) .

٤٢٣/١٥ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أبوأحمد عبد العزيز بن يحيى البصري، قال: حدّثنا المغيرة بن محمّد، قال: حدثني إبراهيم بن محمّد بن عبد الرحمن الازدي سنة ست عشرة ومائتين، قال: حدّثنا قيس بن الربيع ومنصور بن أبي الاسود، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبدالله، قال: قال علي عليه السلام: ما نزلت من القرآن آية إلا وقد علمت أين نزلت، وفيمن نزلت، وفي أي شئ نزلت، وفي سهل نزلت، أو في جبل نزلت.

قيل: فما نزل فيك؟ فقال: لولا أنكم سألتموني ما أخبرتكم، نزلت في هذه الآية:( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٣) ، فرسول الله المنذر، وأنا الهادي إلى ما جاء به(٤) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة: الماردي، وفي اخرى: المادرائي.

(٢) بحار الانوار ٤٣: ٢١/١١.

(٣) الرعد ١٣: ٧.

(٤) بحار الانوار ٩٢: ٧٩/٢.

٣٥٠

[ ٤٧ ]

المجلس السابع والاربعون

مجلس يوم الجمعة

الخامس من شهر ربيع الاول سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٤٢٤/١ - حدّثنا الشيخ الجليل الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن محمّد المعروف بعلان، عن محمّد بن الفرج الرخجي، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة، فكتب عليه السلام: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان(١) .

٤٢٥/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الصقر بن دلف(٢) ، قال سألت أبا الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ ابن موسى الرضا عليهم السلام عن التوحيد، وقلت له إني أقول بقول هشام بن الحكم، فغضب عليه السلام، ثم قال: مالكم ولقول هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله جسم،

______________

(١) التوحيد: ٩٧/٢، بحار الانوار ٣: ٢٨٨/٣.

(٢) كذا في النسخ، وفي معجم رجال الحديث ٩: ١٣٩، والخصال: ٣٩٥/١٠٢: الصقر بن أبي دلف.

٣٥١

ونحن منه براء في الدنيا والآخرة. يا بن دلف، إن الجسم محدث، والله محدثه ومجسمه(١) .

٤٢٦/٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليهم السلام: جعلت فداك أصلي خلف من يقول بالجس، ومن يقول بقول يونس بن عبد الرحمن؟ فكتب عليه السلام: لا تصلوا خلفهم، ولا تعطوهم من الزكاة، وابرءوا منهم، برئ الله منهم(٢) .

٤٢٧/٤ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن واصل، عن عبدالله بن سنان، عن أبيه، قال: حضرت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام، ودخل عليه رجل من الخوارج، فقال: يا أبا جعفر، أي شئ تعبد؟ قال: الله. قال: رأيته؟ قال: لم تره العيون بمشاهدة العيان، ورأته القلوب بحقائق الايمان، لا يعرف بالقياس، ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلا هو.

قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته(٣) .

٤٢٨/٥ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى(٤) ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا الفضل بن سليمان الكوفي، عن الحسين بن خالد، قال: سمعت الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام يقول: لم يزل الله تبارك وتعالى عالما قادرا، حيا قديما، سميعا بصيرا.

فقلت له: يا بن رسول الله: إن قوما يقولون: إنه عزّوجلّ لم يزل عالما بعلم، وقادرا بقدرة، وحيا بحياة، وقديما بقدم، وسميعا بسمع، وبصيرا ببصر.

______________

(١) التوحيد: ١٠٤/٢٠، بحار الانوار ٣: ٢٩١/١٠.

(٢) بحار الانوار ٣: ٢٩٢/١٣، و ٨٨: ٧٩/٣٤.

(٣) التوحيد: ١٠٨/٥، الاحتجاج: ٣٢١، بحار الانوار ٤: ٢٦/١.

(٤) في العيون، والتوحيد: عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق، وكلاهما واحد، انظر نوابغ الرواة: ١٧٣.

٣٥٢

فقال عليه السلام: من قال بذلك ودان به، فقد اتخذ مع الله آلهة اخرى، وليس من ولايتنا على شئ. ثم قال عليه السلام لم يزل الله عزّوجلّ عالما قادرا، حيا قديما، سميعا بصيرا لذاته، تعالى عما يقول المشركون المشبهون علوا كبيرا(١) .

٤٢٩/٦ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ السكري، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمّد بن عمارة(٢) ، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، فقلت له: يا بن رسول الله، أخبرني عن الله، هل له رضا وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه(٣) .

٤٣٠/٧ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الاسدي الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان، ولا مكان، ولا حركة، ولا انتقال، ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون والانتقال، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا(٤) .

٤٣١/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن صباح بن عبد الحميد وهشام وحفص وغير واحد، قالوا: قال أبوعبدالله الصادق عليه السلام: إنا لا نقول جبرا ولا تفويضا(٥) .

٤٣٢/٩ - حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه، قال: حدّثنا عمي محمّد بن أبي

______________

(١) التوحيد: ١٣٩/٣، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١١٩/١٠، الاحتجاج: ٤١٠، بحار الانوار ٤: ٦٢/١.

