تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458
المشاهدات: 174880
تحميل: 5152


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174880 / تحميل: 5152
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 10

مؤلف:
ISBN: 964-319-197-4
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فيها.

ج - ما يُعدّ للتداوي ، كدهن الخوخ واللوز المـُرّ وحبّة الخضراء وما أشبه ذلك ، فإنّه يجري فيه الربا ؛ لأنّه مكيل أو موزون. وعلّل الشافعي بأنّه يؤكل للتداوي(١) .

د - ما يُعدّ للاستصباح ، كالبزر ودهن السمك. ويجري فيهما الربا ؛ لأنّه مكيل أو موزون ، فيباع كلّ واحد منهما بجنسه متساوياً نقداً لا نسيئةً ، وبصاحبه متفاضلاً نقداً ونسيئةً.

وللشافعيّة وجهان(٢) ، أحدهما : جريان الربا فيه ؛ لأنّه يؤكل ، وأصله حبّ الكتّان ، وهو مأكول يطرح في الملح. والثاني : لا يجري ؛ لأنّه لا يؤكل في عادة الناس ، ولهذا لا يستطاب ، وأكله سَفَهٌ.

مسألة ٩٠ : يجوز بيع المطبوخ بالني‌ء من جنسه ومن غير جنسه‌ ، وكذا المطبوخ بالمطبوخ ، لكن يعتبر في المتّحد جنسه تساوي القدر والحلول دون غيره ، عند علمائنا ؛ عملاً بالأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع المطبوخ بالني‌ء(٣) مع اتّحاد الجنس مطلقاً ؛ لأنّ النار تعقد أجزاءه فتختلف فيؤدّي ذلك إلى التفاضل بينهما لو كانا على حالة الادّخار(٤) .

____________________

(١) اُنظر : المجموع ٩ : ٣٩٨ ، و ١٠ : ١٨٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥.

(٣) في نسختين من التذكرة ، المرموز لهما بـ « خ ، ه‍ » المعتمدتين في تحقيق قسم البيع ( الجزء السابع ) منها المطبوع بمطبعة النجف عام ١٣٧٤ ه‍ زيادة : ولا بيع المطبوخ بالمطبوخ.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

١٨١

وينتقض بالتمر ؛ فإنّ الشمس تُجفّفه ، ويختلف جفافها فيه. ولأنّ ذلك غير معتدّ به ؛ لعدم العلم بجفافه أزيد.

إذا ثبت هذا ، فإنّ عصير العنب جنس يباع بعضه ببعضٍ متساوياً - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ حالته حالة كمال ، ولا ينقص إذا بلغ إلى حالة كماله بالحموضة. وكذا عصير الرمّان والسفرجل والتفّاح وقصب السُّكّر.

ويجوز بيع بعض هذه الأجناس بجنس آخر منها متفاضلاً ؛ لتعدّدها جنساً. وكذا إن طُبخت بالنار أو بعضها ، عندنا مطلقاً وعند الشافعي مع اختلاف الجنس لا اتّفاقه ، فلا يجوز عنده بيع المطبوخ بالمطبوخ ولا بغيره إذا اتّفق الجنس(٢) .

مسألة ٩١ : جيّد كلّ شي‌ء ورديئه جنس لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً لا نقداً ولا نسيئةً‌ ، ويجوز متساوياً نقداً لا نسيئةً ، عند علمائنا ، فلا يجوز بيع درهم صحيح بدرهم مكسّر مع زيادة تقابل الصحّة ، وبه قال الشافعي ، خلافاً لمالك ، وقد تقدّم(٣) .

مسألة ٩٢ : يجوز بيع الجنسين المختلفين بأحدهما‌ إذا زاد على ما في المجموع من جنسه بحيث تكون الزيادة في مقابلة المخالف ، وذلك كمُدّ عجوة ودرهم بمُدَّيْ عجوة أو بدرهمين أو بمُدَّيْ عجوة ودرهمين ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة(٤) - حتى لو باع ديناراً في خريطة‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٦٥ - ١٦٦.

(٢) اُنظر : المغني ٤ : ١٦٥ - ١٦٦ ، والشرح الكبير ٤ : ١٦٣.

(٣) تقدّم في ص ١٤٦ ، الفرع ( ب ) من المسألة ٧٧.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٧٠ - ١٧١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٧ - ٣٤٨.

١٨٢

بمائة دينار ، جاز.

لنا : الأصل السالم عن معارضة الربا ؛ لأنّ الربا هو بيع أحد المثلين بأزيد منه من الآخر ، والمبيع هنا المجموع ، وهو مخالف لأفراده.

وما رواه أبو بصير قال : سألته عن السيف المفضّض يباع بالدراهم؟

قال : « إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس ، وإن كانت أكثر فلا يصلح »(١) .

وسأله عبد الرحمن بن الحجّاج عن شراء ألف درهم ودينار بألفي درهم ، قال : « لا بأس بذلك »(٢) .

ولأنّ أصل العقود الصحّة ، ومهما أمكن حمله عليها لم يحمل على الفساد ، كشراء اللحم من القصّاب ، فإنّه سائغ ؛ حملاً على التذكية ، ولا يحمل على الميتة وإن كان الأصل ؛ لأنّ أصالة الصحّة أغلب. وكذا لو اشترى إنسان شيئاً بمال معه ، حُمل على أنّه له ليصحّ البيع.

وهنا يمكن حمل العقد على الصحّة بأن يجعل الخريطة في مقابلة ما زاد على الدينار ، فيصحّ العقد ، وفي مسألة مُدّ عجوة بصرف المـُدّ الآخر من التمر في مقابلة الدرهم ، أو صرف الدرهم إلى الدرهم والدرهم الآخر في مقابلة المـُدّ ، أو صرف مُدّ عجوة إلى الدرهمين والدرهم إلى المـُدَّيْن.

وقال الشافعي : لا يجوز ذلك كلّه - وبه قال أحمد - لأنّ فضالة بن عبيد قال : شريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخزر ، فذكرت ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « لا يباع مثل هذا حتى يفصل »(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٣ / ٤٨٩ ، الاستبصار ٣ : ٩٨ / ٣٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٦ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٨٥ / ٨٣٤ ، التهذيب ٧ : ١٠٤ / ٤٤٥.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٣ / ٩٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٤٩ / ٣٣٥٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٦ / ١٢٢٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٤ - ٨٥.

١٨٣

ولأنّ العقد إذا جمع عوضين ، وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه ، فإن كان مختلف القيمة ، اختلف ما يأخذه(١) من العوض ، كما لو باع ثوبين بدراهم ، فإذا احتيج إلى معرفة ثمن كلٍّ منهما ، قوّم الثوبين وقسّم على قدر القيمتين ، فلو كانت قيمة أحدهما ستّة والآخر ثلاثة وبِيعا بعشرة ، بسطت عليهما أثلاثاً. وبهذا الطريق يعرف قيمة شقص الشفعة ، المنضمّ إلى غيره. وكذا لو تلف أحد العبدين المبيعين صفقةً في يد البائع قبل القبض ، فكذا هنا إذا باع مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن ، فينظر إلى ما يساوي الدرهم ، فيكون مُدّاً ونصفاً ، فيخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المـُدَّيْن(٢) .

والجواب : جاز أن يكون في القلادة من الذهب ما يزيد ، فتجب معرفة القدر ، فلهذا أوجب الفصل. وقسط الثمن لا يقتضي شراء كلّ جزء بما قسط عليه من الثمن.

فروع :

أ - لو باع نوعين من جنس واحد مختلفي القيمة بنوعٍ واحد ، كدينار معزّي ودينار أبريزي بدينارين أبريزية ، جاز مع التساوي قدراً ، ولا اعتبار بالقيمة عندنا. وكذا لو باع درهماً صحيحاً بدرهم مكسور أو درهماً صحيحاً ودرهماً مكسوراً بصحيحين أو مكسورين ، سواء قلّت قيمة المكسور عن‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : ما يأخذ. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٤ - ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣ ، المغني ٤ : ١٦٩ - ١٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧٠ - ١٧١.

١٨٤

قيمة الصحيح أو لا. وكذا درهم وثوب بدرهمين ، وبه قال أحمد في الجنس الواحد(١) ، كبيع دينارين مختلفين بدينارين متّفقين ، وكبيع مكسور وصحيح بمكسورين أو صحيحين.

وجوّزه أبو حنيفة مطلقاً ، ومَنَعه الشافعي مطلقاً ، وقد تقدّم(٢) .

والأصل أنّ الصنعة لا قيمة لها في الجنس ، ولهذا لا يجوز بيع المصوغ بأكثر متفاضلاً.

ب - لو تلف الدرهم المعيّن المنضمّ إلى المـُدّ قبل قبضه أو ظهر استحقاقه‌ وكان المثمن مُدَّيْن ودرهمين ، احتمل بطلان البيع في الجميع حذراً من الربا ؛ لاستلزام بسط الثمن على أجزاء المبيع إيّاه ، فتلفُ نصفه - على تقدير مساواة المـُدّ درهماً - يقتضي سقوط النصف من الثمن ، فيصير ثمن المـُدّ الثاني مُدّاً ودرهماً.

ويحتمل البطلان في التخالف ؛ فإنّ المقتضي لصحّة هذا البيع صرف كلّ جنس إلى ما يخالفه لتحصل السلامة من الربا ، فالدرهم في مقابلة المـُدَّيْن خاصّة ، ويبقى المـُدّ في مقابلة الدرهمين.