(٢) في النسخ: محمّد بن عمارة، والصواب ما أثبتناه من التوحيد، انظر الجامع في الرجال: ٤٠٢، نوابغ الرواة: ٢٧١، في ترجمة محمّد بن زكريا الغلابي،

(٣) التوحيد: ١٧٠/٤، بحار الانوار ٤: ٦٣/٣.

(٤) بحار الانوار ٣: ٣٠٩/١.

(٥) بحار الانوار ٥: ٤/١.

٣٥٣

القاسم، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ القرشي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا: أن أتعبي من خدمك، واخدمي من رفضك، وإن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم وناجاه، أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: يا رب يا رب، ناداه الجليل جل جلاله: لبيك عبدي، سلني أعطك، وتوكل علي أكفك، ثم يقول جل جلاله لملائكته: يا ملائكتي، أنظروا إلى عبدي، فقد تخلى بي في جوف الليل المظلم، والبطالون لا هون، والغافلون نيام، اشهدوا أني قد غفرت له.

ثم قال عليه السلام: عليكم بالورع والاجتهاد والعبادة، وزوهدوا في هذه الدنيا الزاهدة فيكم، فإنها غرارة، دار فناء وزوال، كم من مغتر بها قد أهلكته، وكم من واثق بها قد خانته، وكم من معتمد عليها قد خدعته وأسلمته، واعلموا أن أمامكم طريقا مهولا، وسفرا بعيدا، وممركم على الصراط، ولا بد للمسافر من زاد، فمن لم يتزود وسافر عطب وهلك، وخير الزاد التقوى، ثم اذكروا وقوفكم بين يدي الله جل جلاله، فإنه الحكم العدل، واستعدوا لجوابه إذا سألكم، فإنه لابد سائلكم عما عملتم بالثقلين من بعدي، كتاب الله، وعترتي، فانظروا أن لا تقولوا: أما الكتاب فغيرنا وحرفنا، وأما العترة ففارقنا وقتلنا، فعند ذلك لا يكون جزاؤكم إلا النار، فمن أراد منكم أن يتخلص من هول ذلك اليوم، فليتول وليي، وليتبع وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب، فإنه صاحب حوضي، يذود عنه أعداءه، ويسقي أولياءه، فمن لم يسق منه لم يزل عطشان ولم يرو أبدا، ومن سقي منه شربة لم يشق ولم يظمأ أبدا، وإن عليّ بن أبي طالب عليه السلام لصاحب لوائي في الآخرة، كما كان صاحب لوائي في الدنيا، وإنه أول من يدخل الجنة، لانه يقدمني وبيده لوائي، تحته آدم ومن دونه من الانبياء(١) .

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ٩٩/١٨.

٣٥٤

٤٣٣/١٠ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله بن أبي خلف، قال: حدثني أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، قال: جاء رجل إلى الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام فقال له: يا بن رسول الله، أخبرني بمكارم الاخلاق. فقال: العفو عمن ظلمك، وصلة من قطعك، وإعطاء من حرمك، وقول الحق ولو على نفسك(١) .

٤٣٤/١١ - حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران والحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبدالله السجستاني، عن أبان بن تغلب، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: أنه قال: من مات ما بين زوال الشمس من يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين، أعاذه الله من ضغطة القبر(٢) .

٤٣٥/١٢ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال حدّثنا سعد ابن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عنبسة بن بجاد العابد: أن رجلا قال للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: أوصني. فقال: أعد جهازك، وقدم زادك لطول سفرك، وكن وصي نفسك، ولا تأمن غيرك أن يبعث إليك بما يصلحك(٣) .

٤٣٦/١٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله بن أبي خلف، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثني جعفر بن بشير البجلي، قال: حدثني حماد بن واقد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنه قال: من قال سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم: ثلاثين مرة، استقبل الغنى، واستدبر الفقر، وقرع باب الجنة(٤) .

______________

(١) معاني الاخبار: ١٩١/١، بحار الانوار ٦٩: ٣٦٨/٦.

(٢) ثواب الاعمال: ١٩٤، بحار الانوار ٦: ٢٢١/١٧، و ٨٩: ٢٦٥/١.

(٣) مستطرفات السرائر: ١٤٦/١٩، بحار الانوار ٧٨: ٢٧٠/١١١.

(٤) بحار الانوار ٩٣: ١٧٧/٥.

٣٥٥

٤٣٧/١٤ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنه قال: والله إن كان علي عليه السلام ليأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وإن كان ليشتري القميصين السنبلانيين(١) ، فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه، ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعا، ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وإن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضا إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يده، تربت فيه يداه، وعرق فيه وجهه، وما أطاق عمله أحد من الناس، وإن كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وإن كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليهما السلام، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده(٢) .

٤٣٨/١٥ - وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول، نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب عليه السلام:( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) (٣) قال الرجل: فأتيت عليا عليه السلام لانظر إلى عبادته، فأشهد بالله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى عشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه، فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان، فإذا فرغا قام آخران، إلى أن قام إلى صلاة الظهر، قال: فجدد لصلاة الظهر وضوءه، ثم صلى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى أن

______________

(١) القميص السنبلاني: السابغ الطول، وقيل: هو منسوب إلى بلد بالروم.