ويحتمل التقسيط ؛ لأنّه مقتضى مطلق العقد ، والربا المبطل إنّما يعتبر حين العقد ، وهو في تلك الحال كان منفيّاً.

ج - لو باعه مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن ثمّ تلف الدرهم المعيّن وكان المـُدّ المضاف إليه يساوي درهماً ، وكلٌّ من المـُدَّيْن يساوي درهماً أيضاً ، بقي مُدٌّ في مقابلة المـُدّ الآخر ، وبطل البيع في المـُدّ الثاني.

ولو كان يساوي درهمين ، فقد تلف ثلث العوض ، فيبطل من الآخر ثلثه ، فيبقى مُدٌّ في مقابلة مُدٌّ وثلث مُدٌّ ، ولا يثبت الربا هنا ؛ لأنّ الزيادة‌

____________________

(١) المغني ٤ : ١٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) في ١٤٦ - ١٤٧ ، الفرع ( ب ) من المسألة ٧٧.

١٨٥

حصلت بالتقسيط الثابت بعد صحّة البيع.

د - لو كان كلٌّ من المـُدَّيْن لواحدٍ فباعهما أحدهما ولم يُجز الآخر ، بطل البيع في مُدّه ، وسقط من الثمن نصف المـُدّ ونصف درهم ، وثبتا للبائع في مقابلة مُدّه إن تساويا قيمةً ، ولو اختلفا فكانت قيمة مُدّ الفاسخ نصفَ قيمة مُدّ البائع ، كان للبائع ثلثا مُدٍّ وثلثا درهمٍ عوض مُدّه.

ه- لو باعه مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن فتلف الدرهم قبل القبض وهو يساوي مُدّاً ونصفاً ، فالذي يخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المـُدَّيْن ، فيبقى مُدٌّ في مقابلة أربعة أخماس مُدٍّ ، ويجي‌ء الاحتمالات.

و - لو باعه درهماً صحيحاً ومكسوراً بدرهمين صحيحين ثمّ تلف الصحيح المعيّن ، بسطت قيمة الصحيحين على الصحيح والمكسور ، وسقط ما قابل الصحيح منها ، ويجي‌ء الاحتمالات.

مسألة ٩٣ : يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بمثلها‌ ، وبشاة خالية من اللبن ، وبلبن من جنسها ، عند علمائنا ، خلافاً للشافعي(١) .

لنا : الأصل السالم عن معارضة الربا ؛ لأنّ الشاة ليست مقدّرةً بالكيل والوزن ، ولا اللبن الذي في ضرعها ، وإنّما يكون مكيلاً أو موزوناً بعد حلبه ، فأشبه الثمرة على رؤوس النخل. ولأنّه ما دام في الضرع يكون تابعاً للمبيع ليس مقصوداً بالذات.

احتجّ بأنّ اللبن يأخذ قسطاً من الثمن ؛ لحديث المصرّاة ، فإنّ النبيّعليه‌السلام أوجب مع ردّها بعينها صاعاً من تمر(٢) ، ولو لا دخوله في العقد وتقسيط‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ / ١١ ، سنن أبي داوُد ٣ : =

١٨٦

الثمن عليه ، لم يضمنه ، كما أنّ المشتري إذا ردّ المبيع بعيبٍ بعد أن حدث عنده نماء أو ولد في يده ، لم يردّ عوض ذلك. ولأنّ اللبن في الضرع كالشي‌ء في الوعاء والدراهم في الخزانة ، وإذا كان له قسط من الثمن ، كان بيع لبن مع غيره بلبن.

والجواب : المنع من أخذه قسطاً من الثمن ، وإلزامه بالصاع ؛ لأنّه فصل اللبن عن الشاة وانتفع به ، والبحث في المتّصل في أساسات الحيطان ، فإنّها تتبع الدار ، ولو قُلعت ، قُوّمت بانفرادها.

سلّمنا ، لكنّ البيع وقع للجملة لا للأجزاء ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيعه منفرداً؟

فروع :

أ - لو باع الشاة اللبون بلبن البقر ، جاز عندنا ؛ لأنّه يجوز بيعه بلبن الشاة ، فلبن غيره أولى.

وللشافعي قولان(١) مبنيّان على أنّ الألبان هل هي جنس واحد أو أجناس متعدّدة؟ فعلى الأوّل لا يجوز ، ويجوز على الثاني. ويجب التقابض عنده في الحال قبل التفرّق ، لأنّه بيع لبن بلبن من جنس آخر.