(٢) بحار الانوار ٤١: ١٠٢/١.

(٣) الزمر ٣٩: ٩.

٣٥٦

صلى بهم العصر، ثم أتاه الناس، فجعل يقوم رجلان ويقعد آخران، يقضي بينهم ويفتيهم إلى أن غابت الشمس، فخرجت وأنا أقول: أشهد بالله أن هذه الآية نزلت فيه(١) .

٤٣٩/١٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن عبدالله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن وهب بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن كساه من عري كساه الله من استبرق وحرير، ومن سقاه شربة على عطش سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن أعانه أو كشف كربته أظله الله في ظل عرشة يوم لا ظل إلا ظله(٢) .

٤٤٠/١٧ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبدالله بن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن الاصبغ بن نباتة، أنه قال: كان أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام إذا اتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين، ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة، وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، لا تغريني، غري غيري:

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه(٣)

ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كل ذي حق حقه، ثم يأمر أن يكنس ويرش، ثم يصلي فيه ركعتين، ثم يطلق الدنيا ثلاثا، يقول بعد التسليم:

______________

(١) بحار الانوار ٤١: ١٣/٣.

(٢) بحار الانوار ٧٤: ٣٨٢/٨٨.

(٣) هذا البيت لعمرو بن عدي اللخمي ابن اخت جذيمة الابرش، وكان جذيمة قد نزل منزلا، وأمر الناس أن يجتنوا له الكمأة، فكان بعضهم إذا وجد منها شيئا يعجبه فربما آثر نفسه به على جذيمة، وكان عمرو بن عدي يأتيه بخير ما يجد، ويقول هذا البيت، فذهب مثلا، قال ابن سلام: والذي أراد علي رضي الله عنه أني اعطي المال غيري، وامنعه نفسي. كتاب الامثال: ١٧٤/٤٩٥.

٣٥٧

يا دنيا لا تتعرضي لي ولا تتشوقي ولا تغريني، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك(١) .

٤٤١/١٨ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، أنه سئل ما العقل؟ فقال: التجرع للغصة، ومداهنة الاعداء، ومداراة الاصدقاء(٢) .

٤٤٢/١٩ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن أحمد الاشعري، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسين بن سعيد الازدي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبدالله بن صباح، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الاولين والآخرين في صعيد واحد، فتغشاهم ظلمة شديدة، فيضجون إلى ربهم ويقولون: يا رب، اكشف عنا هذه الظلمة. قال: فيقبل قوم، يمشي النور بين أيديهم، قد أضاء أرض القيامة، فيقول أهل الجمع: هؤلاء أنبياء الله؟ فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بإنبياء. فيقول أهل الجمع: فهؤلاء ملائكة؟ فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بملائكة. فيقول أهل الجمع: هؤلاء شهداء؟ فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بشهداء. فيقولون: من هم؟ فيجيئهم النداء: يا أهل الجمع، سلوهم من أنتم. فيقول أهل الجمع: من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويون، نحن ذرية محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، نحن أولاد علي ولي الله، نحن المخصوصون بكرامة الله، نحن الآمنون المطمئنون. فيجيئهم النداء من عند الله عزّوجلّ: اشفعوا في محبيكم وأهل مودتكم وشيعتكم، فيشفعون ويشفعون(٣) .

٤٤٣/٢٠ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا سلمة

______________

(١) بحار الانوار ٤١: ١٠٣/٢.

(٢) بحار الانوار ٧٥: ٣٩٣/٣.

(٣) بحار الانوار ٧: ١٠٠/٤، و ٩٦: ٢١٧/١.

٣٥٨

ابن الخطاب، قال: حدّثنا أبوطاهر محمّد بن تسنيم الوراق، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات يوم لاصحابه: معاشر أصحابي، إن الله جل جلاله يأمركم بولاية عليّ بن أبي طالب، والاقتداء به، فهو وليكم وإمامكم من بعدي، لا تخالفوه فتكفروا، ولا تفارقوا فتضلوا، إن الله جل جلاله جعل عليا علما بين الايمان والنفاق، فمن أحبه كان مؤمنا، ومن أبغضه كان منافقا، إن الله جل جلاله جعل عليا وصيي ومنار الهدى بعدي، وموضع سري، وعيبة علمي، وخليفتي في أهلي، إلى الله أشكو ظالميه من أمتي من بعدي(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ٩٧/١٥.

٣٥٩

[ ٤٨ ]

المجلس الثامن والاربعون

مجلس يوم الثلاثاء

التاسع من شهر ربيع الاول سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٤٤٤/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: كان إبليس (لعنه الله) يخترق السماوات السبع، فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات، وكان يخترق أربع سماوات، فلما ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه، وقال عمرو بن أمية، وكان من أزجر أهل الجاهلية: انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها، ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شئ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث.

وأصبحت الاصنام كلها صبيحة مولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه، وارتجس(١) في تلك الليلة أيوان كسرى، وسقطت منه أربعة

______________

(١) الارتجاس: الاضطراب والتزلزل.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458