ب - لو كانت الشاة لا لبن فيها ، جاز بيعها بلبن جنسها أو ( من غير )(٢) جنسها. وكذا لو كان في ضرعها لبن فحلبه ثمّ باعها بلبن ، جاز‌

____________________

= ٢٧٠ / ٣٤٤٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٣ / ١٢٥١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٨ و ٣١٩.

(١) اُنظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، والحاوي الكبير ٥ : ١٢٣ - ١٢٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : بغير.

١٨٧

- وبه قال الشافعي(١) - لأنّ المتخلّف في الضرع يسير لا يحلب في العادة ، فلا عبرة له.

ج - لو كانت مذبوحةً وفي ضرعها لبن ، جاز بيعها بلبن ، وبشاة مذبوحة في ضرعها لبن ، وبخالية من لبن. وبحيّةٍ ذات لبن وخاليةٍ عنه ، وبلبن من جنسها.

وقال الشافعي : لا يجوز إذا كان في الشاة المذبوحة لبن ، وإن لم يكن في ضرعها لبن ، جاز إذا سُلّمت لتزول جهالتها(٢) .

د - قد بيّنّا أنّه يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن. ومَنَعه أكثر الشافعيّة(٣) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ اللبن المتّصل بأصله لا اعتبار به في العوضين ، كما يجوز بيع السمسم بمثله من غير اعتبار الدهن فيهما ، وكذا لو باع داراً مموّهة بالذهب بمثلها أو داراً فيها بئر ماءٍ بمثلها.

احتجّوا بأنّ اللبن في الضرع بمنزلة كونه في الآنية ، فكأنّه باع شاةً ولبناً بشاة ولبن ، ولو كان اللبنان منفصلين ، لم يجز ، وكذا إذا كانا في الضرع.

ثمّ فرّقوا بين السمسم بمثله وبين المتنازع بأنّ الدهن غير موجود فيه بصفته وإنّما يحصل بالتخليص والطحن.

والماء غير مملوك عند بعضهم ، ولا يدخل في البيع ، بل كلّ مَنْ

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٦٢ ، المسألة ١٠٠.

(٣) اُنظر المصادر في الهامش (١) من ص ١٨٥.

١٨٨

أخذه استحقّه. وعند آخرين أنّه مملوك وأصل في البيع إلّا أنّ في ثبوت الربا في الماء قولين ، فإن نفيناه عنه ، فلا بحث ، وإلّا منعنا من بيع الدار بالدار وفيهما ماء.

والجواب : المنع من مساواة كون اللبن في الضرع لكونه في الإناء ؛ لأنّه بعد الحلب مقدّر بكيل أو وزن ، بخلاف كونه في الضرع. ولأنّه كالجزء من الشاة تابع للمبيع لا أصلا ، بخلاف المحلوب.

وما ذكروه في دهن السمسم ينقض عليهم المنع من بيع السمسم بالشيرج ، فإنّه إذا لم يكن في السمسم بصفته ، لم يمنع مانع من بيعه بالدهن. وكون الماء غير مملوك باطل.

ه- يجوز بيع نخلة فيها ثمر بنخلة مثمرة أو بثمرة أو بنخلة خالية ؛ لما مرّ في الشاة ، خلافاً للشافعي(١) .

مسألة ٩٤ : كلّ ما لَه حالتا رطوبة وجفاف من الربويّات يجوز بيع بعضه ببعض‌ مع تساوي الحالين إذا اتّفق الجنس. وإن اختلف ، جاز مطلقاً ، فيجوز بيع الرطب بمثله ، والعنب بمثله ، والفواكه الرطبة بمثلها ، والحنطة المبلولة بمثلها ، واللحم الطري بمثله ، والتمر والزبيب والفواكه الجافّة ، والمقدَّد والحنطة اليابسة كلّ واحد بمثله - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد وأحمد والمزني(٢) - لوجود المقتضي ، وهو عموم الحلّ ، السالم عن معارضة الربا ؛ لتساويهما في الحال وفيما بعدُ. فإن اختلفا في حالة اليبس ، فبشي‌ء يسير لا اعتبار به كالتمر الحديث‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢٤٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨٨ ، المغني ٤ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

١٨٩

بالعتيق. ولأنّ معظم منفعته في حال رطوبته ، فجاز بيع بعضه ببعضٍ ، كاللبن.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع الرطب بالرطب متساوياً ؛ لأنّهما على غير حالة الادّخار ، ولا نعلم تساويهما في حالة الادّخار ، فلم يجز بيع أحدهما بالآخر ، كالرطب بالتمر(١) .

وهو ضعيف ؛ لما بيّنّا من التفاوت اليسير.

وينتقض بالرطب الذي لا يصير تمراً في العادة ، كالبربن وشبهه ، فإنّ فيه قولين(٢) ، وكذا الفواكه التي لا تجفّف والبقول.

وأمّا إن باع بعض الجنس الواحد ببعض مع اختلاف الحالين ، كبيع الرطب بالتمر ، والعنب بالزبيب ، واللحم الطري بالمقدَّد ، والحنطة المبلولة باليابسة ، والفاكهة الجافّة بالرطبة ، فالمشهور عند علمائنا : المنع وإن تساويا قدراً - وبه قال سعد بن أبي وقّاص وسعيد بن المسيّب ومالك وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمّد(٣) - لما رواه الجمهور : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سُئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال : « أينقص الرطب إذا يبس؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « فلا إذَنْ »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام

____________________

(١) مختصر المزني : ٧٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٦٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ ، المغني ٤ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٤.

(٣) المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٥٩ - ٦٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٤) سنن الدار قطني ٣ : ٥٠ / ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٣٨ ، المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩.

١٩٠

قال : « لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أنّ اليابس يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص »(١) .

ولأنّه جنس يجري فيه الربا بِيع بعضه ببعض على صفة يتفاضلان في حال الكمال والادّخار ، فوجب أن لا يجوز ، كالحنطة بالدقيق.

وقال بعض(٢) علمائنا بالجواز مع التساوي - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن العنب بالزبيب ، قال : « لا يصلح إلّا مِثْلاً بمثل » قال : « والتمر والرطب مِثْلاً بمثل»(٤) .

ولأنّه وجد التساوي فيه كيلاً حال العقد ، فالنقصان بعد ذلك لا يؤثّر فيه ، كالحديث والعتيق.

والرواية ضعيفة ؛ لأنّ سماعة في طريقها. والقياس لا يُسمع في مقابلة النصّ ، مع قيام الفرق ؛ فإنّ الحديث والعتيق على صفة الادّخار ولقلّة النقصان فيه لا يمكن الاحتراز عنه.

فروع :

أ - نبّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : « أينقص إذا جفّ؟ »(٥) على علّة الفساد ، وأنّ المماثلة عند الجفاف تعتبر - وإلّا فهوعليه‌السلام يعلم النقصان عند الجفاف - [ و ](٦) جَعْل الوصف المنصوص عليه علّةً بالنصّ يقتضي‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٨ ، الاستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٤.

(٢) هو ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٥٨ - ٢٥٩.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣١ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٥٩ - ٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦١.

(٤) التهذيب ٧ : ٩٧ / ٤١٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٢ / ٣١٣.

(٥) اُنظر : المصادر في الهامش (٤) من ص ١٨٩.

(٦) أضفناها لأجل السياق.

١٩١

العموميّة في جميع صُور موارده.

ب - لا خلاف في جواز بيع الرطب بالتمر في صورة العرايا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

ج - قد بيّنّا عموميّة الحكم في جميع صُور الوصف الذي هو النقص عند الجفاف ، وأنّه لا يجوز بيع رطبه بيابسه ، سواء اتّفقت العادة بضبط الناقص أو لا. ويجوز عندنا بيع رطبه برطبه متساوياً ، خلافاً للشافعي(١) في الأخير.

وحكى إمام الحرمين وجهاً للشافعي في المشمش والخوخ وما لا يعمّ تجفيف رطبه أنّه يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة ؛ لأنّ رطوبتها أكمل أحوالها ، والتجفيف ، في حكم النادر(٢) .

د - يجوز بيع الحنطة المقليّة بمثلها متساوياً وبغير المقليّة ؛ لقلّة الرطوبة فيها.

وخالف الشافعي(٣) فيهما معاً.

ه- لا يجوز بيع الحنطة وفروعها بالنخالة متفاضلاً ؛ لأنّهما جنس واحد ؛ حيث إنّ أصلهما الحنطة.

وقال الشافعي : يجوز ؛ لأنّ النخالة ليست مطعومةً(٤) .

ونحن نمنع التعليل بالطعم.

و - لا يجوز بيع الحنطة المسوّسة بالحنطة المسوّسة إذا لم يبق فيها‌

____________________

(١) اُنظر المصادر في الهامش (١) من ص ١٨٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ١٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

١٩٢

لبٌّ إلّا متساوياً ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه سوّغ البيع مع التفاضل ، حيث علّل بالطعم(١) . وهو ممنوع.

ز - المأكولات التي لا تكال ولا توزن كالمعدودات لا ربا فيها عندنا ، إلّا على رأي مَنْ يُثبت الربا في المعدودات.

وللشافعي قولان ، ففي القديم : لا ربا فيها. وفي الجديد : يثبت(٢) .

فعلى قولنا وقوله القديم يجوز التفاضل فيها ، كرُمّانة برُمّانتين وسفرجلة بسفرجلتين. وعلى الجديد لا يجوز بيع المتفاضل.

وأمّا مع التساوي : فإن كان ممّا ييبس وتبقى منفعته يابساً كالخوخ المشمّس ، فإذا جفّ ، جاز بيع بعضه ببعض متساوياً ، ولا يجوز بيع بعضه ببعض رطباً عنده(٣) ، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب عنده(٤) .

وإن كان ممّا لا ييبس ولا ينتفع بيابسه كالقثّاء والخيار وشبههما ، ففي جواز بيع بعضه ببعض رطباً متساوياً قولان : المنع ، نصّ عليه في الاُم ؛ لأنّ بعضه يحمل من الماء أكثر من البعض. والجواز ؛ لأنّ معظم منفعته في حال رطوبته ، فجاز ، كاللبن باللبن. وكذا حكم الرطب الذي لا يصلح للتجفيف والعنب الذي لا يصلح لذلك(٥) .

ثمّ إنّ هذا المبيع إن كان ممّا لا يمكن كيله ، كالقثّاء والبطّيخ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٧ و ٢٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٤ - ٣٣٧ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٤٤ ، المجموع ٩ : ٣٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٨ - ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ - ٤٥.

(٣ و ٤ ) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

١٩٣

والخيار وما أشبهه ، فإنّه يباع بعضه ببعض وزناً متساويين عنده ، وإن كان ممّا يمكن كيله ووزنه ، كالتفّاح والخوخ الصغار ، فوجهان : جواز بيع بعضه ببعض وزناً ؛ لأنّه أحصر له. والكيل ؛ لأنّ الاُصول الأربعة كلّها مكيلة ، فرُدّت إليها(١) .

مسألة ٩٥ : يجوز بيع مُدّ حنطة فيها قَصَل‌ٌ - وهو عقد التبن - أو زُؤان - وهو حبّ أسود غليظ الوسط - أو تراب بمجرى العادة بمُدّ حنطة مثله أو بخالص من ذلك ، عند علمائنا ، وكذا إذا كان في أحدهما شعير ، سواء كثر عن الآخر أو ساواه ، وسواء زاد في الكيل أو لا ؛ عملاً بالأصل السالم عن الربا ؛ لأنّ التقدير تساويهما وزناً أو كيلاً. والقَصَل والزُّؤان والتراب بمجرى العادة والشعير لا يؤثّر ؛ لقلّته ، فأشبه الملح في الطعام والماء اليسير في الخلّ.

وقال الشافعي : لا يجوز بيعه بمثله ولا بالخالص. أمّا بمثله : فللاختلاف ؛ إذ قد يكون القَصَل وشبهه في أحدهما أكثر. وأمّا بالخالص : فلتفاضل الحنطتين. أمّا إذا كان التراب يسيراً جدّاً بحيث لا يزيد في الكيل ، فإنّه يجوز بيعه بمثله لا بالخالص. وكذا التبن الناعم جدّاً ؛ لأنّه لا يأخذ قسطاً من المكيال ؛ لأنّه يكون في خلل الحنطة ، فلا يؤدّي إلى تفاضل الكيل وتفاوت الحنطتين. ولا يجوز فيما يوزن وإن قلّ التراب ، عنده ؛ لأنّ قليله يؤثّر في الميزان(٢) .

تذنيب : حكم الدرديّ في الخَلّ والثفل في البزر‌ حكم التراب في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤.

١٩٤

الحنطة.

تنبيه : لو كان أحد العوضين مشتملاً على الآخر غير مقصود ، صحّ مطلقاً ، كبيع دار مموّهة بالذهب بالذهب.

المطلب الثاني : في شرط التقدير.

قد عرفت أنّه يشترط في الربا أمران : الاتّحاد في الجنس ، وقد مضى. وكونهما مقدَّرين بالكيل أو الوزن إجماعاً.

وهل يثبت الربا مع التقدير بالعدد؟ الأصحّ : المنع ؛ عملاً بالأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الربا إلّا فيما يكال أو يوزن »(١) .

وسُئلعليه‌السلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس ما لم يكن فيه كيل ولا وزن »(٢) .

إذا تقرّر هذا ، فلا ربا إلّا فيما يكال أو يوزن مع التفاوت. ولو تساويا قدراً ، صحّ البيع نقداً.

ولو انتفى الكيل والوزن معاً ، جاز التفاضل نقداً ونسيئةً ، كثوبٍ بثوبين وبيضة ببيضتين ، سواء اختلفت القيمة أو اتّفقت.

مسألة ٩٦ : الأجناس الأربعة - أعني الحنطة والشعير والتمر والملح - مكيلة في عهده‌صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يباع بعضها ببعض إلّا مكيلةً. ولا يجوز بيع شي‌ء منها بشي‌ء آخر من جنسها وزناً بوزن وإن تساويا ، ولا يضرّ مع الاستواء في الكيل التفاوتُ في الوزن. وأمّا الموزون : فلا يجوز بيع بعضه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٦ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ /٧٤ ، و ١٩ ، ٨١ ، و ٩٤ ، ٣٩٧ ، و ١١٨ / ٥١٥ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ - ١٠١ / ٣٤٩.

١٩٥

ببعض كيلاً ، ولا يضرّ مع الاستواء في الوزن التفاوتُ في الكيل - وبه قال الشافعي(١) - لأدائه إلى التفاضل في المكيال ؛ لاحتمال أن يتفاوتا بأن يكون أحدهما أوزن وأثقل من البعض ، فيأخذ الأخفّ في المكيال أكثر فيتفاضلا في الكيل ، وقد نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه(٢) .

أمّا لو تساويا في الثقل والخفّة وعلم التفاوت(٣) بينهما ، فالأقرب : الجواز - خلافاً للشافعي(٤) - لأنّ التفاوت اليسير لا اعتبار به ، كما في قليل التراب.

أمّا الملح إذا كان قِطَعاً كباراً ، فإنّه يباع وزناً ؛ لتجافيه في المكيال ، فيعتبر حاله الآن - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٥) - نظراً إلى ما لَه من الهيئة في الحال.

والآخر : أنّه يسحق ويباع كيلاً(٦) . وليس بمعتمد.

وكذا كلّ ما يتجافى في المكيال يباع بعضه ببعض وزناً.

وأمّا ما عدا الأجناس الأربعة : فإنّ كان موزوناً على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو موزون. وكذا إن كان مكيلاً في عهدهعليه‌السلام ، حُكم فيه بالكيل ، فلو أحدث الناس خلاف ذلك ، لم يعتدّ بما أحدثوه ، وكان المعتبر تقرير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو العادة في عهدهعليه‌السلام ، وبه قال الشافعي(٧) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٠ / ١٥٨٧.

(٣) في « ق » : « التقارب » بدل « التفاوت ».

(٤) اُنظر : المصادر في الهامش (١).

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٦

وحكي عن أبي حنيفة أنّه يعتبر فيه عادات البلدان(١) .

وقد روى ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة »(٢) .

ولأنّ المعتاد في زمانهعليه‌السلام يضاف التحريم إليه كيلاً أو وزناً ، فلا يجوز أن يتغيّر بعد ذلك ؛ لعدم النسخ بعدهعليه‌السلام .

وأمّا ما لم يكن على عهدهعليه‌السلام ولا عُرف أصله بالحجاز أو لم يكن أصلاً في الحجاز فإنّه يرجع فيه إلى عادة البلد ، وبه قال أبو حنيفة ؛ فإنّه قال : المكيلات المنصوص عليها مكيلات أبداً ، والموزونات موزونات أبداً ، وما لم ينصّ عليه فالمرجع فيه إلى عادة الناس(٣) ؛ لأنّ أنساً قال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ما وزن مِثْلاً بمِثْل إذا كان نوعاً واحداً ، وما كِيل منه مِثْلاً بمِثْل إذا كان نوعاً واحداً »(٤) .

ولأنّ غير المنصوص قد عُهد من الشارع ردّ الناس فيه إلى عوائدهم ، كما في القبض والحرز والإحياء ، فإنّها تُردّ إلى العرف ، وكذا هنا.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه يردّ إلى عادة الحجاز في أقرب الأشياء شبهاً به ، كالصيد يتبع فيه ما حكمت الصحابة به في قتل المحرم. وما لم يحكم فيه بشي‌ء يردّ إلى أقرب الأشياء شبهاً به.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠.

(٢) مصابيح السنّة ٢ : ٣٣٨ ، ٢١٢١ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢ : ٣٩٢ / ٣٩٣ ، ١٣٤٤٩ ، حلية الأولياء ٤ : ٢٠ ، وفيها : « مكيال أهل المدينة ميزان أهل مكة ».

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٢ ، الكتاب - بشرح اللباب - ١ : ٢٦٦ - ٢٦٧.

(٤) سنن ، الدارقطني ٣ : ١٨ / ٥٨ ، المغني ٤ : ١٣٦ - ١٣٧.

١٩٧

والثاني : يعتبر عادة البلاد ويحكم فيه بالغالب ، كما في الحرز والإحياء والقبض حين ردّ الناس فيه إلى العرف. وينبغي أن يكون مع استواء البلاد فيه - فكأنّه لا يعلم الكيل أغلب عليه أو الوزن - أن يردّ إلى أقرب الأشياء شبهاً ؛ لتعذّر العرف فيه(١) .

فروع :

أ - ما أصله الكيل يجوز بيعه وزناً سلفاً وتعجيلاً ، ولا يجوز بيعه بمثله وزناً ؛ لأنّ الغرض في السلف والمعجّل بغير جنسه معرفة المقدار ، وهو يحصل بهما ، والغرض هنا المساواة ، فاختصّ البيع في بعضه ببعض به.

ب - إذا كان الشي‌ء يكال مرّة ويوزن اُخرى ولم يكن أحدهما أغلب ، فالوجه : أنّه إن كان التفاوت بين المكاييل يسيراً ، جاز بيع بعضه ببعضٍ متماثلاً وزناً وكيلاً. وإن كان التفاوت كثيراً ، لم يجز بيعه وزناً ، بل كيلاً.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان أكبر جرماً(٢) ، اعتبر الوزن ؛ لأنّه لم يعهد في الحجاز الكيل فيما هو أكبر جرماً من التمر. وإن كان مثله أو أصغر ، فوجهان : الوزن ؛ لقلّة تفاوته. والكيل ؛ لعمومه ؛ فإنّ أكثر الشبه مكيل(٣) .

وقال بعضهم : ينظر إلى عادة الوقت(٤) .

____________________

(١) اُنظر العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١.

(٢) أي : أكبر جرماً من التمر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٨

ج - لو كان الشي‌ء يباع في بعض البلاد جزافا وفي بعضها كيلا أو وزنا‌ ولم يكن له أصل أو لم يعرف ، قال الشيخ : يحكم بالربا بالاحتياط(١) .

وقيل : يحكم بعادة البلد الذي يقع فيه(٢) .

د - لو اختلفت البلدان فكان في بعضها يباع كيلا وفي بعضها يباع وزناً وفي بعضها جزافاً ، فالوجه : ما تقدّم أيضاً من أنّ لكلّ بلد حكم نفسه ، فيحرم التفاضل فيه إذا كان في بلد يكال أو يوزن. ويجوز في غيره.

وقال بعض الشافعيّة : الاعتبار بعادة أكثر البلدان ، فإن اختلفت العادة ولا غالب ، اعتبر بأشبه الأشياء به(٣) .

وقال بعضهم : الاعتبار بعادة بلد البيع(٤) .

ه- لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر المكاييل المحدثة بعده ، كما أنّا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفّتي الميزان ، نكتفي به وإن لم نعرف قدر ما في كلّ كفّة.

و - لا بُدّ في المكيال من معرفة مقداره ، فلا يجوز التعويل على قصعة ونحوها ممّا لا يعتاد الكيل بها ، إلّا إذا عرف نسبتها إلى الصاع. وكذا الوزن لا بُدّ من اعتباره بالأرطال المعهودة المقدّرة في نظر الشرع ، فلو عوّلا على صنجة مجهولة ، لم يصحّ.

وقد يمكن الوزن بالماء بأن يوضع الشي‌ء في ظرف ويلقى على الماء وينظر إلى مقدار غوصة. لكنّه ليس وزناً شرعيّاً ولا عرفيّاً ، فيحتمل التعويل‌

____________________

(١) النهاية : ٣٧٨.

(٢) القائل هو المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ٤٥ ، والمختصر النافع : ١٢٧.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٩

في الربويّات عليه.

مسألة ٩٧ : ما يباع كيلاً أو وزناً لا يجوز بيعه مجازفةً‌ - وبه قال الشافعي(١) - لما فيه من الغرر المنهيّ عنه.

ولقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفةً »(٢) .

وقال مالك : يجوز في البادية بيع المكيل دون الموزون جزافاً(٣) ؛ لأنّ المكيال يتعذّر في البادية ، وفي التكليف به(٤) مشقّة ، فجاز بالحزر والتخمين ، كبيع التمر بالرطب في العرايا.

والجواب : نمنع تعذّر المكيال ؛ لأنّه يمكن بالقصعة وشبهها ممّا لا يخلو أحد عنه غالباً ، ويُعلم تقديره إمّا تحقيقاً أو تقريباً. نعم ، الميزان يتعذّر غالباً. ويعارض بأنّ الكيل معنى يعتبر المماثلة والمساواة به فيما يجري فيه الربا ، فاستوى فيه الحضر والبادية كالوزن. وبيع العرايا مستثنى ؛ لحاجة الفقراء إلى الرطب.

فروع :

أ - المراد جنس المكيل والموزون وإن لم يدخلاه‌ إمّا لقلّته كالحبّة والحبّتين أو لكثرته كالزُّبْرة(٥) العظيمة.

ب - إذا خرج بالصنعة عن الوزن ، جاز التفاضل فيه ، كالثوب‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤.

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٣ / ٦٢٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٠٢ / ٣٥٥.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢.

(٤) في « ق ، ك» : وفي تكليفهم إيّاه.

(٥) أي : القطعة الضخمة من الحديد. لسان العرب ٤ : ٣١٦ « زبر ».

٢٠٠